2155 الى 2159 تحضير سنن أبي داود
جمع أحمد بن علي وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد ومحمد سيفي وسلطان الحمادي
_______
بَابٌ فِي وَطْءِ السَّبَايَا
2155 – حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ صَالِحٍ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ أَبِي عَلْقَمَةَ الْهَاشِمِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ يَوْمَ حُنَيْنٍ بَعْثًا إِلَى أَوْطَاسَ فَلَقُوا عَدُوَّهُمْ فَقَاتَلُوهُمْ فَظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَصَابُوا لَهُمْ سَبَايَا فَكَأَنَّ أُنَاسًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَحَرَّجُوا مِنْ غِشْيَانِهِنَّ مِنْ أَجْلِ أَزْوَاجِهِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي ذَلِكَ {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24] أَيْ: فَهُنَّ لَهُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ
[حكم الألباني]: صحيح
2156 – حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مِسْكِينٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ خُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي غَزْوَةٍ فَرَأَى امْرَأَةً مُجِحًّا فَقَالَ: «لَعَلَّ صَاحِبَهَا أَلَمَّ بِهَا؟» قَالُوا: نَعَمْ، فَقَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنَةً تَدْخُلُ مَعَهُ فِي قَبْرِهِ، كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟ وَكَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ؟»
[حكم الألباني]: صحيح
2157 – حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَرَفَعَهُ، أَنَّهُ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسَ: «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذَاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً»
[حكم الألباني]: صحيح
2158 – حَدَّثَنَا النُّفَيْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي مَرْزُوقٍ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَامَ فِينَا خَطِيبًا، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَوْمَ حُنَيْنٍ، قَالَ: «لَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَسْقِيَ مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِهِ» – يَعْنِي: إِتْيَانَ الْحَبَالَى – «وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأَةٍ مِنَ السَّبْيِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا، وَلَا يَحِلُّ لِامْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يَبِيعَ مَغْنَمًا حَتَّى يُقْسَمَ».
[حكم الألباني]: حسن
2159 – حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ ابْنِ إِسْحَاقَ، بِهَذَا الْحَدِيثِ قَالَ: «حَتَّى يَسْتَبْرِئَهَا بِحَيْضَةٍ» زَادَ فِيهِ «بِحَيْضَةٍ». وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ وَهُوَ صَحِيحٌ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ. زَادَ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَرْكَبْ دَابَّةً مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ، حَتَّى إِذَا أَعْجَفَهَا رَدَّهَا فِيهِ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَلْبَسْ ثَوْبًا مِنْ فَيْءِ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى إِذَا أَخْلَقَهُ رَدَّهُ فِيهِ “. قَالَ أَبُو دَاوُدَ: الْحَيْضَةُ لَيْسَتْ بِمَحْفُوظَةٍ وَهُوَ وَهْمٌ مِنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ
[حكم الألباني]: حسن
_____
قال القاضي عياض:
السبى عندنا فى المشهور يهدم النكاح بهذه الآية، وسواء سُبى الزوجان معاً أو مفترقين. وقال ابن بكير عن مالك: إن سبيا جميعاً واستبقى الرجل أقرا على نكاحهما. ووجه المشهور من جهة الاعتبار أن بسبيها ملكت منافعها ورقبتها، فسقط ملك الزوج عن ذلك؛ لاستحالة ملك واحد بين مالكين هاهنا، وكأنه رأى – أيضاً – أنها إذا جاءت بأمان ثم سبى الزوج، كان تمكينه منها عيب على سيده، ولسيده أن يمنعه كما يعيبه. فلهذا لم يفترق الحال فى المذهب المشهور.
ورواية ابن بكير اعتل لها فى كتابه بأنهما إذا سبيا معاً واستبقى الرجل فقد صار له علينا عهد للموضع، هذا العهد وجب أن يكون أحق بها من المالك. هذا الذى اعتل به ابن بكير. ويحتمل عندى أن يحمل على أنهما لما أقرّا لزم إقدار ما فى يد الزوج من العصمة؛ لأن إقرار الزوج إقرار لما يملك حتى ينتزع منه فى ثانى حال، وهذا الملك لا يصح انتزاعه فى ثانى حال.
وقد اختلف الناس – أيضاً – فى الأمة إذا بيعت وهى تحت زوج، هل يكون بيعها فسخاً لنكاحها؛ فأبى من ذلك مالك وجمهور الفقهاء، وذهب بعض الصحابة إلى أن ذلك فسخ للنكاح؛ أخذاً بعموم هذه الآية، وهو قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1)، ولم يفرق بين ما ملكت أيماننا سبى أو شراء، وهذا على عمومه عندهم.
وتحقيق القول فى هذه المسألة: أن هذا عموم خرج على سبب، فمن رأى قصر العموم إذا خرج على سبب لم تكن فيه حجة على جمهور الفقهاء؛ لأنه كأنه قال: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (1) بالسبى. وإن قلنا: إن العموم إذا خرج على سبب يجب حمله على مقتضى اللفظ فى التعميم، اقتضى ذلك فسخ نكاح الأمة بالشراء كما ينفسخ بالبيع، لكن حديث بريرة فى شراء عائشة لها ثم لم يفسخ ذلك نكاحها، بل خيّرها عليه السلام لما عتقت فى فسخ النكاح (2)، ذلك على أن البيع لا يفسخ نكاح الأمة ذات الزوج، ولكن هذا خبر واحد فى تخصيص عموم القرآن، فهل تختص به أم لا؟ فيه خلاف بين أهل الأصول، فعلى هذا يخرج اختلاف العلماء فى ذلك.
وقد قال بعض أهل العلم مفرقًا بين السبى والشراء، بأن السبى حدوث ملك لم يكن أو كأنه لم يكن، والشراء انتقال ملك إلى ملك، فكأن الأول أثر نقصاً فأثر فى النكاح نقصاً، والثانى لم يحدث ملكاً ولم يكن فلم يؤثر قال القاضى: وقوله: ” فهن حلال لكم إذا انقضت عدتهن “: دليل صحة أنكحة أهل الشرك ولحوق الأنساب بها، ولولا ذلك لم يحتج إلى العدة.
ووقع فى بعض الروايات: ” يوم خيبر ” وهو خطأ، والصواب: ” يوم حنين “، كما فى أكثر النسخ، وكذا عند عامة شيوخنا، وهو يوم أوطاس.
قال الإمام: خرج مسلم هذا الحديث من طريق سعيد بن أبى عروبة عن قتادة، عن أبى الخليل، عن أبى علقمة الهاشمى، عن أبى سعيد الخدرى، ثم أردفه بحديث شعبة عن قتادة، عن أبى الخليل، عن أبى سعيد. فلم يذكر أبا علقمة فى حديث شعبة، وقال بعضهم: كذا فى نسخة الجلودى وابن ماهان، وكذلك خرجه أبو مسعود الدمشقى، وأما فى نسخة ابن الحذاء ففيها ذكر أبى علقمة بن أبى الخليل وأبى سعيد، ولا أدرى ما صحته.
قال القاضى: هذا قول الجيانى، وقد قال غيره: إن إثباته الصواب
[إكمال المعلم بفوائد مسلم 4/ 645]
قال القاضي عبد الوهاب البغدادي (ت (422) هـ):
باب [في استبراء الأَمَة]
ومن ملك أمَة يوطأ مثلها حاملًا من غيره بأي وجه ملكها فلا يجوز له وطؤها ولا التلذذ بشيء منها حتى تضع، وإن كانت حائلًا حتى يستبرئها بحيضة إن كانت ممن تحيض أو بثلاثة أشهر إن كانت لا تحيض وإن ارتفعت حيضتها وارتاب لذلك فتسعة أشهر، وليس عليه استبراء من لا يوطأ مثلها ولا من يعلم براءة رحمها بأن كانت في حيازته فحاضت عنده.
وإنما قلنا ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: “لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تحيض”، وقال: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقين ماءه زرع غيره”.
وإنما قلنا: إنه لا يتلذذ بشيء منها لأن كل معنى يمنع استباحة الوطء منع التلذذ بما دونه إذا كان لحق الغير أصله الأجنبية.
وإنما قلنا: إن حيضة واحدة تكفي لأنها تدل على براءة الرحم في الغالب ولا يتعلق بها عبادة كالعدة
وإنما قلنا: إن كانت لا تحيض فثلاثة أشهر خلافًا لأبي حنيفة والشافعي في قولهما أنها تستبرأ بشهر لأن كل من عدم منها الحيض وخيف من جهتها الحمل فلا يجوز وطؤها قبل ثلاثة أشهر أصله المعتدة، ولأن بالشهر الواحد لا يتبين أمارة الحمل لأن أقل ما يتبين فيه ثلاثة أشهر.
وإنما قلنا: إذا ارتابت بارتفاع الحيض جلست تسعة أشهر لأنها الغالب من مدة الحمل والبراءة تقع بها في الغالب.
وإنما قلنا: إن من لا يوطأ مثلها للصغر أو للهرم فلا يلزم استبراؤها خلافًا للشافعي لأن العلم البت حاصل ببراءة رحمها فلم يحتج إلى استبراء كوضع الحمل.
وإنما قلنا: إن من هي في حيازته لا استبراء عليه لأنه عالم ببراءة رحمها قبل انتقال الملك فلا حاجة به إلى تجديده
[المعونة على مذهب عالم المدينة 2/ 944]
قال ابن قدامة:
1362 – مسألة؛ قال: (ومَنْ مَلَك أمَةً، لم يُصِبْها ولَمْ يُقَبِّلْها حَتَّى يَسْتَبْرِئَها بَعْدَ تَمَامِ مِلْكِهِ لَهَا بِحَيْضَةٍ، إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تَحِيضُ، أوْ بِوَضْعِ الحَمْلِ، إنْ كَانَتْ حَامِلًا، أوْ بمُضِىِّ ثَلَاثَةِ أشْهُرٍ، إنْ كَانَتْ مِنَ الْآيِسَاتِ أَوْ مِنَ اللَّائِى لَمْ يَحِضْنَ)
وجملتُه، أنَّ مَنْ مَلَكَ أمَةً بسَبَبٍ من أسبابِ المِلْكِ؛ كالبيعِ، والهِبَةِ، والإِرْثِ، وغيرِ ذلك. لم يَحِلَّ له وَطَؤُها حتى يَسْتَبْرِئَها، بِكْرًا كانتْ أَوْ ثَيِّبًا، صغيرةً كانتْ أو كبيرةً، ممَّن تَحْمِلُ أو ممَّن لا تَحْمِلُ. وبهذا قال الحسنُ، وابنُ سِيرِينَ، وأكثرُ أهلِ العلمِ؛ منهم مالكٌ، والشافعيُّ، وأصْحابُ الرَّأْىِ. وقال ابنُ عمرَ: لا يجبُ اسْتَبْرَاءُ البِكْرِ. وهو قولُ داودَ؛ لأنَّ الغَرَضَ بالإِسْتِبْراءِ مَعْرِفَةُ بَراءَتِها من الحَمْلِ وهذا معلومٌ في البِكْرِ، فلا حاجةَ إلى الاسْتِبْراءِ. وقال اللَّيْثُ: إن كانتْ ممَّن لا يَحْمِلُ مثلُها، لم يجِب اسْتِبراؤُها لذلك. وقال عثمانُ الْبَتِّىُّ: يجِبُ الاسْتِبْراءُ على البائعِ دُونَ المُشْترِى، لأنَّه لو زَوَّجَها، لكان الاسْتِبْراءُ على المُزَوِّجِ دون الزَّوْجِ، كذلك ههُنا. ولَنا، ما روَى أبو سعيدٍ (1)، أنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عامَ أوْطَاسٍ (2) أنْ تُوطَأَ حامِلٌ حتى تَضَعَ، ولا غيرُ حاملٍ حتى تَحِيضَ. رواه أحمدُ في “المسندِ” (3). وعن رُوَيْفِعِ بن ثابتٍ، قال: إنَّنِى لا أقولُ إلَّا ما سَمِعْتُه (4) مِن رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم، سَمِعْتُه يقولُ: “لَا يَحِلُّ لِامْرِاءٍ، يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، أنْ يَقَعَ عَلَى امْرَأةٍ مِنَ السَّبْىِ، حَتَّى يَسْتَبْرِئَها بِحَيْضَةٍ”. روَاه أبو داودَ (5). وفى لفظٍ، قال: سَمِعْتُ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم يومَ حُنَيْنٍ (6) يقول: “مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ والْيَوْمِ الْآخِرِ، فَلَا يَسْقِى مَاءَهُ زَرْعَ غَيْرِه، ومَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ فَلَا يَطَأُ جَارِيَةً مِنَ السَّبْىِ حَتَّى يَسْتَبْرِئَها بِحَيْضَةٍ”. روَاه الأثْرَمُ.
ولأنَّه مَلَكَ جارِيةً مُحَرَّمةٌ عليه، فلم تَحِلَّ له قبلَ اسْتِبْرائِها، كالثَّيِّبِ التي تَحْمِلُ، ولأنَّه سَبَبٌ مُوجِبٌ للاسْتِبْراءِ، فلم يَفْتَرِقِ الحالُ فيه بين البِكْرِ والثَّيِّبِ، والتى تَحْمِلُ والتى لا تَحْمِلُ، كالعِدَّةِ. قال أبو عبدِ اللَّه: قد بَلَغَنِى أنَّ العَذْراءَ تحْمِلُ. فقال له بعضُ أهلِ المجلسِ: نعم، قد كان في جِيرَانِنَا. وذكر ذلك بعضُ أصْحابِ الشافعىِّ. وما ذكَرُوه يَبْطُلُ بما إذا اشْتَراها من امْرأةٍ أو صَبِىٍّ، أو ممَّن تَحْرُمُ عليه برَضاعٍ أو غيرِه، وما ذكَره الْبَتِّىُّ لا يَصِحُّ؛ لأنَّ المِلْكَ قد يكونُ بالسَّبْىِ والإِرْثِ والوَصِيَّةِ، فلو لم يَسْتَبْرِئْها المُشْترِى، أفْضَى إلى اخْتِلاطِ المِيَاهِ، واشْتِباهِ الأنْسابِ، والفَرْقُ بين البيع والتَّزْويجِ، أنَّ النكاحَ لا يُرادُ إلَّا للاسْتِمتاعِ، فلا يجوزُ إلَّا في مَن تَحِلُّ له، فوَجَبَ أن يتقَدَّمَه الاسْتِبْراءُ، ولهذا لا يَصِحُّ تَزْويجُ مُعْتَدَّةٍ، ولا مُرْتَدَّةٍ، ولا مَجُوسِيَّةٍ، ولا وَثَنِيَّةٍ، ولا مُحَرَّمةٍ بِالرَّضاعِ ولا المُصاهَرةِ، والبيعُ يُرادُ لغيرِ ذلك، فصَحَّ قبلَ الاسْتِبْراءِ، ولهذا صَحَّ في هذه المُحَرَّماتِ، ووَجَبَ الاسْتِبْراءُ على المُشْترِى؛ لما ذكَرْناه. فأمَّا الصَّغيرةُ التي لا يُوطَأُ مثلُها، فظاهِرُ كلامِ الْخِرَقِيِّ تَحْرِيمُ قُبْلَتِها ومُباشَرَتِها لِشَهْوَةٍ قبلَ اسْتِبْرائِها. وهو ظاهرُ كلام أحمدَ، في (7) أكثرِ الرِّواياتِ عنه، قال: تُسْتَبْرَأُ، وإن كانتْ في المَهْدِ. ورُوِىَ عنه أنَّه قال: إن كانتْ صغيرةً بأىِّ شيءٍ تُسْتَبْرَأُ إذا كانت رَضِيعةً. وقال في رِوَايةٍ أُخْرَى: تُسْتَبْرَأُ بحيضةٍ إن (8) كانتْ (9) تَحِيضُ، وإلَّا بثلاثةِ أشْهُرٍ إن كانت ممَّن تُوطَأُ وتَحْبَلُ.
فظاهرُ هذا أنَّه لا يَجِبُ اسْتِبْراؤُها، ولا تَحْرُمُ (10) مُباشَرَتُها. وهذا اخْتيارُ ابن (11) أبي موسى، وقولُ مالكٍ، وهو الصحِيحُ؛ لأنَّ سَبَبَ الإِباحةِ مُتَحَقِّقٌ. وليس على تَحْريمِها دليلٌ، فإنَّه لا نَصَّ فيه، ولا مَعْنَى نَصٍّ؛ لأنَّ تَحْريمَ مُباشَرةِ الكبيرةِ إنَّما كان لكَوْنِه داعِيًا إلى الوَطْءِ المُحَرَّمِ، أو خَشْيةَ أن تكونَ أُمَّ وَلَدٍ لغيرِه، ولا يُتَوهَّمُ هذا في هذه، فوَجَبَ العملُ بمُقْتَضَى الإِباحةِ. فأما مَنْ يمْكِنُ وَطْؤُها، فلا تَحِلُّ قُبْلَتُها، ولا الاسْتِمتاعُ منها فيما (12) دُونَ الفَرْجِ قبلَ الاسْتِبْراءِ، إلَّا المَسْبِيَّةَ، على إحْدَى الرِّوايتَيْنِ. وقال الحسنُ: لا يَحْرُمُ من المُشْتَراةِ إلَّا فَرْجُها، وله أن يَسْتَمْتِعَ منها بما شاء، ما لم يمَسَّ؛ لأنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم إنَّما نَهَى عن الوَطْءِ، ولأنَّه تَحْرِيمٌ للوَطْءِ مع ثُبُوتِ المِلْكِ، فاخْتَصَّ بالفَرْجِ، كالحَيْض. ولَنا أنَّه اسْتِبْرَاءٌ يُحَرِّمُ الوَطْءَ، فَحَرَّمَ الاسْتِمْتاعَ، كالعِدَّةِ، ولأنَّه لا يَامَنُ مِنْ (13) كَوْنِها حامِلًا من بائِعِها، فتكونُ أُمَّ وَلَدٍ، والبَيْعُ باطلٌ (14)، فيكونُ مُسْتَمْتِعًا بأُمِّ وَلَدِ غيرِه، وبهذا فارَقَ تحريمَ الوَطْءِ للحَيْضِ. فأمَّا المَسْبِيَّةُ، فظاهرُ كلامِ الْخِرَقِىِّ تَحْريمُ مُبَاشَرَتِها فيما دُونَ الفَرْجِ لشَهْوةٍ. وهو الظاهرُ عن أحمدَ؛ لأنَّ كلَّ اسْتِبْراءٍ حَرَّمَ الوَطْءَ حَرّمَ دَوَاعِيَه، كالعِدَّةِ، ولأنَّه داعِيةٌ إلى الوَطْءِ المُحَرَّمِ، لأجْلِ اخْتلاطِ المِياهِ، واشْتِباهِ الأنْسابِ، فأشْبَهَتِ الْمَبِيعةَ.
ورُوِىَ عن أحمدَ، أنَّه لا يَحْرُمُ؛ لما رُوِىَ عن ابنِ عمرَ، أنَّه قال: وَقَعَ في سَهْمِى يومَ جَلُولاءَ (15) جارِيةٌ، كأنَّ عُنُقَها إبْرِيقُ فضّةٍ، فما مَلَكْتُ نَفْسِى أن قُمْتُ إليها فَقبّلْتُها، والناسُ ينظرون (16). ولأنَّه لا نَصَّ في الْمَسْبِيَّةِ، ولا يَصِحُّ قِياسُها على الْمَبِيعَةِ؛ لأنَّها تَحْتَمِلُ أن تكونَ أُمَّ وَلَدٍ للبائعِ، فيكونَ مُسْتَمْتِعًا بأُمِّ ولَدِ غيرِه، ومُباشِرًا لمَمْلُوكةِ غيرِه، والْمَسْبِيَّةُ مملوكةٌ له على كلِّ حالٍ، وإنَّما حُرِّمَ وطؤُها لئَلَّا يَسْقِىَ ماءَه زَرْعَ غيرِه. وقولُ الْخِرَقِىِّ: بعدَ تَمامِ مِلْكِه لها. يَعْنِى أنَّ الاسْتِبْراءَ لا يكونُ إلَّا بعد مِلْكِ المُشْتَرِى لجميعِها، ولو مَلَكَ بعضَها، ثم مَلَكَ باقِيَها، لم يُحْتَسَب الاسْتِبْراءُ إِلَّا من حينَ مَلَكَ باقِيَها. وإن مَلَكَها بِبَيْعٍ فيه الخِيارُ، انْبَنَى على نَقْلِ المِلْكِ في مُدَّتِه، فإنْ قُلْنا: يَنْتَقِلُ. فابْتِداءُ الاسْتِبْراءِ من حينِ البَيْعِ. وإن قُلْنا: لا يَنْتَقِلُ. فابْتداؤُه من حينَ انْقَطَعَ الخِيارُ. وإن كان المبيعُ مَعِيبًا، فابْتداؤُه (17) الخِيارَ (18) من حينِ البَيْعِ؛ لأنَّ العَيْبَ لا يَمْنَعُ نَقْلَ المِلْكِ بغيرِ خِلافٍ. وهل يُبْتَدَأُ الاسْتِبْراءُ من حينِ البَيْعِ قبلَ القَبْضِ، أو من حينِ القَبْضِ؟ فيه وَجْهان؛ أحدهما، من حينِ البيعِ؛ لأنَّ المِلْكَ ينْتقِلُ به. والثانى، من حينِ القَبْضِ لأنَّ القَصْدَ مَعْرِفةُ بَراءَتِها من ماءِ البائعِ، ولا يَحْصُلُ ذلك مع كَوْنِها في يَدِه. وإن اشْتَرَى عبدُه التَّاجرُ أمَةً، فاسْتَبْرأها، ثم صارت إلى السَّيِّدِ، حَلَّتْ له بغيرِ اسْتِبْراءٍ؛ لأنَّ مِلْكَه ثابتٌ على ما في يَدِ عَبْدِه، فقد حَصَلَ اسْتِبْراؤُها في مِلْكِه.
وإن اشْتَرَى مُكاتَبُه أمَةً، فاسْتَبْرأَها، ثم صارتْ إلى سيِّدِه، فعليه اسْتِبْراؤُها؛ لأنَّ مِلْكَه تجَدّدَ عليها (19)، إذ ليس للسَّيِّدِ مِلْكٌ على ما في يد مُكاتَبِه، إلَّا أن تكونَ الجارِيةُ من ذَواتِ مَحارِمِ المُكاتَبِ، فقال أصحابُنا: تُبَاحُ للسَّيِّدِ بغيرِ اسْتِبْراءٍ؛ لأنَّه يَصِيرُ حُكْمُها حكمَ المُكاتَبِ، أن رَقَّ رَقَّتْ، وإن عَتَقَ عَتَقَتْ، والمكاتَبُ عبدٌ ما بَقِىَ عليه دِرْهَمٌ، والاسْتِبْراءُ الواجبُ ههُنا في حَقِّ الحاملِ بوَضْعِه بلا خِلافٍ، وفى ذَات القُرُوءِ بحَيْضةٍ، في قولِ أكثرِ أهلِ العلمِ. وقال سعيدُ بن المُسَيَّبِ، وعَطاءٌ: بحَيْضَتَيْنِ. وهو مُخالِفٌ للحديثِ الذي رَوَيْناه، وللمعنى؛ فإنَّ المَقْصُودَ مَعْرِفةُ بَراءَتِها من الحَمْلِ، وهو حاصلٌ بحَيْضةٍ، وفى الآيِسَةِ والتى لم تَحِضْ والتى ارْتَفَعَ حيضُها بما ذكرْناه في أُمِّ الوَلَدِ، على ما مضَى من الخِلافِ فيه.
فصل: ومَنْ مَلَكَ مَجُوسِيّةً، أو وَثَنِيّةً، فأسْلَمَتْ قبلَ اسْتِبْرائِها، لم تَحِلَّ له حتى يَسْتَبْرِئَها، أو تُتِمَّ ما بَقِىَ من اسْتِبْرائِها؛ لما مَضَى. وإن اسْتَبْرأها ثم أسْلَمَتْ، حَلَّتْ له (20) بغيرِ اسْتِبْرائِها. وقال الشافعيُّ: لا تَحِلُّ له (21) حتى يُجَدِّدَ اسْتِبْراءَها بعدَ إسْلامِها؛ لأنَّ مِلْكَه تَجدَّدَ على اسْتِمْتاعِها، فأشْبَهَتْ مَن تَجَدَّدَ مِلْكُه على رَقَبَتِها. ولَنا، قولُه عليه السلام: “لَا تُوطَأُ حَائِلٌ حَتَّى تُسْتَبْرأَ بحَيْضَةٍ”. وهذا وَرَدَ في سَبايَا أَوْطاسٍ، وكُنَّ مُشْرِكاتٍ، ولم يَأْمُرْ في حَقِّهِنَّ بأكْثَرَ من حَيْضةٍ، ولأنَّه لم يتَجَدَّدْ مِلْكُه عليها، ولا أصَابَها وَطْءٌ من غيرِه، فلم يَلْزَمْه اسْتِبْراؤُها، كما لو حَلَّتِ المُحَرَّمةُ، ولأنَّ الاسْتِبْراءَ إنَّما وَجَبَ كيْلا يُفْضِىَ إلى اخْتلاطِ المِيَاهِ، وامْتِزاجِ الانسابِ، ومَظِنَّةُ ذلك تَجَدُّدُ المِلْكِ على رَقَبَتِها، ولم يُوجَدْ. ولو باع أمَتَه، ثم رُدّتْ عليه بِفَسْخٍ أو إقَالةٍ بعدَ [قَبْضِها أو افْتِراقِهِما] (22)، لَزِمَه اسْتِبْراؤُها؛ لأنَّه تَجْديدُ مِلْكٍ، سَواءٌ كان المُشْتَرِى لها امرأةً أو غيرَها. وإن كان ذلك قبلَ افْتِراقِهِما، أو قبلَ غَيْبةِ المُشْتَرِى بالجارِيَةِ، ففيها رِوَايتان؛ إحداهما، عليه الاسْتِبْراءُ. وهو مذهبُ الشافعىِّ؛ لأنَّه تَجْدِيدُ مِلْكٍ. والثانية، ليس عليه اسْتِبْراءٌ، وهو قولُ أبي حنيفة إذا تَقايَلَا قبلَ القَبْضِ؛ لأنَّه لا فائِدَةَ في الاسْتِبْراءِ مع تَعَيُّنِ الْبَراءةِ
[المغني لابن قدامة 11/ 274]
قال ابن قدامة
الفصل الثانى: أَنَّ مَنْ حُرِّمَ نِكاحُ حرائِرِهم من الْمَجُوسِيَّاتِ، وسائرِ الكوافِرِ سِوَى أهلِ الكتابِ، لا يُباحُ وَطْءُ الإماءِ منْهُنَّ بمِلْكِ اليَمينِ. فى قول أكثرِ أهلِ العلمِ، منهم؛ مُرَّةُ الهمْدَانِىُّ (5)، والزُّهْرِىُّ، وسعيدُ بن جُبَيْرٍ، والأوْزَاعىُّ، والثَّوْرِىُّ وأبو حنيفةَ، ومالكٌ، والشافعىُّ. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: على هذا جماعةُ فُقَهاءِ الأمْصارِ، وجمهورُ العلماءِ، وما خالَفَه فشُذُوذٌ لا يُعَدُّ خِلافًا. ولم (6) يَبْلُغْنا إباحةُ ذلك إلَّا عن طاوُسٍ، ووَجْهُ قولِه عُمُوم قولِه تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} (7). والآية الأُخْرَى (8). وروَى أبو سعيدٍ، أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم بَعَثَ يومَ حُنَيْن بَعْثًا قِبَلَ أوْطاسٍ (9)، فأصابُوا لهم (10) سَبَايَا، فَكَأَنَّ ناسًا من أصحابِ رسولِ اللَّه صلى الله عليه وسلم تَحَرَّجُوا من غِشْيانِهِنَّ، من أجْلِ أزْواجِهِنَّ من المُشْركِين، فأنزَلَ اللَّهُ عز وجل فى ذلك: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}. قال: فهُنَّ لهم حَلالٌ إذا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ. وعنه، أَنَّ رسولَ اللَّه صلى الله عليه وسلم قال فى سَبايَا أَوْطاسٍ: “لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ ذاتِ حَمْلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً”. رواهما أبو داودَ (11). وهو حديثٌ صحيحٌ. وهم عَبَدَةُ أوْثانٍ.
وهذا ظاهرٌ فى إباحَتِهِنَّ، ولأنَّ الصحابةَ فى عصرِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم كان أكثرُ سَباياهم من كُفَّارِ العَرَبِ، وهم عَبَدَةُ أوْثانٍ، فلم يكونُوا يَرَوْنَ تحَرْيمَهُنَّ لذلك، ولا نُقِلَ عن النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم تَحْرِيمُهُنَّ، ولا أمَرَ الصَّحابةَ باجْتِنابِهِنَّ، وقد دَفَعَ أبو بكرٍ إلى سَلَمةَ بن الأكْوَعِ امرأةً من بعضِ السَّبْىِ، نَفَلَها إيَّاه، وأخَذَ عمرُ وابنُه من سَبْىِ هَوازِنَ، [وكذلك غيرُهما] (12) من الصَّحابةِ، والحَنَفِيَّة أُمُّ محمدِ بن الْحَنفِيَّةِ من سَبْى بنى حنيفةَ، وقد أخَذَ الصحابةُ (13) سَبايَا فارِسَ، وهم مَجُوسٌ، فلم يَبْلُغْنا أنَّهم اجْتَنَبُوهُنَّ، وهذا ظاهرٌ فى إباحَتِهِنَّ، لولا اتِّفاقُ أهلِ العلمِ على خِلافِه. وقد أجَبْتُ عن حديثِ أبى سعيدٍ بأجْوِبَةٍ، منها؛ أنَّه يَحْتَمِلُ أنَّهنَّ أسْلَمْنَ، كذلك رُوِىَ عن أحمدَ حين (14) سألَه محمدُ بن الحَكَمِ قال: قلتُ لأبى عبدِ اللَّه: فهَوَازِنُ (15) أليس كانوا عَبَدَةَ أوْثانٍ؟ قال: لا أدْرِى كانوا أسْلَمُوا أو لا. وقال ابنُ عبدِ البَرِّ: إباحةُ وَطْئِهِنَّ مَنْسُوخةٌ بقولِه تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ} (16)
[المغني لابن قدامة 9/ 552]
قال ابن القيم:
[أجناس العِدد]
المقام الثاني في أجناسها:
وهي أربعةٌ في كتاب اللَّه، وخامس بسنةِ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم (2):
الجنس الأول: أربابُ العِدَّة (3)، {وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: 4].
الثاني: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: 234].
الثالث: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228].
الرابع: {وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ} [الطلاق: 4]
الخامس: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا توطأ حاملٌ حتى تَضعَ، ولا حائل (1) حتى تُستبرئ بحيضة” (2) ومُقدَّمُ هذه الأجناس [كلها] (3) الحاكم عليها كلها وَضْعُ العمل، فإذا وُجد فالحكمُ له، ولا التفات إلى غيره، وقد كان بين السلف نزاعٌ في المُتوفَّى عنها أنها تتربص أبْعد الأجلين، ثم حصل الاتفاق على انقضائها بوضع الحمل (4)؛ وأما عدةُ الوفاة فتجبُ بالموت، سواء دخل بها أو لم يدخل، كما دل عليه عموم القرآن والسنة الصحيحة
واتفاق الناس (1)؛ فإن الموتَ لما كان انتهاءَ العقد وانقضاءَه استقرَّت به الأحكام: من التوارث، واستحقاق المهر، وليس المقصود بالعدة هاهنا مجرد استبراء الرحم كما ظَنَّه بعضُ الفقهاء؛ لوجوبها قبل الدخول، ولحصول الاستبراء بحيْضَة واحدة، ولاستواء [الآيسة و] (2) الصغيرة والآيسة وذوات القُرُوء في مدتها، فلما كان الأمر كذلك قالت طائفة: هي تعبُّدٌ مَحْضٌ لا يُعقل معناه، وهذا باطلٌ لوجوهٍ.
منها: أنه ليس في الشريعة حكم واحد إلا وله معنى وحكمة يَعْقُلُ معناه مَنْ عَقَله ويخفى على مَنْ خفي عليه (3).
ومنها: أن العدد ليست من باب العبادات المحضة؛ فإنها تجب في حق الصغيرةِ والكبيرةِ والعاقلةِ والمجنونةِ والمسلمة والذميَّة، ولا تفتقر إلى نية (4).
ومنها: أن رعايةَ حق الزوجين والولد والزوج الثاني ظاهر فيها؛ فالصواب (5) أن يُقال: هي حريم لانقضاء النكاح لما كمل، ولهذا تجد فيها رعاية
لحق الزوج وحرمة له، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان من احترامِه ورعايةِ حقوقه تحريمُ نسائِه بعده، ولما كانت نساؤُه في الدنيا هن نساؤه في الآخرة قطعًا، لم يحلَّ لأحد أن يتزوجَ بهنَّ بعده، بخلاف غيره؛ فإن هذا ليس معلومًا في حقه، فلو حرمت المرأة على غيره لتضررت ضررًا (1) محققًا بغير نفع معلوم، ولكن لو (2) تأيَّمتْ على أولادها كانت محمودةً على ذلك. وقد كانوا في الجاهلية يُبالغون في احترام حق الزوج وتعظيم حريم هذا العقد غاية المبالغة من تربُّص (3) سنة في شَرِّ ثيابها وحِفْشِ (4) بيتها (5)، فخفَّفَ اللَّه عنهم ذلك بشريعته التي جعلها رحْمَةً وحكمة ومصلحة ونعمة، بل هي من أجَلِّ نعمه عليهم على الإطلاق، فله الحمد كما هو أهله.
وكانت أربعة أشهر وعشرًا على وفق الحكمة والمصلحة؛ إذ لا بُدَّ من مدة مضروبة، وأولى المُدد بذلك المدة التي يعلم فيها بوجود [حمل] (6) الولد وعدمه؛ فإنه يكون أربعين يومًا نُطفة، ثم أربعين علقة، ثم أربعين مُضْغة، فهذه أربعة أشهر، ثم ينفخ فيه الروح في الطور الرابع، فقُدِّر بعشرة أيام لتظهر حياته بالحركة إن كان ثم حمْلٌ (7)
فصل [حكمة عدة الطلاق]
وأما عِدَّةُ الطَّلاقِ فلا يمكن تعليلها بذلك؛ لأنها إنما تجب بعد المسيس بالاتفاق، ولا ببراءةِ الرَّحم؛ لأنه يحصل بحيْضة كالاستبراء، وإن كان براءةُ الرحم بعض مقاصدها، ولا يقال: “هي تعبد” لما تقدم، وإنما يتبين حكمها إذا عرف ما فيها من الحقوق؛ ففيها حَقٌّ للَّه (1)، وهو امتثالُ أمره وطلبُ مرضاته، وحق للزوج المُطلِّق وهو اتساع زمن الرجعة له، وحق للزوجة، وهو استحقاقها النفقة (2) والسكنى ما دامت في العدة، وحق للولد، وهو الاحتياط في ثبوت نَسبِه وأن لا يختلط بغيره، وحق للزوج الثاني، وهو أن لا يسْقِي ماءه زرع غيره (3).
[إعلام الموقعين عن رب العالمين 3/ 292 ت مشهور]
وقال ابن القيم:
ذِكر حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاستبراء
ثبت في «صحيح مسلم» من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ: أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنينٍ بعث جيشًا إلى أوطاسٍ، فلقي عدوًّا، فقاتلوهم، فظهروا عليهم، وأصابوا سبايا، فكأنَّ ناسًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تحرَّجوا من غشيانهنَّ من أجل أزواجهنَّ من المشركين، فأنزل الله عز وجل في ذلك {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النِّساء 24]، أي فهنَّ لكم حلالٌ إذا انقضت عدَّتهنَّ.
وفي «صحيحه» أيضًا من حديث أبي الدَّرداء: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم مرَّ بامرأةٍ مُجِحٍّ على باب فُسْطاطٍ، فقال: «لعلَّه يريد أن يُلِمَّ بها». فقالوا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد هممتُ أن ألعنَه لعنًا يَدخلُ معه قبرَه، كيف يُورِّثه وهو لا يحلُّ له؟ كيف يستخدمه وهو لا يحلُّ له؟».
وفي «الترمذي»: من حديث عِرباض بن سارية: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم حرَّم وطء السَّبايا حتَّى يضعن ما في بطونهنَّ.
وفي «المسند» و «سنن أبي داود» من حديث أبي سعيدٍ الخدريِّ: أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاسٍ: «لا تُوطَأ حاملٌ حتى تضع، ولا غيرُ ذاتِ حملٍ حتَّى تحيض حيضةً».
وفي «الترمذي» من حديث رُوَيفِع بن ثابتٍ أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَسقِي ماءه ولدَ غيرِه». قال الترمذي: حديثٌ حسنٌ.
ولأبي داود من حديثه أيضًا: «لا يحلُّ لامرئٍ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأةٍ من السَّبْي حتَّى يَستبرئها»
ولأحمد: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحنَّ ثيِّبًا من السَّبايا حتَّى تحيض».
وذكر البخاريُّ في «صحيحه»: قال ابن عمر: إذا وُهِبت الوليدةُ الَّتي تُوطأ أو بِيعتْ أو عُتِقتْ فلتُستَبرأْ بحيضةٍ، ولا تُستبرأ العذراء.
وذكر عبد الرزاق عن معمر، [عن عمرو بن مسلم]، عن طاوسٍ: أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم مناديًا في بعض مغازيه: «لا يقعنَّ رجلٌ على حاملٍ ولا حائلٍ حتَّى تحيض».
وذكر عن سفيان الثَّوريِّ، عن زكريا، عن الشَّعبيِّ قال: أصاب المسلمون سبايا يومَ أوطاسٍ، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا يقعوا على حاملٍ حتَّى تضع، ولا على غير حاملٍ حتَّى تحيض.
فصل
فتضمَّنت هذه السُّنن أحكامًا عديدةً:
أحدها: أنَّه لا يجوز وطء المَسْبِيَّة حتَّى تُعلم براءةُ رحمِها، فإن كانت حاملًا فبوضع حَمْلِها، وإن كانت حائلًا فبأن تحيض حيضةً، فإن لم تكن من ذوات الحيض فلا نصَّ فيها. واختُلِف فيها وفي البكر، وفي الَّتي تُعلم براءة رحمها بأن حاضت عند البائع، ثمَّ باعها عقيب الحيضة ولم يطأها، ولم يُخرِجها عن مِلكه، أو كانت عند امرأةٍ وهي مصونةٌ فانتقلت عنها إلى رجلٍ. فأوجب الشَّافعيُّ وأبو حنيفة وأحمد الاستبراء في ذلك كلِّه، أخذًا بعموم الأحاديث، واعتبارًا بالعدَّة حيث تجب مع العلم ببراءة الرَّحم، واحتجاجًا بآثار الصَّحابة، كما ذكر عبد الرزاق: حدَّثنا ابن جريجٍ قال: قال عطاء: تداولَ ثلاثةٌ من التُّجَّار جاريةً فولدتْ، فدعا عمر بن الخطَّاب القافةَ، فألحقوا ولدها بأحدهم، ثمَّ قال عمر: من ابتاع جاريةً قد بلغت المحيض، فليتربَّصْ بها حتَّى تحيض، فإن كانت لم تَحِضْ فليتربَّص بها خمسًا وأربعين ليلةً.
قالوا: وقد أوجب الله سبحانه العدَّةَ على من يئست من المحيض وعلى من لم تبلغ سنَّ المحيض، وجعلها ثلاثة أشهرٍ، والاستبراء عدَّة الأمة، فيجب على الآيسة ومن لم تبلغ سنَّ المحيض.
وقال آخرون: المقصود من الاستبراء العلم ببراءة الرَّحم، فحيث تيقَّن المالك براءةَ رحم الأمة فله وطؤها، ولا استبراءَ عليه، كما روى عبد الرزاق عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر قال: إذا كانت الأمة عذراء لم يستبرئها إن شاء. وذكره البخاريُّ في «صحيحه» عنه.
وذكر حمَّاد بن سلمة: ثنا عليُّ بن زيدٍ، عن أيوب بن عبد الله اللخمي، عن ابن عمر قال: وقعت في سهمي جاريةٌ يوم جَلُولاءَ كأنَّ عنقها إبريق فضَّةٍ، قال ابن عمر: فما ملكتُ نفسي أن جعلتُ أقبِّلها والنَّاس ينظرون.
ومذهب مالك إلى هذا يرجع، وهاك قاعدته وفروعها:
قال أبو عبد الله المازريُّ، وقد عقد قاعدةً لباب الاستبراء، فنذكرها بلفظها: والقول الجامع في ذلك أنَّ كلَّ أمةٍ أُمِنَ عليها الحمل فلا يلزم فيها الاستبراء. وكلُّ من غلب على الظَّنِّ كونها حاملًا، أو شُكَّ في حملها، أو تُردِّد فيه= فالاستبراء لازمٌ فيها، وكلُّ من غلب على الظَّنِّ براءةُ رحمها، لكنَّه مع الظَّنِّ الغالب يجوز حصوله، فإنَّ المذهب على قولين في ثبوت الاستبراء وسقوطه
ثمَّ خرَّج على ذلك الفروع المختلَف فيها، كاستبراء الصَّغيرة الَّتي تُطيق الوطء، واليائسة، وفيه روايتان عن مالك. قال صاحب «الجواهر»: ويجب في الصَّغيرة إذا كانت ممَّن قارب سنَّ الحمل، كبنت ثلاث عشرة وأربع عشرة. وفي إيجاب الاستبراء إذا كانت ممَّن تُطيق الوطء ولا يَحمِل مثلُها ــ كبنت تسعٍ وعشرٍ ــ روايتان: أثبته في رواية ابن القاسم، ونفاه في رواية ابن عبد الحكم. وإن كانت ممَّن لا تُطيق الوطء فلا استبراء فيها.
قال: ويجب الاستبراء فيمن جاوزت سنَّ الحيض، ولم تبلغ سنَّ اليائسة، مثل ابنة الأربعين والخمسين. وأمَّا الَّتي قعدتْ عن المحيض ويئستْ عنه، فهل يجب فيها الاستبراء أو لا يجب؟ روايتان لابن القاسم وابن عبد الحكم.
قال المازري: ووجه استبراء الصَّغيرة الَّتي تطيق الوطء والآيسة أنَّه يمكن فيهما ــ يعني الحمل ــ على النُّدور، أو لحماية الذَّريعة، لئلَّا يُدَّعى في مواضع الإمكان أن لا إمكانَ.
قال: ومن ذلك: استبراء الأمة خوفًا أن تكون زنتْ، وهو المعبَّر عنه بالاستبراء لسوء الظَّنِّ، وفيه قولان. والنَّفي لأشهب قال: ومن ذلك: استبراء الأمة الوَخْشِ، فيه قولان، لأنّ الغالب عدم وطء السَّادات لهنَّ، وإن كان يقع في النَّادر.
ومن ذلك: استبراء من باعها مجبوبٌ أو امرأةٌ أو ذو محرمٍ، ففي وجوبه روايتان عن مالك.
ومن ذلك: استبراء المكاتبة إذا كانت تتصرَّف ثمَّ عجزت، فرجعت إلى سيِّدها، فابن القاسم يثبت الاستبراء، وأشهب ينفيه.
ومن ذلك: استبراء البكر، قال أبو الحسن اللخمي: هو مستحبٌّ على وجه الاحتياط غير واجبٍ، وقال غيره من أصحاب مالك: هو واجبٌ.
ومن ذلك: إذا استبرأ البائع الأمة، وعلم المشتري أنَّه قد استبرأها، فإنَّه يُجزِئ استبراء البائع عن استبراء المشتري.
ومن ذلك: إذا أودعه أمةً، فحاضت عند المودع حيضةً، ثمَّ اشتراها، لم يحتج إلى استبراءٍ ثانٍ، وأجزأت تلك الحيضة عن استبرائها، وهذا بشرط أن لا تخرج، ولا يكون سيِّدها يدخل عليها.
ومن ذلك: أن يشتريها من زوجته أو ولدٍ له صغيرٍ في عياله، وقد حاضت عند البائع، فابن القاسم يقول: إن كانت لا تخرج أجزأه ذلك، وأشهب يقول إن كانت مع المشتري في دارٍ، وهو الذَّابُّ عنها والنَّاظر في أمرها، أجزأه ذلك، سواءٌ كانت تخرج أو لا تخرج.
ومن ذلك: إذا كان سيِّد الأمة غائبًا، فحين قدِمَ اشتراها منه رجلٌ قبل أن تخرج، أو خرجت وهي حائضٌ، فاشتراها قبل أن تطهر، فلا استبراء عليه.
ومن ذلك: إذا بيعت وهي حائضٌ في أوَّل حيضها، فالمشهور من مذهبه أنَّ ذلك يكون استبراءً لها، لا يحتاج إلى حيضةٍ مستأنفةٍ.
ومن ذلك: الشَّريك يشتري نصيبَ شريكه من الجارية وهي تحت يد المشتري منهما، وقد حاضت في يده، فلا استبراء عليه.
وهذه الفروع كلُّها من مذهبه تُنبِئك عن مأخذه في الاستبراء، وأنَّه إنَّما يجب حيث لا تُعلم ولا تُظنُّ براءة الرَّحم، فإن عُلِمتْ أو ظُنَّت فلا استبراء. وقد قال أبو العبَّاس ابن سُريجٍ وأبو العباس ابن تيمية: إنَّه لا يجب استبراء البكر، كما صحَّ عن ابن عمر. وبقولهم نقول، وليس عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم نصٌّ عامٌّ في وجوب استبراء كلِّ من تجدَّد له عليها ملكٌ على أيِّ حالةٍ كانت، وإنَّما نهى عن وطء السَّبايا حتَّى تضع حواملُهنَّ، ويحِضن حوائلُهنَّ
[زاد المعاد ط عطاءات العلم 6/ 371]
قال الخطابي:
المحصنات من النساء معناه المتزوجات، وفيه بيان أن الزوجين إذا سبيا معاً فقد وقعت الفرقة بينهما كما لو سبي أحدهما دون الآخر.
وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأبو ثور واحتجوا بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قسم السبي، وأمر أن لا توطأ حامل حتى تضع ولا حائض حتى تحيض، ولم يسأل عن ذات زوج وغيرها ولا عمن كانت سبيت منهن مع الزوج أو وحدها فدل أن الحكم في ذلك واحد.
وقال أبو حنيفة إذا سبيا جميعاً فهما على نكاحهما الأول وقال الأوزاعي ما كان في المقاسم فهما على نكاحهما فإن اشتراهما رجل فشاء أن يجمع بينهما جمع وإن شاء فرق بينهما واتخذها لنفسه بعد أن يستبرئها بحيضة.
وفي قوله إذا انقضت عدتهن دليل على ثبوت أنكحة أهل الشرك ولولا ذلك لم يكن للعدة معنى.
وقد تأول ابن عباس الاية في الأمة يشتريها ولها زوج، فقال بيعها طلاقها وللمشتري اتخلذها لنفسه وهو خلاف أقاويل عامة العلماء، وحديث بريرة يدل على خلاف قوله.
قال أبو داود: حدثنا النفيلي، قال: حَدَّثنا مسكين، قال: حَدَّثنا شعبة عن يزيد بن خمير عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير عن أبيه، عَن أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان في غزوة فرأى امرأة مُخجاً فقال لعل صاحبها ألمَّ بها قالوا نعم، قال لقد هممت أن ألعنه لعنة تدخل معه في قبره كيف يورثه وهولا يحل له.
قال الشيخ المخج الحامل المقرب، وفيه بيان أن وطئ الحبالى من النساء لا يجوز حتى يضعن حملهن.
وقوله كيف يورثه وهو لا يحل له أم كيف يستخدمه وهو لا يحل له، يريد أن ذلك الحمل قد يكون من زوجها المشرك فلا يحل له استلحاقه وتوريثه، وقد يكون منه إذا وطئها أن ينفش ما كان في الظاهر حملاً وتعلق من وطئه فلا يجوز له سبيه واستخدامه وفي هذا دليل على أنه لا يجوز استرقاق الولد بعد الوطء إذا كان وضع الحمل بعده بمدة تبلغ أدنى مدة الحمل وهو ستة أشهر.
قال أبو داود: حدثنا عمرو بن عون، قال: حَدَّثنا شريك عن قيس بن وهب، عَن أبي الودّاك، عَن أبي سعيد الخدري ورفعه أنه صلى الله عليه وسلم قال في سبايا أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير ذات حمل حتى تحيض حيضة.
قال الشيخ فيه من الفقه أن السبي ينقض الملك المتقدم ويفسخ النكاح.
وفيه دليل على أن استحداث الملك يوجب الاستبراء في الإماء فلا توطأ ثيب ولا عذراء حتى تستبري بحيضة ويدخل في ذلك المكاتبة إذا عجزت فعادت إلى الملك المطلق؛ وكذلك من رجعت إلى ملكه بإقالة بعد البيع وسواء كانت الأمة مشتراة من رجل أو امرأة لأن العموم يأتي على ذلك أجمع.
وفي قوله حتى تحيض دليل على أنه إذا اشتراها وهي حائض فإنه لا يعتد بتلك الحيضة حتى تستبراء بحيضة مستأنفة.
وقد يستدل بهذا الحديث من يى أن الحامل لا تحيض وأن الدم الذي ترام أيام حيضها غير محكوم له بحكم الحيض في ترك الصلاة والصيام، قال وذلك لأنه جعل الحيض دليل براءة الرحم فلو صح وجوده مع الحمل لانتقضت دلالته في الاستبراء ولم يكن للفرق الذي جاء في هذا الحديث بينهما معنى، وإلى هذا ذهب أصحاب الرأي.
وقال الشافعي الحامل تحيض وإذا رأت الدم المعتاد أمسكت عن الصلاة وإنما جعل الحيض في الحامل علماً لبراءة الرحم من طريق الظاهر فإذا جاء ما هو أظهر منه وأقوى في الدلالة سقط اعتباره ويأمرها بأن تمسك عن الصلاة ولا تنقضي عدتها إلاّ بوضع الحمل، وذهب إلى أن وجود الدم لا يمنع من وجود الاعتداد بالحمل كما لم يمنع وجوده في المتوفى عنها زوجها من الاعتداد بالأربعة الأشهر والعشر.
قال أبو داود: حدثنا النفيلي، قال: حَدَّثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق، قال حدثني يزيد بن أبي حبيب، عَن أبي مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين لا يحل لامراء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، يَعني اتيان الحبالى.
قال الشيخ شبه صلى الله عليه وسلم الولد إذا علق بالرحم بالزرع إذا نبت ورسخ في الأرض وفيه كراهة وطء الحبلى إذا كان الحبل من غير الواطاء على الوجوه كلها، وقد يستدل به من يرى الحاق الولد بالواطئين إذا كان ذلك منهما، وقالوا قد شبه النبي صلى الله عليه وسلم الولد بالزرع أي كما يزيد الماء في الزرع كذلك يزيد المني في الولد.
قال الشيخ وهذا تشبيه علي معنى التقريب وهو في قوله زرع غيره قطع إضافة ملك الزرع عن الساقى وإثباته لرب الزرع وهو الزارع فقياسه في التشبيه به أن لا يكون الولد لهما جميعاً وإنما يكون لأحدهما
[معالم السنن 3/ 223]
قال ابن قدامة:
[فصل ارتابت المعتدة بأن ترى أمارات الحمل]
(6328) فصل وإذا ارتابت المعتدة، ومعناه أن ترى أمارات الحمل من حركة أو نفخة ونحوهما وشكت هل هو حمل أم لا؟ فلا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها، أن تحدث بها الريبة قبل انقضاء عدتها، فإنما تبقى في حكم الاعتداد حتى تزول الريبة، فإن بان حملا، انقضت عدتها بوضعه، فإن زالت وبان أنه ليس بحمل، تبينا أن عدتها انقضت بالقروء أو الشهور. فإن زوجت قبل زوال الريبة، فالنكاح باطل؛ لأنها تزوجت وهي في حكم المعتدات في الظاهر.
ويحتمل أنه إذا تبين عدم الحمل، أنه يصح النكاح؛ لأنا تبينا أنها تزوجت بعد انقضاء عدتها.
الثاني: أن تظهر الريبة بعد قضاء عدتها والتزوج، فالنكاح صحيح؛ لأنه وجد بعد قضاء العدة ظاهرا، والحمل مع الريبة مشكوك فيه، فلا يزول به ما حكم بصحته، لكن، لا يحل لزوجها وطؤها؛ لأننا شككنا في صحة النكاح، ولأنه لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، ثم ننظر؛ فإن وضعت الولد لأقل من ستة أشهر منذ تزوجها الثاني ووطئها، فنكاحه باطل؛ لأنه نكحها وهي حامل، وإن أتت به لأكثر من ذلك، فالولد لاحق به، ونكاحه صحيح. الحال الثالث، ظهرت الريبة بعد قضاء العدة وقبل النكاح، ففيه وجهان أحدهما، لا يحل لها أن تتزوج، وإن تزوجت فالنكاح باطل؛ لأنها تتزوج مع الشك في انقضاء العدة، فلم يصح، كما لو وجدت الريبة في العدة، ولأننا لو صححنا النكاح، لوقع موقوفا، ولا يجوز كون النكاح موقوفا، ولهذا لو أسلم وتخلفت امرأته في الشرك، لم يجز أن يتزوج أختها؛ لأن نكاحها يكون موقوفا على إسلام الأولى.
والثاني، يحل لها النكاح ويصح؛ لأننا حكمنا بانقضاء العدة، وحل النكاح، وسقوط النفقة والسكنى، فلا يجوز زوال ما حكم به بالشك الطارئ، ولهذا لا ينقض الحاكم ما حكم به بتغير اجتهاده ورجوع الشهود
[المُغني لابن قدامة – ط مكتبة القاهرة 8/ 114]
قال ابن عثيمين:
باب الإستبراء
مَنْ مَلَكَ أَمةً يُوطَأُ مِثْلُهَا مِنْ صَغِيرٍ، وَذَكَرٍ، وَضِدِّهِمَا حَرُمَ عَلِيْهِ وَطْؤُهَا ومقَدِّمَاتُهُ قَبْلَ اسْتِبْرَائِهَا، وَاسْتِبْرَاءُ الْحَامِلِ بِوَضْعِهَا، وَمَنْ تَحِيضُ بِحَيْضةٍ، وَالآيِسَةُ وَالصَّغيرَةُ بِمُضِيِّ شَهْرٍ.
قوله: «الاستبراء» هذه الكلمة فيها حروف زوائد، وحروف أصول، الحروف الزوائد الألف، والسين، والتاء، والأصول الباء، والراء، والهمزة، مأخوذ من البراءة، يعني التخلي من الشيء، ومنه قولهم: برئ من دينه، يعني تخلى منه ولم يبقَ عليه شيء.
وأما شرعاً فإنه: تربص يقصد منه العلم ببراءة رحم ملك يمين، هكذا قالوا، والصواب أن يقال: تربص يقصد منه العلم ببراءة الرحم، وليس ببراءة رحم ملك اليمين فقط؛ لأن الاستبراء قد يكون في غير المملوكة، وقد سبق أن من وطئت بشبهة ـ على القول الراجح ـ فإن عدتها استبراء، والمزني بها استبراء، والموطوءة بعقد باطل استبراء، وهكذا.
وقولنا: «العلم» ليس أمراً لازماً أنها إذا حاضت فإنها بريئة الرحم؛ لأن الحامل قد تحيض، ولكنه هنا لما تعذر العلم عمل بالظاهر؛ إذ إن الظاهر أن الحامل لا تحيض، فيكون الحيض هنا علامة ظاهرة، لا علامةً يقينية أو برهاناً قاطعاً، ومن القواعد المقررة في الشرع: أنه إذا تعذر اليقين عمل بغلبة الظن، فهنا ما يمكن أن نتيقن أن رحمها خالٍ إلا بشق بطنها، وشق البطن أمر صعب؛ لأنها ربما تموت، لكن يكتفى بغلبة الظن، بالظاهر.
وقولنا: إنه ما يمكن العلم ببراءة رحمها إلا بشق البطن هذا بناء على ما سبق، وإلا فالآن توفرت الأسباب والوسائل التي يعلم بها براءة الرحم بدون شق البطن.
أيضاً في بعض الأحوال يجب على الزوج أن يستبرئ زوجته وإن لم توطأ، كرجل مات أبوه وتزوجت أمه بعد أبيه بزوج، فأولادها من هذا الزوج يكونون بالنسبة له إخوة له من الأم، فهذا الأخ مات وله أخ شقيق، والأخ الذي تحمل به هذه المرأة، ففي هذه الحال نقول لزوجها: يجب عليك أن تستبرئها، فلا تجامعها حتى تحيض؛ لأجل أن نعرف هل كان الحمل موجوداً حين موت أخيه فيرث منه، أو ليس موجوداً فلا يرث، وهنا لا نعلم إلا إذا امتنع الرجل عن الجماع؛ لأنه لو جامع لاحتمل أن يعلق الولد من جماعه الذي بعد موت أخيه، وحينئذٍ يكون عندنا إشكال، ففي مثل هذه الحال يجب الاستبراء مع أنه ليس في ملك يمين، ولا في وطء شبهة، ولا في زنا، لكن لأجل الوصول إلى معرفة هل يرث هذا الحمل، أو لا يرث؟
قوله: «من ملك أمة يوطأ مثلها» وهي التي تم لها تسع سنين.
وقوله: «من ملك» «من» شرطية تعم جميع أنواع الملك، سواء ملكها بشراء، أو بهبة، أو باسترقاق في حرب، أو غير ذلك.
قوله: «من صغير وذكر وضدهما حرم عليه وطؤها» الجار والمجرور متعلق بـ «ملك»؛ لأن الكلام في المالك، فهو الذي يحرم عليه الوطء، ومعلوم أنه لو كان أنثى ما نقول: يحرم عليك الوطء، فيكون قوله: «من صغير» متعلقاً بقوله: «ملك» يعني ملكها من صغير، بأن اشتراها منه، كرجل اشترى أمة يوطأ مثلها من صغير لم يبلغ، فيجب على المشتري أن يستبرئها، مع أن الصغير هنا ما يطأ مثله.
والقول الثاني: أنه لا يجب الاستبراء في هذه الحال؛ لأن الاستبراء طلب براءة الرحم من الولد، وهنا لا يمكن أن تلد، حتى لو وطئها هذا الصغير، فإن قيل: ألا يمكن أن يكون أحد زنى بها؟ فالجواب: بلى، لكن الأصل عدم ذلك.
وقوله: «وذكر» معروف.
وقوله: «وضدهما» ضد الصغير الكبير، وضد الذكر الأنثى، يعني إذا ملكها من صغير أو كبير، من ذكر أو أنثى.
وقوله: «حرم عليه وطؤها» أي حرم على المالك وطؤها.
قوله: «ومقدماته» أي: مقدمات الوطء، كالتقبيل، واللمس، والجماع دون الفرج، وما أشبه ذلك؛ سداً للذريعة؛ لأنه ربما لا يملك نفسه أن يجامع، وسيأتي أن الصحيح خلاف ذلك.
قوله: «قبل استبرائها» ويأتي ـ إن شاء الله ـ بماذا يكون الاستبراء، والدليل قول النبي عليه الصلاة والسلام: «لا يحل لرجل يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره»، يعني أن الإنسان ما يجوز له أن يسقي ماءه من كانت مشغولةً، أو يمكن أن تكون مشغولة بماء غيره، ولهذا يحرم على الإنسان أن يطأ المعتدة، ولو تزوجها لم يصح.
كذلك ـ أيضاً ـ في غزوة أوطاس نهى النبي عليه الصلاة والسلام أن توطأ حامل حتى تضع، ولا ذات حيض حتى تحيض بحيضة، وتأمل الدليل هل هو أخص من الحكم الذي ذكره المؤلف أو أعم؟
الدليل ذُكِرَ فيه الوطء فقط والمؤلف قال: «ومقدماته» فصار الدليل أخص من المدلول، ومعلوم أنه لا يمكن أن يستدل بالأخص على الأعم، فالدليل دل على تحريم الوطء، فأين الدليل على تحريم مقدماته من اللمس وغيره؟!
فحينئذٍ نقول: الاستدلال بهذا الحديث على الحكم صحيح من وجه، غير صحيح من وجه، صحيح من جهة تحريم الوطء، غير صحيح من جهة تحريم مقدماته، وهذه قاعدة نافعة للمُناظِر، أنه إذا استدل خصمه بشيء يكون أخص من المدلول، فإن له الحق في رفضه بالنسبة لما هو أعم، ولكن ليس له الحق أن يرفض ما دل عليه الدليل.
إذاً يبقى النظر في قول المؤلف: «ومقدماته» هل هو صحيح ولا سيما باعتبار استدلاله بالحديث؟ الجواب: غير صحيح، فالحديث لا يدل على تحريم مقدمات الوطء، إذاً يجوز أن يفعل مقدمات الوطء من التقبيل وشبهه كما سبق؛ لأن عندنا عموماً يخالف هذا الحكم، وهو قوله تعالى: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون 6]، فنقول: الأصل في ملك اليمين أن يجوز لك أن تتمتع فيها بما شئت، وحُرِّم الوطء لدلالة الحديث عليه، فيبقى ما عداه داخلاً في المباح.
فإن قلت: ألا يمكن أن نقيس ذلك على الجماع في الإحرام، حيث حرم على المُحْرِم أن يجامع، وحرم عليه مقدمات الجماع؟
نقول: لا نقيس؛ لأن مقدمات الجماع في الإحرام محرمة لذاتها، بدليل أن المحرم لا يجوز أن يُعقد له النكاح، ولا أن يخطب، ففرق بين هذا وهذا، فلا يصح القياس، ولو أردنا القياس لقلنا: نقيس على الحائض أولى، وأجلى، وأبين، والحائض يجوز للإنسان أن يستمتع بها فيما دون الفرج.
نعم لو فرض أن الرجل ضعيف العزيمة، ويخشى على نفسه خشية محققة لو أنه أتى بمقدمات الجماع أن يجامعها فحينئذٍ يمنع، ويكون لكل مسألة حكمها.
مسألة: إذا ملك أمة من امرأة فهل يجب الاستبراء؟
على كلام المؤلف يجب، ولكن القول الصحيح ـ الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه لا يجب الاستبراء، قال: لأن المرأة ما تطؤها.
فإن قيل: يحتمل أن أحداً اعتدى عليها ووطئها عند سيدتها قلنا: الأصل عدم ذلك، ولو قلنا بهذا الاحتمال لقلنا: لا يمكن أن تطأ زوجتك ولا أمتك؛ لأن فيه احتمالاً أن أحداً اعتدى عليها، وهي عندك! وهذا لا يقول به أحد، وعلى هذا، فالقول الراجح في هذه المسألة أنه لو ملكها من امرأة فإنه لا يجب الاستبراء.
ولو ملكها من رجل ولكنها بكر، وبكارتها لا زالت موجودة فهل يجب عليه الاستبراء؟ على كلام المؤلف يجب الاستبراء؛ لأنه قال: «من ملك أمة يوطأ مثلها» ولم يقل: من ملك أمة ثيباً، إذن لو ملك أمة بكراً وجب عليه الاستبراء، مع أن البكر لم توطأ؛ إذ لو وطئت لزالت البكارة، وقال شيخ الإسلام: إنه لا يجب الاستبراء فيما إذا كانت بكراً؛ لأن العلة التي وجب الاستبراء لها غير موجودة.
ولو ملك أمة من رجل صدوق أمين، قال له: إنه لم يطأ، فعلى المذهب يجب الاستبراء، وعند شيخ الإسلام لا يجب الاستبراء؛ لأن هذا الرجل أخبره أنه لم يجامعها، وكذلك لو أخبره بأنه استبرأها قبل بيعها، فالمذهب يجب الاستبراء وإن كان ذاك قد استبرأها، وعند الشيخ إذا وثق به فإنه لا يجب.
لكن رأي الشيخ في المسألة الأخيرة ليس كرأيه فيما إذا كانت بكراً، أو إذا ملكها من امرأة؛ لأن قوله فيما إذا ملكها بكراً أو من امرأة لا شك أنه هو الصواب، أما هذه فقد يقول قائل: إنه وإن أخبره أنه قد استبرأها، أو أنه لم يجامعها، فقد يكون متهماً في ذلك؛ من أجل أن يرغب في شرائها؛ لأنه إذا قلنا: إنها لا تحتاج إلى استبراء، أرغب مما إذا قلنا: تحتاج إلى استبراء؛ لأنه يستمتع بها من حين يشتريها، لا سيما على المذهب إذا قلنا: لا يحل الوطء ولا المقدمات، أما إذا قلنا بأنه لا يحتاج إلى استبراء فسيمكث إلى أن يستبرئها.
قوله: «واستبراء الحامل بوضعها» أي: إذا وضعت فقد استبرأت وهذا صحيح، ولو وضعت بعد الشراء بساعة، فإن بقي في بطنها ثلاث سنين ينتظر حتى تضع.
قوله: «ومن تحيض» أي: فاستبراؤها «بحيضة» لأن هذه ليست عدة، وإنما الغرض العلم ببراءة الرحم، فإذا حاضت مرة واحدة حلت، فإذا كانت قد ارتفع حيضها ولم تدرِ سببه تنتظر عشرة أشهر، تسعة أشهر للحمل وشهراً للاستبراء.
قوله: «والآيسة والصغيرة بمضي شهر» أي: الآيسة والصغيرة تستبرأ بمضي شهر
[الشرح الممتع على زاد المستقنع 13/ 414]
قال العباد:
شرح حديث أبي سعيد الخدري في سبايا أوطاس
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في وطء السبايا.
حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن أبي علقمة الهاشمي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه (أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعث يوم حنين بعثاً إلى أوطاس، فلقوا عدوهم فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا لهم سبايا، فكأن أناساً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تحرجوا من غشيانهم من أجل أزواجهن من المشركين، فأنزل الله تعالى في ذلك {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24] أي: فهن لهم حلال إذا انقضت عدتهن)].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي وطأ السبايا، أي: المرأة المسبية، والمراد الكلام في وطئها وجماعها لمن تكون نصيبه من السبي ولمن تكون له، فإنه يطؤها بعد استبرائها، فإن كانت حاملاً فبوضع حملها، وإن كانت تحيض فبحيضة، وإن كانت لا تحيض فإنها تستبرأ مدة شهر، وقد جاءت الأحاديث في ذكر الحيض وفي ذكر الحمل، وجاء ذكر الوطء بعد انقضاء عدتها التي هي وضع الحمل أو حصول حيضة واحدة، وإذا كانت غير حامل ولا تحيض فإنها تستبرأ مدة شهر.
وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه لما كان يوم حنين وحصل الانتصار على الأعداء وطفروا بالسبايا كأن بعض الصحابة تحرجوا من وطئهن من أجل أنهن ذوات أزواج، ومن المعلوم أن ذوات الأزواج أبضاعهن لأزواجهن، ليس لأحد أن يطأهن، فهن محرمات، وقد حرم الله عز وجل نكاح المحصنة، والمحصنة تأتي بمعنى المتزوجة، كما أنها تأتي بمعنى العفيفة.
فلما تحرجوا أنزل الله عز وجل هذه الآية {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24] أي أن ذوات الأزواج هن حرام عليكم، ويستثنى من ذلك ملك اليمين؛ لأن المرأة إذا سبيت وهي ذات زوج انفصل الزواج وانقطع، ولم يكن لزوجها حق فيها بعد أن سبيت، فبعد ذلك تعتد، فإذا كانت حاملاً فبالوضع، وإذا كانت تحيض فبحيضة حتى يتحقق من أنها سليمة من الحمل.
فقول الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء:24] معناه: المتزوجات.
فالله تعالى قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ} [النساء:23] ثم قال في الآية بعدها: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:24] فالمحصنة ذات الزوج التي سبيت تنتهي علاقتها بزوجها ويكون لمن صارت نصيبه من السبي.
فملك اليمين مستثنى من تحريم ذوات الأزواج في قوله تعالى: ((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ)) لأن المحرمات ذكرهن الله عز وجل في قوله: ((حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ)) الآية وختم ذلك بقوله تعالى: ((وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ)) واستثني من ذلك ملك اليمين، فإنها توطأ وإن كانت ذات زوج؛ لأن علاقتها بزوجها انتهت بسبيها
[شرح سنن أبي داود للعباد 247/ 17 بترقيم الشاملة آليا]
وقال العباد:
شرح حديث النهي عن وطء الحامل من غير مالكها ووطء السبية قبل استبرائها وبيع المغنم قبل القسمة
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا النفيلي حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق حدثني يزيد بن أبي حبيب عن أبي مرزوق عن حنش الصنعاني عن رويفع بن ثابت الأنصاري رضي الله عنه قال: قام فينا خطيباً قال: أما إني لا أقول لكم إلا ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يوم حنين، قال: (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره -يعني إتيان الحبالى-، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم)].
أورد أبو داود حديث رويفع بن ثابت رضي الله تعالى عنه أنه خطب فقال: لا أقول إلا ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فذكر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره)].
والمقصود من ذلك إتيان النساء الحبالى، وسواء أكان ذلك الحمل عن طريق زواج، كما يكون في المسبيات، أو كان عن طريق الزنا، فليس لأحد أن يطأ ذات حمل، ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسقي ماءه زرع غيره، والمراد أن يطأ المرأة؛ لأن الولد الذي في بطنها لغيره، فماؤه الذي يضعه في فرجها هو بمثابة الماء الذي يسقى به الزرع.
وبعض أهل العلم قال: إن هذا يدل على أن الولد ينفعه الماء الذي يحصل للمرأة الموطوءة وفي بطنها حمل.
ومنهم من يقول: إن المقصود من ذلك كون مائه يقع على شيء ليس له، وليس بلازم أن يستفيد منه الجنين الذي في البطن بسبب الجماع الذي يحصل لأمه، فالمقصود من ذلك منع وطء ذات الحمل، ويكون ذلك بمثابة سقي زرع غيره، سواء انتفع الجنين بهذا الوطء أو لم ينتفع، فإنه يصدق عليه أنه سقى ماءه زرع غيره.
وقوله: [(يؤمن بالله واليوم الآخر)] ذكر الإيمان بالله وذكر الإيمان باليوم الآخر، وهما من أصول الإيمان الستة التي هي أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وذكر الإيمان بالله لأنه أساس الإيمان، وكل ما يؤمن به بعد الإيمان بالله تابع للإيمان بالله، ولهذا قال في ذكر أركان الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله) فما بعد الله عز وجل مضاف إليه، والذي لا يؤمن بالله لا يؤمن بالكتب ولا بالرسل، وذكر اليوم الآخر مع الإيمان بالله تذكيراً بالمعاد وتذكيراً بالثواب والعقاب، فإذا كان في أمر محمود فإنه يصير من باب الترغيب في العمل الصالح من أجل أن يحصل ثوابه، وإذا كان في أمر محرم فإنه يكون ترهيباً من ذلك العمل لئلا يحصل الجزاء عليه عذاباً وعقاباً، وهنا من باب التحذير، فمعناه أنه لا يجوز، وهنا تذكير له باليوم الآخر الذي هو يوم الجزاء، وأن الإنسان يعاقب على ما يحصل منه في الدار الآخرة.
قوله: [(ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبي حتى يستبرئها)].
هذا من الأمور التي يجيء فيها التحذير؛ فلا يحل للمرء أن يقع على سبية حتى يستبرئها، فإن كانت حاملاً فبوضع الحمل، وإن كانت غير حامل فبكونها تحيض حيضة.
وقوله: [(ولا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيع مغنماً حتى يقسم)] أي: يقسم على الغانمين، وعند ذلك يبيع الشيء الذي يكون له.
وقوله: [قام فينا خطيباً] فاعل (قام) هو رويفع، والقائل هو حنش الصنعاني
[شرح سنن أبي داود للعباد 247/ 23 بترقيم الشاملة آليا]
قال الإتيوبي:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (ومنها): بيان جواز وطء المسبيّات، إذا اسْتُبْرِئْنَ.
2 – (ومنها): أن نكاح المشركين ينفسخ إذا سُبيت زوجاتهم؛ لدخولها في ملك سابيها.
3 – (منها): بيان سبب نزول هذه الآية، وبيان المعنى المراد منها، قال أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله: اختَلَف الناس في سبب نزول هذه الآية، وحديث أبي سعيد رضي الله عنه هذا أصحّ ما نُقل في ذلك، وبه يرتفع الخلاف، فإنه نصّ فيه على أنها نزلت بسبب تحرّج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إتيان المسبيّات ذوات الأزواج، فأنزل الله تعالى في جوابهم: {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 24]، فالمسبيّات ذوات الأزواج داخلات في عموم {إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}، فالسبي فسخ لنكاحهنّ بلا شكّ، وهل هو فسخ بطلاق، أو بغير طلاق؟ ذهب للأول الحسن البصريّ، وخالفه الجمهور، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة الخامسة – إن شاء الله تعالى -.
4 – (ومنها): أن فيه دلالةً على وجوب توقّف الإنسان، وبحثه، وسؤاله عما لا يتحقّق وجهه، ولا حكمه، وهو دأب من يخاف الله عز وجل، ولا يُختَلَف في أن ما لا يتبيّن حكمه لا يجوز الإقدام عليه، قاله القرطبيّ.
5 – (ومنها): أن فيه دلالة للمذهب المختار، وهو مذهب جماهير العلماء أن العرب يجري عليهم الرقّ كما يجري على العجم، وأنهم إذا كانوا مشركين، وسُبُوا، جاز استرقاقهم؛ لأن الصحابة سبوا هوازن، وهم عبدة الأوثان، وقد استرقّوهم، ووطئوا سباياهم، وبهذا قال مالك، والشافعيّ في قوله الصحيح الجديد، وجمهور العلماء، وقال أبو حنيفة، والشافعيّ في قوله القديم: لا يَجري عليهم الرّقّ؛ لشرفهم.
6 – (ومنها): أن فيه دلالةً أيضًا لمذهب من أجاز وطء المشركة بملك اليمين، وإن لم تكنْ من أهل الكتاب، وسيأتي تمام البحث فيه في المسألة التالية – إن شاء الله تعالى -.
7 – (ومنها): أن المراد بعدّة المسبيّات تحقّق براءة رحمهنّ، وذلك بوضع حملها، إن كانت حاملًا، وبحيضة إن كانت غير حامل.
8 – (ومنها): أنه لا يجوز وطء حامل مسبيّة حتى تضع، فقد تقدّم للمصنّف حديث أبي الدرداء رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، أنه أَتَى بامرأة مُجِحٍّ على باب فُسطاط، فقال: “لعله يُريد أن يُلِمَّ بها؟ “، فقالوا: نعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لقد هممت أن ألعنه، لعنًا يدخل معه قبره، كيف يُوَرِّثُهُ، وهو لا يحل له؟، كيف يستخدمه، وهو لا يحل له؟ “، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم وطء المسبيّة المشركة بملك اليمين:
قال النوويّ رحمه الله: واعلم أن مذهب الشافعيّ، ومن قال بقوله من العلماء أن المسبيّة من عَبَدة الأوثان، وغيرهم من الكفّار الذين لا كتاب لهم، لا يحلّ وطؤها بملك اليمين، حتى تُسلم، فما دامت على دينها، فهي محرّمة، وهؤلاء المسبيّات كُنّ من مشركي العرب عبدة الأوثان، فيؤوّل هذا الحديث، وشبهه على أنهنّ أسلمن، وهذا التأويل لا بدّ منه، والله أعلم انتهى.
وقال الشوكانيّ رحمه الله ما حاصله: ظاهر الحديث أنه لا يشترط في جواز وطء المسبيّة الإسلام، ولو كان شرطًا لبيّنه صلى الله عليه وسلم، ولم يُبيّنه، ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة، وذلك وقتها، ولا سيّما وفي المسلمين في يوم حنين وغيره من هو حديث عهد بالإسلام، يخفى عليهم مثل هذا الحكم، وتجويز حصول الإسلام من جميع السبايا، وهي في غاية الكثرة بعيدٌ جدًّا، فإن إسلام مثل عدد المسبيّات في أوطاس دفعةً واحدةً، من غير إكراه لا يقول بأنه يصحّ تجويزه عاقلٌ، ومن أعظم المؤيّدات لبقاء المسبيّات على دينهنّ ما ثبت من ردّه صلى الله عليه وسلم لهنّ بعد أن جاء إليه جماعة من هوازن، وسألوه أن يردّ إليهم ما أخذ عليهم من الغنيمة، فردّ إليهم السبي فقط.
وقد ذهب إلى جواز وطء المسبيّات الكافرات بعد الاستبراء المشروع جماعة: منهم طاوس، وهو الظاهر؛ لما سلف. انتهى كلام الشوكانيّ رحمه الله.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما ذكره الشوكانيّ أن الأرجح قول من قال بجواز وطء المسبيات الكافرات غير الكتابيات بعد الاستبراء؛ لقوة دليله، وأن التأويل الذي ذكره النوويّ فيه بُعدٌ، وتكلّف، فتبصّر بالإنصاف، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 25/ 684]
_____
باب في وطء السبايا
[(752) -] قال أحمد: والحبلى لا تحيض عندي.
مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه (3) / (1317)
وفي جامع علوم أحمد
(294) – الحامل ترى الدم
قال إسحاق بن منصور: قال أحمد: والحبلى لا تحيض عندي.
«مسائل الكوسج» ((744))
قال إسحاق بن منصور: قُلْتُ: الحامل ترى الدَّمَ؟ قال: لا يلتفت إليه.
قال إسحاق: كما وصفت.
«مسائل الكوسج» ((746))
قال أبو داود: قلت لأحمد: الحامل ترى الدم الأسود؟ فقال: لا تلتفت إليه، ولتصلي إذا كانت حاملًا. قلت: تغتسل؟ قال: نعم.
«مسائل أبى داود» ((172))
قال البغوي: وسئل أحمد وأنا أسمع عن الحامل تحيض؟
قال: يختلفون فيه إلا أنها لا تترك الصلاة.
«مسائل البغوي» ((64))
قال إسحاق بن إبراهيم الحنظلي: قال لي. أحمد بن حنبل: ما تقول في الحامل ترى الدم؟
قلت: تصلي. واحتججت بخبر عطاء عن عائشة رضي الله عنها.
قال: فقال لي أحمد: أين أنت عن خبر المدنيين، خبر أم علقمة، عن عائشة رضي الله عنها فإنه أصح.
قال إسحاق: فرجعت إلى قول أحمد.
«السنن الكبرى» للبيهقي (7) / (423)
قال يعقوب بن بختان: سألت أحمد عن المرأة إذا ضربها المخاض قبل الولادة بيوم أو يومين تُعيد الصلاة؟
قال: لا.
«المغني» (1) / (445) ((2))
قال ابن القيم:
[فَصْلٌ فِي قَضَائِهِ فِي تَحْرِيمِ وَطْءِ الْمَرْأَةِ الْحُبْلَى مِنْ غَيْرِ الْوَاطِئِ]
ثَبَتَ فِي «صَحِيحِ مسلم»: مِنْ حَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه («أَنَّ
النَّبِيَّ أَتَى بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا». فَقَالُوا: نَعَمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أَلْعَنَهُ لَعْنًا يَدْخُلُ مَعَهُ قَبْرَهُ كَيْفَ يُوَرِّثُهُ، وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ، كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ»).
قَالَ أبو محمد ابن حزم: لَا يَصِحُّ فِي تَحْرِيمِ وَطْءِ الْحَامِلِ خَبَرٌ غَيْرُ هَذَا. انْتَهَى وَقَدْ رَوَى أَهْلُ» السُّنَنِ «مِنْ حَدِيثِ أبي سعيد رضي الله عنه («أَنَّ النَّبِيَّ قَالَ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ:» لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَى تَحِيضَ حَيْضَةً»).
وَفِي الترمذي وَغَيْرِهِ مِنْ حَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ أَنَّهُ قَالَ: («مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَسْقِ مَاءَهُ وَلَدَ غَيْرِهِ») قَالَ الترمذي: حَدِيثٌ حَسَنٌ.
وَفِيهِ عَنِ الْعِرْبَاضِ بْنِ سَارِيَةَ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ : («حَرَّمَ وَطْءَ السَّبَايَا حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ»).
وَقَوْلُهُ : («كَيْفَ يُوَرِّثُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ كَيْفَ يَسْتَخْدِمُهُ وَهُوَ لَا يَحِلُّ لَهُ») كَانَ شَيْخُنَا يَقُولُ فِي مَعْنَاهُ: كَيْفَ يَجْعَلُهُ عَبْدًا مَوْرُوثًا عَنْهُ وَيَسْتَخْدِمُهُ اسْتِخْدَامَ الْعَبِيدِ وَهُوَ وَلَدُهُ؛ لِأَنَّ وَطْأَهُ زَادَ فِي خَلْقِهِ؟ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الْوَطْءُ يَزِيدُ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ. قَالَ: فِيمَنِ اشْتَرَى جَارِيَةً حَامِلًا مِنْ غَيْرِهِ فَوَطِئَهَا قَبْلَ وَضْعِهَا، فَإِنَّ الْوَلَدَ لَا يَلْحَقُ بِالْمُشْتَرِي وَلَا يَتْبَعُهُ، لَكِنْ يُعْتِقُهُ لِأَنَّهُ قَدْ شَرِكَ فِيهِ لِأَنَّ الْمَاءَ يَزِيدُ فِي
الْوَلَدِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ («النَّبِيِّ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مُجِحٍّ عَلَى بَابِ فُسْطَاطٍ، فَقَالَ: «لَعَلَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُلِمَّ بِهَا») وَذَكَرَ الْحَدِيثَ. يَعْنِي: أَنَّهُ إِنِ اسْتَلْحَقَهُ وَشَرِكَهُ فِي مِيرَاثِهِ، لَمْ يَحِلَّ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدِهِ، وَإِنْ أَخْذَهُ مَمْلُوكًا يَسْتَخْدِمُهُ لَمْ يَحِلَّ لَهُ لِأَنَّهُ قَدْ شَرِكَ فِيهِ لِكَوْنِ الْمَاءِ يَزِيدُ فِي الْوَلَدِ.
وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ نِكَاحِ الْحَامِلِ سَوَاءٌ كَانَ حَمْلُهَا مِنْ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ أَوْ شُبْهَةٍ أَوْ زِنًى، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ إِلَّا فِيمَا إِذَا كَانَ الْحَمْلُ مِنْ زِنًى، فَفِي صِحَّةِ الْعَقْدِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: بُطْلَانُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أحمد، ومالك. وَالثَّانِي: صِحَّتُهُ وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة وَالشَّافِعِيِّ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَمَنَعَ أبو حنيفة مِنَ الْوَطْءِ حَتَّى تَنْقَضِيَ الْعِدَّةُ وَكَرِهَهُ الشَّافِعِيُّ، وَقَالَ أَصْحَابُهُ لَا يَحْرُمُ.
زاد المعاد في هدي خير العباد – ط الرسالة (142 – 5/ 140)
قال العباد:
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي وطأ السبايا، أي: المرأة المسبية، والمراد الكلام في وطئها وجماعها لمن تكون نصيبه من السبي ولمن تكون له، فإنه يطؤها بعد استبرائها، فإن كانت حاملًا فبوضع حملها، وإن كانت تحيض فبحيضة، وإن كانت لا تحيض فإنها تستبرأ مدة شهر، وقد جاءت الأحاديث في ذكر الحيض وفي ذكر الحمل، وجاء ذكر الوطء بعد انقضاء عدتها التي هي وضع الحمل أو حصول حيضة واحدة، وإذا كانت غير حامل ولا تحيض فإنها تستبرأ مدة شهر.
وأورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنه لما كان يوم حنين وحصل الانتصار على الأعداء وطفروا بالسبايا كأن بعض الصحابة تحرجوا من وطئهن من أجل أنهن ذوات أزواج، ومن المعلوم أن ذوات الأزواج أبضاعهن لأزواجهن، ليس لأحد أن يطأهن، فهن محرمات، وقد حرم الله عزوجل نكاح المحصنة، والمحصنة تأتي بمعنى المتزوجة، كما أنها تأتي بمعنى العفيفة.
فلما تحرجوا أنزل الله عزوجل هذه الآية {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: (24)] أي أن ذوات الأزواج هن حرام عليكم، ويستثنى من ذلك ملك اليمين؛ لأن المرأة إذا سبيت وهي ذات زوج انفصل الزواج وانقطع، ولم يكن لزوجها حق فيها بعد أن سبيت، فبعد ذلك تعتد، فإذا كانت حاملًا فبالوضع، وإذا كانت تحيض فبحيضة حتى يتحقق من أنها سليمة من الحمل.
فقول الله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} [النساء: (24)] معناه: المتزوجات.
فالله تعالى قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ} [النساء: (23)] ثم قال في الآية بعدها: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: (24)] فالمحصنة ذات الزوج التي سبيت تنتهي علاقتها بزوجها ويكون لمن صارت نصيبه من السبي.
فملك اليمين مستثنى من تحريم ذوات الأزواج في قوله تعالى: «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ» لأن المحرمات ذكرهن الله عزوجل في قوله: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ» الآية وختم ذلك بقوله تعالى: «وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ» واستثني من ذلك ملك اليمين، فإنها توطأ وإن كانت ذات زوج؛ لأن علاقتها بزوجها انتهت بسبيها.
شرح سنن أبي داود للعباد (247) / (16) – (17)
قال الشوكاني:
فصل في الترهيب في وطء السبايا
ويحب استبراء الأمة المسبية والمشتراه ونحوهما بحيضة إن كانت حائضا والحامل بوضع الحمل ومنقطعة الحيض حتى يتبين عدم حملها ولا تستبرأ بكر ولاصغيرة ولا يلزم البائع ونحوه.
أقول: أما المسبية فلما أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم وصححه من حديث أبي سعيد أن النبي قال في سبايا أوطاوس: «لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة» لما أخرجه مسلم وغيره أن النبي هم أن يعلن الذي أراد وطء امرأة حامل من السبى لعنة تدخل معه قبره «وأخرج الترمذي من حديث العرباض بن سارية أن رسول الله حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن» وأخرج ابن أبي شيبة من حديث علي قال: «نهى رسول الله أن توطأ حامل ختى تضع ولا توطأ حائل حتى تستبرئ بحيضة» وفي إسناده ضعف وانقطاع وأخرج أحمد والطبراني قال: قال رسول الله : «لا يقعن رجل على امرأة وحملها لغيره» وفي إسناده بقية وحجاج بن أرطأة وهما مدلسان وهو يشمل المسبية وغيرهما كالمشتراه والموهوبة وكذلك حديث رويفع بن ثابت عن النبي قال: “من كان يؤمن بالله واليوم
الآخر فلا يسقي ماءه ولد غيره» أخرجه أحمد والترمذي وأبو داود وابن أبي شيبة والدارمي والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وابن حبان وصححه والبزار وحسنه وهو كما يتناول الحامل المشتراة ونحوها كذلك يتناول من يجوز حملها من الغير كائنا من كان لأن العلة كونه يسقس ماءه ولد غيره وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس أن النبي نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى تقسم وقال: «لا تسق ماءك زرع غيرك» وأصله في النسائي وأخرج البخاري عن ابن عمر «إذا وهبت الوليدة أو بيعت أو أعتقت فلتستبرأ بحيضة ولا تستبرأ العذراء» ويدل على استبراء المشتراة التي هي حامل أو التي جوز حملها الأدلة الواردة في المسبية لأن العلة واحدة وأما العذراء والصغيرة فليستا ممن يصدق تلك العلة وإن كان حمل البالغة العذراء ممكنا مع بقاء البكارة ولكنه في غاية الندرة فلا اعتبار به وأما ما أخرجه البخاري وغيره أن النبي بعث عليا إلى اليمن ليقبض الخمس فاصطفى على منه سبية فأصبح وقد اغتسل ثم بلغ ذلك النبي فلم ينكره” بل قال: في بعض الروايات لنصيب على أفضل من وصيفة فيحمل على أنها كانت صغيرة أو بكرا جمعا بين الأدلة وأنه قد كان مضى لها من وقت من السبى ما تبين به أنها غير حامل وأما كون منقطعة الحيض تستبرأ حتى يتبين عدم حملها فلأنه لا يمكن العلم بعدم الحمل إلا بذلك إذ لا حيض بل المفروض أنه منقطع لعارض أو أنها ضهيأ، وأما من قد بلغت سن اليأس من المحيض قفد صار حملها مأيوسا كحيضها ولا اعتبار بالنادر.
وأما كونه لا استبراء على البائع فلعدم الدليل على ذلك لا بنص ولا بقياس صحيح بل هو محض رأي.
الدراري المضية شرح الدرر البهية (2) / (238) – (239)
قال الطحاوي:
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ فِي اسْتِبْرَاءِ الْمَسْبِيَّاتِ مِنَ الْحَوَامِلِ وَمِمَّنْ سِوَاهُنَّ
(3048) – حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَشَرِيكٍ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: أَصَبْنَا سَبَايَا يَوْمَ أَوْطَاسٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ، وَلَا غَيْرُ حَامِلٍ حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً». (55)
(3049) – حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْأَصْبَهَانِيِّ قَالَ حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنْ قَيْسِ بْنِ وَهْبٍ، وَالْمُجَالِدُ، عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنْ رَسُولِ اللهِ مِثْلَهُ. قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِيمَا رُوِّينَاهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَصَدَ بِالِاسْتِبْرَاءِ إلَى مَنْ تَحِيضَ مِمَّنْ لَيْسَ بِحَامِلٍ وَإِلَى الْحَوَامِلِ لَا إلَى مَنْ سِوَاهُنَّ مِمَّنْ كَانَ فِي ذَلِكَ السَّبْيِ مِنَ النِّسَاءِ، وَنَحْنُ نُحِيطُ عِلْمًا أَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِنَّ مَنْ لَمْ تَبْلُغْ، وَمِمَّنْ قَدْ يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ، وَالْحَيْضُ وَالْحَمْلُ مِنْ هَؤُلَاءِ مَعْدُومٌ. فَكَانَ هَذَا الْقَوْلُ مِنْ رَسُولِ اللهِ دَلِيلًا عَلَى أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ عَلَى غَيْرِ مَنْ وَقَعَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ذَلِكَ مِنَ النِّسَاءِ، وَأَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ لَا يَجِبُ فِيمَنْ لَا تَحِيضُ مِنَ الصِّغَارِ، وَلَا فِيمَنْ لَا تَحِيضُ مِنَ الْإِيَاسِ مِنَ الْحَيْضِ. كَمَا قَدْ رُوِيَ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ وَسَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ فِي ذَلِكَ.
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْفَرَجِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي طَلْحَةُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ، (56) عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ وَسَالِمٍ أَنَّهُ سَأَلَهُمَا عَنِ الْجَارِيَةِ تُبَاعُ وَلَمْ تَحِضْ، أَيَطَؤُهَا الَّذِي اشْتَرَاهَا؟، فَقَالَا: يَنْظُرُ إلَيْهَا مَنْ يَعْرِفُ ذَلِكَ، فَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَحِضْ فَلَا نَرَى عَلَيْهِ شَيْئًا». قَالَ اللَّيْثُ «إذَا كَانَتِ ابْنَةَ عَشْرِ سِنِينَ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ تُوطَأَ حَتَّى يُسْتَبْرَأَ رَحِمُهَا لِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، فَإِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّ ابْنَةَ عَشْرِ سِنِينَ حَمَلَتْ». قَالَ: وَفِي هَذَا مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ اللَّيْثَ بْنَ سَعْدٍ كَانَ مَذْهَبُهُ أَنَّ حَمْلَهَا إذَا كَانَ مَامُونًا أَنَّهُ لَا تُسْتَبْرَأُ فِيهَا، وَهَذَا قَوْلٌ قَدْ كَانَ أَبُو يُوسُفَ قَالَهُ مَرَّةً، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا كَانَ مَذْهَبَهُ أَيْضًا، وَمَا يَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ فِي الْعَذْرَاءِ أَنَّهَا لَا تُسْتَبْرَأُ.
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: «الْعَذْرَاءُ لَا تُسْتَبْرَأُ»
(3050) – وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ يَزِيدَ الصُّورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَرِيكٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، (57) عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: «نَهَى النَّبِيُّ عَنْ وَطْءِ السَّبَايَا وَهُنَّ حَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ مَا فِي بُطُونِهِنَّ، أَوْ يُسْتَبْرَأْنَ». قَالَ: أَبُو جَعْفَرٍ: وَهَذَا عِنْدَنَا غَيْرُ مُخَالِفٍ لِمَا رُوِّينَاهُ قَبْلَهُ فِي هَذَا الْبَابِ ; لِأَنَّ مَعْنَى «أَوْ يُسْتَبْرَأْنَ» قَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَوْ يُسْتَبْرَأْنَ مِمَّا قَدْ رُوِّينَاهُ قَبْلَهُ، فَيَعُودَ مَعْنَى مَا رُوِيَ فِي ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ إلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَاللهَ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ.
شرح مشكل الآثار (8) / (53) – (56)
قال ابن كثير:
(1) – بابُ: الاسْتبراءِ
عن أبي الدَّرْداءِ عن النبيِّ : «أنه أتى على امرأةٍ مُجحٍ على بابِ فُسطاطٍ، فقالَ: لعلَّهُ يُريدُ أن يُلمَّ بها؟، قالوا: نعمْ، قالَ: لقدْ هممْتُ أنْ ألعنَهُ لعْنةً تدخلُ معَهُ قبرَهُ، كيفَ يُورِّثُهُ وهو لا يحلُّ لهُ، كيفَ يستخدمُهُ وهو لا يحلُّ لهُ» ((1))، رواهُ مُسلمٌ.
وعن رُوَيْفع بنِ ثابتٍ الأنصاريِّ، قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ يقولُ: «لا يحلُّ لامرئٍ يُؤمنُ باللهِ واليومِ الآخر أن يسقيَ ماءَهُ زرعَ غيرهِ يعْني – إتيانَ الحُبالى، ولا يحلُّ لامرئٍ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ أن يقعَ على امرأةٍ من السَّبي حتّى يستبرئَها. . الحديث» ((2))، رواهُ أحمدُ، وأبو داودَ، بإسنادٍ صحيح.
وللترمذيِّ من وجهٍ آخرَ أوّلهُ، قالَ: وهو: حديثٌ حسنٌ، وقد رُويَ من غير وجهٍ على رُويفعٍ، وفي البابِ عن أبي الدّرداءِ، وابنِ عباسٍ، والعرباضِ بنِ سارية، وأبي سعيدٍ الخُدْريِّ.
وللإمامِ أحمدَ في لفظٍ: «ولا يَنكح ثيِّبًا من السَّبي حتّى تحيضَ» ((3)).
ولأبي داودَ: «حتّى يستبْرِئها بحيضةٍ» ((4))، ثمَّ قالَ: وليستْ محفوظةً، وهي وهمٌ من أبي معاويةَ. ولأحمدَ أيضًا عن رُويْفع: «نهى رسولُ اللهِ أن تُوطأ الأمةُ حتّى تحيضَ وعن الحُبالى حتّى يَضعنَ ما في بطونهنَّ» ((5)).
__________
((1)) مسلم ((4) / (161)).
((2)) أحمد (المتن (4) / (108)) وأبو دواد ((1) / (497)) والترمذي ((2) / (299)).
((3)) أحمد (المتن (4) / (101)).
((4)) أبو داود ((1) / (498))، والبيهقي ((7) / (449)) بالزيادة لكلمة «حيضة» في حديث رويفع، وذكر قول أبي داود أنها غير محفوظة وهم من أبي معاوية.
((5)) أحمد (المتن (4) / (108)).
عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رفعهُ أنه قالَ في سَبايا أوطاسٍ: «لا تُوطأ حاملٌ حتى تضعَ، ولا غيرُ ذاتِ حَملٍ حتّى تحيضَ حيضةً» ((6))، رواهُ أبو داودَ من حديثِ شَريك ابنِ عبدِ الله القاضي، وفيهِ: كلامٌ، إلا أنّ الشافعيَّ ذكرهُ مُعلّقًا، وقالَ: هذا الحديثُ أصلُ الاستبراءِ.
قلتُ: في عمومهِ دلالةٌ على استبراءِ الأبكارِ، واللهُ أعلمُ.
وعن العرباضِ بنِ ساريةَ: «أنَّ رسولَ اللهِ حرَّم وَطْءَ السَّبايا حتّى يضعنَ ما في بطونِهنَّ» ((7))، رواهُ أحمدُ، والترمذيُّ.
قلتُ: وقدْ يدُلُّ المفهومُ من هذهِ الأحاديثِ على جوازِ الاستمتاعِ قبلَ الاستبراءِ، بدونِ الجماعِ كما هو المرويُّ عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما.
__________
((6)) أبو داود ((1) / (497)).
((7)) أحمد (المتن (4) / (127)) والترمذي ((3) / (63)).
إرشاد الفقيه إلى معرفة أدلة التنبيه (2) / (236) – (237)
بَاب بَيْعِ السَّبْيِ فِي دَارِ الْحَرْبِ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَكْرَهُ أَنْ يَبِيعَهَا حَتَّى يُخرجهَا إِلَى دَار الْإِسْلَام
قَالَ الْأَوْزَاعِيُّ لَمْ يَزَلِ الْمُسْلِمَونَ يَتَبَايَعُونَ السَّبَايَا فِي أَرْضِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ فِي ذَلِكَ اثْنَانِ حَتَّى قُتِلَ الْوَلِيدُ
قَالَ أَبُو يُوسُفَ لَيْسَ يُؤْخَذُ فِي الْحُكْمِ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ بِمِثْلِ هَذَا أَنْ يَقُولَ لَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَى هَذَا فَأَكْثَرُ مَا لَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَيْهِ مِمَّا لَا يَحِلُّ وَلَا يَنْبَغِي مِمَّا لَوْ فَسَّرْتُهُ لَكَ لَعَرَفَتْهُ وَأَبْصَرَتْهُ عَلَيْهِ الْعَامَّة مَا قَدْ نَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ إِنَّمَا يُؤْخَذُ فِي هَذَا بِالسُّنَّةِ عَنْ رَسُولُ اللَّهِ وَعَنِ السَّلَفِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَمِنْ قَوْمٍ فُقَهَاءٍ وَإِذَا كَانَ وَطْؤُهَا مَكْرُوهًا فَكَذَلِكَ بَيْعُهَا لِأَنَّهُ لَمْ يُحْرِزْهَا بَعْدُ
الرد على سير الأوزاعي (1) / (75) – (76)