216 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
216) قال أبوداود رحمه الله (ج13 ص59): حدثنا محمد بن كثير أخبرنا إسرائيل حدثنا عثمان بن المغيرة عن سالم عن جابر بن عبد الله قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فقال ألا رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي.
* قال الامام أحمد رحمه الله (ج3 ص390): ثنا أسود بن عامر أنا إسرائيل عن عثمان يعني بن المغيرة عن سالم بن أبي الجعد عن جابر بن عبد الله قال صلى الله عليه وسلم كان النبي صلى الله عليه و سلم يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول هل من رجل يحملني إلى قومه فإن قريشا قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز و جل فأتاه رجل من همدان فقال ممن أنت فقال الرجل من همدان قال فهل عند قومك من منعة قال نعم ثم إن الرجل خشي أن يحقره قومه فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال آتيهم فأخبرهم ثم آتيك من عام قابل قال نعم فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب.
………………………
صححه الألباني في الصحيحة 1947، وهو في الصحيح المسند 216، وسالم هو ابن أبي الجعد كما في مقدمة ابن ماجه قال الشيخ مقبل: يرسل عن الصحابة لكن أثبت سماعه من جابر البخاري كما في جامع التحصيل.
قال الترمذي: حديث غريب صحيح، وقال الذهبي في تاريخ الإسلام: على شرط البخاري.
قال الألباني: وأخرجه أحمد 3/ 322،339 من طريق أبي الزبير عن جابر نحوه مختصرا
وذكر باحث في تحقيقه لسنن ابن ماجه: أنه وقع في مصنف ابن أبي شيبة زيادة؛ قال: حدثنا محمد بن عبد الله الأسدي عن إسرائيل به وفيه قال: فأتاه رجل من همدان فقال: وممن أنت؟ قال: من همدان، قال: وعند قومك منعة؟ قال: نعم، قال: فذهب الرجل، ثم إنه خشي أن يخفره قومه، فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: أذهب فأعرض على قومي ثم آتيك من قابل، ثم ذهب وجاءت وفود الأنصار في رجب.
قال الحافظ في الفتح ذكر بن إسحاق وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد موت أبي طالب قد خرج إلى ثقيف بالطائف يدعوهم إلى نصره فلما امتنعوا منه رجع إلى مكة فكان يعرض نفسه على قبائل العرب في مواسم الحج وذكر بأسانيد متفرقة أنه أتى كندة وبني كعب وبني حذيفة وبني عامر بن صعصعة وغيرهم فلم يجبه أحد منهم إلى ما سأل وقال موسى بن عقبة عن الزهري فكان في تلك السنين أي التي قبل الهجرة يعرض نفسه على القبائل ويكلم كل شريف قوم لا يسألهم إلا أن يؤووه ويمنعوه ويقول لا أكره أحدا منكم على شيء بل أريد أن تمنعوا من يؤذيني حتى أبلغ رسالة ربي فلا يقبله أحد بل يقولون قوم الرجل أعلم به ثم ذكر حديث جابر هذا ثم قال وجاء وفد الأنصار في رجب وقد أخرج الحاكم وأبو نعيم والبيهقي في الدلائل بإسناد حسن عن بن عباس حدثني علي بن أبي طالب قال لما أمر الله نبيه أن يعرض نفسه على قبائل العرب خرج وأنا معه وأبو بكر إلى منى حتى دفعنا إلى مجلس من مجالس العرب وتقدم أبو بكر
وكان نسابة فقال من القوم فقالوا من ربيعة فقال من أي ربيعة أنتم قالوا من ذهل فذكروا حديثا طويلا في مراجعتهم وتوقفهم أخيرا عن الإجابة قال ثم دفعنا إلى مجلس الأوس والخزرج وهم الذين سماهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار لكونهم أجابوه إلى إيوائه ونصره قال فما نهضوا حتى بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرحه لسنن أبي داود:
القرآن هو من كلام الله عز وجل، وكلام الله عز وجل لا ينحصر ولا يتناهى؛ لأن الله عز وجل لا بداية له فلا بداية لكلامه، ولا نهاية له فلا نهاية لكلامه. وقد جاء في القرآن ما يبين ذلك في آيتين من سورة الكهف وسورة لقمان، ففي سورة الكهف قوله الله عز وجل: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف:109]، وفي سورة لقمان: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [لقمان:27].
فهاتان الآيتان تدلان على أن كلام الله تعالى لا يتناهى ولا ينحصر؛ لأن المتكلم لا بداية له ولا نهاية له فإذاً لا حصر لكلامه، وقد أوضح الله عز وجل في هاتين الآيتين ما يبين عدم تناهي كلامه، بكون البحور الزاخرة والمحيطات الواسعة لو أنها كانت حِبراً ومداداً يكتب به كلام الله، ثم ضوعفت أضعافاً مضاعفة؛ فإن ذلك المداد سينفد وينتهي دون أن تنتهي كلمات الله، فقوله: ((قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي)) أي: مداداً يكتب به، ((لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ)) يعني: ولا تنفد، لأن كلام الله عز وجل لا ينفد، ((وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا))، والآية الثانية: ((وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ)) يعني: يضاعفه أضعافاً مضاعفة، ا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ)) يعني: لو كتب كلام الله عز وجل بهذه البحور المضاعفة والأقلام، ما نفدت كلمات الله، ونفدت الأقلام والبحور! والقرآن هو من كلامه، والكتب التي أنزلها على المرسلين هي من كلامه، والقرآن من أوله إلى آخره -من الفاتحة إلى الناس- يكتب بمحبرة صغيرة، لكن البحور كلها لو كانت حبراً لنفدت ولا ينفد كلام الله عز وجل؛ لأنه لا حصر له ولا نهاية.
ثم إن الله عز وجل متكلم بلا بداية، لم يكن غير متكلم ثم تكلم، بل كلامه متعلق بمشيئته وإرادته، فهو يتكلم إذا شاء، متى شاء، كيف شاء، يقول العلماء: إن كلام الله قديم النوع حادث الآحاد، بمعنى أنه متكلم في الأزل بلا ابتداء، ولكن لا يقال إن كلامه كله في الأزل، وإنه لا يتعلق بالمشيئة والإرادة، بل هو متعلق بالمشيئة والإرادة، والله عز وجل كلم موسى في زمانه، وقد سمع موسى كلام الله من الله، فطمع في الرؤية فسألها، وأخبر بأنها لا تحصل في الحياة الدنيا، ولهذا يقال له: كليم الرحمن، والله عز وجل يقول: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا [النساء:164]. وكلم الله نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم لما عرج به إلى السماء في زمانه، ويكلم الله أهل الجنة إذا دخلوا الجنة، فإذاً كلامه لموسى هو من آحاد كلامه الذي لا حصر له ولا نهاية، وكلامه لمحمد صلى الله عليه وسلم هو من آحاد كلامه. ومعنى حادث الآحاد أنه يحصل وفقاً لمشيئته وإرادته في أي زمن. وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة، فهم يثبتون أن الله تعالى يتكلم، وكلامه الألفاظ والمعاني، ليس كلام الله الألفاظ دون المعاني، ولا المعاني دون الألفاظ، بل هو مجموع الأمرين؛ ولهذا فالقرآن معجز بلفظه ومعناه. ولا يقال: إنه مخلوق خلقه الله في مكان وخرج من ذلك المكان كما تقول المعتزلة، بل الكلام بدأ من الله وظهر من الله، وقد سمعه جبريل من الله عز وجل، وسمعه موسى من الله عز وجل، وسمعه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم من الله عز وجل، وأهل الجنة يسمعون كلام الله عز جل إذا دخلوا الجنة.
والقرآن يطلق ويراد به القرآن المنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ويطلق ويراد به القراءة، كما في قول الله عز وجل: فَإِذَا قَرَانَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:18] أي اتبع قراءته، يعني: إذا قرأه جبريل عليك فاستمع، ولا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ [القيامة:16]، فإنه سيكون محفوظاً عندك، ولن يفوتك منه شيء، فما عليك إلا أن تصغي وتسمع ولا تحرك لسانك به استعجالاً من أجل أن تحفظه، فكان عليه الصلاة والسلام بعد ذلك ينصت إلى جبريل عندما يلقي عليه القرآن، ثم يكون قد حفظه، ولم يفته منه شيء. وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (زينوا القرآن بأصواتكم) أي: زينوا القراءة بأصواتكم، لأن هذا هو الذي يملكه الناس، وهو تحسين الصوت، ومن المعلوم أن الصوت فعل القارئ والكلام كلام البارئ، فإذا قرأ الإنسان من القرآن، فهناك ملفوظ وهناك تلفظ، فالملفوظ هو كلام الله عز وجل وهو غير مخلوق، والتلفظ هو فعل العبد وكسبه وقراءته وفعله وهو المخلوق؛ لأن حركات الإنسان في القراءة مخلوقة، لأنها فعل المخلوق، والله عز وجل خلق الخلق وخلق أفعالهم، وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ [الصافات:96]، فهو خالق الذوات، وخالق الصفات التي تكون بالذوات، وخالق الأفعال. إذاً: قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (زينوا القرآن بأصواتكم) يعني زينوا القراءة، لا القرآن، فإنه في غاية الزين، وفي غاية الكمال، وفي غاية الحسن، وفي غاية الوضوح، ولكنك تزين القراءة التي هي فعلك وكسبك. فالمعتزلة يقولون: إن الله خلق القرآن في محل وبدأ كلامه من ذلك المحل. وأما الأشاعرة فإنهم يقولون: إن كلام الله معنى قائم بالنفس لا يسمع منه، وما يوجد في المصاحف إنما هو عبارة عن كلام الله وليس كلام الله.
وأما أهل السنة والجماعة فيقولون: القرآن المحفوظ في الصدور، والمحفوظ في لسطور، أي محفوظ في المصاحف بالكتابة، هو كلام الله عز وجل لفظه ومعناه، والله تعالى تكلم به، وسمعه جبريل من الله، ونزل به على محمد رسول الله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم بلغه للناس، وقد حفظه الله عز وجل، كما قال الله عز وجل: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]. والمعتزلة استدلوا بأدلة من القرآن، وهي شبه وليست أدلة في الحقيقة، مثل قول الله عز وجل: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد:16]، قالوا: والقرآن شيء فيكون مخلوقاً. وهذا كلام باطل؛ لأن عموم كل شيء إنما هو بحسبه، فالله عز وجل خالق كل شيء مخلوق، والقرآن ليس مخلوقاً حتى يكون من جملة المخلوقات، لأن صفات الله عز وجل يقال لها شيء، وليست مخلوقة، وإنما الخلق هو نتيجة الصفة كما قال الله: إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [النحل:40]، فكن كلام، والذي يكون هو المخلوق، ورحمة الله عز وجل صفة قائمة بذاته، والجنة هي من آثار تلك الصفة وهي مخلوقة، والمطر من آثار الرحمة وهو مخلوق، فإذاً هناك صفة وهناك آثار للصفة، فالصفة قائمة بالله، ولا يصح أن يقال: مخلوقة، وأما آثارها فإنها من خلق الله سبحانه وتعالى. أورد أبو داود رحمه الله حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أرسله الله عز وجل كان يعرض نفسه في الموقف، أي في الحج وفي مجامع الناس، وكذلك في غير ذلك، ويقول: (ألا رجل يحملني إلى قومه، فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي)، ومحل الشاهد أنه قال: (كلام ربي) الذي هو القرآن، فالقرآن هو من كلام الله عز وجل، فهو يريد أن يبلغه وقريش قد منعته من تبليغه. اهـ
وفيه من الفوائد:
(ومنها): ما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- من شدّة حرصه على الدعوة إلى الله تعالى، بحيث إنه لا يترك مجمعًا من مجامع الناس، إلا وأتاه، فعرض عليهم الإسلام، ودعاهم إلى الله تعالى.
(ومنها): بيان ما كان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يلقاه من أذى قريش، ومضايقتهم له، وصدّهم عن الدعوى غاية الصدّ، {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَابَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].
(ومنها): أن فيه بيان فضل الأنصار -رضي الله عنهم-، حيث سبقوا العرب كلهم في قبول ذلك العرض، فبايعوا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ليلة العقبة في منى، على أن يأووه إليهم، وينصروه، ويحمونه مما يحمون عنه أنفسهم وأولادهم، فهاجر إليهم، فتحقّق له النصر، وتمت الدعوة، وعمّ الفتح كل بقاع الأرض، بفضل الله تعالى، فله الحمد والمنّة.
(ومنها): أن من الدروس المستفادة من هذه الدعوة أن على الداعي أن لا ييأس بسبب تمرّد الناس، وشدّة ردّهم لدعوته، بل يواصل دعوته، وينتقل من مكان إلى مكان، حتى يمكّنه الله بقبول دعوته، وإقبال الناس عليه، أسوة برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلا ينبغي له اليأس، ولا يتبرّم ولا يتضجّر، عليه دائمًا أن يتذكّر أحوال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَيَتَسَلَّى به، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} [الأحزاب: 21]،
انظر: ” مشارق الأنوار الوهاجة ” (4/ 184)