2186 – تحضير سنن أبي داود
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وأسامة الحميري وسلطان الحمادي وعبدالله المشجري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف: سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
تحضير سنن أبي داود
بَابُ الرَّجُلِ يُرَاجِعُ، وَلَا يُشْهِدُ
2186 – حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ، أَنَّ جَعْفَرَ بْنَ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَهُمْ، عَنْ يَزِيدَ الرِّشْكِ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ، سُئِلَ عَنِ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ، ثُمَّ يَقَعُ بِهَا، وَلَمْ يُشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَلَا عَلَى رَجْعَتِهَا، فَقَالَ: «طَلَّقْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، وَرَاجَعْتَ لِغَيْرِ سُنَّةٍ، أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا، وَعَلَى رَجْعَتِهَا، وَلَا تَعُدْ»
[حكم الألباني]: صحيح
——–
قال ابن كثير:
{فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا (3)}.
يقول تعالى: إذا بلغت المعتدات أجلهن أي: شارفن على انقضاء العدة وقاربن ذلك ولكن لم تفرغ العدة الكلية، فحينئذٍ إما أن يعزم الزوج على إمساكها وهو رجعتها إلى عصمة نكاحه والاستمرار بها على ما كانت عليه عنده بمعروف؛ أي: محسنًا إليها في صحبتها، وإما أن يعزم على مفارقتها بمعروف؛ أي: من غير مقابحة ولا مشاتمة ولا تعنيف بل يطلقها على وجه جميل وسبيل حسن.
وقوله: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} أي: على الرجعة إذا عزمتم عليها كما رواه أبو داود وابن ماجه، عن عمران بن حصين أنه سئل عن الرجل يطلق المرأة ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها، فقال: طلقت لغير سنة، وراجعت لغير سنة، وأشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد.
وقال ابن جريج: كان عطاء يقول: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} قال: لا يجوز في نكاح ولا طلاق ولا رجاع إلا شاهدا عدل كما قال الله عز وجل إلا أن يكون من عذر.
وقوله: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} أي: هذا الذي أمرناكم به من الإشهاد وإقامة الشهادة إنما يأتمر به من يؤمن بالله واليوم الآخر، وأنه شرع هذا ومن يخاف عقاب الله في الدار الآخرة.
ومن ههنا ذهب الشافعي في أحد قوليه إلى وجوب الإشهاد في الرجعة كما يجب عنده في ابتداء النكاح، وقد قال بهذا طائفة من العلماء، ومن قال بهذا يقول: إن الرجعة لا تصح إلا بالقول ليقع الإشهاد عليها.
[تفسير ابن كثير – ط ابن الجوزي 7/ 299]
قال الشوكاني:
قوله: “ويجب الاشعار”.
أقول: لا شك في أن هذا واجب على الزوج للزوجة ولا سيما إذا كان ترك الاشعار لها يؤدي إلي ان تقع في محظور من إجابة خطبة من يخطبها أو الدخول في نكاح من يريد نكاحها بل الظاهر وجوب الاشعار لمن يتصل به ويجاوره لئلا يظنوا به مالا يحل واجتناب ذلك واجب بل قد ورد ما يدل على وجوب الإشهاد فأخرج أحمد وابن ماجه والطبراني والبيهقي بسند صحيح عن عمران بن الحصين أنه سئل عن الرجل يطلق امراته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة اشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد فإن قوله: لغير سنة يدل على أنه قد عرف من السنة ما يفيد الإشهاد فهو كقول الصحابي من السنة كذا.
ومما يؤيد هذا: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} [الطلاق: 2]، فإنه وارد عقب قوله: {فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: 2]، وقد وقد الاجماع على عدم وجوب الاشهاد في الطلاق واتفقوا على الاستحباب.
[السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار ص439]
وقال الشوكاني أيضا:
وَاخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَا يَكُونُ بِهِ الرَّجُلُ مُرَاجِعًا، فَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: إذَا جَامَعَهَا فَقَدْ رَاجَعَهَا. وَمِثْلُهُ أَيْضًا رُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَإِسْحَاقُ: بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ بِهِ الرَّجْعَةَ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ كَالْأَوْزَاعِيِّ وَزَادُوا: وَلَوْ لَمَسَهَا لِشَهْوَةٍ، أَوْ نَظَرَ إلَى فَرْجِهَا لِشَهْوَةٍ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَكُونُ الرَّجْعَةُ إلَّا بِالْكَلَامِ. وَحُجَّةُ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الطَّلَاقَ يُزِيلُ النِّكَاحَ، وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الْإِمَامُ يَحْيَى، وَالظَّاهِرُ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْأَوَّلُونَ، لِأَنَّ الْعِدَّةَ مُدَّةُ خِيَارٍ، وَالِاخْتِيَارُ يَصِحُّ بِالْقَوْلِ وَالْفِعْلِ. وَأَيْضًا ظَاهِرُ قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} [البقرة: 228] وَقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: «مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا» أَنَّهَا تَجُوزُ الْمُرَاجَعَةُ بِالْفِعْلِ لِأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّ قَوْلًا مِنْ فِعْلٍ، وَمَنْ ادَّعَى الِاخْتِصَاصَ فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ. وَقَدْ حَكَى فِي الْبَحْرِ عَنْ الْعِتْرَةِ وَمَالِكٍ أَنَّ الرَّجْعَةَ بِالْوَطْءِ وَمُقَدِّمَاتِهِ مَحْظُورَةٌ وَإِنْ صَحَّتْ، ثُمَّ قَالَ: قُلْت: إنْ لَمْ يَنْوِ بِهِ الرَّجْعَةَ فَنَعَمْ لِعَزْمِهِ عَلَى قَبِيحٍ، وَإِلَّا فَلَا لِمَا مَرَّ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: بَلْ مُبَاحٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} [المؤمنون: 6] وَالرَّجْعِيَّةُ زَوْجَةٌ بِدَلِيلِ صِحَّةِ الْإِيلَاءِ، انْتَهَى.
[نيل الأوطار 6/ 299]
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
أحكام الرجعة:
الإشهاد على الرجعة:
19 – ذهب الحنفية والمالكية، والجديد من مذهب الشافعي وإحدى الروايتين عن أحمد إلى أن الإشهاد على الرجعة مستحب، وهذا القول مروي عن ابن مسعود، وعمار بن ياسر رضي الله عنهما، فمن راجع امرأته ولم يشهد صحت الرجعة؛ لأن الإشهاد مستحب.
وحجتهم في ذلك ما يأتي:
1 – الرجعة مثل النكاح من حيث كونها امتدادا له، ومن المتفق عليه أن استدامة النكاح لا تلزمها شهادة، فكذا الرجعة لا تجب فيها الشهادة.
2 – الرجعة حق من حقوق الزوج وهي لا تحتاج لقبول المرأة، لذلك لا تشترط الشهادة لصحتها؛ لأن الزوج قد استعمل خالص حقه، والحق إذا لم يحتج إلى قبول أو ولي فلا تكون الشهادة شرطا في صحته.
قالوا: وأما قوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم} (1) هذا أمر، والأمر في هذه الآية محمول على الندب لا على الوجوب، مثل قوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم} (2) واتفق جمهور الفقهاء على صحة البيع بلا إشهاد، فكذا استحب الإشهاد على الرجعة للأمن من الجحود، وقطع النزاع، وسد باب الخلاف بين الزوجين. ويلاحظ أن تأكيد الحق في البيع في حاجة إلى إشهاد أكثر من الرجعة؛ لأن البيع إنشاء لتصرف شرعي، أما الرجعة فهي استدامة الحياة الزوجية أو إعادتها، فلما صح البيع بلا إشهاد صحت الرجعة بلا إشهاد من باب أولى.
وأضاف المالكية أن الزوجة لو منعت زوجها من وطئها حتى يشهد على الرجعة كان فعلها هذا حسنا وتؤجر عليه، ولا تكون عاصية لزوجها.
وذهب الشافعي في القديم من المذهب وأحمد في الرواية الثانية بأن الإشهاد على الرجعة واجب لقوله تعالى: {وأشهدوا ذوي عدل منكم}. وبالأثر المروي عن عمران بن حصين فقد سأله رجل عمن طلق امرأته طلاقا رجعيا ثم وقع بها ولم يشهد، فقال: طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، أشهد على ذلك ولا تعد؛ ولأن الرجعة استباحة بضع محرم فيلزمه الإشهاد.
وقال النووي: إن الإشهاد على الرجعة ليس شرطا ولا واجبا في الأظهر.
إعلام الزوجة بالرجعة:
20 – ذهب جمهور الفقهاء إلى أن إعلام الزوجة بالرجعة مستحب؛ لما فيه من قطع المنازعة التي قد تنشأ بين الرجل والمرأة.
قال العيني ما نصه: ” ويستحب أن يعلمها ” أي يعلم المرأة بالرجعة، فربما تتزوج على زعمها أن زوجها لم يراجعها وقد انقضت عدتها ويطؤها الزوج، فكانت عاصية بترك سؤال زوجها وهو يكون مسيئا بترك الإعلام، ولكن مع هذا لو لم يعلمها صحت الرجعة؛ لأنها استدامة النكاح القائم وليست بإنشاء، فكان الزوج متصرفا في خالص حقه، وتصرف الإنسان في خالص حقه لا يتوقف على علم الغير.
سفر الزوج بالمطلقة الرجعية:
21 – ذهب الحنابلة وزفر من الحنفية إلى أن للزوج السفر بمطلقته الرجعية، أما الجمهور فلا يجيزون السفر بها؛ لأنها ليست زوجة من كل وجه؛ ولأن الزوج مأمور بعدم إخراجها من البيت في العدة لقوله تعالى: {لا تخرجوهن من بيوتهن} (2).
ولأن العدة قد تنقضي وهي في السفر معه فتكون مع أجنبي عنها وهذا محرم، كل هذا إذا لم يراجعها في العدة، أما إذا راجعها فتسافر معه لأنها زوجة له
[الموسوعة الفقهية الكويتية 22/ 113]
قال العباد:
وقد سبق أن مر في حديث عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يراجعها وما جاء فيه أنه يشهد، وقد أورد أبو داود رحمه الله في حديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سئل عن ذلك فقال: [(طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة، أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد)] أي: لا تعد إلى مثل هذا العمل، فهذا يدل على أن الإشهاد يمكن أن يتدارك، وأنه لا يلزم أن يكون عند الطلاق ولا عند الرجعة، بل قد يطلق ثم يشهد، ويراجع ثم يشهد، وقد تكون المراجعة بالجماع؛ لأن جماع الرجل امرأته المطلقة وهي في حال عدتها مراجعة لها، وقد تكون باللفظ، لكن الإشهاد مطلوب؛ وذلك حتى يعلم أن الطلاق انتهى بالرجعة، وكذلك الطلاق.
وقد جاء الأمر بالإشهاد في القرآن الكريم، وقد قال بوجوبه بعض أهل العلم، ولكن ليس لازماً أن يكون عند الطلاق، بل إذا طلق فطلاقه معتبر، وعليه أن يشهد بعد ذلك.
[شرح سنن أبي داود للعباد 251/ 3 بترقيم الشاملة آليا]
جاء في موسوعة الفقه الإسلامي:
الاشهاد فى الطلاق
اتفق الفقهاء على أن الاشهاد فى الطلاق مطلوب شرعا لقول الله تبارك وتعالى «فى سورة الطلاق» {فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» فانه ذكر الامساك بالمعروف وهو الرجعة والمفارقة بالمعروف وهى الطلاق وقرن بينهما. ثم عقب بعدهما بالأمر باشهاد ذوى عدل من المسلمين ..
وهذا قدر لا خلاف فيه بين الفقهاء.
وانما الخلاف فى أن الاشهاد واجب فى الرجعة والطلاق، أو مندوب فيهما أو واجب فى الرجعة ومندوب فى الطلاق.
وأكثر العلماء ومنهم الأئمة الأربعة على أن الاشهاد مندوب فى الطلاق.
وقال ابن حزم الظاهرى: ان الاشهاد واجب فى الرجعة والطلاق معا بنص الآية المذكورة ومن راجع أو طلق ولم يشهد فهو متعد لحدود الله عز وجل.
وجاء فى تفسير القرطبى عند قول الله تعالى «وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ» أمر بالاشهاد على الطلاق وقيل على الرجعة
والظاهر رجوعه الى الرجعة لا الى الطلاق.
فان راجع من غير اشهاد ففى صحة الرجعة قولان للفقهاء.
وقيل انه راجع الى الأمرين.
وهذا الاشهاد مندوب اليه عند أبى حنيفة كقوله تعالى «وَأَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ».
وعند الشافعى الاشهاد واجب فى الرجعة مندوب اليه فى الفرقة.
وعند أكثر العلماء الاشهاد مندوب اليه فى الرجعة.
وأوجب الامام أحمد الاشهاد فى الرجعة فى أحد قوليه وكذا الشافعى لظاهر الأمر.
وقال مالك الرجعة لا تفتقر الى القبول فلا تفتقر الى الاشهاد ..
وفى تفسير الجصاص الحنفى لهذه الآية: أمر بالاشهاد على الرجعة والفرقة أيتهما اختار.
قال أبو بكر لما جعل له الامساك أو الفراق ثم عقبه بذكر الاشهاد وكان معلوما وقوع الرجعة اذا راجع وجواز الاشهاد بعدها اذ لم يجعل الاشهاد شرطا فى الرجعة ..
ولم يختلف الفقهاء فى أن المراد بالفراق المذكور فى الآية انما هو تركها حتى تنقضى عدتها، وان الفرقة تصح وان لم يقع الاشهاد عليها ويشهد بعد ذلك ..
وقد ذكر الاشهاد عقب الفرقة ثم لم يكن شرطا فى صحتها فكذلك الرجعة ..
ولا نعلم بين أهل العلم خلافا فى صحة الرجعة بغير شهود الا شيئا يروى عن عطاء فان سفيان روى عن ابن جريج عن عطاء قال: الطلاق والنكاح والرجعة بالبينة. وهذا محمول على أنه مأمور بالاشهاد على ذلك احتياطا من التجاحد، لا على أن الرجعة لا تصح بغير شهود ..
ألا ترى أنه ذكر الطلاق معها ولا يشك أحد فى وقوع الطلاق بغير بينة ….
[موسوعة الفقه الإسلامي 12/ 235] بتصرف
عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يُطَلِّقُ ثُمَّ يُرَاجِعُ، وَلَا يُشْهِدُ، فَقَالَ أَشْهِدْ عَلَى طَلَاقِهَا وَعَلَى رَجْعَتِهَا. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهَكَذَا مَوْقُوفًا وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ بِلَفْظِ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ سُئِلَ عَمَّنْ رَاجَعَ امْرَأَتَهُ وَلَمْ يُشْهِدْ، فَقَالَ: أَرْجَعَ فِي غَيْرِ سُنَّةٍ فَيُشْهِدُ الْآنَ وَزَادَ الطَّبَرَانِيُّ فِي رِوَايَةٍ وَيَسْتَغْفِرْ اللَّهَ).
دَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى شَرْعِيَّةِ الرَّجْعَةِ وَالْأَصْلُ فِيهَا قَوْله تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ} الْآيَةَ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ يَمْلِكُ رَجْعَةَ زَوْجَتِهِ فِي الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ مَا دَامَتْ فِي الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ اعْتِبَارِ رِضَاهَا فَإِنْ أَرَادَ بِالرَّجْعَةِ غَيْرَ ذَلِكَ كَمَنْ يُرَاجِعُ زَوْجَتَهُ لِيُطَلِّقَهَا كَمَا يَفْعَلُهُ الْعَامَّةُ، فَإِنَّهُ يُطَلِّقُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِهِ فَيُرَاجِعُ ثُمَّ يُطَلِّقُ إرَادَةً لِبَيْنُونَةِ الْمَرْأَةِ، فَهَذِهِ الْمُرَاجَعَةُ لَمْ يُرِدْ بِهَا إصْلَاحًا، وَلَا إقَامَةَ حُدُودِ اللَّهِ فَهِيَ بَاطِلَةٌ إذْ الْآيَةُ ظَاهِرَةٌ فِي أَنَّهُ لَا تُبَاحُ لَهُ الْمُرَاجَعَةُ، وَلَا يَكُونُ أَحَقَّ بِرَدِّ امْرَأَتِهِ إلَّا بِشَرْطِ إرَادَةِ الْإِصْلَاحِ وَأَيُّ إرَادَةِ إصْلَاحٍ فِي مُرَاجَعَتِهَا لِيُطَلِّقَهَا. وَمَنْ قَالَ إنَّ قَوْلَهُ {إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} لَيْسَ بِشَرْطٍ لِلرَّجْعَةِ، فَإِنَّهُ قَوْلٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْآيَةِ بِلَا دَلِيلٍ.
وَرِضَا وَلِيِّهَا إذَا كَانَ الطَّلَاقُ بَعْدَ الْمَسِيسِ وَكَانَ الْحُكْمُ بِصِحَّةِ الرَّجْعَةِ مُجْمَعًا عَلَيْهِ لَا إذَا كَانَ مُخْتَلَفًا فِيهِ وَالْحَدِيثُ دَلَّ عَلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَةُ سُورَةِ الطَّلَاقِ وَهِيَ قَوْلُهُ {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} بَعْدَ ذِكْرِهِ الطَّلَاقَ وَظَاهِرُ الْأَمْرِ وُجُوبُ الْإِشْهَادِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ وَكَأَنَّهُ اسْتَقَرَّ مَذْهَبُهُ عَلَى عَدَمِ وُجُوبِهِ، فَإِنَّهُ قَالَ الْمَرْزَعِيُّ فِي تَيْسِيرِ الْبَيَانِ، وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ مِنْ غَيْرِ إشْهَادٍ جَائِزٌ.
وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا تَكُونُ فِي مَعْنَى الطَّلَاقِ؛ لِأَنَّهَا قَرِينَتُهُ، فَلَا يَجِبُ فِيهَا الْإِشْهَادُ؛ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلزَّوْجِ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِشْهَادُ عَلَى قَبْضِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَجِبَ الْإِشْهَادُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْخِطَابِ انْتَهَى وَالْحَدِيثُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ قَالَهُ عِمْرَانُ اجْتِهَادًا إذْ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسْرَحٌ إلَّا أَنَّ قَوْلَهُ: «أَرْجَعَ فِي غَيْرِ سُنَّةٍ» قَدْ يُقَالُ إنَّ السُّنَّةَ إذَا أُطْلِقَتْ فِي لِسَانِ الصَّحَابِيِّ يُرَادُ بِهَا سُنَّةُ النَّبِيِّ ? فَيَكُونُ مَرْفُوعًا إلَّا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى الْإِيجَابِ لِتَرَدُّدِ كَوْنِهِ مِنْ سُنَّتِهِ ? بَيْنَ الْإِيجَابِ وَالنَّدْبِ وَالْإِشْهَادُ عَلَى الرَّجْعَةِ ظَاهِرٌ إذَا كَانَتْ بِالْقَوْلِ الصَّرِيحِ وَاتَّفَقُوا عَلَى الرَّجْعَةِ بِالْقَوْلِ وَاخْتَلَفُوا إذَا كَانَتْ الرَّجْعَةُ بِالْفِعْلِ، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَالْإِمَامُ يَحْيَى إنَّ الْفِعْلَ مُحَرَّمٌ، فَلَا تَحِلُّ بِهِ وَلِأَنَّهُ تَعَالَى ذَكَرَ الْإِشْهَادَ، وَلَا إشْهَادَ إلَّا عَلَى الْقَوْلِ.
(وَأُجِيبَ) بِأَنَّهُ لَا إثْمَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ} وَهِيَ زَوْجَةٌ وَالْإِشْهَادُ غَيْرُ وَاجِبٍ كَمَا سَلَفَ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَصِحُّ بِالْفِعْلِ وَاخْتَلَفُوا هَلْ مِنْ شَرْطِ الْفِعْلِ النِّيَّةُ، فَقَالَ مَالِكٌ لَا يَصِحُّ بِالْفِعْلِ إلَّا مَعَ النِّيَّةِ كَأَنَّهُ يَقُولُ لِعُمُومِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَقَالَ الْجُمْهُورُ يَصِحُّ؛ لِأَنَّهَا زَوْجَةٌ شَرْعًا دَاخِلَةٌ تَحْتَ قَوْلِهِ {إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ}، وَلَا يُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي لَمْسِ الزَّوْجَةِ وَتَقْبِيلِهَا وَغَيْرِهِمَا إجْمَاعًا.
وَاخْتُلِفَ هَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ إعْلَامُهَا بِأَنَّهُ قَدْ رَاجَعَهَا لِئَلَّا تَتَزَوَّجَ غَيْرَهُ فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَجِبُ وَتَفَرَّعَ مِنْ الْخِلَافِ لَوْ تَزَوَّجَتْ قَبْلَ عِلْمِهَا بِأَنَّهُ رَاجَعَهَا، فَقَالَ الْأَوَّلُونَ النِّكَاحُ بَاطِلٌ وَهِيَ لِزَوْجِهَا الَّذِي ارْتَجَعَهَا وَاسْتَدَلُّوا بِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الرَّجْعَةَ صَحِيحَةٌ، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ بِهَا الْمَرْأَةُ وَبِأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا أَنَّ الزَّوْجَ الْأَوَّلَ أَحَقُّ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَزَوَّجَ.
وَعَنْ مَالِكٍ إنَّهَا لِلثَّانِي دَخَلَ بِهَا، أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَاسْتَدَلَّ بِمَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ قَالَ «مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الَّذِي يُطَلِّقْ امْرَأَتَهُ ثُمَّ يُرَاجِعُهَا ثُمَّ يَكْتُمُهَا رَجْعَتَهَا فَتَحِلُّ فَتَنْكِحُ زَوْجًا غَيْرَهُ إنَّهُ لَيْسَ لَهُ مِنْ أَمْرِهَا شَيْءٌ وَلَكِنَّهَا لِمَنْ تَزَوَّجَهَا» إلَّا أَنَّهُ قِيلَ: إنَّهُ لَمْ يُرْوَ هَذَا إلَّا عَنْ ابْنِ شِهَابٍ فَقَطْ، وَهُوَ الزُّهْرِيُّ فَيَكُونُ مِنْ قَوْلِهِ وَلَيْسَ بِحُجَّةٍ وَيَشْهَدُ لِكَلَامِ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّهُ ? قَالَ «أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا اثْنَانِ فَهِيَ لِلْأَوَّلِ مِنْهُمَا»، فَإِنَّهُ صَادِقٌ عَلَى هَذِهِ الصُّورَةِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} أَيْ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي الْعِدَّةِ بِشَرْطِ أَنْ يُرِيدَ الزَّوْجُ بِرَدِّهَا الْإِصْلَاحَ، وَهُوَ حُسْنُ الْعِشْرَةِ وَالْقِيَامُ بِحُقُوقِ الزَّوْجِيَّةِ.
سبل السلام شرح بلوغ المرام – ط الحديث (3) / (266) – (268)