: 236 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———–‘———–‘——-
مسند أحمد
12122 – حدثنا يحيى بن سعيد، عن نوفل بن مسعود قال: دخلنا على أنس بن مالك مرفوعا: (ثلاث من كن فيه حرم على النار وحرمت النار عليه؛ إيمان بالله وحب الله وأن يلقى في النار فيحرق أحب إليه من أن يرجع في الكفر)
قلت سيف:
نوفل؛ وثقه النسائي كما في تاريخ الإسلام للذهبي طبعة دار الكتاب.
فيعتبر على الشرط لأن في مسند لفظة (إيمان بالله) بدل (أن يكون الله ورسوله أحب إليك مما سواهما) في الصحيحين
اما ما ورد في مسند أحمد (حب الله) فخطأ والصواب (حب لله) كما عند بعض من خرج الحديث وهي الموافقة لما في الصحيحين (أن يحب المرء لا يحبه إلا لله).
ومرة شككنا في توثيق النسائي لأنه لم يذكره ابن حجر في تعجيل المنفعة فيحتاج مراجعة مخطوطات لتاريخ الإسلام.
المهم نبقى على صحة التوثيق حتى يثبت العكس.
———-
ما معنى الإيمان بالله عز وجل؟
جـ: هو التصديق الجازم من صميم القلب بوجود ذاته تعالى الذي لم يسبق بضد ولم يعقب به، هو الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء، والظاهر فليس فوقه شيء، والباطن فليس دونه شيء، حي قيوم، أحد صمد {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، وتوحيده بإلهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته. ” اعلام السنة المنشورة لاعتقاد الطائفة الناجية المنصورة” (46) بترقيم الشاملة
أولاً الإيمان بالله:
الإيمان بالله ثلاثة أقسام:
(إيمان بالربوبية: يعني إيمان بأنَّ الله واحد في ربوبيته، في تدبيره لهذا الملكوت، وفي رجوع كل شيء إليه.
(إيمان بالألوهية: يعني بأنَّ الله واحد في استحقاقه العبادة، ولا أحد معه يستحق شيئا من العبادة.
(إيمان بالله في أسمائه وصفاته: يعني بأنَّ الله واحدٌ في أسمائه وصفاته ليس له مثيلٌ ولا ند وليس له كُفُو وليس له سَمِيٌ في أسمائه وصفاته من جهة الكيفية ومن جهة تمام المعنى وشمول ما دلّ عليه الاسم والصفة من المعنى. شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ.
قال ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (3/ 327):
((فإنه يجب على المكلف أن يؤمن بالله، ورسوله، ويقر بجميع ما جاء به الرسول: من أمر الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وما أمر به الرسول، ونهى، بحيث يقر بجميع ما أخبر به، وما أمر به))
محبة الله
محبة الله أعظم القربات، وأفضل الطاعات، وهي متوقفة على امتثال أوامره واجتناب نواهية، ويدل على ذلك قول الله تعالى (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [آل عمران: 31].
قال ابن رجب: ومحبة الله تنشأ تارة من معرفته، وكمال معرفته: تحصل من معرفة أسمائه وصفاته وأفعاله الباهرة والتفكير في مصنوعاته وما فيها من الإتقان والحكم والعجائب، فإن ذلك كله يدل على كماله وقدرته وحكمته وعلمه ورحمته.
وتارة ينشأ (123) من مطالعة النعم
وقال بعض السلف: من عرف الله أحبه، ومن أحبه أطاعه.
ومحبة الله على درجتين:
إحداهما: فرض، وهي المحبة المقتضية لفعل أوامره الواجبة والانتهاء عن زواجره المحرمة والصبر على مقدوراته المؤلمة، فهذا القدر لابد منه في محبة الله، ومن لم تكن محبته على هذا الوجه فهو كاذب في دعوى محبة الله، كما قال بعض العارفين: من ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده فهو كاذب، فمن وقع في ارتكاب شيء من المحرمات أو أخل بشيء من فعل الواجبات فلتقصره في محبة الله حيث قدم محبة نفسه وهواه على محبة الله، فإن محبة الله لو كملت لمنعت من الوقوع فيما يكرهه. وإنما يحصل الوقوع فيما يكرهه لنقص محبته الواجبة في القلوب وتقديم هوى النفس على محبته وبذلك ينقص الإيمان كما قال (صلى الله عليه وسلم): ” لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ” الحديث.
والدرجة الثانية من المحبة – وهي فضل مستحب -: أن ترتقي المحبة من ذلك إلى التقرب بنوافل الطاعات والانكفاف عن دقائق الشبهات والمكروهات، والرضى بالأقضية المؤلمات، كما قال عامر بن عبد قيس: أحببت الله حبا هون علي كل مصيبة ورضاني بكل بلية، فما أبالي مع حبي إياه على ما أصبحت، ولا على ما أمسيت. و قال عمر بن عبد العزيز أصبحت ومالي سرور إلا في مواقع القضاء والقدر، ولما مات ولده الصالح قال: إن الله أحب قبضه، وأعوذ بالله أن تكون لي محبة تخالف محبة الله. وقال بعض التابعين في مرضه: أحبه إلي أحبه إليه.
فتح الباري (1/ 47 – 48) بتصرف
قال القاضي عياض: فيه أن محبة الله ومحبة نبيه الاستقامة على طاعتهما وترك مخالفتهما، وإذا أحبهما تأدب بأدب شريعتهما، ووقف عند حدودهما وفى حبه لله ولنبيه ولمن أحبه من الصالحين وميله بقلبه إليهم، إنما ذلك كله لله تعالى، وطاعة له وثمرة صحة إيمانه، وشرح قلبه، وهو من أعظم الدرجات وأرفع منازل الطاعات، ومن أعمال القلوب التى الأجر عليها أعظم من أجر أعمال الجوارح، وإثابة الله على ذلك أن رفع إلى منزلة من أحبه فيه، وإن لم يكن له أعمال مثل أعماله، وهو فضل الله يؤتيه من يشاء.
[اكمال المعلم] [8/ 119]
وبوب البخاري ((باب علامة حب الله عز وجل))
أراد بإيراد هذه الآية الكريمة أن علامة حب الله أن يحبوا رسول الله فإذا اتبعوا رسول الله في شريعته وسنته يحبهم الله عز وجل فيقع الاستدلال بها في الوجهين المذكورين باعتبار الإضافة في حب الله تعالى (عمدة القاري)
قال العباد: فعلامة المحبة هي الاتباع وليس الابتداع، وبعض أهل العلم يسمي هذه الآية: آية الامتحان؛ لأن من ادعى محبة الله ورسوله فعليه أن يقيم البينة، والبينة هي الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، فهذه هي علامات المحبة الصادقة.
إثبات محبة الله عزّ وجل، أي أن الله تعالى يحب محبة حقيقية.
قال ابن عثيمين: أن من أسباب محبة الله أن تكثر من النوافل ومن التطوع؛ نوافل الصلاة، نوافل الصدقة، نوافل الصوم، نوافل الحج، وغير ذلك من النوافل. شرح رياض الصالحين (3/ 270)
[من مقتضى الحب و البغض أن يحب ما يحبه الله ورسوله و يكره ما يكره الله ورسوله]
قال ابن رجب في جامع العلوم و الحكم (389) بترقيم الشاملة: فمن أحب الله ورسوله محبة صادقة من قلبه أوجب له ذلك أن يحب بقلبه ما يحبه الله ورسوله ويكره ما يكرهه الله ورسوله ويرضي ما يرضي الله ورسوله ويسخط ما يسخط الله ورسوله وأن يعمل بجوارحه بمقتضى هذا الحب والبغض فإن عمل بجوارحه شيئا يخالف ذلك ارتكب بعض ما يكرهه الله ورسوله أو ترك بعض ما يحبه الله ورسوله مع وجوبه والقدرة عليه دل ذلك على نقص محبته الواجبة فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة.
و قال ابن رجب في الفتح (1/ 52): فإن علامة محبة الله ورسوله: محبة ما يحبه الله ورسوله وكراهة ما يكرهه الله ورسوله – كما سبق – فإذا رسخ الإيمان في القلب وتحقق به ووجد حلاوته وطعمه أحبه وأحب ثباته ودوامه والزيادة منه وكره مفارقته وكان كراهته لمفارقته أعظم عنده من كراهة الإلقاء في النار، قال الله تعالى (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ ([الحجرات: 7]
والمؤمن يحب الإيمان أشد من حب الماء البارد في شدة الحر للظمآن، ويكره الخروج منه أشد من كراهة التحريق بالنيران.
قال ابن الملقن: وقد قال يحيى بن معاذ الرازي: حقيقة المحبة أن لا تزيد بالبر، ولا ينقص بالجفاء، وأما المحبة المشوبة بالأغراض الدنيوية والحظوظ البشرية فغير مطلوبة؛ لأن من أحب لذلك انقطعت عند حصول غرضه أو إياسه منه، بخلاف المحبة (الخالصة)؛ فإنه تحصل الألفة الموجبة للتعاون على البر والتقوى.
السادسة: معنى: “يعود في الكفر”: يصير، والعود والرجوع قد استعملا بمعنى الصيرورة، قال تعالى: {وما يكون لنا أن نعود فيها} [الأعراف: 89] والمعنى أن هذه الكراهة إنما توجد عند وجود سببها، وهو ما دخل قلبه من نور الإيمان، وكشف له عن المحاسن والطغيان، وقيل: المعنى أن من وجد حلاوة الإيمان علم أن الكافر في النار، يكره الكفر ككراهيته لدخول النار.
ومعنى “يقذف في النار”: يصير فيها عافانا الله منها ومن كل البلاء. ” التوضيح” (2/ 533).