2170 إلى 2173 تحضير سنن أبي داود
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد
_______
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْعَزْلِ
2170 – حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الطَّالَقَانِيُّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ قَزَعَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، ذُكِرَ ذَلِكَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي الْعَزْلَ قَالَ: «فَلِمَ يَفْعَلُ أَحَدُكُمْ؟، وَلَمْ يَقُلْ فَلَا يَفْعَلْ أَحَدُكُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَتْ مِنْ نَفْسٍ مَخْلُوقَةٍ إِلَّا اللَّهُ خَالِقُهَا». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: قَزَعَةُ: مَوْلَى زِيَادٍ
[حكم الألباني]: صحيح
2171 – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا أَبَانُ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ، حَدَّثَهُ، أَنَّ رِفَاعَةَ، حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَجُلًا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي جَارِيَةً وَأَنَا أَعْزِلُ عَنْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، وَأَنَا أُرِيدُ مَا يُرِيدُ الرِّجَالُ، وَإِنَّ الْيَهُودَ تُحَدِّثُ أَنَّ الْعَزْلَ مَوْءُودَةُ الصُّغْرَى قَالَ: «كَذَبَتْ يَهُودُ لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ»
[حكم الألباني]: صحيح
2172 – حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ، عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ، قَالَ: دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ، فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ العَزْلِ؟، فَقَالَ: أَبُو سَعِيدٍ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْفِدَاءَ فَأَرَدْنَا أَنْ نَعْزِلَ، ثُمَّ قُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ أَنْ نَسْأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: «مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا، مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ»
[حكم الألباني]: صحيح
2173 – حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّ لِي جَارِيَةً أَطُوفُ عَلَيْهَا وَأَنَا أَكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ، فَقَالَ: «اعْزِلْ عَنْهَا إِنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأْتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا» قَالَ: فَلَبِثَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْجَارِيَةَ قَدْ حَمَلَتْ، قَالَ: «قَدْ أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ سَيَاتِيهَا مَا قُدِّرَ لَهَا»
[حكم الألباني]: صحيح
——–
جاء في مسائل أحمد:
519 – ما جاء في العزل عن الحرة
حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لا يعزل عن الحرة إلَّا بإذنها” (3)
قال الإمام أحمد: ما أنكره (4)!
(4) “مسائل أبي داود” (1869)، “زاد المعاد” 5/ 142.
مسألة: قال الحافظ في “الفتح” 9/ 218 – 219 بتصرف: قال ابن عبد البر: لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلَّا بإذنها؛ لأن الجماع من حقها، ولها المطالبة به، وليس الجماع المعروف إلَّا ما لا يلحقه عزل. ووافقه في هذا الإجماع ابن هبيرة، وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلًا. هذا وقد اتفق المذاهب الثلاثة على أن الحرة لا يعزل عنها إلَّا بإذنها، وأن الأمة يعزل عنها بغير إذنها.
[الجامع لعلوم الإمام أحمد – علل الحديث 15/ 60]
جاء في العلل الكبير للترمذي:
284 – حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: أَصَبْنَا جَوَارِيَ يَوْمَ حُنَيْنٍ فَجَعَلْنَا نَعْزِلُ عَنْهُنَّ فَقُلْنَا هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيكُمْ أَفَلَا تَسْأَلُونَهُ؟ فَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: «لَيْسَ مِنْ كُلِّ الْمَاءِ يَكُونُ الْوَلَدُ». سَأَلْتُ مُحَمَّدًا عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ غَيْرُ مَحْفُوظٍ،
285 – وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَقَدْ أَدْخَلُوا بَيْنَ أَبِي إِسْحَاقَ وَبَيْنَ أَبِي الْوَدَّاكِ رَجُلًا
[العلل الكبير للترمذي = ترتيب علل الترمذي الكبير ص164]
قال الوقشي الأندلسي (408 هـ – 489 هـ):
[مَا جَاء في العَزْلِ]
-[قَوْلُهُ: فَجَاءَهُ ابنُ قَهدٍ، رَجُلٌ مِنْ أهْلِ اليَمَنِ”] (1) [99]. القَهْدُ -في اللُّغَةِ-: الشَّدِيدُ البَيَاضِ، والقَهْدُ. النَّرجِسُ. وَقَهدُ -مَفْتُوْحُ الهاءِ-: مَوْضِع بِعَينهِ (2).
– وَرَوَى زَيدُ بنُ أَبِي الزَّرقَاءِ (1) عَنِ ابنِ (2) لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مَعمَرِ بنِ أَبِي حُيَيّة، عَنْ عُبَيدِ بنِ رِفَاعَة، عَنْ أَبِيهِ قَال: جَلَسَ إلى عُمَرَ عَلِيّ، والزُّبَيرُ، وسَعد في نَفَرٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فَتَذَكَّرُوا العَزْلَ فَقَالُوا: لَا بَأسَ بِهِ، فَقَال رَجُل: إِنَّهُم يَزْعُمُوْنَ أَنّها المَوْؤُدَةُ الصُّغْرَى، فَقَال عَلِيٌّ: لَا تكُوْنُ مَوْؤُدَة حَتَّى تَمُرَّ عَلَيها التَّارَاتُ السَّبْعُ (3)؛ تكُوْنُ سُلالةً، ثُمَّ نُطْفَةً، ثُمَّ عَلَقَةً، ثمَّ مُضْغَةً، ثُمَّ عَظْمًا، ثُمَّ لحمًا، ثُمَّ خَلْقًا آخَرَ، فَقَال عُمَرُ: صَدَقْتَ أَطَال اللهُ بَقَاءَكَ. وَرَوَاهُ أَبُو عَبْدِ الرَّحمَن المَقْبُرِيُّ، عَن ابنِ (1) لَهِيعَةَ فَقَال: صَدَقْتَ، جَزَاكَ اللهُ خَيرًا .. وَهذَا أَشْبَهُ بِكَلامِ عُمَرَ.
-[قَوْلُه]: “مَا عَلَيكم إلَّا تَفْعَلُوا” [95] بِمَنْزِلَةِ قَوْلكَ: مَا عَلَيكَ ألا تَقُوْمَ، أَي: لَيسَ عَلَيكَ أَنْ تمتَنِعَ مِنَ القِيَامِ، وَقَد رُويَ: “لَا” مَكَانَ “مَا” والمَعنَى وَاحِدٌ وَ”لَا” فيها؛ بمعنَى “لَيسَ” والمَعنَى الإبَاحَةُ، وَيَدُلُّ عَلَى ذلِكَ قَوْلُهُ: “ما مِنْ نَسَمة … ” الحدِيثُ، وأَنَ النَاسَ عَزَلُوا بَعدَ أَنْ قَال لَهُم ذلِكَ، وإِبَاحَتُهُ صلى الله عليه وسلم ذلِكَ إِنَّمَا كَانَ عَلَى الشَّرِيطَةِ المَعلُوْمَةِ مِنَ الاسْتِبْرَاءِ والاغْتِسَالِ والإجَابَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ، هذَا فِي الوثنِيَّاتِ، وَفِي الكِتَابِيَّاتِ الاغْتِسَالُ بَعدَ الاسْتِبْرَاءِ -وإِنْ كَانَ لَمْ يذْكرْ فِي الحَدِيثِ- وَهُوَ كَانَ المُتَعَارفَ عَنْدَهُم الَّذِي لَا يَجُوْزُ سِوَاهُ.
واخْتُلِفَ في الغَزْوَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيها هذَا السُّؤَالُ فَقِيلَ: غَزْوَةُ بني المُصطَلِقِ نَفَرٌ مِنْ خُزَاعَةَ أَوْقَعَ بِهِمُ النَّبي صلى الله عليه وسلم بجِهةِ قُدَيد، بِمَوْضِعٍ يُقَالُ لَهُ: المُرَيسِيع (2).
وَفِي رِوَايَةِ ابنِ عُقْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بنِ يَحيَى، عَنْ ابنِ مُحَيرِيز، أَنَّ أَبَا سَعيدٍ قَال: أَصَبْنَا سَبْيا منْ سَبْيِ أَوْطَاس، وَهذَا في غزْوَةِ هوَازِنَ بِحُنَينَ.
وَفِي رِوَايَةِ أَبِي الوَداكِ جَبْرِ بنِ نَوْفٍ (1) عَنْ أَبِي سعِيدٍ: أَنَّ ذَلِكَ في غزوَةِ خَيبرَ.
وَكَانَتِ العربُ في الجَاهِليةِ أَصنَافًا مَجُوْسٌ، ونَصَارَى، ويَهُوْدُ، وعَبَدَةُ أَوْثَانٍ، وَزَنَادِقَةٌ مُسْتَخِفُّوْنَ بالأديَانِ لا يعتَقِدُوْنَ شَيئًا، فَكَانَ الغَالِبُ عَلَى بنِي تَمِيم المَجُوْسِيّة، وعَلَى حِميَرَ والأوْسِ والخَزْرَجِ اليَهُوْدِيَّةَ، وغَسَّانَ، وقُضَاعَةَ، ولَخْمَ، وجُذَامَ، والنَّمرِ بنِ قَاسِط (2)، وبنِي تَغْلِبَ، وبَنِي عِجْل، وَشَيبَانَ ومَذْحِجَ النصرَانِيّة، وَكَانَ النُّعمَانُ بنُ المُنذرِ أَوَّلَ أَمرِهِ منْ عُبَّادِ الأصنامِ ثمَّ تنَصَّرَ، حَمَلَهُ عَلَى ذلِكَ عَدِيُّ بنُ زَيدٍ العِبَادِي (3). وكَذلِكَ قَيسُ بنُ زُهير العَبْسِيُّ (4) تنَصَّرَ في آخر حَربِ دَاحِسٍ وَلَحِقَ بِعُمَانَ وحَلَقَ رَاسَهُ، وَكَانَ في قُرَيشٍ زَنَادِقَة يَقُوْلُوْنَ بالدَّهْرِ، ويُظْهِرُوْنَ عِبَادَةِ الأوْثَانِ رِيَاءً لا اعتِقَادًا، وَهُم المُسْتَهْزِؤُوْنَ (1)؛ الوَليدُ بنُ المُغِيرَةِ، والعَاصِي بنِ وَائِلٍ، وعَدِيُّ بنُ قَيسٍ، والأسْوَدُ بنُ [عَبْدِ يَغُوْثَ (2)]، والأسْوَدُ بنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ وغَيرُهُم قَدْ ذَكَرَهُم المُؤَرِّخُوْنَ والمُفَسِّرُوْنَ.
[التعليق على الموطأ في تفسير لغاته وغوامض إعرابه ومعانيه 2/ 52]
قال ابن العربي:
ما جاء في العزل:
لا خلاف بين الأمة في جوازه، وإن كرهه بعضهم، وخصوصاً في الأَمة. فأما الحرة فرأى مالك ألَّا يعزل عنها إلا بإذنها (5) لأنه يرى أن حقها في الوطء ثابت مدة النكاح. وقال سائر الفقهاء: إذا وطئ الزوج أهله وطية واحدة لم يكن لها أبداً حق في طلب الوطء (6)، وهذا ضعيف لأنه لو حلف ألا يطأها لضُرب له أجل أربعة أشهر إجماعاً بنص القرآن (7)، فإذا ترك الوطء مضاراً فقد وجد معنى الإيلاء والأحكام، كما قدَّمنا، إنما ثبت بمعانيها لا بالألفاظ فيها، فوجب أن يكون حقها في طلب الوطء باقياً مدى النكاح، فإذا أذنت في العزل جاز وإن كان فيه قطع بالتولّد والنشاة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم، فيه:”مَا عَلَيْكُمْ ألَّا تَفْعَلُوا” (1)، التقدير كأنكم تريدون التحرّز عن الولد ولستم تقدرون على ذلك (2) (مَا مِنْ نَسْمَةٍ كَائنَةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إلَّا وَهِيَ كَائِنَةٌ وإنَّ الله إذا أرَادَ أنْ يُخلِفَهُ لَمْ يَسْتَطِعْ أحَد أنْ يَمْنَعَهُ) وللولد في ذلك ثلاثة أحوال.
حال قبل الوجود ينقطع فيها بالعزل وهذا جائز. وحال بعد قبض الرحم على المني فلا يجوز حينئذ لأحد التعرض له بالقطع من التولد، كما يفعل سفلة التجار في سقي الخدم، عند إمساك الطمث (3)، الأدوية التي ترخيه فيسيل المني معه وتنقطع الولادة.
والحالة الثالثة بعد انخلاقه قبل أن تنفخ فيه الروح وهو أشد من الأولين في المنع والتحريم لما روي فيه من الأثر (إنَّ السَّقْطَ يَظَلُّ مُخْتَبِطاً عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ يَقولُ لَا أدْخُلُ حَتى يَدْخلَ أبَواي) [ضعيف الجامع الصغير 2/ 50.]، فأما إذا نفخ فية الروح فهو نفس بلا خلاف.
[القبس في شرح موطأ مالك بن أنس ص762]
قال ابن قدامة:
فصل: والعَزْلُ مكروهٌ، ومعناه أَنْ يَنزِعَ إذا قَرُبَ الإِنْزالُ، فيُنْزِلُ خارجًا من الفَرْجِ، رُويتْ كَراهِيَتُه (48) عن عمرَ، وعلىٍّ، وابنِ عمرَ، وابنِ مسعودٍ. ورُوِىَ ذلك عن أبى بكر الصِّدِّيقِ أيضًا؛ لأنَّ فيه تَقْلِيلَ النَّسْلِ، وقطعَ اللَّذَّةِ عن المَوْطُوءةِ، وقد حثَّ النَّبىُّ صلى الله عليه وسلم على تَعاطِى أسْبابِ الوَلَدِ، فقال: “تَنَاكَحُوا، تَنَاسَلُوا، تَكْثُرُوا” (49). وقال: “سَوْدَاءُ (50) وَلُودٌ، خَيْرٌ مِنْ حَسْنَاءَ عَقِيمٍ” (51). إلَّا أَنْ يكونَ لحاجةٍ، مثل أَنْ يكونَ فى دارِ الحربِ، فتَدْعُوه (52) حاجتُه إلى الوطءِ، فيَطَأُ ويَعْزِلُ، ذكر الخِرَقِىُّ (53) هذه الصُّورةَ، أو تكونَ زوجتُه أمَةً، فيَخْشى الرِّقَّ على ولدِه، أو تكونَ له أُمةٌ، فيَحْتاجُ إلى وَطْئِها وإِلى بَيْعِها، وقد رُوِىَ عن علىٍّ، رَضِى اللَّه عنه، أنَّه كان يَعْزِلُ عن إمائِه. فإنْ عزَلَ مِن غيرِ حاجةٍ، كُرِهَ، ولم يَحْرُمْ. ورُويَتِ الرُّخْصَةُ فيه عن علىٍّ، وسعدِ بنِ أبى وقاصٍ، وأبى أَيُّوبَ، وزيدِ بنِ ثابتٍ، وجابرٍ، وابنِ عبَّاسٍ، والحسنِ بنِ علىٍّ، وخَبَّابِ ابنِ الأَرَتِّ، وسعيد بنِ المُسَيِّبِ، وطاوسٍ، وعَطاءٍ، والنَّخَعِىِّ، ومالكٍ، والشَّافعىِّ، وأصحاب الرَّأْىِ. ورَوى أبو سعيدٍ، قال: ذُكرَ -يَعْنِى (54) – العَزْل، عندَ رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال: “وَلِمَ (55) يَفْعَلُ ذلِكَ (56) أَحَدُكُمْ؟ “. ولم يقل: فَلَا يَفْعَلْ [ذَلِكَ أحَدُكم] (57). “فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ نَفْس مَخْلُوْقَةٍ، إِلَّا اللَّه خَالِقُهَا”. مُتَّفَقٌ عليه (58). وعنه أَنَّ رجلًا قال: يا رسولَ اللَّهِ، إِنَّ لى جاريةً، وأنا أعْزِلُ عنها، وأنا أكرهُ أَنْ تَحْمِلَ، وأنا أريدُ ما يُرِيدُ الرِّجالُ، وإنَّ اليهودَ تُحَدِّثُ أَنَّ العَزْلَ المَوْءُودةُ الصُّغرَى.
قال: “كَذَبَتْ يَهُودُ، لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَخْلُقَهُ مَا اسْتَطَعْتَ أَنْ تَصْرِفَهُ”. روَاه أبو داودَ (59).
فصل: ويجوزُ العَزْلُ عن أَمَتِه بغيرِ إذنِها. نصَّ عليه أحمدُ. وهو قولُ مالكٍ، وأبى حنيفةَ، والشَّافعىِّ؛ وذلك لأنَّه لا حَقَّ لها فى الوَطْءِ، ولا فى الولَدِ، ولذلك لم تَمْلِكِ المُطالبةَ بِالقَسْمِ ولا الفَيْئَةِ، فلَأَنْ لا تَمْلِكَ المَنْعَ مِنَ العزْلِ أوْلَى. ولا يعزلُ عن زَوْجتِه الحُرَّةِ إلَّا بإذْنِها. قال القاضى: ظاهرُ كلامِ أحمدَ وُجوبُ اسْتِئْذانِ الزَّوجةِ فى العَزْلِ، ويَحتملُ أَنْ يكونَ مُسْتَحَبًّا؛ لأنَّ حقَّها فى الوَطْءِ دُونَ الإِنْزالِ، بدليلِ أنَّه يَخْرُجُ به مِن الفَيْئَةِ، والعُنَّةِ. وللشَّافعيَّةِ فى ذلك وَجْهانِ. والأَوَّلُ أولى؛ لما رُوِىَ عن عمرَ، رَضِىَ اللَّهُ عنه، قال: نَهَى رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُعْزَلَ عَنِ الحُرَّةِ إِلَّا بإذْنِها. رواه الإِمامُ أحمدُ، فى “المُسْنَدِ”، وابنُ ماجَه (60). ولأنَّ لها فى الولدِ حقًّا، وعليها فى العَزْلِ ضرَرٌ، فلم يجُزْ إلَّا بإذْنِها. فأمَّا زوجتُه الأمَةُ، فيَحْتَمِلُ جَوازُ العَزْلِ عنها بغيرِ إذْنِها. وهو قولُ الشَّافعىِّ، اسْتِدْلالًا بمَفْهوم هذا الحديثِ. وقال ابنُ عبَّاسٍ: تُسْتأذَنُ الحُرَّةُ، ولا تُسْتأذَنُ الأمَةُ. ولأنَّ عليه ضَررًا فى اسْتِرْقاقِ وَلَدِه، بخلافِ الحُرَّةِ. ويَحْتَمل أَنْ لا يجوزَ إِلَّا بإذْنِها؛ لأنَّها زوجةٌ تَمْلِكُ المطالبةَ بالوَطْءِ فى الفَيْئَةِ، والفَسْخَ عندَ تَعذُّرِه بالعُنَّةِ، وتَرْكُ العزْلِ من تَمامِه، فلم يَجُزْ بغيرِ إذْنِها، كالحُرَّةِ.
فصل: فإنْ عزلَ عن زوجتِه أو أُمتِه، ثمَّ أتتْ بولدٍ، لَحِقَه نسبُه؛ لما رَوى أبو داودَ (61)، عن جابرٍ، قال: جاء رجلٌ مِنَ الأنْصارِ إلى رسولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فقال: إنَّ لى جاريةً، وأنا أطُوفُ عليها، وأنا أكْرَهُ أَنْ تَحْمِلَ! فقال: “اعْزِلْ عَنْهَا إنْ شِئْتَ، فَإِنَّهُ سَيَأتِيْهَا مَا قُدِّرَ لَهَا”. وقال أبو سعيد: كنتُ أعْزِلُ عن جاريةٍ لى، فولَدتْ أحبَّ النَّاسِ إلَىَّ (62). ولأنَّ لُحوقَ النَّسَبِ حُكْمٌ يتعلَّقُ بالوَطْءِ، فلم يُعْتَبَرْ فيه الإِنْزالُ، كسائرِ الأحكامِ.
وقد قيلَ: إِنَّ الوَطْءَ فى الفَرْجِ يحْصُلُ به الإِنْزالُ، ولا يُحَسُّ به.
[المغني لابن قدامة 10/ 228]
جاء في الأحكام الفقهية التي قيل فيها بالنسخ وأثر ذلك في اختلاف الفقهاء:
المطلب الرابع: حكم العزل
ذهب بعض أهل العلم إلى جواز العزل، وأن ما يدل على عدم جوازه فإنه منسوخ.
وممن صرح به: الطحاوي.
وذهب ابن حزم إلى أنه لا يجوز العزل، لا عن حرة، ولا عن أمة، وأن ما ورد مما يدل على إباحته فإنه قد نسخ.
وتبين منه أن القول بالنسخ أحد أسباب اختلاف أهل العلم في المسألة. كما أن اختلاف الآثار الواردة فيها، والاختلاف في مفهوم تلك الآثار سبب آخر لاختلافهم فيها.
ويستدل لمن قال بنسخ ما يدل على عدم جواز العزل بما يلي:
أولاً: عن جابر رضي الله عنه قال: (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والقرآن ينزل).
وفي رواية عنه رضي الله عنه قال: (كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا).
ثانياً: عن جابر رضي الله عنه أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: إن لي جارية هي خادمنا وسانيتنا، وأنا أطوف عليها، وأنا أكره أن تحمل، فقال: «اعزل عنها إن شئت، فإنه سيأتيها ما قدر لها»، فلبث الرجل ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت، فقال: «قد أخبرتك أنه سيأتيها
ما قدر لها».
ثالثاً: عن جابر رضي الله عنه قال: قلنا يا رسول الله إنا كنا نعزل، فزعمت اليهود أنها الموءودة الصغرى، فقال: «كذبت يهود، إن الله إذا أراد أن يخلقه لم يمنعه».
رابعاً: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصبنا سبياً فكنا نعزل، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «أو إنكم لتفعلون؟ -قالها ثلاثاً-ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا هي كائنة».
وفي رواية عنه رضي الله عنه قال: غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بلمصطلق فسبينا كرائم العرب، فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء، فأردنا أن نستمتع ونعزل، فقلنا: نفعل ذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهرنا لا نسأله! فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لا عليكم أن لا تفعلوا. ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون».
وفي رواية أخرى عنه رضي الله عنه قال: ذُكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ولم يفعل ذلك أحدكم؟ (ولم يقل: فلا يفعل ذلك أحدكم) فإنه ليست نفس مخلوقة إلا الله خالقها».
وفي رواية رابعة عنه رضي الله عنه يقول: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل؟
فقال: «ما من كل الماء يكون منه الولد، وإذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء».
خامساً: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي جارية وأنا أعزل
عنها، وأنا أكره أن تحمل، وأنا أريد ما يريد الرجال، وإن اليهود تحدث أن العزل موءودة الصغرى، قال: «كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلقه ما استطعت أن تصرفه».
سادساً: عن أبي هريرة رضي الله عنه أن اليهود كانت تقول: إن العزل هو الموءودة الصغرى، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «كذبت يهود، لو أراد الله أن يخلق خلقاً لم يمنعه-أحسبه قال-شيء».
سابعاً: عن جدامة بنت وهب، أخت عكاشة-رضي الله عنها-قالت: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، وهو يقول: «لقد هممت أن أنهى عن الغيلة، فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم ذلك شيئاً»، ثم سألوه عن العزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ذلك الوأد الخفي».
ويستدل منها على النسخ: بأن هذه الأحاديث غير حديث جدامة-رضي الله عنها-تدل على جواز العزل، وحديثها يدل على كراهته، فتكون هذه الأحاديث ناسخة لحديثها؛ لأن في حديث جابر وأبي سعيد-رضي الله عنهما-أن اليهود كانت تزعم أن العزل هو الوأد الخفي، فكان ذلك من قولهم، فيحتمل أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل اليهود عن حكم العزل؛ حيث كان صلى الله عليه وسلم مأموراً باتباع هداية من قبله من الأنبياء، فذكروا له أنه الوأد الخفي، فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من سأله، وقد كان اليهود أخبروه بذلك فكذبوه، ثم أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بشريعته، وبين له كذب اليهود، فلما سأله الصحابة بعد ذلك أخبرهم بجواز العزل وأن القول بأنه الوأد الخفي من كذب اليهود، فيكون حديث جدامة-رضي الله عنها قاله صلى الله عليه وسلم على وفق ما كان عليه الأمر أولاً من موافقة أهل الكتاب فيما لم يوح إليه، ثم أعلمه الله بالحكم، فكذب اليهود فيما كانوا يقولونه، فتكون أحاديث الجواز بعده، وتكون ناسخة لحديث جدامة-رضي الله عنها.
واعترض عليه بما يلي:
أ- أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجزم بشيء تبعاً لليهود، ثم يصرح بتكذيبهم فيه.
ب- إنه لا دليل يدل على تأخر أحد الحديثين على الآخر، حتى يكون ناسخاً له، و النسخ لا بد فيه من ذلك.
ج- إنه يمكن الجمع بين هذه الأحاديث بوجوه منها: حمل ما يدل على النهي على الكراهة التنزيهية، وحمل ما يدل على خلافه على الجواز. وإذا أمكن الجمع بين الأدلة لا يصار معه إلى النسخ ولا إلى ترك بعضها.
دليل من قال بنسخ ما يدل على جواز العزل
ويستدل لمن قال بنسخ ما يدل على جواز العزل، بنفس الأحاديث السابقة في دليل القول السابق.
ويستدل منها على النسخ: بأن تلك الأحاديث غير حديث جدامة -رضي الله عنها-تدل على جواز العزل، وحديثها يدل على تحريمه، فتكون تلك الأحاديث منسوخة بحديثها؛ لأن تلك الأحاديث توافق أصل الإباحة، وحديث جدامة ناقل عن الأصل فيكون ناسخاً لها.
واعترض عليه بما يلي:
أ-الاعتراضين الأخيرين اللذين اعترض بهما على وجه استدلال القول السابق.
ب- إن مجرد نقل حكم الشيء عن الإباحة السابقة لا يسمى نسخاً له، حتى يوجد ما يدل على أن الإباحة التي نقل منها كان حكماً شرعياً، فمثلاً زيارة القبور كان على الإباحة الأصلية، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنها، ولم يجعل أحد ذلك النهي بنسخ للإباحة السابقة، ثم لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بزيارتها، صار النهي السابق منسوخاً به.
هذا كان قول من قال بالنسخ، ودليله.
وقد اختلف أهل العلم في حكم العزل على أربعة أقوال: –
القول الأول: يجوز العزل، لكن لا يعزل عن الحرة إلا بإذنها.
وهو مذهب الحنفية، والمالكية. وروي الرخصة فيه عن: عليّ، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب، وزيد بن ثابت، وجابر، وابن عباس، والحسن بن علي-رضي الله عنهم، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وعطاء، والنخعي.
القول الثاني: يكره العزل مطلقاً، ولا يعزل عن الحرة إلا بإذنها.
وهو مذهب الشافعية، والحنابلة.
وروي كراهته عن: عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عمر-رضي الله عنهم.
القول الثالث: يحرم العزل مطلقاً.
وهو قول ابن حزم.
القول الرابع: يجوز العزل مطلقاً.
وهو قول بعض أهل العلم ….
[ثم ساق الأدلة وناقشها ثم قال]:
الراجح
بعد عرض الأقوال في المسألة وأدلتها، يظهر لي- والله أعلم بالصواب- ما يلي:
أولاً: إن قولي النسخ في المسألة غير صحيحين؛ وذلك لعدم وجود ما يدل على تأخر دليل أحد القولين على دليل القول الآخر، وإمكان الجمع بين الأدلة كلها، كما سبق بيانه.
ثانياً: إن الراجح هو القول الثاني، وهو جواز العزل مع الكراهة؛ وذلك لأنه يمكن أن يجمع به بين جميع الأدلة الواردة في المسألة، وإذا أمكن الجمع بين الأدلة لا يصار معه إلى غيره.
ثالثاً: إنه لا تعارض بين حديث جدامة-رضي الله عنها-الدال على أن العزل هو الوأد الخفي، وبين حديث جابر وأبي سعيد-رضي الله عنهما-الدال على تكذيب قول اليهود بأن العزل هو الموءودة الصغرى؛ وذلك لأن الذي كذبت فيه اليهود هو زعمهم أن العزل لا يتصور معه الحمل أصلاً، وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد، فأكذبهم في ذلك، وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه، وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأداً حقيقة، وإنما سماه وأداً خفياً في حديث جدامة؛ لأن الرجل إنما يعزل هرباً من الحمل، فأجري قصده لذلك مجرى الوأد، لكن الفرق بينهما أن الوأد ظاهر بالمباشرة، اجتمع فيه القصد والفعل، والعزل يتعلق بالقصد صرفاً، فلذلك وصفه بكونه خفياً والله أعلم.
قال الإتيوبي:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان جواز العزل عن الأمة، وكذا الحرّة على خلاف تقدّم بيانه.
2 – (ومنها): ما قال الخطابيّ رحمه الله في “المعالم”: في هذا الحديث من العلم إباحة العزل عن الجواري، وقد رَخَّص فيه غير واحد من الصحابة والتابعين، وكرهه بعض الصحابة، ورُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: تُسْتَأْمَرُ الحرّة في العزل، ولا تُستَأمَر الجارية، وإليه ذهب أحمد بن حنبل، وقال مالك: لا يَعزِل عن الحرّة إلا بإِذنها، ولا يَعزل عن الجارية إذا كانت زوجة، إلا بإذن أهلها، ويَعْزِل عن أمته بغير إذن. انتهى.
3 – (ومنها): أن فيه دلالةً على إلحاق النسب مع العزل؛ لأن الماء قد سبق.
4 – (ومنها): أن فيه دلالةً على أنه إن أقرّ بوطء أمته، وادَّعَى العزل، فإن الولد لاحِقٌ به، إلا أن يَدّعِي الاستبراء، وهذا على قول من يرى الأمة فراشًا، وإليه ذهب الشافعيّ رحمه الله.
وقال القرطبيّ رحمه الله: الحديث دليلٌ على إلحاق الولد بمن اعترف بالوطء، وادَّعى العزل في الحرائر والإماء، وسببه تفلُّتُ الماء، ولا يَشْعُر به العازل، ولم يُختَلف عندنا – يعني المالكيّة – في ذلك إذا كان الوطء في الفرج، فإن كان في غير الفرج مما يقاربه، أو كان العزل البيِّن الذي لا شكّ فيه لم يلحقه، وفيه حجة على كون الأمة فراشًا إذا كان الوطء. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 25/ 539]
وقال الإتيوبي أيضا:
(المسألة الثالثة): في اختلاف أهل العلم في قول الصحابيّ: كنا نفعل كذا، ونحوه:
قال الشيخ ابن الصلاح رحمه الله: قول الصحابيّ: كنا نفعل كذا، أو كنا نقول كذا، إن لم يضفه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو من قبيل الموقوف، وإن أضافه إلى زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالذي قَطَع به أبو عبد الله ابن الْبَيِّع الحافظ وغيره من أهل الحديث وغيرهم، أن ذلك من قبيل المرفوع، وبلغني عن أبي بكر الْبَرقانيّ أنه سأل أبا بكر الإسماعيليّ الإمام عن ذلك؟ فأنكر كونه من المرفوع، والأول هو الذي عليه الاعتماد؛ لأن ظاهر ذلك مشعرٌ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اطَّلَع على ذلك، وقرّرهم عليه، وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة، فإنها أنواع: منها أقواله صلى الله عليه وسلم، ومنها أفعاله، ومنها تقريره وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه، ومن هذا القبيل قول الصحابيّ: كنا لا نرى بأسًا بكذا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، أو كان يقال كذا وكذا على عهده، أو كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته صلى الله عليه وسلم، فكل ذلك وشِبهه مرفوعٌ، مسندٌ مُخَرَّج في كتب المسانيد. انتهى.
وكتب الحافظ رحمه الله في “نكته” ما نصّه: حاصل كلامه حكاية قولين:
1 – [أحدهما]: أنه موقوف جزمًا.
2 – [وثانيهما]: التفصيل بين أن يضيفه إلى زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم، فيكون مرفوعًا، وبه صَرّح الجمهور، ويدل عليه احتجاج أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه على جواز العزل بفعلهم له في زمن نزول الوحي، فقال: “كنا نَعْزِل، والقرآن ينزل، لو كان شيء يُنْهَى عنه لنهى عنه القرآن”.
وهو استدلال واضحٌ لأن الزمان كان زمان التشريع، وإن لم يضفه إلى زمنه فموقوف.
وأهمل المصنّف مذاهب:
[الأول]: أنه مرفوع مطلقًا، وقد حكاه شيخنا – يعني العراقيّ – وهو الذي اعتمده الشيخان في “صحيحيهما”، وأكثر منه البخاريّ.
[والثاني]: التفصيل بين أن يكون ذلك الفعل مما لا يَخْفَى غالبًا، فيكون مرفوعًا، أو يخفى، فيكون موقوفًا، وبه قطع الشيخ أبو إسحاق الشيرازيّ، وزاد ابن السمعانيّ في “كتاب القواطع”، فقال: إذا قال الصحابيّ: كانوا يفعلون كذا، وأضافه إلى عصر النبيّ صلى الله عليه وسلم، وكان مما لا يخفى مثله، فيُحمل على تقرير النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويكون شرعًا، وإن كان مثله يخفى، فإن تكرر منهم حُمِل أيضًا على تقريره؛ لأن الأغلب فيما يكثر أنه لا يخفى، والله أعلم.
[الثالث]: إن أورده الصحابي في معرض الحجة حُمِل على الرفع، وإلا فموقوف، حكاه القرطبيّ.
قال الحافظ: وينقدح أن يقال: إن كان قائل: “كنا نفعل” من أهل الاجتهاد احْتَمَلَ أن يكون موقوفًا، وإلا فهو مرفوعٌ، ولم أر من صرّح بنقله.
قال: ومع كونه موقوفًا، فهل هو من قبيل نقل الإجماع أو لا؟ فيه خلاف مذكور في الأصول، جزم بعضهم بأنه إن كان في اللفظ ما يُشعر به، مثل: كان الناس يفعلون كذا، فمن قبيل نَقْلِ الإجماع، وإلا فلا.
وإلى ما ذُكر أشار السيوطيّ رحمه الله في “ألفيّة الحديث” حيث قال:
وَلْيُعْطَ حُكْمَ الرَّفْعِ فِي الصَّوَابِ … نَحْوُ “مِنَ السُّنَّةِ” مِنْ صَحَابِي
كَذَا “أُمِرْنَا” وَكَذَا “كُنَّا نَرَى” … فِي عَهْدِهِ أَوْ عَنْ إِضَافَةٍ عَرَى
ثَالِثُهَا إِنْ كَانَ لَا يَخْفَى وَفِي … تَصْرِيحِهِ بِعِلْمِهِ الْخُلْفُ نَفِي
والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 25/ 545]
قال العباد:
أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وهو مثل الذي قبله في كونهم كانوا يعزلون من أجل أن لا تحمل المرأة، وهذا الفعل الذي فعلوه -وهو العزل- لا يكون صاداً وراداً لما قدر الله تعالى أن يكون؛ لأن الحمل قد يوجد مع العزل -كما ذكرنا- بانطلاق قطرة يسيرة يكون بها الحمل مع حرص الرجل أن لا تنطلق هذه القطرة منه ثم يخرج ما يخرج خارج الفرج، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (ليس من كل الماء يكون الولد)، أي: فهذا الذي لا تريدونه إذا كان الله عز وجل قدره فإنه لا سبيل إلى صده ولا سبيل إلى رده.
قوله: [(فأصبنا سبياً من سبي العرب)] هذا يدل على أن العرب يسبون كما يسبى غيرهم.
قوله: [(فاشتهينا النساء)]، يعني الاستمتاع بهن [(واشتد علينا العزبة)] وهي عدم التمكن من الاستمتاع بالأهل، وذلك لأنهم مسافرون، ولكنهم حصلوا هذا السبي وقد اشتهوا.
قوله: [(وأحببنا الفداء)] يقصد بذلك أنهم أحبوا أن يأخذوا قيمة السبي إذا احتاجوا إلى ذلك، واستمتاعهم بهن يفضي إلى أن يحملن، وإذا حملن لا يتمكنون من البيع، فلا يحصلون القيمة التي تكون في مقابل بيعهن.
قوله: [(فسألناه عن ذلك فقال: ما عليكم ألا تفعلوا)].
يعني: فعلكم هذا الذي تفعلون من أجل أنه لا يحصل حمل لا يرد الشيء الذي قدره الله عز وجل؛ لأنه إذا قدر الله أن يكون فإنه لا بد من أن يكون.
[شرح سنن أبي داود للعباد 249/ 7 بترقيم الشاملة آليا]