219 و 220 و 221 و 222 و 223 و 224 و 225 و 226 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم
219 – عن أَبي أُمَامةَ إِيَاسِ بنِ ثعْلَبَةَ الْحَارِثِيِّ رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ امْريءٍ مُسْلمٍ بيَمِينِهِ فَقدْ أَوْجَبَ اللَّه لَه النَّارَ، وَحَرَّمَ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ”فَقَالَ رجُلٌ: وإِنْ كَانَ شَيْئاً يسِيراً يَا رسولَ اللَّه؟ فَقَالَ:”وإِنْ قَضِيباً مِنْ أَرَاكٍ “رواه مسلم.
بوب النووي على هذا الحديث في شرح مسلم بَابُ وَعِيدِ مَنِ اقْتَطَعَ حَقَّ مُسْلِمٍ بِيَمِينٍ فَاجِرَةٍ بِالنَّارِ.
قال الأتيوبي:” قال النووي رحمه الله: (اعلم): أن أبا أمامة هذا ليس هو أبا أمامة الباهلي، صدي بن عجلان المشهور، بل هذا غيره، واسم هذا إياس بن ثعلبة الأنصاري الحارثي، من بني الحرث بن الخزرج، وقيل: إنه بلوي، وهو حليف بني حارثة، وهو ابن أخت أبي بردة بن نيار، هذا هو المشهور في اسمه، وقال أبو حاتم الرازي: اسمه عبد الله بن ثعلبة، ويقال: ثعلبة بن عبد الله.” (البحر المحيط الثجاج)
قوله صلى الله عليه وسلم: (من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه … ) إلى آخره قال النووي:” فيه لطيفة؛ وهي أن قوله صلى الله عليه وسلم: ” حق امرئ ” يدخل فيه من حلف على غير مال كجلد الميتة والسرجين وغير ذلك من النجاسات التي ينتفع بها، وكذا سائر الحقوق التي ليست بمال كحد القذف، ونصيب الزوجة في القسم وغير ذلك.” (شرح النووي) أي ذكر الحق ليعمم الحكم
قال القاضي عياض رحمه الله: إنما كبرت هذه المعصية بحسب اليمين الغموس التي هي من الكبائر الموبقات، وتغييرها في الظاهر حكم الشرع، واستحلاله بها الحرام، وتصييرها المحق في صورة المبطل، والمبطل في صورة المحق، ولهذا عظم أمرها، وأمر شهادة الزور.
وإيجاب النار فيها على حكم الكبائر إلا أن يشاء الله تعالى أن يعفو عن ذلك لمن يشاء، وتحريم الجنة عند دخول السابقين لها، والمتقين، وأصحاب اليمين، ثم لا بد لكل موحد من دخولها إما بعد وقوف وحساب، أو بعد نكال وعذاب، وتخصيصه هنا المسلم؛ إذ هم المخاطبون، وعامة المتعاملين في الشريعة، لا أن غير المسلم بخلافه، بل حكمه حكمه في ذلك. (إكمال المعلم)
قوله صلى الله عليه وسلم: (فقد أوجب الله تعالى له النار وحرم عليه الجنة) قال النووي:” ففيه الجوابان المتقدمان المتكرران في نظائره، أحدهما أنه محمول على المستحل لذلك إذا مات على ذلك فإنه يكفر ويخلد في النار، والثاني معناه: فقد استحق النار، ويجوز العفو عنه، وقد حرم عليه دخول الجنة أول وهلة مع الفائزين.
وأما تقييده صلى الله عليه وسلم بالمسلم فليس يدل على عدم تحريم حق الذمي بل معناه أن هذا الوعيد الشديد، وهو أنه يلقى الله تعالى وهو عليه غضبان لمن اقتطع حق المسلم. وأما الذمي فاقتطاع حقه حرام، لكن ليس يلزم أن تكون فيه هذه العقوبة العظيمة. هذا كله على مذهب من يقول بالمفهوم، وأما من لا يقول به فلا يحتاج إلى تأويل. وقال القاضي عياض رحمه الله: تخصيص المسلم لكونهم المخاطبين وعامة المتعاملين في الشريعة، لا أن غير المسلم بخلافه، بل حكمه حكمه في ذلك. والله أعلم. ثم إن هذه العقوبة لمن اقتطع حق المسلم ومات قبل التوبة. أما من تاب فندم على فعله ورد الحق إلى صاحبه وتحلل منه وعزم على أن لا يعود فقد سقط عنه الإثم، والله أعلم. (شرح مسلم)
قال القرطبي: أي إذا كان مستحلا لذلك، فإن كان غير مستحل، وكان ممن لم يغفر له، فيعذبه الله تعالى في النار ما شاء من الآباد، وفيها تحرم عليه الجنة، ثم يكون حاله كحال أهل الكبائر من الموحدين.” (المفهم)
قال النووي:” فيه بيان غلظ تحريم حقوق المسلمين، وأنه لا فرق بين قليل الحق وكثيره لقوله صلى الله عليه وسلم: ” وإن قضيب من أراك “.” (شرح مسلم)
قال ابن باز:” وإن عودا من أراك هذا السواك من باب التحذير، من باب التحذير من الشيء القليل والكثير، في اللفظ الآخر يقول صلى الله عليه وسلم: ((من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبة، لقيَ اللهَ وهو عليه غضبان))
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: وعيد شديد على من حلف بيمين كاذبة ليقطع بها حق مسلم.” (التطريز)
220 – وعن عَدِي بن عُمَيْرَةَ رضي اللَّه عنه قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه يَقُول: “مَن اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَل، فَكَتَمَنَا مِخْيَطاً فَمَا فَوْقَهُ، كَانَ غُلُولا يَاتِي بِهِ يوْم الْقِيامَةِ”فقَام إَلْيهِ رجُلٌ أَسْودُ مِنَ الأَنْصَارِ، كأَنِّي أَنْظرُ إِلَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُول اللَّه اقْبل عني عملَكَ قال:”ومالكَ؟ “قَالَ: سَمِعْتُك تقُول كَذَا وَكَذَا، قَالَ:”وَأَنَا أَقُولُهُ الآنَ: مَنِ اسْتعْملْنَاهُ عَلَى عملٍ فلْيجِيء بقَلِيلهِ وَكِثيرِه، فمَا أُوتِي مِنْهُ أَخَذَ ومَا نُهِى عَنْهُ انْتَهَى” رواه مسلم.
قوله: (عدي بن عميرة) قال النووي:” بفتح العين، قال القاضي: ولا يعرف من الرجال أحد يقال له عميرة بالضم؛ بل كلهم بالفتح. ووقع في النسائي الأمران ” (ِشرح مسلم)
قوله صلى الله عليه وسلم: (كتمنا مخيطا) قال النووي:” هو بكسر الميم وإسكان الخاء، وهو الإبرة. ” (شرح مسلم)
قوله (فما فوقه) أي: في القلة أو الكثرة أو الصغر أو الكبر. قال الطيبي: الفاء للتعقيب الذي يفيد الترقي أي: فما فوق المخيط في الحقارة، نحو قوله تعالى: {إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها}.
قوله (فلْيجِيء بقَلِيلهِ وَكِثيرِه) قال القرطبي – رحمه الله -: هذا يدل على أنه لا يجوز له أن يقتطع منه شيئا لنفسه، لا أجرة، ولا غيرها، ولا لغيره إلا أن يأذن له الإمام الذي تلزمه طاعته. (المفهم)
(وما نهي عنه انتهى) أي: وما منع من أخذه امتنع عنه، هو تأكيد لما قبله. قال الطيبي: قوله: من استعملناه … إلخ تكرير للمعنى ومزيد للبيان، يعني: أنا أقول ذلك ولا أرجع عنه، فمن استطاع أن يعمل فليعمل، ومن لم يستطع فليترك. انتهى. قال في النيل: والظاهر أن الهدايا التي تهدى للقضاة، ونحوهم هي من الرشوة، لأن المهدي إذا لم يكن معتادا للإهداء إلى القاضي قبل ولايته لا يهدي إليه إلا لغرض، وهو إما التقوي به على باطله، أو التوصل بهديته له إلى حقه والكل حرام. (عون المعبود)
قال الأتيوبي:” قال القاضي عياض – رحمه الله -: وفيه تعظيم القليل من الغلول بقوله: “فليجياء بقليله وكثيره، فما أوتي منه أخذ”، وذلك على قدر ما يراه الإمام له، من استحقاقه في عمله، أو حاجته، أو سابقته، وقد جاء أنه – صلى الله عليه وسلم – أباح لمعاذ – رضي الله عنه – قبول الهدية حين وجهه إلى اليمن؛ ليجبر بها ما جرى عليه من التفليس، والظن بمعاذ أنه لا يقبل منها إلا ما طابت به نفس مهديه، وأنه ممن لا يصانع أحدا في الحق من أجلها، فكانت خصوصا لمعاذ؛ لما علم منه النبي – صلى الله عليه وسلم – من النزاهة، والورع، والديانة، ولم يبح ذلك لغيره، ممن لم يكن عنده بمنزلته.
وقال القرطبي – رحمه الله -: وليس لأحد أن يتمسك في استباحة هدايا الأمراء؛ بأن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقبل الهدية، ولا بما يروى أن النبي – صلى الله عليه وسلم – أباح لمعاذ الهدية حين وجهه إلى اليمن.
وأما الجواب عن النبي – صلى الله عليه وسلم – فبوجهين:
أحدهما: أنه كان لا يقبل الهدية إلا ممن يعلم أنه طيب النفس بها، ومع ذلك فكان يكافئ عليها بأضعافها غالبا. والثاني: أنه – صلى الله عليه وسلم – معصوم عن الجور والميل الذي يخاف منه على غيره بسبب الهدية.
وأما عن حديث معاذ – رضي الله عنه – فلأنه لم يجئ في الصحيح، ولو صح لكان ذلك مخصوصا بمعاذ – رضي الله عنه -؛ لما علم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من حاله، وتحققه من فضله، ونزاهته، ما لا يشاركه فيه غيره، ولم يبح ذلك لغيره؛ بدليل هذه الأحاديث الصحاح، والله أعلم. (البحر المحيط الثجاج)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: وعيد شديد، وزجر أكيد في الخيانة من العامل، وأنه من الكبائر.” (التطريز)
221 – وعن عمر بن الخطاب رضي اللَّهُ عنه قَالَ: لمَّا كَانَ يوْمُ خيْبرَ أَقْبل نَفرٌ مِنْ أَصْحابِ النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم فَقَالُوا: فُلانٌ شَهِيدٌ، وفُلانٌ شهِيدٌ، حتَّى مَرُّوا علَى رَجُلٍ فقالوا: فلانٌ شهِيد. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “كلاَّ إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّها أَوْ عبَاءَةٍ” رواه مسلم.
وقوله: (لما كان يوم خيبر) هو بالخاء المعجمة، وآخره راء فهكذا وقع في مسلم وهو الصواب. وذكر القاضي عياض رحمه الله أن أكثر رواة الموطأ رووه هكذا، وأنه الصواب. قال: ورواه بعضهم ” حنين ” بالحاء المهملة والنون (شرح النووي)
قوله (كلا): وقوله صلى الله عليه وسلم: ” كلا ” زجر، ورد لقولهم في هذا الرجل إنه شهيد محكوم له بالجنة أول وهلة، بل هو في النار بسبب غلوله. (شرح النووي)
قوله صلى الله عليه وسلم: ” إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ” قال النووي:” أما البردة بضم الباء كساء مخطط وهي الشملة والنمرة. وقال أبو عبيد: هو كساء أسود فيه صور، وجمعها برد بفتح الراء، وأما العباءة فمعروفة وهي ممدودة، ويقال فيها أيضا: ” عباية ” بالياء، قاله ابن السكيت وغيره. وقوله صلى الله عليه وسلم: ” في بردة ” أي من أجلها وبسببها. (شرح مسلم)
قوله (غلها) قال النووي:”” الغلول ” فقال أبو عبيد: هو الخيانة في الغنيمة خاصة، وقال غيره: هي الخيانة في كل شيء، ويقال منه: غل يغل بضم الغين ” (شرح النووي)
وقال الفيومي: غل غلولا، من باب قعد، وأغل بالألف: خان في المغنم، وغيره (المصباح المنير)
قال ابن قتيبة وغيره: الغلول من الغلل، وهو الماء الجاري بين الأشجار، فكأن الغال سمي بذلك؛ لأنه يدخل الغلول على أثناء راحلته. (انظر المفهم)
قال ابن باز:” هذا الغلول يمنع كونه تحصل له الشهادة، يعني: يحال بينه وبين فضل الشهادة التي هي موعود بالجنة والكرامة، هذا غل عباءة أو شبهها من الغنائم لم ترجع إليها المقاسم فصار بسببها إلى النار فالغلول عاقبته وخيمة وشره عظيم، ((ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة)) حتى ولو كان شهيدا ولو قتل في سبيل الله يحذر لا يتساهل. (شرح رياض الصالحين 1/ 453)
قال ابن عثيمين:” ففي هذا دليلٌ على أنه لا ينبغي لنا أن نحكم على شخص بأنه شهيد، وإن قُتل في معركة بين المسلمين والكفار، لا نقول: فلان شهيد لاحتمال أن يكون غل شيئاً من الغنائم أو الفيء، ولو غلّ قرشاً واحداً، أو مسماراً زال عنه اسم الشهادة، وكذلك لاحتمال أن تكون نيته غير صواب، بأن ينوي بذلك الحمية أو أن يُرى مكانُه.
ولهذا سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الرجل يُقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل ليُرى مكانُه. أي ذلك في سبيل الله؟ قال: ” من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله “، والنية أمر باطني في القلب لا يعلمه إلا الله.
ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: ” ما من مكلوم يكلم في سبيل الله “، أي ما من مجروح يجرح في سبيل الله، ” والله أعلم بمن يكلم في سبيله”، انتبه لهذه القضية جيداً، قد نظن أنه يقاتل في سبيل الله ونحن لا نعلم، والله أعلم بمن يكلم في سبيله، ” إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثغب دماً، اللون لون الدم، والريح ريح المسك”.
ولهذا ترجم البخاري رحمه الله في صحيحه قال: باب لا يُقال فلان شهيد، يعني لا تعين وتقول فلان شهيد إلا إذا عينه الرسول عليه الصلاة والسلام، أو ذكر عند الرسول صلى الله عليه وسلم وأقره، فحينئذ يحكم بشهادته بعينه، وإلا فلا تشهد لشخص بعينه.
ونحن الآن في عصرنا هذا أصبح لقب الشهادة سهلاً ويسيراً … ” (شرح رياض الصالحين 2/ 525)
قال القرطبي رحمه الله تعالى: لا حجة في هذا الحديث للمكفرة بالذنوب؛ لأنا نقول: إن طائفة من أهل التوحيد يدخلون النار بذنوبهم، ثم يخرجون منها بتوحيدهم، أو بالشفاعة لهم، كما سيأتي في الأحاديث الصحيحة، ويجوز أن يكون هذا الغال منهم. (المفهم)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: تأكيد تحريم الغلول، وأنه من الكبائر.” (التطريز)
222 – وعن أَبي قَتَادَةَ الْحارثِ بنِ ربعي رضي اللَّه عنه عن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم أَنَّهُ قَام فِيهمْ، فذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهادَ فِي سبِيلِ اللَّه، وَالإِيمانَ بِاللَّه أَفْضلُ الأَعْمالِ، فَقَامَ رَجلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّه أَرَأَيْت إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيلِ اللَّه، تُكَفِّرُ عنِي خَطَايَاىَ؟ فَقَالَ لَهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: “نعَمْ إِنْ قُتِلْتَ فِي سَبِيلِ اللَّه وأَنْتَ صَابر مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غيْرَ مُدْبرٍ” ثُمَّ قَالَ رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”كيْف قُلْتَ؟ “قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فِي سَبِيل اللَّه، أَتُكَفرُ عَنّي خَطَاياي؟ فَقَالَ رسول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم:”نَعمْ وأَنْت صابِرٌ مُحْتَسِبٌ، مُقبِلٌ غَيْرَ مُدْبِرٍ، إِلاَّ الدَّيْن فَإِنَّ جِبْرِيلَ قال لِي ذلِكَ “رواه مسلم.
قوله (فذَكَرَ لَهُمْ أَنَّ الْجِهادَ فِي سبِيلِ اللَّه، وَالإِيمانَ بِاللَّه أَفْضلُ الأَعْمالِ) قال القرطبي – رحمه الله -: قوله: “إن الإيمان، والجهاد أفضل الأعمال”: الإيمان هنا هو المذكور في حديث جبريل – عليه السلام -، ولا شك في أنه أفضل الأعمال؛ فإنه راجع إلى معرفة الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم -، وما جاء به، وهو المصحح لأعمال الطاعات كلها، المتقدم عليها في الرتبة والمرتبة، وإنما قرن به الجهاد هنا في الأفضلية، وإن لم يجعله من جملة مباني الإسلام التي ذكرها في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما -؛ لأنه لم يتمكن من إقامة تلك المباني على تمامها، وكمالها، ولم يظهر دين الإسلام على الأديان كلها إلا بالجهاد، فكأنه أصل في إقامة الدين والإيمان، أصل في تصحيح الدين، فجمع بين الأصلين في الأفضلية، والله تعالى أعلم.” (المفهم)
وقال أيضا:” قال: وقد حصل من مجموع هذه الأحاديث أن الجهاد أفضل من جميع العبادات العملية، ولا شك في هذا عند تعيينه على كل مكلف يقدر عليه، كما كان في أول الإسلام، وكما قد تعين في هذه الأزمان؛ إذ قد استولى على المسلمين أهل الكفر والطغيان، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وأما إذا لم يتعين فحينئذ تكون الصلاة أفضل منه، على ما جاء في حديث أبي ذر – رضي الله عنه -؛ إذ سئل عن أفضل الأعمال فقال: “الصلاة على مواقيتها”.” (المفهم)
قوله صلى الله عليه وسلم: ” صَابر مُحْتَسِبٌ، مُقْبِلٌ غيْرَ مُدْبرٍ “” قال الباجي:” يريد صابرا على ألم الجرح وكراهية الموت ومحتسبا لذلك عند الله تعالى ومقبلا على الموت وقتال العدو، غير مدبر يريد غير فار ولا متحرف وذلك أعظم للأجر” (شرح الموطأ)
قال النووي:” لعله احتراز ممن يقبل في وقت ويدبر في وقت، والمحتسب هو المخلص لله تعالى، فإن قاتل لعصبية أو لغنيمة أو لصيت أو نحو ذلك فليس له هذا الثواب ولا غيره ” (شرح النووي)
، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ” إلا الدين ” قال النووي:” فيه تنبيه على جميع حقوق الآدميين، وأن الجهاد والشهادة وغيرهما من أعمال البر لا يكفر حقوق الآدميين، وإنما يكفر حقوق الله تعالى. وأما قوله صلى الله عليه وسلم: ” نعم ” ثم قال بعد ذلك: ” إلا الدين ” فمحمول على أنه أوحي إليه به في الحال، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ” إلا الدين فإن جبريل قال لي ذلك “. والله أعلم ” (شرح النووي)
قال الباجي:” (فصل) وقوله صلى الله عليه وسلم إلا الدين كذلك قال لي جبريل يريد إلا الدين فإنه من الخطايا التي لا يكفرها القتل في سبيل الله وقد قال بعض العلماء: إنما ذلك لأنها من حقوق الآدميين وحقوق الآدميين لا تكفرها الحسنات وهذا وجه محتمل وقد كان في أول الإسلام يمتنع النبي صلى الله عليه وسلم من الصلاة على من مات وعليه دين لم يترك له قضاء وظاهر ذلك أنه لئلا يتسرع الناس في أكل أموال الناس بغير حاجة ولا رفق في إنفاق ثم يموت من مات منهم على ذلك ولا يترك له قضاء فيذهب بأموال الناس بغير حاجة ولا رفق في إنفاق ثم لما فتح الله عليه صلى الله عليه وسلم قال: أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم من ترك مالا فلورثته ومن ترك كلا أو دينا أو ضياعا فعلي وإلي … ” (شرح الموطأ)
قال القرطبي – رحمه الله -: قوله: “أرأيت إن قتلت في سبيل؛ أيكفر عني خطاياي. . . إلخ”: هذا بحكم عمومه يشمل جميع الخطايا، ما كان من حقوق الله تعالى، وما كان من حقوق الآدميين، فجوابه – صلى الله عليه وسلم – بـ “نعم” مطلقا يقتضي تكفير جميع ذلك، لكن الاستثناء الوارد بعد هذا يبين أن هذا الخبر ليس على عمومه؛ وإنما يتناول حقوق الله تعالى خاصة لقوله – صلى الله عليه وسلم -: “إلا الدين” (المفهم)
وقال أيضا:” ذكره الدين تنبيه على ما في معناه من تعلق حقوق الغير بالذمم؛ كالغصب، وأخذ المال بالباطل، وقتل العمد، وجراحه، وغير ذلك من التبعات، فإن كل هذا أولى بأن لا يغفر بالجهاد من الدين، لكن هذا كله إذا امتنع من أداء الحقوق مع تمكنه منه، وأما إذا لم يجد للخروج من ذلك سبيلا؛ فالمرجو من كرم الله تعالى إذا صدق في قصده، وصحت توبته أن يرضي الله تعالى خصومه عنه، كما قد جاء نصا في حديث أبي سعيد الخدري المشهور في هذا” (المفهم)
قال النووي:” فيه: هذه الفضيلة العظيمة للمجاهد، وهي تكفير خطاياه كلها إلا حقوق الآدميين، وإنما يكون تكفيرها بهذه الشروط المذكورة، وهو أن يقتل صابرا محتسبا مقبلا غير مدبر، وفيه أن الأعمال لا تنفع إلا بالنية والإخلاص لله تعالى.” (شرح النووي)
قال ابن باز:” الدين ما يغفر للشهيد يبقى عليه فالمعنى، ينبغي للمؤمن إذا أراد الجهاد في سبيل الله أن يحرص على قضاء الدين حتى لا يموت وعليه دين، أو يوصى من يقضيه أو يعطي رهنا بهذا المال، فإن إضاعته لحق أخيه فيه خطر عظيم وإن كان شهيدا، فمن يُضيع حق أهل الدين و أهل الغرامة ويتساهل في حقهم هذا نوع من الظلم أو يفضي إلى الظلم، فينبغي الحذر.” (شرح رياض الصالحين 1/ 453)
قال ابن عثيمين:” في هذا دليلٌ على عظم الدين، وأنه لا ينبغي للإنسان أن يتساهل به، ومع الأسف أننا في عصرنا الآن يتساهل الكثير منا في الدين، فتجد البعض يشترى الشيء وهو ليس في حاجة إليه، بل هو من الأمور الكمالية، يشتريه في ذمته بالتقسيط أو ما أشبه ذلك، ولا يهمه هذا الأمر.
وقد تجد إنساناً فقيراً يشترى سيارة بثمانين ألفاً أو يزيد، وهو يمكنه أن يشتري سيارة بعشرين ألفاً، كل هذا من قلة الفقه في الدين، وضعف اليقين، احرص على ألا تأخذ شيئاً بالتقسيط، وإن دعتك الضرورة إلى ذلك فاقتصر على أقل ما يمكن لك، الاقتصار عليه بعيداً عن الدين” (شرح رياض الصالحين 2/ 527)
223 – وعن أَبي هُريرةَ رضي اللَّه عنه، أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قال: “أَتَدْرُون ما الْمُفْلِسُ؟ “قالُوا: الْمُفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرْهَمَ لَهُ وَلا مَتَاعَ. فَقَالَ:”إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَاتِي يَوْمَ الْقيامةِ بِصَلاةٍ وَصِيَامٍ وزَكَاةٍ، وياتِي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وقذَف هذَا وَأَكَلَ مالَ هَذَا، وسفَكَ دَم هذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فيُعْطَى هذَا مِنْ حسَنَاتِهِ، وهَذا مِن حسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَناتُه قَبْلَ أَنْ يقْضِيَ مَا عَلَيْهِ، أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرحَتْ علَيْه، ثُمَّ طُرِح في النَّارِ” رواه مُسلم.
قوله (أَتَدْرُون ما الْمُفْلِسُ؟) قال ابن باز:” يعني ما هو المفلس عندكم يسأل الصحابة، لإيضاح الحكم لبيان ما يتعلق بهذا الأمر العظيم، كثيرا ما يسأل أصحابة حتى يستعدوا للجواب، حتى ينتبهوا لما يقال لهم ” (شرح رياض الصالحين 1/ 454)
قال ابن عثيمين:” الاستفهام هنا للاستعلام الذي يراد به الإخبار؛ لأن المستفهم تارة يستفهم عن جهل ولا يدري فيسأل غيره، وتارة يستفهم لتنبيه المخاطب لما يلقى إليه، أو لتقرير الحكم، فمثال الثاني قول النبي صلى الله عليه وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر: ” أينقص إذا جفّ؟ ” يعني الرطب، قالوا: ” نعم” فنهى عن ذلك.
أما في هذا الحديث فسيخبر الصحابة عن أمر لا يعلمونه، أو لا يعلمون مراد النبي صلى الله عليه وسلم به ” (شرح رياض الصالحين 2/ 528)
قوله صلى الله عليه وسلم: (المفلس) قال النووي:” هذا حقيقة المفلس، وأما من ليس له مال، ومن قل ماله فالناس يسمونه مفلسا، وليس هو حقيقة المفلس ; لأن هذا أمر يزول وينقطع بموته، وربما ينقطع بيسار يحصل له بعد ذلك في حياته، وإنما حقيقة المفلس هذا المذكور في الحديث فهو الهالك الهلاك التام، والمعدوم الإعدام المقطع، فتؤخذ حسناته لغرمائه، فإذا فرغت حسناته أخذ من سيئاتهم فوضع عليه، ثم ألقي في النار، فتمت خسارته وهلاكه وإفلاسه ” (شرح مسلم)
قال القرطبي – رحمه الله -: قوله: “المفلس هو الذي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة” الحديث؛ أي: هذا أحق باسم المفلس؛ إذ تؤخذ منه أعماله التي تعب في تصحيحها بشروطها، حتى قبلت منه، فلما كان وقت فقره إليها أخذت منه، ثم طرح في النار، فلا إفلاس أعظم من هذا، ولا أخسر صفقة ممن هذه حاله، ففيه ما يدل على وجوب السعي في التخلي من حقوق الناس في الدنيا بكل ممكن، والاجتهاد في ذلك، فإن لم يجد إلى ذلك سبيلا فالإكثار من الأعمال الصالحة، فلعله بعد أخذ ما عليه تبقى له بقية راجحة، والمرجو من كرم الكريم لمن صحت في الأداء نيته، وعجز عن ذلك قدرته أن يرضي الله عنه خصومه، فيغفر للمطالب والمطلوب، ويوصلهم إلى أفضل محبوب” (المفهم)
قال الأتيوبي:” قال الجامع عفا الله عنه: قوله: “لمن صحت نيته … إلخ” قد ثبت عن النبي – صلى الله عليه وسلم – في هذا ما أخرجه البخاري في “صحيحه”، عن أبي هريرة – رحمه الله -، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: “من أخذ أموال الناس يريد أداءها، أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله”. والحاصل أن من أخذ أموال الناس بنية صالحة، من أدائها إليهم إذا طلبوها منه، ثم لم يستطع على أدائها لهم، فإن الله تعالى يؤديها عنه بنيته الصالحة، وذلك بأن يعوض الله سبحانه وتعالى أصحاب الحقوق من الجنة ما يرضون عنه، {والله ذو الفضل العظيم (74)} [آل عمران: 74].” (البحر المحيط الثجاج)
وادعت المعتزلة أن الأخذ من سيئات المظلومين وطرحها على الظالم حين تفنى حسناته وعقابه بذلك يخالف قوله تعالى {ولا تزر وازرة وزر أخرى} أي يعذب بسيئاته غيره، قال النووي:” قال المازري: وزعم بعض المبتدعة أن هذا الحديث معارض لقوله تعالى: {ولا تزر وازرة وزر أخرى}، وهذا الاعتراض غلط منه وجهالة بينة ; لأنه إنما عوقب بفعله ووزره وظلمه، فتوجهت عليه حقوق لغرمائه، فدفعت إليهم من حسناته، فلما فرغت وبقيت بقية قوبلت على حسب ما اقتضته حكمة الله تعالى في خلقه، وعدله في عباده، فأخذ قدرها من سيئات خصومه فوضع عليه، فعوقب به في النار، فحقيقة العقوبة إنما هي بسبب ظلمه، ولم يعاقب بغير جناية وظلم منه، وهذا كله مذهب أهل السنة، والله أعلم” (شرح مسلم) قريبا من ذلك قال ابن حجر:” لا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى لأنه إنما يعاقب بسبب فعله وظلمه ولم يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى ” (فتح الباري 5/ 102)
قال ابن عثيمين:” الإفلاس كل الإفلاس أن يفلس الإنسان من حسناته التي تعب عليها، وكانت أمامه يوم القيامة يشاهدها، ثم تؤخذ منه لفلان وفلان.” (شرح رياض الصالحين 2/ 529)
قال فيصل آل مبارك:”في هذا الحديث: أن المفلس حقيقة من أخذ غرماؤه أعماله الصالحة.” (التطريز)
قال ابن عثيمين:” هذا الحديث لا يعني أنه يخلد في النار، بل يعذب بقدر ما حصل عليه من سيئات الغير التي طرحت عليه، ثم بعد ذلك مآله إلى الجنة؛ لأن المؤمن لا يخلد في النار، ولكن النار حرها شديد، لا يصبر الإنسان على النار ولو للحظة واحدة، هذا على نار الدنيا فضلاً عن نار الآخرة ” (شرح رياض الصالحين 2/ 530)
224 – وعن أُمِّ سَلَمةَ رضي اللَّه عنها، أَن رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِنَّمَا أَنَا بشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحنَ بحُجَّتِهِ مِنْ بَعْض، فأَقْضِي لَهُ بِنحْو مَا أَسْمَعُ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بحَقِّ أَخِيهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ” مُتَّفَقٌ عَلَيهِ.”أَلْحَنَ”أَيْ: أَعْلَم.
جاء في الرواية الأخرى وهي في الصحيحن: ” إنما أنا بشر وإنه يأتيني الخصم، فلعل بعضهم أن يكون أبلغ من بعض فأحسب أنه صادق فأقضي له، فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليحملها أو يذرها “.
قوله (إنما أنا بشر): فيه رد على ما يغلو بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال النووي:” وقوله صلى الله عليه وسلم: (إنما أنا بشر) معناه التنبيه على حالة البشرية، وأن البشر لا يعلمون من الغيب وبواطن الأمور شيئا إلا أن يطلعهم الله تعالى على شيء من ذلك، وأنه يجوز عليه في أمور الأحكام ما يجوز عليهم، وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر، والله يتولى السرائر، فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر مع إمكان كونه في الباطن خلاف ذلك، ولكنه إنما كلف الحكم بالظاهر، وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم: ” أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله “، وفي حديث المتلاعنين: ” لولا الأيمان لكان لي ولها شأن ” (رواه أبوداود ضعفه الألباني) ولو شاء الله تعالى لأطلعه صلى الله عليه وسلم على باطن أمر الخصمين فحكم بيقين نفسه من غير حاجة إلى شهادة أو يمين، لكن لما أمر الله تعالى أمته باتباعه والاقتداء بأقواله وأفعاله وأحكامه أجرى له حكمهم في عدم الاطلاع على باطن الأمور، ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه، فأجرى الله تعالى أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره؛ ليصح الاقتداء به، وتطيب نفوس العباد للانقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن. والله أعلم. ” (شرح النووي)
قال ابن عثيمين:” في هذا الحديث دليلٌ على أن الرسول صلى الله عليه وسلم بشر مثلنا، ليس ملاكاً من الملائكة، بل هو بشر يعتريه ما يعتري البشر بمقتضى الطبيعة البشرية، فهو صلى الله عليه وسلم يجوع ويعطش، ويبرد ويحتر، وينام ويستيقظ، ويأكل ويشرب، ويذكر وينسى، ويعلم ويجهل بعض الشي كالبشر تماماً يقول صلى الله عليه وسلم ” إنما أنا بشرٌ مثلكم”.
وهكذا أمره الله عزّ وجلّ أن يعلن للملأ فيقول: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (الكهف: 110)، فلست إلها يُعبد، ولا رباً ينفع ويضر، بل عليه الصلاة والسلام لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً.” (شرح رياض الصالحين 2/ 530
وقوله: (ولعل) هي هنا بمعنى: عسى (فتح الباري)
قوله (ألحن): قال ابن فارس:” (لحن) اللام والحاء والنون له بناءان يدل أحدهما على إمالة شيء من جهته، ويدل الآخر على الفطنة والذكاء.” (مقاييس اللغة) قال الفيومي رحمه الله: اللحن – بفتحتين -: الفطنة، وهو مصدر، من باب تعب، والفاعل لحن، ويتعدى بالهمزة، فيقال: ألحنته عني، فلحن؛ أي: أفطنته، ففطن، وهو سرعة الفهم، وهو ألحن من زيد؛ أي: أسبق فهما منه. ” (المصباح المنير) قال النووي:” فهو بالحاء المهملة، ومعناه أبلغ وأعلم بالحجة، كما صرح به في الرواية الثانية.” (شرح مسلم) قال ابن حجر:” وقوله: (ألحن)، تقدم في المظالم بلفظ: ” أبلغ “، وهو بمعناه؛ لأنه من ” لحن ” بمعنى: فطن، وزنه ومعناه، والمراد: أنه إذا كان أفطن كان قادرا على أن يكون أبلغ في حجته من الآخر.” (فتح الباري)
قوله: (بحجته من بعض) قال ابن علان:” (بحجته من بعض) فيزين كلامه بحيث أظنه صادقاً في دعواه” (دليل الفالحين)
قال النووي:” فإن قيل: هذا الحديث ظاهر أنه قد يقع منه صلى الله عليه وسلم في الظاهر مخالف للباطن، وقد اتفق الأصوليون على أنه صلى الله عليه وسلم لا يقر على خطأ في الأحكام، فالجواب أنه لا تعارض بين الحديث وقاعدة الأصوليين؛ لأن مراد الأصوليين فيما حكم فيه باجتهاده، فهل يجوز أن يقع فيه خطأ؟ فيه خلاف، الأكثرون على جوازه، ومنهم من منعه، فالذين جوزوه قالوا: لا يقر على إمضائه، بل يعلمه الله تعالى به ويتداركه، وأما الذي في الحديث فمعناه: إذا حكم بغير اجتهاد كالبينة واليمين فهذا إذا وقع منه ما يخالف ظاهره باطنه لا يسمى الحكم خطأ، بل الحكم صحيح بناء على ما استقر به التكليف، وهو وجوب العمل بشاهدين مثلا، فإن كانا شاهدي زور أو نحو ذلك فالتقصير منهما وممن ساعدهما، وأما الحكم فلا حيلة له في ذلك، ولا عيب عليه بسببه بخلاف ما إذا أخطأ في الاجتهاد، فإن هذا الذي حكم به ليس هو حكم الشرع. والله أعلم. ” (شرح النووي)
قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن قضيت له بحق مسلم) هذا التقييد بالمسلم خرج على الغالب وليس المراد به الاحتراز من الكافر، فإن مال الذمي والمعاهد والمرتد في هذا كمال المسلم. والله أعلم. (شرح مسلم)
قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنما أقطع له به قطعة من النار) معناه: إن قضيت له بظاهر يخالف الباطن فهو حرام يؤول به إلى النار. (شرح مسلم) قال ابن حجر:” وقوله: (فإنما أقطع له قطعة من النار)، أي: إن أخذها مع علمه بأنها حرام عليه دخل النار.” (فتح الباري) قال ابن عثيمين:” النبي صلى الله عليه وسلم توعد من قُضي له بغير حق فقال: ” فمن قضيت له بحق اخيه فإنما أقطع له قطعة من النار” يعني أن حُكم الحاكم لا يبيح الحرام، فلو أن الحاكم حكم للمبطل بمقتضى ظاهر الدعوى، فإن ذلك لا يحل له ما حكم له به، بل إنه يزداد إثماً، لأنه توصل إلى الباطل بطريق باطلة، فيكون أعظم ممن أخذه بغير هذه الطريق.” (شرح رياض الصالحين)
قال النووي:” وفي هذا الحديث: دلالة لمذهب مالك والشافعي وأحمد وجماهير علماء الإسلام وفقهاء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم أن حكم الحاكم لا يحيل الباطن، ولا يحل حراما، فإذا شهد شاهدا زور لإنسان بمال، فحكم به الحاكم؛ لم يحل للمحكوم له ذلك المال، ولو شهدا عليه بقتل لم يحل للولي قتله مع علمه بكذبهما، وإن شهدا بالزور أنه طلق امرأته لم يحل لمن علم بكذبهما أن يتزوجها بعد حكم القاضي بالطلاق، وقال أبو حنيفة رضي الله عنه: يحل حكم الحاكم الفروج دون الأموال، فقال: يحل نكاح المذكورة، وهذا مخالف لهذا الحديث الصحيح ولإجماع من قبله، ومخالف لقاعدة وافق هو وغيره عليها، وهي أن الأبضاع أولى بالاحتياط من الأموال. والله أعلم. (شرح مسلم)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: بيان أن النبي – صلى الله عليه وسلم – لا يعلم من الغيب إلا ما علَّمَهُ الله، وأنه يقضي بين الخصوم بما ظهر له من الحجة.
وفيه: أنَّ حكم الحاكم لا يحل حرامًا في نفس الأمر، وقد قال الله تعالى: {وَلا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَاكُلُوا فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 188].” (التطريز)
قال الأتيوبي:” حكم الحاكم على الظاهر، لا على باطن الأمور، فلا يحل، حراما، ولا يحرم حلالا، قال الإمام الشافعي رحمه الله – لما ذكر هذا الحديث -: فيه دلالة على أن الأمة إنما كلفوا القضاء على الظاهر، وفيه أن قضاء القاضي لا يحرم حلالا، ولا يحل حراما.” (البحر المحيط الثجاج)
قال ابن باز:” القاضي والحاكم مأجور على اجتهاده إذا تحرى الحق وطلب الحق ولم يقصر فهو مأجور وإن أصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر” (شرح رياض الصالحين لابن باز)
225 – وعن ابنِ عمرَ رضي اللَّه عنهما قال قال رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: ” لَنْ يَزَالَ الْمُؤمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَالَمْ يُصِبْ دَماً حَراماً “رواه البخاري.
قال ابن حجر: ” قوله: (من دينه)، كذا للأكثر بكسر المهملة؛ من الدين، وفي رواية الكشميهني: ” من ذنبه “، فمفهوم الأول أن يضيق عليه دينه، ففيه إشعار بالوعيد على قتل المؤمن متعمدا بما يتوعد به الكافر، ومفهوم الثاني أنه يصير في ضيق بسبب ذنبه، ففيه إشارة إلى استبعاد العفو عنه لاستمراره في الضيق المذكور. وقال ابن العربي: الفسحة في الدين: سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت؛ لأنها لا تفي بوزره، والفسحة في الذنب: قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول، وحاصله أنه فسره على رأي ابن عمر في عدم قبول توبة القاتل. (فتح الباري)
والبخاري ذكر بعد هذا الحديث أثر ابن عمر أنه قال: «إن من ورطات الأمور، التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها، سفك الدم الحرام بغير حله» وفي رواية بغير حقه.
وروى أبو دواد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حراما فإذا أصاب دما حراما بلح. قال القاري: أي المؤمن لا يزال موفقا للخيرات مسارعا لها ما لم يصب دما حراما، فإذا أصاب ذلك أعيا وانقطع عنه ذلك لشؤم ما ارتكب من الإثم. (مرقاة المصابيح)
وروى الترمذي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لَزَوَالُ الدُّنْيَا أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ. (صححه الألباني)
ولأهمية الدماء فأول ما يقضى بين العباد في الدماء، ففي الصحيحين قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” أَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ بِالدِّمَاءِ ”
قال فيصل آل مبارك:” الفسحة: السِّعَة. أي: لا يزال في رجاء رحمة من الله على ما ارتكبه من الذنوب، فإذا أصاب الدم الحرام ضاقت عليه المسالك.” (تطريز)
قال ابن عثيمين:” ” ما لم يصب دماً حراماً” يعني ما لم يقتل مؤمناً أو ذمياً أو معاهدةً أو مستأمناً، فهذه هي الدماء المحرمة، هي أربعة أصناف: دم المسلم، ودم الذمي، ودم المعاهد، ودم المستأمن، وأشدها وأعظمها دم المؤمن، أما الكافر الحربي فهذا دمه غير حرام، فإذا أصاب الإنسان دماً حراماً فإنه يضيق عليه دينه، أي أن صدره يضيق به حتى يخرج منه والعياذ بالله ويموت كافراً.
وهذا هو السر في قوله تعالى: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء: 93)، فهذه خمس عقوبات والعياذ بالله: جهنم، خالداً فيها وغضب الله عليه، ولعنه، وأعد له عذاباً عظيماً، لمن قتل مؤمناً متعمداً؛ لأنه إذا قتل مؤمناً متعمداً فقد أصاب دماً حراماً، فيضيق عليه دينه، ويضيق به صدره، حتى ينسلخ من دينه بالكلية، ويكون من أهل النار المخلدين فيها.” (شرح رياض الصالحين 2/ 534)
وقال أيضا:” في هذا دليلٌ على أن إصابة الدم بالحرام من كبائر الذنوب، ولا شك في هذا، فإن قتل النفس التي حرم الله بغير حق من كبائر الذنوب.
ولكن إذا تاب الإنسان من هذا القتل فهل تصح توبته؟
جمهور العلماء على أن توبته تصح؛ لعموم قوله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانا إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا) (الفرقان: 68 – 71)، فهنا نص على أن من تاب من قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وآمن وعمل عملاً صالحاً، فإن الله يتوب عليه. وقال تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).
ولكن بماذا تكون التوبة؟ قتل المؤمن عمداً يتعلق به ثلاثة حقوق: الحق الأول: حق الله، الحق الثاني: حق المقتول، الحق الثالث: حق أولياء المقتول.
أما حق الله: فإذا تاب منه تاب الله عليه ولا شك في هذا.
وأما حق المقتول: فالمقتول حقه عنده، وهو قد قتل الآن ولا يمكن التحلل منه في الدنيا، ولكن هل توبته تقتضي أن يتحمل الله عنه حق المقتول فيؤديه عنه أم لابد من أخذه بالاقتصاص منه يوم القيامة؟
هذا محل نظر؛ فمن العلماء من قال: إن حق المقتول لا يسقط بالتوبة؛ لأن من شروط التوبة رد المظالم إلى أهلها، والمقتول لا يمكن رد مظلمته إليه لأنه قتل، فلا بد أن يقتص من قاتله يوم القيامة، ولكن ظاهر الآيات الكريمة التي ذكرناها في سورة الفرقان يقتضي أن الله يتوب عليه توبة تامة، وأن الله جل وعلا من كرمه ولطفه وإحسانه إذا علم من عبده صدق التوبة فإنه يتحمل عنه حق أخيه المقتول.
أما الحق الثالث فهو حق أولياء المقتول، وهذا لابد من التخلص منه، لأنه يمكن للإنسان أن يتخلص منه، وذلك بأن يسلم نفسه إليهم ويقول لهم: أنا قتلت صاحبكم فافعلوا ما شئتم، وحينئذ يخيرون بين أمور أربعة: إما أن يعفوا عنه مجاناً، وإما أن يقتلوه قصاصاً، وأما أن يأخذوا الدية منه، وإما أن يصالحوه مصالحة على أقل من الدية أو على الدية، وهذا جائز بالاتفاق.
فإن لم يسقط حقهم إلا بأكثر من الدية؛ ففيه خلاف بين أهل العلم، منهم من يقول: لا بأس أن يصالحوا على أكثر من الدية؛ لأن الحق لهم، فإن شاءوا قالوا: نقتل، وإن شاءوا قالوا: لا نعفو إلا بعشر ديات، وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله، أنه يجوز المصالحة عن القصاص بأكثر من الدية، التعليل هو ما ذكرنا من أن الحق لهم، أي لأولياء المقتول، فلهم أن يمتنعوا عن إسقاطه إلا بما تطيب به نفوسهم من المال.
إذن نقول: توبة القاتل عمداً تصح للآية التي ذكرناها من سورة الفرقان، وهي خاصة في القتل، وللآية الثانية العامة: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً) (الزمر: 53). حق الله يسقط- بلا شك – بالتوبة، وحق المقتول قيل: إنه يسقط ويتحمله الله عزّ وجلّ عمن تاب يوم القيامة، وقيل: لا يسقط، والأقرب: أنه يسقط، وأن الله جل وعلا يتحمل عنه، أما حق أولياء المقتول فلا بد منه، فيسلم نفسه لآبناء المقتول وهم ورثته ويقول لهم: الآن افعلوا ما شئتم.” (شرح رياض الصالحين 2/ 536)
226 – وعن خَوْلَةَ بِنْتِ عامِرٍ الأَنْصَارِيَّةِ، وَهِيَ امْرَأَةُ حمْزَةَ رضي اللَّهُ عنه وعنها، قَالَتْ: سمِعْتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقُولُ: “إِنَّ رِجَالاً يَتَخَوَّضُونَ فِي مالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلهُمُ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامةِ” رواه البخاري.
روى الترمذي أن رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ” إِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، مَنْ أَصَابَهُ بِحَقِّهِ بُورِكَ لَهُ فِيهِ، وَرُبَّ مُتَخَوِّضٍ فِيمَا شَاءَتْ بِهِ نَفْسُهُ مِنْ مَالِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَيْسَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَّا النَّارُ “. (الصحيحة 1592)
قوله (رجالا) خرج مخرج الغالب، لأن الغالب الرجال يديرون الأموال.
قوله (يتخوضون) بالخاء والضاد المعجمتين: أي: يتصرفون (دليل الفالحين) قال ابن عثيمين:” في قوله: ” يتخوضون” دليلٌ على أنهم يتصرفون تصرفاً طائشاً غير مبني على أصول شرعية، فيفسدون الأموال ببذلها فيما يض” (شرح رياض الصالحين 2/ 538)
وقوله: (ليس له يوم القيامة إلا النار) حكم مرتب على الوصف المناسب وهو الخوض في مال الله، ففيه إشعار بالغلبة. (فتح الباري) أي في الدنيا لهم سلطة على المال وغلبوه وتخوضوا فيه بغير الحق، فسيغلبون يوم القيامة ويدخلون النار الجزاء من جنس العمل.
(في مال الله بغير حق) أي يتصرفون في مال المسلمين بالباطل (فتح الباري)
قال ابن باز:” هذا يدل على أن التصرف في الأموال بغير وجه شرعي يلحق بالظلم وبالوعيد الشديد في ذلك.” (شرح رياض الصالحين 2/ 458)
قال ابن عثيمين:” وفي هذا الحديث تحذير من بذل المال في غير ما ينفع والتخوض فيه؛ لأن المال جعله الله قياماً للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، فإذا بذله في غير مصلحة كان من المتخوضين في مال الله بغير حق.” (شرح رياض الصالحين 2/ 539)