216 رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
وناصر الكعبي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
55 – بابٌ: مِنَ الكَبائِرِ أنْ لاَ يَسْتَتِرَ مِن بَوْلِهِ
(216) – حَدَّثَنا عُثْمانُ، قالَ: حَدَّثَنا جَرِيرٌ، عَنْ مَنصُورٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، قالَ: مَرَّ النَّبِيُّ ? بِحائِطٍ مِن حِيطانِ المَدِينَةِ، أوْ مَكَّةَ، فَسَمِعَ صَوْتَ إنْسانَيْنِ يُعَذَّبانِ فِي قُبُورِهِما، فَقالَ النَّبِيُّ ?: «يُعَذَّبانِ، وما يُعَذَّبانِ فِي كَبِيرٍ» ثُمَّ قالَ: «بَلى، كانَ أحَدُهُما لاَ يَسْتَتِرُ مِن بَوْلِهِ، وكانَ الآخَرُ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ». ثُمَّ دَعا بِجَرِيدَةٍ، فَكَسَرَها كِسْرَتَيْنِ، فَوَضَعَ عَلى كُلِّ قَبْرٍ مِنهُما كِسْرَةً، فَقِيلَ لَهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذا؟ قالَ: «لَعَلَّهُ أنْ يُخَفَّفَ عَنْهُما ما لَمْ تَيْبَسا» أوْ: «إلى أنْ يَيْبَسا»
فوائد الباب:
1 – قوله (باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله) قال الذهبي في كتابه الكبائر: ” الكَبِيرَة السّادِسَة والثَّلاثُونَ عدم التَّنَزُّه من البَوْل وهُوَ شعار النَّصارى
قالَ الله تَعالى {وثيابك فطهر} وعَن ابْن عَبّاس رضي الله عنه قالَ مر النَّبِي ? بقبرين فَقالَ إنّهُما ليعذبان وما يعذبان فِي كَبِير أما أحدهما فَكانَ يمشي بالنميمة وأما الآخر فَكانَ لا يستبرئ من البَوْل أي لا يتحرز مِنهُ مخرج فِي الصَّحِيحَيْنِ وقالَ رَسُول الله ? استنزهوا من البَوْل فَإن عامَّة عَذاب القَبْر مِنهُ رَواهُ الدّارَقُطْنِيّ ثمَّ إن من لم يتحرز من البَوْل فِي بدنه وثيابه فَصلاته غير مَقْبُولَة … إلى آخر كلامه
وأكثر الطرق التي في ((الصحيحين)) لهذا الحديث: ((فكان لا يستتر من بوله)) “.
تنبيه: نبه غير واحد أن هناك طبعة لكتاب الكبائر فيها زيادات وأحاديث مكذوبة لا تصح نسبتها للذهبي. لذلك طبع كتاب الكبائر للذهبي طبعات أخرى مقابلة بمخطوطات.
2 – قال صاحب فتح المجيد:
قوله: “وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن الكبائر؟ فقال: ” الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله “. هذا الحديث رواه البزار وابن أبي حاتم من طريق شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس، ورجاله ثقات إلا شبيب بن بشر. فقال ابن معين: ثقة. ولينه أبو حاتم. وقال ابن كثير: في إسناده نظر، والأشبه أن يكون موقوفا.
واعلم أن هذا الحديث لم يرد به حصر الكبائر في الثلاث، بل الكبائر كثيرة، وهذه الثلاث من أكبر الكبائر المذكورة في الكتاب والسنة، وضابطها ما قاله المحققون من العلماء: كل ذنب ختمه الله بنار أو لعنة أو غضب أو عذاب. زاد شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: أو نفي الإيمان. قلت: ومن برئ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال: ” ليس منا من فعل كذا وكذا “.
وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: ” هي إلى سبعمائة أقرب منها إلى سبع، غير أنه لا كبيرة مع الاستغفار ولا صغيرة مع الإصرار “.
وعن ابن مسعود قال: ” أكبر الكبائر: الإشراك بالله والأمن من مكر الله، والقنوط من رحمة الله، واليأس من روح الله “. رواه عبد الرزاق
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد (ص360)
3 – “إذا ترتّب على البول فلأن يترتّب على الغائط من باب أولى؛ لأنّه أقذر وأفحش”. قاله ابن حجر الهيتمي في كتابه الزواجر عن اقتراف الكبائر.
4 – ” باب التحفظ من البول كي لا يصيب البدن والثياب والتغليظ في ترك غسله إذا أصاب البدن أو الثياب” قاله ابن خزيمة في صحيحه.
5 – قال ابن الملقن:
نجاسة الأبوال، إذ روي أيضا: “من البول”. وسواء قليلها وكثيرها، وهو مذهب العامة، وسهل فيه الشعبي وغيره، وعفا أبو حنيفة عن قدر الدرهم الكبير، ورخص الكوفيون في مثل رؤوس الإبر منه.
التوضيح لشرح الجامع الصحيح (4/ 393).
6 – حديث ابن عباس رضي الله عنهما أخرجه الستة البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه.
7 – قوله (وما يعذبان في كبير) يعنى عندكم، وهو كبير عند الله يدل على ذلك قوله: ” بلى” – أي بلى إنه لكبير عند الله وهو كقوله “إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أنها تبلغ حيث ما بلغت، يكتب له بها سخطه إلى يوم يلقاه “-. ومصداق هذا المعنى في كتاب الله: (وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم) [النور: 15]. قاله المهلب ونقله ابن بطال في شرح صحيح البخاري له. وهو الأظهر.
8 – وقيل: قوله: (يعذبان وما يعذبان في كبير) معناه: أن التنزه من البول وترك النميمة غير كبيرين ولا شاقين على فاعلهما، ولم يرد أن المعصية فيما أتياه هينة صغيرة. ألا تراه كيف استدرك المعنى في ذلك بقوله: بل، لئلا يتوهم أن المراد به تهوين الأمر وتصغيره، وكلمة (بل) يستدرك بها المتقدم من الكلام. قاله الخطابي في أعلام الحديث.
9 – قال الإتيوبي:
تنبيه: وقد اختلف في معني قوله “وإنه لكبير” وذكر الأقوال التي ذكرها ابن حجر في فتح الباري. جـ 1/ ص380. ثم قال:
قال الجامع عفا الله منه: فجملة الأقوال ثمانية، والذي يقوى عندي أنه ليس بكبير في اعتقادهما، فلذا تساهلا في شأنه، مع أنه لا يشق عليهما الاحتراز عنه، وهو عند الله كبير، والله أعلم.
فائدة:
قال الحافظ رحمه الله: ولم يعرف اسم المقبورين ولا أحدهما، والظاهر أن ذلك كان على عمد من الرواة لقصد الستر عليهما، وهو عمل مستحسن، وينبغي أن لا يبالغ في الفحص عن تسمية من وقع في حقه ما يذم به.
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (1/ 502).
10 – فيه أن الذنوب تتفاوت منها ما هو كبير ومنها أكبر الكبائر ومنها الصغائر.
11 – قوله (لا يستتر من بوله) “هو بتائين مثناتين من فوق من السترة. وروي: “لا يستبرئ “. وروي: “لا يستنزه”، وهذه الثلاث في “صحيح البخاري” وغيره. وروي أيضا: “لا يستنتر” قاله ابن الملقن في التوضيح لشرح الجامع الصحيح.
وقوله ” وهذه الثلاث في صحيح البخاري” أي وردت في بعض النسخ.
12 – قال البيهقي في السنن الصغير (49) بعد أن أخرجه من طريق أبي معاوية عن الأعمش ” قَوْلُهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَسْتَنْزِهُ مِنَ الْبَوْلِ» يَعْنِي: لَا يَسْتَبْرِئُ مِنْهُ وَفِي رِوَايَةِ وَكِيعٍ عَنِ الْأَعْمَشِ: «لَا يَسْتَتِرُ يَعْنِي لَا يَتَوَقَّى» وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ”، وترجم عليه البيهقي في موضع آخر ” باب التوقي عن البول”. وقال الطحاوي في شرح مشكل الآثار ” ” كان لا يستتر من بوله “، أي: لا يتوقى من بوله”. قلت وقد أخرج عبد بن حميد في مسنده كما في المنتخب 620 من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش ” لا يتقي البول”. وأخرجه أبو الشيخ في التنبيه والتوبيخ 192 من طريق ابن أبي شيبة عن وكيع ” ِ لا يتوقى من بوله “.
13 – قال ابن الملقن: وجوب الاستنجاء، وهو المراد بعدم الاستتار من البول. فلا يجعل بينه وبينه حجابا من ماء أو حجر، ويبعد أن يكون المراد الاستتار عن الأعين.
التوضيح لشرح الجامع الصحيح (4/ 393).
14 – لذلك قال الألباني كما في صحيح أبي داود ” وأخرجه الشيخان وأبو عوانة وبقية الأربعة والبيهقي من طرق كثيرة عن وكيع … به. بعضهم قال: “يستنزه”، والبعض: “يستتر”، إلا رواية البيهقي فبلفظ: “يتوقى”؛ وكذلك هي في “المستخرج على الصحيح” لأبي نعيم. قال الحافظ: “وهي مفسرة للمراد”. انتهى
15 – وفيه إثبات عذاب القبر. قاله الخطابي في أعلام الحديث.
16 – وفيه من علامات النبوة سماع النبي صلى الله عليه وسلم عذاب الرجلين في القبر.
17 – وأما وضعه شَقَّ [شِق] الجريدة على القبر، وقوله حين سئل عن العلة في ذلك: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)، فقد يحتمل أن يكون ذلك لدعاء كان منه ومسألة في التخفيف عنهما مدة بقاء النداوة في الجريدة، وليس ذلك من أجل أن في الجريدة عينها معنى يوجبه. قاله الخطابي في أعلام الحديث.
18 – قال القرطبي:
و (قوله: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) اختلف العلماء في تأويل هذا الفعل، فمنهم من قال: أوحي إليه أنه يخفف عنهما ما داما رطبين، وهذا فيه بعد؛ لقوله: لعله، ولو أوحي إليه لما احتاج إلى الترجي. وقيل: لأنهما ما داما رطبين يسبحان، فإن رطوبتهما حياتهما، وأخذ من هذا التأويل جواز القراءة والذكر على القبور.
وقيل: لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – شفع لهما، ودعا بأن يخفف عنهما، ما داما رطبين، وقد دل على هذا حديث جابر الذي يأتي في آخر الكتاب في حديث القبرين، قال فيه: فأحببت بشفاعتي أن يرفه عنهما ذلك، ما دام القضيبان رطبين، فإن كانت القضية واحدة – وهو الظاهر – فلا مزيد على هذا في البيان.
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (1/ 552).
فالقرطبي لم يرجح؛ جواز القراءة والذكر على القبور. إنما رجح أن التخفيف بسبب الشفاعة وانظر الفقرة التالية فيها تعقب على ابن حجر.
19 – قرر ابن حجر جواز وضع الجريد والأغصان الخضراء على القبور بل والقراءة عندها من باب أولى مستدلا بهذا الحديث وبفهم بريدة رضي الله عنه حيث أوصى بذلك.
لكن قال ابن عثيمين:
الإستغفار والدعاء هو المشروع؛ أما ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بقبرين فقال: ” … لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا ” رواه البخاري 1378 ومسلم (292).
ومناسبة هاتين الجريدتين لتخفيف العذاب عن هذين المعذبين؟
وهذا خاص به صلى الله عليه وسلم، أما ما يقوم به بعض الناس من زراعة الأشجار ووضع الجريد، فخلاف السنة وفعل السلف لعدة أسباب:
أولاً: أننا لم يكشف لنا أن هذا الرجل يعذب.
ثانياً: أننا إذا فعلنا ذلك فقد أسأنا إلى الميت، لأننا ظننا به ظن سوء أنه يعذب وما يدرينا فلعله يُنعم، ” انتهى من مجموع فتاوى الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله باختصار.
قال الراجحي:
قوله: ((فدعا بعسيب رطب، فشقه باثنين)) هذا من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: ((لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا)) ولا يقاس عليه غيره، أما ما روي عن بعض الصحابة أنه وضع جريدة فهذا من باب الاجتهاد.
توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (1/ 520).
وراجع نقولات عن أهل العلم في باب الجريد على القبر من صحيح البخاري حيث توسعنا في بيان بدعية وضع الجريد.
20 – قال القرطبي:
وفيه دليل على أن إزالة النجاسة واجبة متعينة، وكذلك في قوله: استنزهوا من البول، فإن عامة عذاب القبر منه. وقد تخيل الشافعي في لفظ البول العموم، فتمسك به في نجاسة جميع الأبوال، وإن كان بول ما يؤكل لحمه. وقد لا يسلم له أن الاسم المفرد للعموم، ولو سلم ذلك، فذلك إذا لم يقترن به قرينة عهد، وقد اقترنت هاهنا، ولئن سلم له ذلك فدليل تخصيصه حديث إباحة شرب أبوال الإبل للعرنيين، وإباحة الصلاة في مرابض الغنم، وطوافه – عليه الصلاة والسلام – على بعير. (المفهم للقرطبي)
21 – فيه أن رحمة وشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم تشمل العصاة من أمته.
22 – قوله (حدثنا جرير) تابعه عبيدة بن حميد أبو عبد الرحمن كما عند البخاري 6055 تابعه شيبان كما عند الإمام أحمد في مسنده 1981 تابعه إبراهيم بن طهمان كما عند الخرائطي في مساوئ الأخلاق 213 تابعه سفيان بن عيينة كما عند عبد الرزاق في المصنف 6754 وقال عن مجاهد عن طاوس مرسلا لم يذكر ابن عباس وزاد راويا في الإسناد.
23 – قوله (عن منصور) تابعه الأعمش وزاد راويا بين مجاهد وابن عباس كما عند البخاري 218 ومسلم 292.