2226 ‘ 2227 ‘2228 ‘2229 ‘ 2230 تحضير سنن أبي داود
مجموعة: أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري ومحمد فارح ويوسف بن محمد السوري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا).
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابٌ فِي الْخُلْعِ
2226 – حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَاسٍ، فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ»
[حكم الألباني]: صحيح
2227 – حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَعْدِ بْنِ زُرَارَةَ، أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ، عَنْ حَبِيبَةَ بِنْتِ سَهْلٍ الْأَنْصَارِيَّةِ، أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الصُّبْحِ فَوَجَدَ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ عِنْدَ بَابِهِ فِي الْغَلَسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ هَذِهِ؟»، فَقَالَتْ: أَنَا حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ، قَالَ: «مَا شَانُكِ؟»، قَالَتْ: لَا أَنَا وَلَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ لِزَوْجِهَا، فَلَمَّا جَاءَ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «هَذِهِ حَبِيبَةُ بِنْتُ سَهْلٍ»، وَذَكَرَتْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَذْكُرَ، وَقَالَتْ حَبِيبَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كُلُّ مَا أَعْطَانِي عِنْدِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ: «خُذْ مِنْهَا»، فَأَخَذَ مِنْهَا، وَجَلَسَتْ هِيَ فِي أَهْلِهَا
[حكم الألباني]: صحيح
2228 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَعْمَرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرٍو السَّدُوسِيُّ الْمَدِينِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمْرَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ سَهْلٍ، كَانَتْ عِنْدَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَضَرَبَهَا فَكَسَرَ بَعْضَهَا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ الصُّبْحِ، فَاشْتَكَتْهُ إِلَيْهِ، فَدَعَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثَابِتًا، فَقَالَ: «خُذْ بَعْضَ مَالِهَا، وَفَارِقْهَا»، فَقَالَ: وَيَصْلُحُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟، قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ: فَإِنِّي أَصْدَقْتُهَا حَدِيقَتَيْنِ، وَهُمَا بِيَدِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «خُذْهُمَا وَفَارِقْهَا»، فَفَعَلَ
[حكم الألباني]: صحيح
2229 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْبَزَّازُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ بَحْرٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، «أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ مِنْهُ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عِدَّتَهَا حَيْضَةً»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَهَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلًا
[حكم الألباني]: صحيح
2230 – حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «عِدَّةُ الْمُخْتَلِعَةِ حَيْضَةٌ»
[حكم الألباني]: صحيح موقوف
قال ابن باز:
(1) الفداء لا بأس به إذا خافت ألا يقيم حدود الله، ولقضية امرأة ثابت بن قيس، ولو ظلمها لم يجز له أخذ المال، وأما إذا ظلمت هي لا بأس، أو قالت: ما أستطيع أن أوفيك حقك، وبذلت مالًا لا بأس.
(2) إذا أعطته مهره يطلق؛ فإذا كان السوء منها يأخذه، وينبغي ألا يزيد على مهره لقوله «اقبل الحديقة»، والآية عامة، و «اقْبل» للوجوب فإذا رأى الإمام الإلزام ألزم الزوج. قلت: واختلف قول الشيخ تقي الدين في إلزام الزوج وأفتى باللزوم بعض فضلاء الحنابلة من المقادسة كما قاله ابن مفلح.
* حديث: ولا تزدد، في سنده بعض المقال، والأقرب منع الزيادة؛ لأن الزيادة لا حد لها فيكون الحديث ولا تزدد مخصص بالآية. قلت: الزيادة غير ملحوظة، وانظر نصب الراية (3/ 245).
* الخلع يجوز في الحيض، ولم يستفصل عن حال امرأة ثابت.
* الخلع طلقة يجوز الرجوع بعقد جديد ولو في عدتها؛ لأن الماء ماؤه، وتعتد بحيضة، والأحوط ثلاث.
[الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري 4/ 100]
قال البسام:
باب الخلع
مقدمة
الخُلْع: بضم الخاء، وسكون الَّلام: الاسم، وبفتح الخاء: المصدر، وأصله خلع الثوب، فأُخذ منه انخلاع المرأة من لباس زوجها، الذي قال الله تعالى عنه: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة: 187]؛ فيُقال: خلع ملبوسه، أي: نزعه، وخالعت المرأة زوجها، واختلعت منه إذا افتدت منه بمالها.
وتعريفه شرعًا: فراق الزوج امرأته بعوضٍ يأخذه الزوج من امرأته أو غيرها، بألفاظٍ مخصوصة.
فائدته: تخليص الزوجة من زوجها، على وجهٍ لا رجعة له عليها، إلَاّ برضاها، وعقدٍ جديد.
والأصل في جواز الخلع: الكتاب، والسنة، والإجماع:
قال تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229].
وقصة ثابت بن قيس الآتية إنْ شاء الله.
وإجماع الأمة عليه.
ويصح الخلع من كل زوج يصح طلاقه، سواء أكان رشيدًا أو سفيهًا، بالغًا أو صغيرًا، مميزًا بعقله.
ويصح بذلك العوضُ في الخلع من زوجة، أو أجنبي جائز التبرع، ومن لا يصح تبرعه فلا يصح بذله لعوضه؛ لأنَّه بذل في غير مقابلة مال ولا منفعة، فصار كالتبرع.
والخلع تجري فيه الأحكام الخمسة:
1 – يكره مع استقامة حال الزوجين، وعدم وجود خلاف، وشقاق بينهما؛ لما روى الخمسة إلَاّ النسائي عن ثوبان أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَال: “أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة”.
2 – يحرم ولا يصح إنْ عَضَلَها، وضارَّها بالتضييق عليها، أو منع حقوقها، وغير ذلك؛ لتفتدي نفسها؛ فالخلع باطل، والعوض مردود، والزوجية بحالها إنْ لم يكن الخلع بلفظ الطلاق؛ قال تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [النساء: 91].
3 – يسن للزوج إجابة طلبها؛ لِما روي البخاري عن ابن عباس: “أنَّ امرأة ثابت ابن قيس جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: إنِّي ما أعيبُ على ثابت من دين ولا خلق، ولكن أكره الكفر في الإسلام، فقال صلى الله عليه وسلم: أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم، فأمرها بردها، وأمره بفراقها”.
4 – ويجب إذا رأى منها ما يدعوه إلى فراقها، من ظهور فاحشة منها، أو ترك فرضٍ من صلاةٍ أو صوم، ونحو ذلك وحينئذٍ يباح له عضلها؛ لتفتدي نفسها منه قال تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [النساء: 19].
5 – ويباح لها الخلع إذا كرهت الزوجة خلق زوجها، أو خافت إثمًا بترك حقه، فإنْ كان يحبها، فيسن صبرها عليه، وعدم فراقها إيَّاه، والله أعلم.
ما يؤخذ من الحديث:
1 – ثبوت أصل الخلع أنَّه فرقة جائزة في الشريعة الإسلامية على الصفة المشروعة.
2 – أنَّ طلب الزوجة إياه مباح إذا كرهت الزوج، إما لسوء عشرته معها، أو دمامته، أو نحو ذلك من الأمور المنفرة، التي لا تعود إلى نقصٍ في الدِّين، فإنْ عادت إلى نقصٍ في الدِّين، وجب طلب الفراق.
3 – قيد بعض العلماء الإباحة للزوجة بالطلب بما إذا لم يكن زوجها يحبها، فإنْ كان يحبها، فيستحب لها الصبر عليه.
4 – أنَّه يستحب للزوج إجابة طلبها إلى الخلع إذا طلبته؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “اقْبِل الحديقة، وطلِّقها تطليقة”.
5 – يحرم إيقاع الخلع إذا كانت المرأة مستقيمة، ثم عضلها زوجها؛ لتفتدي منه؛ قال تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ} [البقرة:19].
6 – إباحة عضلها لتفتدي إذا ظهرت منها الفاحشة، أو ترك شيء من الواجبات، قال تعالى: {إِلَّا أَنْ يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ} [البقرة: 19]، والفراق في هذا الحال واجب بأي نوع من أنواع الفرقة الزوجية.
7 – يجب أنْ يكون الخلع على عوض؛ لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، وقوله صلى الله عليه وسلم: “اقبل الحديقة، وطلِّقها تطليقة”.
8 – يجوز أنْ يكون العوض أكثر من الصداق، وأنْ يكون أقل منه؛ لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229]، ولكن كره العلماء أنْ يكون بأكثر من الصداق؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “أتردين عليه حديقته”؛ ولقوله تعالى: {وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ} [البقرة؛ 237].
وجواز الخلع بما اتَّفقا عليه، هو قول جمهور العلماء.
9 – أنَّه لابد في الخلع من صيغة قولية؛ لقوله: “وطلِّقها تطليقة”.
* خلاف العلماء:
اختلف العلماء هل الخلع طلاقٌ محسوبٌ من الثلاث، أو أنَّه فسخٌ لا ينقص به عدد الطلاق؟
ذهب الإمام الشافعي: إلى أنَّه فسخ لا طلاق، وهو رواية عن أحمد، ولكنها ليست المشهورة في مذهبه.
اختار هذا الرواية شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وكثير من المحققين، ومن متأخري الأصحاب ذهب إليها الشيخ محمد بن إبراهيم، والشيخ عبد الرحمن السعدي، وذهب إليه جماعةٌ من السلف، منهم ابن عباس، وطاووس، وعكرمة، وإسحاق، وأبو ثور.
وذهب الأئمة الثلاثة -أبو حنيفة ومالك وأحمد- والثوري، والأوزاعي: إلى أنَّه طلقة بائنة.
وذهب إليه من السلف سعيد المسيب، وعطاء، والحسن، ومجاهد، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، والنَّخعي، والشعبي، والزهري، ومكحول، وهو مروي عن عثمان، وعلي، وابن مسعود.
استدل أصحاب القول بأنَّه فسخ بقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة؛ 229]، فهاتان طلقتان فيهما الرجعة، ثم قال تعالى عن الطلقة الثالثة: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: 230]، وبيْن الطلقتين الأوليين، وبين الطلقة الثالثة قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة: 229] وهذا هو الخلع، فلو كان طلاقًا لكان هو الطلقة الثالثة، فلمَّا صار بين الأوليين وبين الثالثة، ولم يعتبر في العدد، علِمنا أنَّه مجرد فسخ.
وقال شيخ الإسلام مؤيدًا لقول الأول: ظاهر مذهب أحمد وأصحابه، أنَّه فرقة بائنة، وفسخ للنكاح، وليس من الطلاق الثلاث، وما علمتُ أحدًا من أهل العلم بالنقل صحَّح ما نُقِل عن الصحابة من أنَّه طلاق بائنٌ محسوبٌ من الثلاث.
والنقل عن علي وابن مسعود ضعيف جدًا، وأما النقل عن ابن عباس أنَّه فرقة وليس بطلاق، فمن أصح النقل الثابت باتفاق أهل العلم بالآثار.
والذين استدلوا بما نقل عن الصحابة من أنَّه طلقة بائنة من الفقهاء ظنوا تلك نقولاً صحيحة، ولم يكن عندهم من نقد الآثار والتمييز بين صحيحها وضعيفها ما عند أحمد وأمثاله من أهل المعرفة بذلك.
وفائدة الخلاف بين اختيار الخلع فسخًا أو طلاقًا تظهر بأنَّنا: إن اعتبرناه طلاقًا، فهو من الطلقات الثلاث، وإنْ كان فسخًا، فإنَّه لا ينقص من عدد الطلاق.
* فوائد:
الأولى: المشهور من مذهب الإمام أحمد عدم إجبار الزوج على الخلع، وإنَّما تسن إجابتها إليه.
قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ: والقول الآخر: جواز إلزام الزوج به عند عدم إمكان تلاؤم الحال بين الزوجين حسب اجتهاد الحاكم، قال في الفروع: وألزم به بعض حكَّام الشام المقادسة الفضلاء.
الثانية: قال الوزير: اتَّفقوا على أنَّه يصح الخلع مع استقامة الحال بين الزوجين.
قال الشيخ تقي الدين: الخلع الذي جاء به الكتاب والسنة أنْ تكون المرأة كارهة للزوج؛ فتعطيه الصداق أو بعضه فداء نفسها، كما يفتدي الأسير، وأما إذا كان كل منهما مريدًا لصاحبه، فهذا خلع محدَث في الإسلام؛ فقد روى أحمد وأصحاب السنن الأربع، من حديث ثوبان أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: “أيما امرأة سالت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة”؛ فظاهر الحديث التحريم.
إذا خلع زوجته فعلاً بأنْ جرى بينهما الفسخ، ولم يبق إلَاّ تسليم العوض، فهذا لا خيار فيه، ولو لم يقبض عوضه.
وإنْ كان قد تقاولا من دون أنْ يفسخها، وإنَّما اتَّفقا على أنْ يفسخها إذا سلمته العوض، فهذا لم يحصل منه فسخ، وإنَّما حصل منه وعد، فله الرجوع عما نواه ولم يفعله.
الثالثة: قال سيد قطب: مجموع الروايات التي وردت في قصة ثابت بن قيس مع زوجته تصوِّر الحالة النفسية التي قابلها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وواجهها مواجهة من يدرك أنَّها حالةٌ قهريةٌ، لا جدوى من استنكارها، وقسر المرأة على العِشرة معها، فاختار لها الحل من المنهج الربَّاني، الَّذي يواجه الفطرة البشرية مواجهة صريحة عملية واقعية، ويعامل النفس الإنسانية معاملة المدرِك لما يعتمل فيها من مشاعر حقيقيَّة.
***
[توضيح الأحكام من بلوغ المرام 5/ 468]
قال الإتيوبي:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان ما جاء في الخلع.
(ومنها): أن الشقاق إذا حصل من قبل المرأة فقط جاز الخلع والفدية، ولا يتقيّد ذلك بوجوده منهما جميعًا.
(ومنها): مشروعيّة الخلع، إذا كرهت المرأة عِشرة الرجل، ولو لم يكرهها هو، ولم ير منها ما يقتضي فراقها. وهو قول الجمهور. وخالف في ذلك أبو قلابة، ومحمد بن سيرين، فقالا: لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلاً. وسيأتي تحقيق الخلاف قريبًا، إن شاء اللَّه تعالاء (ومنها): أن فيه أن المرأة إذا سألت زوجها الطلاق على مال، فطلّقها وقع الطلاق.
(ومنها): أن الفدية لا تكون إلا بما أعطى الرجل المرأة، عينًا، أو قدرًا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “أتردّين عليه حديقته”، وسيأتي قريبًا اختلاف العلماء في ذلك، إن شاء اللَّه تعالى.
(ومنها): أن الخلع جائز في الحيض؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها، أحائض هي أم لا؟، وفيه الخلاف بين العلماء أيضًا، سيأتي بيانه قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى.
(ومنها): أن الأخبار الواردة في ترهيب المرأة من طلب طلاق زوجها محمولة على إذا لم يكن هناك سبب يقتضي ذلك، كحديث ثوبان رضي الله عنه، مرفوعًا: “أيّما امرأة سألت زوجها الطلاق، فحرام عليها رائحة الجنّة”. رواه أصحاب السنن، وصححه ابن خزيمة، وابن حبّان. ويدلّ على تخصيصه قوله في بعض طرقه: “من غير ما بأس”، وكحديث أبي هريرة رضي الله عنه المتقدِّم في هذا الباب: “المنتزعات، والمختلعات هنّ المنافقات”.
(ومنها): أن الصحابيّ إذا أفتى بخلاف ما روى أن المعتبر ما رواه، لا ما رآه؛ لأن ابن عبّاس – رضي اللَّه تعالى عنهما – روى قصّة امرأة ثابت بن قيس الدّالّة على أن الخلع طلاقٌ، وكان يُفتي بأن الخلع ليس بطلاق. لكن ادّعى ابن عبد البرّ شذوذ ذلك عن ابن عبّاس، إذ لا يُعرف له أحد نقل عنه أنه فسخٌ، وليس بطلاق إلا طاوسٌ. قال الحافظ: وفيه نظر؛ لأن طاوسًا ثقة حافظ فقيهٌ، فلا يضره تفرّده، وقد تلقّى العلماء ذلك بالقبول، ولا أعلم من ذكر الاختلاف في المسألة إلا جزم أن ابن عبّاس كان يراه فسخًا. نعم أخرج إسماعيل القاضي بسند صحيحٍ عن ابن أبي نجيح أن طاوسًا لما قال: إن الخلع ليس بطلاق أنكره عليه أهل مكة، فاعتذر، وقال: إنما قاله ابن عبّاس. قال إسماعيل: لا نعلم أحدًا قاله غيره اهـ.
ولكن الشأن في كون قصّة ثابت صريحة في كون الخلع طلاقًا. وسيأتي تمام البحث في ذلك قريبًا، إن شاء اللَّه تعالى. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[فائدة]: نقل ابن عبد البرّ عن مالك -رحمهما اللَّه تعالى- أن المختلعة هي التي اختلعت من جميع مالها، وأن المفتدية هي التي افتدت ببعض مالها، وأن المبارئة هي التي بارأت زوجها قبل الدخول. قال ابن عبد البرّ -رحمه اللَّه تعالى-: وقد يُستعمل بعض ذلك في موضع بعض انتهى.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 29/ 93]
وفي الصحيح المسند:
(914) – قال الإمام النسائي (ج (6) ص (186)): أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَمِّي قَالَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ رُبَيِّعَ [ص: (13)] بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَ قُلْتُ لَهَا حَدِّثِينِي حَدِيثَكِ قَالَتْ: اخْتَلَعْتُ مِنْ زَوْجِي ثُمَّ جِئْتُ عُثْمَانَ فَسَأَلْتُهُ مَاذَا عَلَيَّ مِنْ الْعِدَّةِ فَقَالَ لَا عِدَّةَ عَلَيْكِ إِلَّا أَنْ تَكُونِي حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِهِ فَتَمْكُثِي حَتَّى تَحِيضِي حَيْضَةً قَالَ وَأَنَا مُتَّبِعٌ فِي ذَلِكَ قَضَاءَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ فِي مَرْيَمَ الْمَغَالِيَّةِ كَانَتْ تَحْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ فَاخْتَلَعَتْ مِنْهُ.
هذا حديث حسنٌ.
الحديث أخرجه ابن ماجه (ج (1) ص (663)).
فهذا الحديث يؤيد أنها تعتد بحيضة
جامع الأصول — ابن الأثير، أبو السعادات
(5789) – (د ت) ثوبان – رضي الله عنه – أن رسول الله ? قال: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق، من غير بأس: فحرام عليها رائحة الجنة» أخرجه أبو داود والترمذي ((1)).
((1)) رواه أبو داود رقم ((2226)) في الطلاق، باب في الخلع، والترمذي رقم ((1187)) في الطلاق، باب ما جاء في المختلعات، ورواه أيضا ابن ماجة رقم ((2055)) في الطلاق، باب كراهية الخلع للمرأة، والدارمي في «سننه» (2) / (162)، وإسناده جيد، وقال الترمذي: هذا حديث حسن ورواه ابن حبان في «صحيحه» رقم ((1320)) موارد.
———————-
تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر — الطبري، أبو جعفر
القول في تأويل قوله تعالى: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به}
قال أبو جعفر: يعني قوله تعالى ذكره بذلك: فإن خفتم أيها المؤمنون ألا يقيم الزوجان ما حد الله لكل واحد منهما على صاحبه من حق، وألزمه له من فرض، وخشيتم عليهما تضييع فرض الله وتعدي حدوده في ذلك فلا جناح حينئذ عليهما فيما افتدت به المرأة نفسها من زوجها، ولا حرج عليهما= فيما أعطت هذه على فراق زوجها إياها ((1)) ولا على هذا فيما أخذ منها من الجعل والعوض عليه. ((2))
* * *
فإن قال قائل: وهل كانت المرأة حرجة لو كان الضرار من الرجل بها فيما افتدت به نفسها، ((3)) فيكون «لا جناح عليهما» فيما أعطته من الفدية على فراقها ((4)) إذا كان النشوز من قبلها. ((5))
قيل: لو علمت في حال ضراره بها ليأخذ منها ما آتاها أن ضراره ذلك إنما هو ليأخذ منها ما حرم الله عليه أخذه على الوجه الذي نهاه الله عن أخذه منها، ثم قدرت أن تمتنع من إعطائه بما لا ضرر عليها في نفس، ولا دين، ولا حق عليها في ذهاب حق لها – لما حل لها إعطاؤه ذلك، إلا على وجه طيب النفس منها بإعطائه إياه على ما يحل له أخذه منها. لأنها متى أعطته ما لا يحل له أخذه منها، وهي قادرة على منعه ذلك بما لا ضرر عليها في نفس، ولا دين، ولا في حق لها تخاف ذهابه، فقد شاركته في الإثم بإعطائه ما لا يحل له أخذه منها على الوجه الذي أعطته عليه. فلذلك وضع عنها الجناح إذا كان النشوز من قبلها، ((1)) وأعطته ما أعطته من الفدية بطيب نفس، ابتغاء منها بذلك سلامتها وسلامة صاحبها من الوزر والمأثم.
وهي= إذا أعطته على هذا الوجه= باستحقاق الأجر والثواب من الله تعالى= أولى إن شاء الله من الجناح والحرج، ((2)) ولذلك قال تعالى ذكره: «فلا جناح عليهما» فوضع الحرج عنها فيما أعطته على هذا الوجه من الفدية على فراقه إياها، وعنه فيما قبض منها إذ كانت معطية على المعنى الذي وصفنا، وكان قابضا منها ما أعطته من غير ضرار، بل طلب السلامة لنفسه ولها في أديانهما وحذار الأوزار والمأثم. ((3))
وقد يتجه قوله: «فلا جناح عليهما» وجها آخر من التأويل وهو أنها لو بذلت ما بذلت من الفدية على غير الوجه الذي أذن نبي الله ? لامرأة ثابت بن قيس بن شماس= وذلك لكراهتها أخلاق زوجها، أو دمامة خلقه، وما أشبه ذلك من الأمور التي يكرهها الناس بعضهم من بعض- ولكن على الانصراف منها بوجهها إلى آخر غيره على وجه الفساد وما لا يحل لها- كان حراما عليها أن تعطي على مسألتها إياه فراقها على ذلك الوجه شيئا، لأن مسألتها إياه الفرقة على ذلك الوجه معصية منها. ((1)) وتلك هي المختلعة – إن خولعت على ذلك الوجه – التي روي عن النبي ? أنه سماها» منافقة.
(4843) – حدثنا ابن بشار، قال: حدثنا عبد الوهاب= وحدثني يعقوب، قال: حدثنا ابن علية = قالا جميعا: حدثنا أيوب، عن أبي قلابة، عمن حدثه، عن ثوبان: أن رسول الله ? قال: أيما امرأة سألت زوجها طلاقا من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة. ((1))
فإذا كان من وجوه افتداء المرأة نفسها من زوجها ما تكون به حرجة، وعليها في افتدائها نفسها على ذلك الحرج والجناح= وكان من وجوهه ما يكون الحرج والجناح فيه على الرجل دون المرأة ومنه ما يكون عليهما ومنه ما لا يكون عليهما فيه حرج ولا جناح= قيل في الوجه: الذي لا حرج عليهما فيه لا جناح، ((2)) إذ كان فيما حاولا وقصدا من افتراقهما بالجعل الذي بذلته المرأة لزوجها=: «لا جناح عليهما فيما افتدت به» من الوجه الذي أبيح لهما، وذلك، أن يخافا أن لا يقيما حدود الله بمقام كل واحد منهما على صاحبه …
————————–
وفي منهج السالكين وتوضيح الفقة في الدين — عبد الرحمن السعدي
باب الخلع
(554) – وهو فراق زوجته بعوض منها أو من غيرها.
(555) – والأصل فيه قوله تعالى: {فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة (229)].
(556) – فإذا كرهت المرأة خلق زوجها أو خلقه، وخافت ألا تقيم حقوقه الواجبة بإقامتها معه، فلا بأس أن تبذل له عوضا ليفارقها (1).
(557) – ويصح في كل قليل وكثير ممن يصح طلاقه.
(558) – فإن كان لغير خوف ألا تقيم (2) حدود الله فقد ورد في الحديث: «من سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة» (3).
——————–
الخلع
ذِكْرُ تَحْرِيمِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا الْجَنَّةَ عَلَى السَّائِلَةِ طَلَاقَهَا زَوْجَهَا مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ يُوجِبُ ذَلِكَ.
(2868) – أَخبَرنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ الْمُثَنَّى، قَالَ: حَدثنا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدثنا وهَيْبٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، عَنِ النَّبِيِّ ? قَالَ: «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقَهَا مِنْ غَيْرِ بَاسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ». [(4184)]
صحيح ابن حبان: التقاسيم والأنواع (3) / (519)
المخالعة لغير سبب مع استقامة الحال، فذهب أصحابنا إلى أنه صحيح مع الكراهة، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: (4)]. ويحتمل كلام أحمد تحريمه وبطلانه؛ لأنه قال: الخلع مثل حديث سهلة، تكره الرجل، فتعطيه المهر، فهذا الخلع. ووجه ذلك قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَاخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلا أَنْ يَخَافَا أَلا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ} [البقرة: (229)]. وروى ثوبان قال: قال رسول الله ?: «أيما امرأة سألت زوجها الطلاق من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة» رواه أبو داود. ولا يلزم من الجواز في غير عقد، الجواز في عقد بدليل عقود الربا.
الكافي في فقه الإمام أحمد (3) / (96)
كتاب الخُلْعِ
وإِذا كانت المرأة مبغضة للرجل وتخشى أن لا تقيم حدود الله فلا بأس أن تفتدي نفسها منه [وإِن خالعته لغير ذلك كره ووقع الخلع، وعنه لا يجوز. فأما إِن عَضَلَها لتفتدي نفسها منه ((1))] ففعلت فالخلع باطل والعوض مردود والزوجية بحالها، إِلا أن يكون طلاقًا فيكون رجعيًا.
ويجوز الخلع من كل زوج يصح طلاقه مسلمًا كان أو ذميًا، فإِن كان محجورًا عليه دفع المال إِلى وليه، وإِن كان عبدًا دفع المال إِلى سيده، وقال القاضي يصح القبض من كل من يصح خلعه.
وهل للأب خلع زوجة ابنه الصغير أو طلاقها؟ على روايتين، وليس له خلع ابنته الصغيرة بشيء من مالها.
ويصح الخلع مع الزوجة ومع الأجنبي ويصح بذل العوض فيه من كل جائز التصرف: فإِن خالعت الأمة بغير إِذن سيدها على شيء معلوم كان في ذمتها تتبع به بعد العتق، وإِن خالعته المحجور عليها لم يصح الخُلْعُ ووقع طلاقه رجعيًا.
والخلع طلاق بائن إِلا أن يقع بلفظ الخلع أو الفسخ أو المفاداة ولا ينوي به الطلاق، فيكون فسخًا، لا ينقص به عدد الطلاق في إِحدى الروايتين، وفي الرواية الأخرى هو طلاق بائن بكل حال.
ولا يقع بالمعتدة من الخُلْعِ طلاق ولو واجهها به، وإِن شرط الرجعة في الخلع لم يصح الشرط في أحد الوجهين، وفي الآخر يصح الشرط ويبطل العوض.
المقنع في فقه الإمام أحمد – ت الأرناؤوط (1) / (330)
و- كِنَايَاتُ الْخُلْعِ:
(18) – كِنَايَاتُ الْخُلْعِ كَقَوْلِهِ: بَارَأْتُكِ، وَأَبْرَأْتُكِ، وَأَبَنْتُكِ، وَلاَ يَقَعُ الْخُلْعُ بِالْكِنَايَةِ إِلاَّ بِنِيَّةِ مَنْ تَلَفَّظَ بِهِ ((1)).
الموسوعة الفقهية الكويتية (19) / (238)
وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الْخُلْعَ طَلاَقٌ بِأَنَّهُ لَفْظٌ لاَ يَمْلِكُهُ إِلاَّ الزَّوْجُ فَكَانَ طَلاَقًا، وَلَوْ كَانَ فَسْخًا لَمَا جَازَ عَلَى غَيْرِ الصَّدَاقِ كَالإِْقَالَةِ، لَكِنَّ الْجُمْهُورَ عَلَى جَوَازِهِ بِمَا قَل وَكَثُرَ فَدَل عَلَى أَنَّهُ طَلاَقٌ؛ وَلأَِنَّ الْمَرْأَةَ إِنَّمَا بَذَلَتِ الْعِوَضَ لِلْفُرْقَةِ، وَالْفُرْقَةُ الَّتِي يَمْلِكُ الزَّوْجُ إِيقَاعَهَا هِيَ الطَّلاَقُ دُونَ الْفَسْخِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ طَلاَقًا؛ وَلأَِنَّهُ أَتَى بِكِنَايَةِ الطَّلاَقِ قَاصِدًا فِرَاقَهَا، فَكَانَ طَلاَقًا كَغَيْرِ الْخُلْعِ مِنْ كِنَايَاتِ الطَّلاَقِ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضًا بِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ ? مَوْقُوفًا عَلَيْهِمُ: الْخُلْعُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ، وَالْمَعْنَى فِيهِ كَمَا فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ النِّكَاحَ لاَ يَحْتَمِل الْفَسْخَ بَعْدَ تَمَامِهِ.
وَالْخُلْعُ يَكُونُ بَعْدَ تَمَامِ الْعَقْدِ فَيُجْعَل لَفْظُ الْخُلْعِ عِبَارَةً عَنْ رَفْعِ الْعَقْدِ فِي الْحَال مَجَازًا، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بِالطَّلاَقِ، وَأَمَّا الايَةُ فَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى التَّطْلِيقَةَ الثَّالِثَةَ بِعِوَضٍ وَبِغَيْرِ عِوَضٍ، وَبِهَذَا لاَ يَصِيرُ الطَّلاَقُ أَرْبَعًا، وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ? مِنْ خِلاَفٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ رُجُوعُهُ عَنْهُ ((2)).
الموسوعة الفقهية الكويتية (19) / (238)
).
وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي عِوَضِ الْخُلْعِ هَل يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا مَعْلُومًا أَمْ لاَ؟
فَاشْتَرَطَ الشَّافِعِيَّةُ أَنْ يَكُونَ مُقَدَّرًا مَعْلُومًا ((1))، وَلَمْ يَشْتَرِطْ ذَلِكَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ حَيْثُ قَالُوا بِصِحَّةِ الْخُلْعِ بِالْمَجْهُول. (ر: خُلْع ف (26))
الموسوعة الفقهية الكويتية (31) / (67)
حكم الخلع نتيجة لتضييق الزوج
السؤال
امرأة خالعت زوجها بتضييق من الزوج، هل يصح هذا الخلع؟ وهل يحل هذا المال لزوجها؟ ماذا يفعل في أمرهما؟
الجواب
سبق أنه إذا جاءها أو ضيق عليها بدون سبب شرعي فالخلع لا يصح، لكن إن كان بلفظ الطلاق أو نيته وقع طلاقًا أعلمت، هذا مر علينا في الدرس، تكون مطلقة إن كان طلاقًا رجعيًا فهي رجعية، وإن كان بائنًا فهي بائن، الخلع هذا كأن لم يقع حتى إذا كان بلفظ الخلع ونوى الطلاق فهو طلاق، طلاق رجعي أو بائن حسب الحالة، أما إذا وقع بلفظ الخلع ولم ينوِ طلاقًا فلا يترتب عليه شيء أبدًا، إذا كان بلفظ الطلاق فهو طلاق، وإذا كان بلفظ الخلع ونوى به الطلاق فهو طلاق، إذا كان بلفظ الخلع ونوى به الفسخ فليس بشيء.
دروس للشيخ العثيمين (11) / (130)
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية ? أنه ليس له ألفاظ معلومة؛ لأن المقصود به هو فداء المرأة نفسها من زوجها، وعلى هذا فكل لفظ يدل على الفراق بالعوض فهو خلع، حتى لو وقع بلفظ الطلاق، بأن قال مثلًا: طلقت زوجتي على عوض قدره ألف ريال، فنقول: هذا خلع، وهذا هو المروي عن عبد الله بن عباس ? أن كل ما دخل فيه العوض فليس بطلاق، قال عبد الله ابن الإمام أحمد: كان أبي يرى في الخلع ما يراه عبد الله بن عباس ? أي: أنه فسخ بأي لفظ كان، ولا يحسب من الطلاق.
ويترتب على هذا مسألة مهمة، لو طلق الإنسان زوجته
مرتين متفرقتين، ثم حصل الخلع بلفظ الطلاق، فعلى قول من يرى أن الخلع بلفظ الطلاق طلاق تكون بانت منه، لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره، وعلى قول من يرى أن الخلع فسخ ولو بلفظ الطلاق، تحل له بعقد جديد حتى في العدة، وهذا القول هو الراجح.
لكن مع ذلك ننصح من يكتبون المخالعة أن لا يقولوا: طلق زوجته على عوض قدره كذا وكذا، بل يقولوا: خالع زوجته على عوض قدره كذا وكذا؛ لأن أكثر الحكام عندنا – وأظن حتى عند غيرنا – يرون أن الخلع إذا وقع بلفظ الطلاق صار طلاقًا، ويكون في هذا ضرر على المرأة، فإن كانت الطلقة الأخيرة فقد بانت، وإن كانت غير الأخيرة حُسِبت عليه.
والخلع قد يكون بطلب من الزوج، أو بطلب من الزوجة، أو بطلب من وليها، أو بطلب من أجنبي، فيكون بطلب من الزوج بأن يكون الزوج ملَّ زوجته، لكنه أصدقها مهرًا كثيرًا، وأراد أن تخالعه بشيء ترده عليه من المهر.
وقد يكون – وهو الغالب – بطلب من الزوجة، فهل للزوجة أن تطلب الخلع أو لا؟
فالجواب: إن كان لسبب شرعي ولا يمكنها المُقَام مع الزوج فلها ذلك، وإن كان لغير سبب فليس لها ذلك، مثال ذلك: امرأة كرهت عشرة زوجها، إما لسوء منظره، أو لكونه سيئ الخلق، أو لكونه ضعيف الدين، أو لكونه فاترًا دائمًا، المهم أنه لسبب تنقص به العشرة، فلها أن تطلب الخلع.
ولهذا قالت امرأة ثابت بن قيس بن شماس ? للنبي ?: «يا رسول الله ثابت بن قيس لا أعيب عليه في خلق ولا دين – فهو مستقيم الدين، مستقيم الخلق – ولكني أكره الكفر في الإسلام، تعني بالكفر عدم القيام بواجب الزوج، كما قال ?: «تكثرن اللعن، وتكفرن العشير» ((1))، وليس مرادها أن تكفر بالله ?، بل تكفر بحق الزوج، لأنها قالت: في الإسلام، و «في» للظرفية، وهذا يعني أن إسلامها باقٍ، وفي بعض الروايات شددت في هذا حتى قالت: لولا مخافة الله لبصقت في وجهه ((2))، من شدة بغضها له، ولا يُستغرب، فالنساء لهن عواطف جياشة كرهًا وحبًا، فقال لها النبي ?: «أتردين عليه حديقته»، والحديقة هي المهر، حيث كان قد أمهرها بستانًا، فقالت: نعم، فقال النبي ? لثابت: «خذ الحديقة وطلقها» فأخذها وطلقها ((3)).
الشاهد من هذا الحديث أنها قالت: «لا أعيب عليه في خلق ولا دين»، وعلى هذا، فإذا كان الزوج قليل شهود الجماعة في الصلاة، أو قليل الصلاة، أو عاقًا لوالديه، أو يتعامل بالربا، وما أشبه ذلك، فللزوجة أن تطلب الخلع لكراهتها دينه، لا سيما أن بعض الأزواج أولَ ما يخطب تجده يأتي بصورة تروق للناظرين، من حيث الخلق والتدين، كما قال الله عن المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} [المنافقون: (4)] أي: ترى أنهم من خيرة عباد الله في الدين، وليس المراد تعجبك في الطول والقصر والسمن وما أشبه ذلك، ولهذا جاء في المقابل: {وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ} [المنافقون: (4)] فهم يعجبون الناظر والسامع.
فبعض الناس – نسأل الله العافية – أول ما يخطب تجده متنسكًا، بشوشًا، حسن الخلق، إذا تحدث عن المقصرين في الصلاة قال: أعوذ بالله، هؤلاء لا يخافون الله، وإذا تحدث عن أصحاب القنوات الفضائية، قال: نسأل الله العافية، هؤلاء يخربون بيوتهم بأيديهم، وإذا تزوج ضعف، فلا يصلي، إما مطلقًا، أو لا يصلي مع الجماعة، ثم يأتي بالدش لاستقبال القنوات الفضائية، وهذا واقع حيث ترد علينا أسئلة من هذا النوع، ومثل هذا لا يمكن للمرأة أن تصبر عليه، فلها أن تطلب الخلع.
وإذا وصلت بها الحال إلى ما وصلت إليه امرأة ثابت ? وطلبت الخلع، فهل يُلزم الزوج بالخلع أو لا يلزم؟
لا شك أنه يستحب للزوج أن يوافق، وهو خير له في حاله ومستقبله، لقوله تعالى: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًاّ مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: (130)] لكن إذا أبى وعُرض عليه مهره، فقيل له: نعطيك المهر كاملًا، فهل يُلزَم بذلك أو لا؟
اختلف العلماء ? في هذه المسألة، فأكثرهم يقول: لا يُلزَم، فهو زوج وبيده الأمر، والقول الراجح أنه يُلزَم إذا قالت الزوجة: أنا لا مانع عندي، أعطيه مهره، وإن شاء
أعطيته أكثر؛ لأن بقاءها معه على هذه الحال شقاء له ولها، وتفرق، والشارع يمنع كل ما يحدث البغضاء والعداوة، فالبيع على بيع المسلم حرام لئلا يحدث العداوة، فكيف بهذا؟! فيلزم الزوج أن يطلق، وحديث ثابت ? يدل عليه؛ لأن النبي ? قال: «خذ الحديقة وطلقها»، والأصل في الأمر الوجوب، وقول الجمهور: إن هذا للإرشاد فيه نظر.
والقول بالوجوب هو الراجح، يقول في الفروع: إنه ألزم به بعض القضاة في عهده، وهؤلاء الذين ألزموا به وُفِّقوا للصواب
الشرح الممتع على زاد المستقنع (12) / (450) – (454)
قال القاضي عبد الوهاب البغدادي (ت 422 هـ):
باب: [في الخلع]
الخلع جائز، والأصل فيه قوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}، وقوله: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}، وحديث حبيبة بنت سهل لما شكت زوجها ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: لا أنا ولا ثابت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أتردين عليه حديقته” قالت: نعم، فأخذها منها وجلست في أهلها، ولأن المرأة قد تكره زوجها مع قيامه بحقوقها ولا يمكنها من مطالبته بالفرقة لأن ذلك لا يلزمه إلا برضاه، فجاز أن تبذل له عوضًا على ذلك.
فصل [1 – في الزيادة على الصداق في الخلع أو نقصانه]:
ويجوز أن يخالعها على الصداق وأقل وأكثر، خلافًا لمن ذهب إلى منع الزيادة عليه لقوله تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} فعم، ولأنه عوض مبذول في الخلع يجوز أن يكون مثله عوضًا في غير الخلع، فجاز أن يكون عوضًا في الخلع أصله مقدار الصداق.
فصل [2 – في صحة الخلع مع الرضا وعدم الإضرار]:
ويصح مع الرضا وعدم الإضرار خلافًا لقوم لقوله تعالى: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} فعم، ولأنها معاوضة تجوز حال الخصومة فجازت مع التراضي كالبيع والإجارة.
فصل [3 – إذا كان الإضرار من قبل الزوج]:
وإن كان الإضرار من قبله نفذ الطلاق ورد ما أخذ منها خلافًا للشافعي في قوله: أنه لا يرد شيئًا، أما نفوذ الطلاق فلأنه قد ألزمه نفسه فلا سبيل إلى رفعه، وأما وجوب رد ما أخذه فلأنه كان مستحقًا عليه إزالة الأضرار وما ألزم الإنسان إزالته بغير عوض لم يجز له أخذ العوض عليه.
فصل [4 – في كون الخلع طلاق]:
والخلع طلاق وليس بفسخ خلافًا للشافعي لأنه صلى الله عليه وسلم لما خلع بين حبيبة وثابت بن قيس فقال لها: “اعتدي” ثم التفت إليه فقال له: “هي واحدة”، وهذا نص، ولأن كل فرقة يجوز الثبوت على النكاح مع الحال الموجبة لها فإنه طلاق لا فسخ اعتبارًا بفرقة العنين والمولي عكسه الرضاع والملك، ولأن الزوج أخذ العوض على ما يملكه والذي يملكه الطلاق دون الفسخ لأنه لو قال: قد فسخت النكاح لم ينفسخ إذا لم يرد الطلاق.
فصل [5 – منع الرجعة في الخلع]:
ولا رجعة في الخلع خلافًا لأبي ثور لأن المرأة إنما تبذل العوض لإزالة الضرر عنها، وفي ثبوت الرجعة عليها تبقية الضرر، ولأن في إثبات الرجعة في الخلع جمعًا للزوج بين العوض والمعوض، وذلك ما لا سبيل إليه.
فصل [6 – الخلع مع اشتراط الرجعة]:
فإن بذلت له العوض وشرط الرجعة ففيها روايتان: إحداهما ثبوتها والأخرى سقوطها، فوجه ثبوتها أن العوض يكون في مقابلة ما يسقط من عدد الطلاق دون زوال العصمة لأنها لما أجابته إلى ذلك دل على أنها على هذا عاوضته، ووجه نفيها أنه طلاق بعوض فوجب أن تنتفي معه الرجعة أصله إذا طلق ولأنه شرط في العقد ما يمنع المقصود منه، فلم يثبت كما لو شرطت في النكاح أن لا يطأ.
وذكر مسائل أخرى
قال ابن بطال:
وأما قوله: باب الخلع وكيف الطلاق فيه، فاختلف العلماء فى البينونة بالخلع، فروى عن عثمان، وعلى، وابن مسعود، أن الخلع تطليقة بائنة، إلا أن تكون سميت ثلاثًا فهى ثلاث، وهو قول مالك، والثورى، والكوفيين، والأوزاعى، وأحد قولى الشافعى، وقالت طائفة: الخلع فسخ وليس بطلاق إلا أن ينويه، روى هذا عن ابن عباس، وطاوس، وعكرمة، وبه قال أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وهو أحد قولى الشافعى، واحتج فى أنه ليس بطلاق؛ لأنه مأذون فيه لغيره قبل العدة بخلاف الطلاق، قال ابن عباس: قال الله تعالى:
(والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء) [البقرة: 228]، ثم قال: (فلا جناح عليهما فيما افتدت به) [البقرة: 229]، ثم ذكر الطلاق بعد الفداء، ولم يذكر فى الفداء طلاقًا، فلا أراه طلاقًا. واحتج من جعله طلاقًا بقوله فى الحديث: فردت الحديقة، وأمره بفراقها، فصح أن فراق الخلع طلاق. قال الطحاوى: روى عن عمر، وعلى، أن الخلع طلاق، وعن عثمان، وابن عباس، أنه ليس بطلاق. قال: وأجمعوا أنه لو أراد به الطلاق لكان طلاقًا، ولما كان يقع به الفرقة عند الجميع بغير نية، علم أنه ليس كالمكنى الذى يحتاج إلى نية، وعلم أنه طلاق. وقال الشافعى: فإن قيل: فإذا جعلته طلاقًا فاجعل فيه الرجعة. قيل له: لما أخذ من الطلقة عوضًا كان كمن ملك عوضًا بشاء خرج من ملكه، فلم يكن له رجعة فيما ملك عليه، فكذلك المختلعة. وقوله: وأجاز عمر الخلع دون السلطان، فهو قول الجمهور، إلا الحسن، وابن سيرين، فإنهما قالا: لا يكون إلا عند السلطان. وقال قتادة: إنما أخذه الحسن عن زياد. وقال الطحاوى: روى عن عثمان، وابن عمر جوازه دون السلطان، وكما جاز النكاح والطلاق دون السلطان كذلك الخلع.
[شرح صحيح البخاري لابن بطال 7/ 423]
قال ابن قدامة:
1232 – مسألة؛ قال: (وَالْمَرْأَةُ إِذَا كَانَتْ مُبْغِضَةً لِلرَّجُلِ، وَتَكْرَهُ أَنْ تَمْنَعَهُ مَا تَكُونُ عَاصِيَةً بِمَنْعِهِ فَلَا بَاسَ أَنْ تَفْتَدِىَ نَفْسَهَا مِنْهُ)
وجملةُ الأمرِ أَنَّ المرأةَ إذا كرِهتْ زوجَها، لخَلْقِه، أو خُلُقِه، أو دينِه، أو كِبَرِه، أو ضَعْفِه، أو نحوِ ذلك، وخَشِيَتْ أن لا تُؤدِّىَ حقَّ اللَّهِ تعالى فى طاعتِه، جازَ لها أن تُخالِعَه بِعِوَضٍ تَفْتَدِى به نفسَها منه؛ لقولِ اللَّه تعالى {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} ورُوِىَ أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم، خرجَ إلى الصُّبْحِ، فوجدَ حَبِيبَةَ بنتَ سَهْلٍ عندَ بابِه فى الغلَسِ، فقال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: “مَا شَانُكِ؟ ” ….
وفى روايةِ، فقال له: “اقْبَلِ الْحَدِيْقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً”. وبهذا قال جميعُ الفقهاءِ بالحجازِ والشَّامِ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: ولا نعلمُ أحدًا خالفَه، إلَّا بكرَ ابنَ عبدِ اللَّهِ المُزَنِىِّ؛ فإنَّه لم يُجِزْه، وزَعَمَ أَنَّ آيةَ الخُلْعِ مَنْسوخةٌ بقوله سبحانه: {وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ} الآية. ورُوِىَ عن ابن سِيرينَ، وأبى قِلَابَةَ، أنَّه لا يَحِلُّ الخُلْعُ حتى يجدَ على بَطْنِها رَجُلًا؛ لقولِ اللَّهِ تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. ولَنا، الآيةُ التى تلَوْناها، والخبرُ، وأنَّه قولُ عمرَ وعثمانَ وعلىٍّ وغيرِهم من الصحابةِ، لم نَعْرفْ لهم فى عصرِهم مُخالِفًا، فيكونُ إجماعًا، ودَعْوَى النَّسْخِ لا تُسْمَعُ حتى يثبُتَ تَعذرُ الجمعِ، وأنَّ الآيةَ النَّاسخةَ مُتأخِّرةٌ، ولم يثبُتْ شاءٌ مِن ذلك. إذا ثبَتَ هذا، فإنَّ هذا يُسَمَّى خُلْعا؛ لأنَّ (10) المرأةَ تَنْخَلِعُ مِن لباسِ زوجها. قال اللَّه تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} (11). ويُسَمَّى افْتِداءً؛ لأَنَّها تَفْتدِى نفسَها بمالٍ تَبذُلُه. قال اللَّهُ تعالى: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}.
فصل: ولا يفْتِقرُ الخُلْعُ إلى حاكمٍ. نَصَّ عليه أحمدُ، فقال: يجوزُ الخُلعُ دونَ السُّلطانِ. ورَوى البُخارِىُّ (12) ذلك عن عمرَ، وعثمانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنهما. وبه قال شُرَيْحٌ، والزُّهْرِىُّ، ومَالِكٌ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ، وأهلُ الرَّأْىِ. وعن الحسنِ، وابن سيرينَ: لا يجوزُ إلَّا عندَ السُّلطانِ. ولَنا، قولُ عمرَ وعثمانَ، ولأنَّه مُعَاوَضَةٌ، فلم يَفتقرْ إلى السُّلطانِ، كالبيعِ والنِّكاحِ، ولأنَّه قَطْعُ عَقْدٍ بالتَّراضِى، أشْبَهَ الإِقالةَ.
فصل: ولا بأسَ بالخُلْعِ فى الحَيْضِ والطُّهرِ الذى أصابَها فيه؛ لأنَّ المَنْعَ من الطَّلاقِ فى الحَيْضِ من أجل الضَّررِ الذى يلحقُها بطُول العِدَّةِ، والخُلْعُ لإزالةِ الضَّررِ الذى يلْحَقُها بسُوءِ العِشْرَةِ والمُقَامِ مع مَن تكْرهُه وتبْغِضُه، وذلك أعْظَمُ مِن ضَرَرِ طُولِ العِدَّةِ، فجازَ دَفْعُ أعْلاهما بأدْناهما، ولذلك لم يسْألِ النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم المُخْتَلِعَةَ عن حالِها، ولأنَّ ضَرَرَ تطويلِ العِدَّةِ عليها، والخُلْعُ يَحصُلُ بسؤالِها، فيكونُ ذلك رضاءً منها به، ودليلًا على رُجْحانِ مَصْلحتِها فيه.
1233 – مسألة؛ قال: (وَلَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَاخُذَ أَكْثَرَ مِمَّا أَعْطَاهَا)
هذا القولُ يدلُّ على صِحَّةِ الخُلْعِ بأكثرَ مِنَ الصَّداقِ، وأنَّهما إذا تَراضَيا على الخُلْعِ بشاءٍ صحَّ. وهذا قولُ أكثرِ أهلِ العلمِ. رُوِىَ ذلك عن عثمانَ، وابنِ عمرَ، وابنِ عبَّاسٍ، وعِكْرِمَةَ، ومُجَاهِدٍ، وقَبِيصَةَ بنِ ذُؤَيْبٍ، والنَّخَعِىِّ، ومالكٍ، والشَّافعىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. ويُرْوَى عن ابنِ عبَّاسٍ، وابنِ عمرَ، أنَّهما قالا: لو اخْتلَعَتِ امرأةٌ من زَوْجِها بميراثِها، وعِقَاصِ رأسِها، كان ذلك جائزًا. وقال عَطاءً، وطاوُسٌ، والزُّهْرِىُّ، وعمرو بنُ شُعَيْبٍ: لا يأخذُ أكثرَ مِمَّا أعطاها. ورُوِىَ ذلك عن علىٍّ بإسنادٍ منقطعٍ. واختارَه أبو بكرٍ، قال: فإنْ فعلَ ردَّ الزِّيادةَ. وعن سعيد بنِ المُسَيَّبِ قال: ما أرى أن يأخُذَ كلَّ مالِها، ولكن لِيَدَعْ لها شيئًا. واحتجُّوا بما رُوِىَ أَنَّ جَمِيلَةَ بنتَ سَلُولٍ، أتَتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم، فقالت: واللَّه ما أعِيبُ على ثابتٍ فى دينٍ ولا خُلُقٍ، ولكن أكْرَهُ الكُفْرَ فى الإِسلامِ، لا أطِيقُهُ بُغْضًا. فقال لها النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم: “أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيْقَتَهُ؟ ” قالت: نعم. فأمرَه النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم أن يأخذَ منها حديقتَه، ولا يَزْاددَ. رَواه ابنُ ماجه. ولأنَّه بَدَلٌ فى مُقابلةِ فَسْخٍ، فلم يَزِدْ على قدرِه فى ابتداءِ العَقدِ، كالعِوَضِ فى الإِقالةِ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى: {فَلَاجُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. ولأنَّه قولُ مَن سَمَّينا مِنَ الصَّحابةِ، قالت الرُّبَيِّعُ بنتُ مُعَوِّذٍ: اختلعتُ مِن زَوْجِى بما دونَ عِقاصِ رأْسِى، فأجازَ ذلك عثمانُ بنُ عفَّانَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه. ومثلُ هذا يَشْتَهِرُ، فلم يُنْكَرْ، فيكونُ إجماعًا، ولم يَصِحَّ عن علىٍّ خلافُه. فإذا ثبتَ هذا، فإنَّه لا يُسْتحَبُّ له أن يأخذَ أكثرَ ممَّا أعْطاها.
وبذلك قال سعيدُ بنُ المَسيَّبِ، والحسنُ، والشَّعْبِىُّ، والحَكَمُ، وحَمَّادٌ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيْدٍ. فإنْ فعلَ جازَ مع الكَراهِيَةِ، ولم يكْرَهْه أبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشَّافعىُّ. قال مالكٌ: لم أزلْ أسمعُ إجازةَ الفِدَاءِ بأكثرَ مِنَ الصَّداقِ. ولَنا، حديثُ جَمِيلةَ. ورُوىَ عن عَطاءٍ، عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه كَرِهَ أن يأخذَ من المُختَلِعَةِ أكثرَ ممَّا أعْطاها. رواه أبو حفصٍ بإسنادِه. وهو صريحٌ فى الحُكْمِ، فنَجْمعُ بين الآيةِ والخبرِ، فنقول: الآيةُ دالةٌ على الجَوَازِ، والنَّهىُ عن الزِّيادةِ للكراهِيَةِ واللَّهُ أعلمُ.
1234 – مسألة؛ قال: (وَلَوْ خَالَعَتْه لِغَيْرِ مَا ذَكَرْنَا، كُرِهَ لَهَا ذَلِكَ، وَوَقَعَ الْخلْعُ)
فى بعض النُّسَخ “بِغيرِ ما ذكرنا” بالباءِ، فيَحْتَمِلُ أنَّه أرادَ بأكثرَ مِن صداقِها. وقد ذكَرْنا ذلك فى المسألةِ التى قبلَ هذه، والظَّاهِرُ أنَّه أرادَ إذا خالعتْه لغيرِ بُغضٍ، وخَشْيةً مِن أن لا تقيمَ حُدودَ اللَّهِ؛ لأنَّه لو أرادَ الأوَّلَ لَقال: كُرِهَ له. فلمَّا قال: كُرهَ لها. دلَّ على أنَّه أرادَ مُخالعتَها له، والحالُ عامرةٌ، والأخلاقُ مُلْتَئِمةٌ، فإنَّه يُكْرهُ لها ذلك، فإن فعَلتْ صحَّ الخُلْعُ، فى قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ؛ منهم أبو حنيفةَ، والثَّورِىُّ، ومالكٌ، والأوْزَاعىُّ، والشَّافعىُّ. ويَحْتَمِلُ كلامُ أحمدَ تَحْريمَه؛ فإنَّه قال: الخُلْعُ مثلُ حديثِ سَهْلَةَ، تَكْرهُ الرَّجلَ فتُعْطِيه المهرَ، فهذا الخُلعُ. وهذا يدلُّ على أنَّه لا يكونُ الخُلْعُ صحيحًا إلَّا فى هذه الحالِ. وهذا قولُ ابن المُنْذِرِ، وداودَ. وقال ابنُ المُنْذِرِ: ورُوِىَ معنى ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ، وكثيرٍ من أهل العلمِ؛ وذلك لأنَّ اللَّه تعالى قال: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَاخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. [وهذا صَرِيحٌ فى التَّحْرِيمِ إذا لم يخافا ألَّا يُقيمَا حُدُودَ اللَّهِ، ثم قال]: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. فدلَّ بمفهومِه على أنّ الجُناحَ لاحِقٌ بهما إذا افتدتْ مِن غيرِ خوفٍ، ثم غلَّظَ بالوعيدِ فقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}. ورَوىَ ثَوْبَانُ قال: قال رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم: “أَيُّمَا امْرَأةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا الطَّلَاقَ، مِنْ غَيْرِ مَا بَاسٍ، فحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ”. رَوَاه أبو داودَ.
وعن أبى هريرةَ عن النَّبىِّ صلى الله عليه وسلم قال: “الْمُخْتَلِعَاتُ والْمُنْتَزِعَاتُ هُنَّ الْمُنَافِقَاتُ” رَواه أبو حفصٍ، وروَاه أحمدُ، فى “المسندِ”، وذكره مُحْتجًّا به، وهذا يدل على تَحْريمِ المُخالَعَةِ لغيرِ حاجةٍ، ولأنَّه إضْرارٌ بها وبزَوْجِها، وإزالةٌ لمصالحِ النِّكاحِ من غيرِ حاجةٍ، فحُرِّمَ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: “لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ”. واحتجَّ مَن أجازَه بقولِ اللَّهِ سبحانه: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا}. وقال ابنُ المُنذِرِ: لا يَلْزَمُ مِنَ الجَوَازِ فى غيرِ عَقدٍ، الجوازُ فى المُعاوَضَةِ؛ بدليلِ الرِّبا، حرَّمَه اللَّه فى العَقْدِ، وأجازَه فى الهِبَةِ. والحُجَّةُ مع مَن حرَّمَه، وخصوصُ الآيةِ فى التَّحريمِ، يجبُ تقديمُه على عُمومِ آية الْجَوازِ، معَ ما عَضَدَها من الأخْبارِ. واللَّهُ أعلمُ.
فصل: فأمَّا إنْ عَضَلَ زوجتَه، وضَارَّها بالضَّرْبِ والتَّضييقِ عليها، أو مَنَعَها حُقوقَها؛ من النَّفقةِ، والقَسْمِ، ونحو ذلك، لتَفتدىَ نفسَها منه، ففعلتْ، فالخُلْعُ باطلٌ، والعِوَضُ مردودٌ. رُوِىَ ذلك عن ابنِ عبَّاسٍ، وعَطاءٍ، ومُجاهِدٍ، والشَّعْبِىِّ، والنَّخَعِىِّ، والقاسمِ بنِ محمدٍ، وعُرْوةَ، وعمرو بنِ شُعَيبٍ، وحُمَيْدِ بنِ عبدِ الرَّحمنِ، والزُّهْرِىِّ. وبه قال مالكٌ، والثَّورىُّ، وقَتادةُ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ. وقال أبو حنيفةَ: العَقْدُ صحيحٌ، والعِوَضُ لازمٌ، وهو آثمٌ عاصٍ. ولَنا، قولُ اللَّهِ تعالى: {وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَاخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ}. وقال اللَّه تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًا وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ}. ولأنَّه عِوَضٌ أُكْرِهَتْ على بذلِه بغيرِ حقٍّ، فلم يُسْتَحَقَّ، كالثَّمَنِ فى البَيْعِ، والأجْرِ فى الإِجارةِ. وإذا لم يَملِكِ العِوَضَ، وقُلْنا: الخُلعُ طلاقٌ. وقعَ الطَّلاقُ بغيرِ عِوَضٍ، فإنْ كان أقلَّ مِن ثلاثٍ، فله رَجْعَتُها؛ لأنَّ الرَّجعةَ إنَّما سقَطتْ بالعِوَضِ، فإذا سقَطَ العِوَضُ، ثَبتتِ الرَّجعةُ. وإن قُلْنا: هو فسخٌ. ولم يَنْوِ به الطَّلاقَ، لم يقَعْ شاءٌ؛ لأنَّ الخُلْعَ بغيرِ عِوَضٍ لا يقَعُ على إحْدَى الرِّوايتَيْنِ، وعلى الرِّوايةِ الأُخْرَى، إنَّما رَضِىَ بالفسخِ ههُنا بالعِوَضِ، فإذا لم يحْصُلْ له العِوَضُ، لا يحصُلُ المُعَوَّضُ. وقال مالكٌ: إن أخذَ مها شيئًا على هذا الوجهِ، ردَّه، ومَضَى الخُلْعُ عليه. ويَتَخَرَّجُ لنا مثلُ ذلك إذا قُلْنا: يَصِحُّ الخُلعُ بغيرِ عِوضٍ.
فصل: فأمَّا إن ضَربَها على نُشُوزِها، ومَنَعَها حقَّها، لم يَحْرُمْ خُلْعُها لذلك؛ لأنَّ ذلك لا يمنعُهما أن لا يخافا أن لا يُقيما حُدودَ اللَّهِ. وفى بعض حديثِ حَبيبة، أنَّها كانت تحتَ ثابتِ بنِ قيسٍ، فضربَها، فكسرَ ضِلَعَها، فأتتِ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فدَعَا النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم ثابتًا، فقال: “خُذْ بَعْضَ مَالِهَا، وَفَارِقْهَا”. فَفَعَلَ. رواه أبو داودَ. وهكذا لو ضرَبها ظُلْمًا؛ لسُوءِ خُلُقِه أو غيرِه، لا يُريدُ بذلك أن تفْتَدِىَ نفسَها، لم يحْرُمْ عليه مُخالعتُها؛ لأنَّه لم يَعْضُلْها ليَذْهبَ ببعض ما آتاها، ولكن عليه إثمُ الظُّلمِ.
فصل: فإن أتتْ بفاحِشَةٍ، فعضَلَها لتفْتَدِىَ نفسَها منه، ففعَلتْ، صحَّ الخُلْعُ؛ لقول اللَّه تعالى: {وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَاتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ}. والاسْتِثْناءُ مِنَ النَّهْىِ إباحةٌ، ولأنَّها متى زنَتْ، لم يأمَنْ أن تُلحِقَ به ولدًا من غيرِه، وتُفْسِدَ فِراشَه، ولا تُقيمَ حدودَ اللَّهِ فى حقِّه، فتَدخلَ فى قولِ اللَّه تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. وهذا أَحدُ قَوْلَى الشَّافعىِّ، والقولُ الآخرُ: لا يصحُّ؛ لأنَّه عِوَضٌ أكْرِهتْ عليه، أشْبَهَ ما لو لم تَزْنِ. والنَّصُّ أوْلَى.
1235 – مسألة؛ قال: (وَالخُلْعُ فَسْخٌ، فِى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ، وَالْأُخْرَى أَنَّهُ تَطْلِيقَةٌ بَائِنَةٌ)
اخْتلفتِ الرِّوايةُ عن أحمدَ فى الخُلْعِ؛ ففى إحْدَى الرِّوايتَيْنِ أنَّه فَسْخٌ. وهذا اختيارُ أبى بكرٍ، وقولُ ابنِ عبَّاسٍ، وطاوسٍ، وعِكْرِمَةَ، وإسحاقَ، وأبى ثَوْرٍ، وأحدُ قولَىِ الشَّافعىِّ. والرِّوايةُ الثَّانيةُ، أنَّه طلقةٌ بائنةٌ. رُوِىَ ذلك عن سعيدِ بنِ المُسيَّبِ، والحسنِ، وعَطاءٍ، وقَبِيصَةَ، وشُرَيْحٍ، ومُجاهدٍ، وأبى سَلَمَةَ بنِ عبدِ الرحمنِ، والنَّخَعِىِّ، والشَّعْبِىِّ، والزُّهْرِىِّ، ومكحولٍ، وابنِ أبى نَجِيحٍ، ومالك، والأوْزَاعىِّ، والثَّورىِّ، وأصْحابِ الرَّأْىِ. وقد رُوِىَ عن عثمانَ، وعلىٍّ، وابن مسعودٍ، لكنْ ضعَّفَ أحمدُ الحديثَ عنهم، وقال:
ليس لنا فى الباب شاءٌ أصحَّ من حديثِ ابن عبَّاسٍ أنَّه فَسْخٌ. واحْتَجَّ ابنُ عبَّاسٍ بقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} ثم قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}، ثم قال: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}. فذكَر تطْليقتَيْنِ والخُلعَ وتَطْليقةً بعدَها، فلو كان الخُلْعُ طَلاقًا لَكان أربعًا، ولأنَّها فُرقةٌ خَلَتْ عن صَريحِ الطَّلاقِ ونِيَّتِه، فكانت فَسْخًا، كسائرِ الفُسُوخِ. ووَجْهُ الثَّانيةِ أنَّها بَذَلتْ العِوَضَ للفُرقةِ، والفُرْقةُ التى يَمْلِكُ الزَّوجُ إيقاعَها هى الطَّلاقُ دونَ الفسخِ، فوجبَ أن يكونَ طلاقًا، ولأنَّه أتى بكِنَايةِ الطَّلاقِ، قاصدًا فِرَاقَها، فكان طلاقًا، كغيرِ الخُلْعِ. وفائدةُ الرِّاويتيْنِ، أنَّا إذا قُلْنا: هو طَلْقةً. فخالَعَها مَرَّةً، حُسِبَتْ طَلْقةً، فنَقَصَ بها عددُ طَلاقِها. وإن خالعَها ثلاثًا، طَلُقَتْ ثلاثًا، فلا تَحِلُّ له مِن بعدُ حتى تَنْكِحَ زوجًا غيرَه. وإن قُلْنا: هو فسخٌ. لم تَحرُمْ عليه، وإن خالعَها مائةَ مرَّةٍ. وهذا الخلافُ فيما إذا خالعَها بغيرِ لَفْظِ الطَّلاقِ، ولم يَنْوِه. فأمَّا إن بذَلتْ له العِوَضَ على فراقِها، فهو طَلاقٌ، لا اخْتلافَ فيه، وإن وقعَ بغيرِ لَفْظِ الطَّلاقِ، مثل كناياتِ الطَّلاقِ، أو لفظِ الخُلْعِ والمُفاداةِ، ونحوِهما، ونَوَى به الطَّلاقَ، فهو طلاق أيضًا؛ لأنَّه كِناية نَوَى الطَّلاقَ، فكانت طلاقًا، كما لو كان بغيرِ عِوَضٍ، فإن لم يَنْوِ بِهِ الطَّلاقَ، فهو الذى فيه الرِّوايتانِ. واللَّهُ أعلمُ.
فصل: وألفاظُ الخُلْعِ تَنقسمُ إلى صريحٍ وكِنايةٍ؛ فالصَّريحُ ثلاثةُ ألفاظٍ؛ خالعتُكِ؛ لأنَّه ثبتَ له العُرفُ. والمُفاداةُ؛ لأنَّه وَرَدَ به القرَأَىنُ، بقوله سبحانه:
{فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. وفسَخْتُ نكاحَكِ؛ لأنَّه حَقيقةٌ فيه، فإذا أتَى بأحدِ هذه الألْفاظِ، وقعَ من غيرِ نيَّةٍ، وما عدا هذه مثلُ: باراتُكِ، وأبْرَأْتُكِ، وأَبْنتُكِ. فهو كنايةٌ؛ لأنَّ الخُلْعَ أحدُ نَوْعَى الفُرْقةِ، فكان له صَرِيحٌ وكِنايةٌ، كالطَّلاقِ. وهذا قولُ الشَّافعىِّ، إلَّا أَنَّ له فى لفظِ الفَسْخِ وَجْهيْنِ، فإذا طلبتِ الخُلْعَ، وبذَلت العِوَضَ، فأجابَها بصَرِيحِ الخُلعِ أو كِنايتهِ صحَّ من غيرِ نِيَّةٍ؛ لأنْ دَلالةَ الحالِ مِن سُؤال الخُلعِ وبذلِ العِوَض، صارفةٌ إليه، فأغْنَى عَنِ النِّيَّةِ فيه، وإن لم يكُنْ دَلالة حالٍ، فأَتَى بِصَريحِ الخُلْعِ وقعَ مِن غيرِ نِيَّةٍ، سواءٌ قُلْنا: هو فسخٌ أو طلاقٌ. ولا يقعُ بالكنايةِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِمَّن تَلْفَّظَ به منهما، ككِنَاياتِ الطَّلاقِ مع صَرِيحِه. واللَّهُ أعلمُ.
فصل: ولا يحْصُلُ الخُلْعُ بمُجَرّدِ بَذْلِ المالِ وقَبولِه، مِن غيرِ لَفْظِ الزَّوْجِ. قال القاضى: هذا الذى عليه شُيوخُنا البَغْداديُّونَ. وقد أؤمَأَ إليه أحمدُ. وذهبَ أبو حفصٍ العُكْبَرِىُّ، وابنُ شِهَابٍ، إلى وُقوعِ الفُرْقةِ بقَبُولِ الزَّوجِ للعِوَض. وأفْتَى بذلك ابنُ شِهابٍ بعُكْبَرا، واعترضَ عليه أبو الحُسَيْنِ بنُ هُرْمُزَ، واسْتَفْتُى عليه مَن كان ببغدادَ من أصحابِنا، فقال ابنُ شهابٍ: المُخْتلِعَةُ على وَجْهيْنِ، مُسْتَبْرئَةٌ، ومُفْتَدِيَةٌ، فالمُفْتدِيَةُ هى التى تقول: لا أنا ولا أنت، ولا أبَرُّ لك قَسَمًا، وأنا أفْتَدِى نفسِى منك. فإذا قبلَ الفديةَ، وأخذَ المالَ، انْفَسخَ النِّكاحُ؛ لأنَّ إسحاقَ بنَ منصورٍ رَوَى، قال: قلتُ لأحمدَ: كيف الخُلْعُ؟ قال: إذا أخذَ المالَ، فهى فُرْقةٌ. وقال إبراهيمُ النَّخَعِىُّ: أخذُ المالِ تطليقةٌ بائنةٌ. ونحوُ ذلك عن الحسنِ. وعن علىٍّ، رَضِىَ اللَّهُ عنهُ: مَن قَبلَ مالًا على فِرَاقٍ، فهى تَطْليقةٌ بائنةٌ، لا رَجْعةَ له فيها. واحتجَّ بقَوْلِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم لجميلةَ: “أَتَرُدِّيْنَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ؟ ” قالتْ: نعم، ففرَّقَ رسولُ اللَّه صلى الله عليه وسلم بينهما. وقال: “خُذْ مَا أَعْطَيْتَهَا، وَلَا تَزْدَدْ”، ولم يَسْتَدْعِ مِنْهُ لَفْظًا. ولأنَّ دَلالةَ الحالِ تُغْنِى عن اللَّفْظِ؛ بدليلِ ما لو دفَعَ ثَوْبَه إلى قَصَّارٍ أو خيَّاطٍ مَعْروفَيْنِ بذلك، فعَمِلاه، اسْتَحقَّا الأَجْرَ، وإن لم يشْتَرِطا عِوَضًا.
ولَنا، أَنَّ هذا أحدُ نَوْعَى الخُلْعِ، فلم يصحَّ بدونِ اللَّفظِ، كما لو سألتْه أن يُطَلِّقَها بعِوَضٍ، ولأنَّه تَصرُّفٌ فى البُضْعِ بِعِوَضٍ، فلم يصحَّ بدُونِ اللَّفظِ، كالنِّكاحِ والطَّلاقِ، ولأنَّ أخْذَ المالِ قَبْضٌ لِعِوَضٍ، فلم يقُمْ بمُجَرَّدِه مَقامَ الإِيجابِ، كقَبضِ أحدِ العِوَضيْنِ فى البيعِ، ولأنَّ الخُلْعَ إن كان طلاقًا، فلا يقعُ بدون صَرِيحِه أو كِنايَتِه، وان كان فَسْخًا فهو أحدُ طَرَفَيْ عَقْدِ النِّكاحِ، فيُعتبَرُ فيه اللَّفظُ، كابتداءِ العَقدِ. وأمَّا حديثُ جَمِيلةَ، فقد روَاه البُخارىُّ: “اقْبَلِ الحَدِيقَةَ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيْقَةً” وهذا صريحٌ فى اعتبارِ اللَّفظِ. وفى رِوَايةٍ: فأمرَه ففارَقَها. ومَن لم يذكرِ الفُرْقةَ، فإنَّما اقْتَصرَ على بعض القِصَّةِ، بدليلِ روايةِ مَن رَوَى الفُرْقةَ والطَّلاقَ، فإنَّ القصَّةَ واحدةٌ، والزِّيادةُ مِنَ الثِّقَةِ مقبولةٌ، ويدلُّ على ذلك أنَّه قال: ففرَّقَ النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم بينهما، وقال: “خُذْ مَا أَعْطَيْتَهَا”. فجعلَ التَّفْريقَ قَبْلَ العِوَضِ، ونسَبَ التَّفْريقَ إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، ومعلومٌ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم لا يُباشِرُ التَّفْريقَ، فدلَّ على أن النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم أمرَ به، ولعلَّ الرَّاوِىَ اسْتَغْنَى بذكْرِ العِوَضِ عن ذكْرِ اللَّفظِ؛ لأنَّه معلومٌ منه. وعلى هذا يُحْمَلُ كلامُ أحمدَ وغيرِه مِنَ الأئمَّةِ، ولذلك لم يذْكرُوا مِن جانبِها لفظًا ولا دلالةَ حالٍ، ولا بُدَّ منه اتِّفاقًا.
1236 – مسألة؛ قال: (وَلَا يَقَعُ بِالمُعْتَدّةِ مِنَ الْخُلْع طَلَاقٌ، وَلَوْ وَاجَهَهَا بِهِ)
وجملةُ ذلك أن المُخْتَلِعَةَ لا يَلْحقُها طلاقٌ بحالٍ. وبه قال ابنُ عبَّاسٍ، وابنُ الزُّبَيْرِ، وعِكْرِمَةُ، وجابرُ بنُ زَيدٍ، والحسنُ، والشَّعْبِىُّ، ومالكٌ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو ثَوْرٍ. وحُكِىَ عن أبى حنيفةَ أنَّه يَلْحقُها الطَّلاقُ الصَّريحُ المُعَيَّن، دونَ الكنايةِ والطَّلاقِ المرسَلِ، وهو أن يقولَ: كلُّ امرأةٍ لى طالقٌ. ورُوِىَ نحوُ ذلك عن سعيدِ بنِ المُسيَّبِ، وشُرَيحٍ، وطاوُسٍ، والنَّخَعِىِّ، والزُّهْرِىِّ، والحكَمِ، وحَمَّادٍ، والثَّوْرِىِّ؛ لما رُوِىَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: “المُخْتَلِعَةُ يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ، مَا دَامَتْ فِى الْعِدَّةِ”. ولَنا، أنَّه قولُ ابنِ عبَّاسٍ وابنِ الزُّبيرِ، ولا نعرفُ لهما مُخالِفًا فى عصرِهما. ولأنَّها لا تَحِلُّ له إلَّا بنكاحٍ جديدٍ، فلم يَلْحَقها طلاقُه، كالمُطلَّقةِ قبلَ الدُّخولِ، أو المُنقَضِيةِ عِدَّتُها، ولأنَّه لا يملكُ بُضْعَها، فلم يَلْحَقْها طلاقُه، كالأجْنبيَّةِ، ولأنَّها لا يقَعُ بها الطَّلاقُ المُرْسَلُ، ولا تُطلَّقُ بالكنايةِ، فلا يَلْحَقُها الصَّريحُ المُعيَّنُ، كما قَبْلَ الدُّخولِ. ولا فَرْقَ بين أن يُواجِهَها به، فيقولَ: أنتِ طالقٌ. أو لا يُواجهَها به، مثل أن يقولَ: فلانةٌ طالقٌ. وحديثُهم لا نعْرِفُ له أصْلًا، ولا ذكَرَه أصحابُ السُّنَنِ.
فصل: ولا يثْبُتُ فى الخُلْعِ رَجْعةٌ، سواءٌ قُلْنا: هو فسخٌ أو طلاقٌ. فى قَوْلِ أكثرِ أهلِ العلم؛ منهم الحسنُ، وعطاءٌ، وطاوسٌ، والنَّخَعِىُّ، والثَّورىُّ، والأوزاعىُّ، ومالكٌ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ. وحُكِىَ عن الزُّهْرِىِّ، وسعيد بنِ المُسيَّبِ، أنَّهما قالا: الزَّوجُ بالخيارِ بين إمْساكِ العِوَضِ ولا رجعةَ له، وبين ردِّه وله الرَّجْعةُ. وقال أبو ثَوْرٍ: إن كان الخُلْعُ بلفظِ الطَّلاقِ، فله الرَّجعةُ؛ لأنَّ الرَّجعةَ مِن حقوقِ الطَّلاقِ، فلا تسْقُطُ بالعِوَضِ، كالوَلاءِ مع العِتْقِ. ولَنا، قوُله سبحانه وتعالى: {فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ}. وإنَّما يكونُ فداءً إذا خرجتْ به عن قَبْضتِه وسُلْطانِه، وإذا كانت له الرَّجْعةُ، فهى تحتَ حُكْمِه، ولأنَّ القَصْدَ إزالةُ الضَّرَرِ عن المرأةِ، فلو جازَ ارْتجاعُها، لعَاد الضَّررُ، وفَارقَ الوَلاءَ؛ فإنَّ العِتْقَ لا يَنْفَكُّ منه، والطَّلاقُ ينْفَكُّ عن الرَّجعةِ فيما قبلَ الدُّخولَ، وإذا أكْملَ العددَ.
[المغني لابن قدامة 10/ 267]
وقال ابن قدامة:
فصل: وكل فُرْقةٍ بين زَوْجَيْنِ فعِدَّتُها عِدَّةُ الطَّلاقِ، سَواءٌ كانت بِخُلْعٍ، أو لِعَانٍ، أو رَضاعٍ، أو فَسْخٍ بعَيْبٍ، أو إعْسارٍ، أو إعْتاقٍ، أو اخْتلافِ دِينٍ، أو غيرِه، فى قولِ أكَثَرِ أهلِ العِلْمِ. ورُوِىَ عن ابنِ عباسٍ، أنَّ عِدَّةَ المُلاعِنَةِ تِسْعةُ أشْهُرٍ. وأبَى ذلك سائرُ أهلِ العلمِ، وقالوا: عِدّتُها عدَّةُ الطَّلاقِ؛ لأنَّها مُفارِقةٌ فى الحياةِ، فأشْبَهتِ المُطَلَّقةَ. وأكثرُ أهلِ العلمِ يقولون: عِدّةُ المُخْتَلِعةِ عِدَّةُ المُطَلَّقةِ؛ منهم سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وسالمُ بن عبدِ اللَّه، وعُرْوَةُ، وسليمانُ بن يَسَارٍ، وعمرُ بن عبد العزيزِ، والحسنُ، والشَّعْبِىُّ، والنَّخَعِىُّ، والزُّهْرِىُّ، وقَتادةُ، وخِلاسُ بن عمرٍو، وأبو عِيَاضٍ، ومالكٌ، واللَّيْثُ، والأوْزَاعىُّ، والشافعىُّ. ورُوِىَ عن عثمانَ بن عفَّان، وابن عمرَ، وابنِ عباسٍ، وأبَانَ بن عثمانَ، وإسْحاقَ، وابنِ المُنْذرِ، أَنَّ عِدَّةَ المُخْتَلِعةِ حَيْضةٌ. ورَوَاه ابنُ القاسمِ عن أحمدَ، لما رَوَى ابنُ عباسٍ، أَنَّ امْرأةَ ثابتِ بن قَيْسٍ اخْتَلَعَتْ منه، فجعَل النَّبِىُّ صلى الله عليه وسلم عِدَّتَها حَيْضةً. رواه النَّسائِىُّ وعن رُبَيِّعَ بنتِ مُعَوذٍ مثلُ ذلك، وأن عثمانَ قَضَى به. روَاه النَّسائِىُّ، وابنُ ماجَه. ولَنا، قولُ اللَّه تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ}. ولأنَّها فُرْقةٌ بعدَ الدُّخولِ فى الحياةِ، فكانت ثلاثةَ قُرُوءٍ، كغيرِ الخُلْعِ، وقولُ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: “قُرْءُ الْأَمَةِ حَيْضَتانِ”. عامٌ، وحَدِيثُهُم يَرْوِيه عِكْرِمةُ مُرْسلًا، قال أبو بكرٍ: هو ضَعِيفٌ مُرْسَلٌ. وقولُ عثمانَ وابنِ عباسٍ، قد خالَفَه قولُ عمرَ وعلىٍّ، فإنَّهما قالا: عِدّتُها ثلاثُ حِيَضٍ. وقولُهما أَوْلَى.
وأمَّا ابنُ عمرَ، فقد رَوَى مالكٌ عن نافعٍ، أنَّه قال: عِدّةُ المُخْتَلعةِ عِدَّةُ المُطَلَّقةِ وهو أصَحُّ عنه.
[المغني لابن قدامة 11/ 195]
قال ابن تيمية:
قال أبو بكر بن أبي عاصم: مما دل على أن الخلع فسخ؛ لا طلاق: ما ثبت به الإسناد؛ حدثنا محمد بن مصفى حدثنا سويد بن عبد العزيز – هو يحيى بن سعيد – عن عمرة {عن حبيبة بنت سهيل؛ قالت: امرأة كان هم أن يتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فخطبها ثابت بن قيس فتزوجها وكان في خلق ثابت شدة فضربها. فأصبحت بالغلس على باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من هذه؟ فقالت حبيبة: أنا يا رسول الله لا أنا ولا ثابت. قال: فلم يكن أن جاء ثابت؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربتها؟ قال نعم. ضربتها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم خذ منها فقالت: يا رسول الله: إن عندي كل شيء أعطانيه. فقال. فأخذ منها وجلست في بيتها}. قال ابن أبي عاصم: ولم يذكر: ” طلاقا “. قال: وفي ” حيضة واحدة ” دليل على أنها ليست بمطلقة؛ وكذلك في عدتها في بيتها ولو كانت مطلقة لكان لها السكنى والنفقة. قلت: هذا على قول من يجعل الخلع طلقة رجعية إذا كان طلاقا كما هو قول أبي محمد عن جمهور أهل الحديث وداود. وابن أبي عاصم يوافقهم على ذلك: مذهبه أن المبتوتة لا نفقة لها ولا سكنى؛ على حديث فاطمة بنت قيس قال ابن أبي عاصم: وممن قال تعتد بحيضة: عثمان بن عفان وابن عمر وممن قال: فسخ؛ وليس بطلاق: ابن عباس وابن الزبير. قلت: وقد ذكر ابن المنذر عن أحمد بن حنبل. أنه ضعف كل ما يروى عن الصحابة مخالفا لقول ابن عباس ….
فإن قيل: فقد نقل عن عثمان وابن عمر: أنه طلاق كما روى حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه عن جمهان: أن أم بكرة الأسلمية كانت تحت عبد الله بن أسيد فاختلعت منه فندما فارتفعا إلى عثمان بن عفان فأجاز ذلك وقال: هي واحدة؛ إلا أن تكون سميت شيئا فهو على ما سميت. وقد روى مالك عن نافع عن ابن عمر قال: عدة المختلعة عدة المطلقة. وقد روى أبو داود قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة {عن ابن عباس: أن زوج بريرة كان عبدا أسود فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرها أن تعتد} (1)، وهكذا رواه ابن أبي عاصم: حدثنا هدبة بن خالد حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة {عن ابن عباس قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في بريرة بأربع قضايا: أمرها أن تختار وأمرها أن تعتد}. وقال: حدثنا الحلواني حدثنا عمرو بن. . . (2) حدثنا همام عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قال: أحسبه قال فيه: ” تعتدي عدة الخلع ” فهذا فسخ أوجب فيه العدة؛ ولهذا قال ابن حزم: إنه لا عدة في شيء من الفسوخ؛ إلا في هذا؛ لأنه لا يقول بالقياس؛ وليس في النص إيجاب العدة في فسخ.
لكن لفظ ” الاعتداد ” يستعمل عندهم في الاعتداد بحيضة كما في حديث المختلعة من غير وجه ” أمرها أن تعتد بحيضة ” وقالت عائشة في قوله: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن والمراد بها: ” الاستبراء “؛ فإن المسبية لا يجب في حقها إلا الاستبراء بحيضة كما {قال صلى الله عليه وسلم في سبايا أوطاس: لا توطأ حامل حتى تضع؛ ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ بحيضة} وقال فيه: فأنزل الله: {والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم} وهكذا في الحديث المعروف عن أبي سعيد الخدري في سبايا أوطاس من رواية أبي الخليل {حلال إذا انقضت عدتهن} (*) وفي هذا قال النبي صلى الله عليه وسلم {لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تستبرأ} وأبو سعيد روى هذا وهذا. وعلى الحديثين: أم الولد تعتد بحيضة؛ وقال عمرو بن عاصم: وأحسبه قال: تعتد عدة الحرة. شك لا تقوم به حجة. وعن أحمد في عدة المختلعة روايتان: ذكرهما أبو بكر في ” كتاب الشافي ” قال أبو بكر في الشافي: ” باب عدة المختلعة والملاعنة وامرأة عصبى ” وروى بإسناده عن الأثرم وإبراهيم بن الحارث: أنه قيل لأبي عبد الله عدة كل مطلقة ثلاث حيض؟ قال: نعم؛ إلا الأمة. قيل له: المختلعة والملاعنة وامرأة المرتد؟ قال: نعم. كل فرقة عدتها ثلاث حيض. وعن أبي طالب أن أبا عبد الله قال في المختلعة تعتد مثل المطلقة ثلاث حيض. وروي عن أحمد بن القاسم قال أبو عبد الله: عدة المختلعة حيضة. قال عبد العزيز: والعمل على رواية الأثرم والعبادي: أن كل فرقة من الحرائر عدتها ثلاث حيض وحديث المختلعة أمرت أن تعتد بحيضة ضعيف؛ لأنه مرسل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وبما قلت أذهب وهو قول عثمان بن عفان. قلت ابن القاسم كثيرا ما يروي عن أحمد الأقوال المتأخرة التي رجع إليها كما روى عنه أن جمع الثلاث محرم وذكر أنه رجع عن قوله: إنه مباح وأنه تدبر القرآن فلم يجد فيه الطلاق إلا رجعيا.
وهكذا قد يكون أحمد ثبتت عنده في المختلعة فرجع إليها فقوله: عدتها حيضة. لا يكون إلا إذا ثبت عنده الحديث؛ وإذا ثبت عنده لم يرجع عنه. ولأصحاب أحمد في وطء الشبهة وجهان – وكذلك ابن عمر كان يقول أولا: إن عدتها ثلاث حيض فلما بلغه قول عثمان بن عفان أنها تستبرأ بحيضة رجع إليه ابن عمر. وما ذكره أبو بكر عن عثمان رواية مرجوحة والمشهور عن عثمان أنها تعتد بحيضة وهو قول ابن عباس؛ وآخر القولين عن ابن عمر ولم يثبت عن صحابي خلافه فإنه روي خلافه عن عمر وعلي بإسناد ضعيف وهو قول أبان بن عثمان وعكرمة وإسحاق بن راهويه وغيره من فقهاء الحديث.
وقد روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال: كان ” المشركون ” على منزلتين من النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين: كانوا مشركين أهل حرب يقاتلهم ويقاتلونه ومشركين أهل عهد لا يقاتلهم ولا يقاتلونه فكان إذا هاجرت امرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح فإن هاجر زوجها قبل أن تنكح ردت إليه وإن هاجر عبد منهم أو أمة فهما حران. ولهما للمهاجرين؛ ثم ذكر في ” أهل العهد ” مثل حديث مجاهد وإن هاجر عبد أو أمة للمشركين أهل العهد لم يردوا وردت أثمانهم. ففي هذا الحديث أن المهاجرة من دار الحرب إذا حاضت ثم طهرت: حل لها النكاح فلم يكن يجب عليها إلا الاستبراء بحيضة؛ لا بثلاثة قروء؛ وهي معتدة من وطء زوج؛ لكن زال نكاحه عنها بإسلامها. ففي هذا أن الفرقة الحاصلة باختلاف الدين – كإسلام امرأة الكافر – إنما يوجب استبراء بحيضة: وهي فسخ من الفسوخ؛ ليست طلاقا. وفي هذا نقص لعموم من يقول: كل فرقة في الحياة بعد الدخول توجب ثلاثة قروء. وهذه حرة مسلمة؛ لكنها معتدة من وطء كافر.
[مجموع الفتاوى 32/ 326]
قال ابن رسلان:
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيما امرأة سألت زوجها طلاقًا في غير ما بأس) بأن تخاف أن لا تقيم حدود الله فيما يجب عليها من حسن الصحبة وجميل العشرة لكراهتها له، أو بأن يضارها لتختلع منه، ونحو ذلك (لم تشم رائحة الجنة) كذا لفظ الترمذي وابن ماجه، ولابن ماجه من رواية ابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا تسأل امرأة زوجها الطلاق في غير كُنهه فتجد ريح الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عامًا” (1) …….
(فقال رسول الله: خذهما) منها. فيه رد لما روي عن سعيد بن المسيب قال: ما أرى أن يأخذ كل مالها، ولكن ليدع لها شيئًا يعني: مما أعطاها (1) (وفارقها ففعل) استدل بعضهم بأمره بفراقها من غير أن يسأل زوجها هل هي حائض أو في طهر جامعها فيه، على أن الخلع فسخ؛ إذ لو كان طلاقًا لاقتضى شرائط الطلاق من وقوعه في طهر لم يمسسها فيه، فلو لم يتعرف النبي صلى الله عليه وسلم الحالة في ذلك دل على أن الخلع فسخ، وإليها ذهب ابن عباس وطاوس وعكرمة، وأحد قولي الشافعي (2)، وبه قال أحمد وإسحاق وأبو ثور (3).
قال الإمام أحمد: ليس لنا في الباب أصح من حديث ابن عباس أنه فسخ لا ينقص عدد الطلاق (4)، وهذا رواه أحمد عن يحيى بن سعيد، عن سفيان، عن ابن دينار، عن ابن عباس قال: الخلع تفريق وليس بطلاق (5).
قال الحافظ ابن حجر: وإسناده صحيح. قال أحمد: ليس في الباب أصح منه (6)، واحتج ابن عباس بقوله تعالى: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} (7)، ثم قال: {فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} (1)، ثم قال {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} (2)، فذكر تطليقتين، والخلع وتطليقه بعدها، فلو كان الخلع طلاقًا لكان أربعًا، ولأنها فرقة خلت عن صريح الطلاق ونيته فكانت فسخًا كسائر الفسوخ (3)، ونسب هذا القول للقديم عند الشافعي (4)، وفي “أحكام القرآن” (5) له رضي الله عنه.
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 10/ 6]