227 جامع الأجوبة الفقهية ص 268
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
مسألة : لو استنجى بيمينه فأنقى ، فهل يجزئه؟
♢- جواب ناصر الريسي:
تقدم معنا خلاف الفقهاء في حكم الاستنجاء باليمين، وانهم اختلفوا بين قائل بالكراهة وقائل بالتحريم.
وهنا بحثنا فيما إذا استنجى باليمين عند من قال بالتحريم فهل يجزئه ذلك، أم لا؟
♢- أيضاً هؤلاء الذين قالوا بالتحريم اختلفوا على قولين:
الأول: لا يجزئ، وهو اختيار ابن حزم وبعض الشافعية، وهو وجه لأصحاب الإمام أحمد.
الثاني: يجزئ مع الإثم
انظر: الفروع (1/ 93)، المحلى (1/ 108)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح (4/ 147)
♢- دليل القول الأول من قال: لا يجزئ.
قال: إذا صححنا الفعل المحرم نكون بذلك قد رتبنا على الفعل المحرم أثراً صحيحاً، وهذا فيه مضادة لله ولرسوله – صلى الله عليه وسلم -، ولأن تصحيح الفعل المحرم فيه تشجيع على فعله، بخلاف ما إذا جعل لغواً، فهذا يحمله على تركه.
عن سعد بن إبراهيم، قال: سألت القاسم بن محمد عن رجل له ثلاثة مساكن، فأوصى بثلث كل مسكن منها، قال يجمع ذلك كله في مسكن واحد، ثم قال: أخبرتني عائشة أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد. رواه مسلم في صحيحه (1718).
وروى البخاري القدر المرفوع منه معلقاً. باب (34) البيوع: باب النجش، ومن قال: لا يجوز ذلك البيع.
وجه الاستدلال:
قال ابن القيم في تهذيب السنن (3/99): وقوله: ” فهو رد ” الرد: فَعْل بمعنى المفعول، أي فهو مردود، وعبر عن المفعول بالمصدر مبالغة، حتى كأنه نفس الرد، وهذا تصريح بإبطال كل عمل على خلاف أمره ورده، وعدم اعتباره في حكم المقبول، ومعلوم أن المردود هو الباطل بعينه، بل كونه رداً أبلغ من كونه باطلاً، إذ الباطل قد يقال لما لا نفع فيه أو منفعته قليلة جداً، وقد يقال لما ينتفع به ثم يبطل نفعه، وأما المردود فهو الذي لم يجعله شيئاً ولم يترتب عليه مقصوده أصلاً.
♢- دليل أصحاب القول الثاني من قال يجزئ مع الإثم:
قالوا: إن التحريم والصحة غير متلازمين، فتلقي الجلب منهي عنه، وإذا تُلُقِيَ كان البيع صحيحاً، وللبائع الخيار إذا أتى السوق، فثبوت الخيار فرع عن صحة البيع، ومثله الصلاة في الأرض المغصوبة، والصلاة في الثوب المسروق الصحيح صحة الصلاة مع الإثم، والله أعلم.
ومن النظر: قالوا: لا يمكن أن نحكم بنجاسة المحل، مع زوال النجاسة، فالحكم مرتبط بعلته، فإذا ذهبت النجاسة طهر المحل.
ولأن القاعدة الشرعية: أن العبادة الواقعة على وجه محرم:
إن كان التحريم عائداً إلى ذات العبادة، كصوم يوم العيد، لم تصح العبادة.
وإن كان التحريم عائداً إلى شرطها على وجه يختص بها كالصلاة بالثوب النجس على القول بأن الطهارة من النجاسة شرط، لم تصح إلا لعاجز أو عادم.
وإن كان التحريم عائداً إلى شرط العبادة، ولكن لا يختص بها، ففيها روايتان:
فقيل: يصح، وهو الأرجح.
وقيل: لا يصح، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.
وإن كان التحريم عائداً على أمر خارج لا يتعلق بشرطها، كالوضوء من الإناء المحرم، فالراجح صحة العبادة، وعليه الأكثر. انظر بتصرف القاعدة التاسعة من قواعد ابن رجب الفقهية (ص: 12)
♢- قال ابن حجر فتح الباري (1/ 253):
“ومع القول بالتحريم فمن فعله أساء وأجزأه وقال أهل الظاهر وبعض الحنابلة لا يجزئ ومحل هذا الاختلاف حيث كانت اليد تباشر ذلك بآلة غيرها كالماء وغيره أما بغير آلة فحرام غير مجزئ بلا خلاف واليسرى في ذلك كاليمنى والله أعلم”. انتهى
♢- ونقل الصنعاني كلام ابن حجر السابق، ولكن بلفظ آخر، فقال في سبل السلام (1/112).: “أما لو باشر بيده فإنه حرام إجماعًا”.
♢- قال في كوثر المعاني الدراري في كشف خبايا صحيح البخاري (4/ 302):
“قلت: هذا في غير مذهبنا معاشر المالكية، وأما مذهبنا فالاستنجاء باليد مباشرة مجزىء، إلا أنه يكره إذا كان لغير ضرورة، لان التلطخ بالنجاسة قبل دخول وقت الصلاة غاية ما فيه الكراهة”. انتهى
♢- قال في إكمال المعلم بفوائد مسلم (2/ 69):
“ومذهب مالك وعامة أهل العلم أن المستنجى بيمينه أساء واستنجاؤه جائز، ومذهب أهل الظاهر وبعض الشافعية إلى أن الاستنجاء باليمين لا يجزئ، لاقتضاء النهى فساد المنهى عنه، وهو أصل مختلف فيه عند أرباب الأصول”. انتهى
♢- جاء في النفح الشذي شرح جامع الترمذي (1/ 193):
“قال الحسين بن عبد الله الناصري البغدادي أحد فقهاء الظاهرية في كتابه المسمىَّ بـ “البرهان الواضح بالدليل الراجح”: ولا يجزئ الاستنجاء باليمين”. انتهى
♢- وجاء فتح المنعم شرح صحيح مسلم (2/ 195):
“وهذا النهي للتنزيه عند الجمهور، والقرينة الصارفة له عن التحريم أن ذلك أدب من الآداب، وذهب أهل الظاهر إلى أنه للتحريم، وقالوا من استنجى بيمينه أساء ولم يجزئه، وقال بعضهم: يجزئ مع الإساءة، وفي كلام جماعة من الشافعية ما يشعر به، لكن النووي صرف إشارتهم إلى الكراهة فقال: مراد من قال منهم: لا يجوز الاستنجاء باليمين أي لا يكون مباحا يستوى طرفاه، بل هو مكروه، راجح الترك.
ومحل هذا الخلاف إذا كانت اليد اليمنى تباشر الاستنجاء بالماء أو بالأحجار، أما إذا باشرت المسح بنفسها فحرام غير مجزئ بلا خلاف -كما تقدم- واليسرى في ذلك كاليمنى”. انتهى
♢- قال شيخ الإسلام ابن تيمية في شرح العمدة (ص: 160):
“فإن قيل: قد نهي عن الاستنجاء باليمين، وقد قلتم: يجزئ قلنا: اليد ليست شرطا في الاستنجاء، وإنما جاءت؛ لأنه لا يمكنه الاستنجاء بغيرها حتى لو استغنى عنها بأن يقعد في ماء جار حتى ينقى المحل حصلت الطهارة، وكذلك لو استنجى بيد أجنبي فقد أثم وأجزأه، وأما المستنجى به فهو شرط في الاستنجاء كالماء في الطهارة، والتراب في التيمم، فإن كان محرما لعينه كان كالوضوء بالماء النجس، وإن كان لحق الغير كان كالمتوضئ بالماء المغصوب أو أشد؛ لأنه رخصة”. انتهى
والله أعلم…