213 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
قال الشيخ مقبل:
213 – قال أبو داود رحمه الله (ج 10 ص 121): حدثنا قتيبة أخبرنا إسماعيل يعني ابن جعفر عن داود بن بكر بن أبي الفرات عن محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم «ما أسكر كثيره فقليله حرام».
هذا حديث حسنٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا داود بن بكر، وهو حسن الحديث.
الحديث أخرجه الترمذي (ج 5 ص 605) وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من حديث جابر.
وأخرجه ابن ماجه (ج 2 ص 1125).
وقال ابن حبان رحمه الله (ج 7 ص 378): أخبرنا حاجب بن أركين الحافظ بدمشق، قال: حدثنا رزق الله بن موسى، قال: حدثنا أنس بن عياض، قال: حدثنا موسى بن عقبة، عن محمد بن المنكدر به.
وهذا سند صحيح، فحاجب بن أركين هو حاجب بن مالك بن أركين، وثَّقه الخطيب، وقال الدارقطني: لا بأس به، كما في “تهذيب تاريخ دمشق”.
ورزق الله بن موسى ترجمته في “تهذيب التهذيب”، قال الخطيب: كان ثقة. فعلى هذا فالحديث صحيحٌ، والحمد لله.
——–
راجع 261 عون الصمد شرح الذيل والمتمم له على الصحيح المسند
مسند أحمد
12099 – حدثنا عبد الله بن إدريس قال: سمعت المختار بن فلفل قال: سألت أنس بن مالك عن الشرب في الأوعية، فقال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المزفتة، وقال: ” كل مسكر حرام “، قال: قلت: وما المزفتة؟ قال: ” المقيرة “. قال: قلت: فالرصاص والقارورة؟ قال: ” ما بأس بهما ” قال: قلت: فإن ناسا يكرهونهما، قال: ” دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن كل مسكر حرام “. قال: قلت له: صدقت السكر حرام، فالشربة والشربتان، على طعامنا. قال: ” ما أسكر كثيره، فقليله حرام “، وقال: ” الخمر من العنب، والتمر، والعسل، والحنطة، والشعير، والذرة، فما خمرت من ذلك فهي الخمر ”
قلت سيف: هو على شرط الذيل على الصحيح المسند
قال ابن رجب إسناد على شرط مسلم وكذا ابن حجر وهو في المقصد في زوائد أحمد
وأورده البزار موقوفا على أنس الكشف 2920 وإسناده حسن ولا يعل المرفوع
وراجع شرح الحديث رقم 1555 من الصحيح المسند:
– قال الإمام أبو محمد عبدالله بن عبدالرحمن الدارمي رحمه الله: حدثنا زيد بن يحيى حدثنا محمد بن راشد عن أبي وهب الكلاعي عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن أول ما يكفأ قال زيد يعني الإسلام كما يكفأ الإناء كفي الخمر فقيل فكيف يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد بين الله فيها ما بين؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمونها بغير اسمها فيستحلونها.
هذا حديث صحيح.
وراجع الصحيح المسند:
1599 – قال الإمام أبو داود رحمه الله: حدثنا مسدد وموسى بن إسمعيل قالا حدثنا مهدي يعني ابن ميمون حدثنا أبو عثمان قال موسى وهو عمرو بن سلم الأنصاري عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت
سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف منه حرام.
هذا حديث صحيح.
قال الخطابي:
قوله كل مسكر خمر يتأول على وجهين أحدهما أن الخمر اسم لكل ما وجد فيه السكر من الأشربة كلها؛ ومن ذهب إلى هذا زعم أن للشريعة أن تحدث الأسماء بعد أن لم تكن. كما لها أن تضع الأحكام بعد أن لم تكن.
والوجه الآخر أن يكون معناه أنه كالخمر في الحرمة ووجوب الحد على شاربه وإن لم يكن عين الخمر، وإنما ألحق بالخمر حكماً إذ كان في معناها. وهذا كما جعل النباش في حكم السارق والمتلوط في حكم الزاني وإن كان كل واحد منهما يختص في اللغة باسم غير الزنى وغير السرقة.
وقوله من مات وهو يشرب الخمر يدمنها فإن مدمن الخمر هو الذي يتخذها ويعاقرها، وقال النضر بن شميل من شرب الخمر إذا وجدها فهو مدمن للخمر وإن لم يتخذها.
وقوله لم يشربها في الآخرة معناه لم يدخل الجنة لأن شراب أهل الجنة خمر إلاّ أنه لا غول فيها ولا نزف …
هذا أوضح البيان أن الحرمة شاملة لأجزاء المسكر وأن قليله ككثيره في الحرمة، والاسكار في هذا الحديث وإن كان مضافاً إلى كثيره فان قليله مسكر على سبيل التعاون كالزعفران يطرح اليسير منه في الماء فلا يصبغه حتى إذا أمدَّ بجزء بعد جزء منه فإذا كثر ظهر لونه وكان الصبغ والتلوين مضافاً إلى جميع أجزائه على سبيل التعاون.
وتأوله بعضهم تأولاً فاسداً فقال إنما وقعت الإشارة بقول فقليله حرام إلى الشربة الآخرة أو إلى الجرعة التي يحدث السكر عقيب شربها لأن الفعل إنما يضاف إلى سببه وسبب السكر هو الشربة الآخرة التي حدث السكر على أثرها لا ما تقدمها منه حين السكر معدوم.
قلت وهذا تأويل فاسد إذ كان مستحيلاً في العقول وشهادات المعارف أن يعجز كثير الشيء عما يقدر عليه قليله. ولو كان الأمر على ما زعموه لكان لقائل أن يقول إن الله حرم علينا شيئاً لم يجعل لنا طريقاً إلى معرفة عينه لأن الشارب لا يعلم متى يقع السكر به ومن أي أجزاء الشراب يحدث فيه وهذا فاسد لا وجه له، ولو توهمنا الجزء الآخر مشروباً مفرداً عن غيره غير مضاف ولا مجموع إلى ما تقدمها لم يتوهم وجود السكر فيه حين انضم إلى سائر الأجزاء توهمنا وجوده فعلمنا أن السكر إنما حصل بمجموع أجزائه والله أعلم
معالم السنن (4/ 264)
قال ابن عبدالبر في الاستذكار:
وَاخْتَلَفُوا فِي النَّبِيذِ الصُّلْبِ الشَّدِيدِ
فَقَالَ مَالِكٌ الْأَمْرُ عِنْدَنَا وَفِي بَعْضِ الْمُوطَّآتِ السُّنَّةُ عِنْدَنَا أَنَّ مَنْ شَرِبَ شَرَابًا يُسْكِرُ فَسَكِرَ أَوْ لَمْ يَسْكَرْ فَقَدْ شَرِبَ الْخَمْرَ وَقَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْحَدُّ
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ كُلُّ مُسْكِرٍ وَكُلُّ مُخَدِّرٍ حَرَامٌ وَالْحَدُّ وَاجِبٌ عَلَى مَنْ شَرِبَ شَيْئًا مِنْهُ
قال الشَّافِعِيُّ مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ وَفِيهِ الْحَدُّ
فَهَذَا مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ
وَمَذْهَبُ أَهْلِ الشَّامِ وَالْيَمَنِ وَمِصْرَ وَالْمَغْرِبِ وَجُمْهُورِ أَهْلِ الْحَدِيثِ
وَأَمَّا أَهْلُ الْعِرَاقِ فَرَوَى الْمُعَافَى عَنِ الثَّوْرِيِّ أَنَّهُ كَرِهَ نَقِيعَ التَّمْرِ وَنَقِيعَ الزبيب إذا غلا
قَالَ الْمُعَافَى وَسُئِلَ الثَّوْرِيُّ عَنْ نَقِيعِ الْعَسَلِ فَقَالَ لَا بَاسَ بِهِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ إِنَّمَا خَصَّ الثَّوْرِيُّ – وَاللَّهُ أَعْلَمُ – نَقِيعَ الزَّبِيبِ وَنَقِيعَ التَّمْرِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ (صحيح مسلم (1985)) والصحيحة (3159)
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنِ الثَّوْرِيِّ قَالَ اشْرَبْ مِنَ النَّبِيذِ كَمَا تَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ
وَرَوَى بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ الْخَمْرُ حَرَامٌ قَلِيلُهَا وَكَثِيرُهَا وَالْمُسْكِرُ مِنْ غَيْرِهَا حَرَامٌ وَلَيْسَ كَتَحْرِيمِ الْخَمْرِ
قَالَ وَنَقِيعُ الزَّبِيبِ إِذَا غَلَا حَرَامٌ وَتَحْرِيمُ الْخَمْرِ
قَالَ وَالنَّبِيذُ الْعَتِيقُ الْمَطْبُوخُ لَا بَاسَ بِهِ مِنْ أَيٍّ شَيْءٍ كَانَ وَإِنَّمَا يَحْرُمُ مِنْهُ الْقَدَحُ الَّذِي يُسْكِرُ
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ مَنْ قَعَدَ يَطْلُبُ السُّكْرَ فَالْقَدَحُ الْأَوَّلُ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَالْمَقْعَدُ عَلَيْهِ حَرَامٌ وَالْمَشْيُ إِلَى الْمَقْعَدِ عليه حرام كما أن الزنى عَلَيْهِ حَرَامٌ وَكَذَلِكَ الْمَشْيُ إِلَيْهِ
قَالَ وَإِنْ قَعَدَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ السُّكْرَ فَلَا بَاسَ بِهِ
قَالَ أَبُو يُوسُفَ وَلَا بَاسَ بِالنَّقِيعِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ وَإِنْ غَلَا مَا خَلَا الزبيب والتمر
وهو قول أبي حنيفة في ما حَكَاهُ مُحَمَّدٌ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ وَرَوَى يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي كَثِيرٍ السُّخَيْمِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْخَمْرُ مِنْ هَاتَيْنِ الشَّجَرَتَيْنِ النَّخْلَةِ وَالْعِنَبَةِ
فَأَخْبَرَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ الْخَمْرَ مِنْهُمَا فَفِي ذَلِكَ نَفْيٌ أَنْ تَكُونَ الْخَمْرُ مِنْ غَيْرِهِمَا
قَالَ وَاتَّفَقَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّ عَصِيرَ الْعِنَبِ إِذَا غَلَا وَاشْتَدَّ وَقَذَفَ بِالزَّبَدِ خَمْرٌ وَأَنَّ مستحلة كافر
واختلفوا فِي نَقِيعِ التَّمْرِ إِذَا غَلَا وَأَسْكَرَ فَدَلَّ اخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ لَمْ يَتَلَقَّوْهُ بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُكَفِّرُوا مُسْتَحِلَّ نَقِيعِ التَّمْرِ كَمَا كَفَّرُوا مُسْتَحِلَّ خَمْرِ الْعِنَبِ
وَذَكَرَ حَدِيثَ أَبِي عَوْنٍ الثَّقَفِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنِ بن عَبَّاسٍ قَالَ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ بِعَيْنِهَا قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا والسكر مِنْ كُلِّ شَرَابٍ قَالَ فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ غَيْرَ الْخَمْرِ لَمْ تُحَرَّمْ بِعَيْنِهَا كَمَا حُرِّمَتِ الْخَمْرُ
قَالَ أَبُو عُمَرَ قَدْ تَقَدَّمَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ كُلَّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلَّ مَا أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ وَأَنَّ تَحْرِيمَ الْخَمْرِ نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ وَخَمْرُهُمْ كَانَتْ يَوْمَئِذٍ كَانَتْ مِنَ التَّمْرِ وَفَهِمُوا ذَلِكَ فَأَهْرَقُوهَا وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَسَرُوا جِرَارَهَا
وَذَكَرْنَا قَوْلَ عُمَرَ فِي جَلْدِ ابْنِهِ أَنَّ شُرْبَ مَا يُسْكِرُ وَلَمْ يَخُصَّ خَمْرَ عِنَبٍ مِنْ غَيْرِهَا بَلِ اشْتَرَطَ الْمُسْكِرَ
وَذَلِكَ كُلُّهُ يَرُدُّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ
وَأَمَّا اعْتِلَالُهُ بِالتَّكْفِيرِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ مِنْ جِهَةِ الْإِجْمَاعِ كُفْرُ الْمُخَالِفِ لَهُ بَعْدَ الْعِلْمِ بِهِ مِنْ جِهَةِ أَخْبَارِ الْآحَادِ لَمْ يُكَفَّرِ الْمُخَالِفُ فِيهِ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ الْقَائِلُ بِأَنَّ أُمَّ الْقُرْآنِ جَائِزٌ الصَّلَاةُ بِغَيْرِهَا مِنَ الْقُرْآنِ وَجَائِزٌ تَرْكُهَا فِي قِرَاءَةِ الصَّلَاةِ وَلَا مَنْ قَالَ النِّكَاحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ جَائِزٌ لَا يُكَفَّرُ وَلَا مَنْ قَالَ الْوُضُوءُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ يُجْزِئُ
وَمِثْلُ هَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى وَلَا يُكَفَّرُ الْقَائِلُ بِهِ وَيُعْتَقَدُ فِيهِ التَّحْرِيمُ وَالتَّحَلُّلُ وَالْحُدُودُ
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ مَنْ قَالَ لَا يُقْطَعُ سَارِقٌ فِي رُبُعِ دِينَارٍ مَعَ ثُبُوتِ ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَخْبَارِ الْآحَادِ الْعُدُولِ
وَمِثْلُ هَذَا كَثِيرٌ وَلَا يَمْتَنِعُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَنْ يُحَرِّمَ مَا قَامَ لَهُ الدَّلِيلُ عَلَى تَحْرِيمِهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ يُخَالِفُهُ فِي ذَلِكَ دَلِيلٌ اسْتَدَلَّ بِهِ وَوَجْهٌ مِنَ الْعِلْمِ ذَهَبَ إِلَيْهِ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا تَكْفِيرٌ وَلَا خُرُوجٌ مِنَ الدِّينِ وَإِنَّمَا فِيهِ الْخَطَأُ وَالصَّوَابُ وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُوَفِّقُ مَنْ يَشَاءُ بِرَحْمَتِهِ
وَقَدْ شَرِبَ النبيذ الصلب جماعة من علماء التَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِالْعِرَاقِ لِأَنَّهُ لَا يَحْرُمُ عِنْدَهُمْ مِنْهُ إِلَّا الْمُسْكِرُ
وَرَوَوْا بِمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ آثَارًا عَنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ إِلَّا أَنَّ آثَارَ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي تَحْرِيمِ الْمُسْكِرِ أَصَحُّ مَخْرَجًا وَأَكْثَرُ تَوَاتُرًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَكْثَرِ أَصْحَابِهِ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ لَا شَرِيكَ لَهُ
وَرُوِّينَا عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ قَالَ سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ سِيرِينَ يَقُولُ مَا أَعْجَبَ أَمْرَ هَؤُلَاءِ يَعْنِي أَهْلَ الْكُوفَةِ لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ علقمة وشريحا وَمَسْرُوقًا وَعُبَيْدَةَ فَلَمْ أَرَهُمْ يَشْرَبُونَ نَبِيذَ الْخَمْرِ فَلَا أَدْرِي أَيْنَ غَاصَ هَؤُلَاءِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ
قَالَ أَبُو عُمَرَ هَذَا يُصَحِّحُ قَوْلَ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ حَيْثُ قَالَ أَوَّلُ مَنْ أَحَلَّ الْمُسْكِرَ إِبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ
الاستذكار (8/ 24)
قال العلامة الألباني كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة 3159:
(فائدة): قال البغوي في “شرح السنة” (11/ 353) – وقد ذكر الحديث معلقاً-:
“وهذا لا يخالف حديث النعمان بن بشير، وإنما معناه: أن معظم الخمر يكون منهما، وهو الأغلب على عادات الناس فيما يتخذون من الخمور”.
قال ابن رجب:
والمقصودُ أنَّ النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم – قال: «كلُّ مسكر حرامٌ، وكلُّ ما أسكر عن الصلاة فهو حرام».
وقد تواترت الأحاديثُ بذلك عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، فخرَّجا في ” الصحيحين ” عن ابنِ عمر، عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، قال: «كلُّ مسكرٍ خمرٌ، وكلُّ خمر حرام»
ولفظ مسلم: «وكل مسكر حرام». وخرّجا أيضاً من حديث عائشة أنَّ
النَّبيَّ – صلى الله عليه وسلم –
سئل عن البِتع، فقال: «كلّ شراب أسكر فهوَ حرام»، وفي رواية
لمسلم: «كل شراب مسكر حرام» وقد صحَّح هذا الحديث أحمد ويحيى بن معين، واحتجا به ونقل ابن عبد البرّ إجماعَ أهل العلم بالحديث على صحته، وأنَّه أثبت شيء يُروى عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – في تحريم المسكر.
وأمَّا ما نقله بعضُ فقهاء الحنفية عن ابن معينٍ من طعنه فيه، فلا يثبت ذلك عنه. وقد خرَّج مسلم من حديث أبي الزبير، عن جابر، عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – قال: «كلّ مسكر حرام».
وإلى هذا القول ذهب جمهورُ علماء المسلمين مِنَ الصَّحابة والتابعين ومن بعدهم من عُلماء الأمصار، وهو مذهبُ مالك والشافعي والليث والأوزاعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحسن وغيرهم، وهو ممَّا اجتمع على القول به أهلُ المدينة كلهم.
وخالف فيه طوائفُ مِنْ عُلماء أهل الكوفة، وقالوا: إنَّ الخمرَ إنَّما هو خمرُ العنب خاصّةً، وما عداها، فإنَّما يحرم منه القدرُ الذي يُسكر، ولا يحرم ما دُونَه، وما زال علماءُ الأمصار يُنكرون ذلك عليهم، وإنْ كانوا في ذلك مجتهدين مغفوراً لهم، وفيهم خَلقٌ مِنْ أئمَّة العلمِ والدين. قال ابنُ المبارك: ما وجدتُ في النبيذ رخصةً عن أحد صحيح إلاّ عن إبراهيم، –
يعني: النَّخعي -، وكذلك أنكر الإمامُ أحمد أنْ يكونَ فيه شيءٌ يصحُّ، وقد صنف كتاب ” الأشربة ” ولم يذكر فيه شيئاً من الرخصة، وصنَّف كتاباً في المسح على الخفين، وذكر فيه عن بعض السَّلف إنكاره، فقيل له: كيف لم تجعل في كتاب ” الأشربة ” الرخصة كما جعلت في المسح؟ فقال: ليس في الرخصة في المسكر حديثٌ صحيح.
ومما يدلُّ على أن كُلَّ مسكر خمر أنَّ تحريم الخمر إنَّما نزل في المدينة بسبب سؤال أهل المدينة عمّا عندهم من الأشربة، ولم يكن بها خمرُ العنب، فلو لم تكن آية تحريم الخمر شاملةً لِما عِندهم، لما كان فيها بيانٌ لِما سألوا عنه، ولكانَ محلُّ السبب خارجاً مِنْ عُموم الكلام، وهو ممتنع، ولمَّا نزل تحريمُ الخمر أراقوا ما عندهم من الأشربة، فدلَّ على أنَّهم فَهِمُوا أنَّه منَ الخمر المأمور باجتنابه.
وفي ” صحيح البخاري ” عن أنسٍ قال: حُرِّمت علينا الخمرُ حين حرمت وما نَجِدُ خمرَ الأعناب إلاّ قليلاً، وعامة خمرنا البسرُ والتمرُ.
وعنه أنَّه قال: إنِّي لأسقي أبا طلحة، وأبا دُجانة، وسهيلَ بن بيضاءَ خليطَ بُسرٍ وتمرٍ إذ حرمَتِ الخمر، فقذفتها، وأنا ساقيهم وأصغرُهم، وإنا نَعُدُّها يومئذ الخمر.
وفي ” الصحيحين ” عنه قال: ما كان لنا خمرٌ غير فَضِيخِكُم هذا الذي تسمونه الفَضيخَ.
وفي ” صحيح مسلم ” عنه قال: لقد أنزل الله الآية التي حرَّم فيها الخمرَ، وما بالمدينة
شرابٌ يشرب إلاَّ من تمر.
وفي ” صحيح البخاري ” عن ابنِ عمر، قال: نَزَلَ تحريمُ الخمر وإنَّ بالمدينة يومئذ لخمسة أشربةٍ ما منها شراب العنب.
وفي ” الصحيحين ”
عن الشعبي، عن ابنِ عمر، قال: قام عمر على المنبر، فقال: أما بعدُ، نزل تحريمُ الخمرِ وهي من خمس: العنب والتمرِ والعسلِ والحنطةِ والشعيرِ. والخمرُ: ما خامر العقل. وخرَّجه الإمامُ أحمد، وأبو داود،
والترمذي من حديث الشعبي عن النعمان بن بشير، عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -. وذكر الترمذي أنَّ قولَ من قال: عن الشعبي عن ابن عمر، عن عمر أصحّ، وكذا قال ابنُ المديني.
وروى أبو إسحاق عن أبي بُردة قال: قال عُمَرُ: ما خمرته فعتقته، فهو خمر، وأنّى كانت لنا الخمر خمر العنب.
وفي ” مسند ” الإمام أحمد عن المختار بن فُلفل قال: سألت أنسَ بنَ
مالك عن الشرب في الأوعية فقال: نهى رسولُ الله – صلى الله عليه وسلم – عن المزفتة وقال: «كُلُّ مسكر حرام» قلتُ له: صدقت السكر حرام، فالشربةُ والشربتان على طعامنا؟ قال: المسكر قليلُه وكثيرُه حرامٌ وقال: الخمر من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة، فما خمرتَ من ذلك فهو الخمر، خرَّجه أحمد عن عبد الله ابن إدريس: سمعتُ المختار بن فلفل يقول فذكره، وهذا إسنادٌ على شرط مسلم.
وفي ” صحيح مسلم “، عن أبي هريرة، عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، قال: «الخمرُ مِنْ هَاتَينِ الشَّجرتين: النخلة والعِنبة»، وهذا صريح في أنَّ نبيذ التمر خمر.
وجاء التصريحُ بالنهي عن قليل ما أسكر كثيره، كما خرَّجه أبو داود، وابنُ ماجه،
والترمذي، وحسّنه من حديث جابرٍ، عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، قال: «ما أسكرَ كَثيرُهُ فَقَليلُهُ حَرامٌ».
وخرَّج أبو داود، والترمذي، وحسّنه من حديث عائشة، عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، قال: «كُلُّ مُسكرٍ حَرَامٌ، وما أسكر الفَرقُ، فملءُ الكَفِّ منه حَرام»، وفي رواية «الحسوة منه حرام»، وقد احتجَّ به أحمد، وذهب إليه. وسئل عمن قال: إنَّه لا يصحُّ؟ فقال: هذا رجلٌ مُغْلٍ، يعني أنَّه قد غلا في مقالته. وقد خرَّج النَّسائي هذا الحديث من رواية سعد بن أبي وقاص، وعبد الله بن عمرو، عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، وقد رُوي عن النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – من وجوهٍ كثيرةٍ يطولُ ذكرُها.
وروى ابنُ عجلان، عن عمرو بن شعيب، حدثني أبو وهب الجيشاني، عن وفد أهلِ اليمن أنَّهم قَدِموا على النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، فسألوه عن أشربة تكون باليمن، قال: فسَمَّوا له البِتْعَ مِن العسَل، والمِزْرَ من الشعير، قال النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «هل تسكرون
منها؟» قالوا: إنْ أكثرنا سكِرنَا، قال: «فحرام قليل ما أسكر كثيره» خرَّجه القاضي إسماعيل.
وقد كانت الصحابةُ تحتجُّ بقول النَّبيِّ – صلى الله عليه
وسلم -: «كُلُّ مُسكِرٍ حَرامٌ» على تحريم جميع أنواع المسكرات، ما كان موجوداً منها على عهد النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم – وما حدثَ بعده، كما سُئِلَ ابن عباس عن الباذق، فقال: سبق محمّدٌ الباذقَ، فما أسكر، فهو حرام، خرَّجه البخاري، يشير إلى أنَّه إنْ كان مسكراً، فقد دخل في هذه الكلمة الجامعة العامة.
واعلم أنَّ المسكرَ المزيل للعقل نوعان:
أحدهما: ما كان فيه لَذَّةٌ وطربٌ، فهذا هو الخمر المحرَّم شربه، وفي
” المسند ” عن طلق الحنفيِّ أنَّه كان جالساً عند النَّبيِّ – صلى الله عليه وسلم -، فقال له رجل: يا رسولَ الله، ما ترى في شراب نصنعُه بأرضنا من ثمارنا؟ فقال – صلى الله عليه وسلم -: «من سائلٌ عَنِ المسكر؟ فلا تشربه، ولا تسقه أخاك المسلم، فوالذي نفسي بيده – أو بالذي يُحلف به – لا يشربه رجلٌ ابتغاءَ لذَّة سُكره، فيسقيه الله الخمر يومَ القيامة»
قال طائفة من العلماء: وسواءٌ كان هذا المسكرُ جامداً أو مائعاً، وسواءٌ
كان مطعوماً أو مشروباً، وسواءٌ كان من حبٍّ أو ثمرٍ أو لبنٍ، أو غير ذلك، وأدخلوا في ذلك الحشيشة التي تُعمل من ورق القِنَّب، وغيرها ممَّا يُؤْكَلُ لأجل
لذَّته وسكره، وفي ” سنن أبي داود ” من حديث شهر بن حوشب، عن أمِّ سلمة، قالت: نهى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عن كلِّ مُسكرٍ ومُفتِّرٍ» والمفتر: هو المخدر للجسد، وإنْ لم ينته إلى حدِّ الإسكار.
والثاني: ما يُزيلُ العقلَ ويسكر، ولا لذَّة فيه ولا طرب، كالبنج ونحوه، فقال أصحابنا: إنَّ تناوله لحاجة التداوي به، وكان الغالبُ منه السلامة جاز، وقد رُوي عن عُروة بن الزُّبير أنَّه لمَّا وقعت الأكِلَة في رجله، وأرادوا قطعَها، قال له الأطباء: نسقيك دواءً حتى يغيبَ عقلُك، ولا تُحِسَّ بألم القطع، فأبى، وقال: ما ظننتُ أنَّ خلقاً يشربُ شراباً يزولُ منه عقلُه حتّى لا يعرف ربّه.
وروي عنه أنَّه قال: لا أشرب شيئاً يحولُ بيني وبين ذكر ربي – عز وجل -.
وإنْ تناول ذلك لغير حاجة التداوي، فقال أكثرُ أصحابنا كالقاضي، وابنِ عقيل، وصاحب ” المغني “: إنَّه محرم؛ لأنَّه تسبب إلى إزالة العقل لغير حاجة، فحرم كشرب المسكر، وروى حنش الرحبي – وفيه ضعف
– عن عكرمة، عن ابن عباس مرفوعاً: «مَنْ شرب شراباً يَذهَبُ بعقلِه، فقد أتى باباً مِنْ أبواب الكبائر».
وقالت طائفة منهم ابنُ عقيل في ” فنونه “: لا يَحرُمُ ذلك؛ لأنَّه لا لذَّة فيه، والخمرُ
إنَّما حرِّمت لِما فيها مِنَ الشِّدَّةِ المطرِبَة، ولا اطراب في البنج ونحوه ولا شدَّة.
فعلى قولِ الأكثرين: لو تناول ذلك لِغير حاجة، وسكر به، فطلَّق، فحكمُ طلاقه حكمُ طلاق السَّكران، قاله أكثرُ أصحابنا كابن حامد والقاضي، وأصحاب الشافعي، وقالت الحنفية: لا يقعُ طلاقه، وعلَّلوا بأنَّه ليس فيه لذَّة، وهذا يدلُّ على أنَّهم لم يُحرِّموه. وقالت الشافعية: هو محرَّم، وفي وقوع الطلاق معه وجهان، وظاهرُ كلام أحمد أنّه لا يقعُ طلاقُه بخلافِ السَّكران، وتأوله القاضي، وقال: إنَّما قال ذلك إلزاماً للحنفية، لا اعتقاداً له، وسياق كلامه محتمل لذلك.
وأمَّا الحدُّ، فإنَّما يجبُ بتناول ما فيه شِدَّة وطربٌ مِنَ المسكراتِ؛ لأنّه هو الذي تدعو النفوس إليه، فجُعِلَ الحدُّ زاجراً عنه.
فأمَّا ما فيه سكرٌ بغيرِ طربٍ ولا لذَّة، فليس فيه سوى التعزير؛ لأنَّه ليس في النفوس داع إليه حتّى يحتاج إلى حدٍّ مقدَّر زاجرٍ عنه، فهو كأكل الميتة ولحم الخنزير، وشرب الدم.
وأكثرُ العلماء الذين يرونَ تحريمَ قليلِ ما أسكر كثيرُه يرونَ حدَّ مَنْ شربَ
ما يُسكر كثيره، وإنِ اعتقد حِلَّه متأولاً، وهو قولُ الشافعي وأحمد، خلافاً لأبي ثور، فإنَّه قال: لا يحدُّ لتأوُّله، فهو كالنَّاكح بلا وليٍّ. وفي حدِّ الناكح بلا
وليٍّ خلاف أيضاً، ولكنَّ الصحيح أنَّه لا يُحَدُّ،
وقد فرَّق من فرَّق بينه وبين شرب النبيذ متأوِّلاً بأنَّ شرب النبيذ المختلف فيه داعٍ إلى شرب الخمر المجمع على تحريمه بخلاف الناكح بغير وليٍّ، فإنَّه مغنٍ عن الزنى المجمع على تحريمه، وموجب للاستعفاف عنه. والمنصوصُ عن أحمد أنَّه إنَّما حدَّ شارب النبيذ متأوِّلاً؛ لأنَّ تأويلَه ضعيف لا يُدرأُ عنه الحدُّ به، فإنَّه قال في رواية الأثرم: يُحدُّ من شرب النبيذ متأوِّلاً، ولو رُفِعَ إلى الإمام من طَلَّق البتة، ثم راجعها متأوِّلاً أنَّ طلاق البتة واحدة، والإمام يرى أنَّها ثلاث لا يُفرق بينهما، وقال: هذا غيرُ ذاك، أمره بيِّنٌ في كتاب الله، وسنَّة نبيه – صلى الله عليه وسلم -، ونزل تحريم الخمر وشرابهم الفضيخ، وقال النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: «كلُّ مسكرٍ خمر»، فهذا بيِّن، وطلاق البتة إنَّما هو شيءٌ اختلفَ النَّاسُ فيه
جامع العلوم والحكم (ص883 ت الفحل)
قال ابن حجر:
قوله سئل عن البتع زاد شعيب عن الزهري وهو ثاني أحاديث الباب وهو نبيذ العسل وكان أهل اليمن يشربونه ومثله لأبي داود من طريق الزبيدي عن الزهري وظاهره أن التفسير من كلام عائشة ويحتمل أن يكون من كلام من دونها ووقع في رواية معمر عن الزهري عند أحمد مثل رواية مالك لكن قال في آخره والبتع نبيذ العسل وهو أظهر في احتمال الإدراج لأنه أكثر ما يقع في آخر الحديث وقد أخرجه مسلم من طريق معمر لكن لم يسق لفظه ولم أقف على اسم السائل في حديث عائشة صريحا لكنني أظنه أبا موسى الأشعري فقد تقدم في المغازي من طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فسأله عن أشربة تصنع بها فقال ما هي قال البتع والمزر فقال كل مسكر حرام قلت لأبي بردة ما البتع قال نبيذ العسل وهو عند مسلم من وجه آخر عن سعيد بن أبي بردة بلفظ فقلت يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع من العسل ينبذ حتى يشتد والمزر من الشعير والذرة ينبذ حتى يشتد قال وكان النبي صلى الله عليه وسلم أعطي جوامع الكلم وخواتمه فقال أنهى عن كل مسكر وفي رواية أبي داود التصريح بأن تفسير البتع مرفوع ولفظه سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شراب من العسل فقال ذاك البتع قلت ومن الشعير والذرة قال ذاك المزر ثم قال أخبر قومك أن كل مسكر حرام وقد سأل أبو وهب الجيشاني عن شيء ما سأله أبو موسى فعند الشافعي وأبي داود من حديثه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المزر فأجاب بقوله كل مسكر حرام وهذه الرواية تفسير المراد بقوله في حديث الباب كل شراب أسكر وأنه لم يرد تخصيص التحريم بحالة الإسكار بل المراد أنه إذا كانت فيه صلاحية الإسكار حرم تناوله ولو لم يسكر المتناول بالقدر الذي تناوله منه ويؤخذ من لفظ السؤال أنه وقع عن حكم جنس البتع لا عن القدر المسكر منه لأنه لو أراد السائل ذلك لقال أخبرني عما يحل منه وما يحرم وهذا هو
المعهود من لسان العرب إذا سألوا عن الجنس قالوا هل هذا نافع أو ضار مثلا وإذا سألوا عن القدر قالوا كم يؤخذ منه
فتح الباري لابن حجر (10/ 42)
قال الإتيوبي:
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(ومنها): تحريم الشراب المسمّى بالباذق، وهو عصير العنب المطبوخ أدنى طبخة، فصار شديدًا؛ لإسكاره. (ومنها): فقه ابن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، حيث إنه أوجز الجواب للسائل، فبيّن له، أن القاعدة مختصرة، كما أوجزها الشارع الحكيم بقوله: “كلّ مسكر حرام”. (ومنها): أن حكم الشارع الحكيم سابق عَلَى المخترعات الجديدة التي يخترعها النَّاس، فلا يُستحدث شيء، إلا وحكم الشارع جار عليه، ونافذ فيه، مبيّن فِي نصوص الكتاب والسنة، وإجماع أهل العلم، أو استنباطات بعضهم، فلا ينبغي أن يظنّ ظانّ أنه يخترع شيئًا لا يتوجّه إليه حكم الشرع، فالشريعة كافّة عامة لجميع حركات الأمة، وسكناتها، فما منْ دابّة فِي الأرض، ولا طائر يطير فِي السماء، إلا وهو تحت نظر الشرع، وتوجيهه السامي، فمن استجاب نجا، ومن أبى خسر، اللَّهم ربنا اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين، آمين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
“إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب”
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (40/ 193)
قال الراجحي:
وفيه: أنَّ شرابهم كان من الفضيخ، والفضيخ: البُسر والتمر، يُفضَخ البُسر، أو التمر، ثم يُصَب عليه الماء، حتى يغلي ويكون خمرًا.
وفيه: الرد على الكوفيين والأحناف الذين يقولون: لا يسمى خمرًا إلا عصير العنب، والصحيح: أن كلًّا من عصير العنب، أو عصير التمر والبُسر، والزبيب، والذرة، والعسل، والشعير- كلها يكون منها الخمر، والخمر ليس خاصًّا بالعنب فقط.
وقد ذهب الأحناف إلى أنه خاصٌّ بالعنب، ولا يسمى خمرًا ما عداه، ويجوز شرب القليل الذي لا يُسكِر منه، يعني: أنه إذا أسكر امتنعوا عنه.
والصواب: أنَّ الجميع لا يجوز شربه، فكل ما أسكر كثيره فقليله حرام.
فالخمر عام ويكون من عدة أشياء، كما قال عمر رضي الله عنه: ((أَمَّا بَعْدُ، أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ؛ مِنْ: العِنَبِ، وَالتَّمْرِ، وَالعَسَلِ، وَالحِنْطَةِ، وَالشَّعِيرِ. وَالخَمْرُ مَا خَامَرَ العَقْلَ)) (3)، ومن ثم فهي تسمى خمرًا، ويدل على ذلك الحديث- كما سيأتي-: ((كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ)) من أي شيءٍ كان.
وفيه: أنَّ أهل المدينة أراقوا الخمر، وأنها جرت في سكك المدينة، فاحتجَّ بعض العلماء على أنَّ الخمر ليست نجسة؛ بدليل أنها أُهرقَت في سِكَك المدينة، والشوارع ضيقة، فلا بد أن تمسَّ الأرجل والثياب، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بغسل أرجلهم، وكثيرٌ منهم لم يكن له نعل؛ فدلَّ على أنها طاهرة.
وذهب الجمهور (1) إلى أنها نجسة، واستدلوا بقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} فقالوا: إنها نجسة، ولا يلزم من كونها تجري في السِكَك أنه لا يمكن اجتنابُها، وقالوا: إنها نجسة، ولا يجوز إبقاؤها؛ لأنَّ إبقاءها وسيلة إلى أن تتخلَّل.
وقد اختلف العلماء فيما إذا انقلبت الخمر خلًّا هل تحل، أو لا تحل؟
فمن العلماء مَن قال بإباحتها، ومنهم من قال بتحريمها.
ومنهم من فصَّل، فقال: إذا تخلَّلت بنفسها حلَّت، وإذا تخلَّلت بمعالجة بأن وُضع عليها شيء، أو مواد فلا تحل (2).
وقول الجمهور بنجاستها له وجاهته؛ من جهة أنه ينبغي البُعد عَنِ الخمر وعن إبقائِها؛ لأن إبقاءها وسيلة لشُربِها.
وفيه: أنهم يستعملون خليط البُسر والتمر ليكون أسرع في التخمُّر
توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (6/ 12)
قال العباد:
وكل مسكر خمر، وكل خمر حرام على أي وجه كان وعلى أي حال كان، سواء كان سائلاً أو غير سائل، فكل ما فيه إسكار وتغطية وفقدان للعقل فإنه يكون حراماً قليله وكثيره، وما أسكر كثيره فقليله حرام؛ لأنه وإن لم يسكر فإنه وسيلة للمحرم
شرح سنن أبي داود للعباد (396/ 51 بترقيم الشاملة آليا)
تنبيه:
حديث طلق على شرط الذيل على الصحيح المسند
قال صاحب أنيس الساري 4614 – “يا أيها السائل عن المسكر لا تشربه ولا تسقه أحدا من المسلمين”.
قال الحافظ: وعن طلق بن علي رواه ابن أبي شيبة بلفظ: فذكره، وعن صحار العبدي أخرجه الطبراني بنحو هذا”.
صحيح
أخرجه ابن أبي شيبة (8/ 102 – 103) وفي “مسنده” (إتحاف الخيرة 5121) ثنا ملازم بن عمرو عن سراج بن عقبة عن عمته خالدة بنت طلق قال: حدثني أبي قال: كنا جلوسا عند نبي الله -صلى الله عليه وسلم- فجاء صحار عبد القيس فقال: يا رسول الله، ما ترى في شراب نصنعه من ثمارنا؟ قال: فأعرض عنه النبي -صلى الله عليه وسلم- حتى سأله ثلاث مرات، ثم قام بنا النبي -صلى الله عليه وسلم- فصلى، فلما قضى الصلاة قال “من السائل عن المسكر؟ يا أيها السائل عن المسكر لا تشربه ولا تسقه أحدا من المسلمين، فوالذي نفس محمد بيده ما شربه قط رجل ابتغاء لذة سكره فيسقيه الله خمرا يوم القيامة”.
وأخرجه البخاري في “الكبير” (2/ 2/ 205) عن ابن أبي شيبة به.
وأخرجه أحمد في “الأشربة” (32) وفي “المسند” (إتحاف الخيرة 5/ 439).
عن عبد الصمد بن عبد الوارث البصري.
والطبراني في “الكبير” (8259).
عن الحسن بن الربيع الكوفي
قالا: ثنا ملازم بن عمرو السحيمي به.
قال الهيثمي: رجال أحمد ثقات” المجمع 5/ 70.
قلت: وإسناده صحيح، وخالدة بنت طلق وثقها العجلي وابن حبان، وذكرها ابن خلفون في “الثقات” وقال: وثقها ابن صالح. يعني أحمد بن صالح المصري.
وحديث صحار العبدي أخرجه الطبراني في “الكبير” (7405) عن أحمد بن رشدين المصري ثني أبي عن أبيه عن جده رشدين بن سعد عن عمرو بن الحارث عن يزيد بن أبي حبيب عن منصور بن أبي منصور حدّثه أنّ صحار بن صخر العبدي حدثه أنّه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنّا بأرض كثيرة أخبازها وبقولها ونشرب النبيذ على ذلك، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- “اشربوا منه ما لا يذهب العقل والمال”.
قال الهيثمي: ورشدين بن سعد ضعفه الجمهور، وقد وثق، ومنصور بن أبي منصور مجهول” المجمع 5/ 66
أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري) (9/ 6585)
قال ابن حجر: (1637) – خالدة بنت طلق عَن أبِيها وعنها سراج بن عقبَة ذكرها بن حبان فِي الثِّقات قلت وقالَ بن خلفون وثقها بن صالح
حرف الدّال
تعجيل المنفعة (2) / (651) — ابن حجر العسقلاني (ت (852))
وفي الجرح والتعديل
(1375) – سراج بن عقبة بن طلق بن علي الحنفي روى عن عمته خالدة بنت طلق روى عنه ملازم بن عمرو سمعت أبي يقول ذلك.
حدثنا عبد الرحمن أنا يعقوب بن إسحاق [الهروي – (4)] فيما كتب إلى نا عثمان [بن سعيد – (5)] قال سألت يحيى بن معين قلت: سراج بن عقبة؟ فقال ليس به بأس [ثقة – (1)].
قال البخاري:
(2509) – سراج بْن عُقبة بْن طَلق، الحَنَفيّ.
عَنْ عمَّته جَعدة بنت طَلق.
رَوى عَنه: مُلازم.
قالَه لنا عَبد الرَّحمَن بْن المُبارك.
وقال حبان، وغيره: خَلدة.
وهو السُّحيمي اليَماميّ، أحسبِهِ أخا عَبد الحميد.
وقالَ لَنا ابن أبي شَيبة: حدَّثنا مُلازم، عَنْ سِراج، عَنْ خالِدَةَ، حدَّثني أبِي؛ قالَ النَّبيُّ – صلى الله عليه وسلم -: مَنِ السّائِلُ عَنِ السُّكرِ؟ لاَ يَشرَبُهُ، ولاَ يَسقِهِ أحَدٌ قَطُّ، ابتِغاءَ لَذَّةَ سُكرِهِ، فَيَسقِيَهُ اللَّهُ خَمرًا يَومَ القِيامَةِ.
التاريخ الكبير للبخاري بحواشي محمود خليل (4) / (205) — البخاري