(2165). (2166). (2167). تحضير سنن أبي داود
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد وعبدالله المشجري
سنن أبي داود
بَابٌ فِي إِتْيَانِ الْحَائِضِ وَمُبَاشَرَتِهَا
(2165) – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ الْبُنَانِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ الْيَهُودَ كَانَتْ إِذَا حَاضَتْ مِنْهُمُ امْرَأَةٌ أَخْرَجُوهَا مِنَ الْبَيْتِ، وَلَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُشَارِبُوهَا، وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبَيْتِ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ ? عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عزوجل {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ، قُلْ: هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: (222)] إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «جَامِعُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ، وَاصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ غَيْرَ النِّكَاحِ» فَقَالَتِ الْيَهُودُ: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدَعَ شَيْئًا مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ، فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْرٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ? فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ تَقُولُ: كَذَا وَكَذَا، أَفَلَا نَنْكِحُهُنَّ فِي الْمَحِيضِ، فَتَمَعَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ? حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا، فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ? فَبَعَثَ فِي آثَارِهِمَا، فَظَنَنَّا أَنَّهُ لَمْ يَجِدْ عَلَيْهِمَا
[حكم الألباني]: صحيح
(2166) – حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْحٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ? (251) ? خِلَاسًا الْهَجَرِيَّ، قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ، تَقُولُ: «كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ? نَبِيتُ فِي الشِّعَارِ الْوَاحِدِ وَأَنَا حَائِضٌ طَامِثٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ، وَلَمْ يَعْدُهُ، وَإِنْ أَصَابَ تَعْنِي ثَوْبَهُ مِنْهُ شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ وَلَمْ يَعْدُهُ وَصَلَّى فِيهِ»
[حكم الألباني]: صحيح
(2167) – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، وَمُسَدَّدٌ، قَالَا: حَدَّثَنَا حَفْصٌ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ?، «كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ وَهِيَ حَائِضٌ أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُهَا»
[حكم الألباني]: صحيح
بَابٌ فِي كَفَّارَةِ مَنْ أَتَى حَائِضًا
(2168) – حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ شُعْبَةَ، َغَيْرُهُ، عَنْ سَعِيد، حَدَّثَنِي الْحَكَمُ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ? فِي الَّذِي يَاتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: «يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ»
[حكم الألباني]: صحيح
(2169) – حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ مُطَهَّرٍ، حَدَّثَنَا جَعْفَرٌ يَعْنِي ابْنَ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَبِي الْحَسَنِ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: «إِذَا أَصَابَهَا فِي الدَّمِ فَدِينَارٌ، وَإِذَا أَصَابَهَا فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ»
[حكم الألباني]: صحيح موقوف
____________
الشرح
(22) – باب إتيان الحائض ومباشرتها
قال الخطابي:
في هذا دليل على أن ما تحت الازار من الحيض حمى لا يقرب، وإليه ذهب مالك بن أنس وأبو حنيفة وهو قول سعيد بن المسيب وشريح وعطاء وطاوس وقتادة.
ورخص بعضهم في اتيانها دون الفرج وهو قول عكرمة، وإلى نحو من هذا أشار الشافعي.
وقال إسحاق إن جامعها دون الفرج لم يكن به بأس، وقول أبي يوسف ومحمد قريب من ذلك.
معالم السنن (3) / (228) — الخطابي (ت (388))
قال ابن القيم رحمه الله: وقد تقدم في «الصحيحين» ((2)) حديثُ عائشة: «كنتُ أغتسل أنا والنبيُّ ? مِن إناء واحد، كلانا جُنُب، وكان يأمرني فأتَّزِر، فيباشرني وأنا حائض».
قال الشافعيُّ ((3)): قال بعضُ أهل العلم بالقرآن في قوله تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: (222)] يعني: في موضع الحيض. وكانت الآية محتملة لما قال، ومحتملة اعتزال جميع أبدانهنَّ، فدلّت سنةُ رسولِ الله ? على اعتزال ما تحت الإزار منها، وإباحة ما فوقها.
وحديثُ أنسٍ المتقدّم ((4)) ظاهرٌ في أن التحريمَ إنما وقع على موضع الحيض خاصةً، وهو النكاح، وأباح كلَّ ما دونه. وأحاديث الإزار لا تُناقِضُه، لأن ذلك أبلغ في اجتناب الأذى، وهو أولى.
وأما حديث معاذ قال: «سألت رسول الله ? عما يحلّ للرجل مِن امرأته وهي حائض؟ فقال: «ما فوق الإزار، والتعفُّف عن ذلك أفضل» ((1)) = ففيه بقيّة، عن سعد الأغطش، وهما ضعيفان.
قال عبد الحق ((2)): رواه أبو داود، ثم قال: ورواه أبو داود ((3)) من طريق حرام بن حكيم ــ وهو ضعيف ــ عن عمِّه: «أنه سأل رسول الله ?: ما يحلّ لي من امرأتي وهي حائض؟ فقال: «لك ما فوق الإزار».
قال: «ويُروى عن عمر بن الخطاب عن النبي ?». ذكره أبو بكر بن أبي شيبة ((4))، وليس بقويّ.
تهذيب سنن أبي داود – ط عطاءات العلم (1) / (468) — ابن القيم (ت
قال ابن رسلان:
(عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن اليهود والمجوس كانت إذا حاضت منهم امرأة) أي: رأت الحيض (أخرجوها) أي: اجتمعو اعلى إخراجها (من البيت) ومنعوها من الدخول فيه، والظاهر أن دم النفاس كذلك، وكانت هذِه العادة مستقرة في بني إسرائيل فيهم (ولم يؤاكلوها) يعني: الرجال، ويحتمل أن يكون النساء كذلك (ولم يشاربوها) أي: لم يشربوا من الإناء الذي تشرب منه (ولم يجامعوها) في أول الحيض ولا في آخره، لفظ مسلم: ولم يجامعوهن في البيوت ((1)) (في البيت) أي: تحت سقف (فسئل رسول الله ? عن ذلك، فأنزل الله) في ذلك: ({وَيَسْأَلُونَكَ}) ((2)) ذكر الطبري عن السدي: أن السائل ثابت بن الدحداح ((3)). وقيل: أسيد بن حضير وعباد بن بشر، وهو قول كثيرين، والظاهر أن السائل أصحاب رسول الله ? كما في مسلم: فسأل أصحاب النبي ? النبي ? فأنزل الله هذِه الآية.
({عَنِ الْمَحِيضِ}) هو الحيض مصدر حاضت حيضًا ومحيضًا ومحاضًا .. (إلى آخر الآية) {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} (فقال رسول الله ?: جامعوهن في البيوت) قال النووي: أي خالطوهن وساكنوهن في بيت واحد، يعني: إن شئتم ((1)) (واصنعوا كل شيء) أي: استمتعوا بكل ما شئتم منهن (غير النكاح) استدل به النووي ومن قال بقوله على أنه يجوز للرجل أن يستمتع بما بين السرة والركبة في غير القبل، وقواه من جهة هذا الحديث الذي استدل به واختاره، فقال: وممن ذهب إلى جوازه عكرمة ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري والأوزاعي وأحمد بن حنبل ومحمد بن الحسن وأصبغ وإسحاق بن راهويه وأبو ثور وابن المنذر من أصحابنا ((2)).
واعلم أن أكثر أصحابنا قد فرضوا هذِه المسألة في الاستمتاع وهو شامل للنظر إلى ما بين السرة والركبة في حال الحيض وللمباشرة وهو التقاء البشرتين، وعبر النووي في «المهذب» ((3)) و «التحقيق» بالمباشرة وهو يقتضي إباحة النظر بشهوة، واعلم أن أكثر الأصحاب سكتوا عن مباشرة المرأة لما بين السرة والركبة من الرجل كمس الفرج، والقياس تحريمه في حال الحيض.
(فقالت اليهود) حين بلغهم ذلك (ما يريد هذا الرجل أن يدع شيئًا من أمرنا) أي: من أمر ديننا (إلا خالفنا فيه) كان يشق عليهم مخالفة دينهم، ويطمعون أن يرجع إلى دينهم، ولم يزل الآدمي يكره مخالفته في قوله وفعله أو مخالفة مذهبه ونحو ذلك (فجاء أسيد بن حضير) بضم أولهما، وحضير بالحاء المهملة وفتح الضاد المعجمة (وعباد بن بشر) بن قيظي الأشهلي، قتل يوم اليمامة، وله حديث واحد رواه وهو في «معجم الطبراني» ((1)) (إلى رسول الله ? فقالا: يا رسول الله، إن اليهود تقول كذا وكذا) ليس هذا من النميمة في شيء؛ فإن النميمة نقل كلام الغير على وجه الإفساد، وهذا وجه المصلحة المترتبة على ذلك (أفلا ننكحهن) بفتح ((2)) النون، يعني في البيوت و (في المحيض) بفتح الميم (فتمعر) بفتح الميم والعين المهملة المشددة بعدها راء مهملة (وجه رسول الله) أي: تغير وانقبض كراهية لذلك، وبينه رواية مسلم: فتغير ((3)). بالغين المعجمة والمثناة تحت، وأصله قلة النضارة وعدم إشراق اللون من قولهم: مكان أمعر وهو الجدب الذي لا خصب فيه، وقيل: أصله من المعر وهو ذهاب الشعر كأن المراد به ذهاب الدم من الوجه (حتى ظننا أن) مخففة من الثقيلة، تقديره: أنه (قد وجد) أي غضب (عليهما) قال القرطبي: وتغير وجهه ? إنما كان ليبين أن الحامل على مشروعية الأحكام إنما هو أمر الله ونهيه، لا مخالفة أحد ولا موافقته، كما ظنا، ثم لما خرجا من عنده وتركاه على هذِه الحالة خاف عليهما فسقاهما ((4))، كما سيأتي.
(فخرجا) من عنده (فاستقبلتهما) رواية: فاستقبلهما بحذف التاء (هدية من لبن إلى رسول الله ?) فيه إكرام الأكابر والعلماء وأهل الصلاح بالهدايا والتحف، وفيه كما قال أصحابنا وغيرهم: إن الهدية هي ما نقل إلى ((1)) المهدى له لأجل إكرامه وإعظامه، والصدقة ما دفع لثواب الآخرة (فبعث في آثارهما) خوفًا عليهما أن يحزنا ويتكدر حالهما بغضبه فاستدرك ذلك استمالة لقلوبهما وأزال عنهما ما أصابهما بأن أرسل إليهما (فسقاهما) رأفة ورحمة منه لهما على مقتضى خلقه الكريم كما قال تعالى: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} ((2)) (فظننا) قال بعضهم: معناه: علمنا (أنه لم يجد) بكسر الجيم، أي: يغضب ويعتب (عليهما) والمصدر منه موجدة بفتح الميم وكسر الجيم، ومما يدل على أن ظننا بمعنى علمنا أنه ? لا يدعوهما إلى مجالسته ومؤاكلته إلا وهو راضٍ عنهما، والظن يكون بمعنى اليقين كثيرًا ومنه قوله تعالى: {إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ ((20))} ((3)) أي: تيقنت وعلمت، فظننا الأولى بمعنى: حسبنا، والثانية بمعنى: علمنا، وفيه تطييب نفوسهما، وزوال الوحشة عنهما بسقيهما اللبن ما يدل على ما كان عليه ? من حسن العشرة والرفق بالمؤمنين، شفقة عليهما لما كان يلحقهما من [ظنهما بوجد] ((4)) النبي ? لا سيما فيما هو من باب الدين.
شرح سنن أبي داود لابن رسلان (9) / (524) — ابن رسلان (ت (844))
أورد ابن القيم في إغاثة اللهفان فصولا كثيرة عن المسوسين وما يقعون فيه الأخطاء؛ فمن جملة ما قال:
فصل
ومن هذا ما يفعله كثير من الموسوسين بعد البول وهو عشرة أشياء: السلت، والفطر، والنحنحة، والمشى، والقفز، والحبل، والتفقد، والجور، والحشو، والعصابة، والدرجة ….
فصل
ومن ذلك: أن النبي ? سُئل عن المَذْي، فأمر بالوضوء منه، فقال: كيف ترى بما أصاب ثوبي منه؟ قال: «تأخذ كفًّا من ماء، فتنضحُ به حيث ترى أنه أصابه». رواه أحمد، والترمذي، والنسائي ((1)) ….
ومن ذلك: ما أفتى به عبد الله بن عمر، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وسالم، ومجاهد، والشعبي، وإبراهيم النخعي، والزهري، ويحيى بن سعيد الأنصاري، والحكم، والأوزاعي، ومالك، وإسحاق بن راهويه، وأبو ثور، والإمام أحمد في أصح الروايتين، وغيرهم: أن الرجل إذا رأى على بدنه أو ثوبه نجاسة بعد الصلاة، لم يكن عالمًا بها، أو كان يعلمها لكنه نسيها، أو لم ينسها لكنه عجز عن إزالتها: أن صلاته صحيحة، ولا إعادة عليه ….
وقالت عائشة: «كان رسول الله ? يصلي بالليل؛ وأنا إلى جنبه، وأنا حائض، وعليّ مِرْط وعليه بعضه». رواه أبو داود ((2)).
وقالت: «كنت أنا ورسول الله ? نَبيتُ في الشّعار الواحد، وأنا طامِث حائض؛ فإن أصابه منّي شيء غسل مكانه، ولم يَعْدُهُ، وصلى فيه». رواه أبو داود ((3)) ….
إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان – ط عطاءات العلم (1) / (276) — ابن القيم (ت (751))
قال ابن كثير:
{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ((222)) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَاتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ((223))}
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ: أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إِذَا حَاضَتِ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكلوها وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلَ أصحابُ النَّبِيِّ [النبيَّ] ((1)) ? فَأَنْزَلَ اللَّهُ ?: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} حَتَّى فَرَغَ مِنَ الْآيَةِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ». فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودَ، فَقَالُوا: مَا يُرِيدُ هَذَا الرَّجُلُ أَنْ يَدع مِنْ أَمْرِنَا شَيْئًا إِلَّا خَالَفَنَا فِيهِ! فَجَاءَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَير وعبَّاد بْنُ بِشْرٍ فَقَالَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ كَذَا وَكَذَا، أَفَلَا نُجَامِعُهُنَّ؟ فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ ? حَتَّى ظَنَنَّا أَنْ ((2)) قَدْ وَجَدَ عَلَيْهِمَا، فَخَرَجَا، فَاسْتَقْبَلَتْهُمَا ((3)) هَدِيَّةٌ مِنْ لَبَنٍ إلى رسول ((4)) الله ?، فَأَرْسَلَ فِي آثَارِهِمَا، فَسَقَاهُمَا، فَعَرَفَا أَنْ لَمْ يَجدْ عَلَيْهِمَا.
رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ ((5)).
فَقَوْلُهُ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} يَعْنِي [فِي] ((6)) الفَرْج، لِقَوْلِهِ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إِلَّا النِّكَاحَ» ((7))؛ وَلِهَذَا ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَوْ أَكْثَرِهِمْ إِلَى أَنَّهُ تَجُوزُ مُبَاشَرَةُ الْحَائِضِ فِيمَا عَدَا الْفَرْجِ.
قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ? أَنَّ النَّبِيَّ ? كَانَ إِذَا أَرَادَ مِنَ الْحَائِضِ شَيْئًا، أَلْقَى عَلَى فَرْجِهَا ثَوْبًا ((8)).
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا القَعْنَبِيّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ -يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ بْنِ غَانِمٍ -عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابْنَ زِيَادٍ -عَنْ عُمَارَةَ بْنِ غُرَاب: أَنَّ عمَّة لَهُ حَدَّثَتْهُ: أَنَّهَا سَأَلَتْ عَائِشَةَ قَالَتْ: إِحْدَانَا تَحِيضُ، وَلَيْسَ لَهَا وَلِزَوْجِهَا فِرَاشٌ إِلَّا فِرَاشٌ وَاحِدٌ؟ قَالَتْ: أُخْبِرُكِ بِمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ?: دَخَلَ فَمَضَى إِلَى مَسْجِدِهِ -قَالَ أَبُو دَاوُدَ: تَعْنِي مَسْجِدَ بَيْتِهَا -فَمَا انْصَرَفَ حَتَّى غَلَبَتْنِي عَيْنِي، وَأَوْجَعَهُ الْبَرْدُ، فَقَالَ: «ادْنِي مِنِّي». فَقُلْتُ: إِنِّي حَائِضٌ. فَقَالَ: «اكْشِفِي عَنْ فَخِذَيْكِ». فَكَشَفْتُ فَخِذِي، فَوَضَعَ خَدَّهُ وَصَدْرَهُ عَلَى فَخِذِي، وحنَيت ((9)) عَلَيْهِ حَتَّى دَفِئَ وَنَامَ ? ((10)).
وَقَالَ: أَبُو جَعْفَرِ بْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ كِتَابِ أَبِي قِلَابَةَ: أَنَّ مَسْرُوقًا رَكِبَ إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَعَلَى أهله ((11)). فقالت عائشة: أبو عَائِشَةَ! مَرْحَبًا مَرْحَبًا. فَأَذِنُوا لَهُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكِ ((1)) عَنْ شَيْءٍ، وَأَنَا أَسْتَحِي. فَقَالَتْ: إِنَّمَا أَنَا أُمُّكَ، وَأَنْتَ ابْنِي. فَقَالَ: مَا لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَتْ: لَهُ كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا فَرْجَهَا ((2)).
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ حُمَيْدِ بْنِ مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْعٍ، عَنْ عُيَيْنَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جَوْشن، عَنْ مَرْوَانَ الْأَصْفَرِ، عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: قُلْتُ لِعَائِشَةَ: مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ إِذَا كَانَتْ حَائِضًا؟ قَالَتْ: كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الْجِمَاعَ.
وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَالْحَسَنِ، وَعِكْرِمَةَ.
وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ أَيْضًا، عَنْ أَبِي كُرَيْب، عَنِ ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْران، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَهُ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ.
قُلْتُ: وَتَحُلُّ مُضَاجَعَتَهَا وَمُؤَاكَلَتَهَا بِلَا خِلَافٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ? يَامُرُنِي فَأَغْسِلُ رَاسَهُ وَأَنَا حَائِضٌ، وَكَانَ يَتَّكِئُ فِي حِجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ ((3)). وَفِي الصَّحِيحِ عَنْهَا قَالَتْ: كُنْتُ أَتَعَرَّقُ العَرْق وَأَنَا حَائِضٌ، فَأُعْطِيهِ النَّبِيَّ ?، فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي وَضَعْتُ فَمِي فِيهِ، وَأَشْرَبُ الشَّرَابَ فَأُنَاوِلُهُ، فَيَضَعُ فَمَهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كُنْتُ أَشْرَبُ ((4))
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا مُسَدَّد، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ جَابِرِ بْنِ صُبْح ((5)) سَمِعْتُ خِلَاسًا الهَجَري قَالَ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: كُنْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ ? نَبِيتُ فِي الشِّعَارِ الْوَاحِدِ، وَإِنِّي حَائِضٌ طَامِثٌ، فَإِنْ أَصَابَهُ مِنِّي شَيْءٌ، غَسَلَ مَكَانَهُ لَمْ يَعْدُه، وَإِنْ أَصَابَ -يَعْنِي ثَوْبَهُ -شَيْءٌ غَسَلَ مَكَانَهُ لَمْ يَعْدُه، وَصَلَّى فِيهِ ((6)).
فَأَمَّا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ -يَعْنِي ابْنَ مُحَمَّدٍ -عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّهَا قَالَتْ: كنتُ إِذَا حضْتُ نَزَلْتُ عَنِ المثَال عَلَى الْحَصِيرِ، فَلَمْ نَقْرَبْ رَسُولُ اللَّهِ ? وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ ((7)) -فَهُوَ مَحْمُولٌ ((8)) عَلَى التَّنَزُّهِ وَالِاحْتِيَاطِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: إِنَّمَا تَحِلُّ لَهُ مُبَاشَرَتُهَا فِيمَا عَدَا مَا تَحْتَ الْإِزَارِ، كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الْهِلَالِيَّةِ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ((9)) ? إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ ((10)). وَهَذَا لَفْظُ الْبُخَارِيِّ. وَلَهُمَا عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ ((11)).
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حديث العلاء بن الحارث، عن حزام بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ الْأَنْصَارِيِّ: أَنَّهُ سَأَلَ رسولَ اللَّهِ ?: مَا يَحِل لِي مِنَ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: «مَا ((1)) فَوْقَ الْإِزَارِ» ((2)).
وَلِأَبِي دَاوُدَ أَيْضًا، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ? عَمَّا يَحِلُّ لِي مِنَ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ ((3)). قَالَ: «مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ». وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ عَائِشَةَ -كَمَا تَقَدَّمَ -وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَشُرَيْحٍ.
فَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَمَا شَابَهَهَا حُجَّةُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ يَحِلُّ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ مِنْهَا، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، الَّذِي رَجَّحَهُ كَثِيرٌ مِنَ الْعِرَاقِيِّينَ وَغَيْرِهِمْ. وَمَأْخَذُهُمْ ((4)) أَنَّهُ حَرِيمُ الْفَرْجِ، فَهُوَ حَرَامٌ، لِئَلَّا يُتَوَصَّلَ إِلَى تَعَاطِي مَا حَرَّمَ اللَّهُ عزوجل، الَّذِي أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَهُوَ الْمُبَاشِرَةُ فِي الْفَرْجِ. ثُمَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَثِمَ، فَيَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ إِلَيْهِ. وَهَلْ يَلْزَمُهُ مَعَ ذَلِكَ كَفَّارَةٌ أَمْ لَا؟ فِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: نَعَمْ، لِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَأَهْلُ السُّنَنِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ ? فِي الَّذِي يَاتِي امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: «يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ» ((5)). وَفِي لَفْظٍ لِلتِّرْمِذِيَ: «إِذَا كَانَ دَمًا أَحْمَرَ فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ دَمًا أَصْفَرَ فَنِصْفُ دِينَارٍ». وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ أَيْضًا، عَنْهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? جَعَلَ فِي الْحَائِضِ تُصَابُ، دِينَارًا فَإِنْ أَصَابَهَا وَقَدْ أَدْبَرَ الدَّمُ عَنْهَا وَلَمْ تَغْتَسِلْ، فَنِصْفُ دِينَارٍ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ الصَّحِيحُ الْجَدِيدُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، وَقَوْلِ الْجُمْهُورِ: أَنَّهُ لَا شَيْءَ فِي ذَلِكَ، بَلْ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ عزوجل، لِأَنَّهُ لَمْ يَصِحَّ عِنْدَهُمْ رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ [قَدْ] ((6)) رُوِيَ مَرْفُوعًا كَمَا تَقَدَّمَ وَمَوْقُوفًا، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} تَفْسِيرٌ لِقَوْلِهِ: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} وَنَهْيٌ عَنْ قُرْبَانِهِنَّ بِالْجِمَاعِ مَا دَامَ الْحَيْضُ مَوْجُودًا، وَمَفْهُومُهُ حِلُّهُ إِذَا انْقَطَعَ، [وَقَدْ قَالَ بِهِ طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ وَطَاوُسٌ: انْقِطَاعُ الدَّمِ يُحِلُّهَا لِزَوْجِهَا وَلَكِنْ بِأَنْ تَتَوَضَّأَ] ((7)).
وَقَوْلُهُ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} فِيهِ نَدْبٌ وَإِرْشَادٌ إِلَى غِشْيَانِهِنَّ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ. وَذَهَبَ ابْنُ حَزْمٍ إِلَى وُجُوبِ الْجِمَاعِ بَعْدَ كُلِّ حَيْضَةٍ، لِقَوْلِهِ: {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} وَلَيْسَ لَهُ فِي ذَلِكَ مُسْتَنَدٌ، لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ بَعْدَ الْحَظْرِ. وَفِيهِ أَقْوَالٌ لِعُلَمَاءَ الْأُصُولِ، مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لِلْوُجُوبِ كَالْمُطْلَقِ. وَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ إِلَى جَوَابِ ابْنِ حَزْمٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لِلْإِبَاحَةِ، وَيَجْعَلُونَ تَقَدُّمَ النَّهْيِ عَلَيْهِ قَرِينَةً صَارِفَةً لَهُ عَنِ الْوُجُوبِ، وَفِيهِ نَظَرٌ. وَالَّذِي يَنْهَضُ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ أَنَّهُ يُرَدّ الْحُكْمُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ قَبْلَ النَّهْيِ، فَإِنْ كَانَ وَاجِبًا فَوَاجِبٌ، كقوله تعالى:
{فَإِذَا انْسَلَخَ الأشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التَّوْبَةِ: (5)]، أَوْ مُبَاحًا فَمُبَاحٌ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [الْمَائِدَةِ: (2)]، {فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الأرْضِ} [الْجُمْعَةِ: (10)] وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ تَجْتَمِعُ الْأَدِلَّةُ، وَقَدْ حَكَاهُ الْغَزَّالِيُّ وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَئِمَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ ((1)) عَلَى أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا انْقَطَعَ حيضُها لَا تَحِلُّ حَتَّى تَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ أَوْ تَتَيَمَّمَ، إِنَّ ((2)) تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا بِشَرْطِهِ، [إِلَّا يَحْيَى بْنَ بُكَيْرٍ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَهُوَ أَحَدُ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، فَإِنَّهُ ذَهَبَ إِلَى إِبَاحَةِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِ دَمِ الْحَيْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْقُلُهُ عَنِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ أَيْضًا، وَقَدْ حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ عَنْ مُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ عَنْ طَاوُسٍ كَمَا تَقَدَّمَ] ((3)). إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ،، يَقُولُ ((4)) فِيمَا إِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا لِأَكْثَرِ الْحَيْضِ، وَهُوَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ عِنْدَهُ: إِنَّهَا تَحِلُّ بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ وَلَا تَفْتَقِرُ إِلَى غُسْلٍ [وَلَا يَصِحُّ لِأَقَلِّ مِنْ ذَلِكَ الْمَزِيدِ فِي حِلِّهَا مِنَ الْغُسْلِ وَيَدْخُلُ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ إِلَّا أَنْ تَكُونَ دَمِثَةً، فَيَدْخُلُ بِمُجَرَّدِ انْقِطَاعِهِ] ((5)) وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {حَتَّى يَطْهُرْنَ} أَيْ: مِنَ الدَّمِ {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} أَيْ: بِالْمَاءِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعِكْرِمَةُ، وَالْحَسَنُ، وَمُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَغَيْرُهُمْ.
وَقَوْلُهُ: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَمُجَاهِدٌ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ: يَعْنِي الفَرْج؛ قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: {فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} يَقُولُ فِي الْفَرْجِ وَلَا تَعْدوه ((6)) إِلَى غَيْرِهِ، فَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَقَدِ اعْتَدَى.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَعِكْرِمَةُ: {فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} أَيْ: أَنْ تَعْتَزِلُوهُنَّ. وَفِيهِ دَلَالَةٌ حِينَئِذٍ عَلَى تَحْرِيمِ الْوَطْءِ فِي الدُّبُرِ، كَمَا سَيَاتِي تَقْرِيرُهُ قَرِيبًا.
وَقَالَ أَبُو رَزين، وَعِكْرِمَةُ، وَالضَّحَّاكُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ: {فَاتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} يَعْنِي: طَاهِرَاتٌ غَيْرُ حُيَّض، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ} أَيْ: مِنَ الذَّنْبِ وَإِنَّ تَكَرَّرَ ((7)) غشْيانه، {وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} أَيِ: الْمُتَنَزِّهِينَ عَنِ ((8)) الْأَقْذَارِ وَالْأَذَى، وَهُوَ مَا نُهُوا عَنْهُ مِنْ إِتْيَانِ الْحَائِضِ، أَوْ فِي غَيْرِ الْمَأْتَى.
تفسير ابن كثير – ت السلامة (1) / (586) — ابن كثير (ت (774))
قال المناوي:
(80) – (كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يُبَاشر امْرَأَة من نِسَائِهِ وَهِي حَائِض أمرهَا أَن تتزر ثمَّ يُبَاشِرهَا) خَ د عَن مَيْمُونَة // صَحَّ //
(كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يُبَاشر امْرَأَة من نِسَائِهِ) أَي يلصق بَشرته ببشرتها قَالَ الحرالي الْمُبَاشرَة التقاء البشرتين عمدا وَلَيْسَ المُرَاد هُنَا الْجِمَاع فَقَط وَهِي حَائِض أمرهَا أَن تتزر ثمَّ يُبَاشِرهَا بالمئزر أَي بالاتزار اتقاء عَن مَحل الاذى وَفِي رِوَايَة تأتزر بهمزتين قَالَ القَاضِي الْهَرَوِيّ وَهِي الصَّوَاب فَإِن الْهمزَة لَا تُدْغَم فِي التَّاء وَلَعَلَّ الْإِدْغَام من تَحْرِيف بعض الروَاة وَفِي الْمفصل إِنَّه خطأ لَكِن قيل إِنَّه مَذْهَب كُوفِي وَالْمرَاد أمرهَا بِعقد إِزَار فِي وَسطهَا يستر مَا بَين سرتها وركبتها كالسراويل وَنَحْوه أَي يضاجعها ويمس بَشرَتهَا وتمس بَشرته للأمن حِينَئِذٍ من الْوُقُوع فِي الوقاع الْمحرم وَهُوَ ? أملك النَّاس لأربه وَلَا يخَاف عَلَيْهِ مَا يخَاف عَلَيْهِم من أَن من حام حول الْحمى يُوشك أَن يَقع فِيهِ لكنه فعل ذَلِك تشريعا للْأمة فَأفَاد أَن الِاسْتِمْتَاع مَا بَين سرة الْحَائِض وركبتها بِلَا حَائِل حرَام وَبِه قَالَ الْجُمْهُور وَهُوَ الْجَارِي على قَاعِدَة الْمَالِكِيَّة فِي سد الذرائع وَيجوز بِحَائِل والْحَدِيث مُخَصص لآيَة فاعتزلوا النِّسَاء فِي الْمَحِيض (وَفِيه تَبْلِيغ أَفعَال الْمُصْطَفى ? للاقتداء بِهِ وَإِن كَانَت مِمَّا يستحيا من ذكره عَادَة خَ د عَن مَيْمُونَة وَرَوَاهُ عَنهُ أَيْضا الْبَيْهَقِيّ وَغَيره.
– (كَانَ إِذا أَرَادَ من الْحَائِض شَيْئا ألْقى على فرجهَا ثوبا د عَن بعض أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ // صَحَّ //
(كَانَ إِذا اراد من الْحَائِض شَيْئا) يَعْنِي مُبَاشرَة فِيمَا دون الْفرج كالمفاخذة فكنى بهَا عَنهُ ألْقى على فرجهَا ثوبا ظَاهره أَن الِاسْتِمْتَاع الْمحرم إِنَّمَا هُوَ بالفرج فَقَط وَهُوَ قَول للشَّافِعِيّ وَرجحه النَّوَوِيّ من جِهَة الدَّلِيل وَهُوَ مَذْهَب الْحَنَابِلَة وحملوا الأول على النّدب جمعا بَين الْأَدِلَّة قَالَ ابْن دَقِيق الْعِيد لَيْسَ فِي الأول مَا يَقْتَضِي منع مَا تَحت الْإِزَار لِأَنَّهُ فعل مُجَرّد وَفصل بَعضهم بَين من يملك أربه وَغَيره د عَن بعض أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ قَالَ ابْن حجر وَإِسْنَاده قوي قَالَ ابْن عبد الْهَادِي انْفَرد بِإِخْرَاجِهِ أَبُو دَاوُد // وَإِسْنَاده صَحِيح //
الشمائل الشريفة – مستل من فيض القدير للمناوي (1) / (71) — عبد الرؤوف المناوي (ت (1031))
قال العباد:
شرح حديث (كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن العلاء ومسدد قالا: حدثنا حفص عن الشيباني عن عبد الله بن شداد عن خالته ميمونة بنت الحارث (أن النبي ? كان إذا أراد أن يباشر واحدة من نسائه أمرها أن تتزر ثم يباشرها)].
أورد أبو داود حديث ميمونة رضي الله تعالى عنها، وهو الذي استدل به بعض أهل العلم على أن المباشرة للحائض إنما تكون فوق الإزار وليست فيما تحت الإزار؛ وقد قال جماعة كثيرون من أهل العلم بمقتضى هذا الحديث، وبعضهم أخذ بمقتضى حديث أنس المتقدم في أنه يصنع كل شيء إلا النكاح.
ومن العلماء من رأى أن المباشرة تكون في جميع جسد المرأة غير محل الحرث، أي: يباشرها ويقضي حاجته منها بالمباشرة في غير محل الحرث؛ لأن قوله: (اصنعوا كل شيء إلا النكاح) معناه أنهم يباشرونهن ولا يمتنعون إلا من النكاح.
شرح سنن أبي داود للعباد (248) / 19 — عبد المحسن العباد (معاصر)
…………..
(23) – باب كفَّارة مَن أتى حائضًا
قال محققو المسند:
إسناده صحيح على شرط الشيخين. عبد الواحد: هو ابن زياد العبدي.
وأخرجه البخاري ((303))، وأبو يعلى ((7092))، والبيهقي في «السنن» (1) / (311) و (7) / (191) من طرق عن عبد الواحد، بهذا الإسناد.
وأخرجه ابن أبي شيبة (4) / (254)، وعبد بن حميد في «المنتخب» ((1551))، وأبو داود ((2167))، وأبو يعلى ((7082)) من طرق عن الشيباني، به.
وقد سلف برقم ((26846)).
مسند أحمد – ط الرسالة (44) / (427) — أحمد بن حنبل (ت (241))
قال ابن القيم:
(164) / (2083) – وعن ابن عباس قال: «إذا أصابها في الدّمِ فدينارٌ، وإذا أصابها في انقطاع الدّمِ فنصف دينار».
وأخرجه النسائي ((5)). وهذا الحديث قد اضطرب الرواةُ فيه اضطرابًا كثيرًا، في إسناده وفي متنه، فرُوي تارةً مرفوعًا وتارة موقوفًا، وتارة مرسلًا عن مِقْسم عن النبيّ ?، وتارةً معضلًا عن عبد الحميد بن عبد الرحمن، عن النبي ?، وتارة على الشك: «دينار، أو نصف دينار»، وتارة على التفرقة بين أول الدم وآخره.
وقال الإمام الشافعي: فإن أتى رجلٌ امرأتَه حائضًا، أو بعد تولية الدم، ولم تغتسل، فليستغفر الله ولا يَعُد، وقد رُوي فيه شيء لو كان ثابتًا أخذنا به، ولكنه لا يثبت مثله. هذا آخر كلامه. وقيل لشعبة: كنت ترفعه؟ قال: إني كنت مجنونًا فصححت، فرجع عن رفعه بعد ما كان يرفعه.
قال ابن القيم: هذا الحديث قد رواه عفَّانُ وجماعة عن شعبة موقوفًا ((1))، وكذلك رواه عبد الرحمن بن مهدي عنه موقوفًا ((2))، ثم قال: قيل لشعبة: إنك كنت ترفعُه. فذكر ما تقدم.
وقال النسائي ((3)) بعدما رواه عن شعبة موقوفًا: قال شعبة: أنا حفظي مرفوع، وقال فلان وفلان: إنه كان لا يرفعه، فقال بعضُ القوم: يا أبا بسطام، حدِّثنا بحفظك ودَعْنا من فلان، فقال: والله ما أحبّ أني حدثتُ بهذا وسكتُّ عن هذا، وأني عُمِّرتُ في الدنيا عمر نوح في قومه.
وقد روى النسائي ((4)) من حديث سعيد بن جُبير، عن ابن عباس: «أن رجلًا أخبر النبيَّ ? أنه أصاب امرأتَه وهي حائض، فأمره أن يعتق نَسَمة». وله علّتان أشار إليهما النسائي:
إحداهما: أن هذا الحديث يرويه الوليد بن مسلم، عن ابن جابر، عن عليّ بن بُذَيمة، عن ابن جُبير، عن ابن عباس. واخْتُلِف على الوليد، فرواه عنه موسى بن أيوب كذلك، وخالفه محمود بن خالد، فرواه عن الوليد، عن عبد الرحمن بن يزيد السلمي، قال النسائي: هو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم، ضعيف ((1)).
العلة الثانية: الوَقْف على ابن عباس، ذكره النسائي ((2)).
وقال عبد الحق ((3)): حديث الكفارة في إتيان الحائض لا يُروى بإسناد يحتجّ به، ولا يصحُّ في إتيان الحائض إلا التحريم.
تهذيب سنن أبي داود – ط عطاءات العلم (1) / 470 — ابن القيم (ت
قال ابن رسلان:
(عن ابن عباس) رضي الله عنه (عن النبي صلى الله عليه وسلم في) الرجل (الذي يأتي امرأته وهي حائض) كذا للنسائي ((4)) بذكر الرجل وإطلاق الحائض، وفيها تفصيل بين أن يأتيها في الدم أو في انقطاعه كما سيأتي في الحديث بعده (قال: يتصدق بدينار أو) على الشك (بنصف دينار) كذا للنسائي ((1)) وابن ماجه، ورواه الترمذي عن حصين، عن مقسم بلفظ يقع على امرأته وهي حائض؛ قال: «يتصدق بنصف دينار». وهو محمول على من وطئ بعد انقطاع الدم، وهكذا الرواية: «بدينار أو بنصف دينار» عند الثلاثة، وأما ما وقع في «الشرح الكبير» للرافعي جاء في رواية: «فليتصدق بدينار وبنصف دينار»، ففيه تحريف وهو حذف الألف، والصواب إثباتها كما تقدم ((2))، قال المنذري: هذا الحديث اضطرب الرواة فيه اضطرابًا كثيرًا، فروي تارةً مرفوعًا وتارة مرسلًا. قال: وقيل لشعبة: إنك ترفعه. قال: كنت مجنونًا ثم صَحَحْتُ. فرجع عن رفعه بعدما كان يرفعه.
وقال شيخنا ابن حجر: شك شعبة في رفعه عن الحكم، عن عبد الحميد …
(عن مقسم، عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: إذا أصابها في) إقبال (الدم) كذا للبيهقي ((2)). وفي رواية له وللترمذي: إذا كان دمًا أحمر ((3)). ولأبي يعلى والدارمي من طريق أبي جعفر الرازي: في رجل جامع امرأته وهي حائض؛ فقال: إن كان دمًا عبيطًا ((4)) (فدينار) أي: فليتصدق بدينار، كذا في رواية أبي يعلى والدارمي المذكورة، والمراد بالدينار وهو المثقال، والمراد بإقبال الدم أوله، ويجوز صرف هذا إلى واحد (وإذا أصابها في انقطاع الدم) ورواه البيهقي من طريق سعيد بن أبي عروبة وعبد الكريم بن أمية به مرفوعًا وجعل هذا التفسير من قول مقسم فقال: فسر ذلك مقسم فقال: إن غشيها في الدم فدينار، وإن غشيها بعد انقطاع الدم قبل أن تغتسل ((5)) (فنصف دينار) أي: فيتصدق بنصف دينار.
وفي رواية لأحمد: أن النبي ? جعل في الحائض نصاب دينار، فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فنصف دينار ((6)).
قال في «المنتقى»: وفيه تنبيه على تحريم الوطء قبل الغسل ((1)). وللترمذي: إن كان دمًا أحمر فدينار، وإن كان دمًا أصفر فنصف دينار ((2)). وهذا الدينار والنصف الدينار التصدق به مستحب، وليس بواجب على الجديد من مذهب الشافعي والقديم، ونقله الداودي في «شرح المختصر» عن الجديد أنه لازم أيضًا، وعلى كلا القولين فالدينار أو نصفه إنما يستحب أو يجب على من جامع متعمدًا عالمًا بالتحريم، فيكون قد ارتكب كبيرة ولا غرم عليه واجبٌ في الجديد، بل يستغفر الله ويتوب إليه ((3)).
شرح سنن أبي داود لابن رسلان (9) / (524) — ابن رسلان (ت (844))
قال ابن حزم:
(263) – مَسْأَلَةٌ:
وَمَنْ وَطِئَ حَائِضًا فَقَدْ عَصَى اللَّهَ تَعَالَى، وَفَرْضٌ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إنْ أَصَابَهَا فِي الدَّمِ فَيَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، وَإِنْ كَانَ فِي انْقِطَاعِ الدَّمِ فَنِصْفُ دِينَارٍ.
وَرُوِّينَا عَنْهُ أَيْضًا قَالَ: مَنْ وَطِئَ حَائِضًا فَعَلَيْهِ عِتْقُ رَقَبَةٍ، وَرُوِّينَا عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الَّذِي يَطَأُ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ.
وَرُوِّينَا عَنْ قَتَادَةَ: إنْ كَانَ وَاجِدًا فَدِينَارٌ وَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَنِصْفُ دِينَارٍ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ، وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ وَإِنْ شَاءَ بِنِصْفِ دِينَارٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: يُعْتِقُ رَقَبَةً، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا.
فَأَمَّا مَنْ قَالَ: يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ نِصْفِ دِينَارٍ فَاحْتَجُّوا بِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مِقْسَمٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ” أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? قَالَ: «يَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» وَفِي بَعْضِ أَلْفَاظِ هَذَا الْخَبَرِ «إنْ كَانَ الدَّمُ عَبِيطًا فَدِينَارٌ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ صُفْرَةٌ فَنِصْفُ دِينَارٍ» وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ شَرِيكٍ عَنْ خُصَيْفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «عَنْ النَّبِيِّ ? فِي الَّذِي يَاتِي أَهْلَهُ حَائِضًا يَتَصَدَّقُ بِنِصْفِ دِينَارٍ» وَبِحَدِيثٍ رُوِيَ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ «عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? أَمَرَهُ – يَعْنِي الَّذِي يَعْمِدُ وَطْءَ حَائِضٍ – أَنْ يَتَصَدَّقَ بِخُمُسَيْ دِينَارٍ» وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ ثنا أَصْبَغُ بْنُ الْفَرَجِ عَنْ السَّبِيعِيِّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ وَطِئَ جَارِيَتَهُ فَإِذَا بِهَا حَائِضٌ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ ? فَأَخْبَرَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ? تَصَدَّقْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» وَآخَرُ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ عَنْ الْمَكْفُوفِ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ? «فَلْيَتَصَدَّقْ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِ دِينَارٍ» وَبِحَدِيثٍ آخَرَ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ ابْنِ جَابِرٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? أَمَرَ رَجُلًا أَصَابَ حَائِضًا
بِعِتْقِ نَسَمَةٍ».
وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ مَحْمُودِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ ? بِمِثْلِهِ نَصًّا، وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْعِتْقَ أَوْ الصِّيَامَ أَوْ الْإِطْعَامَ بِقِيَاسِهِ عَلَى الْوَطْءِ نَهَارًا فِي رَمَضَانَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: كُلُّ هَذَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ شَيْءٌ.
أَمَّا حَدِيثُ مِقْسَمٍ فَمِقْسَمٌ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ فَسَقَطَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، وَأَمَّا حَدِيثُ عِكْرِمَةَ، فَرَوَاهُ شَرِيكٌ عَنْ خُصَيْفٍ، وَكِلَاهُمَا ضَعِيفٌ.
وَأَمَّا حَدِيثُ الْأَوْزَاعِيِّ فَمُرْسَلٌ، وَأَمَّا حَدِيثَا عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ حَبِيبٍ فَلَوْ لَمْ يَكُنْ غَيْرُهُ لَكَفَى بِهِ سُقُوطًا، فَكَيْفَ وَأَحَدُهُمَا عَنْ السَّبِيعِيِّ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ وَمُرْسَلٌ مَعَ ذَلِكَ، وَالْآخَرُ مَعَ الْمَكْفُوفِ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ؟ عَنْ أَيُّوبَ بْنِ خَوْطٍ وَهُوَ سَاقِطٌ.
وَأَمَّا حَدِيثَا الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ فَمِنْ طَرِيقِ مُوسَى بْنِ أَيُّوبَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ، فَسَقَطَ جَمِيعُ الْآثَارِ فِي هَذَا الْبَابِ.
وَأَمَّا قِيَاسُ الْوَاطِئِ حَائِضًا عَلَى الْوَاطِئِ فِي رَمَضَانَ فَالْقِيَاسُ بَاطِلٌ ….
المحلى بالآثار (1) / (402) — ابن حزم (ت (456))
قال العباد:
أورد أبو داود [باب في كفارة من أتى حائضًا].
يعني: ما هي الكفارة التي تجب عليه لتلافي ذلك الذنب الذي وقع فيه؟ فإتيان النساء في الحيض في فروجهن لا يجوز، ولهذا قال تعالى: «قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ» [البقرة: (222)] يعني: اجتنبوا جماعهن في حال حيضهن، وذلك في الفروج.
فبعد أن أورد المصنف ما يدل على تحريم نكاح المرأة وهي حائض وأنه يفعل كل شيء إلا النكاح ذكر أن من عصى وحصل منه ذلك الأمر المحرم فإن عليه كفارة، وهذه الكفارة جاءت في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي ? قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: [(يتصدق بدينار أو بنصف دينار)] فهذه كفارة إتيان الحائض.
وقيل: إن التفاوت بين الدينار ونصفه هو أنه إذا كان في حال إقبال الدم وشدته وكثرته فإنه يتصدق بدينار، وإذا كان في حال إدباره وقلته فإنه يتصدق بنصف دينار.
وقيل: إن هذا لعله يكون في حال اليسار وعدم اليسار، وأنه إذا كان موسرًا فإنه يتصدق بدينار، وإذا كان بخلاف ذلك يتصدق بنصفه، والحاصل أنه ثبتت السنة عن رسول الله ? بهذه الكفارة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يجامع امرأته في حال حيضها في فرجها، وإنما يستمتع بها في غير الفرج، وإذا حصل منه الجماع فإن عليه هذه الكفارة التي هي التصدق بدينار أو بنصف دينار.
تراجم رجال إسناد حديث: (إذا أصابها في الدم فدينار وإذا أصابها في انقطاع الدم فنصف دينار)
قوله: [حدثنا عبد السلام بن مطهر].
عبد السلام بن مطهر صدوق، أخرج له البخاري وأبو داود.
[حدثنا جعفر -يعني ابن سليمان -].
جعفر بن سليمان صدوق، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ومسلم وأصحاب السنن.
[عن علي بن الحكم البناني].
علي بن الحكم البناني ثقة، أخرج له البخاري وأصحاب السنن.
[عن أبي الحسن الجزري].
أبو الحسن الجزري مجهول، أخرج له أبو داود والترمذي.
[عن مقسم عن ابن عباس].
مقسم وابن عباس قد مر ذكرهما.
والإسناد فيه هذا المجهول، ولا أعرف وجه تصحيح الألباني له.
فالشيخ الألباني يصحح الموقوف والمرفوع، إلا أنه قال: إن هذا صحيح موقوفًا.
لكن فيه أبو الحسن الجزري، وهو مجهول.
وقد أعل المنذري الحديث المرفوع بالاضطراب، ولكن مجيئه موقوفًا ومجيئه مرفوعًا لا يؤثر، والموقوف هنا وجدنا أنه غير مستقيم من حيث الإسناد، وأما المرفوع فهو مستقيم الإسناد.
شرح سنن أبي داود للعباد (248) / (24) — عبد المحسن العباد (معاصر)
تنبيه: في ضعيف أبي داود – الأم (1) / (116) — ناصر الدين الألباني (ت (1420))
(45) – عن أبي اليمان عن أُمِّ ذرّة عن عائشة أنها قالت:
كنت إذا حِضْت؛ نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقْرُبْ رسول الله
? ولم ندْن منه؛ حتى نطْهر.
(قلت: إسناده ضعيف، أبو اليمان- واسمه: كثير بن يمان- مجهول الحال،
والحديث منكر؛ لأنه خلاف ما صح عن عائشة قالت:
كان رسول الله ? يأمر إحدانا- إذا كانت حائضًا- أن تتزر، ثم يضاجعها
زوجها.
أخرجه الشيخان في «صحيحيهما»، وهو في الكتاب الأخر من طرق عنها
(رقم (261) و (263) و (264)».
إسناده: حدثنا سعيد بن عبد الجبار: نا عبد العزيز- يعني: ابن محمد- عن
أبي اليمان.
قلت: وهذا إسناد ضعيف؛ من أجل أبي اليمان هذا؛ فإنه ليس بالمشهور، ولم
يحدث عنه غير اثنين- أحدهما مختلف فيه-، ولم يوثقه غير ابن حبان؛ ولذلك قال الحافظ في «التقريب»:
«مستور»، يعني: مجهول الحال؛ فإنه قال في مقدمة الكتاب:
«الطبقة السابعة: من روى عنه أكثر من واحد، ولم يوثق؛ وإليه الإشارة
بلفظ: مستور، أو: مجهول الحال».
وأم ذرة أشهر منه، وهي مدنية، مولاة عائشة، روى عنها اثنان آخران- غير
أبي اليمان-، ووثقها ابن حبان. وقال العجلي:
«تابعية مدنية ثقة». وقال الحافظ:
«مقبولة»؛ أي: لينة الحديث. وقال ابن حزم في «المحلى» ((2) / (177)):
«وأما هذا الخبر؛ فإنه من طريق أبي اليمان كثير بن اليمان الرحال، وليس
بالمشهور، عن أم ذرة، وهي مجهولة؛ فسقط».
ورد عليه ابن القيم في «التهذيب»، فقال:
«وما ذكره ضعيف؛ فإن أبا اليمان هذا ذكره البخاري في» تاريخه «، فقال:
سمع أم ذرة، روى عنه أبو هاشم عمار بن هاشم، وعبد العزيز الدراوردي. وذكره
ابن حبان في» الثقات «وقال: يروي عن أم ذرة وعن شداد بن أبي عمرو. وكذا أم
ذرة؛ فهي مدنية روت عن مولاتها عائشة وعن أم سلمة، وروى عنها محمد بن
المنكدر وعائشة بنت سعد بن أبي وقاص وأبو اليمان كثير بن اليمان. فالحديث
غير ساقط».
قلت: والحق ما ذهب إليه ابن حزم: أن الحديث ساقط. وما ذكره في الرد
عليه إنما يُخْرِج الراويين عن الجهالة العينية إلى الجهالة الحالية، وتوثيق ابن حبان وكذا العجلي فيه تساهل معروف، ولذلك ترى الحافظ لم يعرج على توثيقهما في
هذين الراويين وفي غيرهما ممن سبق ذكره، ومجهول الحال لا يحتج به إلا إذا
توبع، كما قرره ابن القيم نفسه في «تهذيب السنن» – في الحديث الذي قبل
هذا-، وقد نقلنا كلامه في ذلك عند الحديث المشار إليه فما الكتاب الآخر (رقم
(260))؛ فراجعه.
ولا بد من أن ننقل منه ما يناسب المقام؛ قال:
” والراوي إذا كانت هذه حاله- يعني حالة السّتْرِ- ولم يجرحه أحد؛ إنما
يخشى من تفرده بما لا يتابع عليه، فأما إذا روى ما رواه الناس، وكانت لروايته شواهد ومتابعات؛ فإن أئمة الحديث يقبلون حديث مثل هذا، فإذا صاروا إلي
معارضة ما رواه بما هو أثبت منه وأشهر؛ عللوه بمثل هذه الجهالة وبالتفرد».
قلت: وأبو اليمان هذا قد روى هذا الحديث بإسناده عن عائشة، مخالفًا لجميع
الثقات الذين رووه عنها بلفظِ ومعنىً مخالفِ لحديثه هذا، وقد ذكرنا آنفًا عقيبه
حديثًا واحدًا للدلالة على ذلك. فلا أدري كيف ذهل ابن القيم عن
ذلك، وحاول أن يقوي الحديث مع هذه النكارة الواضحة؟!
نعم؛ قد روى الإمام أحمد في «المسند» ((6) / (91)) حديثًا آخر عن عائشة رضي
الله عنها، لو صح إسناده إليها لكان دليلًا قويًا في الجمع بين هذا الحديث
والأحاديث الأخرى: وهو ما أخرجه من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب عن سويد بن
قيس عن ابن قريظة الصّدفي قال:
قلت لعائشة رضي الله عنها: أكان رسول الله ? يضاجعك وأنت حائض؟
قالت: نعم إذا شددت علي إزاري، ولم يكن لنا- إذ ذاك- إلا فراش واحد، فلما
رزقني الله فراشًا آخر؛ اعتزلت رسول الله ?.
وهذا إسناد ضعيف لا يصح؛ وذلك لأن ابن لهيعة سيئ الحفظ، فلا يحتج به
إذا تفرد، فكيف به إذا خالف؟!
وابن قريظة الصدفيُ أورده الحافظ في «فصل فيمن أُبهم، ولكن ذكر اسم أبيه
أو جده أو نحو ذلك» من «التعجيل»؛ ولم يزد على أن ذكر ما جاء في هذا
الإسناد. فهو مجهول العين.
====
شرح حديث: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصر)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا سعيد بن عبد الجبار حدثنا عبد العزيز -يعني: ابن محمد – عن أبي اليمان عن أم ذرة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول الله ?، ولم ندنُ منه حتى نطهر)].
هو الفراش، والحصير هو الذي يوضع على الأرض، وهو غير الفراش الذي كان ينام عليه ? هو وعائشة رضي الله عنها، قوله: [(فلم نقرب رسول الله ?، ولم ندن منه حتى نطهر)].
هذا خلاف ما تقدم في الأحاديث الصحيحة من المضاجعة والمباشرة، فالحديث غير صحيح.
شرح سنن أبي داود للعباد (41) / (18) — عبد المحسن العباد (معاصر)
[(041)] ?ما جاء في الرجل يصيب من الحائض ما دون الجماع?شرح حديث: (كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصر)
ضعيف أبي داود – الأم (1) / (116) — ناصر الدين الألباني (ت (1420))
سنن أبي داود – ت الأرنؤوط (1) / (194) — أبو داود (ت (275))
(271) – حدَّثنا سعيدُ بنُ عبد الجبَّار، حدَّثنا عبدُ العزيز -يعني ابنَ محمَّد-، عن أبي اليَمَان، عن أمِّ ذَرَّة
عن عائشة أنها قالت: كنتُ إذا حِضْتُ نزَلتُ عن المِثالِ على الحصير، فلم نَقرَبْ رسولَ الله ? -ولم نَدنُ منه حتَّى نَطهُرَ ((2)).
…… ـ
((2)) إسناده ضعيف، أبو اليمان -وهو كثيرُ بن اليمان الرحَّال المدني- روى عنه اثنان، وذكره ابن حبان في «الثقات»، فهو مجهول الحال، وقد أتى هنا بما ينكر، وأم ذَرَّةَ روى عنها ثلاثة، وذكرها ابن حبان في «الثقات»، ووثقها العجلي.
(213) – حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَزَنِيُّ، حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعْدٍ الْأَغْطَشِ وَهُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ الْأَزْدِيِّ، قَالَ: هِشَامٌ وَهُوَ ابْنُ قُرْطٍ – أَمِيرُ حِمْصَ – عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ ?، عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ قَالَ: فَقَالَ: «مَا فَوْقَ الْإِزَارِ وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَلَيْسَ هُوَ، يَعْنِي: الْحَدِيثَ بِالْقَوِيِّ
[حكم الألباني]: ضعيف
سنن أبي داود – ت محيي الدين عبد الحميد (1) / (55) — أبو داود (ت (275))
رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد نا هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ الْيَزَنِيُّ حَدَّثَنِي بَقِيَّةُ بْنُ عَبْدِ الْوَلِيدِ عَنْ سَعِيدٍ – هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَغْطَشُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَائِذٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ هِشَامٌ – وَهُوَ ابْنُ قِرْطٍ الْأَزْدِيُّ أَمِيرُ حِمْصَ – عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَمَّا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: مَا هُوَ فَوْقَ الْإِزَارِ، وَالتَّعَفُّفُ عَنْ ذَلِكَ أَفْضَلُ»
وَهَذَا خَبَرٌ لَا يَصِحُّ، لِأَنَّهُ مِنْ طَرِيقِ بَقِيَّةَ – وَهُوَ ضَعِيفٌ – عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَغْطَشِ – وَهُوَ مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ.
–
المحلى بالآثار (9) / (233) — ابن حزم (ت (456))
– قَالُوا: حَدِيثَانِ- فِي الْحَيْضِ مُتَنَاقِضَانِ:
قَالُوا: رُوِّيتُمْ عَنْ جَرِيرٍ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كَانَ رَسُولِ اللَّهِ ? يَامُرُنَا فِي فَوْحِ حَيْضِنَا، أَنْ نَاتَزِرَ، ثُمَّ يُبَاشِرُنَا، وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ? يَمْلِكُهُ؟» (1).
ثُمَّ رُوِّيتُمْ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: «كُنْتُ إِذَا حِضْتُ، نَزَلْتُ عَنِ الْمِثَالِ إِلَى الْحَصِيرِ، فَلَمْ نَقْرَبْ رَسُولِ اللَّهِ ?، وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ، حَتَّى نَطْهُرَ» (2).
قَالُوا: وَهَذَا خِلَافُ الْأَوَّلِ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَنَحْنُ نَقُولُ: إِنَّ الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّحِيحُ.
وَقَدْ رَوَاهُ شُعْبَةُ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْأَسْوَدِ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ? يَامُرُ إِحْدَانَا، إِذَا كَانَت حَائِضًا، أَن تأتزر، ثمَّ يضاجعها.
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ، خِلَافُ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها.
وَلَا يَجُوزُ عَلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنْ تَقُولَ: «كُنْتُ أُبَاشِرُهُ فِي الْحَيْضِ مَرَّةً»، ثُمَّ تَقُولُ مَرَّةً أُخْرَى: «كُنْتُ لَا أُبَاشِرُهُ فِي الْحَيْضِ، وَأَنْزِلُ عَنِ الْفِرَاشِ إِلَى الْحَصِيرِ، فَلَا أَقْرَبُهُ حَتَّى أَطْهُرَ».
لِأَنَّ أَحَدَ الْخَبَرَيْنِ يَكُونُ كَذِبًا، وَالْكَاذِبُ لَا يُكَذِّبُ نَفْسَهُ.
فَكَيْفَ يُظَنُّ ذَلِكَ بِالصَّادِقِ الطَّيِّبِ الطَّاهِرِ!!؟
وَلَيْسَ فِي مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ إِذَا ائْتَزَرَتْ، وَكَفٌ (1) وَلَا نَقْصٌ، وَلَا مُخَالَفَةٌ لِسُنَّةٍ (2) وَلَا كِتَابٍ.
وَإِنَّمَا يَكْرَهُ هَذَا مِنَ الْحَائِضِ وَأَشْبَاهَهُ من المعاطاة (3) -الْمَجُوس.
تأويل مختلف الحديث (1) / (481) — ابن قتيبة (ت (276))
وَبِحَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي دَاوُد عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَبْدِ الْجَبَّارِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ أَبِي الْيَمَانِ عَنْ أُمِّ ذَرَّةٍ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ ” كُنْتُ إذَا حِضْتُ نَزَلْتُ عَنْ الْمِثَالِ عَلَى الْحَصِيرِ فَلَمْ نَقْرَبْ رَسُولَ اللَّهِ ? وَلَمْ نَدْنُ مِنْهُ حَتَّى نَطْهُرَ.
قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: وَأَمَّا هَذَا الْخَبَرُ فَإِنَّهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْيَمَانِ كَثِيرِ بْنِ الْيَمَانِ الرَّحَّالِ وَلَيْسَ بِالْمَشْهُورِ، عَنْ أُمِّ ذَرَّةٍ وَهِيَ مَجْهُولَةٌ فَسَقَطَ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَهِيَ مُوجِبَةٌ لِفِعْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ
المحلى بالآثار (1) / (395) — ابن حزم (ت (456))
ورد أبو داود [باب في إتيان الحيض ومباشرتها]
يعني جماعها، وذلك حرام لا يجوز، ومباشرتها في غير الفرج جائزة على قول بعض أهل العلم، وبعضهم يجعل المباشرة جائزة فيما فوق الإزار.
والحديث الذي أورده أبو داود هنا يدل على أن
المباشرة تكون مطلقًا، سواء من فوق الإزار أو
دونه، بشرط أن لا يكون هناك جماع في الفرج الذي هو محل الحيض ومحل الدم.
فالمقصود من الترجمة أن إتيان النساء وجماعهن لا
يجوز في الحيض، وأما أن يستمتع بها فيما دون فرجها فذلك سائغ وجائز.
وأورد أبو داود حديث أنس بن مالك أن اليهود
كان عندهم تشدد وتعنت وغلو، وذلك أن المرأة فيهم كانت إذا حاضت أبعدوها عنهم، فلم يساكنوها ولم يجالسوها ولم يؤاكلوها، ولا تكون معهم حتى تطهر من الحيض، وهذا غلو.
ويقابل هذا فعل النصارى، فإنهم يجامعون
الحائض، فاليهود في طرف والنصارى في طرف، فالنصارى يخالطونها، بل يجامعونها ولا يتركون شيئًا، ولا يفرقون بين كونها حائضًا أو غير حائض، واليهود يبتعدون عنها ولا يساكنونها ولا يجالسونها ولا يجامعونها، أي: لا يجتمعون بها أو يساكنونها، فالمقصود بالمجامعة هنا الاجتماع، وليس الجماع الذي هو الوطء.
فجاء الإسلام وسطًا بين هؤلاء وأولئك، وذلك أن
الحائض تبقى مع الناس في البيوت فيؤاكلونها ويشاربونها، ويبيتون معها، ويستمتع بها الزوج في غير الفرج، فليس عندهم إفراط هؤلاء ولا تفريط أولئك، وإنما عندهم التوسط، وهذا من أمثلة وسطية هذه الأمة بين اليهود والنصارى.
وقوله: [(فأنزل الله عزوجل {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ
الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ}) [البقرة: (222)] إلى آخر الآية].
يعني أن الدم الذي يكون في فروج النساء بسبب
الحيض هو أذى نجس وقذر ومنتن، والأذى موجود فيه من وجوه متعددة، ولذلك قال تعالى: {فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: (222)] يعني: في حال حيضهن اعتزلوا محل الحيض.
وليس المقصود بالاعتزال اعتزالهن مطلقًا كما
تفعله اليهود، حيث إنهم يخرجونها من البيت ولا يساكنونها ولا يكونون معها.
وقوله: [فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله
وسلم: (جامعوهن في البيوت واصنعوا كل شيء غير النكاح)].
أي: ساكنوهن وكونوا معهن في البيوت
وقوله: (واصنعوا معهن كل شيء إلا النكاح)، أي أن الحائض تؤاكل وتشارب وتضاجع وتباشر، ولكن في غير الفرج، فيستمتع الزوج بها ويقضي حاجته
منها في غير الفرج الذي هو محل النجاسة الموجودة بسبب الحيض
قوله: (فقالت اليهود: ما يريد هذا الرجل أن يدع
شيئًا من أمرنا إلا خالفنا فيه).
يشيرون بذلك إلى رسول الله ?، وما وصفوه
بالرسالة؛ لأنهم لا يؤمنون به ?، وهم -بلا شك- كافرون به وبعيسى وبموسى وبكل الرسل؛ لأن من كفر بنبي فقد كفر بجميع الأنبياء، كما جاء في القرآن، فقد قال تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ} [الشعراء: (105)] وهم إنما كذبوا رسولهم نوحًا، فبتكذيبهم الواحد صاروا مكذبين لجميع الرسل، ومن كذب رسولًا واحدًا كذب جميع الرسل، وإذا كانوا يقولون إنهم أتباع موسى فموسى هو الذي أخبر عن رسول الله ?، فهم مكذبون لموسى.
فمن كذب نبيًا من الأنبياء فهو كاليهود الذين لا
يؤمنون بنبوة محمد ?، أو يقولون: هو نبي إلى العرب خاصة.
وهذا كذب وتكذيب؛ لأنه رسول للناس كافة، فهو
تكذيب للرسول ? وفي نفس الوقت هو تكذيب لموسى ولعيسى ولسائر الأنبياء.
قوله: (فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر ? إلى
رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقالا: يا رسول الله! إن اليهود تقول كذا وكذا.
أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله حتى ظننا أن قد وجد عليهما).
أي: جاء عباد بن بشر وأسيد بن حضير فكلماه عن
اليهود وقالا: أفلا ننكحهن في المحيض؟! فتمعر وجه رسول الله ?، أي: غضب.
فلما تمعر وجهه ظنوا أنه وجد عليهما وغضب وأن
في نفسه عليهما شيئًا
فخرج فاستقبلتهما هدية لبن إلى رسول الله ?،
فلما رأى الهدية جاءت بعث في أثرهما يطلبهما حتى يأخذا نصيبهما من هذه الهدية، فعند ذلك اعتقد الصحابة الذين كانوا عنده أنه ما وجد عليهما.
فقولهم أولًا: (ظننا) معناه: حسبنا
وقولهم (ظننا) في المرة الثانية معناه اليقين، فالظن يأتي بمعنى الحسبان ويأتي بمعنى اليقين،
{الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: (46)] يعني: يعتقدون ويجزمون.
والمعنى أنه لما دعاهما وأراد أن يشاركاه في هذه
الهدية وسقاهما من ذلك اللبن عرف الصحابة وتحققوا أنه لم يجد عليهما.
وعباد بن بشر وأسيد بن حضير من أصحاب رسول
الله ?، وهما اللذان حصلت لهما الكرامة التي جاءت في الحديث الصحيح أنهما خرجا من عند رسول الله ? في ليلة مظلمة، فكان معهما نور أمامهما يضيء لهما الطريق، ولما افترقا وذهب كل منهما إلى بيته انقسم ذلك النور إلى قسمين، فصار كل واحد منهما معه جزء من ذلك النور، وهذا ثابت في الصحيح عن رسول الله ?، وهو من كرامات الأولياء التي يثبتها أهل السنة والجماعة، فإنهم يصدقون بكرامات الأولياء ويثبتونها إذا وقعت لأولياء الله حقًا وإذا حصلت من وجه يصح، أما الأشياء التي تضاف إلى من تدعى لهم الولاية ويزعم بأنهم أولياء ويؤتى بأكاذيب ويؤتى بترهات وسخافات تضاف إليهم ويقال عنها إنها كرامات، فهذه من الأمور المنكرة.
وأهل السنة والجماعة يصدقون بكل ما ثبت من
الكرامات لأولياء الله، مثل أصحاب رسول الله ? ومن كان على منهاجهم وعلى منوالهم، ولكنهم ينكرون الأشياء التي ليس لها أساس، والأشياء التي لا تليق ولا
تصلح وهي مخالفة لدين الإسلام، بل قد يكون بعضها شركًا بالله عزوجل، ويعتقد أنها كرامة من الكرامات، كمن يزعم أن فلانًا ولي يستغاث به في
حال شدة وفي حال كربة، ثم بعد ذلك يقول: إنه جاء إلى ذلك الولي، وإنه خلصه من هذه الشدة.
فهذا شرك بالله عزوجل، حيث يستغيث بغير الله،
وهذا لا يعتبر كرامة، بل يعتبر ابتلاءً وامتحانًا.
شرح سنن أبي داود للعباد (248) / (14)
أورد أبو داود [باب في كفارة من أتى حائضًا]
يعني: ما هي الكفارة التي تجب عليه لتلافي ذلك
الذنب الذي وقع فيه؟ فإتيان النساء في الحيض في فروجهن لا يجوز، ولهذا قال تعالى: «قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ» [البقرة: (222)] يعني: اجتنبوا جماعهن في حال حيضهن، وذلك في الفروج.
فبعد أن أورد المصنف ما يدل على تحريم نكاح
المرأة وهي حائض وأنه يفعل كل شيء إلا النكاح ذكر أن من عصى وحصل منه ذلك الأمر المحرم فإن عليه كفارة، وهذه الكفارة جاءت في حديث ابن عباس أن النبي ? قال في الذي يأتي امرأته وهي حائض: [(يتصدق بدينار أو بنصف دينار)] فهذه كفارة إتيان الحائض.
وقيل: إن التفاوت بين الدينار ونصفه هو أنه إذا
كان في حال إقبال الدم وشدته وكثرته فإنه يتصدق بدينار، وإذا كان في حال إدباره وقلته فإنه يتصدق بنصف دينار.
وقيل: إن هذا لعله يكون في حال اليسار وعدم
اليسار، وأنه إذا كان موسرًا فإنه يتصدق بدينار، وإذا كان بخلاف ذلك يتصدق بنصفه، والحاصل أنه ثبتت السنة عن رسول الله ? بهذه الكفارة، وأنه لا يجوز للإنسان أن يجامع امرأته في حال حيضها في فرجها، وإنما يستمتع بها في غير الفرج، وإذا حصل منه الجماع فإن عليه هذه الكفارة التي هي التصدق بدينار أو بنصف دينار.
شرح سنن أبي داود للعباد (248) / (22) وفي «سنن أبي داود» عَن أبي اليمان كثير بنِ يمان، عَن أم ذرة، عَن عائشة، قالت: كنت إذا حضت نزلت عَن المثال
إلى الحصير، فلن نقرب رسول الله ? ولم ندن منهُ حتى نطهر.
أبو اليمان وأم ذرة، ليسا بمشهورين، فلا يقبل تفردهما بما يخالف رواية الثقات الحفاظ الأثبات.
وخرجه بقي بنِ مخلد، عَن الحماني: ثنا عبد العزيز، عَن أبي [اليمان] الرحال، عَن أم ذرة، عَن عائشة، قالت: كنت إذا حضت لَم أدن مِن فراش رسول الله ? حتى أطهر.
الحماني، متكلم فيهِ.
وقد روى جعفر بنِ الزبير، عَن القاسم، عَن أبي أمامة، قالَ: قالَ عمر: كنا نضاجع النساء في المحيض، وفي الفرش واللحف قلة، فأما إذ وسع الله الفرش واللحف فاعتزلوهن كَما أمر الله عزوجل
فتح الباري لابن رجب (2) / (37) — ابن رجب الحنبلي (ت (795))
(380)) وروى أبو داود، قال: حدثنا سعيد بن عبد الجبار، حدثنا عبد العزيز – يعني ابن محمَّد – عن أبي اليمان، عن أم ذرة،
عن عائشة أنها قالت: كنت إذا حضت نزلت عن المثال على الحصير، فلم نقرب رسول الله ? ولم ندن منه حتى نطهر ((3)).
[وسنده ضعيف أيضًا] ((4)).
(4)) في الإسناد: أبو اليمان، واسمه كثير بن يمان، وقيل: كثير بن جريج، روى عنه اثنان.
ذكره ابن حبان في الثقات ((7) / (351))، ولم يوثقه أحد غيره.
وذكره البخاري في التاريخ الكبير، ولم يذكر فيه شيئًا. التاريخ الكبير ((7) / (212)).
موسوعة أحكام الطهارة – الدبيان – ط (2) (7) / (350) — دبيان الدبيان (معاصر)
مقدار كفارة إتيان الحائض
السؤال
هل كفارة إتيان الحائض دينار أم نصف دينار؟ وما
مقداره؟
الجواب
هو مخير بين دينار أو نصف دينار، وهو أربعة
أسهم من سبعة، فصرف الجنيه أربعة من سبعة أسهم من الجنيه، فإذا كان الجنيه بسبعين، يكون الدينار بأربعين ونصف الدينار بعشرين، وإذا كان سبعمائة يكون الدينار أربعمائة، ونصف الدينار مائتين، فالدينار أربعة أسباع الجنيه.
شرح عمدة الفقه – الراجحي (40) / (14)
(2301) – النهي عن إتيان النساء في أدبارهن
قال إسحاق بن منصور: قال إسحاقُ: وأَمَّا الذي يأتي امرأتَه في دبرِها، ثم يندمُ ما كفارته؟ فَإِنَّ النبيَّ ? قَدْ صحَّ عنه أَنَّه قال: «لا ينظرُ اللَّهُ يومَ القيامةِ إلى رجلٍ أتى امْرَأتَه في دبرِهَا» وقالَ رسول اللَّه ?: «ملعون من أتى ذَلِكَ من الرجال والنساء» وقد ذكر عن أبي هريرة ? عن النبي ? أن: «من أتى، حائضًا، أو كاهنًا فصدقه، أو امرأة في دبرِها فقد كفر بما أُنْزِلَ على محمَّدٍ ?».
فإذا ابتلي الرجل فارتكب ذَلِكَ من امرأتِه أو جاريتِه فليخلضِ التوبةَ، فإِنِّي لا آمن أن يكون كفرًا، وإن رأى قوم أن ذَلِكَ على استحلال يكون كفرًا فقد ذهبوا مذهبًا حسنًا، وليتقرب إلى اللَّهِ بما استطاعَ مِن الصَّدقةِ وغير ذَلِكَ، فإنا وإن لم نَجدْ سُنَّةً في الكفَّارَةِ لفاعلِه فقد وَجَدْنَا عَنِ النبيِّ ? فيمن أتى الحائضَ كفارة صحيحة قال: «يتصدق بدينارٍ إذا كانَ الدَّم عَبِيطًا، وإن كان فيه صُفْرةٌ فنصف دينار»
(2301) – النهي عن إتيان النساء في أدبارهن
قال إسحاق بن منصور: قال إسحاقُ: وأَمَّا الذي
يأتي امرأتَه في دبرِها، ثم يندمُ ما كفارته؟ فَإِنَّ النبيَّ ? قَدْ صحَّ عنه أَنَّه قال: «لا ينظرُ اللَّهُ يومَ القيامةِ إلى رجلٍ أتى امْرَأتَه في دبرِهَا» ((1)) وقالَ رسول اللَّه ?: «ملعون من أتى ذَلِكَ من الرجال والنساء» ((2)) وقد ذكر عن أبي هريرة ? عن النبي ? أن: «من أتى، حائضًا، أو كاهنًا فصدقه، أو امرأة في دبرِها فقد كفر بما أُنْزِلَ على محمَّدٍ ?» ((3)).
فإذا ابتلي الرجل فارتكب ذَلِكَ من امرأتِه أو
جاريتِه فليخلضِ التوبةَ، فإِنِّي لا آمن أن يكون كفرًا، وإن رأى قوم أن ذَلِكَ على استحلال يكون كفرًا فقد ذهبوا مذهبًا حسنًا، وليتقرب إلى اللَّهِ بما استطاعَ مِن الصَّدقةِ وغير ذَلِكَ، فإنا وإن لم نَجدْ سُنَّةً في الكفَّارَةِ لفاعلِه فقد وَجَدْنَا عَنِ النبيِّ ? فيمن أتى الحائضَ كفارة صحيحة قال: «يتصدق بدينارٍ إذا كانَ الدَّم عَبِيطًا، وإن كان فيه صُفْرةٌ فنصف دينار
وحتى ذكر عن النبيِّ ? أَنَّه أمَرَ عمر بن الخطاب رضي الله عنه بخمسي دينار (، وذلك على قدرِ رقة الدم وغلظه وقرب طهره من بعده. فرأى الصدقة على قدر عِظَم الذنب وصغره، وكذلك يعمل التائب من إتيانها على ما وصَفْتُ، فكفارته أغلظ من كفارة الحيْض؛ لأن ذَلِكَ الذنب أعظم من ذنب إتيان الحائض فيما نرى واللَّه عزوجل أعلم.
وقد ثبتنا أن الكفارات إنما تجيء على قدر الذنوب،
وأخطأ هؤلاء في الحائضِ حيث لم يروا على صاحبِه كفارة، وتأولوا قول إبراهيم وضُرَبائِه: إنه ذنب، فليستغفر اللَّه وصدقوا في ذلك ولم يزيلوا عنه الكفارة، وإن لم يأمروا بالكفارة فهو مما لم يسمعوا، ولو سمعوا كانوا متبعين لأمرِ الرسولِ ?، فلا يستوي من سمع سنة عن النبيِّ ? فهجرها مع من لم يسمع بها، وإنما الحجة على مَنْ رَدّ السُنَّة بعينها استخفافًا ورغبة عنها إلى قول من لا يعلم علمها، وقد قال ابن عباس: كيف لا تخافون أنْ يُخسفُ بكم أو تعذبوا وأنتم تقولون: قال رسول اللَّه ?، وقال فلان ((2)).
«مسائل الكوسج» ((3453))
قال ابن الشافعي: سألته عن الحديث الذي يرويه
مالك وابن أبي ذئب في مذهب أهل المدينة في إتيان النساء في أدبارهن، فقال: ما أدري أي شيء هذا؟ الأخبار عن النبي ? وأصحابه في خلاف هذا كثيرة، وهو الحق عندنا، قال اللَّه ?: {فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: (223)] الحرث لا يكون إلا موضع الولد، أَوَ شُبْهَةٌ بهذا؟!
«طبقات الحنابلة» (2) / (349)
الجامع لعلوم الإمام أحمد – الفقه (11) / (219) — أحمد بن حنبل (ت (241))