215 جامع الأجوبة الفقهية ص 250
مجموعة ناصر الريسي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
ومشاركتي وضعت بجوارها(* )
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بلوغ المرام
79 – وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه – أَنَّ النَّبِيَّ – صلى الله عليه وسلم – احْتَجَمَ وَصَلَّى، وَلَمْ يَتَوَضَّأْ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَلَيَّنَهُ
————
مسألة: خروج الدم من الإنسان بالحجامة، أو الجروح.
♢- جواب ناصر الريسي:
هل ينتقض الوضوء بخروج الدم بسبب الحجامة والجروح؟
♢- تخريج حديث أنس رضي الله عنه:
قال ابن عبد الهادي: «حديث أنس لا يثبت، وسليمان بن داود مجهول، وصالح بن مقاتل ليس بالقوي -قاله الدارقطني-، وأبوه غير معروف، وقال البيهقي: في إسناد هذا الحديث ضعف». «تنقيح التحقيق» (323).
أخرجه: الدارقطني 1/ 151 – 152، والبيهقي 1/ 141.
♢- مذاهب الفقهاء في هذه المسألة:
مذهب الحنفية:
قال الإمام السرخسي في المبسوط (1/83): الحجامة توجب الوضوء وغسل موضع المحجمة عندنا خلافا للشافعي لأن الوضوء واجب بخروج النجس فإن توضأ ولم يغسل موضع المحجمة فإن كان أكثر من قدر الدرهم لم تجزه الصلاة وإن كانت دون ذلك أجزأت. انتهى
مذهب المالكية:
جاء في الشرح الكبير للدردير حاشية الدسوقي (1/114): إن نقض الوضوء يحصل بحدث وهو الخارج المعتاد قال وخرج بالمعتاد ما ليس معتادا كدم و قيح إن خرجا خالصين من الأذى، فقال إنهما لو لم يخلصا من الأذى لنقض المخالط لهما.
وبين الصفتي في حاشيته (ص35) الأذى فقال: أما الدم والقيح فإن خرج معهما عذرة أو بول انتقض الوضوء وإن خرجا خالصين من ذلك فلا نقض، وما نقلناه عن المالكية يفيد بعمومه أن دم الحجامة لا ينقض الوضوء لخلوصه من الأذى المذكور. انتهى
مذهب الشافعية:
قال الخطيب في الإقناع (1/178): “لا ينتقض الوضوء بالنجاسة الخارجة من غير الفرج كالفصد والحجامة لما روى أبو داود بإسناد صحيح أن رجلين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حرسا المسلمين في غزوة ذات الرقاع فقام أحدهما يصلى فرماه رجل من الكفار بسهم فنزعه وصلى ودمه يجرى. وعلم النبي صلى الله عليه وسلم به ولم ينكره”. انتهى
مذهب الحنابلة:
قال ابن قدامة (1/184): “إن الخارج من البدن من غير السبيل ينقسم طاهرا ونجسا، فالطاهر لا ينقض الوضوء والنجس ينقض الوضوء في الجملة رواية واحدة. وهذا القول بعمومة يتناول. دم الحجامة فهم يوافقون الأحناف في وجوب الوضوء منه”. انتهى
مذهب الظاهرية:
يقول ابن حزمة الظاهري في المحلى (1/209) مسألة 169: “لا ينتقض الوضوء برعاف ولا دم سائل من شيء من الجسد ولا بحجامة ولا فصد. وبرهان ذلك أنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا إجماع بإيجاب وضوء في شيء من ذلك”. انتهى
♢- قال ابن المنذر في الأوسط (1/ 177): “حكم الحجامة كحكم الرعاف و الدم الخارج من غير مواضع الحدث والوضوء من غير واجب في مذهب مالك واهل المدينة والشافعي واصحابه وابي ثور وغيره لا ينقض ذلك عندهم طهارة ولا يوجب وضوء غير ان المحتجم يأمر بان يغسل اثر محاجمه ثم يصلي وقد روي عن ابن عمر انه كان اذا احتجم غسل اثر محاجمه وروي ذلك عن ابن عباس وبه قال الحسن البصري وابراهيم النخعي وهو قول ربيعه ويحيي الانصاري ومالك والشافعي وابي ثور…. وفيه قول ثان وهو ان لا وضوء عليه ولا غسل اثر المحاجم روي هذا القول عن الحسن ومكحول قال الحسن ما ازيد علي تنقيه الحجام وفيه قول ثالث وهو ان يتوضأ ويغسل اثر المحاجم روي هذا القول عن بن عمر وعطاء والحسن وقتاده وكان احمد بن حنبل يقول يتوضأ منها ومن الرعاف من كل دم سائل وقال حديث مصعب بن شيبه حديث منكر واصحاب الراي يرون منها الوضوء ويغسل موضع المحجمة”. انتهى
♢- قال الإمام أحمد: “الوضوء من الحجامة حديث منكر، رواه مصعب بن شيبة وأحاديثه مناكير منها هذا الحديث، وعشرة من الفطرة”. انظر: الضعفاء الكبير (4/197).
♢- قال ابن بطال في شرح صحيح البخاري (1/273):
“وممن كان يوجب في الدم الوضوء. قال مجاهد في الخدش يخرج منه الدم: يتوضأ وإن لم يسل. وقال سعيد بن جبير: لا يتوضأ حتى يسيل. وممن أوجب الوضوء في الرعاف: سعيد بن المسيب، وعطاء، والثوري، وأبو حنيفة، وأحمد بن حنبل. وذكر ابن المنذر عن ابن عمر، والحسن، وعطاء، أنهم كانوا يرون من الحجامة الوضوء وغسل أثر المحاجم، وهو قول أبى حنيفة وأصحابه وأحمد”. انتهى
♢- قال صاحب مشارق الأنوار على صحاح الآثار (1/36):
“وفي البخاري وقال ابن عمر والحسن فيمن احتجم ليس عليه إلا غسل محاجمه كذا للبلخي وسقط للباقين إلا وإلا غسل محاجمه هو الصواب وهو مذهبهما المعروف عنهما أي أنه لا وضوء عليه من الحجامة إلا غسل مواضع المحاجم من الدم وقد روي عنهما أن عليه الوضوء وأما إسقاط إلا فوهم”. انتهى
♢- قال ابن حجر الفتح (1/ 282):
“والحسن أي البصري وأثره هذا وصله بن أبي شيبة أيضا ولفظه أنه سئل عن الرجل يحتجم ماذا عليه قال يغسل أثر محاجمه … وقد حكى عن الليث أنه قال يجزئ المحتجم أن يمسح موضع الحجامة ويصلي ولا يغسله”. انتهى
♢- قال الشيخ الألباني في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم (2/624):
“جاء عن أبي يوسف رحمه الله أنه صلى خلف هارون الرشيد وقد احتجم، وأفتاه مالك بأنه لا يتوضأ؛ فصلى خلفه أبو يوسف، ولم يُعِدْ. وكان أحمد بن حنبل يرى الوضوء من الحجامة والرُّعاف. فقيل له: ” فإن كان الإمام قد خرج منه الدم، ولم يتوضأ؛ فصلى خلفه؟ فقال: كيف لا أصلي خلف سعيد بن المسيب ومالك؟!”.
♢- واجاب الشيخ ابن باز رحمه الله في فتاوى نور على الدرب بعناية الشويعر (5/202) السؤال الحادي والعشرون من الشريط رقم (295):
س: إذا كان الإنسان على وضوء، وخرج من جسمه دم هل يبطل وضوؤه؟
ج: “إذا كان الدم يسيرا؛ الجراحات اليسيرة فهو لا يبطل، فالوضوء صحيح، أما إن كان الدم كثيرا فاختلف العلماء في ذلك، منهم من رآه يبطل الوضوء، ومنهم من رأى أنه لا يبطل الوضوء؛ لأن الأحاديث في ذلك ليست صريحة، والصريح منها ليس بصحيح، فالأحوط للمؤمن إذا كان الدم كثيرا أن يقضي الصلاة خروجا من الخلاف واحتياطا للدين، أما إن كان الدم يسيرا وخفيفا وقليلا فيعفى”. انتهى
♢- قال الشيخ ابن عثيمين في فتح ذي الجلال والإكرام (1/276):
“ومن فوائد هذا الحديث: أن الحجامة لا تنقض الوضوء لقوله: “احتجم وصلى ولم يتوضأ”، وهل يقاس عليها ما يخرج من الجروح من الصديد والماء وما أشبه ذلك؟
الجواب: نعم، يقاس عليها وأولى؛ لأن كثيرا من العلماء يقولون: عن دم الآدمي نجس، وإن الصيد الذي يخرج من جروحه ليس بنجس؛ لأنه استحال إلى صديد، وعلى هذا نقول: يلحق بها ما يخرج من الجروح من الصديد والمياه التي تخرج بسبب الاحتراق وما أشبه ذلك… فيستفاد من هذا الحديث: أن خروج الدم وإن كان كثيرا لا ينقض الوضوء، وهذا القول هو الراجح، وذهب بعض العلماء إلى أنه إذا كان كثيرا نقض الوضوء، وإن كان قليلا لم ينقض وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة – رحمهم الله-، ولكن هذا القول مرجوح، والصواب: أن جميع ما يخرج من البدن لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين أو ما كان قائما مقامه مثل أن يعالج الرجل بعملية يجعل في مثانته أنبوب يخرج منه البول، فهنا نقول: البول الخارج من المثانة عن طريق هذا الأنبوب يكون ناقضا للوضوء، وأما ما خرج – يعني: من غير البول، والغائط- فإنه لا ينقض الوضوء ولو كثر”. انتهى
وقال رحمه الله في فتاوى نور على الدرب:
“خروج الدم من الفم بعد الوضوء لا ينقض الوضوء بل لو خرج من غير الفم دم كثير أو قليل فإنه لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين القبل أو الدبر فإنه ينقض الوضوء ولكن إذا خرج الدم من الفم فإنه لا يجوز ابتلاعه لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) وليعلم أن جميع ما يخرج من البدن سوى البول والغائط والريح وهي تخرج من السبيلين أعني هذه الثلاثة فما عداها لا ينقض الوضوء قد يحتجم الإنسان فلا ينتقض وضوؤه قد يرعف أنفه فلا ينتقض وضوؤه قد تنجرح قدمه فلا ينتقض وضوؤه وذلك لأنه لا دليل على نقض الوضوء بخروج شيء من البدن سوى الخارج من السبيلين وإذا لم يكن دليل فإن الأصل بقاء الطهارة على ما هي عليه لأنها ثابته بدليل شرعي وما ثبت بدليل شرعي فإنه لا ينقض إلا بدليل شرعي”. انتهى
وقال في التعليق على رسالة حقيقة الصيام وكتاب الصيام (ص: 28):
“إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا من الجرحى أن يغسل ثيابه أو بدنه من الدم، وكذلك أيضا لم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه غسل محل الحجامة، وما أشبه ذلك، وهذا يدل على أن دم الآدمي ليس بنجس، لكن الجمهور على نجاسته، والاحتياط طيب، لكن الجزم بنجاسته، وأن الإنسان لو صلى في ثوبه وفيه دم فصلاته باطله، هذا يحتاج إلى دليل، فالمسألة ليست هينة، والقاعدة في ذلك: «ما أبين من حي فهو كميتته» ، واليد إذا قطعت من إنسان فهي طاهرة، مع أنها مملوءة دما، فإذا كانت اليد -وهي جرم مملوء بالدم- تكون طاهرة إذا انفصلت عن الإنسان، فالدم من باب أولى، ولا يرد على هذا دم الحيض؛ لأن دم الحيض ليس دم عرق، وقد فرق النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين دم العرق، حيث قال للمستحاضة: «إنما ذلك دم عرق» [أخرجه البخاري في الوضوء/باب غسل الدم (228) ؛ ومسلم في الحيض/ باب المستحاضة وغسلها وصلاتها (333) ] .
والله أعلم…
* هذه المسألة أشرنا إليها في حكم دم الرعاف فليراجع .