2201 ‘ 2202 تحضير سنن أبي داود
جمع أحمد بن علي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابٌ فِيمَا عُنِيَ بِهِ الطَّلَاقُ وَالنِّيَّاتُ
2201 – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوِ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»
[حكم الألباني]: صحيح
2202 – حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ السَّرْحِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، قَالَا: أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ، – وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ – قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ، فَسَاقَ قِصَّتَهُ فِي تَبُوكَ، قَالَ: حَتَّى ” إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ مِنَ الْخَمْسِينَ، إِذَا رَسُولُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْتِي، فَقَالَ: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأْمُرُكَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ»، قَالَ: فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ؟، قَالَ: «لَا، بَلِ اعْتَزِلْهَا فَلَا تَقْرَبَنَّهَا»، فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ
[حكم الألباني]: صحيح
——–
قال ابن رجب:
وهذا الحديثُ أحدُ الأحاديثِ التي يدُورُ الدِّين عليها، فرُويَ عنِ الشَّافعيِّ أنَّهُ قال: هذا الحديثُ ثلثُ العلمِ، ويدخُلُ في سبعينَ باباً مِنَ الفقه.
وعَنِ الإمام أحمدَ قال: أصولُ الإسلام على ثلاثة أحاديث: حديث عمرَ: «الأعمالُ بالنيات»، وحديثُ عائشة: «مَنْ أحدثَ في أمرِنا هذا ما ليس منهُ، فهو ردٌّ»، وحديثُ النُّعمانِ بنِ بشيرٍ: «الحلالُ بيِّنٌ، والحَرامُ بَيِّنٌ». …
وعن أبي داودَ، قال: نظرتُ في الحديثِ المُسنَدِ، فإذا هو أربعةُ آلافِ حديثٍ، ثمّ نظرتُ فإذا مدارُ الأربعة آلافِ حديث على أربعةِ أحاديث: حديث النُّعمان بنِ بشيرٍ: «الحلالُ بيِّن والحرامُ بيِّنٌ»، وحديث عُمَر: «إنّما الأعمالُ بالنِّيَّات»، وحديث أبي هريرة: «إنّ الله طيِّبٌ لا يقبلُ إلاّ طيِّباً، وإنَّ الله أمرَ المؤمنين بما أمرَ به المُرسلين» الحديث، وحديث: «مِنْ حُسنِ إسلامِ المرءِ تَركُهُ ما لا يعنيه». قال: فكلُّ حديثٍ مِنْ هذه ربعُ العلمِ …..
——
ومن عظيم أمر النية أنه قد يبلغ العبد منازل الأبرار، ويكتب له ثواب أعمال عظيمة لم يعملها، وذلك بالنية، كما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لما رجع من غزوة تبوك: (إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا، ولا قطعتم واديا، إلا كانوا معكم، قالوا يا رسول الله: وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة، حبسهم العذر) رواه البخاري.
——
وكما تجري النية في العبادات فكذلك تجري في المباحات , فإن قصد العبد بكسبه وأعماله المباحة , الاستعانة بذلك على القيام بحق الله والواجبات الشرعية , واستصحب هذه النية الصالحة في أكله وشربه , ونومه وراحته , ومكسبه ومعاشة , أجر على تلك النية، ومن فاته ذلك فقد فاته خير كثير , يقول معاذ رضي الله عنه (إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي) , وفي الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنك لن تعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا أجرت عليه، حتى ما تجعله في في امرأتك)، وأما الحرام فلا يكون قربة بحال من الأحوال حتى لو ادعى الإنسان فيه حسن النية.
——
هذا الحديث هنا هو أن هذا اللفظ إذا أريد به الطلاق كان طلاقا بالنية. أما إذا قال الرجل لزوجته: الحقى بأهلك ولم يرد طلاقا فإنه لا يكون هذا القول طلاقا لما ثبت فى الصحيحين من حديث كعب بن مالك
[ما يفيده الحديث]
(1) – أن كلمة «الحقى بأهلك» قد تستعمل كناية عن الطلاق إذا أريد بها ذلك.
(2) – أن الألفاظ التى تحتمل الطلاق وغيره لا تكون طلاقا إلا بالنية.
فقه الإسلام = شرح بلوغ المرام (7) / (220)
قال العباد:
شرح حديث: (إنما الأعمال بالنيات)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب فيما عُني به الطلاق والنيات.
حدثنا محمد بن كثير أخبرنا سفيان حدثني يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة بن وقاص الليثي قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)].
قوله: [باب فيما عُني به الطلاق والنيات] يعني: أن المعتبر هو النية، وهذا عند كنايات الطلاق، وأما صريح الطلاق فإنه يعتبر لفظه، أي: إذا طلق بلفظ الطلاق فإنه يعتبر مطلقاً، وأما إذا كان بلفظ الكناية فإن هذا ينظر إلى نيته، إن كان يريد الطلاق فإنه يكون طلاقاً وإن كان لا يريد الطلاق فإنه لا يكون طلاقاً ما دام أنه محتمِل لهذا ولهذا، فالمعتبر النية.
والطلاق الصريح: مثل أن يقول الرجل لزوجته: (أنت طالق)، وأما الكناية فمثل قوله: (الحقي بأهلك) وما شابهها، وسيأتي في حديث كعب بن مالك أنه قال لامرأته: (الحقي بأهلك) وهو ليس طلاقاً؛ لأنه لم ينوِ ذلك.
وهذا حديث عمر رضي الله عنه المشهور الذي هو أول حديث افتتح به البخاري صحيحه، وهو: [(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)] وبعض أهل العلم تابع البخاري في ذلك فافتتحوا كتبهم الحديثية بهذا الحديث؛ لأنه يدل على أن كل شيء تابع للنية، وأنه مبني على النية، وأن المعتبر النيات.
قوله في الحديث: [(إنما الأعمال بالنيات، وإنما لامرئ ما نوى)] هذا هو محل الشاهد للترجمة، فإنه إذا قال لفظاً وكان محتمِلاً لأن يكون طلاقاً وأن يكون غير طلاق فالمعتبر نيته: إن كان أراد طلاقاً فيكون طلاقاً، وإن كان لم يرد ذلك فإنه لا يكون طلاقاً، والمعتبر نيته.
قوله: [(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله -يعني: نية وقصداً- فهجرته إلى الله ورسوله)] أجراً وثواباً؛ لأنه اتحد الشرط والجزاء، والفرق بينهما: أن الأول على اعتبار والثاني على اعتبار؛ لأن الشرط متفق مع الجزاء؛ ولكن هذا له حال وهذا له حال، ولا يقال: إنه شيء متكرر لا تترتب عليه ثمرة.
قوله: [(ومن كانت هجرته لدنيا)] أي: من أجل دنيا، والهجرة كانت من بلد الشرك من أجل الدنيا لا من أجل الله، فمن فعل ذلك لأجل الدنيا [(فهجرته إلى ما هاجر إليه)].
حديث: (إنما الأعمال بالنيات) من غرائب الصحيح
هذا الحديث فيه ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، واحد من كبارهم، والثاني من أوساطهم، والثالث من صغارهم، فـ علقمة بن وقاص الليثي من كبار التابعين، ومحمد بن إبراهيم التيمي من أوساط التابعين، ويحيى بن سعيد الأنصاري من صغار التابعين، فهؤلاء ثلاثة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، وقد جاء عن عمر من هذه الطريق إلى يحيى بن سعيد، وهو فرد، ثم إنه كثر الآخذون عن يحيى بن سعيد حتى قيل: إنهم بلغوا سبعين شخصاً، وأما من يحيى بن سعيد فما فوق فهو فرد وهو غريب، ولهذا فهو من غرائب الصحيح، أي: عندما يأتي الحديث من طريق واحد فقط يقال له: غريب؛ لأن الغريب هو ما جاء من طريق واحد، ومعلوم أن الغريب إذا كان من طريق واحد والذين جاءوا فيه يحتمَل تفردهم وكانوا ثقات فإنه معتبر وحجة، وأما إذا جاء الحديث من طريق واحد وفيهم من لا يحتمَل تفرده فإنه لا يُحتج به، وإما إذا كانوا ثقات فإن روايتهم معتبرة، وهذا الحديث الذي هو أول حديث في صحيح البخاري هو من هذا القبيل، وكذلك آخر حديث في صحيح البخاري الذي هو: (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن) هو أيضاً غريب من غرائب الصحيح، ففاتحة كتاب البخاري حديث غريب، وخاتمته حديث غريب؛ ولهذا لما روى الترمذي رحمه الله حديث: كلمتان حبيبتان قال: حديث حسن صحيح غريب، أي: لأنه جاء من طريق واحد.
شرح حديث: (فقلت لامرأتي الحقي بأهلك حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح وسليمان بن داود قالا: أخبرنا ابن وهب أخبرني يونس عن ابن شهاب أخبرني عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن كعب -وكان قائد كعب من بنيه حين عمي- قال: سمعت كعب بن مالك رضي الله عنه، فساق قصته في تبوك قال: (حتى إذا مضت أربعون من الخمسين إذا رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأمرك أن تعتزل امرأتك، قال: فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا.
بل اعتزلها فلا تقربنها، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر)].
أورد أبو داود حديث كعب بن مالك رضي الله عنه في قصة تخلفه في غزوة تبوك وتوبة الله عليه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم هجره خمسين ليلة، وأنه بعدما مضى أربعون يوماً أرسل إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه يأمره بأن يعتزل زوجته، ولما أبلغه الخبر قال: أطلقها أم ماذا؟ -يعني: هذا الاعتزال هل هو تطليق أو غير تطليق؟ – فقال: لا.
بل اعتزلها ولا تقربنها، فقلت لامرأتي: الحقي بأهلك حتى يقضي الله سبحانه في هذا الأمر.
ومحل الشاهد هو قوله: (الحقي بأهلك) لأن هذا من كنايات الطلاق، والمعتبر فيه النية، فإذا قال لزوجه: (الحقي بأهلك) إن كان يريد طلاقاً وقع طلاقاً، وإن كان لا يريد فإنه لا يقع، كما حصل لـ كعب بن مالك رضي الله عنه فإنه قال: الحقي بأهلك حتى يقضي الله في هذا الأمر، فالمعتبر هو النية في كنايات الطلاق.
[شرح سنن أبي داود للعباد 253/ 3 بترقيم الشاملة آليا]
قال الإتيوبي:
[مسألة]:
إذا قال الرجل لزوجته: “الحقي بأهلك”، ولا يريد طلاقها بذلك، فلا شيء عليه؛ لحديث كعب بن مالك – رضي اللَّه تعالى عنه – المذكور في الباب، وأما إذا قال لها ذلك، مريدًا به الطلاق، فقد اختلف فيه أهل العلم:
قال الإمام ابن المنذر -رحمه اللَّه تعالى-: اختلفوا في قوله: “الحقي بأهلك”، وشبهه من كنايات الطلاق، فقالت طائفة: يُنَوَّى في ذلك، فإن أراد طلاقًا كان طلاقًا، وإن لم يُرده لم يلزمه شيء. هذا قول الثوريّ، وأبي حنيفة، قالا: إذا نوى واحدةً، أو ثلاثًا، فهو ما نوى، وإن نوى ثنتين فهي واحدة. وقال مالك: إن أراد به الطلاق فهو ما نوى، واحدة، أو ثنتين، أو ثلاثًا، وإن لم يرد شيئًا، فليس بشيء. وقال الحسن، والشعبيّ: إذا قال: الحقي بأهلك، أو لا سبيل لي عليك، أو الطريق لك واسعٌ، إن نوى طلاقًا، فهي واحدة، وإلا فليس بشيء. ذكره العلامة العينيّ -رحمه اللَّه تعالى- في “عمدته”.
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: عندي أن ما قاله الإمام مالك -رحمه اللَّه تعالى- أقرب. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
[ذخيرة العقبى في شرح المجتبى 28/ 329]
مسألة [(1)]: هل يقع طلاق من نوى الطلاق بقلبه بدون أن يتلفظ به؟
دلَّ حديث الباب على عدم وقوع الطلاق، وهو قول عامة أهل العلم من التابعين، وأصحاب المذاهب وغيرهم.
• ونقل عن ابن سيرين أنه قال فيمن طلَّق في نفسه: أليس قد عَلِمَه الله، ثم توقف.
• وعن مالك رواية بوقوعه، وهو قول الزهري إذا جزم؛ لحديث: «إنما الأعمال بالنيات»؛ ولأنَّ الإنسان يأثم على أعمال القلوب، ويؤجر عليها.
وأُجيب عن الحديث بأنَّه حجة عليهم؛ لأنه أخبر فيه أن العمل مع النية هو المعتبر، لا النية وحدها، وأما الثواب والعقاب على أعمال القلوب؛ فحق، ولا تلازم بينها وبين الطلاق؛ لأنها طاعات، ومعاص قلبية بخلاف الطلاق. ((2))
مسألة [(2)]: ألفاظ الطلاق هل يُعتبر فيها النية؟
أما صريح الطلاق فيكون بلفظ (الطلاق)، وما اشتق منه، وهل (الفراق) و (السراح) من صريح الطلاق، أم لا؟
- مذهب الشافعي، وجماعة من الحنابلة كالخرقي، وأبي يعلى وغيرهما على أنها من صريح الطلاق؛ لمجيء القرآن بذلك؛ لقوله تعالى {فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ} [الأحزاب: (28)]، وقوله: {وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ} [النساء: (130)].
• وذهب جماعة من أهل العلم إلى أنَّ (الفراق) و (السراح) ليسا من الصريح، وهو قول جماعة من الحنابلة، عزاه شيخ الإسلام لجمهورهم، ومنهم: أبو بكر، وابن حامد، وأبو الخطاب، وغيرهم. وهو قول أبي حنيفة، ومالك، وبعض الشافعية؛ لأنَّ لفظ الفراق والسراح استعملتا كثيرًا في غير الطلاق حتى في القرآن، قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [الأحزاب: (49)] إلى قوله: {فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} [الأحزاب: (49)]، وقوله: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [البقرة: (231)] وقوله: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: (2)]. ((1))
• فأما صريح الطلاق فمذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة، والحنفية، وغيرهم أنه يقع، ولا يعتبر قصده، فإذا تكلم به؛ حكم عليه به، وإن قال: إنه لم يقصد الطلاق.
• وعن أحمد رواية أنه يُعتبر له النية، وهو قول داود الظاهري، وأبي عبيد، وابن حزم، وهو اختيار شيخ الإسلام، وابن القيم رحمة الله عليهم. ((1))
• والمالكية وإن كان إمامهم مالك يعتبر النية في الطلاق أيضًا إلا أنه لا يعتبرها هنا؛ لأنه موضع تهمة، ولذلك قال جماعة من المالكية: إذا اقترن بالحال قرينة تدل على صدق دعواه؛ فإنه يقبل قوله.
والقول باعتبار النية هو الصواب، والله أعلم. ((2))
تنبيه: بعض الصيغ المشتقة من لفظ (الطلاق) فيها خلاف، هل هي صريحة، أم لا؟ كقوله (أنت مطلقة) لم يعدها أبو حنيفة صريحًا، وكذلك أحمد في رواية، وكذا لفظ (الطلاق) عند طائفة من الشافعية ليست صريحة، وكذا لفظ (الإطلاق) ليست صريحة في الطلاق عند جماعة من الحنابلة، وهو قول أكثرهم، وعدها بعضهم صريحة. ((3))
فائدة: قال ابن القيم ? في «زاد المعاد» ((5) / (321)): وَتَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ، وَإِنْ كَانَ تَقْسِيمًا صَحِيحًا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، لَكِنْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ، وَالْأَزْمِنَةِ، وَالْأَمْكِنَةِ، فَلَيْسَ حُكْمًا ثَابِتًا لِلّفْظِ لِذَاتِهِ، فَرُبّ لَفْظٍ صَرِيحٍ عِنْدَ قَوْمٍ كِنَايَةٌ عِنْدَ آخَرِينَ، أَوْ صَرِيحٌ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ كِنَايَةٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَالْوَاقِعُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، فَهَذَا لَفْظُ السّرَاحِ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ فِي الطّلَاقِ لَا صَرِيحًا وَلَا كِنَايَةً، فَلَا يَسُوغُ أَنْ يُقَالَ: إنَّ مَنْ تَكَلّمَ بِهِ؛ لَزِمَهُ طَلَاقُ امْرَأَتِهِ، نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ، وَيَدّعِي أَنّهُ ثَبَتَ لَهُ عُرْفُ الشّرْعِ وَالِاسْتِعْمَالُ؛ فَإِنّ هَذِهِ دَعْوَى بَاطِلَةٌ شَرْعًا وَاسْتِعْمَالًا، أَمّا الِاسْتِعْمَالُ فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُطَلّقُ بِهِ ألْبَتّةَ، وَأَمّا الشّرْعُ فَقَدْ اسْتَعْمَلَهُ فِي غَيْرِ الطّلَاقِ. اهـ، ثم ذكر بعض الأدلة المتقدمة.
فتح العلام في دراسة أحاديث بلوغ المرام ط (4) (8) / (486) – (489)
(19) – باب: النية في الطلاق.
قيل لأحمد: رجل طلق ثلاثًا، وهو ينوي واحدة؟
قال: هى ثلاث، وسمعت أحمد مرة أخرى إذا طلق واحدة، وهو ينوي ثلاثًا، فهى واحدة.
قيل: فإن طلق واحدة ينوي ثلاثًا؟
قال: هي واحد؛ إنما النية فيما خفي، وليس فيما ظهر منه وقال: قال مالك: إذا نوى ثلاثًا، فهى ثلاث، وهو معنى قول سعيد بن المسيب،
وسألت إسحاق: قلتُ: فإن قال: أنت طالق واحدة، ونوى ثلاثًا؟
قال: هى واحدة.
قال: أليس النية فيما خفى، وليس فيما ظهر؟
قال: نعم.
وسئل إسحاق مرةً أخرى عن رجل قال لامرأته: أنت طالق ثلاثًا، ونوى واحدة؟
قال: إذا تكلم بلسانه ثلاثًا، وكان في قلبه واحدة وقعت ثلاث.
وإذا قال: أنت طالق واحدة، وكان في قلبه ثلاث، فإنه تقع واحدة.
وسمعت إسحاق مرةًا أخرى يقول: إذا قال: أنت طالق ونوى ثلًاث، قال: هذا بين هو ثلاث.
وسمعت إسحاق مرةً أخرى يقول: إذا قال: أنت طالق ولم يقل واحدة، ولا ثلاثا، ونوى ثلاثًا، فإنه يكون على إرادته ثلاثًا، وجهل هؤلاء، ولا قالوا: إذا قال أنت طالق ونوى ثلاثًا، قالوا: لا تكون ثلاثًا، وقالوا: بأجمعهم: إذا قال لامرأته: أنت طالق طلاقًا، ونوى ثلاثًا كان ثلاثًا، وكذلك إذا قال لها أنت الطلاق، ونوى ثلاثًا فمن ها هنا جهلوا حيث قالوا في هاتين: يقع الثلاث إذا نوى، وقالوا: إذا قال أنت طالق ونوى ثلاثًا لا يكون ثلاثًا. / (52) /
وسألت أبا ثور: قلتُ: إن قال: أنت طالق واحدة ونوى ثلاثًا؟
قال: هي واحدة، وإن قال أنت طالق ثلاثًا ونوى واحدة، فهي ثلاث، هو ما تكلم به، وكان مالك والشافعى يقولان: إذا طلق واحدة، ونوى ثلاثًا، فهى ثلاث، وإن طلق ثلاثًا، ونوى واحدة، فهى ثلاث، ولم يسئل عن نيته.
حدثنا عبيد الله بن معاذ، قال: حدثنا أبي: قال: حدثنا أشعث، عن الحسن فيمن طلق واحدة وقال: نويت ثلاثًا، قال: هي واحدة.
حدثنا سعيد بن منصور، قال: حدثنا هشيم: قال: أخبرنا بن شبرمة، عن الشعبي، قال: إنما النية فيما خفى، فأما ما ظهر فلا نية فيه.
مسائل حرب الكرماني من كتاب النكاح إلى نهاية الكتاب – ت فايز حابس (1) / (429) — حرب الكرماني (ت (280))
قال الخطابي:
قال الشيخ قوله إنما الأعمال بالنيات معناه أن صحة الأعمال ووجوب أحكامها إنما يكون بالنية فإن النية هي المصرفة لها إلى جهاتها ولم يرد به أعيان الأعمال لأن أعيانها حاصلة بغير نية ولو كان المراد به أعيانها لكان خلفاً من القول وكلمة إنما مرصدة لإثبات الشيء ونفي ما عداه.
وفي الحديث دليل على أن المطلق إذا طلق بصريح لفظ الطلاق أو ببعض المكاني التي يطلق بها ونوى عدداً من أعداد الطلاق كان ما نواه من العدد واقعا واحدة أو اثنتين أو ثلاثا، وإلى هذه الجملة ذهب الشافعي. وصرف الألفاظ على مصارف النيات، وقال في الرجل يقول لامرأته أنت طالق ونوى به ثلاثاً إنما تطلق ثلاثاً، وكذلك قال مالك بن أنس وإسحاق بن راهويه وأبو عبيد وقد روي ذلك عن عروة بن الزبير.
وقال أصحاب الرأي واحدة وهو أحق بها وكذلك قال سفيان الثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل.
وقال أصحاب الرأي في المكانى مثل قوله أنت بائن أو بتة فإنه يسأل عن نيته فإن لم ينو الطلاق لم يقع عليها طلاق وإن نوى الطلاق فهو ما نوى إن أراد واحدة فواحدة وإن نوى ثنتين فهي واحدة بائنة لأنها كلمة واحدة ولا يقع على اثنتين وإن نوى ثلاثا فهو ثلاث. وإن نوى الطلاق ولم ينو عدداً منه فهي واحدة بائنة، وكذلك كل كلام يشبه الفرقة مما أراد به الطلاق فهو مثل هذا كقوله حبلك على غاربك أو قد خليت سبيلك ولا ملك لي عليك والحقي بأهلك واستبري واعتدي.
قال الشيخ وهذا كله عند الشافعي سواء فإن كان لم يرد به طلاقاً فليس بطلاق وإن أراد طلاقاً ولم ينو عدداً فهو تطليقة واحدة يملك فيها الرجعة وإن نوى ثنتين فهو ثنتان وإن نوى ثلاثاً فهو ثلاث وهذا أشبه بمعنى الحديث والله أعلم.
[معالم السنن 3/ 244]
قال القرطبي:
و (قوله: الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر) هذا يدل على أن: الحقي بأهلك، ليس من ألفاظ الطلاق، لا من صرائحه، ولا من كناياته الظاهرة، وغايته: أن يكون مما يحتمل أن يراد به الطلاق إذا نوى ذلك.
[المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 7/ 100]
جماع أبواب النيات في الطلاق
(24) – باب الطلاق بالنية، والعزم من غير منطق به
اختلف أهل العلم في الرجل يعزم على طلاق
المرأة، ويطلقها في نفسه، فقال كثر من أهل العلم: ليس بشيء، كذلك قال عطاء ابن أبي رباح، وجابر، وسعيد بن جبير، وقتادة، ويحيى بن أبي كثير، والشافعي، وأحمد، وإسحاق. وروى ذلك عن القاسم، وسالم، والشعبي، والحسن.
وقال ابن سيرين في رجل طلق امرأته في نفسه:
أليس قد علمه الله؟.
وقال الزهري: إذا عزم على ذلك فقد طلقت لفظ به
أو لم يلفظ به.
وإن كان إنما هو وسوسة الشيطان، فليس بشاء
وقيل لمالك: فيمن طلق في نفسه ولم ينطلق به
بلسانه، أتراه طلاقًا؟ قال: نعم في رأي، وما هو وجه الطلاق، ولم يذكر هذا غير أشهب، وأحسبه مختلفًا فيه عنه.
قال أبو بكر: لا يلزم من أضمر الطلاق في نفسه
الطلاق لأن النبي- ? قال:
(ح (1128)) «إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به
أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا».
(25) – باب طلاق الرجل إحدى نسائه لا نية له فيها
اختلف أهل العلم في الرجل يطلق إحدى نسائه
بغير عينها …. فذكر الخلاف
الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر (5) / (204) — ابن المنذر (ت (319))
(53) – كتاب الطلاق? (24) – باب الطلاق بالنية، والعزم من غير منطق به
قال ابن قدامة:
فصل: ومَحَلُّ النِّيَّةِ القَلْبُ؛ إذْ هِىَ عِبَارَةٌ عَنِ القَصْدِ، ومَحَلُّ القَصْدِ القَلْبُ، فَمَتَى اعْتَقَدَ بقَلْبِه أجْزَأَهُ، وإنْ لَمْ يَلْفِظْ بلِسَانِهِ [وإنْ لَفَظَ بلِسانهِ ولم] (9) تَخْطُرِ النِّيَّةُ بقَلْبِه لم يُجْزِه. ولو سَبَقَ لِسانُه إلَى غيرِ ما اعْتَقَدَهُ لَمْ يَمْنَعْ ذلك صِحَّةَ ما اعْتَقدَهُ (10) بقَلْبِه.
[المغني لابن قدامة 1/ 157]
قال ابن رجب:
فقوله صلى الله عليه وسلم: «إنّما الأعمالُ بالنِّيَّات»، وفي رواية: «الأعمالُ بالنِّيَّة». وكلاهما يقتضي الحصرَ على الصَّحيح، وليس غرضنا هاهنا توجيه ذلك، ولا بسط القول فيه. وقد اختلف في تقدير قوله: «الأعمالُ بالنياتِ»، فكثيرٌ مِنَ المتأخِّرين يزعُمُ أنّ تقديرَه: الأعمالُ صحيحةٌ، أو معتَبَرةٌ، أو مقبولة بالنِّيَّاتِ، وعلى هذا فالأعمالُ إنّما أُرِيدَ بها الأعمالُ الشَّرعيَّةُ المفتَقِرةُ إلى النِّيَّة، فأمّا مالا يفتقِرُ إلى النيّة كالعادات مِنَ الأكل والشرب، واللبسِ وغيرِها، أو مثل ردِّ الأماناتِ والمضمونات، كالودائعِ والغُصوبِ، فلا يَحتَاجُ شيءٌ من ذلك إلى نيةٍ، فيُخَصُّ هذا كلُّه من عمومِ الأعمال المذكورة هاهُنا.
وقال آخرون: بل الأعمال هنا على عُمومها، لا يُخَصُّ منها شيءٌ.
وحكاه بعضُهم عن الجمهور، وكأنَّه يريدُ به جمهورَ المتقدِّمين، وقد وقع ذلك في كلام ابن جريرٍ الطَّبَريِّ، وأبي طالبٍ المكِّيِّ وغيرِهما من المتقدِّمين، وهو ظاهرُ كلامِ الإمام أحمدَ.
قال في رواية حنبلٍ: أُحِبُّ لكلِّ مَنْ عَمِلَ عملاً مِنْ صلاةٍ، أو صيامٍ، أو صَدَقَةٍ، أو نوعٍ مِنْ أنواعِ البِرِّ أنْ تكونَ النِّيَّةُ متقدِّمَةً في ذلك قبلَ الفعلِ، قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: «الأعمالُ بالنِّيَّاتِ»، فهذا يأتي على كلِّ أمرٍ من الأمور..
الجُملةَ الأولى دلَّت على أنّ صلاحَ العمل وفسادَه بحسب النِّيَّة المقتضيةِ لإيجاده، والجملة الثّانية دلَّت على أنّ ثوابَ العاملِ على عمله بحسب نيَّتِه الصالحة، وأنَّ عقابَه عليه بحسب نيَّته الفاسدة، وقد تكون نيَّتُه مباحة، فيكون العملُ مباحاً، فلا يحصل له به ثوابٌ ولا عقابٌ، فالعملُ في نفسه صلاحُه وفسادُه وإباحَتُه بحسب النيّة الحاملةِ عليه، المقتضية لوجودِهِ، وثوابُ العامل وعقابُه وسلامتُه بحسب نيته التي بها صار العملُ صالحاً، أو فاسداً، أو مباحاً.
واعلم أنّ النيَّةَ في اللُّغة نوعٌ من القَصدِ والإرادة، وإن كان قد فُرق بينَ هذه الألفاظ بما ليس هذا موضع ذكره.
والنيةُ في كلام العُلماء تقعُ بمعنيين:
أحدهما: بمعنى تمييز العباداتِ بعضها عن بعضٍ، كتمييزِ صلاة الظُّهر مِنْ صلاةِ العصر مثلاً، وتمييزِ صيام رمضان من صيام غيرِه، أو تمييز العباداتِ مِنَ العادات، كتمييز الغُسلِ من الجَنَابةِ مِنْ غسل التَّبرُّد والتَّنظُّف، ونحو ذلك، وهذه النيةُ هي التي تُوجَدُ كثيراً في كلامِ الفُقهاء في كتبهم.
والمعنى الثاني: بمعنى تمييزِ المقصودِ بالعمل، وهل هو لله وحده لا شريكَ له، أم غيره، أم الله وغيرُه، وهذه النيّة هي التي يتكلَّمُ فيها العارفُونَ في كتبهم في كلامهم على الإخلاص وتوابعه، وهي التي تُوجَدُ كثيراً في كلام السَّلَفِ المتقدّمين.
وقد صنَّفَ أبو بكر بنُ أبي الدُّنيا مصنَّفاً سمَّاه: كتاب «الإخلاص والنية»، وإنّما أراد هذه النية، وهي النيةُ التي يتكرَّر ذكرُها في كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم تارةً بلفظ النيةِ، وتارةً بلفظ الإرادة، وتارةً بلفظٍ مُقاربٍ لذلك، وقد جاء ذكرُها كثيراً في كتابِ الله عز وجل بغيرِ لفظِ النِّيَّةِ أيضا مِنَ الألفاظ المُقاربةِ لها.
وإنَّما فرَّقَ مَنْ فَرَّقَ بين النيةِ وبينَ الإرادة والقصدِ ونحوهما؛ لظنِّهم اختصاصَ النية بالمعنى الأوَّلِ الذي يذكُرُهُ الفقهاءُ، فمنهم من قال: النيةُ تختصُّ بفعلِ النَّاوي، والإرادةُ لا تختصُّ بذلك، كما يريدُ الإنسانُ مِنَ اللهِ أن يغفرَ له، ولا ينوي ذلك.
وقد ذكرنا أنَّ النية في كلام النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم وسلفِ الأمَّةِ إنَّما يُرادُ بها هذا المعنى الثاني غالباً، فهي حينئذٍ بمعنى الإرادة، ولذلك يُعبَّرُ عنها بلفظِ الإرادة في القرآن كثيراً، كما في قوله تعالى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ}، وقوله: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَة}، وقوله: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ}، …
وأمّا ما ورد في السُّنَّةِ وكلام السَّلفِ مِنْ تسمية هذا المعنى بالنِّيَّةِ، فكثيرٌ جداً، ونحن نذكر بعضَه، كما خرَّج الإمام أحمدُ والنَّسائيّ مِنْ حديثِ عُبادةَ بنِ الصَّامتِ، عنِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنَّه قال: «مَنْ غَزَا في سَبيلِ الله ولم يَنْوِ إلاَّ عِقالاً، فله ما نوى» ….
[جامع العلوم والحكم ص31 ت الفحل]
قال ابن رسلان:
فيقدر هنا: وإنما لكل امرئ ثواب ما نوى ونحو ذلك، فتكون الأولى قد نبهت على أن الأعمال لا تصير ذات ثواب إلا بنية، والثانية على أن العامل يكون له من العمل على مقدار نيته، ولهذا أُخِّرت عنها ليرتبها عليها.
وقال بعضهم: الجملة الأولى لبيان اعتبار النية لغرض تمييز العبادة عن العادة، والثانية لغرض تمييز رتب العبادات كالتعيين والفريضة في الصوم والصلاة، فإن النية تنقسم إلى نية تعبد وهو إخلاص العمل لله تعالى، ونية تمييز كمن أقبض رب الدين من جنس دينه شيئًا، فإنه يحتمل التمليك هبة وفرضًا ووديعة وإباحة ونحو ذلك …
(فقال: إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك) فيه دليل على أن للإمام أن يؤدب بعض من وقع منه الذنب باعتزال امرأته في النوم معها في الفراش وفي الاستمتاع بشيء حتى يأذن له
(فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟) فيه استفهام ما يجهل حكمه وطلب البيان عنه (قال: لا) تطلقها (بل اعتزلها) في الفراش وغيره (فلا تقربنها) بتشديد نون التوكيد كما في مسلم، وللبخاري بتخفيفها (1).
قال ابن العربي: سمعت الشاشي يقول في مجلس النظر إذا قيل: لا تقرب بفتح الراء كان معناه لا تتلبس بالفعل يعني المنهي عنه وإن كان بضم الراء كان معناه: لا تدنوا منه (2)
(فقلت لامرأتي: الحقي) بكسر الهمزة وفتح الحاء (بأهلك) فيه حذف تقديره: لأني لا يحل لي أن أقربك. وفيه أن قوله لزوجته: الحقي بأهلك. ليس بصريح طلاق، ولا يقع به شيء إذا لم ينو؛ لأنه لفظ محتمل لأن تذهب إلى أهلها لأنها مطلقة أو لغيره، ولا فرق بين أن يكون لها أهل أو لم يكن (فكوني عندهم) الظاهر أن زوجته هذِه كان لها أهل تذهب إليهم،
فيه جواز خروج المرأة إلى بيت أهلها بإذن زوجها ومطاوعته في الخروج وإن لم يكن لها غرض،
وفيه الاحتياط بمجانبته ما يخاف منه الوقوع في منهي عنه؛ لأنه كان شابًّا يخاف على نفسه، ولأنه لم يستأذن في خدمة زوجته له.
وفيه أن المرأة إذا احتاجت إلى الخروج تكون عند أهلها أولى من أن تكون عند أهل الزوج أو نساء أجانب
(حتى يقضيَ الله) أي: يحكم بتوبته وينزلها على نبيه صلى الله عليه وسلم (في هذا الأمر) الذي قضاه عليه بما يشاء.
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 9/ 638]
—–