: 233 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مجموعة: عبد الله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام الوادعي رحمه الله في الصحيح المسند
233) قال الامام البزار رحمه الله كما في “كشف الأستار” (ج2 ص420): حدثنا عمرو بن علي ومحمد بن معمر، قالا: ثنا عاصم، عن ابن جريج، قال أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابرا يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” يسلم الراكب على الماشي، والماشي على القاعد، والماشيان أيهما بدأ فهو أفضل “. واللفظ لفظ ابن معمر.
………………….
قل الحافظ ابن حجر عن الْمَازِرِيّ قوله: ” لَوْ اِبْتَدَأَ الْمَاشِي فَسَلَّمَ عَلَى الرَّاكِب لَمْ يَمْتَنِع؛ لأَنَّهُ مُمْتَثِل لِلأَمْرِ بِإِظْهَارِ السَّلام وَإِفْشَائِهِ، غَيْر أَنَّ مُرَاعَاة مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيث أَوْلَى، وَهُوَ خَبَر بِمَعْنَى الأَمْر عَلَى سَبِيل الاسْتِحْبَاب، وَلا يَلْزَم مِنْ تَرْك الْمُسْتَحَبّ الْكَرَاهَة، بَلْ يَكُون خِلاف الأَوْلَى، فَلَوْ تَرَكَ الْمَامُور بِالابْتِدَاءِ فَبَدَأَهُ الآخَر كَانَ الْمَامُور تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ وَالآخَر فَاعِلا لِلسُّنَّةِ، إِلا إِنْ بَادَرَ فَيَكُون تَارِكًا لِلْمُسْتَحَبِّ أَيْضًا ” انتهى من فتح الباري (11/ 17).
قال النووي رحمه الله: ” اعلم أن ابتداء السَّلامِ سنَّةٌ مستحبّة ليس بواجب، وهو سنّةٌ على الكفاية، فإن كان المسلِّم جماعة كفى عنهم تسليمُ واحد منهم، ولو سلَّموا كلُّهم كان أفضل … وأما ردّ السلام: فإن كان المسلَّم عليه واحداً تعيَّنَ عليه الردّ، وإن كانوا جماعةً كان ردّ السلام فرضَ كفايةٍ عليهم، فإن ردّ واحد منهم سقطَ الحرج عن الباقين، وإن تركوه كلُّهم أثموا كلُّهم، وإن ردّوا كلُّهم فهو النهاية في الكمال والفضيلة، كذا قاله أصحابنا، وهو ظاهر حسن ” انتهى من “الأذكار” ص (356).
وقال: قال أصحابُنا وغيرُهم من العلماء: هذا المذكور هو السنّة، فلو خالفوا فسلَّم الماشي على الراكب، أو الجالس عليهما لم يُكره، صرّح به الإِمام أبو سعد المتولي وغيره. وعلى مقتضى هذا: لا يُكره ابتداء الكثيرين بالسلام على القليل، والكبير على الصغير ” انتهى من “الأذكار” ص (369).
تنبيه: ورد في حديث الإسراء أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم على مالك خازن النار قال النبي صلى الله عليه وسلم: فابتدرني بالسلام.
فإذا التقى مارّان راكبان أو ماشيان، فيبدأ الأدنى منهما الأعلى قدرا أما مكانة أو سنا، فإذا تساويا من كل الجهات فكل منهما مأمور بالابتداء وخيرهما الذي يبدأ بالسلام. فقد أخرج البخاري في الأدب المفرد بسند صحيح من حديث جابر قال: (الماشيان إذا اجتمعا فأيهما بداء السلام فهو أفضل) الفتح 11/ 31
قال الشيخ عبد المحسن العباد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام)]. أورد أبو داود هذه الترحمة، وهي: باب في فضل من بدأ بالسلام؛ لأن الذي يبدأ بالسلام أفضل من الذي يجيب، وهذه من المسائل التي قالوا فيها: إن السنة أفضل من الواجب؛ لأن السنة البدء بالسلام، ورده واجب، ومع ذلك فالذي يفعل السنة أفضل من الذي يأتي بالواجب, لأن هذا هو الذي بدأ بالخير وبدأ بهذا الدعاء، فيكون أفضل وأولى من غيره. وقد أورد أبو داود حديث أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أولى الناس بالله تعالى من بدأهم بالسلام) يعني: من يبدأ إخوانه بالسلام بأن يسبق إلى السلام، ومعلوم أن هذا فيما إذا كانوا متماثلين، أما إذا كان رجل جالساً وآخر مشى من عنده، فالسنة جاءت بأن يسلم الراكب على الماشي، والماشي على الجالس، والقائم على القاعد. اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين في لقاء الباب المفتوح: ولهذا قال العلماء: ابتداء السلام سنة ورده واجب، ثم أوردوا على هذا إشكالاً، قالوا: أيهما أفضل: ابتداء السلام، أو رد السلام؟ ابتداء السلام، أفضل، ثم أوردوا إشكالاً قالوا: كيف تكون السنة أفضل من الواجب، والقاعدة الشرعية: أن الواجب أفضل كما قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه).
أجابوا عن ذلك قالوا: هذا الإشكال جوابه أن هذا الواجب كان مبنياً على السنة، فصارت السنة التي بني عليها الواجب لمن أتى بها، ثواب أجره الخاص، وثواب أجر الراد الواجب.
مسألة: وهي لو ترك المأمور بالابتداء السلام فهل يسلّم عليه الآخر؟
إذا تيقن من عدم بدؤه بالسلام استحب له أن يبدءا هو بالسلام، ويكون فاعلا للمستحب سابقا للأجر، ولكن لا يبادر بالسلام حتى يتيقن من ترك الآخر. وإلا كان تاركا للمستحب أيضاً، فإن المستحب أن يكون السلام بالترتيب المشروع.
قال اكمال المعلم: وإنما شرع سلام الراكب على الماشى لفضل الراكب عليه من باب الدنيا، فعدل الشرع؛ بأن جعل للماشى فضيلة أن يبدأ. واحتياطا على الراكب من الكبر والزهو وإذا حاز الفضيلتين؛ ولهذا المعنى أشار بعض أصحابنا.
وإذا تلاقى رجلان كلاهما مار فى الطريق، بدأ الأدنى منهما الأفضل إجلالا للفضل وتعظيما للخير؛ لأن فضيلة الدين مرعية فى الشرع مقدمة.
وأما بدء المار للقاعد، فلم أر فى تعليله نصا، ويحتمل أن يجرى فى تعليله على هذا الأسلوب، فيقال: فإن القاعد قد يتوقع شرا من الوارد عليه أو يوحس فى نفسه خيفة، فإذا ابتدأه بالسلام أنس إليه، أو لأن التصرف والتردد فى الحاجات الدنيوية
وامتهان النفس فيها ينقص من مرتبة المتصاونين والآخذين بالعزلة تورعا، فصار للقاعدين مزية فى باب الدين؛ فلهذا أمر بابتدائهم. أو لأن القاعد يشق عليه مراعاة المارين مع كثرتهم والتشوف إليهم، فسقطت البداية عنه وأمر بها المار؛ لعدم المشقة عليه. وأما بداية القليل للجماعة الكثيرة، فيحتمل أحيانا أن يكون الفضيلة للجماعة، ولهذا قال الشارع: عليكم بالسواد الأعظم، ويد الله مع الجماعة، فأمر ببدايتهم فضلهم، أو لأن الحماعة إذا بدؤوا الواحد خيف عليه الكبر والزهو، فاحتيط له بألا يبدأ، وقد يحتمل غير ذلك، ولكن ما ذكرناه هو الذى يليق بما قدمناه عنهم من التعليل، ولا يحسن معارضة مثل هذه التعاليل بآحاد مسائل شذت عنها؛ لأن التعليل الكلى لموضع الشرع لا تتطلب فيه ألا يشذ عنه بعض الجزئيات. اهـ
قال الشيخ ابن عثيمين: من فوائد الحديث: أنه كلما كان الإنسان في مرتبة شرف فإنه ينبغي له أن يتواضع ولا يزهو بنفسه؛ لقوله: «يسلم الراكب على الماشي». شرح بلوغ المرام