2380 التعليق على صحيح مسلم
مجموعة أبي طارق ومجموعة رامي ومجموعة حسين ولخص عبدربه كتاب ابن حجر الزهر النضر في حال الخضر.
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد الكعبي
——–
صحيح مسلم:
(46 باب من فضائل الخضر عليه السلام)
2380 عن سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس إن نوفا البكالي يزعم أن موسى عليه السلام صاحب بني إسرائيل ليس هو موسى صاحب الخضر عليه السلام فقال كذب عدو الله سمعت أبي بن كعب يقول سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول * قام موسى عليه السلام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أي الناس أعلم فقال أنا أعلم قال فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك قال موسى أي رب كيفلي به فقيل له أحمل حوتا في مكتل فحيث تفقد الحوت فهو ثم فانطلق وانطلق معه فتاه وهو يوشع بن نون فحمل موسى عليه السلام حوتا في مكتل وانطلق هو وفتاه يمشيان حتى أتيا الصخرة فرقد موسى عليه السلام وفتاه فاضطرب الحوت في المكتل حتى خرج من المكتل فسقط في البحر قال وأمسك الله عنه جرية الماء حتى كان مثل الطاق فكان للحوت سربا وكان لموسى وفتاه عجبا فانطلقا بقية يومهما وليلتهما ونسي صاحب موسى أن يخبره فلما أصبح موسى عليه السلام قال لفتاه! < آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا >! قال ولم ينصب حتى جاوز المكان الذي أمر به! < قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا >! قال موسى! < ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا >! قال يقصان آثارهما حتى أتيا الصخرة فرأى رجلا مسجى عليه بثوب فسلم عليه موسى فقال له الخضر أنى بأرضك السلام قال أنا موسى قال موسى بني إسرائيلقال نعم قال إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه قال له موسى عليه السلام! < هل أتبعك على أن تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا >! قال له الخضر! < فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا >! قال نعم فانطلق الخضر وموسى يمشيان على
ساحل البحر فمرت بهما سفينة فكلماهم أن يحملوهما فعرفوا الخضر فحملوهما بغير نول فعمد الخضر إلى لوح من ألواح السفينة فنزعه فقال له موسى قوم حملونا بغير نول عمدت إلى سفينتهم فخرقتها! < لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني من أمري عسرا >! ثم خرجا من السفينة فبينما هما يمشيان على الساحل إذا غلام يلعب مع الغلمان فأخذ الخضر برأسه فاقتلعه بيده فقتله فقال موسى! < أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا قال ألم أقل لك إنك لن تستطيع معي صبرا >! قال وهذه أشد من الأولى! < قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه >! يقول مائل قال الخضر بيده هكذا فأقامه قال له موسى قوم أتيناهم فلم يضيفونا ولم يطعمونا! < لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا >! قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يرحم الله موسى لوددت أنه كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهما قال وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت الأولى من موسى نسيانا قال وجاء عصفور حتى وقع على حرف السفينة ثم نقر في البحر فقال له الخضر ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر قال سعيد بن جبير وكان يقرأ وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة صالحة غصبا وكان يقرأ وأما الغلام فكان كافرا
# 2380 و عن سعيد بن جبير قال قيل لابن عباس * إن نوفا يزعم أن موسى الذي ذهب يلتمس العلم ليس بموسى بني إسرائيل قال أسمعته يا سعيد قلت نعم قال كذب نوف \ 1 \ # 2380 وعن أبي بن كعب قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول * أنه بينما موسى عليه السلام في قومه يذكرهم بأيام الله وأيام الله نعماؤه وبلاؤه إذ قال ما أعلم في الأرض رجلا خيرا أو أعلم مني قال فأوحى الله إليه إني أعلم بالخير منه أو عند من هو إن في الأرض رجلا هو أعلم منك قال يا رب فدلني عليه قال فقيل له تزود حوتا مالحا فإنه حيث تفقد الحوت قال فانطلق هو وفتاه حتى انتهيا إلى الصخرة فعمي عليه فانطلق وترك فتاه فاضطرب الحوت في الماء فجعل لا يلتئم عليه صار مثل الكوة قال فقال فتاه ألا ألحق نبي الله فأخبره قال فنسي فلما تجاوزا! < قال لفتاه آتنا غداءنا لقد لقينا من سفرنا هذا نصبا >! قال ولم يصبهم نصب حتاتجاوزا قال فتذكر! < قال أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره واتخذ سبيله في البحر عجبا قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا >! فأراه مكان الحوت قال ها هنا وصف لي قال فذهب يلتمس فإذا هو بالخضر مسجى ثوبا مستلقيا على القفا أو قال على حلاوة القفا قال السلام عليكم فكشف الثوب عن وجهه قال وعليكم السلام من أنت قال أنا موسى قال ومن موسى قال موسى بني إسرائيل قال مجيء ما جاء بك قال جئت ل! < تعلمن مما علمت رشدا قال إنك لن تستطيع معي صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا >! شيء أمرت به أن أفعله إذا رأيته لم تصبر! < قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أعصي لك أمرا قال فإن اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لك منه ذكرا فانطلقا حتى إذا ركبا في السفينة خرقها >! قال انتحى عليها قال له موسى عليه السلام! < أخرقتها لتغرق أهلها لقد جئت شيئا إمرا قال ألم أقل إنك لن تستطيع معي صبرا قال لا تؤاخذني بما نسيت ولا
ترهقني من أمري عسرا فانطلقا حتى إذا لقيا >! غلمانا يلعبون قال فانطلق إلى أحدهم بادي الرأي فقتله فذعر عندها موسى عليه السلام ذعرة منكرة قال! < أقتلت نفسا زكية بغير نفس لقد جئت شيئا نكرا >! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا المكان رحمة الله علينا وعلى موسى لولا أنه عجل لرأى العجب ولكنه أخذته من صاحبه ذمامة! < قال إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني قد بلغت من لدني عذرا >! ولو صبر لرأى العجب قال وكان إذا ذكر أحدا من الأنبياء بدأ بنفسه رحمة الله علينا وعلى أخي كذا رحمة الله علينا! < فانطلقا حتى إذا أتيا أهل قرية >! لئاما فطافا في المجالس ف! < استطعما أهلها فأبوا أن يضيفوهما فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض فأقامه قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا قال هذا فراق بيني وبينك >! وأخذ بثوبه قال! < سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا أما السفينة فكانت لمساكين يعملون في البحر >! إلى آخر الآية فإذا جاء الذي يسخرها وجدها منخرقة فتجاوزها فأصلحوها بخشبة وأما الغلام فطبع يوم طبع كافرا وكان أبواه قد عطفا عليه فلو أنه أدرك أرهقهما طغيانا وكفرا فأردنا أن يبدلهما ربهما خيرا منه زكاة وأقرب رحما! < وأما الجدار فكان لغلامين يتيمين في المدينة وكان تحته >! إلى آخر الآية
وفي رواية عن بن عباس عن أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ (لتخذت عليه أجرا)
وفي رواية عن عبد الله بن عباس * أنه تمارى هو والحر بن قيس بنحصن الفزاري في صاحب موسى عليه السلام فقال بن عباس هو الخضر فمر بهما أبي بن كعب الأنصاري فدعاه بن عباس فقال يا أبا الطفيل هلم إلينا فإني قد تماريت أنا وصاحبي هذا في صاحب موسى الذي سأل السبيل إلى لقيه فهل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر شأنه فقال أبي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما موسى في ملإ من بني إسرائيل إذ جاءه رجل فقال له هل تعلم أحدا أعلم منك قال موسى لا فأوحى الله إلى موسى بل عبدنا الخضر قال فسأل موسى السبيل إلى لقيه فجعل الله له الحوت آية وقيل له إذا افتقدت الحوت فارجع فإنك ستلقاه فسار موسى ما شاء الله أن يسير ثم! < قال لفتاه آتنا غداءنا >! فقال فتى موسى حين سأله الغداء! < أرأيت إذ أوينا إلى الصخرة فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره >! فقال موسى لفتاه! < قال ذلك ما كنا نبغ فارتدا على آثارهما قصصا >! فوجدا خضرا فكان من شأنهما ما قص الله في كتابه إلا أن يونس قال فكان يتبع أثر الحوت في البحر
———
وأخرج البخاري الحديث وهذه بعض الفروق:
(ففي رواية للبخاري: ذَكَّرَ النَّاسَ يَوْمًا حَتَّى إِذَا فَاضَتِ الْعُيُونُ، وَرَقَّتِ الْقُلُوبُ وَلَّى، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: أَىْ رَسُولَ اللَّهِ هَلْ فِى الأَرْضِ أَحَدٌ أَعْلَمُ مِنْكَ؟ قَالَ: لا).
َّ (وفي رواية للبخاري: خُذْ نُونًا مَيِّتًا حَيْثُ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوحُ، فَأَخَذَ حُوتًا فَجَعَلَهُ فِى مِكْتَلٍ، فَقَالَ لِفَتَاهُ: لاَ أُكَلِّفُكَ إِلاَّ أَنْ تُخْبِرَنِى بِحَيْثُ يُفَارِقُكَ الْحُوتُ، قَالَ: مَا كَلَّفْتَ كَثِيرًا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ (وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ) يُوشَعَ بْنِ نُونٍ).
(وفي رواية البخاري: فَبَيْنَمَا هُوَ فِى ظِلِّ صَخْرَةٍ فِى مَكَانٍ ثَرْيَانَ، إِذْ تَضَرَّبَ الْحُوتُ، وَمُوسَى نَائِمٌ، فَقَالَ فَتَاهُ لاَ أُوقِظُهُ حَتَّى إِذَا اسْتَيْقَظَ نَسِىَ أَنْ يُخْبِرَهُ، وَتَضَرَّبَ الْحُوتُ، حَتَّى دَخَلَ الْبَحْرَ فَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْبَحْرِ حَتَّى كَأَنَّ أَثَرَهُ فِى حَجَرٍ).
– (في رواية البخاري: فَوَجَدَا خَضِرًا عَلَى طِنْفِسَةٍ خَضْرَاءَ عَلَى كَبِدِ الْبَحْرِ – قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ – مُسَجًّى بِثَوْبِهِ قَدْ جَعَلَ طَرَفَهُ تَحْتَ رِجْلَيْهِ، وَطَرَفَهُ تَحْتَ رَاسِهِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ)
(في رواية البخاري: قَالَ أَمَا يَكْفِيكَ أَنَّ التَّوْرَاةَ بِيَدَيْكَ، وَأَنَّ الْوَحْىَ يَاتِيكَ).
(وفي رواية البخاري: حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِى السَّفِينَةِ وَجَدَا مَعَابِرَ صِغَارًا تَحْمِلُ أَهْلَ هَذَا السَّاحِلِ إِلَى أَهْلِ هَذَا السَّاحِلِ الآخَرِ عَرَفُوهُ، فَقَالُوا عَبْدُ اللَّهِ الصَّالِحُ لاَ نَحْمِلُهُ بِأَجْرٍ، فَخَرَقَهَا وَوَتَدَ فِيهَا وَتِدًا).
غريب الحديث:
نوف البكالي: هو تابعي من أهل دمشق فاضل عالم لا سيما بالإسرائيليات، وكان ابن امرأة كعب الأحبار.
كذب عدو الله: أي أخبر بما هو خلاف الواقع، ومراد ابن عباس رضي الله عنهما الزجر والتحذير لا المعنى الحقيقي لهذه العبارة.
فعتب: لم يرض منه بذلك وأصل العتب المؤاخذة.
بمجمع البحرين: ملتقى البحرين، وفي تسمية البحرين أقوال. .
نونا: حوتا.
مكتل: وعاء.
فانسل: خرج برفق وخفة.
سربا: مسلكا يسلك فيه.
ثريان: من الثرى، وهو التراب الذي فيه نداوة.
تضرب: اضطرب.
نصبا: تعبا.
مسا: أثرا.
مسجى: مغطى.
طنفسة: فراش صغير.
كبد البحر: وسطه.
وأنى بأرضك السلام: كيف تسلم وأنت في أرض لا يعرف فيها السلام، بمعنى: من أين يأتي السلام في هذه الأرض؟
نول: أجر.
معابر: جمع معبرة، وهي: السفينة الصغيرة.
وتد: جعل فيها وتدا وهو ما رز في الأرض أو الحائط من خشب.
فعمد: قصد.
الأولى: المسألة الأولى.
زكية: طاهرة لم تذنب.
وهذا أوكد: أي قوله: ألم أقل لك، لزيادة لك فهذا أوكد في العتاب.
الذمامة: الحياء والإشفاق من الذم واللوم.
استطعما: طلبا طعاما.
ينقض: يكاد يسقط.
قال الخضر بيده: أشار بها.
من أمرهما: ممن الأعاجيب والغرائب.
وهذه فوائد للشيخ السعدي من تفسيره عند الآيات التي ذكرت قصة موسى والخضر عليهما الصلاة والسلام أرسلتها لي زوجي المصون أم مريم:
1 – فمنها فضيلة العلم، والرحلة في طلبه، وأنه أهم الأمور، فإن موسى – عليه السلام – رحل مسافة طويلة، ولقي النصب في طلبه، وترك القعود عند بني إسرائيل، لتعليمهم وإرشادهم، واختار السفر لزيادة العلم على ذلك.
2 – ومنها: البداءة بالأهم فالأهم، فإن زيادة العلم وعلم الإنسان أهم من ترك ذلك، والاشتغال بالتعليم من دون تزود من العلم، والجمع بين الأمرين أكمل.
3 – ومنها: جواز أخذ الخادم في الحضر والسفر لكفاية المؤن، وطلب الراحة، كما فعل موسى.
4 – ومنها: أن المسافر لطلب علم أو جهاد أو نحوه، إذا اقتضت المصلحة الإخبار بمطلبه، وأين يريده، فإنه أكمل من كتمه، فإن في إظهاره فوائد من الاستعداد له عدته، وإتيان الأمر على بصيرة، وإظهارًا لشرف هذه العبادة الجليلة، كما قال موسى: {لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا}.
وكما أخبر النبي – صلى الله عليه وسلم – أصحابه حين غزا تبوك بوجهه، مع أن عادته التورية، وذلك تبع للمصلحة.
5 – ومنها: إضافة الشر وأسبابه إلى الشيطان، على وجه التسويل والتزيين، وإن كان الكل بقضاء الله وقدره، لقول فتى موسى: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ}.
6 – ومنها: جواز إخبار الإنسان عما هو من مقتضى طبيعة النفس، من نصب أو جوع، أو عطش، إذا لم يكن على وجه التسخط وكان صدقا، لقول موسى: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا}.
7 – ومنها: استحباب كون خادم الإنسان، ذكيا فطنا كيسا، ليتم له أمره الذي يريده.
8 – ومنها: استحباب إطعام الإنسان خادمه من مأكله، وأكلهما جميعا، لأن ظاهر قوله: {آتِنَا غَدَاءَنَا} إضافة إلى الجميع، أنه أكل هو وهو جميعاً.
9 – ومنها: أن المعونة تنزل على العبد على حسب قيامه بالمأمور به، وأن الموافق لأمر الله، يعان ما لا يعان غيره لقوله: {لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا} والإشارة إلى السفر المجاوز، لمجمع البحرين، وأما الأول، فلم يشتك منه التعب، مع طوله، لأنه هو السفر على الحقيقة. وأما الأخير، فالظاهر أنه بعض يوم، لأنهم فقدوا الحوت حين أووا إلى الصخرة، فالظاهر أنهم باتوا عندها، ثم ساروا من الغد، حتى إذا جاء وقت الغداء قال موسى لفتاه {آتِنَا غَدَاءَنَا} فحينئذ تذكر أنه نسيه في الموضع الذي إليه منتهى قصده.
10 – ومنها: أن ذلك العبد الذي لقياه، ليس نبيا، بل عبدا صالحا، لأنه وصفه بالعبودية، وذكر منة الله عليه بالرحمة والعلم، ولم يذكر رسالته ولا نبوته، ولو كان نبيا، لذكر ذلك كما ذكره غيره.
وأما قوله في آخر القصة: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي} فإنه لا يدل على أنه نبي وإنما يدل على الإلهام والتحديث، كما يكون لغير الأنبياء، كما قال تعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ}؛ {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}.
11 – ومنها: أن العلم الذي يعلمه الله لعباده نوعان:
علم مكتسب يدركه العبد بجده واجتهاده. ونوع علم لدني، يهبه الله لمن يمن عليه من عباده لقوله: {وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}.
12 – ومنها: التأدب مع المعلم، وخطاب المتعلم إياه ألطف خطاب، لقول موسى عليه السلام: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} فأخرج الكلام بصورة الملاطفة والمشاورة، وأنك هل تأذن لي في ذلك أم لا وإقراره بأنه يتعلم منه، بخلاف ما عليه أهل الجفاء أو الكبر، الذي لا يظهر للمعلم افتقارهم إلى علمه، بل يدعي أنه يتعاون هم وإياه، بل ربما ظن أنه يعلم معلمه، وهو جاهل جدا، فالذل للمعلم، وإظهار الحاجة إلى تعليمه، من أنفع شيء للمتعلم.
13 – ومنها تواضع الفاضل للتعلم ممن دونه، فإن موسى – بلا شك- أفضل من الخضر.
14 – ومنها: تعلم العالم الفاضل للعلم الذي لم يتمهر فيه، ممن مهر فيه، وإن كان دونه في العلم بدرجات كثيرة؛ فإن موسى – عليه السلام – من أولي العزم من المرسلين، الذين منحهم الله وأعطاهم من العلم ما لم يعط سواهم، ولكن في هذا العلم الخاص كان عند الخضر، ما ليس عنده، فلهذا حرص على التعلم منه.
فعلى هذا، لا ينبغي للفقيه المحدث، إذا كان قاصراً في علم النحو، أو الصرف، أو نحوه من العلوم، أن لا يتعلمه ممن مهر فيه، وإن لم يكن محدثا ولا فقيها.
15 – ومنها: إضافة العلم وغيره من الفضائل لله تعالى، والإقرار بذلك، وشكر الله عليها لقوله: {تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ} أي: مما علمك الله تعالى.
16 – ومنها: أن العلم النافع، هو العلم المرشد إلى الخير، فكل علم يكون فيه رشد وهداية لطرق الخير، وتحذير عن طريق الشر، أو وسيلة لذلك، فإنه من العلم النافع، وما سوى ذلك، فإما أن يكون ضاراً، أو ليس فيه فائدة لقوله: {أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}
17 – ومنها: أن من ليس له قوة الصبر على صحبة العالم والعلم، وحسن الثبات على ذلك، أنه يفوته بحسب عدم صبره كثير من العلم فمن لا صبر له لا يدرك العلم، ومن استعمل الصبر ولازمه، أدرك به كل أمر سعى فيه، لقول الخضر -يعتذر من موسى بذكر المانع لموسى في الأخذ عنه- إنه لا يصبر معه.
18 – ومنها: أن السبب الكبير لحصول الصبر، إحاطة الإنسان علما وخبرة، بذلك الأمر، الذي أمر بالصبر عليه، وإلا فالذي لا يدريه، أو لا يدري غايته ولا نتيجته، ولا فائدته وثمرته ليس عنده سبب الصبر لقوله: {وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا} فجعل الموجب لعدم صبره، وعدم إحاطته خبرا بالأمر.
19 – ومنها: الأمر بالتأني والتثبت، وعدم المبادرة إلى الحكم على الشيء، حتى يعرف ما يراد منه وما هو المقصود.
20 – ومنها: تعليق الأمور المستقبلية التي من أفعال العباد بالمشيئة، وأن لا يقول الإنسان للشيء: إني فاعل ذلك في المستقبل، إلا أن يقول {إِنْ شَاءَ اللَّهُ}.
21 – ومنها: أن العزم على فعل الشيء، ليس بمنزلة فعله، فإن موسى – عليه السلام -قال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا} فوطن نفسه على الصبر ولم يفعل.
22 – ومنها: أن المعلم إذا رأى المصلحة في إِيْزَاعِهِ للمتعلم أن يترك الابتداء في السؤال عن بعض الأشياء، حتى يكون المعلم هو الذي يوقفه عليها، فإن المصلحة تتبع، كما إذا كان فهمه قاصرًا، أو نهاه عن الدقيق في سؤال الأشياء التي غيرها أهم منها، أو لا يدركها ذهنه، أو يسأل سؤالا لا يتعلق في موضع البحث.
23 – ومنها: جواز ركوب البحر، في غير الحالة التي يخاف منها.
24 – ومنها: أن الناسي غير مؤاخذ بنسيانه لا في حق الله، ولا في حقوق العباد لقوله: {لا تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ}.
25 – ومنها: أنه ينبغي للإنسان أن يأخذ من أخلاق الناس ومعاملاتهم، العفو منها، وما سمحت به أنفسهم، ولا ينبغي له أن يكلفهم ما لا يطيقون، أو يشق عليهم ويرهقهم، فإن هذا مدعاة إلى النفور منه والسآمة، بل يأخذ المتيسر ليتيسر له الأمر.
26 – ومنها: أن الأمور تجري أحكامها على ظاهرها، وتعلق بها الأحكام الدنيوية، في الأموال، والدماء وغيرها، فإن موسى – عليه السلام -، أنكر على الخضر خرقه السفينة، وقتل الغلام، وأن هذه الأمور ظاهرها، أنها من المنكر، وموسى – عليه السلام – لا يسعه السكوت عنها، في غير هذه الحال، التي صحب عليها الخضر، فاستعجل – عليه السلام -، وبادر إلى الحكم في حالتها العامة، ولم يلتفت إلى هذا العارض، الذي يوجب عليه الصبر، وعدم المبادرة إلى الإنكار.
27 – ومنها: القاعدة الكبيرة الجليلة وهو أنه ” يدفع الشر الكبير بارتكاب الشر الصغير ” ويراعي أكبر المصلحتين، بتفويت أدناهما، فإن قتل الغلام شر، ولكن بقاءه حتى يفتن أبويه عن دينهما، أعظم شرا منه، وبقاء الغلام من دون قتل وعصمته، وإن كان يظن أنه خير، فالخير ببقاء دين أبويه، وإيمانهما خير من ذلك، فلذلك قتله الخضر، وتحت هذه القاعدة من الفروع والفوائد، ما لا يدخل تحت الحصر، فتزاحم المصالح والمفاسد كلها، داخل في هذا.
28 – ومنها: القاعدة الكبيرة أيضا وهي أن ” عمل الإنسان في مال غيره، إذا كان على وجه المصلحة وإزالة المفسدة، أنه يجوز، ولو بلا إذن حتى ولو ترتب على عمله إتلاف بعض مال الغير ” كما خرق الخضر السفينة لتعيب، فتسلم من غصب الملك الظالم. فعلى هذا لو وقع حرق، أو غرق، أو نحوهما، في دار إنسان أو ماله، وكان إتلاف بعض المال، أو هدم بعض الدار، فيه سلامة للباقي، جاز للإنسان بل شرع له ذلك، حفظا لمال الغير، وكذلك لو أراد ظالم أخذ مال الغير، ودفع إليه إنسان بعض المال افتداء للباقي جاز، ولو من غير إذن.
29 – ومنها: أن العمل يجوز في البحر، كما يجوز في البر لقوله: {يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ} ولم ينكر عليهم عملهم.
30 – ومنها: أن المسكين قد يكون له مال لا يبلغ كفايته، ولا يخرج بذلك عن اسم المسكنة، لأن الله أخبر أن هؤلاء المساكين، لهم سفينة.
31 – ومنها: أن القتل من أكبر الذنوب لقوله في قتل الغلام: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}.
32 – ومنها: أن القتل قصاصا غير منكر لقوله: {بِغَيْرِ نَفْسٍ}.
33 – ومنها: أن العبد الصالح يحفظه الله في نفسه، وفي ذريته.
34 – ومنها: أن خدمة الصالحين، أو من يتعلق بهم، أفضل من غيرها، لأنه علل استخراج كنزهما، وإقامة جدارهما، أن أباهما صالح.
35 – ومنها: استعمال الأدب مع الله تعالى في الألفاظ، فإن الخضر أضاف عيب السفينة إلى نفسه بقوله: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} وأما الخير، فأضافه إلى الله تعالى لقوله: {فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} كما قال إبراهيم – عليه السلام – {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ}، وقالت الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} مع أن الكل بقضاء الله وقدره.
36 – ومنها: أنه ينبغي للصاحب أن لا يفارق صاحبه في حالة من الأحوال، ويترك صحبته، حتى يعتبه، ويعذر منه، كما فعل الخضر مع موسى.
37 – ومنها: أن موافقة الصاحب لصاحبه، في غير الأمور المحذورة، مدعاة وسبب لبقاء الصحبة وتأكدها، كما أن عدم الموافقة سبب لقطع المرافقة.
38 – ومنها: أن هذه القضايا التي أجراها الخضر هي قدر محض أجراها الله وجعلها على يد هذا العبد الصالح، ليستدل العباد بذلك على ألطافه في أقضيته، وأنه يقدر على العبد أمورا يكرهها جدا، وهي صلاح دينه، كما في قضية الغلام، أو وهي صلاح دنياه كما في قضية السفينة، فأراهم نموذجا من لطفه وكرمه، ليعرفوا ويرضوا غاية الرضا بأقداره المكروهة).
ولنذكر فوائد للحديث جمعها باحث على الحديث وحذفنا المكرر التي سبق نقلناها من الشيخ السعدي ثم ذكر حديث يوشع بن نون في
حبس الشمس له وفتح بيت المقدس وفوائده:
1 – قصة موسى مع الخضر من روائع القصص الورادة في كتاب الله وفي صحيح السنة المطهرة، وقد زادت السنة على ما ذكر في القرآن بمعلومات إضافية.
2 – على العالم أن يفصل النزاع بين المختلفين، فقد فصل ابن عباس من حديث أبي بن كعب الخلاف في موسى هل هو موسى بني إسرائيل أم غيره.
3 – واجب الخطيب أن يعظ الناس المواعظ البليغة المؤثرة التي تقودهم إلى العمل، كما هو منهج الأنبياء وكما هو واضح من وعظ موسى عليه السلام للناس، فلنتأس بهم ولنمش على خطاهم، وهذا يحتاج إلى صدق مع الله، والتسلح بالعلم النافع، فلو تكلم الخطيب بكل فصاحة وبلاغة وبيان وليس في حياته العمل، فلا يكون لكلامه أثر.
4 – يبدو أن الرجل الذي لحق بموسى وسأله قد أعجب بخطبته وكلامه، فظن أنه أعلم أهل الأرض.
5 – ليس في الحديث ما يدل أن موسى عليه السلام كان متكبرا، سيما وأنه من أولي العزم من الرسل، وهو كليم الله، ونزلت عليه التوراة ويعده العلماء في المرتبة الثالثة بين الأنبياء والمرسلين بعد سيدهم محمد وأبوهم إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، ومن كانت هذه حاله فلا يكون عنده شيء من الكبر.
6 – وما يدلل على عدم كبر موسى أنه كان هو المبادر للقاء العبد الصالح، مع أنه تكبد المشاق في طلبه، ولم يتكبر أبدا.
7 – ينبغي لمن سئل مثل هذا السؤال: أي الناس أعلم؟ أن يقول: الله أعلم.
8 – مشروعية حمل الزاد والطعام في السفر كما فعل موسى وتلميذه يوشع بن نون عليهما الصلاة والسلام.
9 – معجزة موسى في هذه الرحلة: الحوت المشوي الذي أحياه الله ليكون دليلا على مكان الخضر عليهما السلام.
10 – في إحياء الله للحوت المملح الميت دليل محسوس مشاهد على البعث، شاهده تلميذ موسى يوشع بن نون، ونحن نؤمن بما جاء به الله في كتابه.
11 – جواز النسيان في حق الأنبياء، فموسى نسي حين أنكر على الخضر.
12 – يظهر صبر المعلم على تلميذه في موقف موسى مع تلميذه حينما أخبره أنه نسي أن يخبره عن أمر الحوت، مع أن هذا كلفهما سفرا طويلا زائدا، وظهر صبر المعلم أيضا: في موقف الخضر حيث أعطاه أكثر من فرصة وصبر على احتجاجاته.
13 – قبول عذر الناسي من شيم الصالحين، لأنه لا حيلة له في النسيان.
14 – ومن أدب طالب العلم أن يخبر المعلم بصبره عليه، فقد أخبر موسى الخضر بصبره على العلم الذي يحمله.
15 – معلم موسى هو الخضر كما أخبر بذلك الحديث، وقد سمي الخضر خضرا لأنه جلس على فروة بيضاء فاهتزت تحته خضراء، وقد ورد ذلك في حديث أَبِى هُرَيْرَةَ – رضى الله عنه – عَنِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – قَالَ «إِنَّمَا سُمِّىَ الْخَضِرُ أَنَّهُ جَلَسَ عَلَى فَرْوَةٍ بَيْضَاءَ فَإِذَا هِىَ تَهْتَزُّ مِنْ خَلْفِهِ خَضْرَاءَ» رواه البخاري: 3221.
16 – الظاهر أن تلك البلاد التي كان يجلس فيها الخضر كانت مطبقة بالكفر، لذا استغرب أن يكون من أهل هذه البلاد من يرد السلام.
17 – الخضر بشر لا يعلم الغيب بدليل أنه طلب من موسى أن يعرفه بنفسه.
18 – يستحب لمن هم بشيء أن يقول: إن شاء الله، فقد قال موسى عليه السلام للخضر: إن شاء الله.
19 – من الأوصاف العظيمة لعلم الله تعالى ما قاله الخضر لموسى عندما رأى الطائر يأخذ من الماء: ما علمي وعلمك في جنب علم الله إلا كما أخذ هذا الطائر بمنقاره من البحر، وهذا من تعظيم الخضر لله تعالى.
20 – ينبغي لمن رأى المنكر أن ينكره كما أنكر موسى أفعال الخضر عليهما السلام، وظن أنها منكر.
21 – جواز نقض العهد عند رؤية المنكر، فقد شرط الخضر على موسى وتعهد عليه أن لا يحتج على شيء يراه، ولكن موسى نقضه عند رؤية المنكر.
22 – يزيد في الجرم إساءة المرء لمن أحسن إليه، كما ظن موسى أن الخضر قد أساء إلى أصحاب السفينة الذين حملوهم من غير نول.
23 – جواز إجارة السفينة وركوبها.
24 – أنكر موسى الفعل الثاني للخضر أكثر من إنكاره للأول، لذا اختلف اللفظ القرآني في التعبير، فقال في الأولى: إمرا، وفي الثانية: نكرا، وكان رد الخضر مشابها في الإنكار على عدم صبر موسى على هذا العلم، فقال في الأولى: (ألم أقل إنك)، وقال في الثانية: (ألم أقل لك إنك)، وفي هذا تدرج في شدة الاحتجاج.
25 – لا يرضى الأب الصالح لأولاده أن يكونوا طالحين، بل يزيده ذلك تعبا وإرهاقا.
26 – العبرة بصلاح الأبناء لا بعددهم كما يهتم الناس في هذا الزمان.
27 – أحيانا يكون موت الابن الضال راحة لوالديه وفرجا لهما.
28 – مشروعية طلب القوت من الناس عند الحاجة إليه، ولا يعد هذا من السؤال المذموم.
حيث طلبوا الضيافة
29 – يصح إطلاق البخل على أهل القرية جميعا إذا كان أكثر أهلها بخلاء، وكذلك الصلاح إذا كان أكثر أهلها صالحين.
30 – إقامة الخضر للجدار دون أن يطلب منه أحد يدل على أن المؤمن راغب في الأجر وفعل الخير ولو لم يكن أجرة على ذلك، لأن الأجر الأعظم من الله تعالى.
31 – إخفاء الرجل الصالح للمال يدل على جواز كنز المال وتوفيره، وهذا في حق أي مسلم بشرط أن يؤدي زكاة ماله.
32 – قصور العلم البشري عن معرفة أمور كثيرة، فقد ظن موسى أن ما فعله الخضر شرا، فتبين له أنه خير كله.
33 – تأويل ما لا يفهم ظاهره من الأقوال والأفعال والحركات.
34 – ظهر في القصة أدب جم مع الله تعالى في عدة مواقف، فقد قال تلميذ موسى له وهو يحدثه عن نسيانه لأمر الحوت: (فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان) (الكهف: (63))، فقد نسب النسيان إلى الشيطان.
وقال الخضر لموسى وهو يحدثه عن أمر السفينة: (فأردت أن أعيبها) (الكهف: (79)) فقد نسب العيب إلى نفسه، بينما نسب الخير إلى الله تعالى في أمر الجدار والكنز الذي تحته: (فأراد ربك أن يبلغا أشدهما ويستخرجا كنزهما) (الكهف: (82)).
35 – قبول خبر الواحد في العقيدة، فقد قبل ابن عباس خبر أبي بن كعب وهو يحدثه عن أخبار الأنبياء، وأخبار الأنبياء من عالم الغيب الذي هو جزء من العقيدة، فلا أدري كيف يزعم البعض أنه لا يقبل خبر الواحد في العقائد، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم الآحاد من المسلمين يبلغون الناس عقيدة التوحيد.
36 – وجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع، وإن لم تظهر بعض حكمته للعقول.
37 – يفعل الله في ملكه ما يشاء ويحكم في خلقه ما يريد.
38 – الراجح أن الخضر عليه السلام نبي، والأدلة على ذلك كثيرة، نوجزها في الأمور الآتية:
أ قوله تعالى: (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا .. ) (الكهف: (65)).
والراجح أن الرحمة هنا رحمة النبوة، فالأفعال الثلاثة فعلها رحمة من الله تعالى، وقد وردت الرحمة في كتاب الله تعالى بمعنى النبوة، قال تعالى: (وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم * أهم يقسمون رحمة ربك) (الزخرف: (31) – (33)).
فقد احتج الكفار أن يكون القرآن قد نزل على رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلو أنه نزل على عظيم مكة: الوليد بن المغيرة أو عظيم الطائف: عروة بن مسعود الثقفي، فرد الله تعالى عليهم: هذا ليس شأنكم، فالنبوة رحمة من الله يؤتيها من يشاء من عباده.
ب قال تعالى: (وعلمناه من لدنا علما) (الكهف: (65))، فالعلم اللدني في هذه الآية هو علم النبوة، ولو قلنا بعدم نبوته لفتحنا المجال لكل مبطل (خصوصا من غلاة الصوفية) أن يدعي أنه يأتيه علم لدني من الله، وأنه يسمح له مالا يسمح لغيره من الأفعال، من فعل المنكرات والمنهيات، وترك المأمورات ثم يدعي الخيرية فيها.
ت ثم إن موسى سيد أنبياء بني إسرائيل ما كان له أن يتعلم إلا من نبي مثله، وكيف يستسلم موسى عليه السلام لهذا الرجل لو لم يكن نبيا.
ث من أكبر أفعال الخضر التي تدل على نبوته في القصة: قتل الغلام، فكيف يقتل نفس طفل زكية، ثم يدعي أنه عندما يكبر سيكون كافرا، فهذا محال لرجل أن يدعي أن يعرف بالغيب إلا أن يكون نبيا يأتيه وحي من الله تعالى.
ج ختم الخضر القصة بما يدل صراحة على نبوته وأنه يتلقى الوحي والأوامر من الله تعالى، قال تعالى: (وما فعلته عن أمري) (الكهف: (82)).
ومع كل هذا من أنكر نبوته فلا يكفر، لوجود الخلاف بين العلماء في ذلك.
الراجح أن تلميذ موسى يوشع بن نون نبي
وقد رجحنا نبوته بالجمع بين حديثين:
الأول: يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن الشمس قد حبست لنبي من الأنبياء ولم يسم هذا النبي.
وفي الثاني: بين أن الشمس لم تحبس لأحد إلا ليوشع بن نون، فيكون اسم النبي المبهم في الأول هو يوشع بن نون عليه السلام.
ومما لا شك فيه أن يوشع بن نون هو فتى موسى عليه السلام الذي صحبه في القصة المشهورة في سورة الكهف، وقد جاء اسمه صريحا في الحديث الصحيح الذي سبق في قصة موسى مع الخضر.
الحديث الأول:
عن أَبُي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:
«غَزَا نَبِىٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ، فَقَالَ لِقَوْمِهِ: لاَ يَتْبَعْنِى رَجُلٌ قَدْ مَلَكَ بُضْعَ امْرَأَةٍ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَبْنِىَ بِهَا وَلَمَّا يَبْنِ، وَلاَ آخَرُ قَدْ بَنَى بُنْيَانًا وَلَمَّا يَرْفَعْ سُقُفَهَا، وَلاَ آخَرُ قَدِ اشْتَرَى غَنَمًا أَوْ خَلِفَاتٍ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ وِلاَدَهَا.
قَالَ: فَغَزَا فَأَدْنَى لِلْقَرْيَةِ حِينَ صَلاَةِ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لِلشَّمْسِ: أَنْتِ مَامُورَةٌ وَأَنَا مَامُورٌ، اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَىَّ شَيْئًا.
فَحُبِسَتْ عَلَيْهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قَالَ: فَجَمَعُوا مَا غَنِمُوا، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ لِتَاكُلَهُ فَأَبَتْ أَنْ تَطْعَمَهُ.
فَقَالَ: فِيكُمْ غُلُولٌ، فَلْيُبَايِعْنِى مِنْ كُلِّ قَبِيلَةٍ رَجُلٌ.
فَبَايَعُوهُ فَلَصِقَتْ يَدُ رَجُلٍ بِيَدِهِ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، فَلْتُبَايِعْنِى قَبِيلَتُكَ، فَبَايَعَتْهُ.
قَالَ: فَلَصِقَتْ بِيَدِ رَجُلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ، فَقَالَ: فِيكُمُ الْغُلُولُ، أَنْتُمْ غَلَلْتُمْ.
قَالَ: فَأَخْرَجُوا لَهُ مِثْلَ رَاسِ بَقَرَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، قَالَ: فَوَضَعُوهُ فِى الْمَالِ وَهُوَ بِالصَّعِيدِ، فَأَقْبَلَتِ النَّارُ فَأَكَلَتْهُ، فَلَمْ تَحِلَّ الْغَنَائِمُ لأَحَدٍ مِنْ قَبْلِنَا، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رَأَى ضَعْفَنَا وَعَجْزَنَا فَطَيَّبَهَا لَنَا».
الحديث الثاني:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-:
«إِنَّ الشَّمْسَ لَمْ تُحْبَسْ عَلَى بَشَرٍ إِلاَّ لِيُوشَعَ لَيَالِيَ سَارَ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ».
تخريج الحديثين:
الأول: رواه البخاري: 2956، ومسلم: 4653.
والثاني: رواه أحمد: 8538، وصححه الشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة: 202.
غريب الحديث:
ملك بضع امرأة: عقد عليها عقد زواجه وأصبح يملك أن يجامعها، ويطلق البضع على الجماع وعلى الفرج.
لما يبني بها: لم يدخل عليها وتزف إليه، لكن التعبير بـ (لما) يشعر بتوقع ذلك.
خلفات: جمع خلفة وهي الناقة الحامل.
مأمورة: بالغروب.
مأمور: بالقتال قبل الغروب، وقيل: كانت ليلة سبت ومحرم عليهم القتال يوم السبت وليلته.
احبسها عنا: امنعها من الغروب، واختلفوا في حبس الشمس هنا، فقيل: ردت على أدراجها، و قيل: وقفت، و قيل: بطئت حركتها. و كل ذلك محتمل.
تطعمها: أي تحرقها.
الغلول: السرقة من الغنيمة، أي: إن أحدا أخذ منها بغير حق.
لزقت: التصقت.
رأس بقرة: أي قدره، أو كصورته من ذهب.
رأى ضعفنا وعجزنا: قلة مالنا عن سد حاجات الجهاد فرحمنا بحلها لنا.
تعليقات البغا على صحيح البخاري: 3/ 1136، السلسلة الصحيحة: تحت الحديث رقم: 202، صحيح القصص النبوي: ص114.
فوائد حديث يوشع:
1 – في الحديث فضل نبي الله موسى بأن تربى على يديه أمثال يوشع بن نون، وهذه ميزة المعلم الناجح في تربيته للأجيال.
2 – فضل يوشع بن نون عليه السلام حيث كان نبيا فذا عارفا في فنون القتال دارسا لأسباب النصر والهزيمة.
3 – تحتاج قيادة الجيوش إلى خبرة بطبائع النفوس، فليس كل مقاتل يصلح أن يقود جيشا.
4 – الجهاد مفروض على الأمم السابقة كما فرض على هذه الأمة، وما تركت أمة الجهاد إلا ذلت.
5 – كان في بني إسرائيل رجال صالحون يقاتلون في سبيل الله.
6 – ثبوت نبوته عليه السلام كما أشرنا بالجمع بين الحديثين.
7 – ينبغي الاهتمام بنوعية المجاهدين في القتال لا بالكم.
8 – ينبغي على القائد الناجح أن يستبعد من تعلقت نفوسهم بالدنيا للجهاد في سبيل الله، لأن التعلق بالدنيا من أسباب الهزيمة، ولو خرج أمثال هؤلاء ما زادوا الجيش إلا خبالا.
9 – يبدو أن الأمور الدنيوية التي كانت تشغل بال الناس في عصرهم قد حصرها النبي صلى الله عليه وسلم في ثلاثة أصناف، من عقد نكاحه وهو يريد الزواج، والمشغول ببناء البيت، ومن ينتظر ولادة نوقه، ولكن لو قارنا ذلك بالمشغلات الدنيوية اليوم لما وجدنا لها حصرا.
10 – فتن الدنيا تدعو النفس إلى الهلع و محبة البقاء، كمن تعلقت نفسه بالزوجة والبيت والمال.
11 – يستفاد من الحديث الرد على من قدم بعض الطاعات كالحج على الزواج، فهذا جهاد مفروض ولم يقدمه هذا النبي على الزواج، لأن النفس تتعلق بالنساء كثيرا، فينبغي عفتها.
12 – الإيمان العظيم يصنع الكثير، فقد دعا هذا النبي ربه بأن يوقف غروب الشمس، فوقفت بأمر الله، وهذا في حد ذاته معجزة من معجزات هذا النبي.
13 – كانت الغنائم تأكلها النار قبل بعثة رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
14 – عدم أكل النار لغنائم يعني أن الله غير راض عن هذا الجيش وصنيعه، وأن من الجيش من سرق من أرض المعركة.
15 – تحدث معجزة أخرى لهذا النبي عليه السلام بأن لصقت يد الرجال الذين سرقوا من الغنيمة فعرفهم، وأتوا بقطعة كبيرة من الذهب مصنوعة على شكل رأس بقرة.
16 – الذهب كان موجودا من عهد الأنبياء الأوائل، والقرون الأولى.
17 – الثلة القليلة من ضعاف الإيمان في صفوف الجيش لا تمنع نزول النصر من السماء، ولكن لا بد من كشفها وتربيتها على الإيمان.
18 – فضل أمة محمد على غيرها من الأمم حيث أحل الله لها الغنائم، وهذا من خصوصيات هذه الأمة المرحومة.
19 – في الحديث تأكيد أن مثل هذه المعجزة لم يعطها نبي من الأنبياء، فلم تحبس الشمس على أحد إلا على يوشع عليه السلام.
هذا البحث:
هل الخضر عليه السلام نبي.
ذكر ابن قتيبة في المعارف أن اسم الخضر بَلْيَا بن مَلْكان بن فالغ بن عامر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح، عليه السلام
قالوا: وكان يكنى أبا العباس، ويلقب بالخضر
واختلف أهل العلم في هذه المسألة إلى أقوال:
1_ أنه نبي من الأنبياء
2_ أنه ولي من الأولياء أي ليس بنبي.
3_ أنه رسول
والذي تدل عليه الأدلة أن الخضر عليه السلام من الأنبياء
1_ قوله تعالى: (فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا .. )
والراجح أن الرحمة هنا رحمة النبوة، فالأفعال الثلاثة فعلها رحمة من الله تعالى، وقد وردت الرحمة في كتاب الله تعالى بمعنى النبوة، قال تعالى: (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ)
وقد جاء في تفسير ابن أبي حاتم:
عَنْ عِكْرِمَةَ، قَالَ:”إنما سمي الخضر، لأنه كَانَ إِذَا جلس في مكان أخضر مَا حوله، وكانت ثيابه خضرا، قوله: ” آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا}، قَالَ: أعطيناه الهدى والنبوة”.
2_ قال تعالى عنه {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي}
قال الحافظ ابن كثير رحمه الله:
لكني أمرت به ووقفت عليه، وفيه دلالة لمن قال بنبوة الخضر، عليه السلام اهـ.
وجاء في أضواء البيان:
ومن أظهر الأدلة في أن الرحمة والعلم اللدني اللذين امتن الله بهما على عبده الخضر عن طريق النبوة والوحي قوله: تعالى عنه: {وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِى} [18/ 82]، أي: وإنما فعلته عن أمر الله جل وعلا. وأمر الله إنما يتحقق عن طريق الوحي، إذ لا طريق تعرف بها أوامر الله ونواهيه إلا الوحي من الله جل وعلا. ولا سيما قتل الأنفس البريئة في ظاهر الأمر، وتعييب سفن الناس بخرقها. لأن العدوان على أنفس الناس وأموالهم لا يصح إلا عن طريق الوحي من الله تعالى. وقد حصر تعالى طرق الإنذار في الوحي في قوله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْىِ} [21/ 54] و {إنما} صيغة حصر. فإن قيل: قد يكون ذلك عن طريق الإلهام؟ فالجواب: أن المقرر في الأصول أن الإلهام من الأولياء لا يجوز الاستدلال به على شيء، لعدم العصمة، وعدم الدليل على الاستدلال به، بل لوجود الدليل على عدم جواز الاستدلال به، وما يزعمه بعض المتصوفة من جواز العمل بالإلهام في حق الملهم دون غيره، وما يزعمه بعض الجبرية أيضاً من الاحتجاج بالإلهام في حق الملهم وغيره جاعلين الإلهام كالوحي المسموع مستدلين بظاهر قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ} [6/ 125]، وبخبر “اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله” كله باطل لا يعول عليه، لعدم اعتضاده بدليل. وغير المعصوم لا ثقة بخواطره، لأنه لا يأمن دسيسة الشيطان. وقد ضمنت الهداية في اتباع الشرع، ولم تضمن في اتباع الخواطر والإلهامات. والإلهام في الاصطلاح: إيقاع شيء في القلب يثلج له الصدر من غير استدلال بوحي ولا نظر في حجة عقلية، يختص الله به من يشاء من خلقه. أما ما يلهمه الأنبياء مما يلقيه الله في قلوبهم فليس كالإلهام عند غيرهم، لأنهم معصومون بخلاف غيرهم. قال في مراقي السعود في كتاب الاستدلال:
وينبذ الإلهام بالعراء أعني به إلهام الأولياء
وقد رآه بعض من تصوفا وعصمة النَّبي توجب اقتفا
وبالجملة، فلا يخفى على من له إلمام بمعرفة دين الإسلام أنه لا طريق تعرف بها أوامر الله ونواهيه، وما يتقرب إليه به من فعل وترك، إلا عن طريق الوحي. فمن ادعى أنه غني في الوصول إلى ما يرضي ربه عن الرسل، وما جاؤوا به ولو في مسألة واحدة ـ فلا شك في زندقته. والآيات والأحاديث الدالة على هذا لا تحصى، قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [17/ 15]، ولم يقل حتى نلقي في القلوب إلهاماً. وقال تعالى: {رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [4/ 165]، وقال: {وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْنَاهُمْ بِعَذَابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقَالُوا رَبَّنَا لَوْلا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ … } الآية [20/ 134]، والآيات والأحاديث بمثل هذا كثيرة جداً. وقد بينا طرفاً من ذلك في سورة بني إسرائيل في الكلام على قوله: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [17/ 15]، وبذلك تعلم أن ما يدعيه كثير من الجهلة المدعين التصوف من أن لهم ولأشياخهم طريقاً باطنة توافق الحق عند الله ولو كانت مخالفة لظاهر الشرع، كمخالفة ما فعله الخضر لظاهر العلم الذي عند موسى، زندقة، وذريعة إلى الانحلال بالكلية من دين الإسلام، بدعوى أن الحق في أمور باطنة تخالف ظاهره … اهـ إلى آخر ما ذكر.
وجاء في تفسير ابن أبي حاتم:
عَنْ قَتَادَة، فِي قَوْلِهِ:” ” وَمَا فَعَلْتُهُ عَنِ امْرِي}، قَالَ: كَانَ عبداً مأموراً مضى لأمر الله” اهـ.
يقول الطبري رحمه الله:
وقوله: (وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي) يقول: وما فعلت يا موسى جميع الذي رأيتني فعلته عن رأيي، ومن تلقاء نفسي، وإنما فعلته عن أمر الله إياي به. اهـ.
وجاء في تفسير القرطبي رحمه الله:
وقول تعالى:” وَما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي” [الكهف: 82] يَدُلُّ عَلَيَّ نُبُوَّتِهِ وَأَنَّهُ يُوحَى إِلَيْهِ بِالتَّكْلِيفِ وَالْأَحْكَامِ، كَمَا أُوحِيَ لِلْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ غَيْرَ أَنَّهُ لَيْسَ بِرَسُولٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ.
3_ ولو قلنا بعدم نبوته لفتحنا المجال لكل مبطل (خصوصا من غلاة الصوفية) أن يدعي أنه يأتيه علم لدني من الله، وأنه يسمح له مالا يسمح لغيره من الأفعال، من فعل المنكرات والمنهيات، وترك المأمورات ثم يدعي الخيرية فيها
4_ من أكبر أفعال الخضر التي تدل على نبوته في القصة: قتل الغلام، فكيف يقتل نفس طفل زكية، ثم يدعي أنه عندما يكبر سيكون كافرا، فهذا محال لرجل أن يدعي أن يعرف بالغيب إلا أن يكون نبيا يأتيه وحي من الله تعالى.
5_ ختم الخضر القصة بما يدل صراحة على نبوته وأنه يتلقى الوحي والأوامر من الله تعالى، قال تعالى: (وما فعلته عن أمري) (الكهف: (82))
6_ ويبعد أن يكون ولي أعلم من نبي.
هل خضر عليه السلام حي.
قال ابن القطان في تفسيره:
فقد أنكر البخاري أن يكون حيا
وعلماء السنة يقولون انه ميت
بدليل قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الخلد} [الأنبياء: 34].
وبذلك جزم:
ابنُ المناوي
وإبراهيم الحربي
وأبو طاهر العبادي
وأبو يعلى الحنبلي
وابو الفضل بن تامر
والقاضي ابو بكر بن العربي
وابو بكر بن النقاش
وابن الجوزي
قال ابو الحسين بن المناوي: بحثت عن تعمير الخشر-الصحيح الخضر-، وهل هو باق ام لا فاذا اكثر المغفلين مغترون بانه باق، والاحاديث الواردة واهية والسند الى اهل الكتاب ساقط لعدم ثقتهم.
وقال في «فتح البيانط: والحق ما ذكره البخاري واضرابه في ذلك، ولم يرد في ذلك نص مقطوع به، ولا حديث مرفوع اليه صلى الله عليه وسلم حتى يقيمه عليه اهـ.
فلا دليل من الكتاب والسنة الصحيحة على حياة خضر عليه السلام
وأقوى ما يستدل به من قال بحياته:
آثار التعزية حين توفي النَّبي صلى الله عليه وسلم. وقد ذكر ابن عبد البر في تميهده عن علي رضي الله عنه قال: لما توفي النَّبي صلى الله عليه وسلم وسجى بثوب هتف هاتف من ناحية البيت يسمعون صوته ولا يرون شخصه: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. السلام عليكم أهل البيت {كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ … } الآية [3/ 185]، إن في الله خلفاً من كل هالك، وعوضاً من كل تالف، وعزاء من كل مصيبة؛ فبالله فتقوا، وإياه فارجو؛ فإن المصاب من حرم الثواب. فكانوا يرون أنه الخضر عليه السلام؛ يعني أصحاب النَّبي صلى الله عليه وسلم. انتهى بواسطة نقل القرطبي في تفسيره.
قال مقيده عفا الله عنه: والاستدلال على حياة الخضر بآثار التعزية كهذا الأثر الذي ذكرنا آنفاً، مردود من وجهين:
الأول: أنه لم يثبت ذلك بسند صحيح …
الثاني: أنه على فرض أن حديث التعزية صحيح لا يلزم من ذلك عقلاً ولا شرعاً ولا عرفاناً أن يكون ذلك المعزي هو الخضر. بل يجوز أن يكون غير الخضر من مؤمني الجن. لأن الجن هم الذين قال الله فيهم: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ} [7/ 27].
ودعوى أن ذلك المعزي هو الخضر تحكم بل دليل.
وقولهم: كانوا يرون أنه الخضر ليس حجة يجب الرجوع إليها. لاحتمال أن يخطئوا في ظنهم، ولا يدل ذلك على إجماع شرعي معصوم، ولا متمسك لهم في دعواهم أنه الخضر كما ترى.
الأدلة على موت الخضر عليه السلام.
1_ ظاهر عموم قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ} [21/ 34]، فقوله: {لبشر} نكرة في سياق النفي فهي تعم كل بشر، فيلزم من ذلك نفي الخلد عن كل بشر من قبله. والخضر بشر من قبله. فلو كان شرب من عين الحياة وصار حياً خالداً إلى يوم القيامة لكان الله قد جعل لذلك البشر الذي هو الخضر من قبله الخلد
فإن قيل هل عيسى عليه السلام يدخل في ذلك قيل عيسى عليه السلام دل الدليل الشرعي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مستثنى
2_ الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم: “اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد في الأرض” أخرجه مسلم في صحيحه: ومحل الشاهد منه قوله: صلى الله عليه وسلم: “لا تعبد في الأرض” فعل في سياق النفي فهو بمعنى: لا تقع عبادة لك في الأرض.
وفي البخاري عن ابن عباس مرفوعا: “اللهم إن شئت لم تعبد في الأرض” أي إن شئت إهلاك هذه الطائفة من أهل الإسلام لم تعبد في الأرض.
لأن الخضر ما دام حياً فهو يعبد الله في الأرض.
3_ الثالث: إخباره صلى الله عليه وسلم بأنه على رأس مائة سنة من الليلة التي تكلم فيها بالحديث لم يبق على وجه الأرض أحد ممن هو عليها تلك الليلة، فلو كان الخضر حياً في الأرض لما تأخر بعد المائة المذكورة.
فأخرج مسلم عن عبدالله مرفوعا: “أرأيتكم ليلتكم هذه، فإن على رأس مائة سنة”. وإنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد”، يريد بذلك أن ينخرم ذلك القرن.
وأخرج معناه من حديث جابر وأبي سعيد
فهذا الحديث الصحيح الذي رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمر، وجابر، وأبو سعيد، فيه تصريح النَّبي صلى الله عليه وسلم بأنه لا تبقى نفس منفوسة حية على وجه الأرض بعد مائة سنة. فقوله: “نفس منفوسة” ونحوها من الألفاظ في روايات الحديث نكرة في سياق النفي فهي تعم كل نفس مخلوقة على الأرض. ولا شك أن ذلك العموم بمقتضى اللفظ يشمل الخضر، لأنه نفس منفوسة على الأرض.
4_ الرابع: أن الخضر لو كان حياً إلى زمن النبي صلى الله عليه وسلم لكان من أتباعه، ولنصره وقاتل معه، لأنه مبعوث إلى جميع الثقلين الإنس والجن. والآيات الدالة على عموم رسالته كثيرة جداً، كقوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} [7/ 158]، وقوله: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً} [25/ 1]، وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [34/ 28]، ويوضح هذا أنه تعالى بين في سورة آل عمران: أنه أخذ على جميع النَّبيين الميثاق المؤكد أنهم إن جاءهم نبينا صلى الله عليه وسلم مصدقاً لما معهم أن يؤمنوا به وينصرونه، وذلك في قوله: {إِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [3/ 81 – 82].
وهذه الآية الكريمة على القول بأن المراد بالرسول فيها نبينا صلى الله عليه وسلم، كما قاله ابن العباس وغيره ـ فالأمر واضح. وعلى أنها عامة فهو صلى الله عليه وسلم يدخل في عمومها دخولاً أولياً. فلو كان الخضر حياً في زمنه لجاءه ونصره وقاتل تحت رايته. ومما يوضح أنه لا يدركه نبي إلا إتبعه ما رواه الإمام أحمد وابن أبي شيبة والبزار من حديث جابر رضي الله عنه:
أن عمر رضي الله عنه أتى النَّبي صلى الله عليه وسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه فغضب وقال: “لقد جئتكم بها بيضاء نقية لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبوا به، أو يباطل فتصدقوا به. والذي نفسي بيده، لو أن موسى كان حياً ما وسعه إلا أن يتبعني” ا هـ قال ابن حجر في الفتح: ورجاله موثوقون، إلا أن في مجالد ضعفاً.
وقال الحافظ ابن كثير رحمه الله في تاريخه بعد أن ساق آية آل عمران المذكورة آنفاً مستدلاً بها على أن الخضر لو كان حياً لجاء النَّبي صلى الله عليه وسلم ونصره، ما نصه: قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما بعث الله نبيناً إلا أخذ عليه الميثاق لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهو حي ليؤمنن به ولينصرنه، وأمره أن يأخذها على أمته الميثاق لئن بعث محمد صلى الله عليه وسلم وهم أحياء ليؤمنن به وينصرونه، ذكره البخاري عنه ا هـ.
فالخضر إن كان نبياً أو ولياً فقد دخل في هذا الميثاق. فلو كان حياً في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم لكان أشرف أحواله أن يكون بين يديه، يؤمن بما أنزل الله عليه، وينصره أن يصل أحد من الأعداء إليه. لأنه إن كان ولياً فالصديق أفضل منه. وإن كان نبياً فموسى أفضل منه.
5_ ما الحامل له على هذا الاختفاء؟ وظهوره أعظم لأجره، وأعلى في مرتبته، وأظهر لمعجزته. ثم لو كان باقياً بعده لكان تبليغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الأحاديث النبوية، والآيات القرآنية، وإنكاره لما وقع من الأحاديث المكذوبة، والروايات المقلوبة، والآراء البدعية، والأهواء العصبية، وقتاله مع المسلمين في غزواتهم، وشهوده جمعهم وجماعاتهم، ونفعه إياهم، ودفعه الضرر عنهم مما سواهم، وتسديده العلماء والحكام، وتقريره الأدلة والأحكام، أفضل مما يقال من كونه في الأمصار، وجوبه الفيافي والأقطار، واجتماعه بعباد لا تعرف أحوال كثير منهم، وجعله كالنقيب المترجم عنهم؟!
وهذا الذي ذكرته لا يتوقف أحد فيه بعد التفهم، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم. انتهى من البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله تعالى.
العلماء الذين بينوا ضعف الأحاديث التي احتج بها من قال بأن خضر عليه السلام حي.
1_ ابن كثير في تاريخه وتفسيره
2_ وبين كثيراً من أوجه ضعفها ابن حجر في الإصابة.
وقال ابن كثير في البداية والنهاية بعد أن ساق الأحاديث والحكايات الواردة في حياة الخضر: وهذه الروايات والحكايات هي عمدة من ذهب إلى حياته إلى اليوم، وكل من الأحاديث المرفوعة ضعيفة جداً، لا تقوم بمثلها حجة في الدين.
3_ أبو الفرج بن الجوزي رحمه الله في كتابه عجلة المنتظر في شرح حالة الخضر للأحاديث الواردة في ذلك من المرفوعات، فبين أنها موضوعات، ومن الآثار عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم. فبين ضعف أسانيدها ببيان أحوالها، وجهالة رجالها
زعم بعضهم أن الخضر موجود لكن لا يرى
1_ يقال أن دعوى كون الخضر محجوباً عن أعين الناس كالجن والملائكة دعوى لا دليل عليها.
2_ الأصل خلافها، لأن الأصل أن بني آدم يرى بعضهم بعضاً لاتفاقهم في الصفات النفسية، ومشابهتهم فيما بينهم
3_ أنا لو فرضنا أنه لا يراه بنو آدم، فالله الذي أعلم النَّبي بالغيب الذي هو هلاك كل نفس منفوسة في تلك المائة عالم بالخضر، وبأنه نفس منفوسة. ولو سلمنا جدلياً أن الخضر فرد نادر لا تراه العيون. وأن مثله لم يقصد بالشمولي في العموم ـ فأصح القولين عند علماء الأصول شمول العام والمطلق للفرد النادر والفرد غير المقصود. خلافاً لمن زعم أن الفرد النادر وغير المقصود لا يشملهما العام ولا المطلق.
وهذه ترجيحات ابن حجر العسقلاني في كتابه الزهر النضر في حال الخضر
1_ذكر الحافظ عشر اقوال في نسبه ولم يرجح شي
2_اما كنيته فبعد ان نقل كلام النووي وان كنيته ابا العباس. قال: وهذا متفق عليه.
3_اما هل هو نبي ام ولي ام ملك من الملائكة فرجح انه نبي من عدة اوجه:
1 – قال الله تعالى في خبره عن موسى، حكاية عنه: (^. . . . . وما فعلته عن أمري. . . .).
وهذا ظاهر أنه بأمر من الله، والأصل عدم الواسطة
2_كيف يكون غير النبي أعلم من النبي. وقد أخبر النبي – – في الحديث الصحيح، أن الله تعالى قال لموسى: ‘ بلى! عبدنا خضر
3_ كيف يكون النبي تابعا لغير النبي
4_اما ورد في تعميره والسبب في ذلك فقال: وجميع ما ورد في حياته لا يصح منها شيء، باتفاق أهل النقل، وإنما يذكر ذلك من يروي الخبر، ولا يذكر علته، إما لكونه لا يعرفها، وإما لوضوحها عند أهل الحديث. قال: ‘ وأما ما جاء عن المشايخ فهو مما يتعجب منه، كيف يجوز لعاقل، أن يلقى شخصا لا يعرفه، فيقول له: أنا فلان، فيصدقه.
5_واما ماورد من أخباره مع غير موسى.
فذكر حديث طويل اخرجه الطبراني في المعجم.
قال بعد ذكره للحديث: وسند هذا الحديث حسن، لولا عنعنة بقية. ولو ثبت لكان نصا أن الخضر نبي، لحكاية النبي – – قول الرجل: ‘ يا نبي الله ‘ وتقريره على ذلك.
6_اما ما ذهب إلى أن الخضر مات.
فرجح انه مات
قال: وقد ذكرت الأخبار التي أشار إليها، وأضفت إليها أشياء كثيرة من جنسها، وغالبها لا يخلو طريقه من علة. والله المستعان.
7_وما ورد أن الخضر كان في زمن النبي ثم بعده إلى الآن
فذكر الاحاديث الواردة في هذا الباب وضعفها
8_وما جاء في بقاء الخضر بعد النبي ومن نقل عنه أنه رآه وكلمه
فقال الحافظ: والذي تميل إليه النفس، من حيث الأدلة القوية. خلاف ما يعتقده العوام، من استمرار حياته، ولكن ربما عرضت شبهة من جهة كثرة الناقلين للأخبار الدالة على استمراره، فيقال: هب أن أسانيدها واهية، إذ كل طريق منها لا يسلم من سبب يقتضي تضعيفها، فماذا يصنع في المجموع؟ فإنه على هذه الصورة قد يلتحق بالتواتر المعنوي الذي مثلوا له بجود حاتم.
فمن هنا مع احتمال التأويل في أدلة القائلين بعدم بقائه، كآية: (وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد).
وكحديث: ‘ رأس مائة سنة ‘. وغير ذلك مما تقدم بيانه.
وأقوى الأدلة على عدم بقائه، عدم مجيئه إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، وانفراده بالتعمير، من بين أهل الأعصار المتقدمة بغير دليل شرعي.
والذي لا يتوقف فيه الجزم بنبوته، ولو ثبت أنه ملك من الملائكة لارتفع الأشكال. كما تقدم والله أعلم. ا هـ