: 221 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
———‘——–‘——–
مسند أحمد: 11185 – حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي عِيَاضُ بْنُ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُعْجِبُهُ الْعَرَاجِينُ أَنْ يُمْسِكَهَا بِيَدِهِ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ ذَاتَ يَوْمٍ وَفِي يَدِهِ وَاحِدٌ مِنْهَا، فَرَأَى نُخَامَاتٍ فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ، فَحَتَّهُنَّ بِهِ حَتَّى أَنْقَاهُنَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ مُغْضَبًا، فَقَالَ: ” أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَسْتَقْبِلَهُ رَجُلٌ فَيَبْصُقَ
فِي وَجْهِهِ، إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا يَسْتَقْبِلُ رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمَلَكُ عَنْ يَمِينِهِ، فَلَا يَبْصُقْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَا عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى أَوْ عَنْ يَسَارِهِ، فَإِنْ عَجِلَتْ بِهِ بَادِرَةٌ فَلْيَقُلْ هَكَذَا ” وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ وَتَفَلَ يَحْيَى فِي ثَوْبِهِ وَدَلَكَهُ.
إسناده قوي، ابن عجلان: هو محمد، صدوق قوي، أخرج له مسلم متابعة والبخاري تعليقاً، وبقية رجال الإسناد ثقات رجال الشيخين. يحيى: هو ابن سعيد القطان، وعياض بن عبد الله: هو ابن سعد بن أبي سرْح.
وأخرجه أبو يعلى (993)، وابن خزيمة (880)، وابن حبان (2270)، والحاكم 1/ 257 من طريق يحيي، بهذا الإسناد.
وقال الحاكم: هذا حديث صحيح مفسر في هذا الباب على شرط مسلم، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. قلنا: ابن عجلان أخرج له مسلم متابعة.
وأخرجه الحميدي (729)، وابن أبي شيبة 2/ 363، وأبو داود (480)، وابن حبان (2271) من طرق عن ابن عجلان، به.
وأخرجه أبو يعلى (1081)، وابن خزيمة (926) من طريق أبي نضرة، عن أبي سعيد، به.
قلت – أبو هاجر -:
قال الشيخ مقبل -رحمه الله-: ” روجع في العصر
وجدنا أن يحيى بن سعيد كما في “ميزان الإعتدال” يقول: ان في روايته اضطرابا , والذي يظهر أنها لا تنزل عن الحسن كغيره , إلا أن يعرف أنه مما اضطرب ,لأن يحيى بن سعيد القطان يعتبر من المتشددين.
الجواب (سيف): على الشرط
قال محقق سنن أبي داود طبعة الرسالة، إسناده قوي، أخرجه البخاري 414 ومسلم 548 من طريق حميد بن عبد الرحمن عن أبي سعيد.
قلت (سيف) لفظ مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في قبلة المسجد، فحكها بحصاة، ثم نهى أن يبزق الرجل عن يمينه أو أمامه، ولكن يبزق عن يساره أو تحت قدمه اليسرى.
وأخرجه البخاري 408 – 411، ومسلم 548 من طريق حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة وأبي سعيد
وورد كذلك عن غيرهما من الصحابة بمعناه
وورد من حديث جابر الطويل بنحوه في مسلم 3006
——-‘——”——–‘
النخامة:
1 – وهذا الحديث دال على كراهة أن يبصق المصلي في قبلة التي يصلي إليها، سواء كان في مسجد، أو لا، فإن كان مسجد تأكدت الكراهة بأن البزاق في المسجد خطيئة، كما يأتي الحديث بذلك في بابه، فإن كان في قبلة المسجد كان اشد كراهة.
2 – يدل على قرب الله تعالى من المصلي في حال صلاته، وقد تكاثرت النصوص بذلك، قال تعالى: {وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ} [العلق:19]. وفي ((صحيح مسلم))، عن أبي هريرة، عن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، قال: ((أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء)).
3 – ولم يكن أصحاب النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – يفهمون من هذه النصوص غير المعنى الصحيح المراد بها، يستفيدون بذلك معرفة عظمة الله وجلاله، وإطلاعه على عباده وإحاطته بهم، وقربه من عابديه، وإجابته لدعائهم، فيزدادون به خشية لله وتعظيما وإجلالا ومهابة ومراقبة واستحياء، ويعبدونه كأنهم يرونه.
ثم حدث بعدهم من قل ورعه، وساء فهمه وقصده، وضعفت عظمة الله وهيبته في صدره، وأراد أن يري الناس امتيازه عليهم بدقة الفهم وقوة النظر، فزعم أن هذه النصوص تدل على أن الله بذاته في كل مكان، كما يحكى ذلك عن طوائف من الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم، تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا، وهذا شيء ما خطر لمن كان قبلهم من الصحابة – رضي الله عنهم -، وهؤلاء ممن يتبع ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وقد حذر النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – أمته منهم في حديث عائشة الصحيح المتفق عليه.
4 – [ويدل على] طهارة المخاط والنخامة والبصاق؛ فإنه لو كان نجسا لوجب غسله من حائط المسجد، ولم يكتف بمسحه بالحصى.
5 – كما أن النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حك النخامة اليابسة بحصاة من حصى المسجد، فكذلك ما يصيب الأرجل من اليابسات المستقذرة لا تصان المساجد عنه، بل يدخل الحافي، ويصلي بها في المساجد، وكذلك المتنعل يصلي في نعليه – كما تقدم -، وقد يكون فيهما طين أو غير ذلك من الأعيان المستقذرة، ولا تستحب صيانة المساجد عن ذلك.
6 – ودل هذا الحديث – مع غيره من الأحاديث المتقدمة -: على أن المصلي يبزق عن شماله أو تحت قدمه اليسرى.
7 – وهذا يستدل به على أن البصاق على الأرض حيث أمكن فهو أولى من البصاق في الثوب؛ لأنه لم يأمر به إلا عند تعذر البصاق عن يساره، وليس المراد أنه لا يجوز فعله إلا عند تعذر البصاق على الأرض، بل المراد أنه لا حاجة إلى تلويث ثوبه بالبصاق مع القدرة على الاستغناء عنه.
[هل جاءت الرخصة للمصلي ان يبصق خلفه؟]
وبوب عليه النسائي: ((الرخصة للمصلي أن يبزق خلفه أو تلقاء شماله)).
وقد أنكر الإمام أحمد هذه اللفظة في هذا الحديث، وهي قوله: ((خلفك))، وقال: لم يقل ذَلِكَ وكيع ولا عبد الرزاق.
قالَ الدارقطني: هي وهم من يحيى بن سعيد، ولم يذكرها جماعة من الحفاظ من أصحاب سفيان، وكذلك رواه أصحاب منصور عنه، لم يقل أحد منهم: ((ابزق خلفك)). ” فتح الباري” (2/ 345). بتصرف
[المنع داخل الصلاة و خارجها]
وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها، سواء كان في المسجد أو غيره، وقد أفاده حديث ” أنس ” في حق المصلي، إلا أن غيره من الأحاديث قد أفادت تحريم البصاق إلى القبلة مطلقا في المسجد وفي غيره، وعلى المصلي وغيره؛ ففي صحيح ابن خزيمة وابن حبان من حديث ” حذيفة ” مرفوعا؛ «من تفل تجاه القبلة جاء يوم القيامة وتفلته بين عينيه» ولابن خزيمة من حديث ” ابن عمر ” مرفوعا: «يبعث صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه» ….
«وقد أرشد – صلى الله عليه وسلم – إلى أي جهة يبصق فقال: عن شماله تحت قدمه»، فبين الجهة أنها جهة الشمال، والمحل أنه تحت القدم؛ وورد في حديث ” أنس ” عند أحمد ومسلم بعد قوله: ولكن عن يساره أو تحت قدمه زيادة: «ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ورد بعضه على بعض فقال: أو يفعل هكذا» وقوله: أو تحت قدمه خاص بمن ليس في المسجد، وأما إذا كان فيه ففي ثوبه لحديث: «البصاق في المسجد خطيئة» إلا أنه قد يقال: المراد البصاق إلى جهة القبلة أو جهة اليمين خطيئة لا تحت القدم، أو عن شماله؛ لأنه قد أذن فيه الشارع ولا يأذن في خطيئة. هذا وقد سمعت أنه علل – صلى الله عليه وسلم – النهي عن البصاق على اليمين بأن عن يمينه ملكا، فأورد سؤال وهو أن على الشمال أيضا ملكا وهو كاتب السيئات وأجيب بأنه اختص بذلك ملك اليمين تخصيصا له وتشريفا وإكراما، وأجاب بعض المتأخرين: بأن الصلاة أم الحسنات البدنية فلا دخل لكاتب السيئات فيها؛ واستشهد لذلك بما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث ” حذيفة ” موقوفا في هذا الحديث: «ولا عن يمينه فإن عن يمينه كاتب الحسنات» وفي الطبراني من حديث ” أمامة ” في هذا الحديث: «فإنه يقوم بين يدي الله وملك عن يمينه وقرينه عن يساره»
وإذا ثبت هذا فالتفل يقع على القرين وهو الشيطان، ولعل ملك اليسار حينئذ، بحيث لا يصيبه شيء من ذلك، أو أنه يتحول في الصلاة إلى جهة اليمين. ” سبل السلام ” للصنعاني بتصرف
[هل يجوز البصاق في المسجد]
قال ابن حجر: وحاصل النزاع أن هنا عمومين تعارضا وهما قوله البزاق في المسجد خطيئة وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فالنووي يجعل الأول عاما ويخص الثاني بما إذا لم يكن في المسجد والقاضي بخلافه يجعل الثاني عاما ويخص الأول بمن لم يرد دفنها وقد وافق القاضي جماعة منهم بن مكي في التنقيب والقرطبي في المفهم وغيرهما ويشهد لهم ما رواه أحمد بإسناد حسن من حديث سعد بن أبي وقاص مرفوعا قال من تنخم في المسجد فليغيب نخامته أن تصيب جلد مؤمن أو ثوبه فتؤذيه وأوضح منه في المقصود ما رواه أحمد أيضا والطبراني بإسناد حسن من حديث أبي أمامة مرفوعا قال من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وأن دفنه فحسنة فلم يجعله سيئة الا بقيد عدم الدفن ونحوه حديث أبي ذر عند مسلم مرفوعا قال ووجدت في مساوي أعمال أمتي النخاعة تكون في المسجد لا تدفن قال القرطبي فلم يثبت لها حكم السيئة لمجرد إيقاعها في المسجد بل به وبتركها غير مدفونة انتهى وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها ثم قال الحمد لله الذي لم يكتب على خطيئة الليلة فدل على إن الخطيئة تختص بمن تركها لا بمن دفنها وعلة النهي ترشد إليه وهي تأذي المؤمن بها ومما يدل على إن عمومه مخصوص جواز ذلك في الثوب ولو كان في المسجد بلا خلاف وعند أبي داود من حديث عبد الله بن الشخير أنه صلى مع النبي صلى الله عليه و سلم فبصق تحت قدمه اليسرى ثم دلكه بنعله إسناده صحيح وأصله في مسلم والظاهر إن ذلك كان في المسجد فيؤيد ما تقدم وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان له عذر كأن لم يتمكن من الخروج من المسجد والمنع على ما إذا لم يكن له عذر وهو تفصيل حسن والله اعلم وينبغي أن يفصل أيضا بين من بدأ بمعالجة الدفن قبل الفعل كمن حفر أولا ثم بصق وأورى وبين من بصق أولا بنية أن يدفن مثلا فيجري فيه الخلاف
بخلاف الذي قبله لأنه إذا كان المكفر أثم إبرازها هو دفنها فكيف يأثم من دفنها ابتداء وقال النووي
قوله كفارتها دفنها قال الجمهور يدفنها في تراب المسجد أو رمله أو حصبائه وحكى الروياني أن المراد بدفنها إخراجها من المسجد أصلا قلت الذي قاله الروياني يجري على ما يقول النووي من المنع مطلقا وقد عرف ما فيه تنبيه قوله في المسجد ظرف للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه حتى لو بصق من هو خارج المسجد فيه تناوله النهي والله أعلم. ” الفتح ” (1/ 511 – 512)
قال العباد: ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أرشد في البزاق إلى مواراته ودفنه؛ وذلك حتى لا تقع إليه الأنظار وحتى لا تشمئز منه النفوس؛ لكونه شيئاً مستقذراً تنفر منه الطباع إذا رأته، فإن كون الإنسان يتخلص من مغبة ذلك بأن يواريه وأن يدفنه في تراب المسجد وهذا فيما إذا كان المسجد ترابياً أو فيه حصباء، أما إذا كان مفروشاً أو مبلطاً فإن الوسخ يظهر عليه سواء كان رطباً أو يابساً، ولا يمكن مواراته. وعلى كُلٍّ فعلى الإنسان في جميع الأحوال أن ينزه المسجد من هذه الأوساخ، ولا يأتي بشيء يسيء فيه إلى المصلين وإلى من في المسجد، بحيث تقع أبصارهم على شيء تشمئز منه نفوسهم وتنفر منه طباعهم، وإنما على الإنسان أن يبصق في ثوبه إذا كان مضطراً إلى ذلك، أو يبصق في التراب إذا كان المسجد ترابياً ثم يواريه، أو يبصق عن يساره ويدلكه برجله أو بنعله حتى لا يبقى له أثر. [شرح سنن ابي داود]
[اثبات صفة قرب الله]
قال شيخ الإسلام في العقيدة الحموية وكذلك قوله صلى الله عليه و سلم: إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الله قبل وجهه فلا يبصقن قبل وجهه. الحديث حق على ظاهره وهو سبحانه فوق العرش وهو قبل وجه المصلي بل هذا الوصف يثبت للمخلوق فإن الإنسان لو أنه يناجي السماء أو يناجي الشمس والقمر لكانت السماء والشمس والقمر فوقه وكانت أيضا قبل وجهه اه.
قال ابن رجب في الفتح: وهذا كله يدل على أن قرب الله من خلقه شامل لهم، وقربه من أهل طاعته فيه مزيد خصوصية، كما أن معيته مع عباده عامة حتى ممن عصاه؛ قالَ تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء:108]، ومعيته مع أهل طاعته خاصة لهم، فهوَ سبحانه مع الذين اتقوا ومع الذين هم محسنون. وقال لموسى وهارون: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه:46] وقال موسى: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62] وقال في حق محمد وصاحبه
{إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40].
ولهذا قال النبي – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – لأبي بكر في الغار: ((ما ظنك بأثنين الله ثالثهما)).
فهذه معية خاصة غير قوله: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:7] الآية، فالمعية العامة تقتضي التحذير من علمه وإطلاعه وقدرته وبطشه وانتقامه. والمعية الخاصة تقتضي حسن الظن بإجابته ورضاه وحفظه وصيانته، فكذلك القرب.
وليس هذا القرب كقرب الخلق المعهود منهم، كما ظنه من ظنه من أهل
الضلال، وإنما هو قرب ليس يشبه قرب المخلوقين، كما أن الموصوف به {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:11].
وهكذا القول في أحاديث النزول إلى سماء الدنيا فإنه من نوع قرب الرب من داعيه وسائليه ومستغفريه.
وقد سئل عنه حماد بن زيد فقال: هو في مكانه يقرب من خلقه كما يشاء.
ومراده أن نزوله ليس هو انتقال من مكان إلى مكان كنزول المخلوقين.
وقال حنبل: سألت أبا عبد الله: ينزل الله إلى سماء الدنيا؟ قالَ: نعم. قلت: نزوله بعلمه أو بماذا؟ قال: اسكت عن هذا، مالك ولهذا؟ أمض الحديث على ما روي بلا كيف ولا حد، إلا بما جاءت به الآثار، وجاء به الكتاب، قال الله: {فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ} [النحل:74] ينزل كيف يشاء، بعلمه وقدرته وعظمته، أحاط بكل شيء علما، لا يبلغ قدره واصف، ولا ينأى عنه هرب هارب، عز وجل.
ومراده: أن نزوله تعالى ليس كنزول المخلوقين، بل هو نزول يليق بقدرته وعظمته وعلمه المحيط بكل شيء، والمخلوقون لا يحيطون به علما، وإنما ينتهون إلى ما أخبرهم به عن نفسه، أو أخبر به عنه رسوله.
فلهذا اتفق السلف الصالح على إمرار هذه النصوص كما جاءت من غير زيادة ولا نقص، وما أشكل فهمه منها، وقصر العقل عن إدراكه وكل إلى عالمه.