223 جامع الأجوبة الفقهية ص 263
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
ومشاركتي وضعت بجوارها(* )
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
٩٠ – وعَنْ أبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قالَ: قالَ رَسُولُ اللَّهِ – ﷺ -: «اتَّقُوا اللّاعِنَيْنِ: الَّذِي يَتَخَلّى فِي طَرِيقِ النّاسِ، أوْ فِي ظِلِّهِمْ» رَواهُ مُسْلِمٌ
٩١ – زادَ أبُو داوُدَ، عَنْ مُعاذٍ: «والمَوارِدَ»
٩٢ – ولِأحْمَدَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ: «أوْ نَقْعِ ماءٍ» وفِيهِما ضَعْفٌ.
٩٣ – وأخْرَجَ الطَّبَرانِيُّ النَّهْيَ عَنْ تَحْتِ الأشْجارِ المُثْمِرَةِ، وضَفَّةِ النَّهْرِ الجارِي، مِن حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ
———–
مسألة: بعض الأماكن التي لا يجوز التخلي فيها .
♢- جواب ناصر الريسي:
♢- مفردات الحديث:
قال الشيخ البسام كما في توضيح الأحكام من بلوغ المرام (1/ 334):
- اللاعنين: بصيغة التثنية، قال الخطابي: اللاعنين: الأمرين الجالبين للعن الناس من فعله.
- الملاعن: بالفتح: جمع ملعن، أي: موضع اللعن.
- الثلاثة: منصوب، صفة الملاعن.
- الناس: مشتق من ناس ينوس: إذا تدلى وتحرك، ويصغر على نويس، وقد وضع للجمع كالرهط والقوم، وواحده: إنسان على غير لفظه، والأصل في نطقه: الاناس، فحذفت الهمزة لكثرة الاستعمال؛ ولهذا إذا نطقت بدون “أل” قيل: “أناس” أكثر مما يقال: “ناس”.
- يتخلى: مأخوذ من المكان الخالي؛ لأن عادة من يريد قضاء حاجته الابتعاد عن الناس والخلوة بنفسه.
ويراد به التغوط في طريق الناس أو ظلهم؛ فهو من ألفاظ الكناية التي يعبر فيها عما يقبح ذكره بما يدل عليه.
- الموارد: جمع مورد، وهو الموضع الذي يرده الناس من عين ماء، أو غدير، أو نحوهما.
- البراز: بفتح الموحدة، فراء مفتوحة، آخره زاي، وهو المتسع من الأرض يكنى به عن الغائط، هو المطمئن من الأرض، سميت به عذرة الإنسان؛ لأن من أراد قضاء حاجته، قصد المطمئن من الأرض.
- الطريق: فعيل بمعنى مفعول، فهو مطروق؛ لأن أقدام الناس تطرقه، جمعه طرق بضمتين، وهو مذكر في لغة أهل نجد، وبه جاء التنزيل؛ قال تعالى: {فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا} [طه: 77]، ويؤنث في لغة أهل الحجاز.
- قارعة: المراد به الطريق الواسع، سمي بذلك؛ لقرعه بأقدام الناس.
- نقع ماء: بفتح النون، وسكون القاف، فعين مهملة، ويراد به: الماء المجتمع:
- ضفة النهر: ضفة بفتح الضاد وكسرها، ضفة النهر أو البحر أو الوادي، هي: ساحله وشاطئه، وهما ضفتان، جمعه ضفاف.
- اللعن: هو الطرد والإبعاد عن الخير، وعن رحمة الله تعالى.
♢- اختلف العلماء في حكم التخلي في طرق الناس وظلهم على قولين:
الأول: كراهة هذا الفعل وهو مذهب الحنفية وبعض المالكية وأكثر الشافعية ورواية في مذهب أحمد.
الثاني: التحريم وهذا القول اختاره بعض المالكية، ورجحه النووي من الشافعية، وهو رواية في مذهب أحمد.
انظر: حاشية ابن عابدين (1/ 343)، التاج والإكليل (1/ 402 – 403)، روضة الطالبين (1/ 66)، المجموع (1/ 102)، الإنصاف (1/ 97، 98)، المغني (1/ 108)
♢- جاء في مواهب الجليل (1/ 276): قال في النوادر: ويكره أن يتغوط في ظل الجدار، والشجر وقارعة الطريق وضفة الماء وقربه. انتهى
♢- نقل العدوي في حاشيته على الخرشي (1/ 145): عن عياض القول بالتحريم، ونقل عن علي الأجهوري أنه قال: وظاهر الحديث التحريم، وينبغي الرجوع إليه، إذ فاعل المكروه لا يلعن. انتهى
♢- قال النووي في المجموع (1/ 102): وظاهر كلام المصنف والأصحاب أن فعل هذه الملاعن أو بعضها مكروه كراهة تنزيه، لا تحريم، وينبغي أن يكون محرماً لهذه الأحاديث، ولما فيه من إيذاء المسلمين، وفي كلام الخطابي إشارة إلى تحريمه. اهـ
♢- ونقل الامام النووي الاتفاق في المجموع (2/ 102) شارحًا لقول الماتن: “ويكره أن يبول في مساقط الثمار”، حيث يقول: “هذا الذي ذكره متفق عليه، ولا فرق بين الشجر المباح والذي يملكه، ولا بين وقت الثمر وغير وقته؛ لأن الموضع يصير نجسًا، فمتى وقع الثمر تنجس، وسواء البول والغائط، وإنما اقتصر المصنف على البول اختصارًا، وتنبيها للأدنى على الأعلى”. نتهى
♢- قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (1/ 127):
“قوله: «وبوله في طريق»، أي: يحرم، والغائط من باب أولى؛ لما رواه مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اتقوا اللعانين»، قالوا: وما اللعانان يا رسول الله؟ قال: «الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم». وفي سنن أبي داود رحمه الله تعالى: «اتقوا الملاعن الثلاث: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل».
والعلة: أن البول في الطريق أذية للمارة، وإيذاء المؤمنين محرم، قال الله تعالى: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا *} [الأحزاب].
قوله: «وظل نافع»، أي: يحرم أن يبول أو يتغوط في ظل نافع، وليس كل ظل يحرم فيه ذلك، بل الظل الذي يستظل به الناس، فلو بال أو تغوط في مكان لا يجلس فيه؛ فلا يقال بالتحريم، والدليل قوله صلى الله عليه وسلم: «أو في ظلهم»، يعني: الظل الذي هو محل جلوسهم، وانتفاعهم بذلك”. انتهى
♢- قال الشيخ العباد في شرح سنن أبي داود (٨/٩):
“وإنما الذي يكون فيه المنع هو ما كان يحتاج الناس إليه، ولهذا قال: (في طريق الناس أو في ظلهم)، أي: الذي يستظلون به لكونهم يأتون وهناك شجر كبار في الطريق، فالناس يحتاجون إلى أن يجلسوا تحتها ويستظلوا بها، فمن جاء وقضى حاجته تحتها فإنه يكون بذلك قد أفسد الظل على الناس الذي هم بحاجة إليه. وإطلاق النبي ﷺ على هذين الموضعين بأنهما لاعنان قد فُسِّر بتفسيرين: الأول: إما أن يكون المقصود أن فعل ذلك سبب ووسيلة لأن يلعن من فعل ذلك، فأطلق على المكانين بأنهما اللاعنان.
الثاني: أن لاعن: بمعنى ملعون؛ لأنه يأتي فاعل بمعنى مفعول، كما يقال عيشة راضية بمعنى: مرضية، وسر كاتم بمعنى مكتوم.
والمعنى: أن من فعل ذلك فإنه يلعنه الناس ويسبونه ويشتمونه ويذمونه، لأنه حصل منه التسبب في إيذائهم، يعني: أنه عرض نفسه لأن يذمه”.انتهى
♢- وقد ذكر صاحب كتاب موسوعة أحكام الطهارة (2/237) عدة تنبيهات على هذه المسألة:
التنبيه الأول:
الطريق إذا لم تكن مطروقة فلا بأس بالتبول فيها، لقوله – صلى الله عليه وسلم -: ” في طريق الناس ” أي الذي يحتاجون إليه بطرقه.
وفي حديث أبي هريرة: ” من سل سخيمته في طريق عامرة من طرق المسلمين “.
وفي حديث حذيفة: ” من آذى المسلمين في طرقهم “.
والطريق المهجور لا يؤذي المسلمين، فالحكم يدور مع علته.
التنبيه الثاني:
الظل الذي لا ينتفع به فلا بأس بالتبول فيه، فالمراد هنا بالظل: هو الظل الذي اتخذه الناس مقيلاً ومنزلاً ينزلونه، وليس كل ظل يحرم قضاء الحاجة تحته، ولأنه ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – كما في صحيح مسلم من حديث عبد الله بن جعفر: كان أحب ما استتر به النبي – صلى الله عليه وسلم – لحاجته هدف أو حائش نخل.
وقال ابن خزيمة في تفسير قوله: هدف أو حائش نخل، فقال: الهدف: هو الحائط. والحائش من النخل: هو النخلات المجتمعات، وإنما سمي البستان حائشاً لكثرة أشجاره، ولا يكاد الهدف يكون إلا وله ظل إلا وقت استواء الشمس، فأما الحائش من النخل فلا يكون وقت من الأوقات بالنهار إلا ولها ظل، والنبي – صلى الله عليه وسلم – قد كان يستحب أن أن يستتر الإنسان في الغائط بالهدف والحائش، وإن كان لهما ظل انتهى.
ولقوله في حديث أبي هريرة: ” قيل: وما اللعنان يا رسول الله: قال الذي يتبول في طريق الناس أو في ظلهم ” فحين أضاف الظل إليهم علم أنه الظل الذي يستظلون به، أما الظل الذي لا يستظلون به، فليس هو من ظلهم، والله أعلم.
* لفظ الحديث الذي فيه حائش نخل كما في مسلم
٧٩ – (٣٤٢) حَدَّثَنا شَيْبانُ بْنُ فَرُّوخَ، وعَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أسْماءَ الضُّبَعِيُّ، قالا: حَدَّثَنا مَهْدِيٌّ وهُوَ ابْنُ مَيْمُونٍ، حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أبِي يَعْقُوبَ، عَنِ الحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ، مَوْلى الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ جَعْفَرٍ، قالَ: أرْدَفَنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ ذاتَ يَوْمٍ خَلْفَهُ. فَأسَرَّ إلَيَّ حَدِيثًا لا أُحَدِّثُ بِهِ أحَدًا مِنَ النّاسِ «وكانَ أحَبَّ ما اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِحاجَتِهِ، هَدَفٌ أوْ حائِشُ نَخْلٍ» قالَ ابْنُ أسْماءَ فِي حَدِيثِهِ: «يَعْنِي حائِطَ نَخْلٍ»
وبوب ابن حبان عليه
ذِكْرُ إباحَةِ اسْتِتارِ المَرْءِ بِالهَدَفِ أوْ حائِشِ النَّخْلِ إذا تَبَرَّزَ . وكذلك البيهقي في الكبرى
بابُ الاستِتارِ عِندَ قَضاءِ الحاجَةِ وذكر الحديث رقم ٤٥٢ –
التنبيه الثالث:
ذكر بعض الفقهاء من الحنفية والمالكية بأنه يلحق بالظل في الصيف محل الاجتماع في الشمس في الشتاء. وهذا قياس جلي؛ لأن العلة ليست من أجل الظل أو من أجل الشمس، إنما العلة أذية المؤمنين في أماكن اجتماعهم، ويدخل فيه محل مدارسهم، وأماكن بيعهم، ونحوها.
قال ابن عابدين: ينبغي تقييده بما إذا لم يكن محلاً للاجتماع على محرم، أو مكروه، وإلا فقد يقال بطلب ذلك لدفعهم عنه.
قلت: قد يقول قائل: إن النهي مطلق، فيدخل حتى هذا في النهي عن البول، وقد يقال: بأن ذلك يغتفر؛ لأنه من باب إزالة المنكر، كما أن هجر
المسلم محرم، ويغتفر إذا كان ذلك رادعاً له أو لغيره عن بدعة ونحوها، لكن ينبغي ألا يفعل ذلك حتى يغلب على ظنه أن الفعل يحقق المصلحة منه، ولا يحملهم على منكر أكبر منه، وأن النصيحة لا تجدي في تغيير المنكر، ولا يفعل ذلك إلا إذا كان ما يفعل في تلك الأماكن محرماً، وليس مكروهاً، والله أعلم.
التنبيه الرابع:
اشتملت الأحاديث على النهي عن الموارد. والمقصود بالموارد، قال الخطابي: هي طرق الماء، واحده: مورد.
وفي فيض القدير: المراد بها: مناهل الماء، أو الأمكنة التي يأتي إليها الناس، ورجح الأول بموافقته لقوله في الحديث: ” أو نقع ماء ” والحديث يفسر بعضه بعضاً، وإرادة طرق الماء بعيدة هنا. والله أعلم.
أو يكون مقصوده النهي عن البول في الماء الراكد، وقد ذكرنا أحاديث النهي عنه في مباحث المياه، وذكرنا حكم البول في الماء الراكد، فقيل: يحرم البول في الماء القليل مطلقاً؛ لأنه ينجسه ويتلفه على نفسه وعلى غيره. ولأن الأصل في النهي التحريم. وقد اختار هذا بعض الحنفية وبعض المالكية، والنووي من الشافعية. وقيل: يكره مطلقاً، كما هو مذهب الشافعية. وفرق الحنابلة بين البول والتغوط، فحرموا التغوط فيه، وكرهوا البول، والله أعلم.
التنبيه الخامس:
قوله: ” اتقوا اللاعنين ” وقوله: ” اتقوا الملاعن ” قال النووي في الأذكار: ظاهر هذه الأحاديث تدل على جواز لعن العاصي مع التعيين، أي أنه لو لم يجز لعنه كانت اللعنة على لاعنه، والمشهور حرمة لعن المعين. وأجاب الزين العراقي: بأنه قد يقال: إن ذلك من خصائص المصطفى – صلى الله عليه وسلم – لقوله: اللهم إني اتخذ عهداً عندك أيما مسلم سببته أو لعنته. الحديث. والله أعلم.
التنبيه السادس:
قيد جمهور الفقهاء بأن تكون الشجرة لها ثمرة.
قال النووي: وإنما لم يقولوا بتحريم ذلك؛ لأن تنجس الثمار به غير متيقن.
وفي حاشية ابن عابدين: ذكر العلة، فقال: خوفاً من إتلاف الثمر، وتنجسه، والمتبادر أن المراد وقت الثمرة، ويلحق به ما قبله بحيث لا يأمن زوال النجاسة بمطر أو نحوه كجفاف أرض من بول، ويدخل فيه الثمر المأكول وغيره، ولو مشموماً لاحترام الكل، والانتفاع به.
قال النووي: وهذ الذي ذكره – يعني: من كراهية البول في مساقط الثمار- متفق عليه، ولا فرق بين الشجر المباح (غير المملوك) والذي يملكه ولا بين وقت الثمر، وغير وقته؛ لأن الموضع يصير نجساً، فمتى وقع الثمر تنجس، وسواء البول والغائط، وإنما ذكروا البول تنبيهاً للأعلى على الأدنى. اهـ
قلت: قد يأتي إلى الشجرة صاحبها لسقي أو تقليم أو غيره، ولو لم يكن تحتها ثمرة، فيتأذى من النجاسة، ويدخل في عموم النهي عن أذية المؤمنين.
وقيل: بتحريم ذلك، وهي رواية في مذهب أحمد بشرط أن يكون عليها ثمرة مقصودة، فإن لم يكن عليها ثمرة، ولم يكن لها ظلاً مقصوداً لم يحرم، والله أعلم. انتهى
والله أعلم..