2122 ‘ 2123 ‘ 2124 تحضير سنن أبي داود:
أحمد بن علي وعبد الله المشجري وسلطان الحمادي وعمر الشبلي وعدنان وعبدالقادر الطيابي وأحمد بن خالد
بَابٌ: فِي الْمُقَامِ عِنْدَ الْبِكْرِ
2122 – حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا تَزَوَّجَ أُمَّ سَلَمَةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ: «لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِي»
[حكم الألباني]: صحيح
2123 – حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «لَمَّا أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَفِيَّةَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا». زَادَ عُثْمَانُ: وَكَانَتْ ثَيِّبًا وَقَالَ: حَدَّثَنِي هُشَيْمٌ، أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ، أَخْبَرَنَا أَنَسٌ
[حكم الألباني]: صحيح
2124 – حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، وَإِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: «إِذَا تَزَوَّجَ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، وَلَوْ قُلْتُ إِنَّهُ رَفَعَهُ لَصَدَقْتُ وَلَكِنَّهُ قَالَ السُّنَّةُ كَذَلِكَ»
[حكم الألباني]: صحيح
———-
قال الخطابي:
اختلف العلماء في تأويل ذلك، فقال بعضهم الثلاث تخصيص للثيب لا يحتسب بها عليها ويستأنف القسم فيما يستقبل، وكذلك السبع للبكر وإلى هذا ذهب مالك والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه، وقد روي ذلك عن الشعبي.
وقال أصحاب الرأي البكر والثيب في القسم سواء وهو قول الحكم وحماد. وقال الأوزاعي إذا تزوج البكر على الثيب مكث ثلاثا وإذا تزوج الثيب على البكر يمكث يومين.
قال الشيخ السبع في البكر والثلاث في الثيب حق العقد خصوصاً لا يحاسبان على ذلك ولكن يكون لهما عفواً بلا قصاص وقوله إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي ليس فيه دليل على سقوط حقها الواجب لها إذا لم يسبع لها وهو الثلاث التي هي بمعنى التسويغ لها ولو كان ذلك بمعنى التبدئة ثم يحاسب عليها لم يكن للتخيير معنى لأن الإنسان لا يخير بين جميع الحق وبين بعضه فدل على أنه بمعنى التخصيص.
قال الشيخ ويشبه أن يكون هذا من المعروف الذي أمر الله تعالى به في قوله {وعاشروهن بالمعروف} [النساء: 19] وذلك أن البكر لما فيها من الخفر والحياء تحتاج إلى فضل إمهال وصبر وحسن تأن ورفق ليتوصل الزوج إلى الأرب منها، والثيب قد جربت الأزواج وارتاضت بصحبة الرجال فالحاجة إلى ذلك في أمرها أقل إلاّ أنها تخص بالثلاث تكرمة لها وتأسيساً للإلفة فيما ببنه وبينها والله أعلم
[معالم السنن 3/ 214]
قال ابن قدامة:
1229 – مسألة؛ قال: (وَإِذَا أَعْرَسَ عِنْدَ بِكْرٍ، أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا، ثُمَّ دَارَ وَلَا يَحْتَسِبُ عَلَيْهَا بمَا أَقَامَ عِنْدَهَا، وَإِنْ كَانَتْ ثَيِّبًا، أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا، ثُمَّ دَارَ، وَلَا يَحْتَسِبُ عَلَيْهَا أَيْضًا بِمَا أَقَامَ عِنْدَهَا)
متى تزوَّجَ صاحبُ النِّسْوةِ امرأةً جديدةً، قطَعَ الدَّوْرَ، وأقامَ عندَها سبعًا إن كانت بكرًا، ولا يَقْضِيها للباقياتِ، وإن كانت ثَيِّبًا أقامَ عندَها ثلاثًا، ولا يَقضيها، إلَّا أن تشاءَ هى أن يُقِيمَ عندها سَبْعًا، فإنَّه يُقيمُها عندَها، ويَقْضِى الجميعَ للباقياتِ. رُوِىَ ذلك عن أنسٍ. وبه قال الشَّعْبىُّ، والنَّخَعِىُّ، ومالكٌ، والشَّافعىُّ، وإسحاقُ، وأبو عُبَيدٍ، وابنُ المُنْذِرِ. ورُوِىَ عن سعيدِ بنِ المُسَيَّبِ، والحسنِ، وخِلَاسِ بنِ عمرٍو، ونافعٍ مولى ابنِ عمرَ: للبكرِ ثلاثٌ وللثَّيِّبِ ليلتانِ. ونحوَه قال الأوْزَاعىُّ. وقال الحَكَمُ، وحَمَّادٌ، وأصْحابُ الرَّأْىِ: لا فضلَ للجديدةِ فى القَسْمِ، فإن أقام عندَها شيئًا قَضاهُ للباقياتِ؛ لأنَّه فضَّلَها بمُدَّةٍ، فوجبَ قَضاؤُها، كما لو أقام عند الثَّيِّبِ سَبْعًا. ولَنا، ما رَوَى أبو قِلَابةَ، عن أنسٍ، قال: مِنَ السُّنَّةِ إذا تزوَّجَ البِكْرَ على الثِّيِّبِ، أقام عندها سبعًا وقَسَمَ (1)، وإذا تزوَّجَ الثَّيِّبَ، أقام عندَها ثلاثًا، ثم قَسَمَ. قال أبو قِلَابةَ: لو شئتُ لقلتُ: إنَّ أنسًا رفعَه إلى النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم. مُتَّفَقٌ عليه (2). وعن أُمِّ سَلَمَةَ، أنَّ رسولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لمَّا تزوَّجَ أُمّ سلمة، أقام عندَها ثلاثًا، وقال: “لَيْسَ بِكِ عَلَى أَهْلِكِ هَوَانٌ، إِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، وَإِنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسَائِى”. روَاه مسلمٌ (3). وفى لفظٍ (4): “وَإِنْ شِئْتِ ثَلَّثْتُ ثُمَّ دُرْتُ”.
وفى لفظٍ (5): “وَإِنْ شِئْتِ زِدْتُكِ، ثُمَّ حَاسَبْتُكِ بِهِ، لِلبِكْرِ سَبْعٌ، وَلِلثَّيِّبِ ثَلَاثٌ”. وفى لفظٍ روَاه الدَّارَقُطْنِىُّ (6): “إِنْ شِئْتِ أَقَمْتُ عِنْدَكِ ثَلَاثًا خَالِصَةً لَكِ، وَإِنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ، ثُمَّ سَبَّعْتُ لِنِسَائِى”. وهذا يَمْنَعُ قياسَهم. ويُقَدَّمُ عليه. قال ابنُ عبدِ البَرِّ: الأحاديثُ المرفوعةُ فى هذا البابِ على ما قُلْناه، وليس مع مَن خالفَنا حديثٌ مَرْفوعٌ، والحُجَّةُ مع من أدْلَى (7) بالسُّنَّةِ (8).
فصل: والأمَةُ والحُرَّةُ فى هذا سَواءٌ. ولأصحابِ الشَّافعىِّ [فى هذا] (9) ثلاثةُ أوْجُهٍ؛ أحدُها، كقَوْلنا. والثَّانى، الأمَةُ على [النِّصْفِ من] (10) الحُرَّةِ، كسائرِ القَسْمِ. والثَّالثُ، للبِكْرِ من الإِماءِ أربعٌ، وللثَّيِّبِ ليلتانِ، تكْميلًا لبعْضِ اللَّيلةِ. ولَنا، عُمومُ قولِه عليه السلام: “لِلْبِكْرِ سَبْعٌ، وَللثَّيِّبِ ثَلَاثٌ”. ولأنَّه يُرادُ للأُنْسِ وإزالةِ الاحْتِشَامِ، والأمَةُ والحُرَّةُ سواءٌ فى الحاجةِ إليه، فاسْتَويا فيه، كالنَّفَقةِ.
[المغني لابن قدامة 10/ 255]
قال ابن حجر:
واستدل به على أن هذا العدل يختص بمن له زوجة قبل الجديدة، وقال ابن عبد البر: جمهور العلماء على أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف وسواء كان عنده زوجة أم لا، وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عنده غيرها وإلا فيجب.
وهذا يوافق كلام أكثر الأصحاب، واختار النووي أن لا فرق، وإطلاق الشافعي يعضده، ولكن يشهد للأول قوله في حديث الباب: إذا تزوج البكر على الثيب، ويمكن أن يتمسك للآخر بسياق بشر عن خالد الذي في الباب قبله، فإنه قال: إذا تزوج البكر أقام عندها سبعا الحديث، ولم يقيده بما إذا تزوجها على غيرها، لكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيد، بل ثبت في رواية خالد التقييد، فعند مسلم من طريق هشيم، عن خالد: إذا تزوج البكر على الثيب الحديث.
ويؤيده أيضا قوله في حديث الباب: ثم قسم؛ لأن القسم إنما يكون لمن عنده زوجة أخرى، وفيه حجة على الكوفيين في قولهم: إن البكر والثيب سواء في الثلاث، وعلى الأوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان، وفيه حديث مرفوع عن عائشة أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدا وخص من عموم حديث الباب ما لو أرادت الثيب أن يكمل لها السبع فإنه إذا أجابها سقط حقها من الثلاث وقضى السبع لغيرها، لما أخرجه مسلم من حديث أم سلمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثا، وقال: إنه ليس بك على أهلك هوان، إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي، وفي رواية له: إن شئت ثلثت ثم درت، قالت: ثلث، وحكى الشيخ أبو إسحاق في المهذب وجهين في أنه يقضي السبع أو الأربع المزيدة، والذي قطع به الأكثر: إن اختار السبع قضاها كلها، وإن أقامها بغير اختيارها قضى الأربع المزيدة.
وابن عثيمين والراجحي أختارا أنه إن اختارت التسبيع سبع لنسائه. لكن لم يذكروا الصورة الثانية إذا كان هو زادها
وقال سبب التسبيع لهن جبرا لعدم استئذانهن فتح ذي الجلال شرح بلوغ المرام
وتخييرها للتسبيع ليس واجب على الزوج لأنه فعل من النبي صلى الله عليه وسلم
تنبيه:
يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن صلاة الجماعة وسائر أعمال البر التي كان يفعلها، نص عليه الشافعي. وقال الرافعي: هذا في النهار، وأما في الليل فلا؛ لأن المندوب لا يترك له الواجب، وقد قال الأصحاب: يسوي بين الزوجات في الخروج إلى الجماعة وفي سائر أعمال البر، فيخرج في ليالي الكل أو لا يخرج أصلا، فإن خصص حرم عليه، وعدوا هذا من الأعذار في ترك الجماعة. وقال ابن دقيق العيد: أفرط بعض الفقهاء فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة، وبالغ في التشنيع. وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوب المقام عندها وهو قول الشافعية، ورواه ابن القاسم، عن مالك، وعنه يستحب وهو وجه للشافعية، فعلى الأصح يتعارض عنده الواجبان، فقدم حق الآدمي، هذا توجيهه، فليس بشنيع وإن كان مرجوحا، وتجب الموالاة في السبع وفي الثلاث، فلو فرق لم يحسب على الراجح لأن الحشمة لا تزول به، ثم لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة، وقيل: هي على النصف من الحرة ويجبر الكسر
[فتح الباري لابن حجر 9/ 315 ط السلفية]
قال ابن رسلان:
قال عياض: وفيه تلطف ورفق بمن خشي منه كراهة الحق حتى يتبين له وجه ترجيحه فيرجع إليه
(هو) ضمير الشأن أو القصة (إن شئت سبعت لك) ولمسلم: “إن شئت زدتك وحاسبتك به” (3) (وإن سبعت لك سبعت لنسائي) هذا بيان القاعدة، وهو حجة الجمهور على أبي حنيفة حيث يقول: لا يختص بذلك واحدة منهن، بل يقضي لسائر نسائه بمثل ذلك تمسكًا منه بمطلق الأمر بالعدل بينهن.
قال القرطبي: ولا يتم ذلك؛ لأنه مخصص بهذا الحديث وشبهه، قال القرطبي: وقد اختلف: هل لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يسبع للثيب أم لا؟ فمذهب مالك فيما ذكر عند ابن المواز أنه ليس له أن يسبع، وكأنه رأى ذلك من خصوصيات النبي صلى الله عليه وسلم إذ قد ظهرت خصوصياته في هذا الباب كثيرًا.
وقال ابن القصار: إذا سبع للثيب سبع لسائر نسائه أخذًا بظاهر هذا الحديث (1). وعند الشافعية يسن تخيير الثيب بين ثلاث بلا قضاء وسبع بقضاء عملًا بالحديث في تخييره أم سلمة، هذا هو المشهور (2). وفي “حلية الروياني” أنه يلزمه ذلك، ثم إن اختارت السبع قضى الجميع لظاهر الحديث، وإن لم يخيرها بل أقام السبع عندها باختياره لم يقض إلا ما زاد على الثلاث.
[شرح سنن أبي داود لابن رسلان 9/ 433]
قال العباد:
أورد أبو داود رحمه الله: [باب في المقام عند البكر].
فالرجل قد يتزوج ثيباً أو بكراً، فالثيب يقيم عندها ثلاثة أيام أو ثلاث ليالٍ، والبكر يقيم عندها سبعاً، وإذا كان له أكثر من زوجة فإنه يقيم عند الثيب ثلاثاً ثم يقسم، وإذا كان تزوج بكراً يقيم عندها سبعاً ثم يبدأ بالقسمة بين الزوجات.
وجاء التفريق بين الثيبات والأبكار لأن البكر زواجها شيء جديد عليها، فهي بحاجة إلى زيادة مدة يكون بها الاستئناس والاطمئنان، بخلاف الثيب، فإنها قد تعودت وسبق لها الزواج، فجاءت الشريعة بتقليل المدة في حقها.
وقد أورد أبو داود حديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوجها مكث عندها ثلاثاً وقال: [(إن شئت سبعت لك، وإن سبعت لك سبعت لنسائي)] ومعناه أن حقها ثلاث، وأنه إذا تركها بعد الثلاث فإنه يقسم ويأتي إليها بعدما ينتهي دور الزوجات السابقات.
فإذا زاد على الثلاث وأتى بالسبع لها فإنه يسبع لسائر نسائه.
ولا شك أن الحظ والأولى لها أن يقيم عندها ثلاثاً ثم يرجع إليها بعد فترة قريبة، بخلاف ما إذا سبع لها، فإنه لا يأتيها إلا بعد مدة طويلة، فإذا كان عنده زوجتان فسيأتيها بعد أسبوعين، وإذا كان عنده ثلاث فسيأتيها بعد ثلاثة أسابيع، فكونه يقيم عندها ثلاثاً ثم يقسم لا شك أن هذا أولى لها من أن يسبع لها ثم تطول عليها المدة، فلا يرجع إليها إلا بعد مدة طويلة.
فهذا الحديث يدل على أن الثيب يقام عندها ثلاث، وفيه إشارة إلى أن البكر يقام عندها سبع، وأنه إن أعطى الثيب المدة التي حددت لها فإنه يقسم لنسائه بعدها، وإن زادها على الثلاث إلى السبع فإنه يسبع لنسائه ويرجع إليها بعد مدة طويلة.
وقوله: [(ليس بك على أهلك هوان)].
يعني: أنت عزيزة، أي: ليست هينة عند أهلها ولا عنده صلى الله عليه وسلم، ولكن الحكم هو هكذا، فإن أرادت أن تقف عند الثلاث فإنه يبدأ بالقسمة ويرجع إليها، ولكنه لا يقسم لهن ثلاثاً، فبعد أن يجلس عندها ثلاثاً يبدأ بالقسمة يوماً يوماً، لكنه إذا تجاوز الثلاث إلى السبع فإنه يسبع للنساء بالقسمة
[شرح سنن أبي داود للعباد 244/ 13 بترقيم الشاملة آليا]
قال ابن باز:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله … أما بعد:
فهذا ملخص نافع -إن شاء الله- في أحكام تهم الذي تزوج أكثر من زوجة كتبته تيسيرًا على المعددين وتقريبًا للفقه بين المسلمين بعد طلب بعض الفضلاء لكثرة الجهل في أحكام القسم بين النساء عند الخلق إلا من رحم الله وقد انتقيته من كتب الحديث وشروحها وكتب الفقه والنوازل والقواعد الفقهية. والله أسأل أن يجعله طريقًا لنيل رضاه ومقربًا لجنات النعيم يوم لقاه. وصلى الله وسلم على رسول الله.
1 – يجب العدل بين الزوجات قال ربنا جل في علاه: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 3] وقد روى أحمد والأربعة من طريق همام عن قتادة عن النضر بن أنس عن بِشير بن نَهيك عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان له امرأتان فما إلى أحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل». قال أبو عيسى وإنما أسند هذا الحديث همام بن يحيى عن قتادة ورواه هشام الدستوائي عن قتادة قال كان يقال ولا نعرف الحديث مرفوعا إلا من حديث همام وهمام ثقة حافظ. أ. هـ. وفي العلل الكبير قال حديث همام أشبه. أ. هـ. قلت وهذا مصير من الترمذي إلى ترجيح المرفوع وهو الصواب إن شاء الله. فالحديث ثابت.
والعدل الواجب هنا في القسم والسكن والكسوة والنفقة، وهل العدل في الواجب من ذلك فقط، أم يشمل العدل في الواجب والمستحب والمباح؟
فعلى القول الأول يجب العدل في الواجب من النفقة والملبس والمسكن فما فضل بعد ذلك من مال أو ملابس أو حلي أو سعة في مسكن فهذا كله لا ينافي العدل لأن ما زاد نفل والنفل فضل وهذا اختيار شيخنا ابن باز، ونص عليه أحمد رحمهما الله. انظر المغني (10/ 242) وهو قول أكثر أهل العلم وجمهورهم ولهذا قال الحافظ أبو الفضل ابن حجر في فتح الباري على قول البخاري باب العدل بين النساء، وذكر الآية {وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ} قال ما نصه أشار بذكر الآية إلى أن المنتهى فيها العدل بينهن من كل جهة وبالحديث إلى أن المراد بالعدل التسوية بينهن بما يليق بكل منهن فإذا وفَّى لكل واحدة منهن كسوتها ونفقتها والإيواء إليها لم يضره ما زاد على ذلك من ميل قلب أو تبرع بتحفة. أ. هـ.
والقول الثاني العدل واجب في كل ما يقدر عليه مما يجب عليه أو يستحب أو يباح وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما نقله صاحب الإنصاف وكذلك اختيار الشيخ ابن عثيمين رحمهما الله، وقال بعض أهل العلم التسوية في مثل هذا تشق فلو وجب لم يمكنه القيام به إلا بحرج فسقوط وجوبه أقرب.
وعدم العدل بين الزوجات من كبائر الذنوب ولهذا توعد عليه في الآخرة بسقوط شقه والجزاء من جنس العمل فلما مال في الدنيا عن العدل جاء بهذه الصفة يوم القيامة على رؤوس الأشهاد.
وأما العدل في المحبة والجماع، فعامة العلماء على عدم وجوبه لأنه ليس في ملكه، ولهذا قال ابن القيم في الهدي (5/ 151) لا تجب التسوية بين النساء في المحبة فإنها لا تملك وكانت عائشة رضي الله عنها أحب نسائه إليه وأخذ من هذا أنه لا تجب التسوية بينهن في الوطء لأنه مُوقف على المحبة والميل وهي بيد مقلب القلوب، وفي هذا تفصيل وهو أنه إن تركه لعدم الداعي إليه وعدم الانتشار فهو معذور وإن تركه مع الداعي إليه ولكن داعيه إلى الضرة أقوى فهذا مما يدخل تحت قدرته وملكه فإن أدى الواجب عليه منه لم يبق لها حق ولم يلزمه التسوية وإن ترك الواجب منه فلها المطالبة به. أ. هـ.
وقد روى أبو داود والنسائي من طريق حماد بن سلمة عن أيوب عن أبي قلابة عن عبدالله بن يزيد عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم بين نسائه فيعدل ثم يقول (اللهم هذا فعلي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك) ورواه حماد بن زيد عن أيوب فأرسله لم يذكر فيه عائشة وهو المحفوظ.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحب عائشة أكثر من سائر أزواجه وهذا أمر مشهور عنه صلى الله عليه وسلم وفي الصحيح عن عمرو بن العاص لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أي الناس أحب إليك قال: عائشة، قال من الرجال قال أبوها … الحديث. وبوب البخاري: باب حب الرجل بعض نسائه أفضل من بعض على حديث ابن عباس والجماع تابع لشهوة النفس وانبعاثها ومحبتها ..
وحيث قلنا لا يجب العدل في الجماع لكن يجب أن يعفها ويعاشرها بالمعروف وكذلك لا يجب العدل في مقدمات الجماع من أنواع الاستمتاعات لكن يستحب ذلك وروي عن بعض السلف أنه كان يعدل بين نسائه حتى في القُبل.
2 – القسم يكون بين الزوجات يوم لهذه ويوم لتلك .. فإن أحب أن يقسم يومين يومين أو ثلاثة ثلاثة فقيل يجوز له ذلك وقيل بل لابد من رضاهن فيما زاد على اليوم وهذا أرجح لأن في العمل به إزالة الوحشة عنهن لقرب عهده بهن اللهم أن يكون للزوج غرض صحيح في الزيادة على اليوم لا يمكن إدراكه إلا بذلك فيجوز والحالة هذه بلا رضاهن.
3 – القسم يكون للمريضة والحائض والنفساء، فلا يسقط حقهن في القسم لأجل ما عرض لها، وكذا يقسم لمن آلى منها أو ظاهر منها أو رتقاء أو مُحرمة وكذا يقسم لكتابية ومجنونة إلا أن تكون غير مأمونة لأنه لا يحصل الأنس بها ولا لها وكذا يجب القسم على الزوج المريض والعنِّين والمجنون إلا إن يكون غير مأمون لأنه لا يحصل منه أنس، وأصل المسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول في مرضه (أين أنا غدًا) رواه البخاري.
ولأن القسم القصد منه السَكن والأنس، وهو حاصل بالمبيت.
4 – إذا مرضت إحدى زوجاته ولم يوجد لها متعهد أو ممرض واحتاجت لتعهد زوجها فإنه يمكث معها ويقضي للباقيات بعد البرء فإن ماتت تعذر القضاء لأنه. إنما يحسب من نوبتها، وإذا تعذر القسم للمريضة من أجل كونها في مستشفى، فإنه لا قسم لها ولا يقضي لها بعد خروجها من المستشفى كسفرها في حاجتها بإذنه على القول الراجح.
5 – القسم عماده بالليل، والنهار تبع له .. ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها: (قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي وفي يومي) وإنما قبض النبي صلى الله عليه وسلم نهارًا، والنهار تبع الليلة الماضية، وأما من كان معاشه بالليل كالحارس ونحوه فقسمه يكون بالنهار.
6 – الزوجة المغمى عليها يسقط حقها في القسم لتعذر حصوله لها ولا قضاء لها.
7 – لا قسم للناشز ولا المطلقة الرجعية.
8 – يجوز الدخول على نسائه نهارًا والمكث قليلًا ولو في غير نوبتهن، ولهذا قال البخاري باب دخول الرجل على نسائه في اليوم ثم أسند حديث عائشة قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن .. ).
ولفظه عند أبي داود (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم في مكثه عندنا وكان قلّ يوم إلا وهو يطوف علينا جميعًا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها) ولفظ البيهقي (7/ 300) (يطوف علينا جميعًا فيقبل ويلمس ما دون الوقاع .. ).
وهذا الدخول للحاجة من دفع نفقة أو عيادة أو سؤال عن أمر يحتاج إلى معرفته أو زيارة لبعد عهده بها وكذلك للتأنيس والمباشرة والتقبيل من غير جماع. وهذا كما ترى لا ينافي العدل بل هو العدل، ولهذا قال ابن القيم في الهدي (5/ 152) في حكمه صلى الله عليه وسلم في قسم الابتداء والدوام بين الزوجات وذكر من فوائد حديث عائشة (أن الرجل له أن يدخل على نسائه كلهن في يوم إحداهن ولكن لا يطؤها في غير نوبتها).
وأما الدخول ليلًا لغير صاحبة النوبة فقد صرح العلماء بتحريمه إلا لضرورة تستدعي ذلك كحريق ومرض مفاجئ، ونحو ذلك من الضرورات أو الحاجات الملحة.
9 – يجوز للرجل جماع نسائه كلهن في ساعة واحدة ولو كان في نوبة إحداهن فقد روى البخاري من طريق هشام الدستوائي عن قتادة عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن (إحدى عشرة) قال قتادة قلت لأنس أو كان يطيقه؟ قال كنا نتحدث أنه أعطي قوة ثلاثين وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس (تسع نسوة). وبوب عليه البخاري: من طاف على نسائه في غسل واحد، وجاء نحوه عن عائشة قالت: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيطوف على نسائه ثم يصبح محرمًا ينضخ طيبًا) أخرجه البخاري أيضًا، فمثل هذا جائز كما ثبت به الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا كان هذا بإذن صاحبة النوبة أو كان عادة للإنسان أنه ربما وطيء نسائه كلهن في نوبة إحداهن فلا بأس إذ لا جور في ذلك بل هو عدل، وقد كان هذا من عادة سيد الخلق صلى الله عليه وسلم. فإن اغتسل بعد كل جماع فحسن وإن توضأ فهو حسن، وأقل الأحوال أن يغسل ذكره حتى لا تختلط المياه لاختلاف الأرحام.
10 – يجوز اجتماع النساء في بيت صاحبة النوبة وهل إذا لم تحضر تكون ناشزًا؟ فيه تفصيل: إن كان الاجتماع في بيت الزوج؟ نعم.
11 – لا يجوز أن يجمع بين ضرتين في مسكن واحد إلا برضاهن.
12 – لا يجوز أن يستمتع الزوج بزوجته بحضرة أخرى، لا بجماع ولا بغيره .. (انظر فتح الملهم التكملة 1/ 97).
13 – إذا تزوج البكر على الثيب (زوجته أو زوجاته السابقات قطع الدور) وأقام عند البكر سبعة أيام ثم قسم وإذا تزوج ثيبًا على زوجته أو زوجاته السابقات قطع الدور وأقام عندها ثلاثة أيام ثم قسم فإن أرادت الثيب الجديدة أن يمكث عندها سبعًا فلها ذلك إذا رضي الزوج، فإن سبَّع لها سبَّع لسائر زوجاته، ففي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه أنه قال: من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعًا وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثًا ثم قسم. قال أبو قلابة الراوي عن أنس: لو شئت لقلت إن أنسًا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج أم سلمة أقام عندها ثلاثًا فأراد أن يخرج فأخذت بثوبه فقال لها إنه ليس بك على أهلك هوان إن شئت سبَّعت لك، وإن سبَّعت لك سبعت لنسائي وإن شئت ثلَّثت ثم درت قالت: ثلَّث) أ. هـ- (من مجموع الألفاظ عند مسلم). ومعنى قوله (ليس بكِ على أهلكِ هوان) يعني بأهلك نفسه عليه الصلاة والسلام، ومعنى هوان أي هون يريد أنك عزيزة وغالية ولكن هذا القسم هو الحق.
وتخيير الزوج الثيب بين ثلاث وسبع ليس بواجب بل هو سنة ولا يجب على الزوج مشاورة البواقي فيما تختار الثيب الجديدة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشاور زوجاته في ذلك.
فإن قيل لم زاد الثيب أربعة أيام وقضى البواقي سبعًا قيل هذا من العدل لأنه أخر حقهن وزاد الأولى أربعًا.
فإن قيل لما خص البكر بسبع والثيب بثلاث قيل الحكمة ظاهرة لوجهين.
أولاً: قوة الرغبة في البكر غالبا. (وفي هذا مراعاة الرجل).
ثانيا: استيحاش البكر من الرجال غالبًا فزيد في المدة للإستئناس. (وفي هذا مراعاة للمرأة).
14 – وإذا تزوج بكرًا على بكر ويتصور هذا لو عقد على بكر وتردد عليها من غير جماع ثم تزوج بكرًا أخرى فهل حكمه كحكم من تزوج بكرًا على ثيب؟
الجواب نعم ويكون معنى قوله: (تزوج البكر على الثيب) من باب الأغلب مع أن هذه الصورة نادرة.
15 – تجب الموالاة في سبع البكر وثلاث الثيب ولو فرق لم تحسب أصلا على القول الراجح.
13 – بعد انقضاء أيام البكر أو الثيب يدور على باقي نسائه وتصبح الجديدة آخرهن نوبة.
16 – إذ سافر بجديدة وقديمة بقرعة أو برضى البواقي تمم للجديدة حق العقد ثم قسم بينها وبين الأخرى.
18 – إذا أقام الزوج عند الثيب سبعا فأقام بغير اختيارها في الأربع الزائدة فانه يقضي للباقيات الأربع الزائدة فقط لأن مكثه عندها بغير رضاها فلم تؤاخذ به.
19 – وإذا تزوج بكرين في عقد واحد كما لو عقد له رجل على ابنته وابنة أخيه (ابنتي عم) فإنه يقرع بينهما فإذا خرجت قرعة إحداهن مكث عندها سبعًا ثم الأخرى سبعًا وإن تقدم عقد إحداهما على الأخرى فزفت إليه قبلًا فهي المقدمة بلا قرعة.
20 – إذا تزوج امرأة بكرًا أو ثيبًا وليس عنده غيرها، فلا يتعين عليه التسبيع أو التثليث، لأنه لم ينكحها على غيرها، وهي طِلق له دهرها، فلم تقع المشاحة في الزمن حتى يلزمه التسبيع أو التثليث على القول الراجح.
21 – لو تزوج وهو في سفر ومعه بعض نسائه قسم للجديدة ثلاث أو سبع (بحسب حالتها) ثم عدل بينها وبين المستصحبات في السفر.
22 – إذا سافر الزوج بنسائه كلهن أو بدونهن فلا إشكال، وكذا إذا سافر بواحدة أو أكثر وترك البعض ورضي المقيمات بذلك فلا إشكال أيضًا، فإن أبين فلا بد من القرعة فمن خرجت قرعتها سافر بها سواء في يومها أو في يوم غيرها، وإذا عاد من سفره قسم لهن ولم يقض للمقيمات.
ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أراد سفرًا أقرع بين نسائه فآيتهن خرج سهمها خرج بها معه) قال ابن القيم في الهدي (5/ 151) إذا أراد السفر لم يجز أن يسافر بإحداهن إلا بقرعة، وقال: إنه لا يقضي للبواقي إذا قدم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقضي للبواقي. أ. هـ.
أما إذا خرج بدون قرعة بإحداهن أو بعضهن فإنه إذا قدم يقضي للبواقي حقهن متواليا ويحسب عليه مدة غيابه بما فيها الذهاب والإياب، وقولنا يقضي حقهن متواليا لأن هذا حق مجتمع في ذمته فليقضه من غير تأخير ومن ضرورة ذلك التوالي ولا يقسط عليهن إلا بإذنهن. قال في الإنصاف: إذا رضي الزوجات بسفر واحدة معه، فإنه يجوز بلا قرعة نعم إذا لم يرض الزوج بها وأراد غيرها أقرع. أ. هـ. قلت: فإن خرج سهم التي لم يردها أولًا لزمه السفر بها.
23 – إذا سافر بزوجتين بقرعة عدل بينهما فان ظلم أحداهما قضى لها بالسفر فان لم يتفق قضى في الحضر من نوبة التي ظلمها بها.
24 – لو استصحب واحدة بقرعة وأخرى بلا قرعة عدل بينهما أيضا ثم إذا رجع قضى للمخلفة من نوبة المستصحبة بلا قرعة.
25 – إذا سافر الزوج بامرأة لحاجتها فإنه يقضي للبواقي.
26 – إذا سافرت الزوجة في حاجة لها ولزوجها جميعًا فلا يسقط حقها في القسم فيقضي لها إذا عادت وضم حاجتها إلى حاجته لا يضرها.
27 – إذا خرجت القرعة لإحداهن في السفر لم يجز السفر بغيرها فإن أبت صاحبة القرعة فله إكراهها على السفر معه فإن أبت فهي ناشز عاصية وللزوج استئناف القرعة مرة أخرى.
28 – من لا يمكن اصطحابها في السفر لمرض أو نحوه فإنه يخرج بالأخرى فإن كن أكثر من اثنتين أقرع بينهن لأن القرعة إنما تكون مع استواء حالهن وصلاحيتهن للسفر وهذه قاعدة القرعة.
29 – إذا سافرت المرأة في حاجة لها بإذن الزوج فلا قسم لها، فإذا عادت لا يقضي لها على القول الراجح، وإذنه لها لدفع الإثم عنها، وأما إذا سافرت في حاجة له أي للزوج بإذنه، فإنه يقضي لها إذا عادت وأما إذا سافرت في حاجة لها بلا إذن الزوج فهي عاصية ناشز لا قسم لها ولا نفقة.
30 – لو سافر ببعض نسائه بقرعة فأراد إبقاء إحداهن أو بعضهن في بعض المنازل في السفر فبالقرعة.
31 – لو خرج مسافرًا وحده ثم نكح في سفره لم يلزمه القضاء للباقيات لأنه تجدد حقها في وقت لم يكن عليه تسوية وإن خرج لأجل النكاح احتسب عليه مدة الغياب بعد حق المنكوحة.
32 – إذا سافر بإحدى زوجاته بقرعة إلى محل ثم بدا له غيره أو أبعد منه فله أن يصحبها معه لأن حكمه حكم سفر القرعة.
33 – إذا تزوج امرأة وأراد السفر بها لم يجز إلا بقرعة بينها وبين نسائه ويحتمل أن له السفر بلا قرعة ووجه ذلك أن القسم قسمان ابتدائي واستمراري وهذه الجديدة قسمها ابتدائي بنص الحديث تستحقه بلا قرعة وشرط القرعة تساوي جهات الاستحقاق وهذه لها البداءة كما لو تزوجها ومكث أيامًا ثم سافر بها قبل انقضاء حق العقد فلم يحتج إلى القرعة فكذا في مسألتنا ويتداخل حق العقد مع حق السفر فإن قدم من سفره قبل مضي مدة ينقضي بها حق العقد أتمه في الحضر.
34 – للمرأة أن تهب ليلتها لإحدى ضراتها فإن لم يقبل الزوج فإنه يقسم للواهبة ويرد هبتها وإن قبل فلا يجوز للزوج جعلها لغير الموهوبة وإن وهبتها للزوج فله جعلها لمن شاء منهن، وفي حال هبتها لضرتها إذا كانت ليلة الواهبة تلي ليلة الموهوبة قسم لها ليلتين متواليتين، وإن كانت لا تليها، فهل له نقلها إلى مجاورتها؟ الصحيح عدم الجواز إلا بإذن البواقي، لأن في ذلك تأخير حق غيرها، وتغيير لليلتها بغير رضاها، (وهو اختيار صاحب المغني) وللزوج إن وهبته إحدى نسائه ليلتها له أن يجعلها مرة لأحدى نسائه ومرة لأخرى أو يجعله مشاعًا بينهن ومعنى مشاعًا بينهن أن وجود الواهبة كعدمها فيبقى القسم للأخريات بينهن.
وأصل المسألة ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها (أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقسم لعائشة بيومها ويوم سودة). وللواهبة أن ترجع متى شاءت في المستقبل دون الماضي لأن الأيام تتجدد فهي هبة في شيء لم يقبض فحقها يتجدد أما الماضي فقد قبض ولا رجعة لها فيه.
وقولنا (للواهبة أن ترجع متى شاءت) هذا ما لم يكن صلحًا بينهما كما لو كره الزوج المقام معها أو عجز عن حقوقها أو بعض حقوقها فخيرها بين الطلاق وبين المقام معه على أن لاحق لها في القسم والوطء والنفقة أو في بعض ذلك بحسب ما يتفقان عليه، فإن رضيت بذلك لزم وليس لها المطالبة بعد الرضى وليس لها الرجوع بعد ذلك فإن هذا الصلح جرى مجرى المعاوضة وهذا هو الصواب الذي لا يسوغ غيره. أ. هـ. انظر زاد المعاد (5/ 153).
35 – يباح للرجل إذا كره من إحدى نسائه شيئًا أن يخبرها بين الأثرة عليها أو الطلاق. فإن اختارت الطلاق فالأمر ظاهر. وإن اختارت البقاء مع الأثرة فلا صبر عليه لأنه لا يلزمه إمساكها، ولهذا، هبت سودة يومها لعائشة، وفي الباب قصة أبي رافع مع ابنة محمد بن مسلمة (انظر التمهيد 16/ 379).
36 – لو وهبت نوبتها لامرأة معينة وأذن الزوج وأبت الموهوبة فيقسم للموهوبة ولا يشترط رضاها.
37 – إذا شق القسم على الزوج المريض فإنه يستأذن زوجاته في المكث عند إحداهن كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا أذنَّ له مكث عند إحداهن فإذا أبين إلا أن يدور أو تشاححن ولم يكن به قدرة على الدوران فإنه يقرع فأبتهن خرج سهمها مكث عندها وعلم مما تقدم أنه إذا كان مرضه لا يمنعه من القسم فيجب عليه القسم.
38 – القسم في أثناء السفر في النزول والمسايرة في الطريق
39 – إذا رغبت المريضة والنفساء ونحوهن في تأخير قسمهن ثم القضاء بعد متواليًا لم يجز إلا برضى الزوج وإذن سائر نسائه.
40 – من كان له امرأتان في بلدين فعليه العدل بينهما لأنه اختار المباعدة بينهما فلا يسقط حقهما، فإما أن يمضي إلى الغائبة في أيامها وإما أن يقدمها إليه فإن امتنعت من القدوم مع الإمكان فهي ناشز لا حق لها في القسم وإن أحب أن يقسم بينهما في بلديهما ولم يمكن القسم ليلة ليلة جعل القسم على حسب ما يمكن كشهر أو أكثر أو أقل.
41 – يجوز للمرأة أن تبذل قسمها لزوجها بمال فتعاوضه على ليلتها على القول الراجح، وأما بذلها مالًا لزوجها ليزيدها في القسم على حساب ضراتها فحرام لأنه رشوة.
42 – من أتاها زوجها ليبيت عندها فأغلقت بابها دونها ومنعته من الاستمتاع أو قالت لا تدخل علي فهي ناشز لا قسم لها.
43 – إذا طلق الرجل إحدى زوجاته طلاقًا رجعيًا وكان عنده أربع زوجات فلا يحل له أن يتزوج ما دامت مطلقة بالعدة باتفاق العلماء، لأن الرجعية كالزوجة في كثير من الأحكام، فلا يحل له أن يجمع تحته خمسًا، وحينئذ يجب أن ينظر حتى يخرج مطلقته من العدة، أما إذا كان الطلاق بائنًا فالجمهور على جواز نكاحه فورًا.
44 – تجزي أضحية واحدة عن الرجل ونسائه، ولهذا ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بأضحية واحدة عنه وعن أهل بيته وأما الهدايا في الحج فعلى كل واحدة هدي إذا تمتعت أو قرنت
45 – لا يجوز أن تؤخذ بويضة المرأة ثم تلقح بماء زوجها ثم توضع في رحم ضرتها.
46 – لو مات الزوج فلزوجاته أن يغسلنه فان وضعت إحداهن وهو على السرير فلا يجوز لها أن تغسله لخروجها من العدة وحلها للأزواج.
47 – إذا مات المعدد يحد جميع نسائه وهذا لإخفاء به لكن عند بعض النساء اعتقاد فاسد أنه إذا ولدت إحداهن بعد موته ولدا فإنها ترفع الإحداد عن نفسها وعن سائر ضراتها وهذا باطل فالبواقي على أحدادهن حتى يخرجن من العدة على حسب حالهن.
48 – إذا حبس الزوج فهو باق على نصيبه منهن وهن كذلك فإذا أمكن خروجه إليهن أو ترددهن إليه فذاك ولو تباعد ما بين ذلك فهو على ترتيب النوبات.
وختاما أقول والعاقل من الأزواج صاحب الدين يستطيع صيانة دينه ونفسه وعرضه دون كثير عناء والأحمق منهم لا يزيده ما ذكرت إلا بلاء وفتنة وحيرة والموفق من وفقه الله والمهتدي من هداه الله والصلاة والسلام على رسول الله. أ. هـ
[الحلل الإبريزية من التعليقات البازية على صحيح البخاري 4/ 71]
_____
[فَصْلٌ فِي حُكْمِهِ ? فِي قَسْمِ الِابْتِداءِ والدَّوامِ بَيْنَ الزَّوْجاتِ]
ثَبَتَ فِي «الصَّحِيحَيْنِ»: عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: «مِنَ السُّنَّةِ إذا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ البِكْرَ عَلى الثَّيِّبِ، أقامَ عِنْدَها سَبْعًا وقَسَمَ، وإذا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ، أقامَ عِنْدَها ثَلاثًا، ثُمَّ قَسَمَ». قالَ أبُو قِلابَةَ: ولَوْ شِئْتُ لَقُلْتُ إنَّ أنسا رَفَعَهُ إلى النَّبِيِّ ?.
وهَذا الَّذِي قالَهُ أبُو قِلابَةَ، قَدْ جاءَ مُصَرَّحًا بِهِ عَنْ أنس، كَما رَواهُ البزار فِي «مُسْنَدِهِ» مِن طَرِيقِ أيُّوبَ السِّخْتِيانِيِّ عَنْ أبي قلابة عَنْ أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ النَّبِيَّ ?: («جَعَلَ لِلْبِكْرِ سَبْعًا ولِلثَّيِّبِ ثَلاثًا»).
ورَوى الثَّوْرِيُّ عَنْ أيوب وخالِدٍ الحَذّاءِ كِلاهُما عَنْ أبي قلابة عَنْ أنس، أنَّ النَّبِيَّ ? قالَ: («إذا تَزَوَّجَ البِكْرَ أقامَ عِنْدَها سَبْعًا وإذا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ أقامَ عِنْدَها ثَلاثًا»).
وفِي «صَحِيحِ مسلم»: عَنْ («أم سلمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها لَمّا تَزَوَّجَها رَسُولُ اللَّهِ ? فَدَخَلَ عَلَيْها أقامَ عِنْدَها ثَلاثًا ثُمَّ قالَ: «إنَّهُ لَيْسَ بِكِ عَلى أهْلِكِ هَوانٌ إنْ شِئْتِ سَبَّعْتُ لَكِ وإنْ سَبَّعْتُ لَكِ سَبَّعْتُ لِنِسائِي»)، ولَهُ فِي لَفْظٍ» لَمّا أرادَ أنْ يَخْرُجَ أخَذَتْ بِثَوْبِهِ فَقالَ: («إنْ شِئْتِ زِدْتُكِ وحاسَبْتُكِ بِهِ لِلْبِكْرِ سَبْعٌ ولِلثَّيِّبِ ثَلاثٌ»).
وفِي «السُّنَنِ»: عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها كانَ رَسُولُ اللَّهِ ? يَقْسِمُ فَيَعْدِلُ ويَقُولُ: («اللَّهُمَّ إنَّ هَذا قَسْمِي فِيما أمْلِكُ فَلا تَلُمْنِي فِيما تَمْلِكُ ولا أمْلِكُ») يَعْنِي القَلْبَ.
وفِي «الصَّحِيحَيْنِ»: أنَّهُ ?: («كانَ إذا أرادَ سَفَرًا أقْرَعَ بَيْنَ نِسائِهِ فَأيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُها خَرَجَ بِها مَعَهُ»).
وفِي ” الصَّحِيحَيْنِ («أنَّ سودة وهَبَتْ يَوْمَها لعائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها وكانَ النَّبِيُّ ? يَقْسِمُ لعائشة يَوْمَها ويَوْمَ سودة»).
وفِي «السُّنَنِ»: «عَنْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها كانَ النَّبِيُّ ? لا يُفَضِّلُ بَعْضَنا عَلى بَعْضٍ فِي القَسْمِ مِن مُكْثِهِ عِنْدَنا، وكانَ قَلَّ يَوْمٌ إلّا وهُوَ يَطُوفُ عَلَيْنا جَمِيعًا، فَيَدْنُو مِن كُلِّ امْرَأةٍ مِن غَيْرِ مَسِيسٍ حَتّى يَبْلُغَ إلى الَّتِي هُوَ يَوْمُها فَيَبِيتُ عِنْدَها».
وفِي «صَحِيحِ مسلم»: («إنَّهُنَّ كُنَّ يَجْتَمِعْنَ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي بَيْتِ الَّتِي يَاتِيها»).
وفِي «الصَّحِيحَيْنِ»: عَنْ (عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فِي قَوْلِهِ: {وإنِ امْرَأةٌ خافَتْ مِن بَعْلِها نُشُوزًا أوْ إعْراضًا} [النساء (128)] أُنْزِلَتْ فِي المَرْأةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَطُولُ صُحْبَتُها فَيُرِيدُ طَلاقَها، فَتَقُولُ: لا تُطَلِّقْنِي وأمْسِكْنِي، وأنْتَ فِي حِلٍّ مِنَ النَّفَقَةِ عَلَيَّ والقَسْمِ لِي، فَذَلِكَ قَوْلُهُ {فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحًا والصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء (128)]).
وقَضى خَلِيفَتُهُ الرّاشِدُ وابْنُ عَمِّهِ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنَّهُ إذا تَزَوَّجَ الحُرَّةَ عَلى الأمَةِ قَسَمَ لِلْأمَةِ لَيْلَةً، ولِلْحُرَّةِ لَيْلَتَيْنِ.
وقَضاءُ خُلَفائِهِ وإنْ لَمْ يَكُنْ مُساوِيًا لِقَضائِهِ، فَهُوَ كَقَضائِهِ فِي وُجُوبِهِ عَلى الأمَةِ، وقَدِ احْتَجَّ الإمامُ أحْمَدُ بِهَذا القَضاءِ عَنْ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وقَدْ ضَعَّفَهُ أبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ بالمنهال بن عمرو، وبابن أبي ليلى، ولَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا، فَإنَّهُما ثِقَتانِ حافِظانِ جَلِيلانِ، ولَمْ يَزَلِ النّاسُ يَحْتَجُّونَ بابن أبي ليلى عَلى شَيْءٍ ما فِي حِفْظِهِ يُتَّقى مِنهُ ما خالَفَ فِيهِ الأثْباتَ وما تَفَرَّدَ بِهِ عَنِ النّاسِ وإلّا فَهُوَ غَيْرُ مَدْفُوعٍ عَنِ الأمانَةِ والصَّدْقِ فَتَضَمَّنَ هَذا القَضاءُ أُمُورًا.
مِنها وُجُوبُ قَسْمِ الِابْتِداءِ وهُوَ أنَّهُ إذا تَزَوَّجَ بِكْرًا عَلى ثَيِّبٍ، أقامَ عِنْدَها سَبْعًا ثُمَّ سَوّى بَيْنَهُما، وإنْ كانَتْ ثَيِّبًا خَيَّرَها بَيْنَ أنْ يُقِيمَ عِنْدَها سَبْعًا، ثُمَّ يَقْضِيها لِلْبَواقِي وبَيْنَ أنْ يُقِيمَ عِنْدَها ثَلاثًا ولا يُحاسِبُها، هَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ وخالَفَ فِيهِ إمامُ أهْلِ الرَّأْيِ وإمامُ أهْلِ الظّاهِرِ، وقالُوا: لا حَقَّ لِلْجَدِيدَةِ غَيْرَ ما تَسْتَحِقُّهُ الَّتِي عِنْدَهُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُما.
ومِنها. أنَّ الثَّيِّبَ إذا اخْتارَتِ السَّبْعَ قَضاهُنَّ لِلْبَواقِي، واحْتَسَبَ عَلَيْها بِالثَّلاثِ، ولَوِ اخْتارَتِ الثَّلاثَ لَمْ يَحْتَسِبْ عَلَيْها بِها، وعَلى هَذا مَن سُومِحَ بِثَلاثٍ دُونَ ما فَوْقَها فَفَعَلَ أكْثَرَ مِنها، دَخَلَتِ الثَّلاثُ فِي الَّذِي لَمْ يُسامِحْ بِهِ بِحَيْثُ لَوْ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ إثْمٌ، أثِمَ عَلى الجَمِيعِ وهَذا كَما رَخَّصَ النَّبِيُّ ? لِلْمُهاجِرِ أنْ يُقِيمَ بَعْدَ قَضاءِ نُسُكِهِ ثَلاثًا. فَلَوْ أقامَ أبَدًا ذُمَّ عَلى الإقامَةِ كُلِّها.
ومِنها: أنَّهُ لا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَ النِّساءِ فِي المَحَبَّةِ فَإنَّها لا، تُمْلَكُ وكانَتْ عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أحَبَّ نِسائِهِ إلَيْهِ. وأُخِذَ مِن هَذا أنَّهُ لا تَجِبُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُنَّ فِي الوَطْءِ لِأنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلى المَحَبَّةِ والمَيْلِ وهِيَ بِيَدِ مُقَلِّبِ القُلُوبِ.
وفِي هَذا تَفْصِيلٌ: وهُوَ أنَّهُ إنْ تَرَكَهُ لِعَدَمِ الدّاعِي إلَيْهِ وعَدَمِ الِانْتِشارِ فَهُوَ مَعْذُورٌ، وإنْ تَرَكَهُ مَعَ الدّاعِي إلَيْهِ، ولَكِنَّ داعِيَهُ إلى الضَّرَّةِ أقْوى، فَهَذا مِمّا يَدْخُلُ تَحْتَ قُدْرَتِهِ ومِلْكِهِ فَإنْ أدّى الواجِبَ عَلَيْهِ مِنهُ، لَمْ يَبْقَ لَها حَقٌّ، ولَمْ يَلْزَمْهُ التَّسْوِيَةُ، وإنْ تَرَكَ الواجِبَ مِنهُ فَلَها المُطالَبَةُ بِهِ.
ومِنها: إذا أرادَ السَّفَرَ لَمْ يَجُزْ لَهُ أنْ يُسافِرَ بِإحْداهُنَّ إلّا بِقُرْعَةٍ.
ومِنها: أنَّهُ لا يَقْضِي لِلْبَواقِي إذا قَدِمَ، فَإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? لَمْ يَكُنْ يَقْضِي لِلْبَواقِي.
وفِي هَذا ثَلاثَةُ مَذاهِبَ.
أحَدُها: أنَّهُ لا يَقْضِي سَواءٌ أقْرَعَ أوْ لَمْ يُقْرِعْ، وبِهِ قالَ أبو حنيفة ومالك.
والثّانِي: أنَّهُ يَقْضِي لِلْبَواقِي أقْرَعَ أوْ لَمْ يُقْرِعْ، وهَذا مَذْهَبُ أهْلِ الظّاهِرِ.
والثّالِثُ: أنَّهُ إنْ أقْرَعَ لَمْ يَقْضِ، وإنْ لَمْ يُقْرِعْ قَضى، وهَذا قَوْلُ أحمد والشّافِعِيِّ.
ومِنها: أنَّ لِلْمَرْأةِ أنْ تَهَبَ لَيْلَتَها لِضَرَّتِها، فَلا يَجُوزُ لَهُ جَعْلُها لِغَيْرِ المَوْهُوبَةِ، وإنْ وهَبَتْها لِلزَّوْجِ، فَلَهُ جَعْلُها لِمَن شاءَ مِنهُنَّ، والفَرْقُ بَيْنَهُما أنَّ اللَّيْلَةَ حَقٌّ لِلْمَرْأةِ فَإذا أسَقَطَتْها وجَعَلَتْها لِضَرَّتِها تَعَيَّنَتْ لَها، وإذا جَعَلَتْها لِلزَّوْجِ جَعَلَها لِمَن شاءَ مِن نِسائِهِ، فَإذا اتَّفَقَ أنْ تَكُونَ لَيْلَةُ الواهِبَةِ تَلِي لَيْلَةَ المَوْهُوبَةِ، قَسَمَ لَها لَيْلَتَيْنِ مُتَوالِيَتَيْنِ، وإنْ كانَتْ لا تَلِيها فَهَلْ لَهُ نَقْلُها إلى مُجاوَرَتِها فَيَجْعَلُ اللَّيْلَتَيْنِ مُتَجاوِرَتَيْنِ؟ عَلى قَوْلَيْنِ لِلْفُقَهاءِ وهُما فِي مَذْهَبِ أحْمَدَ والشّافِعِيِّ.
ومِنها: أنَّ الرَّجُلَ لَهُ أنْ يَدْخُلَ عَلى نِسائِهِ كُلِّهِنَّ فِي يَوْمِ إحْداهُنَّ، ولَكِنْ لا يَطَؤُها فِي غَيْرِ نَوْبَتِها.
ومِنها: أنَّ لِنِسائِهِ كُلِّهِنَّ أنْ يَجْتَمِعْنَ فِي بَيْتِ صاحِبَةِ النَّوْبَةِ يَتَحَدَّثْنَ إلى أنْ يَجِيءَ وقْتُ النَّوْمِ، فَتَؤُوبَ كُلُّ واحِدَةٍ إلى مَنزِلِها.
ومِنها: أنَّ الرَّجُلَ إذا قَضى وطَرًا مِنَ امْرَأتِهِ، وكَرِهَتْها نَفْسُهُ، أوْ عَجَزَ عَنْ حُقُوقِها، فَلَهُ أنْ يُطَلِّقَها، ولَهُ أنْ يُخَيِّرَها إنْ شاءَتْ أقامَتْ عِنْدَهُ، ولا حَقَّ لَها فِي القَسْمِ والوَطْءِ والنَّفَقَةِ، أوْ فِي بَعْضِ ذَلِكَ بِحَسَبِ ما يَصْطَلِحانِ عَلَيْهِ، فَإذا رَضِيَتْ بِذَلِكَ، لَزِمَ، ولَيْسَ لَها المُطالَبَةُ بِهِ بَعْدَ الرِّضى.
هَذا مُوجَبُ السُّنَّةِ ومُقْتَضاها وهُوَ الصَّوابُ الَّذِي لا يَسُوغُ غَيْرُهُ، وقَوْلُ مَن قالَ إنَّ حَقَّها يَتَجَدَّدُ، فَلَها الرُّجُوعُ فِي ذَلِكَ مَتى شاءَتْ فاسِدٌ، فَإنَّ هَذا خَرَجَ مَخْرَجَ المُعاوَضَةِ وقَدْ سَمّاهُ اللَّهُ تَعالى صُلْحًا، فَيَلْزَمُ كَما يَلْزَمُ ما صالَحَ عَلَيْهِ مِن الحُقُوقِ والأمْوالِ ولَوْ مُكِّنَتْ مِن طَلَبِ حَقِّها بَعْدَ ذَلِكَ، لَكانَ فِيهِ تَاخِيرُ الضَّرَرِ إلى أكْمَلِ حالَتَيْهِ، ولَمْ يَكُنْ صُلْحًا، بَلْ كانَ مِن أقْرَبِ أسْبابِ المُعاداةِ، والشَّرِيعَةُ مُنَزَّهَةٌ عَنْ ذَلِكَ، ومِن عَلاماتِ المُنافِقِ أنَّهُ إذا وعَدَ أخْلَفَ وإذا عاهَدَ غَدَرَ والقَضاءُ النَّبَوِيُّ يَرُدُّ هَذا.
ومِنها: أنَّ الأمَةَ المُزَوَّجَةَ عَلى النِّصْفِ مِنَ الحُرَّةِ كَما قَضى بِهِ أمِيرُ المُؤْمِنِينَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، ولا يُعْرَفُ لَهُ فِي الصَّحابَةِ مُخالِفٌ وهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الفُقَهاءِ إلّا رِوايَةً عَنْ مالك أنَّهُما سَواءٌ، وبِها قالَ أهْلُ الظّاهِرِ وقَوْلُ الجُمْهُورِ هُوَ الَّذِي يَقْتَضِيهِ العَدْلُ، فَإنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَ الحُرَّةِ والأمَةِ لا فِي الطَّلاقِ، ولا فِي العِدَّةِ، ولا فِي الحَدِّ، ولا فِي المِلْكِ، ولا فِي المِيراثِ، ولا فِي الحَجِّ، ولا فِي مُدَّةِ الكَوْنِ عِنْدَ الزَّوْجِ لَيْلًا ونَهارًا، ولا فِي أصْلِ النِّكاحِ – بَلْ جَعَلَ نِكاحَها بِمَنزِلَةِ الضَّرُورَةِ – ولا فِي عَدَدِ المَنكُوحاتِ، فَإنَّ العَبْدَ لا يَتَزَوَّجُ أكْثَرَ مِنَ اثْنَتَيْنِ، هَذا قَوْلُ الجُمْهُورِ ورَوى الإمامُ أحْمَدَ بِإسْنادِهِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: (يَتَزَوَّجُ العَبْدُ ثِنْتَيْنِ ويُطَلِّقُ ثِنْتَيْنِ وتَعْتَدُّ امْرَأتُهُ حَيْضَتَيْنِ) واحْتَجَّ بِهِ أحمد ورَواهُ أبو بكر عبد العزيز عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قالَ: لا يَحِلُّ لِلْعَبْدِ مِنَ النِّساءِ إلّا ثِنْتانِ.
ورَوى الإمامُ أحْمَدُ بِإسْنادِهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ قالَ: (سَألَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ النّاسَ كَمْ يَتَزَوَّجُ العَبْدُ؟ فَقالَ عبد الرحمن ثِنْتَيْنِ وطَلاقُهُ ثِنْتَيْنِ). فَهَذا عمر وعلي وعبد الرحمن رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، ولا يُعْرَفُ لَهُمْ مُخالِفٌ فِي الصَّحابَةِ مَعَ انْتِشارِ هَذا القَوْلِ وظُهُورِهِ ومُوافَقَتِهِ لِلْقِياسِ.
زاد المعاد في هدي خير العباد (5) / (13)
___
السؤال الخامس من الفتوى رقم ((5741))
س (5): العريس مع زوجته أسبوعا مع البكر، ومع الثيب ثلاثا، لا يخرج لصلاة الجماعة، هل هو في السنة حتى عدم الخروج للصلاة؟
ج (5): إذا تزوج بكرا أقام عندها سبعا ثم قسم، وإن كانت
ثيبا أقام عندها ثلاثا، فإن أحبت أن يقيم عندها سبعا فعل وقضاهن للبواقي، والأصل في ذلك: ما روى أبو قلابة عن أنس -رضي الله عنه-، قال: «من السنة إذا تزوج الرجل البكر على الثيب أقام عندها سبعا وقسم، وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم، قال أبو قلابة: لو شئت لقلت: إن أنسا رفعه إلى النبي ? ((1))». متفق عليه ولفظه للبخاري. وما روته أم سلمة -رضي الله عنها-، «أن النبي ? لما تزوجها أقام عندها ثلاثا وقال: إنه ليس بك هوان على أهلك، فإن شئت سبعة لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي ((2))» رواه مسلم. ولا يجوز لمن تزوج بكرا أو ثيبا أن يتأخر عن صلاة الجماعة في المسجد بحجة أنه متزوج؛ لعدم الدليل على ذلك، وليس في الحديثين المذكورين ما يقتضي ذلك. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … نائب الرئيس … الرئيس
عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
قال الإتيوبي:
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان قدر ما تستحقّه البكر، والثيّب من إقامة الزوج عندها عقب الزفاف، وهو أن للبكر سبع ليال، وللثيّب ثلاث ليال.
2 – (ومنها): بيان ما كان عليه النبيّ صلى الله عليه وسلم، من حسن العشرة والملاطفة مع أهله، حيث قال لها: “ليس بك على أهلك هوان”.
3 – (ومنها): بيان استحباب ملاطفة الأهل والعيال، وغيرهم، وتقريب الحقّ من فهم المخاطب؛ ليرجع إليه.
4 – (ومنها): بيان أنه ينبغي اللطف والرفق بمن يُخْشَى منه كراهية الحقّ، حتى يتبيّن له وجه ترجيحه، فيرجع إليه.
5 – (ومنها): بيان العدل بين الزوجات.
6 – (ومنها): بيان أن حقّ الزِّفَاف ثابت للمزفوفة، وتُقَدَّم به على غيرها، فإن كانت بكرًا كان لها سبع ليال بأيامها بلا قضاء، وإن كانت ثَيِّبًا كان لها الخيار، إن شاءت سبعًا، ويَقضي السبعَ لباقي النساء، وإن شاءت ثلاثًا، ولا يقضي، وهذا مذهب الجمهور، وهو الصحيح؛ لأنه الذي ثبتت فيه هذه الأحاديث الصحيحة، وسيأتي بيان الاختلاف في المسألة التالية – إن شاء الله تعالى -.
[تنبيه]: قال في “الفتح”: وتجب الموالاة في السبع، وفي الثلاث، فلو فَرّق لم يُحْسَب على الراجح؛ لأن الْحِشْمة لا تزول به، ثم لا فرق في ذلك بين الحرة والأمة، وقيل: هي على النصف من الحرة، ويجبر الكسر. انتهى.
7 – (ومنها): ما قاله الحافظ أبو عمر بن عبد البرّ رحمه الله: هذا الحديث: “إن سبّعت لك، سبّعت لنسائي”، فإنه لا يقول به مالك، ولا أصحابه، وهذا مما تركوه من رواية أهل المدينة؛ لحديث بصريّ.
وقال أيضًا: من قال بحديث هذا الباب يقول: إن أقام عند البكر، أو الثيب سبعًا، أقام عند سائر نسائه سبعًا سبعًا، وإن أقام عندها ثلاثًا، أقام عند كل واحدة ثلاثًا ثلاثًا، فتأولوا في قوله صلى الله عليه وسلم: “وإن شئت ثلَّثتُ، ودُرْت”، أي درت ثلاثًا ثلاثًا، وهو قول الكوفيين، وفي هذا الباب عجب؛ لأنه صار فيه أهل الكوفة إلى ما رواه أهل المدينة، وصار أهل المدينة إلى ما رواه أهل البصرة. انتهى، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب
[البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج 25/ 734]
___
* ما يؤخذ من الحديثين:
(1) – العدل بين الزوجات واجب، والميل إلى إحداهن دون الأخرى ظلم؛ فيجبعلى الرجل العدلُ ما أمكنه، وأما ما ليس في طوقه، فلا حرج عليه فيه؛ قال تعالى: {ولَنْ تَسْتَطِيعُوا أنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ ولَوْ حَرَصْتُمْ فَلا تَمِيلُوا كُلَّ المَيْلِ} [النساء (129)]، فالعدل الكامل ليس في طوق الإنسان، أو قدرته.
(2) – ومن القسم الواجب ما جاء في هذين الحديثين، من أنّ من تزوَّج وعنده زوجة أو أكثر، فإن كانت الزوجة الجديدة بكرًا، أقام عندها سبع ليال، ثم دار على نسائه، وإن كانت الجديدة ثيِّبًا، أقام عندها ثلاث ليال، ثم دار على نسائه.
(3) – أنّ الزوج يخير الزوجة الجديدة الثيب بعد الثلاث، فإن شاءت أقام عندها سبعًا، ثم أقام عند كل واحدة من نسائه سبعًا، وإن شاءت اكتفت بالثلاث، ودار على نسائه كل واحدة ليلتها فقط.
(4) – إباحة الإقامة عند العروس الجديدة أكثر من ليلة عند أول دخول الزوج بها، فهو من الحفاوة بها، وإكرام مقدمها، وإيناسها، في المسكن الجديد، وإشعارها بالرَّغبة فيها.
(5) – أما الفرق بين البكر والثيب بقدر المكث؛ فهو أنّ البكر غريبة على الزوج، وغريبة على فراق أهلها؛ فاحتاجت لزيادة الإيناس، وإزالة الوحشة.
(6) – وفيه التنبيه على العناية بالقادم؛ بإكرام وفادته، وإيناس وحدته، ومباسطته في الكلام.
(7) – وفيه حسن ملاطفة الزوجة بالكلام اللين بقوله: «ليس بِكِ هَوان على أهلك».
(8) – كما أنّ فيه التمهيد والتوطئة لما سيفعله الإنسان، أو يقوله لصاحبه، ممّا يخشى أنْ يتوهَّم منه نفرة منه، أو عدم رغبة فيه.
(9) – وفيه أنّ الخيار في الثلاث أو السبع الليالي للزوجة الثيب لا للزوج، فالحقلها، لا له.
(10) – وفيه أنّ الزوج من أهل الزوجة، وأنّ الزوجة من أهله أيضًا؛ كما قال ?: «ما علمتُ في أهلي إلاَّ خيرًا».
(11) – وفيه استحباب الصراحة مع من تعامله، فتخبره بما لَهُ من الحق، وما عليه؛ ليكون على بصيرة، ويعلم أنّ ما قلتَ له هو حقه، وما قسم الله له.
* اختلاف العلماء:
اختلف العلماء هل هذا الحكم والتفضيل عامٌّ في كلِّ من عنده زوجة، فأكثر، أم أنّه خاصٌّ بمنْ له زوجات غير الجديدة؟
قال ابن عبد البر: جمهور العلماء على أنّ ذلك حقٌّ للمرأة، بسبب الزفاف، سواءٌ كان عنده زوجة أم لا؛ لِعُموم الحديث.
أما المشهور من مذهب الإمام أحمد: فهذا لمن عنده أكثر من امرأة.
توضيح الأحكام من بلوغ المرام عبد الله بن صالح آل بسام ((452) / (5))