226 جامع الأجوبة الفقهية ص 268
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
ومشاركتي وضعت بجوارها(* )
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
مسألة ٣ : حكم الاستنجاء باليمين
♢- جواب ناصر الريسي:
من معاني الاستنجاء : الخلاص من الشيء ، يقال : استنجى حاجته منه ، أي خلصها . والنجوة ما ارتفع من الأرض فلم يعلها السيل ، فظننتها نجاءك .
وأنجيت الشجرة واستنجيتها : قطعتها من أصلها .
ومأخذ الاستنجاء في الطهارة ، قال شمر : أراه من الاستنجاء بمعنى القطع ، لقطعه العذرة بالماء ، وقال ابن قتيبة : مأخوذ من النجوة وهي ما ارتفع من الأرض ، لأنه إذا أراد قضاء الحاجة استتر بها .
وقد اختلفت عبارات الفقهاء في تعريف الاستنجاء اصطلاحا ، وكلها تلتقي على أن الاستنجاء إزالة ما يخرج من السبيلين ، سواء بالغسل أو المسح بالحجارة ونحوها عن موضع الخروج وما قرب منه .
وليس غسل النجاسة عن البدن أو عن الثوب استنجاء .
انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (4/ 112)
♢- اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين:
الأول: تحريم الاستنجاء باليمن وهو قول الظاهرية وبعض الشافعية.
قال صاحب موسوعة أحكام الطهارة :
وقيل: يحرم الاستنجاء باليمين، رجحه ابن نجيم من الحنفية ، واختاره ابن حزم ، ورجحه الشوكاني
انظر البحر الرائق (١/ ٢٥٥). والمحلى (١/ ١٠٨)،
نيل الأوطار (١/ ١٠٦).
الثاني: كراهة الاستنجاء باليمين وهو قول جمهور أهل العلم.
انظر: بدائع الصنائع (1/ 119)، شرح فتح القدير (1/ 216)، مواهب الجليل (1/ 290)، القوانين الفقهية (ص:29)، المجموع (2/ 125)، أسنى المطالب (1/ 53)، المغني (1/ 103)، المحرر (1/ 10).
وقيل: يكره مس الذكر باليمين، ويحرم الاستنجاء بها
الفروع (١/ ٩٣)، ونسبه ابن حجر في الفتح (ح ١٥٣) لبعض الحنابلة، وذهب إليه بعض الشافعية، قال في المهذب (٢/ ١٢٥): «ولا يجوز أن يستنجي بيمينه». ونسبه النووي إلى سليم الرازي في الكفاية والمتولي، والشيخ نصر وأبي حامد. راجع المجموع (٢/ ١٢٥).
♢- دليل أصحاب القول الأول من قال: بتحريم الاستنجاء باليمين
قالوا: ورد النهي عن الاستنجاء باليمين في أحاديث كثيرة، والأصل في النهي التحريم. ومن تلك الأحاديث مايلي:
عن أبي قتادة ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: إذا بال أحدكم فلا يأخذن ذكره بيمينه، ولا يستنجي بيمينه، ولا يتنفس في الإناء، ورواه مسلم.
عن سلمان قال: قيل له: قد علمكم نبيكم – صلى الله عليه وسلم – كل شيء حتى الخراءة، قال: فقال: أجل، لقد نهانا أن نستقبل القبلة لغائط أو بول، أو أن نستنجي باليمين، أو أن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار، أو أن نستنجي برجيع أو بعظم، ورواه مسلم.
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم، فإذا أتى أحدكم الخلاء فلا تستقبلوها ولا تستدبروها، ولا يستنجي بيمينه، وكان يأمر بثلاثة أحجار، وينهى عن الروث والرمة. رواه أحمد في المسند (2/ 250).
عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الاستنجاء باليمين
قال الشيخ الألباني في التعليقات الحسان (3/ 97) صحيح.
♢- دليل من قال: يكره الاستنجاء باليمين.
حملوا النهي في الأحاديث السابقة على الكراهة، والقرينة الصارفة عندهم أن ذلك أدب من الآداب، فلا يصل النهي فيها للتحريم، فيحتمل أن تكون الحكمة من النهي كون اليد اليمنى معدة للأكل بها، فلو استنجى بها لأمكن أن يتذكر ذلك عند الأكل فيتأذى بذلك.
♢- جاء في موسوعة مسائل الجمهور في الفقه الإسلامي (1/ 80):
“أكثر العلماء على أن النهي عن الاستنجاء باليمن هو نهي تأديب وتنزيه فلو استنجى بيمينه أجزأه. حكاه عن أكثر العلماء النووي نقلًا عن الخطابي. وقال بعض أهل الظاهر: هو نهي تحريم ولا يجزؤه، وهو وجه لبعض الأصحاب في المذهب الشافعي” انتهى
♢- قال صاحب موسوعة أحكام الطهارة:
والعجيب أن ابن حزم أباح للمرأة أن تمس فرجها باليمين حال البول، وحرم ذلك على الرجل، اتباعًا للظاهر، وجمودًا عليه. انظر المحلى (١/ ٣١٨).
وقد قال بالتحريم غير ابن حزم، قال ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة (ص: ١٧): «ولا يجوز لأحد أن يستنجي بيمينه». اهـ
♢- قال الترمذي في سننه (1/ 30): “والعمل على هذا عند عامة أهل العلم؛ كرهوا الاستنجاء باليمين”.
♢- قال النووي في شرحه لمسلم (3/ 156): “وقد أجمع العلماء على أنه منهي عن الاستنجاء باليمين، ثم الجماهير على أنه نهي تنزيه وأدب، لا نهي تحريم”.
♢- قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 115):
“الحاصل أنه قد ورد النهي عن مس الذكر باليمين في الحديث المتفق عليه وورد النهي عن الاستنجاء باليمين في هذا الحديث وغيره فلا يجوز استعمال اليمين في أحد الأمرين وإذا دعت الضرورة إلى الانتفاع بها في أحدهما استعملها قاضي الحاجة في أخف الأمرين في نظره”. انتهى
♢- قال الشيخ عبدالمحسن العباد حفظه الله في شرح سنن أبي داود – (ص: 2)
“فقوله: (لا يستطب بيمينه) يعني: لا يقطع أثر الخارج بيمينه، ولا يستنج بيمينه، وإنما يستعمل الشمال، كما جاء في الرواية السابقة: (وألا نستنجي باليمين)، فلا تستعمل اليمين في ذلك؛ لأن اليمين تستعمل للمصافحة وللأخذ والإعطاء وللأمور الطيبة الحسنة، أما الأشياء التي فيها قبح أو عدم نظافة فيستعمل لها الشمال”. انتهى
♢- * وهنا ننقل كلام لبعض لجان الفتوى في مسألة هل النهي في الآداب للتحريم أم للكراهة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في النهي أنه للتحريم حتى تأتي قرينة تصرفه عن التحريم إلى الكراهة، قال ابن عبد البر – رحمه الله: النهي حكمه إذا ورد أن يتلقى باستعمال ترك ما نهى عنه والامتناع منه، وأن النهي محمول على الحظر والتحريم والمنع حتى يصحبه دليل من فحوى القصة والخطاب، أو دليل من غير ذلك يخرجه من هذا الباب إلى باب الإرشاد والندب. انتهى.
وقد جعل كثير من العلماء كون النهي في باب الأدب قرينة صارفة له من التحريم إلى الكراهة، وذلك لأن كثيرا من النواهي في هذا الباب قد انعقد الإجماع على أنها ليست للتحريم، وكثير منها حمله الجمهورعلى التنزيه، فطرد هذا الفريق من العلماء القاعدة وأجروا النهي في هذا الباب مجرى واحدا فحملوه على الكراهة والتنزيه، وعللوا ذلك بأن ما كان من باب حسن العشرة والمخالقة بالتي هي أحسن، أو من باب التصرف فيما يملكه الإنسان، أو من باب حسن الهيئة ونحو ذلك ممّا ليس حكمه تعبديا محضا يناسب حمله على الكراهة، وممّن رجح هذا القول العلامة ابن عثيمين، فقد قال – رحمه الله: سلك بعض العلماء مسلكا جيدا وهو أن الأوامر تنقسم إلى قسمين:
- أوامر تعبدية.
- وأوامر تأديبية، من باب الآداب ومكارم الأخلاق.
فما قصد به التعبد فالأمر فيه للوجوب، والنهي للتحريم، لأن الله خلقنا لعبادته، وما قصد به التأدب فإن الأمر فيها أمرإرشاد لا إلزام، والنهي فيها للكراهة لا للتحريم، إلا إذا ورد ما يدل على الوجوب فهو للوجوب. انتهى.
وقد نص كثير من العلماء على مثل هذا في ثنايا كلامهم ممّا يدل على أن هذه القاعدة مستعملة بكثرة وأنها ممّا قد يتبين به وجه التفريق بين أنواع النواهي، ومن ذلك قول الحافظ في الفتح: في كلامه على باب النهي عن الاستنجاء باليمين، قوله: باب النهي عن الاستنجاء باليمين أي باليد اليمني وعبر بالنهي إشارة إلى أنه لم يظهر له، هل هو للتحريم أو للتنزيه؟ أو أن القرينة الصارفه للنهي عن التحريم لم تظهر له وهي أن ذلك أدب من الآداب، وبكونه للتنزيه قال الجمهور، وذهب أهل الظاهر إلى أنه للتحريم. انتهى.
وقال النووي – رحمه الله – في كلامه على حكم القران بين التمرتين: واختلفوا فى أن هذا النهى على التحريم أو على الكراهة والأدب، فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم، وعن غيرهم أنه
- أوامر تعبدية.
- وأوامر تأديبية، من باب الآداب ومكارم الأخلاق.
فما قصد به التعبد فالأمر فيه للوجوب، والنهي للتحريم، لأن الله خلقنا لعبادته، وما قصد به التأدب فإن الأمر فيها أمرإرشاد لا إلزام، والنهي فيها للكراهة لا للتحريم، إلا إذا ورد ما يدل على الوجوب فهو للوجوب. انتهى.
وقد نص كثير من العلماء على مثل هذا في ثنايا كلامهم ممّا يدل على أن هذه القاعدة مستعملة بكثرة وأنها ممّا قد يتبين به وجه التفريق بين أنواع النواهي، ومن ذلك قول الحافظ في الفتح: في كلامه على باب النهي عن الاستنجاء باليمين، قوله: باب النهي عن الاستنجاء باليمين أي باليد اليمني وعبر بالنهي إشارة إلى أنه لم يظهر له، هل هو للتحريم أو للتنزيه؟ أو أن القرينة الصارفه للنهي عن التحريم لم تظهر له وهي أن ذلك أدب من الآداب، وبكونه للتنزيه قال الجمهور، وذهب أهل الظاهر إلى أنه للتحريم. انتهى.
وقال النووي – رحمه الله – في كلامه على حكم القران بين التمرتين: واختلفوا فى أن هذا النهى على التحريم أو على الكراهة والأدب، فنقل القاضي عياض عن أهل الظاهر أنه للتحريم، وعن غيرهم أنه
للكراهة والأدب، والصواب التفصيل، فإن كان الطعام مشتركا بينهم فالقران حرام إلا برضاهم، وإن كان الطعام لنفسه وقد ضيفهم به، فلا يحرم عليه القران، ثم إن كان فى الطعام قلة فحسن ألا يقرن لتساويهم، وإن كان كثيرا بحيث يفضل عنهم فلا بأس بقرانه، لكن الأدب مطلقا التأدب فى الأكل وترك الشره. انتهى.
وهو واضح جدا في التفريق بين نوعي النهي، وأن ما كان للأدب فإنه يحمل على الكراهة، وأن وجه ذلك ما فيه من حسن العشرة والإحسان إلى الأصحاب، ونرى حافظ المغرب وهو أبو عمر ابن عبد البر – والذي قدمنا كلامه في أن النهي ظاهر في التحريم حتى تأتي القرينة – يفرق بين ما كان من باب الآداب وغيره، ويبين وجه الفرق، فقال – ﵀: ونهيه ﷺ عن المشي في نعل واحدة نهي أدب لا نهي تحريم، والأصل في هذا الباب أن كل ما كان في ملكك فنهيت عن شيء من تصرفه والعمل به فإنما هو نهي أدب، لأنه ملكك تتصرف فيه كيف شئت ولكن التصرف على سنته لا تتعدى، وهذا باب مطرد ما لم يكن ملكك حيوانا، فتنهى عن أذاه، فإن أذى المسلم في غير حقه حرام، وأما النهي عما ليس في ملكك إذا نهيت عن تملكه أواستباحته إلا على صفة ما في نكاح أو بيع أو صيد أو نحو ذلك، فالنهي عنه نهي تحريم فافهم. انتهى.
وإلى هذا المذهب يشير كلام الشافعي – ﵀ – وهو واضع علم الأصول، فقد قال في رسالته ما لفظه: ولم يكن أمْرُه أن يأكل مِن بين يديه ولا يأكل من رأس الطعام إذا كان مباحًا له أن يأكل ما بين يديه وجميعَ الطعام: إلاَّ أدَبًا في الأكل من بين يديه، لأنه أجملُ به عند مُواكِلِه وأبعَدُ له من قُبْح الطَّعْمَة والنَّهَم وأمَره ألا يأكل من رأس الطعام، لأن البركة تنزل منه له على النظر له في أن يُبارَك له بَرَكَةً دائِمة يدوم نزولها له وهو يبيحُ له إذا أكل ما حوْلَ رأس الطعام أن يأكل رأسه.
وإذا أباح له المَمَرَّ على ظهر الطريق فالممرُّعليه إذْ كان مُباحًا، لأنه لا مالِكَ له يمنع الممر عليه فيحرُم بمنعه: فإنما نهاه لمعنى يُثْبِت نظرًا له فإنه قال: فَإنَّها مَأْوى الهَوامِّ وطُرُقُ الحَيّاتِ.
على النظر له لا على أن التعريس محرَّم وقد ينهى عنه إذا كانت الطريق مُتَضايقًا مسْلوكا.
وبهذا يتبين لك أن هذا التفريق بين النوعين من النواهي جار في كلام كثير من العلماء وأن وجه هذا التفريق هو ما عرفناك سابقا من المعنى الذي اقتضى حمل كثير من النواهي الواردة في باب الأدب على الكراهة.