(2140) الى (2144) تحضير سنن أبي داود
جمع أحمد بن علي وسلطان الحمادي وعبدالله المشجري وعدنان البلوشي وعمر الشبلي وأحمد بن خالد ومحمد سيفي
_______
بَابٌ فِي حَقِّ الزَّوْجِ عَلَى الْمَرْأَةِ
(2140) – حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ، عَنْ شَرِيكٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَقُلْتُ: رَسُولُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُسْجَدَ لَهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ، فَقُلْتُ: إِنِّي أَتَيْتُ الْحِيرَةَ فَرَأَيْتُهُمْ يَسْجُدُونَ لِمَرْزُبَانٍ لَهُمْ فَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ نَسْجُدَ لَكَ، قَالَ: «أَرَأَيْتَ لَوْ مَرَرْتَ بِقَبْرِي أَكُنْتَ تَسْجُدُ لَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: «فَلَا تَفْعَلُوا، لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِأَحَدٍ لَأَمَرْتُ النِّسَاءَ أَنْ يَسْجُدْنَ لِأَزْوَاجِهِنَّ لِمَا جَعَلَ اللَّهُ لَهُمْ عَلَيْهِنَّ مِنَ الْحَقِّ»
[حكم الألباني]: صحيح دون جملة القبر
(2141) – حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الرَّازِيُّ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ، فَلَمْ تَاتِهِ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا، لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ»
[حكم الألباني]: صحيح
بَابٌ فِي حَقِّ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا
(2142) – حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، أَخْبَرَنَا أَبُو قَزَعَةَ الْبَاهِلِيُّ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ؟، قَالَ: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ صلى الله عليه وسلم (245) صلى الله عليه وسلم إِلَّا فِي الْبَيْتِ»، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: «وَلَا تُقَبِّحْ أَنْ تَقُولَ: قَبَّحَكِ اللَّهُ»
[حكم الألباني]: حسن صحيح
(2143) – حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا بَهْزُ بْنُ حَكِيمٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جَدِّي، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نِسَاؤُنَا مَا نَاتِي مِنْهُنَّ وَمَا نَذَرُ، قَالَ: «ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ، وَأَطْعِمْهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَاكْسُهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلَا تُقَبِّحِ الْوَجْهَ، وَلَا تَضْرِبْ». قَالَ أَبُو دَاوُدَ: رَوَى شُعْبَةُ «تُطْعِمُهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ»
[حكم الألباني]: حسن صحيح
(2144) – أَخْبَرَنِي أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ الْمُهَلَّبِيُّ النَّيْسَابُورِيُّ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَزِينٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ حُسَيْنٍ، عَنْ دَاوُدَ الْوَرَّاقِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، قَالَ: فَقُلْتُ: مَا تَقُولُ: فِي نِسَائِنَا قَالَ: «أَطْعِمُوهُنَّ مِمَّا تَاكُلُونَ، وَاكْسُوهُنَّ مِمَّا تَكْتَسُونَ، وَلَا تَضْرِبُوهُنَّ، وَلَا تُقَبِّحُوهُنَّ»
[حكم الألباني]: صحيح
=====
قال الخطابي:
في هذا إيجاب النفقة والكسوة لها وليس في ذلك حد معلوم، وإنما هو على المعروف وعلى قدر وسع الزوج وجِدته وإذا جعله النبي صلى الله عليه وسلم حقا لها فهولازم للزوج حضر أو غاب وإن لم يجده في وقته كان ديناً عليه إلى أن يؤديه إليها كسائر الحقوق الواجبة، وسواء فرض لها القاضي عليه أيام غيبته أو لم يفرض.
وفي قوله ولا تضرب الوجه دلالة على جواز الضرب على غير الوجه إلاّ أنه ضرب غير مبرح، وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن ضرب الوجه نهياً عاماً لا تضرب آدمياً ولا بهيمة على الوجه.
وقوله ولا تقبح معناه لا يسمعها المكروه ولا يشتمها بأن يقول قبحك الله وما أشبهه من الكلام.
وقوله لا تهجر إلاّ في البيت أي لا تهجرها إلاّ في المضجع ولا تتحول عنها أو تحولها إلى دار أخرى
[معالم السنن 3/ 221]
قال ابن رسلان:
(إذا طعمت) بفتح الطاء وكسر العين، أي: أكلت، بدليل رواية النسائي: “أطعموهن مما تأكلون” (1). والطعام يستلزم السقي، والمعنى: وتطعمها إذا طعمت وتسقها إذا شربت، قد يؤخذ منه أنها إذا أكلت معه برضاها سقطت نفقتها، ولعل المراد: يطعمها أول وقت يطعم غالب الناس فيه وهو صدر نهار كل يوم إذا طلعت الشمس؛ لأنه أول وقت الحاجة إلى الطعام، فاعتبر. قال الغزالي: لا ينبغي أن يستأثر عن أهله بمأكول طيب فلا يطعمهم منه، وهو ظاهر الحديث؛ فإن ذلك مما يوغر الصدور ويبعد عن المعاشرة بالمعروف، فإن كان لا تطيب نفسه بأكلهم منه لقلته أو لغير ذلك، فليأكله في خفية بحيث لا يعرف به أهله (2).
(وتكسوها) بفتح التاء (إذا اكتسيت) ويدل عليه رواية ابن ماجه: “ويكسوها إذا اكتسى” (3) (أو) قال: إذا (اكتسبت) بالباء الموحدة بدل المثناة، وهو شك من الراوي، والمراد بالاكتساب في هذِه الرواية ما استقر عليه ملكه من حادث بالتكسب أو موروث أو هبة ونحوها؛ لأنه مكسوب له وهو الأصل في حصوله، والسبب فيه، والواجب عليه دفع كسوة زوجته، ومذهب الشافعي (1) أنه يلزمه كسوة كل ستة أشهر أولها؛ لأنه أول وقت حاجته وحاجتها، وهذا في كسوة البدن، أما ما يبقى سنة فأكثر كالبسط والظروف والسقط فإنه يجدد في وقت تجديده، ومثله – فيما يظهر – تبييض الدست ونحوه عند الحاجة (ولا تضرب الوجه) ولا المواضع المخوفة؛ لأن المقصود التأديب لا الإتلاف، ولكن قوله: “ولا يضرب الوجه” دلالة على جواز ضربها في غير الوجه، إلا أنه ضرب غير مبرح، أي: شديد بحيث يؤلمها ولا يكسر لها عظمًا، ولا يدمي لها جسمًا.
قال ابن قدامة في “المغني”: للزوج تأديبها على ترك فرائض الله تعالى (2). وسأل إسماعيل بن سعيد أحمد بن حنبل عن ما يجوز ضرب المرأة عليه، قال على فرائض الله تعالى. وقال في الرجل له امرأة لا تصلي يضربها ضربًا رفيقًا غير مبرح.
وروى أبو محمد الخلال بإسناده عن جابر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “رحم الله عبدًا علق في بيته سوطًا يؤدب أهله”، فإن لم تصلي فقد قال أحمد: أخشى أن لا يحل للرجل أن يقيم [مع] (3) امرأة لا تصلي ولا تغتسل من الجنابة ولا تتعلم القرآن (1) (ولا تقبح) أي: لا يقول: قبحك الله، من القبح وهو الإبعاد، ولا يقول: قبح الله وجهك، ولا ينسبه ولا شيئًا من بدنها إلى القبح الذي هو ضد الحسن؛ لأن الله صور وجهها وجسمها، وأحسن كل شيء خلقه، وذم الصنعة يعود إلى مذمة الصانع، وهذا نظير كونه صلى الله عليه وسلم ما عاب طعامًا ولا شيئًا قط، وإذا امتنع التقبيح امتنع الشتم والسب واللعن بطريق الأولى (ولا تهجر) ها (إلا في البيت) أي: المضجع، وإذا هجرها فله أن يهجرها من ليلة إلى ثلاث، قاله القرطبي والغزالي (2) كما قال تعالى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} (3)، وعن ابن عباس: الهجر في المضاجع هو أن يضاجعها ويوليها ظهره أو يتحول عنها إلى مضجع آخر، ولا يحولها إلى دار أخرى؛ فإن الزوج إذا أعرض عن فراشها فإن كانت تحب الزوج يشق عليها فترجع للإصلاح، وإن كانت مبغضة يظهر النشوز منها (4)
[2143] (ثنا) محمد (بن بشار) بندار (ثنا يحيى بن سعيد) القطان (ثنا بهز بن حكيم) قال (حدثني أبي) حكيم بن معاوية (عن جدي) معاوية بن حيدة القشيري.
(قال: قلت: يا رسول الله نساؤنا) أي: أزواجنا (ما نأتي منها) قال بعضهم: صوابه: منهن؛ لأنه ضمير النساء، والظاهر أن المراد بالنساء الجنس، فأعاد الضمير على الواحدة من الجنس (وما نذر) أي: ما نستمتع من الزوجة وما نتركه (قال) هي حرثك و (ائت حرثك) الحرث بمعنى المحترث، وذكر الحرث يدل على أن الإتيان في غير المأتى حرام؛ لأن (. . .) (1) بالمزروع، أي من مزرع الذرية، ولفظ الحرث يعطي أن الإباحة لم تقع إلا في القبل؛ إذ هو المزرع، ففرج المرأة كالأرض، والنطفة كالبذر، والولد كالنبات (أنى شئت) معناه عند جمهور الصحابة والتابعين وأئمة الفتوى: من أي وجه شئتم مقبلة ومدبرة وباركة ومستقبلة ومضطجعة (وأطعمها) بفتح الهمزة (إذا طعمت) وهذا أمر إرشاد يدل على أن من كمال المروءة أن يطعمها كل ما أكل، ويكسوها إذا اكتسى، وفي الحديث إشارة إلى أن أكله يقدم على أكلها، وأنه يبدأ في الأكل قبلها، وحقه في الأكل والكسوة مقدم عليها: ابدأ بنفسك ثم بمن تعول (2) (واكسها) بوصل الهمزة وضم السين، ويجوز كسرها، والاسم منه كسوة بضم الكاف وكسرها (إذا اكتسيت، ولا تقبح) بتشديد الموحدة (الوجه) تقدم.
(ولا تضرب) لغير نشوز كما سيأتي (قال المصنف: روى شعبة) عن أبي قزعة الباهلي بلفظ: أن (تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت) ولفظ ابن ماجه: “أن يطعمها إذا طعم، ويكسوها إذا اكتسى” (3)
(عن سعيد بن حكيم) أخي بهز (بن معاوية، عن أبيه) حكيم (عن جده معاوية) بن حيدة (القشيري قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فقال: ما تقول في نسائنا) وفي حقوقهن علينا؟ (قال: أطعموهن مما تأكلون) أي: من جنس ما يأكله غالب أهل البلد، كما قال أصحابنا (2) وغيرهم: يجب للمرأة أدم غالب البلد كزيت وسمن وخل، فإن لم يكن في البلد فيجب ما يليق بحال الزوج، وكذا يجب المشروب، ويكون المشروب إمتاعًا حتى لو مضت عليه مدة ولم يشربه لم يملكه (واكسوهن مما) جنس (تكسون) منه …
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 9/ 470]
قال ابن عثيمين:
يعني لا تخص نفسك بالكسوة دونها، ولا بالطعام دونها؛ بل هي شريكة لك يجب عليك أن تنفق عليها كما تنفق على نفسك، حتى إن كثيراً من العلماء يقول: إذا لم ينفق الرجل على زوجته وطالبت بالفسخ عند القاضي؛ فللقاضي أن يفسخ النكاح؛ لأنه قصر بحقها الواجب لها.
قال ((ولا تضرب الوجه ولا تقبح)) فلا تضربها إلا لسبب وإذا ضربتها فاجتنب الوجه وليكن ضرباً غير مبرح
وقد سبق لنا أن الإنسان إذا رأى من امرأته نشوزاً وترفعاً عليه، وأنها لا تقوم بحقه؛ وعظها أولاً، ثم هجرها في المضجع، ثم ضربها ضرباً غير مبرح فإذا حق له أن يضربها لوجود السبب، فإنه لا يضرب الوجه.
وكذلك غير الزوجة لا يضرب على الوجه، فالابن إذا أخطأ لا يضرب على الوجه؛ لأن الوجه أشرف ما في الإنسان، وهو واجهه البدن كله، فإذا ضرب كان أذل للإنسان مما لو ضرب غير وجهه، يعني يضرب الرجل على كتفه، على عضده، على ظهره؛ فلا يرى بذلك أنه استدل كما لو ضربته على وجهه، ولهذا نهي عن ضرب الوجه وعن تقبيح الوجه.
قوله: ((لا تقبح)) يعني لا تقل: أنت قبيحة، أو قبح الله وجهك، ويشمل النهي عن التقبيح: النهي عن التقبيح الحسي والمعنوي، فلا يقبحها مثل أن يقول: أنت من قبيلة رديئة، أو من عائلة سيئة، أو ما أشبه ذلك. كل هذا من التقبيح الذي نهى الله عنه.
قال: ((ولا تهجرها إلا في البيت)) يعني إذا وجد سبب الهجر فلا تهجرها علناً وتظهر للناس أنك هجرتها.
اهجرها في البيت؛ لأنه ربما تهجرها اليوم وتتصالح معها في الغد فتكون حالكما مستورة، لكن إذا ظهرت حالكما للناس بأن قمت بنشر ذلك والتحدث به كان هذا خطأ، اهجرها في البيت، ولا يطلع على هجرك أحد، حتى إذا اصطلحت معها رجع كل شيء على ما يرام، دون أن يطلع عليه أحد من الناس
[شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 3/ 131]
قال العباد:
شرح حديث (ما حق زوجة أحدنا عليه)
قال المصنف رحمه الله تعالى: [باب في حق المرأة على زوجها.
حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد أخبرنا أبو قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه رضي الله عنه قال: قلت: (يا رسول الله! ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت -أو: اكتسبت- ولا تضرب الوجه، ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت).
قال أبو داود: ولا تقبح: أن تقول: قبحك الله].
أورد أبو داود هذه الترجمة، وهي [باب في حق المرأة على زوجها] وهي عكس الترجمة السابقة في حق الزوج على المرأة، فهنا حق المرأة على الزوج.
وحق المرأة على الزوج أنه يطعمها ويكسوها ويعاشرها بالمعروف، هذا هو حق الزوجة على زوجها.
وأورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة القشيري رضي الله عنه أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال: [ما حق زوجة أحدنا عليه].
وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحرص على معرفة الأحكام والواجبات عليهم حتى يقوموا بتأديتها وحتى يقوموا بما هو مطلوب منهم فيها؛ لأنه سأل عما يجب للزوجات على الأزواج، حتى يقوم الأزواج بتأدية ذلك الحق الذي عليهم.
وهذا يدل على ما كانوا عليه من الحرص على معرفة ما هو واجب عليهم وما هو مطلوب منهم حتى يؤدوه ويقوموا بإيصاله إلى من يستحقه.
فبين له عليه الصلاة والسلام فقال: [(أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت -أو: اكتسبت- ولا تضرب الوجه)] يعني: إذا ضرب الضرب السائغ الذي هو مأذون له فيه فإنه لا يضرب الوجه، وذلك لأن الوجه فيه العينان وفيه الأنف وفيه الأذنان وفيه الفم واللسان، فيترتب على ذلك تعطيل شيء من هذه المنافع إذا حصل التعدي على المرأة بالضرب في وجهها.
ثم إن الوجه لا يضرب في جميع الأحوال، وذلك في حق الرجال وحق النساء، والحديث هو في معاملة الرجال للنساء، ولكنه يشمل غير النساء، كما في تأديب الأولاد ونحو ذلك، فيتقى الوجه لما يخشى أن يترتب على ضربه من تعطيل المنافع التي فيه.
وعليه فإنه يقال للاعبي الملاكمة: لا تضربوا الوجوه، فالنهي عام يشمل كل الأحوال، ومنها الأمور الرياضية.
وقد جاء في الحديث تعليل ذلك بأن الله تعالى خلق آدم على صورته، وهذا الحديث اختلف في تفسيره على أقوال، منها أن الضمير يرجع إلى الله، وأن المقصود منه أنه متكلم سميع بصير، وإن كان ما يضاف إلى الله عز وجل يختلف عما يضاف إلى المخلوقين.
وقيل: إن الضمير يرجع إلى آدم، وهو أنه خلق أول ما خلق على هيئته التي هو عليها طوله ستون ذراعاً، ولم يكن خلق على هيئة صغيرة وكبر شيئاً فشيئاً كما تنمو ذريته، وإنما خلق أول ما خلق وطوله ستون ذراعاً، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والمشهور عند علماء أهل السنة وعند أهل الحديث أن الضمير يرجع إلى الله، وأن الله عز وجل يوصف بأن له صورة، ولكن تلك الصورة هي على الوجه اللائق بكماله وجلاله، والله تعالى لا يشابه المخلوقين في صفاتهم، والمخلوقون لا يشابهون الله عز وجل في صفاته، بل صفات الباري تليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوقين تليق بضعفهم وافتقارهم، والصورة هي الصفة.
[ولا تقبح] أي: بأن يخاطبها بما هو قبيح وبما هو غير لائق، ومن ذلك أن يقول: قبحك الله.
فإن التقبيح يدخل فيه (قبحك الله) ويدخل فيه كل وصف لا يليق ولو كان غير لفظ التقبيح.
قوله: [(ولا تهجر إلا في البيت)].
يعني: عندما يهجر الإنسان امرأته الهجر المشروع الذي يسوغ له فإنه لا يهجر إلا في البيت، وليس معنى ذلك أنه يهجر البيت فلا يأتي إليها في البيت، وإنما المعنى أنه يكون معها ولكنه يهجرها في المضجع، فلا يجامعها تأديباً لها إذا كان الأمر يقتضي ذلك.
وقوله: [(أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت)] ليس معناه أنه لا يطعمها إلا إذا طعم، ولا يلبسها إلا إذا لبس هو، بل المراد أنه كما يطعم نفسه ويلبس نفسه فإنه يطعمها ويكسوها، وليس بلازم أنه لا يكون ذلك إلا عندما يفعله هو، وإنما يقدم لها الشيء المطلوب منه الواجب لها عليه.
ومعلوم أنه غالباً ما يأكل أهل البيت في وقت واحد، فليس المعنى أنه لابد من أن يكون هذا مع هذا.
فالمهم أن يحصل لها الطعام وتقدم لها النفقة وتقدم لها الكسوة، أو تعطى النقود التي تشتري بها ما تحتاج إليه من الكسوة، فالمهم أن يكسوها ويطعمها.
وحد ذلك هو المعروف، فالنفقة بالمعروف، وكل بحسبه، كما قال الله عز وجل: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق:7].
والنفقة حق واجب على الزوج لزوجته حضر أو غاب، فإذا لم يجد الزوج في وقت فأنفقت المرأة على نفسها أو اقترضت لتنفق على نفسها فإن الزوج يلزم بدفع ما اقترضته أو ما أنفقته على نفسها
[شرح سنن أبي داود للعباد 246/ 8 بترقيم الشاملة آليا]
أورد الإمام أبو داود هنا [باب في حق الزوج على المرأة] يعني حق الزوج على زوجته، ثم ذكر بعد ذلك العكس، أي: حق الزوجة على زوجها.
وكل من الزوجين له على الآخر حقوق، وقد جاءت السنة ببيان ذلك، وقد بدأ المصنف بحق الزوج على امرأته، وهذا الحق هو أنها تسمع له وتطيع فيما هو له في غير معصية، وتقوم بشئون بيته وتربية أولاده في بيته والقرار في بيته وعدم الخروج إلا بإذنه، وغير ذلك من الأمور التي هي مطلوبة من النساء للرجال.
وقد بدأ أبو داود بحديث قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه الذي فيه بيان عظيم حق الزوج على زوجته، وأن الأمر عظيم؛ إذ بين صلى الله عليه وسلم أنه لو كان آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمر الزوجة أن تسجد لزوجها، وذلك لعظيم حقه عليها، وهذا يدلنا على عظم حق الزوج على الزوجة، وأن على الزوجة أن تحرص على تأدية ذلك الحق العظيم الذي بين النبي صلى الله عليه وسلم عظيم شأنه بأنه لو كان آمرًا أحدًا من البشر أن يسجد لأحد من البشر لأمر الزوجات أن يسجدن لأزواجهن، والسجود لا يكون إلا لله عزوجل، ولكن هذا فيه بيان عظيم شأن حق الزوج على زوجته.
فـ قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنه ذكر أنه جاء الحيرة -وهي بلدة من بلاد فارس- فرآهم يسجدون لمرزبان لهم، والمرزبان هو الزعيم والكبير والقائد والمرجع، فلما رأى أن هذا يكون من المخلوقين للمخلوق قال: أحق من يفعل ذلك معه من المخلوقين هو رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بهذا الذي شاهده وبهذا الذي رآه، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال له: [(أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟)] قال: قلت: لا.
قال: [(فلا تفعلوا، لو كنت آمرًا أحد أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن، لما جعل الله لهم عليهن من الحق)].
يعني: للرجال على النساء وللأزواج على الزوجات من الحق، أي: من عظيم الحق.
فذلك الحق عظيم، يدل على عظمه هذا الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن أمر لا يكون؛ أنه لو كان سائغًا لكان الأولى والأحق به الزوج.
والحديث فيه هذه الجملة التي فيها [(أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له؟)] ولم تأت من غير هذا الطريق، وهذا الطريق فيه شريك بن عبد الله النخعي الكوفي، وهو صدوق يخطئ كثيرًا، وساء حفظه لما ولي القضاء، فهي مما تفرد به ولم يتابع عليه، فتكون غير صحيحة.
وأما باقي الحديث فقد جاءت أحاديث أخرى تدل على ما دل عليه.
وأما ما يفعله بعض الناس الجهلة عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم بدعوى المحبة والتعظيم فهو غير صحيح وغير جائز.
والمحبة تكون باتباع الرسول صلى الله عليه وسلم والسير على منهاجه واتباع سنته وعدم الخروج عليها وعدم مخالفتها، والنبي صلى الله عليه وسلم ما جاء عنه شيء يدل على ذلك، فتعظيمه يكون بمحبته واتباعه والسير على منهاجه وامتثال أوامره واجتناب نواهيه وتصديق أخباره، وأن لا يعبد الله إلا وفقًا لما جاء به صلى الله عليه وسلم ، هذا هو الذي يجب ويتعين، ولا يجوز تجاوز الحد بأن يصرف للرسول صلى الله عليه وسلم شيء لا يجوز صرفه له، مثل الركوع أو السجود أو الصلاة إلى قبره وما إلى ذلك، فكل ذلك غير سائغ وغير جائز.
شرح سنن أبي داود للعباد (246) / (2) — عبد المحسن العباد
وأورد أبو داود حديث معاوية بن حيدة القشيري أنه سأل الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقال: [ما حق زوجة أحدنا عليه].
وهذا يدلنا على ما كان عليه أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم من الحرص على معرفة الأحكام والواجبات عليهم حتى يقوموا بتأديتها وحتى يقوموا بما هو مطلوب منهم فيها؛ لأنه سأل عما يجب للزوجات على الأزواج، حتى يقوم الأزواج بتأدية ذلك الحق الذي عليهم.
وهذا يدل على ما كانوا عليه من الحرص على معرفة ما هو واجب عليهم وما هو مطلوب منهم حتى يؤدوه ويقوموا بإيصاله إلى من يستحقه.
فبين له صلى الله عليه فقال: [(أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت -أو: اكتسبت- ولا تضرب الوجه)] يعني: إذا ضرب الضرب السائغ الذي هو مأذون له فيه فإنه لا يضرب الوجه، وذلك لأن الوجه فيه العينان وفيه الأنف وفيه الأذنان وفيه الفم واللسان، فيترتب على ذلك تعطيل شيء من هذه المنافع إذا حصل التعدي على المرأة بالضرب في وجهها.
ثم إن الوجه لا يضرب في جميع الأحوال، وذلك في حق الرجال وحق النساء، والحديث هو في معاملة الرجال للنساء، ولكنه يشمل غير النساء، كما في تأديب الأولاد ونحو ذلك، فيتقى الوجه لما يخشى أن يترتب على ضربه من تعطيل المنافع التي فيه.
وعليه فإنه يقال للاعبي الملاكمة: لا تضربوا الوجوه، فالنهي عام يشمل كل الأحوال، ومنها الأمور الرياضية.
وقد جاء في الحديث تعليل ذلك بأن الله تعالى خلق آدم على صورته، وهذا الحديث اختلف في تفسيره على أقوال، منها أن الضمير يرجع إلى الله، وأن المقصود منه أنه متكلم سميع بصير، وإن كان ما يضاف إلى الله عزوجل يختلف عما يضاف إلى المخلوقين.
وقيل: إن الضمير يرجع إلى آدم، وهو أنه خلق أول ما خلق على هيئته التي هو عليها طوله ستون ذراعًا، ولم يكن خلق على هيئة صغيرة وكبر شيئًا فشيئًا كما تنمو ذريته، وإنما خلق أول ما خلق وطوله ستون ذراعًا، كما جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والمشهور عند علماء أهل السنة وعند أهل الحديث أن الضمير يرجع إلى الله، وأن الله عزوجل يوصف بأن له صورة، ولكن تلك الصورة هي على الوجه اللائق بكماله وجلاله، والله تعالى لا يشابه المخلوقين في صفاتهم، والمخلوقون لا يشابهون الله عزوجل في صفاته، بل صفات الباري تليق بكماله وجلاله، وصفات المخلوقين تليق بضعفهم وافتقارهم، والصورة هي الصفة.
[ولا تقبح] أي: بأن يخاطبها بما هو قبيح وبما هو غير لائق، ومن ذلك أن يقول: قبحك الله.
فإن التقبيح يدخل فيه (قبحك الله) ويدخل فيه كل وصف لا يليق ولو كان غير لفظ التقبيح.
قوله: [(ولا تهجر إلا في البيت)].
يعني: عندما يهجر الإنسان امرأته الهجر المشروع الذي يسوغ له فإنه لا يهجر إلا في البيت، وليس معنى ذلك أنه يهجر البيت فلا يأتي إليها في البيت، وإنما المعنى أنه يكون معها ولكنه يهجرها في المضجع، فلا يجامعها تأديبًا لها إذا كان الأمر يقتضي ذلك.
وقوله: [(أن تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت)] ليس معناه أنه لا يطعمها إلا إذا طعم، ولا يلبسها إلا إذا لبس هو، بل المراد أنه كما يطعم نفسه ويلبس نفسه فإنه يطعمها ويكسوها، وليس بلازم أنه لا يكون ذلك إلا عندما يفعله هو، وإنما يقدم لها الشيء المطلوب منه الواجب لها عليه.
ومعلوم أنه غالبًا ما يأكل أهل البيت في وقت واحد، فليس المعنى أنه لابد من أن يكون هذا مع هذا.
فالمهم أن يحصل لها الطعام وتقدم لها النفقة وتقدم لها الكسوة، أو تعطى النقود التي تشتري بها ما تحتاج إليه من الكسوة، فالمهم أن يكسوها ويطعمها.
وحد ذلك هو المعروف، فالنفقة بالمعروف، وكل بحسبه، كما قال الله عزوجل: {لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: (7)].
والنفقة حق واجب على الزوج لزوجته حضر أو غاب، فإذا لم يجد الزوج في وقت فأنفقت المرأة على نفسها أو اقترضت لتنفق على نفسها فإن الزوج يلزم بدفع ما اقترضته أو ما أنفقته على نفسها.
شرح سنن أبي داود للعباد (246) / (8) — عبد المحسن العباد
وهنا سأله معاوية «ما حق امرأة أحدنا عليه؟ قال: «أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت» يعني لا تخص نفسك بالكسوة دونها، ولا بالطعام دونها؛ بل هي شريكة لك يجب عليك أن تنفق عليها كما تنفق على نفسك، حتى إن كثيرًا من العلماء يقول: إذا لم ينفق الرجل على زوجته وطالبت بالفسخ عند القاضي؛ فللقاضي أن يفسخ النكاح؛ لأنه قصر بحقها الواجب لها.
قال «ولا تضرب الوجه ولا تقبح» فلا تضربها إلا لسبب وإذا ضربتها فاجتنب الوجه وليكن ضربًا غير مبرح.
وقد سبق لنا أن الإنسان إذا رأى من امرأته نشوزًا وترفعًا عليه، وأنها لا تقوم بحقه؛ وعظها أولًا، ثم هجرها في المضجع، ثم ضربها ضربًا غير مبرح فإذا حق له أن يضربها لوجود السبب، فإنه لا يضرب الوجه.
وكذلك غير الزوجة لا يضرب على الوجه، فالابن إذا أخطأ لا يضرب على الوجه؛ لأن الوجه أشرف ما في الإنسان، وهو واجهه البدن كله، فإذا ضرب كان أذل للإنسان مما لو ضرب غير وجهه، يعني يضرب الرجل على كتفه، على عضده، على ظهره؛ فلا يرى بذلك أنه استدل كما لو ضربته على وجهه، ولهذا نهي عن ضرب الوجه وعن تقبيح الوجه.
قوله: «لا تقبح» يعني لا تقل: أنت قبيحة، أو قبح الله وجهك، ويشمل النهي عن التقبيح: النهي عن التقبيح الحسي والمعنوي، فلا يقبحها مثل أن يقول: أنت من قبيلة رديئة، أو من عائلة سيئة، أو ما أشبه ذلك. كل هذا من التقبيح الذي نهى الله عنه.
قال: «ولا تهجرها إلا في البيت» يعني إذا وجد سبب الهجر فلا تهجرها علنًا وتظهر للناس أنك هجرتها.
اهجرها في البيت؛ لأنه ربما تهجرها اليوم وتتصالح معها في الغد فتكون حالكما مستورة، لكن إذا ظهرت حالكما للناس بأن قمت بنشر ذلك والتحدث به كان هذا خطأ، اهجرها في البيت، ولا يطلع على هجرك أحد، حتى إذا اصطلحت معها رجع كل شيء على ما يرام، دون أن يطلع عليه أحد من الناس.
شرح رياض الصالحين (131) / (3) – ابن عثيمين
فالحاصل أن الرجال هم القوامون على النساء بما فضل الله به بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، وهذا وجه آخر للقوامة على النساء، وهو أن الرجل هو الذي ينفق على المرأة، وهو المطالب بذلك، وهو صاحب البيت، وليس المرأة هي التي تنفق.
وهذه إشارة إلى أن أصحاب الكسب الذين يكسبون ويعملون هم الرجال، أما المرأة فصناعتها بيتها، تبق في بيتها تصلح أحوال زوجها، وأحوال أولادها، وأحوال البيت، هذه وظيفتها، أما أن تشارك الرجال بالكسب وطلب الرزق ثم بالتالي تكون هي المنفقة عليه؛ فهذا خلاف الفطرة وخلاف الشريعة، فالله تعالى يقول: (وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ) فصاحب الإنفاق هو الرجل.
شرح رياض الصالحين (140) / (3) – ابن عثيمين
(65) – بَاب لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقٌّ قَالَهُ أَبُو جُحَيْفَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم
/ (88) – فيه: عَبْدُاللَّهِ بْنُ عَمْرِو، قال النَّبِىّ، صلى الله عليه وسلم: (يَا عَبْدَاللَّهِ، أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ النَّهَارَ، وَتَقُومُ اللَّيْلَ)؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: (فَلا تَفْعَلْ، صُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ، فَإِنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، وَإِنَّ لِزَوْجِكَ عَلَيْكَ حَقًّا). لما ذكر فى الباب قبل هذا حق الزوج على المرأة، ذكر فى هذا الباب حق المرأة على الزوج، وأنه لا ينبغى له أن يجحف نفسه فى العبادة حتى يضعف عن القيام بحق أهله من جماعها والكسب عليها. واختلف العلماء فى الرجل يشتغل بالعبادة عن حقوق أهله، فقال
مالك: إذا كف عن جماع أهله من غير ضرورة لا يترك حتى يجامع أو يفارق على ما أحب أو كره؛ لأنه مضار بها. وقال أبو حنيفة وأصحابه: يؤمر أن يبيت عندها ويفطر لها. وقال الشافعى: لا يفرض عليه من الجماع شاء بعينه وإنما تفرض لها النفقة والكسوة والسكنى، وأن يأوى إليها. وقال الثورى: إذا شكت المرأة أنه لا يأتيها زوجها له ثلاثة أيام ولها يوم وليلة، وبه قال أبو ثور. وقال ابن المنذر: وأعلى ما فى هذا الباب قول الثورى قياسًا على ما أباح الله للرجال من اتخاذ أربع نسوة. وروى عبد الرزاق، عن الثورى، عن مالك بن مغول، عن الشعبى، قال: جاءت امرأة إلى عمر، فقالت: يا أمير المؤمنين، زوجى خير الناس يصوم النهار ويقوم الليل، فقال عمر: لقد أحسنت الثناء على زوجك، فقال كعب بن سوار: لقد اشتكت فأعرضت الشكية، فقال عمر: اخرج من مقالتك، قال: أرى أن ينزل بمنزلة رجل له أربع نسوة له ثلاثة أيام ولياليها، ولها يوم وليلة. وروى ابن عيينة، عن زكريا، عن الشعبى، أن عمر قال لكعب: فإذا فهمت ذلك فاقض بينهما، فقال: يا أمير المؤمنين، أحل الله من النساء مثنى وثلاث ورباع، فلها من كل أربعة أيام يوم يفطر ويقيم عندها، ولها من كل أربع ليال ليلة يبيت عندها، فأمر عمر الزوج بذلك.
شرح صحيح البخاري – ابن بطال (7) / (320)
قال المهلب: إنما استحق النساء النار بكفرانهن العشير من أجل أنهن يكثرن ذلك الدهر كله، ألا ترى أن النبى، صلى الله عليه وسلم، قد فسره، فقال: (لو أحسنت إلى إحداهن الدهر)، لجازت ذلك بالكفران الدهر كله، فغلب استيلاء الكفران على دهرها، فكأنها مصرة أبدًا على الكفر، والإصرار من أكبر أسباب النار. وفى هذا الحديث تعظيم حق الزوج على المرأة، وأنه يجب عليها شكره والاعتراف بفضله؛ لستره لها وصيانته وقيامه بمؤنتها وبذله نفسه فى ذلك، ومن أجل هذا فضل الله الرجال على النساء فى غير موضع من كتابه، فقال: (الرجال قوامون على النساء بما فضل) [النساء: (34)] الآية، وقال: (وللرجال عليهن درجة) [البقرة: (228)]، وقد أمر صلى الله عليه وسلم من أسديت إليه نعمة أن يشكرها، فكيف نعم الزوج التى لا تنفك المرأة منها دهرها كله؟ وقد قال بعض العلماء: شكر الإنعام فرض. واحتج بقوله صلى الله عليه وسلم: (من أسديت إليه نعمة فليشكرها)، وبقوله: (أن اشكر لى ولوالديك) [لقمان: (14)]، فقرن بشكره شكر الآباء، قال: فكذلك
شكر غيرهم واجب، وقد يكون شكر النعمة فى نشرها، ويكون فى أقل من ذلك، فيجزئ فيه الإقرار بالنعمة والمعرفة بقدر الحاجة.
شرح صحيح البخاري – ابن بطال (7) / (319)
(67) – بَاب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ (إِلَى قَوْلِهِ: (واضربوهن) [النساء (34)]
/ (90) – فيه: أَنَس، آلَى النَّبِىّ صلى الله عليه وسلم مِنْ نِسَائِهِ شَهْرًا، فَقَعَدَ فِى مَشْرُبَةٍ لَهُ، فَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فقَالَ: (الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ). قال المهلب: معنى هذا الباب أن الله تعالى أباح هجران الأزواج عند نشوزهن، ورخص فى ذلك عند ذنب أو معصية تكون منهن. وقال أهل التفسير فى قوله تعالى: (واللاتى تخافون نشوزهن) [النساء: (34)]، يعنى معصيتهن لأزواجهن، وأصل النشوز الارتفاع، فنشوز المرأة ارتفاعها عن حق زوجها، ففسر النبى صلى الله عليه وسلم مقدار ذلك الهجران بإيلائه شهرًا حين أسر النبى صلى الله عليه وسلم إلى حفصة، فأفشته إلى عائشة وتظاهرتا عليه.
قيل: إنه أصاب جاريته مارية فى بيت حفصة ويومها. وقال الزجاج: فى يوم عائشة، وسألها أن تكتمه، فأخبرت به عائشة. وقيل: إنه شرب عسلًا عند زينب، وذلك الهجران لا يبلغ به الأربعة الأشهر التى ضربها الله أجل إعذار للمؤالى، وأمر الله أن يبدأ النساء بالموعظة أولا ثم بالهجران بعد ذلك، فإن لم ينجعا فيها، فالضرب ولكن يكون الضرب غير مبرح، وقوله: (بما فضل الله بعضهم على بعض) [النساء: (34)]، يعنى بما فضل الله به الرجال من القوة على الكسب بالحرث وغيرها، وبما أنفقوا من أموالهم فى المهور وغيرها، فهذا يوجب نفقة الرجال على النساء
شرح صحيح البخاري – ابن بطال (7) / (322)