: 222 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
(222) – قال الإمام النسائي (ج (5) ص (174)): أخْبَرَنا قُتَيْبَةُ قالَ حَدَّثَنا اللَّيْثُ عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ: أنَّهُمْ كانُوا إذا كانُوا حاضِرِينَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وعَلى آلِهِ وسَلَّمَ بِالمَدِينَةِ بَعَثَ بِالهَدْيِ فَمَن شاءَ أحْرَمَ ومَن شاءَ تَرَكَ.
هذا حديث حسنٌ.
وأخرجه أبو يعلى (ج (4) ص (183)) فقال: حدثنا كامل (وهو ابن طلحة)، حدثنا ليث به.
* وقال الإمام أحمد (ج (3) ص (350)): حدثنا حجين ويونس قالا حدثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر أنهم كانوا إذا حضروا مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالمدينة فبعث بالهدي فمن شاء منا أحرم ومن شاء ترك.
هذا حديث حسنٌ على شرط مسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*أولًا: دراسة الحديث رواية:*
* قال الشيخ الألباني في سنن النسائي (2792): صحيح الإسناد.
فأبوالزبير وإن كان مدلسا لكن هذا السند من رواية الليث وهو لا يروي عنه إلا ما سمع من جابر رضي الله عنه وقد ذكر ذلك الشيخ مقبل في أحاديث أخرى.
*ثانيًا: دراسة الحديث دراية:*
* بوب الشيخ مقبل الوادعي في الجامع الصحيح (62) – من بعث بالهدي وهو مقيم ببلده.
* قال السندي في حاشية النسائي (5) / (175): بعث بِالهدى أي بعث أحدهم بِالهدى والحَدِيث يدل على أن الَّذِي يبْعَث بِالهدى مُخَيّر بَين أن يصير محرما وبَين أن يبْقى حَلالا.
قال القرطبي:
فَإِنْ بَعَثَ بِالْهَدْيِ وَلَمْ يَسُقْ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا، لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَنَا فَتَلْتُ قَلَائِدَ هَدْيِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدَيَّ، ثُمَّ قَلَّدَهَا بِيَدَيْهِ، ثُمَّ بَعَثَ بِهَا مَعَ أَبِي فَلَمْ يَحْرُمْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شي أَحَلَّهُ اللَّهُ لَهُ حَتَّى نُحِرَ الْهَدْيُ، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، وَهَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: يَصِيرُ مُحْرِمًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: مَنْ أَهْدَى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْحَاجِّ حَتَّى يُنْحَرَ الْهَدْيُ، رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَهَذَا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ وَعَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، وَحَكَاهُ الْخَطَّابِيُّ عَنْ أَصْحَابِ الرَّايِ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا فَقَدَّ قَمِيصَهُ مِنْ جَيْبِهِ ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ رِجْلَيْهِ، فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: (إِنِّي أُمِرْتُ بِبُدْنِي الَّتِي بَعَثْتُ بِهَا أَنْ تُقَلَّدَ وَتُشْعَرَ عَلَى مَكَانِ كَذَا وَكَذَا فَلَبِسْتُ قَمِيصِي وَنَسِيتُ فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْرِجَ قَمِيصِي مِنْ رَاسِي) وَكَانَ بَعَثَ بِبُدْنِهِ وَأَقَامَ بِالْمَدِينَةِ. فِي إِسْنَادِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءِ بْنِ أَبِي لَبِيبَةَ «1» وَهُوَ ضَعِيفٌ
(1). في التهذيب: (ابن بنت أبي لبيبة)
تفسير القرطبي = الجامع لأحكام القرآن (6/ 41)
قال الساعاتي:
ويمكن الجمع بين ما روى عن عائشة وحديث جابر بأن الاحرام بسبب ارسال الهدى جائز من شاء فعله ومن شاء تركه كما يدل ذلك رواية النسائى عن جابر المذكورة فى الزوائد وأن النبى صلى الله عليه وسلم فعل ذلك مرة لبيان الجواز ثم تركه والترك أفضل لأنه كان أكثر أحواله صلى الله عليه وسلم ولأن روايات عائشة متفق على صحتها وقد ثبت فيها ان النبى صلى الله عليه وسلم أرسل الهدى مع أبيها ولم يحرم عليه شئ أحله الله له رواه الشيخان وهو مذكور فى الزوائد وكان ذلك سنة تسع من الهجرة وهى آخر سنة ارسل فيها الهدى لانه صلى الله عليه وسلم حج فى السنة التى تليها اعنى سنة عشر هذا ما ظهر لى والله أعلم
الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني (13/ 34)
* قال الشيخ أحمد شاكر في جمهرة مقالاته (2) / (860): ” خلاصة القول في هذا؛ أن الرجل إذا قلد هديه وأرسله إلى مكة وهو باق في بلده، هل يصير بذلك محرمًا، فيمتنع عما يمتنع منه المحرم من اللباس والطيب والنساء وغير ذلك أولا؟ فذهب ابن عباس إلى أنه يحرم عليه ما يحرم على المحرم حتى ينحر هديه. قال النووي: «وكذا مذهب ابن عمر إن صح عنه في هذه المسألة شيء». وذهب كافة العلماء إلى أنه لا يصير محرمًا بذلك، وإنما يصير محرمًا بنية الإحرام إذا نواه. وهذا هو الصحيح الذي تدل عليه الأحاديث، ويؤيده حديث النسائي الذي أشار إليه كاتب المقال: «عن جابر: أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول الله – ? – بالمدينة بعث بالهدي، فمن شاء أحرم ومن شاء ترك». وانظر المجموع للنووي شرح المهذب ((8): (360) – (361)) ونيل الأوطار للشوكاني ((5): (193) – (195)) وتفسير القرطبي ((6): (39) – (42)).”
* قال الصنعاني في التحبير لإيضاح معاني التيسير (3) / (450):
الفصل الحادي عشر: في المقيم إذا أهدى إلى البيت [أو ضحى هل يحرم أم لا]
«الفصل الحادي عشر: في المقيم إذا أهدى إلى البيت» أي: أرسل إليه هديًا.
«أو ضحى»: أي: أراد التضحية، ولم يقل أحد أنّ مريد التضحية يحرم، إنما الحديث ورد أنّ من أراد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره، فكأنه شبهه أهل هذه الترجمة بالمحرم.
(1) – عن عائشة – رضي الله عنه – قالت: كانَ النَّبيُّ – ? – يُهْدِي مِنَ المَدِينَةِ، فَأفْتِلُ قَلاَئِدَ هَدْيِهِ، ولاَ يَجْتَنِبُ شَيْئًا مِمّا يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ. أخرجه الستة. [صحيح].
قوله: «في حديث عائشة: ولا يجتنب شيئًا مما يجتنبه المحرم» المسألة هذه فيها خلاف لابن عباس فإنه أخرج ابن أبي شيبة بإسناده إلى ربيعة: «أنه رأى ابن عباس وهو أمير على البصرة في زمان علي – عليه السلام – متجردًا على منبر البصرة وتبعه زياد بن أبيه على ذلك» وقد روي عن عائشة: «أنّه قيل لها: إنّ زيادًا إذا بعث [الهدي] أمسك عمّا يمسك عنه المحرم حتى ينحر هديه فقالت عائشة: أَوَلَه كعبة يطوف بها».
قال ابن التين: خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء.
قال الحافظ بعد نقله: فيه قصور شديد فإنّ ابن عباس لم ينفرد بذلك بل ثبت عن جماعة من الصحابة.
قال ابن المنذر: قال عمر، وعلي، وقيس بن سعد وابن عمر وابن عباس والنخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون: من أرسل الهدي وأقام حرم عليه ما يحرم على المحرم.
وقال ابن مسعود وعائشة وأنس وابن الزبير وآخرون: لا يصير بذلك محرمًا، وإلى ذلك صار فقهاء الأمصار، ومن حجة الأولين ما رواه الطحاوي وغيره من طريق عبد الملك بن جابر عن أبيه قال: «كنت جالسًا عند النبي – ? – فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال: إني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم [وتشعر] على مكان كذا فلبست قميصي ونسيت فلم أكن أخرج قميصي من رأسي».
قال الحافظ: وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده، نعم استدل الداودي بقول عائشة هذا على أنّ الحديث الذي روته ميمونة مرفوعًا: «إذا دخل عشر ذي الحجة فمن أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا من أظفاره» يكون منسوخًا بحديث عائشة أو ناسخًا.
قال ابن التين: ولا يحتاج إلى ذلك؛ لأن عائشة إنما أنكرت أن يصير من يبعث هديه محرمًا بمجرد بعثه ولم تتعرض لما يستحب في العشر خاصة من اجتناب إزالة الشعر والظفر، ثم قال: لكن عموم الحديث يدل لما قاله الداودي، وقد استدل به الشافعي على إباحة ذلك في عشر ذي الحجة، ثم قال الحافظ: قلت: الحديث هو من حديث أم سلمة لا ميمونة، فوهم الداودي في النقل والاحتجاج، وأيضًا فإنه لا يلزم من دلالته على عدم اشتراط ما يتجنبه المحرم على المضحي أنه لا يستحب له فعل ما ورد به الخبر. انتهى.
(2) – وعن جابر – رضي الله عنه-: أنَّهُمْ إذا كانُوا حاضِرِينَ مَعَ رَسُولِ الله – ? – بِالمَدِينَةِ بَعَثَ الهَدْي، فَمَن شاءَ أحْرَمَ، ومَن شاءَ تَرَكَ. أخرجه النسائي. [إسناده صحيح].
قوله: «في حديث جابر: فمن شاء أحرم ومن شاء ترك»، من أدلة من قال بقول ابن عباس: إلاّ أنّ ابن عباس ظاهر النقل عنه أنه كان يوجب الإحرام.
(3) – وعن ربيعة بن عبد الله بن الهُدير: أنَّهُ رَأى رَجُلًا مُتَجَرِّدًا بِالعِراقِ فَسَألَ عَنْهُ؟ فَقِيلَ: أمَرَ بِهَدْيِهِ أنْ يُقَلَّدَ فَلِذَلِكَ تجَرَّدَ. قالَ: فَلَقِيتُ عَبْدَ الله بْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ. فَقالَ: بِدْعَةٌ ورَبِّ الكَعْبَةِ. أخرجه مالك. [موقوف صحيح].
«البِدْعَةُ» في الشرع: كل ما لا يوافق السنة.
قوله: «وعن ربيعة بن عبد الله بن الهُدير» بضم الهاء ودال مهملة [(201) أ] وآخره راء مصغر.
قوله: «فقال: بدعة ورب الكعبة» هذا رأي ابن الزبير كرأي الأكثر.
* قال العراقي في طرح التثريب في شرح التقريب (5) / (149):
” [فائِدَةٌ مَن أرْسَلَ هَدْيًا إلى الكَعْبَةِ لا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ]
{التّاسِعَةُ} وفِيهِ أنَّ مَن أرْسَلَ هَدْيًا إلى الكَعْبَةِ لا يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ ولا يُجْرى عَلَيْهِ حُكْمُ الإحْرامِ ولا يَلْزَمُهُ أنْ يَجْتَنِبَ شَيْئًا مِمّا يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ وسَواءٌ قَلَّدَ هَدْيَهُ أمْ لَمْ يُقَلِّدْهُ وبِهَذا قالَ جُمْهُورُ العُلَماءِ مِن السَّلَفِ والخَلَفِ وهُوَ مَذْهَبُ الأئِمَّةِ الأرْبَعَةِ وقالَ ابْنُ المُنْذِرِ كانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إنْ قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ أحْرَمَ وبِهِ قالَ النَّخَعِيّ والشَّعْبِيُّ وقالَ عَطاءٌ سَمِعْنا ذَلِكَ وقالَ الثَّوْرِيُّ وأحْمَدُ وإسْحاقُ إذا قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ أحْرَمَ وبِهِ قالَ النَّخَعِيّ والشَّعْبِيُّ وقالَ عَطاءٌ وجَبَ عَلَيْهِ، وبِهِ قالَ أصْحابُ الرَّايِ انْتَهى.
وحاصِلُ كَلامِهِ قَوْلانِ أحَدُهُما أنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا والثّانِي أنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الإحْرامُ، وعَدَّهُما ابْنُ المُنْذِرِ قَوْلًا واحِدًا فَإنَّهُ قالَ بَعْدَ ذَلِكَ وفِيهِ قَوْلٌ ثانٍ فَحَكى المَذْهَبَ المَشْهُورَ وكَأنَّ مُرادَ الأخِيرَيْنِ وجَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الإحْرامِ لِأنَّهُ قَدْ صارَ مُحْرِمًا فَتَتَّحِدَ المَقالَتانِ حِينَئِذٍ وقالَ الخَطّابِيُّ عَنْ أصْحابِ الرَّايِ تَفْرِيعًا عَلى ما تَقَدَّمَ نَقَلَهُ عَنْهُمْ فَإنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ فَهُوَ بِالخِيارِ بَيْنَ حَجٍّ وعُمْرَةٍ ورَوى ابْنُ أبِي شَيْبَةَ أنَّهُ إذا قَلَّدَ هَدْيَهُ فَقَدْ أحْرَمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وابْنِ عَبّاسٍ والشَّعْبِيِّ وسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وسَعْدِ بْنُ قَيْسٍ ومَيْمُونِ بْنُ أبِي شَبِيبٍ وأنَّهُ إذا قَلَّدَ فَقَدْ وجَبَ عَلَيْهِ الإحْرامُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وهَذا يَدُلُّ عَلى التَّاوِيلِ الَّذِي قَدَّمْته وأنَّ المُرادَ بِالعِبارَتَيْنِ شَيْءٌ واحِدٌ لِكَوْنِهِما مَعًا عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ ورَوى ابْنُ أبِي شَيْبَةَ أنَّهُ إذا قَلَّدَ وهُوَ يُرِيدُ الإحْرامَ فَقَدْ أحْرَمَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وأبِي الشَّعْثاءِ وعَطاءٍ وطاوُسٍ ومُجاهِدٍ، وأنَّهُ إذا قَلَّدَ وهُوَ يُرِيدُ الإحْرامَ فَقَدْ وجَبَ عَلَيْهِ الإحْرامُ عَنْ إبْراهِيمَ النَّخَعِيّ وكَذا حَكى الخَطّابِيُّ عَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ وأحْمَدَ وإسْحاقَ أنَّهُ إذا أرادَ الحَجَّ وقَلَّدَ فَقَدْ وجَبَ عَلَيْهِ وهَذا المَذْكُورُ آخِرًا فِيهِ التَّقْيِيدُ بِأنْ يَكُونَ يُرِيدُ الإحْرامَ فَإنْ لَمْ يُحْمَلْ الإطْلاقُ الأوَّلُ عَلى التَّقْيِيدِ الثّانِي وغايَرْنا بَيْنَ الإحْرامِ وإيجابِ الإحْرامِ حَصَلَ قَوْلانِ آخَرانِ مَعَ القَوْلَيْنِ الأوَّلَيْنِ ويَدُلُّ عَلى أنَّ ذَلِكَ لا يَتَقَيَّدُ بِإرادَةِ الإحْرامِ فِي قَوْلِ ما
رَواهُ ابْنُ أبِي شَيْبَةَ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الهُدَيْرِ أنَّهُ رَأى ابْنَ عَبّاسٍ وهُوَ أمِيرٌ عَلى البَصْرَةِ مُتَجَرِّدًا عَلى مِنبَرِ البَصْرَةِ فَسَألَ النّاسَ عَنْهُ فَقالُوا إنّهُ أمَرَ بِهَدْيِهِ أنْ يُقَلَّدَ، فَلِذَلِكَ تَجَرَّدَ، فَلَقِيت ابْنَ الزُّبَيْرِ فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ فَقالَ بِدْعَةٌ ورَبِّ الكَعْبَةِ. ورَوى ابْنُ أبِي شَيْبَةَ أيْضًا عَنْ عَطاءٍ وابْنِ الأسْوَدِ قالا لَيْسَ لَهُ أنْ يُقَلِّدَ ولا يُحْرِمُ إلّا إنْ شاءَ يَوْمًا أوْ يَوْمَيْنِ وهَذا (مَذْهَبٌ خامِسٌ) حاصِلُهُ أنَّهُ بِالتَّقْلِيدِ يَجِبُ عَلَيْهِ الإحْرامُ ولَهُ تَاخِيرُهُ يَوْمًا أوْ يَوْمَيْنِ ورَوى ابْنُ أبِي شَيْبَةَ أيْضًا عَنْ الحَسَنِ البَصْرِيِّ أنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ فِي أشْهُرِ الحَجِّ وجَبَ عَلَيْهِ الحَجُّ وإنْ كانَ فِي غَيْرِ أشْهُرِهِ لَمْ يَجِبْ وهَذا
(مَذْهَبٌ سادِسٌ) ورَوى ابْنُ أبِي شَيْبَةَ أيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ المُسَيِّبِ والحَسَنِ البَصْرِيِّ أنَّ مَن بَعَثَ بِهَدْيِهِ لا يُمْسِكُ عَنْ شَيْءٍ مِمّا يُمْسِكُ عَنْهُ المُحْرِمُ إلّا لَيْلَةَ جَمْعٍ فَإنَّهُ يُمْسِكُ عَنْ النِّساءِ وهَذا (مَذْهَبٌ سابِعٌ) ورَوى ابْنُ أبِي شَيْبَةَ أيْضًا عَنْ عُمَرَ وعَلِيٍّ وابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ عُمَرَ أنَّهُ إذا أرْسَلَ بَدَنَتَهُ أمْسَكَ عَمّا يُمْسِكُ عَنْهُ المُحْرِمُ غَيْرَ أنَّهُ لا يُلَبِّي وهَذا (مَذْهَبٌ ثامِنٌ) لِأنَّهُ لَمْ يُقَيِّدْ ذَلِكَ بِالتَّقْلِيدِ ولَمْ يَقُلْ إنّهُ مُحْرِمٌ ولا وجَبَ عَلَيْهِ الإحْرامُ، وإنَّما قالَ يُمْسِكُ عَمّا يُمْسِكُ عَنْهُ المُحْرِمُ وهُوَ الَّذِي فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ قالَ مَن أهْدى هَدْيًا حَرُمَ عَلَيْهِ ما يَحْرُمُ عَلى الحاجِّ حَتّى يَنْحَرَ الهَدْيَ وهَذا أصَحُّ ما رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ فِي هَذا واَللَّهُ أعْلَمُ.
ورَوى ابْنُ أبِي شَيْبَةَ أيْضًا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ أنَّهُ إذا أرْسَلَ بَدَنَتَهُ واعَدَهُمْ يَوْمًا فَإذا كانَ ذَلِكَ اليَوْمُ الَّذِي واعَدَهُمْ أنْ يُشْعِرَ؛ أمْسَكَ عَمّا يُمْسِكُ عَنْهُ المُحْرِمُ غَيْرَ أنَّهُ لا يُلَبِّي، وهَذا مِثْلُ الَّذِي قَبْلَهُ فِي الإمْساكِ خاصَّةً ويُخالِفُهُ بِأنَّهُ لا يُرَتِّبُهُ عَلى مُجَرَّدِ الإرْسالِ بَلْ لا بُدَّ مَعَهُ مِن الإشْعارِ فَهُوَ (مَذْهَبٌ تاسِعٌ) ورَوى ابْنُ أبِي شَيْبَةَ أيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قالَ إذا بَعَثَ الرَّجُلُ بِالهَدْيِ أمَرَ الَّذِي يَبْعَثُ بِهِ مَعَهُ أنْ يُقَلِّدَ يَوْمَ كَذا وكَذا مِن ذَلِكَ اليَوْمِ ثُمَّ يُمْسِكُ عَنْ أشْياءَ مِمّا يُمْسِكُ عَنْها المُحْرِمُ وهَذا (مَذْهَبٌ عاشِرٌ) لِأنَّهُ لا يَطَّرِدُ المَنعُ فِي كُلِّ ما يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ بَلْ يَثْبُتُ ذَلِكَ فِي بَعْضِها دُونَ جَمِيعِها واعْلَمْ أنَّ كُلَّ مَن رَتَّبَ هَذا الحُكْمَ عَلى التَّقْلِيدِ رَتَّبَهُ عَلى الإشْعارِ أيْضًا فَهُوَ فِي مَعْناهُ فَهَذِهِ عَشَرَةُ مَذاهِبَ شاذَّةٌ إنْ لَمْ تُؤَوَّلْ وتُرَدَّ إلى مَذْهَبٍ واحِدٍ وكَلامُ النَّوَوِيِّ يَقْتَضِي التَّاوِيلَ فَقالَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ فِي الكَلامِ عَلى هَذا الحَدِيثِ فِيهِ أنَّ مَن بَعَثَ هَدْيَهُ لا يَصِيرُ مُحْرِمًا ولا يَحْرُمُ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِمّا يَحْرُمُ عَلى المُحْرِمِ وهَذا مَذْهَبُنا ومَذْهَبُ العُلَماءِ كافَّةً إلّا رِوايَةً حُكِيَتْ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ عُمَرَ وعَطاءٍ وسَعِيدِ بْنُ جُبَيْرٍ وحَكاهُ الخَطّابِيُّ عَنْ أهْلِ الرَّايِ أيْضًا أنَّهُ إذا فَعَلَهُ لَزِمَهُ اجْتِنابُ ما يَجْتَنِبُهُ المُحْرِمُ، ولا يَصِيرُ مُحْرِمًا مِن غَيْرِ نِيَّةِ الإحْرامِ وقالَ فِي شَرْحِ المُهَذَّبِ إذا قَلَّدَ هَدْيَهُ أوْ أشْعَرَهُ لا يَصِيرُ مُحْرِمًا
بِذَلِكَ، وإنَّما يَصِيرُ مُحْرِمًا بِنِيَّةِ الإحْرامِ، هَذا مَذْهَبُنا ومَذْهَبُ العُلَماءِ كافَّةً ونَقَلَ الشَّيْخُ أبُو حامِدٍ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ وابْنِ عُمَرَ أنَّهُ يَصِيرُ مُحْرِمًا بِمُجَرَّدِ تَقْلِيدِ الهَدْيِ، وهَذا فِيهِ تَساهُلٌ وإنَّما مَذْهَبُ ابْنِ عَبّاسٍ أنَّهُ إذا قَلَّدَ هَدْيَهُ حَرُمَ عَلَيْهِ ما يَحْرُمُ عَلى المُحْرِمِ حَتّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وكَذا مَذْهَبُ ابْنِ عُمَرَ إنْ صَحَّ عَنْهُ فِي هَذِهِ المَسْألَةِ شَيْءٌ انْتَهى. فَذَكَرَ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ بَعَثَ الهَدْيِ وفِي شَرْحِ المُهَذَّبِ تَقْلِيدُهُ ومِمّا يَدُلُّ لِلْجُمْهُورِ ما رَواهُ النَّسائِيّ مِن رِوايَةِ اللَّيْثِ عَنْ ابْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ جابِرٍ «أنَّهُمْ كانُوا إذا كانُوا حاضِرِينَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – ? – بِالمَدِينَةِ بَعَثَ الهَدْيَ فَمَن شاءَ أحْرَمَ ومَن شاءَ تَرَكَ»، وعَزاهُ الشَّيْخُ – رحمه الله – فِي النُّسْخَةِ الكُبْرى مِن الأحْكامِ لِابْنِ ماجَهْ أيْضًا ولَمْ أرَهُ عِنْدَهُ وهُوَ صَرِيحٌ فِي أنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَلْزَمُهُمْ حُكْمُ الإحْرامِ بِبَعْثِ الهَدْيِ ولَعَلَّهُ إنّما ورَدَ فِيمَن عَزَمَهُ الحَجُّ تِلْكَ السَّنَةَ وإنَّ الَّذِينَ يَصْحَبُونَ الهَدْيَ مَعَهُمْ، مِنهُمْ مَن يُحْرِمُ بِمُجَرَّدِ بَعْثِهِ ومِنهُمْ مَن يَتْرُكُ الإحْرامَ فِي ذَلِكَ الوَقْتِ ويُؤَخِّرُهُ إلى المِيقاتِ؛ ويَدُلُّ لِذَلِكَ أنَّ ابْنَ حِبّانَ لَمّا أخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ بَوَّبَ عَلَيْهِ (ذِكْرُ الإباحَةِ لِلْحاجِّ، بَعْثُ الهَدْيِ وسَوْقُها مِن المَدِينَةِ) فَلَمّا عَبَّرَ فِي تَبْوِيبِهِ بِالحاجِّ عَلِمْنا أنَّهُ فَهِمَ أنَّ بَعْثَ الهَدْيِ المَذْكُورِ كانَ مِمَّنْ عَزَمَهُ الحَجُّ واَللَّهُ أعْلَمُ.”
* قال الشيخ الإتيوبي في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (24) / (309):
شرح الحديث
(عَنْ جابِرٍ) – رضي اللَّه تعالى عنه – (أنَّهُمْ كانُوا) أي الصحابة – رضي اللَّه عنه – (إذا كانُوا حاضِرِينَ، مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – ? – بِالمَدِينَةِ، بَعَثَ بِالهَدْيِ) أي بعث أحدهم بالهدي، فالفاعل مقدّر دلّ عليه السياق (فَمَن شاءَ أحْرَمَ، ومَن شاءَ تَرَكَ) هذا يدلّ على أن الذي يبعث بالهدي مخيّرٌ بين أن يصير محرمًا، وبين أن يبقى حلالًا، وهذا مخالف لأحاديث عائشة – رضي اللَّه تعالى عنها – المتقدّمة.
ولكن هذا وإن كان فيه معنى الرفع، حيث يحتمل علمه – ? – له، وتقريره لهم، ليس كالمرفوع الصريح، وهو حديث عائشة – رضي اللَّه تعالى عنها -، حيث إنه لم يصرّح فيه أنه بأمر النبيّ – ?-، ولا بتقريره، فلا يعارض الأحاديث المرفوعة صريحًا، فتقدّم عليه.
وشرح الحديث ولي الدين – تعالى- في «شرح التقريب» بمعنى آخر، فقال: ولعله إنما ورد فيمن عَزْمُهُ الحجّ تلك السنة، وأن الذين يصحبون الهدي معهم، منهم من يُحرم بمجرّد بعثه، ومنهم من يترك الإحرام في ذلك الوقت، ويؤخّره إلى الميقات.
قال: ويدلّ لذلك أن ابن حبّان لَمّا أخرجه في «صحيحه» بوّب عليه «ذكر الإباحة للحاجّ بعث الهدي، وسوقها من المدينة»، فلما عبّر في تبويبه بالحاجّ علمنا أنه فهمِ أن بعث الهدي المذكور كان ممن عَزْمُهُ الحجّ واللَّه أعلم انتهى كلام وليّ الدين -رحمه الله تعالى-.
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: هكذا قال، ولكن لا يخفى بُعْدُهُ عن سياق الحديث،
فالوجه ما قدّمناه، فتأمله بإنصاف. واللَّه تعالى أعلم بالصواب.
وحديث جابر – رضي اللَّه تعالى عنه – هذا صحيح الإسناد، وهو من أفراد المصنّف – رحمه الله تعالى-، لم يخرجه غيره من أصحاب الأصول، أخرجه هنا – (71) / (2792) – وفي «الكبرى» (70) / (3773). وأخرجه (أحمد) في «باقي مسند المكثرين» (14362). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.