2187، 2188،2189 تحضير سنن أبي داود
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري وسلطان الحمادي ومحمد فارح
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بَابٌ فِي سُنَّةِ طَلَاقِ الْعَبْدِ
(2187) – حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ مُعَتِّبٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا حَسَنٍ مَوْلَى بَنِي نَوْفَلٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّهُ، اسْتَفْتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فِي مَمْلُوكٍ كَانَتْ تَحْتَهُ مَمْلُوكَةٌ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَتَيْنِ، ثُمَّ عُتِقَا بَعْدَ ذَلِكَ، هَلْ يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يَخْطُبَهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ، قَضَى بِذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ?»،
[حكم الألباني]: ضعيف
(2188) – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ، أَخْبَرَنَا عَلِيٌّ بِإِسْنَادِهِ وَمَعْنَاهُ بِلَا إِخْبَارٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «بَقِيَتْ لَكَ وَاحِدَةٌ قَضَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ?»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: سَمِعْت أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ، لِمَعْمَرٍ: «مَنْ أَبُو الْحَسَنِ هَذَا؟ لَقَدْ تَحَمَّلَ صَخْرَةً عَظِيمَةً»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «أَبُو الْحَسَنِ هَذَا رَوَى، عَنْهُ الزُّهْرِيُّ»، قَالَ الزُّهْرِيُّ: «وَكَانَ مِنَ الْفُقَهَاءِ رَوَى الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ أَحَادِيثَ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «أَبُو الْحَسَنِ مَعْرُوفٌ، وَلَيْسَ الْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ»
[حكم الألباني]: ضعيف
(2189) – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَسْعُودٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُظَاهِرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ? قَالَ: «طَلَاقُ ? (258) ? الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ، وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ»، قَالَ أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنِي مُظَاهِرٌ، حَدَّثَنِي الْقَاسِمُ، عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ? مِثْلَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: «وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَهُوَ حَدِيثٌ مَجْهُولٌ»
[حكم الألباني]: ضعيف
——-
قال الخطابي:
قال أبو داود: حدثنا زهير بن حرب قال حدثني يحيى بن سعيد، قال: حَدَّثنا علي بن المبارك قال حدثني يحيى بن كثير أن عمر بن معتب أخبره أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك كانت تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم أعتقها بعد ذلك هل يصلح له أن يخطبها قال نعم قضى بذلك رسول الله ?.
قال الشيخ لم يذهب إلى هذا أحد من العلماء فيما أعلم، وفي إسناده مقال، وقد ذكرأبو داود عن أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق أن ابن المبارك قال ((1)) أبوالحسن هذا قال لقد تحمل صخرة عظيمة.
قال الشيخ يريد بذلك إنكار ما جاء به من الحديث ومذهب عامة الفقهاء أن المملوكة إذا كانت تحت مملوك فطلقها تطليقين أنها لا تحل له إلاّ بعد زوج.
قال أبو داود: حدثنا محمد بن مسعود، قال: حَدَّثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن مظاهر عن القاسم بن محمد عن عائشة عن النبي ? قال طلاق الأمة تطليقتان وقرؤها حيضتان قال أبو داود الحديثان جميعا ليس العمل عليهما.
قال الشيخ اختلف العلماء في هذا فقالت طائفة الطلاق بالرجال والعدة بالنساء روي ذلك عن ابن عمر وزيد بن ثابت وابن عباس وإليه ذهب عطاء بن أبي رباح وهو قول مالك والشافعي وأحمد وإسحاق.
وإذا كانت أمة تحت حر فطلاقها ثلاث وعدتها قرءان وإن كانت حرة تحت عبد فطلاقها اثنتان وعدتها ثلاثة اقراء في قول هؤلاء.
وقال أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري الحرة تعتد ثلاثة اقراء كانت تحت حر أو عبد وطلاقها ثلاث كالعدة، والأمة تعتد قرأين وتطلق بطلقتين سواء كانت تحت حر أو عبد.
قال الشيخ والحديث حجة لأهل العراق إن ثبت ولكن أهل الحديث ضعفوه ومنهم من تأوله على أن يكون الزوج عبدًا.
معالم السنن (3) / (239) — الخطابي (ت (388))
قال ابن عبدالبر:
ذَهَبَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ الطَّلَاقَ بِالرِّجَالِ وَالْعِدَّةَ بِالنِّسَاءِ
وَهُوَ قَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَجُمْهُورِ فُقَهَاءِ الْحِجَازِ أَنَّ اللَّهَ عزوجل أضاف الطَّلَاقَ إِلَى الرِّجَالِ لِقَوْلِهِ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ) البقرة (231) و (232)
فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ لِلنِّسَاءِ
وَهُوَ قول جماعة أهل العراق
وحجته حديث بن جُرَيْجٍ عَنْ مُظَاهِرِ بْنَ أَسْلَمَ – عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ? «طَلَاقُ الْأَمَةِ تَطْلِيقَتَانِ وَقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ» فَأَضَافَ إِلَيْهَا الطَّلَاقَ وَالْعِدَّةَ جَمِيعًا إِلَّا أَنَّ مُظَاهِرَ بْنَ أَسْلَمَ انْفَرَدَ بهذا الحديث وهو ضعيف
وقد روي عن بن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ أَيُّهُمَا رَقَّ نَقَصَ طَلَاقُهُ
وَقَالَ بِهِ فِرْقَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ قَوْمٌ عِدَّةُ الْحُرَّةِ وَالْأَمَةِ سَوَاءٌ وَالطَّلَاقُ مِنْ أَزْوَاجِهِمَا لَهُمَا سَوَاءٌ فَلَا يَبِينُ وَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْعَبْدِ وَلَا عَلَى الْحُرِّ زَوْجَتُهُ إِلَّا بِثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ وَعِدَّةُ كُلِّ أَمَةٍ وَكُلِّ حُرَّةٍ سَوَاءٌ ثلاثة أقراء وفي الوفاة أربعة أشهر وعشرا
وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الظَّاهِرِ
الاستذكار (6) / (177) — ابن عبد البر (ت (463))
في الشرح الكبير على المغني:
بابُ ما يختلفُ به عَددُ الطَّلاقِ
(يَمْلِكُ الحُرُّ ثَلاثَ طَلَقَاتٍ وإن كان تَحْتَه أمَةٌ، ويَمْلِكُ العَبْدُ اثْنَتَيْنِ وإنْ كان تَحْتَهُ حُرَّةٌ) وجملةُ ذلك، أنَّ الطَّلاقَ مُعْتَبَرٌ بالرِّجالِ، فإنْ كان الزَّوْجُ حُرًّا، فطلاقُه ثلاثٌ، حُرَّةً كانتِ الزَّوجَةُ أو أمَةً، وإن كان عَبْدًا، فطلاقه اثْنَتانِ، حُرَّةً كانت زَوْجَتُه أو أمَةً. رُوِى ذلك عن عمرَ، وعثمانَ، وزيدٍ، وابنِ عباسٍ. وبه قال سعيدُ بنُ المُسَيَّبِ، ومالكٌ، والشافعىُّ، وإسْحاقُ، وابنُ المُنْذِرِ. وقال ابنُ عمرَ: أيُّهما رَقَّ نَقَصَ الطَّلاقُ بِرِقِّه، فطَلاقُ العبدِ اثْنَتانِ وإن كان تحْتَه حُرَّةٌ، وطَلاقُ الأمَةِ اثْنَتانِ وإنْ كان زَوْجُها حُرًّا (وعنه أنَّ الطَّلاقَ بالنِّساءِ، فيَمْلِكُ زَوْجُ الحُرَّةِ ثلاثًا وإن كان عبدًا، وزَوْجُ الأمةِ اثْنَتَيْنِ وإن كان حُرًّا) رُوِى ذلك عن علىٍّ، رَضِىَ اللَّه عنه. وهو قولُ ابنِ مسعودٍ. وبه قال الحسنُ، وابنُ سِيرينَ، وعِكْرِمَةُ، وعَبِيدَةُ، ومَسْروقٌ، والزُّهْرِىُّ، والحَكَمُ، وحَمَّادٌ، والثَّوْرِىُّ، وأبو حنيفةَ؛ لِما رَوَتْ عائشةُ، رَضِىَ اللَّهُ عنها، عن النبىِّ ?، أنَّه قال: «طَلَاقُ الأمَةِ تَطْلِيقَتَان، [وقُرْؤُهَا حَيْضَتَانِ]». رَواه أبو داودَ، [وابنُ ماجَه]. ولأَنَّ المرأةَ مَحَلُّ الطَّلاقِ، فيُعْتَبَرُ بِها، كالعِدَّةِ. ولَنا، أنَّ اللَّه تعالى خاطَبَ الرِّجالَ بالطَّلاقِ، فكان حُكْمُه مُعْتَبَرًا بهم، ولأَنَّ الطَّلاقَ خالِصُ حَقِّ الزَّوْجِ، وهو ممَّا يَخْتَلِفُ بالرِّقِّ والحُرِّيَّةِ، فكان اخْتلافُه به، كعَدَدِ المنْكوحاتِ. وحديثُ عائشةَ، قال أبو داودَ: روايةُ مُظاهِرِ بنِ أسْلَمَ، وهو مُنْكَرُ الحديثِ.
وقد أخْرَجَه الدَّارَقُطْنِىُّ، في «سُنَنِه» عن عائشةَ، قالتْ: قال رسولُ اللَّهِ ?: «طَلَاقُ الْعَبْدِ اثْنَتَانِ، فَلَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَه، وَقُرْءُ الأمَةِ حَيْضَتَانِ، وَتَتَزَوَّجُ الْحُرَّةُ عَلَى الأمَةِ، وَلَا تَتَزَوَّجُ الأمَةُ عَلَى الحُرَّةِ». وهذا نَصٌّ. ولأَنَّ الحُرَّ يَمْلِكُ أن يَتَزَوَّجَ أرْبعًا، فمَلَكَ طَلَقاتٍ ثلاثًا، كما لو كان تحتَه حُرَّةٌ، ولا خِلافَ في أنَّ الحُرَّ الذى زَوْجَتُه حُرَّةٌ، طلاقُه ثلاثٌ، وأنَّ العبدَ الذى تحتَه أمَةٌ، طلاقُه اثْنَتانِ، وإنَّما الخِلاف فيما إذا كان أحَدُ الزَّوْجَيْن حُرًّا والآخَرُ رَقِيقًا.
قال أحمدُ: المُكاتَبُ عبدٌ ما بَقِىَ عليه دِرْهَمٌ، [وطلاقُه وأحْكامُه كلُّها أحْكامُ العبدِ. وهذا صَحِيحٌ؛ فإنَّه جاءَ في الحديثِ: «المُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِىَ عليه دِرْهَمٌ»]. ولأنَّه يَصِحُّ عِتْقُه، ولا يَنْكِحُ إلَّا اثْنَتَيْن، ولا يَتَزَوَّجُ ولا يَتَسَرَّى إلَّا بإذْنِ سَيِّدِه، وهذه أحْكامُ العَبيدِ، فيكونُ طَلاقُه كطلاقِ سائِرِ العَبِيدِ. وقد رَوَى الأَثْرَمُ، في «سُنَنِه» عن سليمانَ بنِ يَسارٍ [أنَّ نُفَيْعًا] مُكاتَبَ أُمِّ سَلَمَةَ، طَلَّقَ امرأةً حُرَّةً تطْليقَتَيْنِ، فسألَ عثمانَ وزيدَ بنَ ثابتٍ عن ذلك، فقالا: حَرُمَتْ عليك. والمُدبَّرُ كالعَبْدِ القِنِّ في نِكاحِه وطَلاقِه، وكذلك المُعَلَّقُ عِتْقُه بصِفَةٍ؛ لأنَّه عبدٌ، فثَبَتَتْ فيه أحْكامُ العبيدِ.
فصل: قال أحمدُ في روايةِ محمدِ بنِ الحَكَمِ: العبدُ إذا كان نِصْفُه حُرًّا ونِصْفُه عبدًا، يَتَزَوَّجُ ثلاثًا، ويُطَلِّقُ ثلاثَ تَطْلِيقاتٍ، وكذلك كلُّ ما تَجَزَّأَ بالحِسابِ. وإنَّما جَعَلَ له نِكاحَ ثلاثٍ؛ لأَنَّ عَدَدَ المنْكُوحاتِ يتَبَعَّضُ، فوَجَبَ أن يَتَبَعَّضَ في حَقِّه، كالحَدِّ، فلذلك كان له أن يَنْكِحَ نِصْف ما يَنْكِحُ [الحُرُّ ونِصْفَ ما يَنْكِحُ] العبدُ، وذلك ثلاثٌ. وأمَّا الطَّلاقُ فلا تُمْكِنُ قِسْمَتُه في حَقِّه؛ لأَنَّ مُقْتَضَى حالِه أن يكونَ له ثلاثةُ أرْباعِ الطَّلاقِ، وليس له ثلاثةُ أرْباعٍ، فكَمَلَ في حَقِّه، ولأَنَّ الأَصْلَ إثْبَاتُ الطَّلَقاتِ الثَّلاثِ في حَقِّ كُلِّ مُطَلِّقٍ، وإنَّما خُولِفَ في حَقِّ مَن كَمَلَ الرِّقُّ فيه، ففيما عَداهُ يَبْقَى على الأَصْلِ.
الشرح الكبير على المقنع – ت التركي (23) / (131) — ابن أبي عمر (ت (682))
قال العباد:
والحديث الذي أورده أبو داود فيما يتعلق بطلاق العبد ضعيف، ولكن جاء عن بعض الصحابة -مثل عمر وابنه رضي الله تعالى عنهما- أن العبد له تطليقتان، وذلك مبني على ما جاء في العقوبة أنها على النصف.
وأورد أبو داود هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه استفتاه رجل في أن عبدًا طلق زوجته المملوكة تطليقتين، ثم إنهما عتقا بعد ذلك، فهل يصلح له أن يخطبها؟ فقال: [(نعم.
قضى بذلك رسول الله ?] ومعناه أنه يصير له ثلاث تطليقات فيكون قد أمضى ثنتين ثم يضيف إليها الثالثة.
والحديث غير ثابت؛ لأن فيه من هو ضعيف، ولكن الشيء الذي هو معتبر وعليه العلماء أن له تطليقتين وأن الأمة عدتها حيضتان.
شرح سنن أبي داود للعباد (251) / (6) — عبد المحسن العباد
قال الإتيوبي:
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم فيما إذا طلّق العبد زوجته ثنتين، ثم عَتَقَ:
قال الإمام ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-: إذا طلّق العبد زوجته اثنتين، ثم عَتَقَ لم تحلّ له زوجته حتى تنكح زوجًا غيره؛ لأنها حَرُمت عليه بالطلاق تحريمًا لا يحلّ إلا بزوج، وإصابة، ولم يوجد ذلك، فلا يزول التحريم. وهذا ظاهر المذهب. وقد روي عن أحمد أنه يَحِلّ له أن يتزوّجها، وتبقى عنده على واحدة، وذكر حديث ابن عباس – رضي اللَّه تعالى عنهما -يعني حديث الباب- وقال: لا أدري شيئًا يدفعه، وغير واحد يقول به: أبو سلمة، وجابرٌ، وسعيد بن المسيّب. ورواه الإمام أحمد في «المسند»، وأكثر الروايات عن أحمد الأول، وقال: حديث عثمان، وزيد في تحريمها عليه جيّد، وحديث ابن عباس يرويه عُمر بن معتّب، ولا أعرفه. وقد قال ابن المبارك: من أبو الحسن هذا؟ لقد تحمّل صخرة عظيمة، منكرًا لهذا الحديث، قال أحمد: أما أبو حسن
فهو عندي معروف، ولكن لا أعرف عمر بن معتّب.
قال أبو بكر: إن صحّ الحديث فالعمل عليه، وإن لم يصحّ فالعمل على حديث عثمان وزيد، وبه أقول انتهى
قال العلاّمة ابن القيّم -رحمه اللَّه تعالى-: وحديث عثمان وزيد الذي أشار إليه هو ما رواه الأثرم في «سننه» عن سليمان بن يسارة «أن نُفيعًا، مكاتب أم سلمة طلّق امرأته حرّة بتطليقتين، فسأل عثمان وزيد بن ثابت عن ذلك؟ فقالا: حَرُمت عليك» انتهى.
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: الظاهر أنه إن كان الطلقتان بكلمة واحدة، فكالطلاق الثلاث من الحرّ، وقد سبق أنها تعتبر طلقة واحدة، وإن لم تكن بكلمة واحدة، فالمذهب الأول هو الأرجح؛ لأنه حينما طلّقها طلّقها طلاقًا تحرم به الرجعة، فلا يُرفع هذا التحريم بعتقه، ولو صحّ حديث ابن عبّاس – رضي اللَّه تعالى عنهما – لقلنا به، لكنه لم يصحّ. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم، هل الطلاق يعتبر بالرجال، أم بالنساء؟:
قال العلامة ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-: إن الطلاق معتبر بالرجال، فإن كان الزوج حرًّا، فطلاقه ثلاث، حرّة كانت الزوجة أو أمةً، وإن كان عبدًا، فطلاقه اثنتان حرّة كانت زوجته أو أمة، فإذا طلّق اثنتين حَرُمت عليه، حتى تنكح زوجًا غيره. روي ذلك عن عمر، وعثمان، وزيد، وابن عبّاس. وبه قال سعيد بن المسيّب، ومالكٌ، والشافعيّ، وإسحاق، وابن المنذر. وقال ابن عمر: أيهما رَقَّ نقص الطلاق برقّه، فطلاق العبد اثنتان، وإن كان تحته حرّة، وطلاق الأمة اثنتان، وإن كان زوجها حرًّا. وروي عن عليّ، وابن مسعود، أن الطلاق معتبرٌ بالنساء، فطلاق الأمة اثنتان، حرًّا كان الزوج أو عبدًا، وطلاق الحرّة ثلاث، حرًّا كان زوجها، أو عبدًا. وبه قال الحسن، وابن سيرين، وعكرمة، وعَبيدة، ومسروق، والزهريّ، والحكم، وحمّاد، والثوريّ، وأبو حنيفة؛ لما روت عائشة – رضي اللَّه تعالى عنها -، عن النبيّ ?، أنه قال: «طلاق الأمة تطليقتان، وقرؤها حيضتان». رواه أبو داود، وابن ماجه. ولأن المرأة محلّ للطلاق، فيُعتبر بها كالعدّة. ولنا أن اللَّه تعالى خاطب الرجال بالطلاق، فكان حكمه معتبرًا بهم، ولأن الطلاق خالص حقّ الزوج، وهو مما يختلف بالرقّ والحريّة، فكان اختلافه به كعَدَد المنكوحات. وحديث عائشة – رضي اللَّه تعالى عنها -، قال أبو داود: راويه مظاهر بن أسلم، وهو منكر الحديث. وقد أخرجه الدارقطنيّ في «سننه» عن عائشة – رضي اللَّه تعالى عنها، قالت: قال رسول اللَّه ?: «طلاق العبد اثنتان، فلا تحلّ له حتى تنكح زوجًا غيره، وقرء الأمة حيضتان، وتتزوّج الحرّة على الأمة، ولا تتزوّج الأمة على الحرّة». وهذا نصّ.
ولأن الحرّ يملك أن يتزوّج أربعًا، فملك طلقات ثلاثًا، كما لو كان تحته حرّةٌ، ولا خلاف في أن الحرّ الذي زوجته حرّةٌ طلاقه ثلاث، وأن العبد الذي تحته أمة طلاقه اثنتان، وإنما الخلاف فيما إذا كان أحد الزوجين حرًّا، والآخر رقيقًا انتهى كلام ابن قدامة -رحمه اللَّه تعالى-.
قال الجامع – عفا اللَّه تعالى عنه -: الذي يظهر لي أن ما ذهب إليه الأولون من أن اعتبار الطلاق بالرجال هو الأقرب؛ لإسناد الشارع الطلاق إليهم حينما خاطبهم في غير ما آية، كقوله تعالى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ} الآية، ولأنه خالص حقّ الرجل، لا حقّ للمرأة فيه، فاعتباره به أولى، وأما حديث عائشة – رضي اللَّه تعالى عنها – المذكور، فإنه ضعيف؛ لضعف مُظاهر بن أسلم، فلا يصلح دليلًا للفريقين، فتبصّر. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (28) / (336) — محمد بن علي بن آدم الأثيوبي (ت (1442))