215 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
قال الشيخ مقبل:
215 – قال الإمام أحمد رحمه الله (ج 3 ص 322): حدثنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن ابن خثيم عن أبي الزبير عن جابر قال: مكث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم بعكاظ ومجنة [ص: 179] وفي المواسم بمنى يقول «من يؤويني من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة» حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر -كذا قال- فيأتيه قومه فيقولون احذر غلام قريش لا يفتنك ويمشي بين رجالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع حتى بعثنا الله إليه من يثرب فآويناه وصدقناه فيخرج الرجل منا فيؤمن به ويقرئه القرآن فينقلب إلى أهله فيسلمون بإسلامه حتى لم يبق دار من دور الأنصار إلا وفيها رهط من المسلمين يظهرون الإسلام ثم ائتمروا جميعًا فقلنا حتى متى نترك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يطرد في جبال مكة ويخاف فرحل إليه منا سبعون رجلًا حتى قدموا عليه في الموسم فواعدناه شعب العقبة فاجتمعنا عليه من رجل ورجلين حتى توافينا فقلنا يا رسول الله علام نبايعك قال «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل والنفقة في العسر واليسر وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأن تقولوا في الله لا تخافون في الله لومة لائم وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم وأزواجكم وأبناءكم ولكم الجنة» قال فقمنا إليه فبايعناه وأخذ بيده أسعد بن زرارة وهو من أصغرهم فقال رويدًا يا أهل يثرب فإنا لم نضرب أكباد الإبل إلا ونحن نعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإن إخراجه اليوم مفارقة العرب كافة وقتل خياركم وأن تعضكم السيوف فإما أنتم قوم تصبرون على ذلك وأجركم على الله وإما أنتم قوم تخافون من أنفسكم جبينة فبينوا ذلك فهو عذر لكم عند الله قالوا أمط عنا يا أسعد فوالله لا ندع هذه البيعة أبدًا ولا نسلبها أبدًا قال فقمنا إليه فبايعناه فأخذ علينا وشرط ويعطينا على ذلك الجنة.
[ص: 180] وقال الإمام أحمد رحمه الله (ج 3 ص 339): ثنا إسحاق بن عيسى، ثنا يحيى بن سليم، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن أبي الزبير، أنه حدثه جابر بن عبد الله … فذكر الحديث.
هذا حديث حسنٌ.
* قال الإمام أبو يعلى رحمه الله (ج 3 ص 405): حدثنا أبو بكر حدثنا معاوية بن هشام حدثنا سفيان عن داود عن عامر عن جابر بن عبد الله قال: لما لقي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم النقباء من الأنصار قال لهم: «تؤووني وتمنعوني» قالوا: فما لنا؟ قال: «لكم الجنة».
هذا حديث حسنٌ. وسفيان هو الثوري، وداود هو ابن أبي هند، وعامر هو الشعبي.
الحديث أخرجه البزار كما في “كشف الأستار” (ج 2 ص 307) فقال رحمه الله: حدثنا محمد بن معمر، ثنا قَبِيصَةُ، ثنا سفيان، عن جابر (1) وداود، عن الشعبي به.
__________
(1) جابر هو ابن يزيد الجُعْفِيُّ، كذاب، ولا يضر؛ لأنه مقرون بداود بن أبي هند. انتهى من الصحيح المسند
==========
قال الألباني في الصحيحة 63:
قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط مسلم، وقد صرح أبو الزبير بالتحديث في بعض
الطرق عنه.
بوب عليه مقبل في الجامع:
31 – تبليغ العلم في المجامع الكبيرة
12 – من شعب الإيمان
3 – فضائل الأنصار – رضي الله عنهم –
5 – وجوب طاعة أولي الأمر في طاعة الله
1 – وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
قال ابن القيم:
[فَصْلٌ في لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ نَفَرٍ مِنَ الْخَزْرَجِ]
فَصْلٌ
(«ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ عِنْدَ الْعَقَبَةِ فِي الْمَوْسِمِ سِتَّةَ نَفَرٍ مِنَ الْأَنْصَارِ كُلُّهُمْ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَهُمْ: أَبُو أُمَامَةَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَعَوْفُ بْنُ الْحَارِثِ، ورافع بن مالك، وقطبة بن عامر، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وجابر بن عبد الله بن رئاب، فَدَعَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا»).
ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَدَعَوْهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَفَشَا الْإِسْلَامُ فِيهَا حَتَى لَمْ يَبْقَ دَارٌ إِلَّا وَقَدْ دَخَلَهَا الْإِسْلَامُ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، جَاءَ مِنْهُمُ اثْنَا عَشَرَ رَجُلًا، السِّتَّةُ الْأُوَلُ خَلَا جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَمَعَهُمْ معاذ بن الحارث بن رفاعة أَخُو عوف الْمُتَقَدِّمِ، وذكوان بن عبد القيس، وَقَدْ أَقَامَ ذكوان بِمَكَّةَ حَتَّى هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَيُقَالُ: إِنَّهُ مُهَاجِرِيٌّ أَنْصَارِيٌّ، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، ويزيد بن ثعلبة، وَأَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التَّيِّهَانِ، وعويمر بن مالك هُمُ اثْنَا عَشَرَ.
وَقَالَ أبو الزبير: عَنْ جابر («إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَتَّبِعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ فِي الْمَوَاسِمِ، وَمَجَنَّةَ، وَعُكَاظٍ، يَقُولُ: مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي؟ حَتَى أُبَلِّغَ رِسَالَاتِ رَبِّي وَلَهُ الْجَنَّةُ ….. »).
ثُمَّ انْصَرَفُوا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَبَعَثَ مَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمْرَو بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَمُصْعَبَ بْنَ عُمَيْرٍ يُعَلِّمَانِ مَنْ أَسْلَمَ مِنْهُمُ الْقُرْآنَ، وَيَدْعُوَانِ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَنَزَلَا عَلَى أَبِي أُمَامَةَ أَسْعَدَ بْنِ زُرَارَةَ، وَكَانَ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يَؤُمُّهُمْ، (وَجَمَعَ بِهِمْ لَمَّا بَلَغُوا أَرْبَعِينَ)، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِمَا بَشَرٌ كَثِيرٌ، مِنْهُمْ: أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَسَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ، وَأَسْلَمَ بِإِسْلَامِهِمَا يَوْمَئِذٍ جَمِيعُ بَنِي عَبْدِ الْأَشْهَلِ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ، إِلَّا أصيرم عمرو بن ثابت بن وقش فَإِنَّهُ تَأَخَّرَ إِسْلَامُهُ إِلَى يَوْمِ أُحُدٍ، وَأَسْلَمَ حِينَئِذٍ وَقَاتَلَ فَقُتِلَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ لِلَّهِ سَجْدَةً، فَأُخْبِرَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: («عَمِلَ قَلِيلًا وَأُجِرَ كَثِيرًا»)
وَكَثُرَ الْإِسْلَامُ بِالْمَدِينَةِ وَظَهَرَ، ثُمَّ رَجَعَ مصعب إِلَى مَكَّةَ، وَوَافَى الْمَوْسِمَ ذَلِكَ الْعَامَ خَلْقٌ كَثِيرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَزَعِيمُ الْقَوْمِ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةُ الْعَقَبَةِ الثُّلُثَ الْأَوَّلَ مِنَ اللَّيْلِ تَسَلَّلَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةٌ وَسَبْعُونَ رَجُلًا وَامْرَأَتَانِ، فَبَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خِفْيَةً مِنْ قَوْمِهِمْ وَمِنْ كُفَّارِ مَكَّةَ، عَلَى أَنْ يَمْنَعُوهُ مِمَّا يَمْنَعُونَ مِنْهُ نِسَاءَهُمْ وَأَبْنَاءَهُمْ وَأُزُرَهُمْ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ بَايَعَهُ لَيْلَتَئِذٍ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، وَكَانَتْ لَهُ الْيَدُ الْبَيْضَاءُ، إِذْ أَكَّدَ الْعَقْدَ وَبَادَرَ إِلَيْهِ، وَحَضَرَ العباس عَمُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُؤَكِّدًا لِبَيْعَتِهِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَكَانَ إِذْ ذَاكَ عَلَى دِينِ قَوْمِهِ، وَاخْتَارَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ تِلْكَ اللَّيْلَةَ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا، وَهُمْ: أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَسَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، ورافع بن مالك، وَالْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر، وَكَانَ إِسْلَامُهُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، والمنذر بن عمرو، وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ، فَهَؤُلَاءِ تِسْعَةٌ مِنَ الْخَزْرَجِ، وَثَلَاثَةٌ مِنَ الْأَوْسِ: أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ، وَسَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ، ورفاعة بن عبد المنذر. وَقِيلَ: بَلْ أَبُو الْهَيْثَمِ بْنُ التّيِّهَانِ مَكَانَهُ.
وَأَمَّا الْمَرْأَتَانِ: فأم عمارة نسيبة بنت كعب بن عمرو، وَهِيَ الَّتِي قَتَلَ مسيلمة ابْنَهَا حبيب بن زيد، وأسماء بنت عمرو بن عدي.
فَلَمَّا تَمَّتْ هَذِهِ الْبَيْعَةُ اسْتَاذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَمِيلُوا عَلَى أَهْلِ الْعَقَبَةِ بِأَسْيَافِهِمْ، فَلَمْ يَاذَنْ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَصَرَخَ الشَّيْطَانُ عَلَى الْعَقَبَةِ بِأَنْفَذِ صَوْتٍ سُمِعَ: يَا أَهْلَ الْجَبَاجِبِ هَلْ لَكُمْ فِي مُذَمَّمٍ وَالصُّبَاةُ مَعَهُ قَدِ اجْتَمَعُوا عَلَى حَرْبِكُمْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: («هَذَا أَزَبُّ الْعَقَبَةِ، هَذَا ابْنُ أَزْيَبَ، أَمَا وَاللَّهِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ لَأَتَفَرَّغَنَّ لَكَ»).
ثُمَّ أَمَرَهُمْ أَنْ يَنْفَضُّوا إِلَى رِحَالِهِمْ، فَلَمَّا أَصْبَحَ الْقَوْمُ غَدَتْ عَلَيْهِمْ جِلَّةُ قُرَيْشٍ وَأَشْرَافُهُمْ حَتَّى دَخَلُوا شِعْبَ الْأَنْصَارِ، فَقَالُوا: يَا مَعْشَرَ الْخَزْرَجِ، إِنَّهُ بَلَغَنَا أَنَّكُمْ لَقِيتُمْ صَاحِبَنَا الْبَارِحَةَ وَوَاعَدْتُمُوهُ أَنْ تُبَايِعُوهُ عَلَى حَرْبِنَا، وَايْمُ اللَّهِ، مَا حَيٌّ مِنَ الْعَرَبِ أَبْغَضَ إِلَيْنَا مِنْ أَنْ يَنْشَبَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ الْحَرْبُ مِنْكُمْ، فَانْبَعَثَ مَنْ كَانَ هُنَاكَ مِنَ الْخَزْرَجِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يَحْلِفُونَ لَهُمْ بِاللَّهِ: مَا كَانَ هَذَا وَمَا عَلِمْنَا، وَجَعَلَ عبد الله بن أبي بن سلول يَقُولُ: هَذَا بَاطِلٌ، وَمَا كَانَ هَذَا، وَمَا كَانَ قَوْمِي لِيَفْتَاتُوا عَلَيَّ مِثْلَ هَذَا، لَوْ كُنْتُ بِيَثْرِبَ مَا صَنَعَ قَوْمِي هَذَا حَتَّى يُؤَامِرُونِي، فَرَجَعَتْ قُرَيْشٌ مِنْ عِنْدِهِمْ، وَرَحَلَ الْبَرَاءُ بْنُ مَعْرُورٍ، فَتَقَدَّمَ إِلَى بَطْنِ يَاجَجَ، وَتَلَاحَقَ أَصْحَابُهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَتَطَلَّبَتْهُمْ قُرَيْشٌ، فَأَدْرَكُوا سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَرَبَطُوا يَدَيْهِ إِلَى عُنُقِهِ بِنِسْعِ رَحْلِهِ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ وَيَجُرُّونَهُ وَيَجْذِبُونَهُ بِجُمَّتِهِ حَتَّى أَدْخَلُوهُ مَكَّةَ، فَجَاءَ مطعم بن عدي والحارث بن حرب بن أمية فَخَلَّصَاهُ مِنْ أَيْدِيهِمْ، وَتَشَاوَرَتِ الْأَنْصَارُ حِينَ فَقَدُوهُ أَنْ يَكِرُّوا إِلَيْهِ، فَإِذَا سعد قَدْ طَلَعَ عَلَيْهِمْ، فَوَصَلَ الْقَوْمُ جَمِيعًا إِلَى الْمَدِينَةِ.
فَأَذِنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُسْلِمِينَ بِالْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَبَادَرَ النَّاسُ إِلَى ذَلِكَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ خَرَجَ إِلَى الْمَدِينَةِ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَامْرَأَتُهُ أم سلمة، وَلَكِنَّهَا احْتَبَسَتْ دُونَهُ وَمُنِعَتْ مِنَ اللَّحَاقِ بِهِ سَنَةً، وَحِيلَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ وَلَدِهَا سلمة، ثُمَّ خَرَجَتْ بَعْدَ السَّنَةِ بِوَلَدِهَا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَشَيَّعَهَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ.
ثُمَّ خَرَجَ النَّاسُ أَرْسَالًا يَتْبَعُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَلَمْ يَبْقَ بِمَكَّةَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأبو بكر وعلي، أَقَامَا بِأَمْرِهِ لَهُمَا، وَإِلَّا مَنِ احْتَبَسَهُ الْمُشْرِكُونَ كَرْهًا، وَقَدْ أَعَدَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِهَازَهُ يَنْتَظِرُ مَتَى يُؤْمَرُ بِالْخُرُوجِ، وَأَعَدَّ أبو بكر جَهَازَهُ.
زاد المعاد في هدي خير العباد – ط الرسالة (3/ 40)
قال سعيد بن وهف القحطاني:
4 – من مواقفه الحكيمة في الأسواق والمواسم: باشر النبي صلى الله عليه وسلم دعوته في مكة بعد عودته من الطائف في شهر ذي القعدة سنة عشر من النبوة، فبدأ يذهب إلى المواسم التي تقام في الأسواق مثل: عكاظ، ومجنة، وذي مجاز وغيرها، التي تحضرها القبائل العربية للتجارة والاستماع لما يُلقى فيها من الشعر ويعرض نفسه على هذه القبائل يدعوها إلى الله- تعالى-، وجاء موسم الحج لهذه السنة فأتاهم قبيلة قبيلة يعرض عليهم الإسلام كما كان يدعوهم منذ السنة الرابعة من النبوة.
ولم يكتف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرض الإسلام على القبائل فحسب، بل كان يعرضه على الأفراد أيضًا.
وكان صلى الله عليه وسلم يرغب جميع الناس بالفلاح، فعن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه، قال: أخبرني رجل يقال له: ربيعة بن عباد، من بني الديل، وكان جاهليًا، قال: «رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في الجاهلية في سوق ذي المجاز …. الحديث
وقد كانت الأوس والخزرج يحجون كما كانت تحج العرب دون اليهود، فلما رأى الأنصار أحواله صلى الله عليه وسلم ودعوته، عرفوا أنه الذي تتوعدهم به اليهود، فأرادوا أن يسبقوهم؛ ولكنهم لم يبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم في هذه السنة، ورجعوا إلى المدينة
وفي موسم الحج من السنة الحادية عشرة من النبوة، عرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل، وبينما الرسول صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه، مر بعقبة مِنَى فوجد بها ستة نفر من شباب يثرب، فعرض عليهم الإسلام، فأجابوا دعوته ….. ثم ذكر بيعة العقبة الأولى والثانية
وقال: وبعد أن تمت بيعة العقبة الثانية ونجح النبي صلى الله عليه وسلم في تأسيس وطن للِإسلام، انتشر الخبر في مكة كثيرًا، وثبت لقريش أن النبي صلى الله عليه وسلم قد بايع أهل يثرب، فاشتد أذاهم على من أسلم في مكة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، فهاجر المسلمون، فاجتمع قريش في يوم 26 من شهر صفر سنة 14 من النبوة، وأجمعوا على قتل النبي صلى الله عليه وسلم، فأوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ ولحسن سياسته وحكمته أمر عليًّا أن يبيت في فراشه تلك الليلة فبقي المشركون ينظرون إلى عليّ من صِير الباب وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومر بأبي بكر، وهاجر إلى المدينة
وهذه المواقف العظيمة التي وقفها رسول الله صلى الله عليه وسلم دليل واضح على حكمة النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى صبره، وشجاعته، وأنه صلى الله عليه وسلم حينما علم بأن قريشًا قد طغت، ورفضت الدعوة بحث عن مكان يتخذ قاعدة للدعوة الإسلامية، ولم يكتف بذلك، بل أخذ منهم البيعة والمعاهدة على نصرة الإسلام، وتم ذلك في مؤتمرين: بيعة العقبة الأولى، ثم الثانية، وعندما وجد مكان الدعوة الذي يتخذ قاعدة لها، ووجد أنصار الدعوة أذن بالهجرة لأصحابه، وأخذ هو بالأسباب عندما تآمرت عليه قريش، وهذا لا يعتبر جبنًا، ولا فرارًا من الموت؛ ولكن يعتبر أخذًا بالأسباب مع التوكل على الله تعالى، وهذه السياسة الحكيمة من أسباب نجاح الدعوة، وهكذا ينبغي أن يكون الدعاة إلى الله، فإن النبي صلى الله عليه وسلم هو قدوتهم وإمامهم
الحكمة في الدعوة إلى الله تعالى (1/ 158)
قال السيخ حمود التويجري:
فصل [في بيان منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر]
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أوجب الأعمال وأهم أمور الدين، ولا قوام لدين الإسلام إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد حكى شيخ الإسلام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله تعالى اتفاق أئمة المسلمين على قتال الطائفة الممتنعة إذا امتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وفي مستدرك الحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال لهم ليلة العقبة: «تبايعوني على السمع والطاعة في النشاط والكسل، وعلى النفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تقولوا في الله لا تأخذكم لومة لائم» وذكر تمام الحديث قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وفي الصحيحين وغيرهما عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: بايعنا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره وعلى أثرة علينا، وإن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرًا بواحًا عندكم من الله فيه برهان وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم.
وروى ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أوصاني خليلي – صلى الله عليه وسلم – أن لا أخاف في الله لومة لائم، وأوصاني أن أقول الحق، وإن كان مرًا.
وفي المسند عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أمرني خليلي – صلى الله عليه وسلم – بسبع. فذكرها، ومنها: وأمرني أن أقول الحق، وإن كان مرًا، وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم.
وفي المسند أيضًا عن أبي ذر رضي الله عنه قال: بايعني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – خمسًا، وواثقني سبعًا وأشهد الله علي سبعًا أني لا أخاف في الله لومة لائم.
وروى الإمام أحمد أيضًا وأبو داود الطيالسي والترمذي
والحاكم في مستدركه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: «إنكم منصورون ومصيبون ومفتوح لكم فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله وليأمر بالمعروف ولينهَ عن المنكر» قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وقال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في تلخيصه.
وسيأتي حديث أبي سعيد وحديث ابن مسعود رضي الله عنهما في بيان وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بحسب القدرة.
ويأتي أيضًا الحث على القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في غير ما آية وحديث، والله الموفق.
القول المحرر في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (ص30)