: 221 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
قال الشيخ مقبل:
221 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 3 ص 350): حدثنا حجين ويونس قالا حدثنا الليث بن سعد عن أبي الزبير عن جابر بن عبد الله: أن حاطب بن أبي بلتعة كتب إلى أهل مكة يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أراد غزوهم فدل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المرأة التي معها الكتاب فأرسل إليها فأخذ كتابها من رأسها وقال «يا حاطب أفعلت؟» قال نعم أما إني لم أفعله غشًّا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم -وقال يونس: غشًّا يا رسول الله- ولا نفاقًا قد علمت أن الله مظهر رسوله ومتم له أمره غير أني كنت عزيزًا بين ظهريهم وكانت والدتي منهم فأردت أن أتخذ هذا عندهم فقال له عمر ألا أضرب رأس هذا قال «أتقتل رجلًا من أهل بدر ما يدريك لعل الله عز وجل قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم».
هذا حديث حسنٌ.
[ص: 186] وأبو الزبير وإن كان مدلسًا ولم يصرح بالتحديث فإن الراوي له عنه الليث بن سعد، وما روى عنه إلا ما كان مسموعًا له من جابر.
والحديث أخرجه أبو يعلى (ج 4 ص 182) فقال رحمه الله: حدثنا كامل (وهو ابن طلحة)، حدثنا ليث بن سعد به.
————
قال محققو المسند 14774: إسناده صحيح على شرط مسلم
قال محقق مسند أبي يعلى 2265: الحديث صحيح
بوب عليه في الجامع:
81 – غزوة بدر
4 – فضائل أهل بدر – رضي الله عنهم –
سورة الممتحنة
358 – قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}
بوب البخاري في صحيحه:
بَابُ غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَمَا بَعَثَ حَاطِبُ بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِغَزْوِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثم أورد حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه:
4274 – حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَافِعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَقُولُ: «بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ، فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَاتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ، فَخُذُوا مِنْهَا. قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ، فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ، قُلْنَا لَهَا: أَخْرِجِي الْكِتَابَ، قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ، فَقُلْنَا: لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ، أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ: فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا فِيهِ: مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ، إِلَى نَاسٍ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا حَاطِبُ، مَا هَذَا؟ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ، إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ، يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا، وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ، مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ، أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي، وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا عَنْ دِينِي، وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ، دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللهَ اطَّلَعَ عَلَى مَنْ شَهِدَ بَدْرًا قَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ. فَأَنْزَلَ اللهُ السُّورَةَ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ}.»
بوب عليه النووي:
بَابٌ: مِنْ فَضَائِلِ أَهْلِ بَدْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ، وَقِصَّةُ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ
وأورده مسلم برقم 2494
قال الطحاوي في مشكل الآثار بعد أن أورد طرق الحديث:
فَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي تَرْكِهِ الْعُقُوبَةَ عَلَى حَاطِبٍ عَلَيْهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِيمَا كَانَ مِنْهُ؟، فَإِنْ قُلْتُمْ: لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ، وَقَدْ سَبَقَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا سَبَقَ، قِيلَ لَكُمْ: قَدْ سَبَقَ لَهُمْ مِنَ اللهِ مَا سَبَقَ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِدَافِعٍ عَنْهُمُ الْعُقُوبَاتِ عَلَى ذُنُوبِهِمُ الَّتِي يُذْنِبُونَهَا أَنْ تُقَامَ عَلَيْهِمْ، وَذَكَرَ فِي ذَلِكَ 4441 – مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدٌ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عُفَيْرٍ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ ثَوْرٍ يَعْنِي ابْنَ زَيْدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: ” أَنَّ الشُّرَّابَ كَانُوا يُضْرَبُونَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَيْدِي وَالنِّعَالِ وَالْعِصِيِّ حَتَّى تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانُوا فِي خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ أَكْثَرَ مِنْهُمْ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوْ فَرَضْنَا لَهُمْ حَدًّا، فَتَوَخَّى نَحْوًا مِمَّا كَانُوا يُضْرَبُونَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يَجْلِدُهُمْ أَرْبَعِينَ حَتَّى تُوُفِّيَ، ثُمَّ كَانَ عُمَرُ مِنْ بَعْدِهِ يَجْلِدُهُمْ كَذَلِكَ، حَتَّى أَتَى رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ وَقَدْ شَرِبَ، فَأَمَرَ بِهِ أَنْ يُجْلَدَ، فَقَالَ: لِمَ تَجْلِدُنِي؟ بَيْنِي وَبَيْنَكَ كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَقَالَ عُمَرُ: وَأَيْنَ فِي كِتَابِ اللهِ تَجِدُ أَنْ لَا أَجْلِدَكَ؟، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ:
{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا، ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا} [المائدة: 93]، شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا، وَأُحُدًا، وَالْخَنْدَقَ، وَالْمَشَاهِدَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَلَا تَرُدُّونَ عَلَيْهِ مَا قَالَ؟ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْآيَاتِ أُنْزِلَتْ عُذْرًا لِلْمَاضِينَ وَحُجَّةً عَلَى الْبَاقِينَ، فَعُذِرَ الْمَاضُونَ بِأَنَّهُمْ لَقُوا اللهَ قَبْلَ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَيْهِمُ الْخَمْرَ، وَحُجَّةٌ عَلَى الْبَاقِينَ؛ لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ} [المائدة: 90] الْآيَةَ، ثُمَّ قَرَأَ الْآيَةَ كُلَّهَا، فَإِنْ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا، ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا، فَإِنَّ اللهَ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ الْخَمْرُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: صَدَقْتَ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: فَمَاذَا تَرَوْنَ؟ قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: نَرَى أَنَّهُ إِذَا شَرِبَ سَكِرَ، وَإِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ جَلْدَةً، فَأَمَرَ عُمَرُ، فَجُلِدَ ثَمَانِينَ ” قَالَ: فَقُدَامَةُ قَدْ كَانَ لَهُ مِنْ بَدْرٍ فِي شُهُودِهِ إِيَّاهَا كَمَا كَانَ لِحَاطِبٍ فِي مِثْلِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَرَ عُمَرُ وَلَا عَلِيٌّ وَلَا مَنْ كَانَ بِحَضْرَتِهِمَا دَفْعَ الْعُقُوبَةِ عَنْهُ لِذَلِكَ عَلَى جُرْمِهِ الَّذِي كَانَ مِنْهُ.
فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ: أَنَّ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُ بِإِقَالَةِ ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ تَعَالَى، وَكَانَ حَاطِبٌ لِشُهُودِهِ بَدْرًا، وَلِمَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْأُمُورِ الْمَحْمُودَةِ مِنْ ذَوِي الْهَيْئَةِ، وَلَمْ يَكُنِ الَّذِي أَتَى مِمَّا يُوجِبُ حَدًّا، إِنَّمَا يُوجِبُ عُقُوبَةً لَيْسَتْ بِحَدٍّ، فَرَفَعَهَا عَنْهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَا كَانَ مَعَهُ مِنَ الْهَيْئَةِ، وَكَانَ الَّذِي كَانَ مِنْ قُدَامَةَ فِيهِ حَدٌّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفَعْهُ عُمَرُ وَلَا عَلِيٌّ، وَلَا مَنْ سِوَاهُمَا لِهَيْئَتِهِ؛ لِأَنَّ الْهَيْئَةَ إِنَّمَا تَرْفَعُ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي لَيْسَتْ حُدُودًا، وَلَا تَرْفَعُ الْعُقُوبَاتِ الَّتِي هِيَ حُدُودٌ، وَلِذَلِكَ رَوَيْنَا فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: ” أَقِيلُوا ذَوِي الْهَيْئَاتِ عَثَرَاتِهِمْ إِلَّا فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللهِ “، فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ وَنِعْمَتِهِ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ عَنْ أَصْحَابِهِ يُوَافِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا وَلَا يُخَالِفُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَيَشُدُّ بَعْضُهَا بَعْضًا، لَا يُخَالِفُهُ وَلَا يَدْفَعُهُ، وَاللهَ عَزَّ وَجَلَّ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
شرح مشكل الآثار (11/ 273)
قال الخطابي:
في هذا الحديث من الفقه إن حكم المتأول في استباحة المحظور عليه خلاف حكم المتعمد لاستحلاله من غير تأويل.
وفيه أنه إذا تعاطى شيئا من المحظور وادعى أمراً مما يحتمله التأويل كان القول قوله في ذلك وإن كان غالب الظن بخلافه، ألا ترى أن الأمر لما احتمل وأمكن أن يكون كما قال حاطب وأمكن أن يكون كما قاله عمر رضي الله عنه استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم حسن الظن في أمره وقبل ما ادعاه في قوله.
وفي الحديث من الفقه أيضاً جواز النظر إلى ما ينكشف من النساء لإقامة حد أو إقامة شهادة في إثبات حق إلى ما أشبه ذلك من الأمور.
وفيه دليل على أن من كفر مسلما أو نفقه على سبيل التأويل وكان من أهل الاجتهاد لم تلزمه عقوبة. ألا ترى أن عمر رضي الله عنه قال دعني أضرب عنق هذا المنافق وهو مؤمن قد صدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ادعاه من ذلك ثم لم يعنف عمر فيما قاله. وذلك أن عمر لم يكن منه عدوان في هذا القول على ظاهر حكم الدين إذ كان المنافق هو الذي يظهر نصرة الدين في الظاهر ويبطن نصرة الكفار وكان هذا الصنيع من حاطب شبيها بأفعال المنافقين إلاّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الله تعالى قد غفر له ما كان منه من ذلك الصنيع وعفا عنه فزال عنه اسم النفاق والله أعلم
معالم السنن (2/ 274)
وقال عياض أيضا:
وقوله: ” وما يدريك، لعل الله اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم “: لا دليل فيه أن غفران الذنب فى الآخرة لا يسقطه حده فى الدنيا، بدليل حد النبى – عليه الصلاة والسلام – ماعزاً والغامدية، وقد أخبر بتوبتهما، والتوبة مسقطة للعقاب، وبإجماع الأمة على إقامة الحدود على كل مذنب، فأقام عمر الحد على بعضهم، وضرب النبى – عليه الصلاة والسلام -[مسطحاً] الحد وكان بدريًّا.
قال الطبرى: ومن ظن أن النبى – عليه الصلاة والسلام – إنما ترك [إقامة الحد] لأن الله أعلمه بصدقه فقد ظن خطأ؛ لأن أحكامه إنما كانت تجرى على الظاهر، كما حكم بالظاهر فى المنافقين وقد أعلمه الله بنفاقهم، وأطلعه عليه من سرائرهم.
وفيه من الفقه، هتك ستر المذنب، إذا كان فى ذلك بعض عقوبته، وفيه أن التجسس لا يخرج عن الإيمان، وأنه لا يتسور أحد على إقامة حد، ولا قتل من وجب قتله إلا بإذن الإمام. وفيه إشارة الوزير على السلطان بالرأي، والاشتداد على أهل المعاصى بالقول والفعل وتأديبهم بالذنب وإباحة ذلك
إكمال المعلم بفوائد مسلم (7/ 539)
قال ابن بطال:
وفيه: جواز غفران ما تأخر وقوعه من الذنوب قبل وقوعه.
واختلف الفقهاء فى المسلم يكاتب المشركين بأخبار المسلمين، فقال مالك: ما فيه شيء وأرى فيه اجتهاد الإمام. وقال أبو حنيفة والأوزاعى: يوجع عقوبة، ويطال حبسه. وقال الشافعى: إن كان ذا هيئة عفا الإمام عنه، واحتج بهذا الحديث أن النبى (صلى الله عليه وسلم) لم يعاقب حاطبًا، وإن كان غير ذى هيئة عذره الإمام؛ لأنه لا يحل دم أحد إلا بكفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس. وقال ابن القاسم فى العتبية: يضرب عنقه؛ لأنه لا تعرف توبته. وهو قول سحنون، وقال ابن وهب: يقتل إلا أن يتوب. وقال ابن الماجشون: إن كان نادرًا من فعله، ولم يكن من أهل الطعن على الإسلام، فلينكل لغيره، وإن كان معتادًا لذلك فليقتل. ومن قال بقتل الجاسوس المسلم فقد خالف الحديث وأقوال المتقدمين من العلماء، فلا وجه لقوله. واختلفوا فى الحربى المستأمن أو الذمى يتجسس ويدل على عورات المسلمين، فقال الثورى والكوفيون والشافعى: لا يكون ذلك نقضًا للعهد فى حربى ولا ذمى، ويوجعه الإمام ضربًا ويطيل حبسه.
وقال الأوزاعى: قد نقض العهد وخرج من الذمة؛ فإن شاء الإمام قتله أو صلبه. وهو قول سحنون، وقال مالك فى أهل الذمة: إذا تلصصوا أو قطعوا الطريق لم يكن ذلك نقضًا للعهد حتى يمنعوا الجزية ويمتنعوا من أهل الإسلام فهؤلاء فيء إذا كان الإمام عدلا. وعند مالك إذا استكره الذمى مسلمة فزنى بها فهو نقض للعهد وإن طاوعته لم يخرج من العهد. وعند الشافعى لا ينقض الذمة شيء من فعله إلا الامتناع من أداء الجزية، أو الامتناع من الحكم؛ فإذا فعلوا ذلك نبذ إليهم
شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 164)
قال ابن هبيرة:
* وفيه أن المؤمن يستحب له إذا أخطأ واستبان له الخطأ، أن لا يتبع خطأه بأن يجحده ويناكر عليه بل يعترف بذلك، ولا يجمع بين معصيتين: في الخطأ (68/ أ) والجحد، كما أن يتعين على كل مخطئ إذا تيقن خطأه في شيء أن يقلع عنه حالة تيقنه ذلك، فإن الله عز وجل يغفر له خطأه إذا رجع إلى الصواب إن شاء الله تعالى.
* وفيه من الفقه جواز التشدد في استخراج الحق؛ فإن عليا والزبير قالا لها: (لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب)، ولَعَمْرُ الله ما كانت تجرد إلا وتبدو عورتها، إلا أنه لما كان المهم من أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لا يتوصل إلى المأمور به إلا بكشف عورتها قالا ذلك؛ فلما رأت هي الجد منها أخرجت الكتاب من عقاصها
الإفصاح عن معاني الصحاح (1/ 211)
قال ابن الجوزي:
وَفِي هَذَا الحَدِيث بِشَارَة لمن شهد بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَة، وَقد قَالَ فِي أهل بدر: ((لَعَلَّ الله اطلع على أهل بدر فَقَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُم؛ فَإِنِّي قد غفرت لكم)). وَقَالَ الله تَعَالَى فِي أهل الْحُدَيْبِيَة: {لقد رَضِي الله عَن الْمُؤمنِينَ إِذْ يُبَايعُونَك تَحت الشَّجَرَة} [الْفَتْح: 18]
كشف المشكل من حديث الصحيحين (3/ 97)
قال النووي:
قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ الْغُفْرَانُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِلَّا فَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَدٌّ أَوْ غَيْرُهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ وَأَقَامَهُ عُمَرُ عَلَى بَعْضِهِمْ قَالَ وَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْطَحًا الْحَدَّ وَكَانَ بَدْرِيًّا.
فِيهِ فَضِيلَةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَفَضِيلَةُ حَاطِبٍ لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ وَفِيهِ أَنَّ لفظة الكذب هي الاخبار عن الشئ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا سَوَاءٌ كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ وَخَصَّتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ بِالْعَمْدِ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وسبقت المسئلةفي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُسْتَعْمَلُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْمَاضِي بخلاف مَا هُوَ مُسْتَقْبَلٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ والله اعلم
شرح النووي على مسلم (16/ 56)
قال ابن حجر:
وأخرج سمويه في فوائده من طريق عبد الرحمن بن حاطب قال وكان حاطب من أهل اليمن حليفا للزبير فذكر القصة وفيها أن المكان على قريب من اثني عشر ميلا من المدينة.
والظعينة بظاء معجمة وزن عظيمة فعيلة بمعنى فاعلة من الظعن وهو الرحيل وقيل سميت ظعينة لأنها تركب الظعين التي تظعن براكبها وقال الخطابي سميت ظعينة لأنها تظعن مع زوجها ولا يقال لها ظعينة إلا إذا كانت في الهودج وقيل إنه اسم الهودج سميت المرأة لركوبها فيه ثم توسعوا فأطلقوه على المرأة ولو لم تكن في هودج.
وقد اختلف هل كانت مسلمة أو على دين قومها فالأكثر على الثاني فقد عدت فيمن أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمهم يوم الفتح لأنها كانت تغني بهجائه وهجاء أصحابه
وفي هذا الحديث من الفوائد غير ما تقدم أن المؤمن ولو بلغ بالصلاح أن يقطع له بالجنة لا يعصم من الوقوع في الذنب لأن حاطبا دخل فيمن أوجب الله لهم الجنة ووقع منه ما وقع
وفيه تعقب على من تأول أن المراد بقوله اعملوا ما شئتم أنهم حفظوا من الوقوع في شيء من الذنوب
وفيه الرد على من كفر المسلم بارتكاب الذنب وعلى من جزم بتخليده في النار وعلى من قطع بأنه لا بد وأن يعذب
وفيه هتك ستر الجاسوس …
وفيه العفو عن زلة ذوي الهيئة وأجاب الطبري عن قصة حاطب واحتجاج من احتج بأنه إنما صفح عنه لما أطلعه الله عليه من صدقه في اعتذاره فلا يكون غيره كذلك قال القرطبي وهو ظن خطأ لأن أحكام الله في عباده إنما تجري على ما ظهر منهم وقد أخبر الله تعالى نبيه عن المنافقين الذين كانوا بحضرته ولم يبح له قتلهم مع ذلك لإظهارهم الإسلام وكذلك الحكم في كل من أظهر الإسلام تجري عليه أحكام الإسلام
وفيه من أعلام النبوة إطلاع الله نبيه على قصة حاطب مع المرأة كما تقدم بيانه من الروايات في ذلك
وفيه إشارة الكبير على الإمام بما يظهر له من الرأي العائد نفعه على المسلمين ويتخير الإمام في ذلك
وفيه جواز العفو عن العاصي
وفيه أن العاصي لا حرمة له وقد أجمعوا على أن الأجنبية يحرم النظر إليها مؤمنة كانت أو كافرة ولولا أنها لعصيانها سقطت حرمتها ما هددها علي بتجريدها قاله بن بطال
وفيه جواز غفران جميع الذنوب الجائزة الوقوع عمن شاء الله خلافا لمن أبى ذلك من أهل البدع وقد استشكلت إقامة الحد على مسطح بقذف عائشة رضي الله عنها كما تقدم مع أنه من أهل بدر فلم يسامح بما ارتكبه من الكبيرة وسومح حاطب وعلل بكونه من أهل بدر والجواب ما تقدم في باب فضل من شهد بدرا أن محل العفو عن البدري في الأمور التي لا حد فيها
وفيه جواز غفران ما تأخر من الذنوب ويدل على ذلك الدعاء به في عدة أخبار وقد جمعت جزءا في الأحاديث الواردة في بيان الأعمال الموعود لعاملها بغفران ما تقدم وما تأخر سميته الخصال المكفرة للذنوب المقدمة والمؤخرة وفيها عدة أحاديث بأسانيد جياد
وفيه تأدب عمر وأنه لا ينبغي إقامة الحد والتأديب بحضرة الإمام إلا بعد استئذانه
وفيه منقبة لعمر ولأهل بدر كلهم
وفيه البكاء عند السرور ويحتمل أن يكون عمر بكى حينئذ لما لحقه من الخشوع والندم على ما قاله في حق حاطب.
فتح الباري لابن حجر (12/ 306)
قال الراجحي:
وفي هذا الحديث: أن المانع من قتل حاطب رضي الله عنه صدقُهُ مع النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك كان المانع شهوده بدرًا.
وفيه: أن من رمى أحدًا بالكفر والنفاق متأوِّلًا لا يلحقه الوعيد …
وفيه: أن ما فعله حاطب رضي الله عنه كبيرة من كبائر الذنوب.
وفيه: أن أهل بدر غير معصومين لا من الكبائر ولا من غيرها، ولكنهم موفَّقون إما للتوبة، أو لإقامة الحد، أو يعفو الله عنهم في الآخرة؛ ولهذا أقام النبي صلى الله عليه وسلم الحد على مسطح وحسان وحمنة رضي الله عنهم.
وفيه: أن التجسس على المسلمين كبيرة من كبائر الذنوب وليس كفرًا؛ لأن الله خاطبهم بقوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء}
وفيه: أن من رضي بالكفر فهو كافر.
وفيه: أن من عادى المسلمين ورضي عن الكفار فإنه يكفر إلا إذا كان متأولًا.
وفيه: ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، فإذا وجدت مفسدتان لا يمكن درؤهما بل لا بد من فعل واحدة منها فإنه يرتكب المفسدة الصغرى لدفع الكبرى، كما أنه إذا وجدت مصلحتان لا يمكن فعلهما معًا، فإنه يتعين فعل المصلحة الكبرى وإن فاتت الصغرى
توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (7/ 201)