221 جامع الأجوبة الفقهية ص 261
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام:
84 – وعن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء وعنزة، فيستنجي بالماء. متفق عليه.
المسائل والأحكام المستفادة من الحديث
– تخريج الحديث:
أخرجه: أخرجه: البخاري (1/ 50) (152)، ومسلم (1/ 156) (271) (70)، والطيالسي (2134)، وأحمد (3/ 171)، وأبو داود (43)، والنسائي (1/ 42)، وابن خزيمة (87)، وابن حبان (1442)، والبيهقي (1/ 150)، والبغوي (195).
* أما نسبة عبارة الإستنجاء في حديث أنس المتقدم إلى غيره للوصول إلى عدم إثبات استنجاء النبي صلى الله عليه وسلم بالماء. فهو مردود عليه بما يلي:
أولًا: ترجيم البخاري لحديث أنس السابق بعبارة «الإستنجاء بالماء» والإمام البخاري فقيه ومحدث. وباختياره تصدير الباب بهذه الترجمة: إثبات الإستنجاء بالماء من النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق إثبات اتصال الحديث.
ثانيًا: ما رد به الحافظ بن حجر على هذه الدعوى؛ من أن عقبة رواه من طريق محمد بن جعفر عن شعبة فقال:» يستنجي بالماء «وكذلك الإسماعيلي؛ من طريق ابن مرزوق عن شعبة:» فأنطلق أنا وغلام من الأنصار معنا إداوة فيها ماء يستنجي منها صلى الله عليه وسلم «كما رواه البخاري عن طريق روح بن القاسم عن عطاء بن أبي ميمونة:» إذا تبرر لحاجته أتيته بماء فتغسل به «ولمسلم من طريق خالد الحذاء عن عطاء عن أنس:» فخرج علينا وقد استنجى بالماء «وبهذا يثبت أن العبارة من قول أنس. وعليه فيكون الحديث صالحًا للإستدلال به على ثبوت الإستنجاء بالماء
– تعريف المفردات:
العنزة: حربة صغيرة، يعني عصا لها حربة, تركز أمام المصلي, سترة كان يستعملها في السفر – صلى الله عليه وسلم -، إذا أراد أن يصلي ركزت أمامه سترة له. انظر: الإفهام في شرح عمدة الأحكام (ص: 87)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح المختصر على بلوغ المرام (2/ 117):
“اداوة من ماء وهي وعاء من جلد يجعل فيه الماء كالدلو واما العنزة فهي رمح قصير في طرفه حديدة مدبوبة الرأس يركزها النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا أراد أن يصلي حتى تكون سترة له ويركزها أيضا إذا أراد قضاء الحاجة من اجل أن يستتر بالثوب الذي يضعه عليها”. انتهى
– فقه الحديث:
جاء في الحديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستنجي بالماء، وهذا ما ذهب إليه جماهير أهل العلم من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم، واستدلوا لقولهم بحديث الباب وبالأحاديث التالية:
الأول: عن أبي هريرة قال: كان النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا دخل الخلاء دعا بماء، فاستنجى، ثم مسح بيده على الأرض ثم توضأ. رواه أحمد المسند (2/ 454).
الثاني: عن عائشة قالت: مرن أزواجكن يغسلوا عنهم أثر الخلاء والبول، فإنا نستحيي أن ننهاهم عن ذلك، وإن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يفعله. رواه أحمد المسند (6/ 95،120)
الثالث: عن عائشة، قالت: ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج من غائط قط إلا مس ماء. سنن ابن ماجه (354).
الرابع: عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا: «نزلت هذه الآية في أهل قباء {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} (سورة التوبة، الآية: 108). قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية»
حسن لشواهده: أخرجه أبو داود (44)، والترمذي (3100)، وابن ماجه (357) بسند ضعيف وله شواهد يتقوى بها، انظر الإرواء (45).
* الخامس: ما رواه ابن ماجه (354)، قال: حدثنا هناد بن السري، ثنا
أبو الأحوص، عن منصور، عن إبراهيم، عن الأسود، عن عائشة، قالت: ما رأيت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خرج من غائط قط إلا مس ماء.
ومن طريق أبي الأحوص أخرجه ابن حبان في صحيحه ((1441))
* السادس: ويستدل لثبوته أيضًا بما جاء في الموطأ عن عثمان بن عبد الرحمن أن أباه حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ بالماء لما تحت إزاره أي أنه سمع قول من قال إن عمر بن الخطاب يفعل ذلك.
الخامس: الإجماع
* ابن عبد البر ((463) هـ) حيث يقول: «وأيُّ الأمرين كان، فإن الفقهاء اليوم مجمعون على أن الاستنجاء بالماء أطهر وأطيب، وأن الأحجار رخصة وتوسعة، وأن الاستنجاء بها جائز في السفر والحضر» الاستذكار 1/ 214
قال ابن حزم في المحلى (1/ 392): “قال الله تعالى: {فيه رجال يحبون أن يتطهروا} [التوبة: 108] فجاء النص والإجماع بأنه غسل الفرج والدبر بالماء”.
قال العيني في البناية (1/ 249): حيث يقول معددا سنن الوضوء، وذكر منها: “والاستنجاء بالماء، وهو كان أدبا في عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- وصار سنة بعد عصره بإجماع الصحابة كالتراويح”.
– وقد روي انكار الاستنجاء عن بعض الصحابة والتابعين منهم: حذيفة ابن اليمان، وابن عمر، وابن الزبير، وسعيد بن المسيب، ومالك.
قال ابن المنذر في الأوسط (1/ 346): “وممن روي عنه أنه أنكر الاستنجاء بالماء حذيفة، وسعد بن مالك، وابن الزبير”. انتهى
وقد جاءت الاثار عنهم بذلك:
روى ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 142): حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن همام، عن حذيفة، قال: سئل عن الاستنجاء بالماء؟ فقال: إذا لا تزال في يدي نتن.
وروى ابن أبي شيبة (1/ 143) حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن جعفر، عن نافع، قال: كان ابن عمر لا يستنجي بالماء.
وروى ابن أبي شيبة (1/ 142)، قال: حدثنا جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قال: كان الأسود وعبد الرحمن بن يزيد يدخلان الخلاء، فيستنجيان بأحجار، ولا يزيدان عليها، ولا يسمان ماء.
وروى ابن أبي شيبة أيضا (1/ 142): حدثنا وكيع، عن مسعر، عن عبيد الله ببن القطبية، عن ابن الزبير أنه رأى رجلا يغسل عنه أثر الغائط، فقال: ما كنا نفعله.
جاء في المنتقى للباجي (1/ 46): كان سعيد بن المسيب وغيره من السلف يكرهون ذلك، ويقول ابن المسيب: إنما ذلك وضوء النساء. اهـ
وقال ابن حجر في الفتح (ح 150) تعليقا على ترجمة البخاري (باب الاستنجاء بالماء): روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه سئل عن الاستنجاء بالماء، فقال: إذا لا يزال في يدي نتن. وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء، وعن ابن الزبير: ما كنا نفعله. ونقل ابن التين عن مالك أنه أنكر أن يكون النبي – صلى الله عليه وسلم – استنجى بالماء. وعن ابن حبيب من المالكية أنه منع الاستنجاء بالماء؛ لأنه مطعوم. انتهى
قال الحطاب المالكي في مواهب الجليل (1/ 283) بعد أن نقل قول لمالك وابن حبيب أنهما أنكرا كون النبي -صلى الله عليه وسلم- استنجى بالماء: “قلت: وهذان النقلان غريبان، والمنقول عن ابن حبيب، أنه منع الاستجمار مع وجود الماء، بل لا أعرفهما في المذهب”. انتهى
– وقد استدل من منع الاستنجاء بالماء بأدلة منها:
أولا: قالوا: إن الماء مطعوم، فيجب تكريمه، والاستنجاء به إهانة له.
واجيب: بأنه كما ثبت في تطهير دم الحيض بالماء، وهو في الصحيحين، وبول الأعرابي بالماء، وهو في الصحيحين كذلك، فدل على أن ذلك لا يعتبر امتهانا للماء، وقد أنزل الله الماء مطهرا {وأنزلنا من السماء ماء طهورا}، فامتن الله علينا بكونه مطهرا لنا من النجاسات والأحداث، والماء النازل من السماء ماء عذب، فهذا تعليل في مقابل النص، فيطرح.
وثانيا: أن في الاستنجاء بالماء تلفا للمال.
واجيب: بأن إتلافه في مقابل منفعة، وليس بدون مقابل، وبذل المال في مقابل أمر واجب، وهو طهارة المحل، لا يعتبر إتلافا.
وثالثا: أنه يبقى في اليد نتن بعد الاستنجاء.
واجيب: بأنه من الممكن علاجها بتنظيف اليد بعده بالصابون ونحوه، وغاية ما فيه تفضيل الحجارة على الماء، مع أن الماء أبلغ في التطهير.
* وربما يكون مقصود حذيفة في قوله: لا يزال في يدي نتن؛ استعمال الحجارة أولا ثم لا بأس من الماء
ومع التنظيف الشديد بالماء أو وجود المنظفات فيزول هذا الإشكال.
* الجواب عن أثر سعيد بن المسيب:
وقال النووي: «محمول على أن الإستنجاء بالماء لا يجب أو أن الأحجار عنده أفضل».
وقيل: ربما سعيد اتبع مذهب المهاجرين فهم كانوا يقتصرون في استنجائهم على الأحجار وقد قال ابن عبد البر في الإستذكار: «الإقتصار على الأحجار مذهب معروف عن المهاجرين بخلاف الأنصار فإنهم كانوا يجمعون بين الماء والحجارة».
وربما كان سعيد لم يصله خبر عن استنجاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالماء فاتبع مذهب المهاجرين بدليل ما جاء عند أبي شيبة عن سعيد بن المسيب لما ذكر له الإستنجاء بالماء قال: أنتم فعلتم ذلك؛ هم كانوا يجتزون بالحجارة «[(108)].
– قال الشيخ ابن عثيمين الشرح المختصر على بلوغ المرام (2/ 117): ففي هذا الحديث دليل على جواز الاستنجاء بالماء من البول أو الغائط وانه كاف وإن لم يستجمر بالأحجار أو يتمندل بالمنديل ولعل قائلا يقول كيف يستنجي بالماء فيلوث يده بالنجاسة؟ فنقول هو يلوث يده بالنجاسة من اجل إزالة النجاسة والتلوث بها من اجل إزالتها لا يعد قبحا ولا مخالفا للمروءة. انتهى
– جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (4/ 118): “يستحب باتفاق المذاهب الأربعة الاستنجاء بالماء. وقد ورد عن بعض الصحابة والتابعين إنكار الاستنجاء به، ولعل ذلك لأنه مطعوم … وقد حمل المالكية ما ورد عن السلف من إنكار استعمال الماء بأنه في حق من أوجب استعمال الماء. وحمل صاحب كفاية الطالب ما ورد عن سعيد بن المسيب من قوله: وهل يفعل ذلك إلا النساء؟ على أنه من واجبهن. انتهى
– قال الشوكاني في نيل الأوطار (1/ 121): والحديث يدل على ثبوت الاستنجاء بالماء وقد أنكره مالك وأنكر أن يكون النبي صلى الله عليه و سلم استنجى بالماء. وقد روى ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عن حذيفة بن اليمان أنه سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إذا لا يزال في يدي نتن وعن نافع أن ابن عمر كان لا يستنجي بالماء. وعن ابن الزبير قال: ما كنا نفعله، وذكر ابن دقيق العيد أن سعيد بن المسيب سئل عن الاستنجاء بالماء فقال: إنما ذلك وضوء النساء. قال: وعن غيره من السلف ما يشعر بذلك، والسنة دلت على الاستنجاء بالماء في هذا الحديث وغيره فهي أولى بالإتباع قال: ولعل سعيدا رحمه الله فهم من أحد غلوا في هذا الباب بحيث يمنع الاستنجاء بالأحجار فقصد في مقابلته أن يذكر هذا اللفظ لإزالة ذلك الغلو وبالغ بإيراده إياه على هذه الصيغة. انتهى
* وفي جامع علوم الإمام أحمد:
(53) – ما جاء في الاستنجاء بالماء
فيه حديثان:
الأول: حديث عائشة رضي الله عنها: مرن أزواجكن يغسلوا عنهم أثر الخلاء والبول.
قال الإمام أحمد: لم يصح في الاستنجاء بالماء حديث.
قيل له: فحديث عائشة قال: لا يصح؛ لأن غير قتادة لا يرفعه.
وقال مرة: الاستطابة أثبت من الماء.
الثاني: حديث ابن عمر – رضي الله عنه – موقوفًا: أنه كان يغسل ذكره
قال الإمام أحمد: هو مرسل، أراه بينهما -إسماعيل بن أمية.
ورجح أبو رزعة كما في العلل لابن أبي حاتم ((1) / (42)) رواية قتادة المرفوعة.
وقال البيهقي ((1) / (106)) ورواه أبو قلابة وغيره، عن معاذة العدوية، فلم يسنده إلى فعل النبي – صلى الله عليه وسلم -، وقتادة أحفظ.
قال محقق كتاب جامع علوم الإمام أحمد:
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (1) / (171): سمعت أبا زرعة يقول في حديث رواه سعيد، عن قتادة، عن معاذة، عن عائشة .. الحديث، وقلت: لأبي زرعة أن شعبة يروي عن يزيد الرشك، عن معاذة، عن عائشة موقوفًا، وأسنده قتادة فأيهما أصح؟ قال: حديث قتادة مرفوع أصح، وقتادة أحفظ، ويزيد الرشك ليس به بأس. وقال البيهقي في «السنن» (1) / (106) رواه أبو قلابة وغيره عن معاذة فلم يسنده إلى فعل النبي -صلى الله عليه وسلم-، وقتادة حافظ. قال البخاري في «التاريخ» (4) / (300): روى أبو قلابة ويزيد الرشك على الوقف ورفعه قتادة.
قال ابن قدامة في «المغني» (1) / (208) – (209)، قال أحمد إن جمعهما فهو أحب إليَّ لأن عائشة قالت: مرن أزواجكن أن يتبعوا الحجارة الماء من أثر الغائط والبول فإني استحييهم كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يفعله.
قلت: سبق في المقدمة منهج الإمام أحمد والعمل بالحديث الضعيف.
مسألة: قال الترمذي: وعليه العمل عند أهل العلم يختارون الاستنجاء بالماء
وإن كان الاستنجاء بالحجارة يجزئ عندهم، فإنهم استحبوا الاستنجاء بالماء ورأوه أفضل، وبه يقول الثوري وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق.
والله أعلم … انتهى كلام المحقق
* وفي تعليقة على العلل ابن ابي حاتم لابن عبدالهادي في حديث (92):
إنَّ اللَّهَ عزوجل قَدْ أحْسَنَ الثَّناءَ عَلَيْكُمْ فِي الطَّهُورِ: {فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أنْ يَتَطَهَّرُوا} [التوبة (108)]، وذَكَرَ الاسْتِنْجاءَ بِالماءِ.
ورَواهُ سَلَمَةُ بْنُ رَجاءٍ، عَنْ مالِكِ بْنِ مِغْوَلٍ، عَنْ سَيّارٍ، عَنْ شَهْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلامٍ، قالَ: قالَ أبِي: قَدِمَ عَلَيْنا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
ورَواهُ أبُو خالِدٍ الأحْمَرُ، عَنْ داوُدَ بْنِ أبِي هِنْدٍ عَنْ شَهْرٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُرْسَلا.
فَسَمِعْتُ أبا زُرْعَةَ يَقُولُ: الصَّحِيحُ عِنْدَنا – واللَّهُ أعْلَمَ – عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلّامٍ قَطْ، لَيْسَ فِيهِ: عَنْ أبِيهِ.