211 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله الديني
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند:
211) قال الامام الترمذي رحمه الله (ج5 ص205): حدثنا قتيبة حدثنا الليث عن أبي الزبير عن جابر أنه قال رمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ فقطعوا أكحله أو أبجله فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار فانتفخت يده فتركه فنزفه الدم فحسمه أخرى فانتفخت يده فلما رأى ذلك قال اللهم لا تخرج نفسي حتى تقر عيني من بني قريظة فاستمسك عرقه فما قطر قطرة حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل إليه فحكم أن يقتل رجالهم ويستحيا نساؤهم يستعين بهن المسلمون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أصبت حكم الله فيهم وكانوا أربع مائة فلما فرغ من قتلهم انفتق عرقه فمات.
…………………….
ترجمة سعد بن معاذ:
ابن النعمان بن امراء القيس ابن عبد الأشهل بن جشم بن الحرث بن الخزرج بن النبيت، واسمه: عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي ثم الأشهلي، وهو كبير الأوس، كما أن سعد بن عبادة كبير الخزرج، أسلم على يد مصعب بن عمير، لما أرسله النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة يعلم المسلمين، فلما أسلم قال لبني عبد الأشهل: كلام رجالكم ونسائكم علي حرام حتى تسلموا، فكان من أعظم الناس بركة في الإسلام، وشهد بدرا بلا خلاف فيه، وشهد أحدا والخندق ورماه يومئذ حبان بن العراقة في أكحله، فعاش شهرا ثم انتفض جرحه فمات منه، وكان موته بعد الخندق بشهر، وبعد قريظة بليال، وأمه كبشة بنت رافع، لها صحبة. (عمدة القاري)
كان بنو قريظة قبل الإسلام حلفاء أوس، وبنو النضير حلفاء خزرج، فلما كانت السنة الخامسة من الهجرة أقبلت الأحابيش من قريش ومن تابعهم وغطفان وأشجع، ومن أطاعهم لحرب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وقامت الحرب بينهم في شوال وهي غزوة الخندق، ودونها نقضت بنو قريظة العهد الذي كان بينهم وبين رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فلما انكشفت الأحزاب عن المدينة، وكفى الله المؤمنين شرهم، آتى جبريل النبي – صلى الله عليه وسلم – ظهر اليوم الذي تفرقت الأحزاب في ليلته فقال (وضعتم السلاح والملائكة لم تضع أسلحتها إن الله يأمرك
بالسير إلى بني قريظة) فأتاهم عصر يومه وحاصرهم خمسا وعشرين ليله فجهدهم الحصار وقذف والله في قلوبهم الرعب، فطلبوا النزول على حكم سعيد بن معاذ سيد الأوس، ظنا منهم أنه يحوط جانبهم، فلا يحكم فيهم بما يستأصل شأفتهم، فلما تواثقوا على ذلك ونزلوا، دعى سعد، وكان قد أصيب أكحله يوم الخنق فجئ به على حمار شاكيا مدمي، فلما دنا قال النبي – صلى الله عليه وسلم – لمن حضره من أوس (قوموا إلى سيدكم) يريد: قوما إليه فأعينوه لينزل برفق، فلما أتى به وجلس مجلسه من النبي – صلى الله عليه وسلم – واخبره أن القوم نزلوا على حكمه قال: فأني أحكم فيهم بأن تقتل مقاتلهم، وتسبي ذريتهم فقال: (لقد حكمت بحكم الملك) أي: أصبت حكمة فيهم، أو قضيت بقضاء ارتضاء الله ونفذه فيهم. ” الميسر في شرح مصابيح السنة ” (3/ 906)
وروى البخاري في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها، قالت: أصيب سعد يوم الخندق، رماه (4122) رجل من قريش، يقال له حبان بن العرقة وهو حبان بن قيس، من بني معيص بن عامر بن لؤي رماه في الأكحل، فضرب النبي صلى الله عليه وسلم خيمة في المسجد ليعوده من قريب، فلما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخندق وضع السلاح واغتسل، فأتاه جبريل عليه السلام وهو ينفض رأسه من الغبار، فقال: ” قد وضعت السلاح، والله ما وضعته، اخرج إليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: فأين فأشار إلى بني قريظة ” فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلوا على حكمه، فرد الحكم إلى سعد، قال: فإني أحكم فيهم: أن تقتل المقاتلة، وأن تسبى النساء والذرية، وأن تقسم أموالهم قال هشام، فأخبرني أبي، عن عائشة: ” أن سعدا قال: اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحب إلي أن أجاهدهم فيك، من قوم [ص:113] كذبوا رسولك صلى الله عليه وسلم وأخرجوه، اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب بيننا وبينهم، فإن كان بقي من حرب قريش شيء فأبقني له، حتى أجاهدهم فيك، وإن كنت وضعت الحرب فافجرها واجعل موتتي فيها، فانفجرت من لبته فلم يرعهم، وفي المسجد خيمة من بني غفار، إلا الدم يسيل إليهم، فقالوا: يا أهل الخيمة، ما هذا الذي يأتينا من قبلكم؟ فإذا سعد يغذو جرحه دما، فمات منها رضي الله عنه ”
وأخرج الإمام أحمد (6/ 141 – 142) عن محمد بن عمرو عن أبيه عن علقمة
ابن وقاص، قال: أخبرتني عائشة قالت:
” خرجت يوم الخندق أقفو آثار الناس، قالت: فسمعت وئيد الأرض ورائي، يعني حس
الأرض، قالت: فالتفت، فإذا أنا بسعد بن معاذ ومعه ابن أخيه الحارث بن أوس
يحمل مجنه، قالت: فجلست إلى الأرض، فمر سعد وعليه درع من حديد قد خرجت منها
أطرافه، فأنا أتخوف على أطراف سعد، قالت: فمر وهو يرتجز ويقول:
ليت قليلا يدرك الهيجا جمل ما أحسن الموت إذا حان الأجل قالت: فقمت فاقتحمت
حديقة، فإذا فيها نفر من المسلمين، وإذا فيهم عمر ابن الخطاب، وفيهم رجل
عليه سبغة له، يعني: مغفرا، فقال عمر: ما جاء بك؟
لعمري والله إنك لجريئة
! وما يؤمنك أن يكون بلاء أو يكون تحوز؟ قالت: فمازال يلومني حتى تمنيت أن
الأرض انشقت لي ساعتئذ فدخلت فيها! قالت: فرفع الرجل السبغة عن وجهه فإذا
طلحة بن عبيد الله، فقال: يا عمر إنك قد أكثرت منذ اليوم، وأين التحوز
أو الفرار إلا إلى الله عز وجل؟ قالت: ويرمي سعدا رجل من المشركين من قريش
يقال له: ابن العرقة بسهم له، فقال له: خذها وأنا ابن العرقة، فأصاب أكحله
فقطعه، فدعا الله عز وجل سعد فقال: اللهم لا تمتني حتى تقر عيني من قريظة،
قالت: وكانوا حلفاء مواليه في الجاهلية، قالت: فرقى كلمه، (أي جرحه)
وبعث الله عز وجل الريح على المشركين، فكفى الله المؤمنين القتال وكان الله
قويا عزيزا، فلحق أبو سفيان ومن معه بتهامة، ولحق عيينة بن بدر ومن معه
بنجد، ورجعت بنو قريظة فتحصنوا في صياصيهم، ورجع رسول الله صلى الله عليه
وسلم إلى المدينة، فوضع السلاح وأمر بقبة من أدم فضربت على سعد في المسجد،
قالت: فجاء جبريل عليه السلام وإن على ثناياه لنقع الغبار فقال: أو قد وضعت
السلاح؟ والله ما وضعت الملائكة بعد السلاح، اخرج إلى بني قريظة فقاتلهم.
قالت: فلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته وأذن في الناس بالرحيل أن
يخرجوا. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فمر على بني غنم، وهم جيران
المسجد حوله، فقال: من مر بكم؟ قالوا: مر بنا دحية الكلبي، وكان دحية
الكلبي تشبه لحيته وسنه ووجهه جبريل عليه السلام، فقالت: فأتاهم رسول الله
صلى الله عليه وسلم فحاصرهم خمسا وعشرين ليلة، فلما اشتد حصرهم، واشتد
البلاء قيل لهم: انزلوا على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستشاروا
أبا لبابة بن عبد المنذر فأشار إليهم أنه الذبح، قالوا: ننزل على حكم سعد
بن معاذ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: انزلوا على حكم سعد بن معاذ،
فنزلوا، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد بن معاذ، فأتي به على
حمار عليه أكاف من ليف، وقد حمل عليه، وحف به قومه فقالوا: يا أبا عمرو
حلفاؤك ومواليك وأهل النكاية ومن قد علمت، فلم يرجع إليهم شيئا ولا يلتفت
إليهم، حتى إذا دنا من دورهم التفت إلى قومه فقال: قد آن أن لا أبالي في الله
لومة لائم، قال: قال أبو سعيد: فلما طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
قوموا إلى سيدكم … الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: احكم فيهم،
قال سعد: فإني أحكم أن تقتل مقاتلهم، وتسبى ذراريهم، وتقسم أموالهم. فقال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: لقد حكمت بحكم الله عز وجل وحكم رسوله، قالت
: ثم دعا سعد، قال: اللهم إن كنت أبقيت على نبيك صلى الله عليه وسلم من حرب
قريش شيئا فأبقني لها، وإن كنت قطعت الحرب بينه وبينهم فاقبضني إليك، قالت
: فانفجر كلمه، وكان قد برئ حتى ما يرى منه إلا مثل الخرص ورجع إلى قبته
التي ضرب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالت عائشة: فحضره رسول الله
صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، قالت:
فوالذي نفس محمد بيده إني لأعرف بكاء عمر من بكاء أبي بكر وأنا في حجرتى،
وكانوا كما قال الله عز وجل: (رحماء بينهم) قال علقمة: قلت: أي أمه فكيف
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع؟ قالت: كانت عينه لا تدمع على أحد
ولكنه كان إذا وجد فإنما هو آخذ بلحيته “.
قال الألباني في الصحيحة (67): وهذا إسناد حسن. وقال الهيثمي في ” مجمع الزوائد ” (6/ 128):
” رواه أحمد وفيه محمد بن عمرو بن علقمة وهو حسن الحديث، وبقية رجاله
ثقات “.
وقال الحافظ في ” الفتح ” (11/ 43): ” وسنده حسن ”
قوله (رمي يوم الأحزاب) أي يوم غزوة الخندق (سعد بن معاذ) نائب الفاعل (فقطعوا) أي الكفار (أكحله) أي أكحل سعد والأكحل عرق في وسط الذراع يكثر فصده (أو) للشك (أبحلة) الأبحل بالموحدة والجيم عرق في باطن الذراع (فحسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنار) أي قطع الدم عنه بالكي (فنزفه) أي خرج منه دم كثير حتى ضعف (فحسمه أخرى) أي مرة أخرى (فلما رأى ذلك) أي فلما رأى سعد عدم قطع الدم (اللهم لا تخرج نفسي) من الإخراج (حتى تقر عيني) من الإقرار وهو من القر بمعنى البرد
والمعنى لا تميتني حتى تجعل قرة عيني من هلاك بني قريظة (فحكم أن تقتل رجالهم وتستحيى نساؤهم) وفي حديث أبي سعيد عند الشيخين فإني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسبى ذراريهم (يستعين بهن المسلمون) أي تقسم نساؤهم بين المسلمين فيستعينون بهن ويستخدمون منهن (وكانوا أربعمائة) اختلف في عدتهم فعند بن إسحاق أنهم كانوا ستمائة وبه جزم أبو عمر بن عبد البر في ترجمة سعد بن معاذ وعند بن عائذ من مرسل قتادة
كانوا سبعمائة وفي حديث جابر هذا كانوا أربعمائة فيجمع أن الباقين كانوا أتباعا
وقد حكى بن إسحاق أنه قيل إنهم كانوا تسعمائة (انفتق عرقه) أي انفتح
ومن الفوائد المتعلقة بقصة سعد بن معاذ:
1 – فيه فضيلة لهذا الصحابي الجليل في إصابته حكم الله في بني قريظة.
2 – من فضائله ما جاء في الصحيحين من حديث عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ ”
لها قال حسان بن ثابت: وما اهتز عرش الله من أجل هالك * سمعنا به إلا لسعد أبي عمرو
قال النوويّ رحمه الله: اختلف العلماء في تأويله، فقالت طائفة: هو على ظاهره، واهتزاز العرش تحرُّكه فرَحًا بقدوم روح سعد، وجعل الله تعالى في العرش تمييزًا حصل به هذا، ولا مانع منه كما قال تعالى: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: 74]، وهذا القول هو ظاهر الحديث، وهو المختار.
قال الجامع (الاثيوبي) عفا الله تعالى عنه: هذا الّذي قاله النوويّ رحمه الله حسنٌ جدًّا.
“مشارق الانوار الوهاجة ” (3/ 394)
واهتزاز العرش ذكر في نظم المتناثر في الحديث المتواتر
وراجع فضائل سعد بن معاذ في ” فتح ذي النعم بالبدر الاتم شرح صحيح مسلم ”
3 – قول النبي صلى الله عليه وسلم ” قوموا إلى سيدكم ”
قال القاراء في المرقاة قيل أي لتعظيمه ويستدل به على عدم كراهته فيكون الأمر للإباحة ولبيان الجواز وقيل معناه قوموا لإعانته في النزول عن الحمار إذ كان به مرض وأثر جرح أصاب أكحله يوم الأحزاب ولو أراد تعظيمه لقال قوموا لسيدكم ومما يؤيده تخصيص الأنصار والتنصيص على السيادة المضافة وأن الصحابة رضي الله عنهم ما كانوا يقومون
قال القرطبي في المفهم (11/ 108): وقوله: ((قوموا لسيدكم أو خيركم))؛ استدل بهذا من قال بجواز القيام للفضلاء، والعلماء، إكراما لهم، واحتراما. وإليه مال عياض، وقال: إنما القيام المنهى عنه: أن يقام عليه وهو جالس، وهو الذي أنكره النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أصحابه، حيث صلوا قياما وهو قاعد للخدش الذي أصابه، فقال لهم: ((ما لكم تفعلون فعل فارس والروم، يقومون على ملوكهم وهم قعود)). وعليه حمل قول عمر بن عبد العزيز: إن تقوموا نقم، وإن تقعدوا نقعد، وإنما يقوم الناس لرب العالمين. وقد رويت لعبدالملك جواز قيام الرجل لوالديه، والزوجة لزوجها. ومذهب مالك: كراهية القيام لأحد مطلقا. واستدل له على ذلك بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((من سره أن يتمثل له الناس قياما، فليتبوأ مقعده من النار)). وعليه حمل قول عمر بن عبدالعزيز. وقد جاء في كتاب أبي داود مرفوعا: ((لا تقوموا كما تقوم الأعاجم، يعظم بعضهم بعضا)). ويعتضد هذا: بأن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن يقم له أحد، ولا يقوم هو لأحد. هذا هو المنقول من سيرته، وعليه درج الخلفاة رضوان الله عليهم، ولو كان القيام لأحد من العظماء مشروعا، لكان أحق الناس بذلك رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وخلفاؤه. ولم فلا.
وتأول بعض أصحابنا حديث: ((قوموا إلى سيدكم)) على أن ذلك مخصوص بسعد، لما تقتضيه تلك الحال المعينة. وقال بعضهم: إنما أمرهم بالقيام له لينزلوه عن الحمار لمرضه، وفيه بعد. والله تعالى أعلم.
واختلف تأويل الصحابة فيمن عنى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بذلك؛ هل الأنصار خاصة، أو جميع من حضر من المهاجرين والأنصار، وعلى الجملة: فهي قضية معينة، محتملة، والتمسك بالقاعدة ال ة أولى. والله تعالى أعلم.
والسيد: المحترم على قومه بما فيه من الخصال الحميدة.
وقوله: ((أو خيركم))؛ على جهة الشك من الراوي، وفي بعض طرقه في غير كتاب مسلم: ((قوموا إلى سيدكم)) من غير شك.
قال الشيخ عبد المحسن العباد في شرح سنن أبي داود: أورد أبو داود باباً في القيام، والقيام يكون للرجل، ويكون إلى الرجل، ويكون على الرجل، فله أحوال ثلاثة: القيام للرجل: بأن يقوم احتراماً له بلا مصافحة ولا معانقة وإنما هو محض قيام وجلوس، وهذا هو الذي لا يسوغ، وهذا هو الذي كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفعلونه لما يعلمون من كراهيته صلى الله عليه وسلم له، وأما إذا كان لاستقباله أو لمعانقته أو لمصافحته فإن ذلك سائغ؛ لأنه قيام إليه وليس قياماً له، ومن ذلك هذا الحديث الذي أورده أبو داود في قصة سعد بن معاذ رضي الله عنه سيد الأوس، لما نزل بنو قريظة على حكمه وجاء على حمار، قال عليه الصلاة والسلام: (قوموا إلى سيدكم أو قوموا إلى خيركم) فهذا قيام إليه، إما لمساعدته في النزول أو لمرافقته أو لاستقباله، وليس هذا قياماً له؛ لأن القيام له هو قيام احترام وتوقير فقط بدون سلام أو بدون استقبال أو أنه يكرمه بذلك، وأما القيام على الرجل فهو القيام على رأسه وهو جالس، وهذا جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية حيث كان المغيرة بن شعبة واقفاً على رأس الرسول صلى الله عليه وسلم يحرسه ومعه السيف، فهذا قيام سائغ إذا دعت الحاجة إليه وحصل أمر يقتضيه، مثلما حصل في هذه القصة، وعلى هذا فالقيام له ثلاثة أحوال، والذي في الحديث هو الحالة الثانية التي هي القيام إليه، فالقيام إليه سائغ، والقيام له غير سائغ، والقيام عليه سائغ عندما تدعو الحاجة إليه.
4 – قال الطبري: البيان عن أن لإمام المسلمين إذا حاصر العدو فسألوهم أن ينزلوهم على حكم رجل من المسلمين مرضية أمانته على الإسلام وأهله، موثوق بعقله ودينه أن يجيبهم إلى ذلك، وإن كان ذلك الرجل غائبا عن الجيش؛ لأن سعدا لم يحضر حصار رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لبني قريظة، حين سألوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أن ينزلوا على حكمه، وكان بالمدينة يعالج كلمه الذي كلم بالخندق، فأرسل إليه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى حكم فيهم، فإن وافق حكمه حكم الله ورسوله أمضي، وإن خالف رد، وقيل للنازلين على حكمه: إن رضيتم بحكم غيره مما يجوز أمضينا حكمه، وإن كرهتم ذلك رددناكم إلى حصنكم.
” التوضيح شرح الجامع الصحيح ” (18/ 260)
وبوب الترمذي (باب ما جاء في النزول على الحكم)
أي نزول العدو على حكم رجل من المسلمين.
5 – قال الشيخ ابن عثيمين: في هذا الحديث فوائد: أولًا: جواز ضرب الخيمة في المسجد, ولكن بشرط أن يكون الذي تضرب عليه الخيمة أهلًا لذلك من كونه سيدًا وشريفًا في قومه, وإلا فلا يمكن أن تضرب خيمة لكل إنسان مرض, الشرط الثاني: ألا يتأذى المسجد وأهله, وهذا أخذناه من النصوص العامة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يؤذى أهل المسجد, حتى قال للرجل الذي يتخطى الرقاب: «اجلس فقد آذيت». فهذان شرطان, والثالث: أن يكون هذا الغرض صحيح, الغرض الصحيح ما ذكره في الحديث.
6 – ومن فوائد هذا الحديث: بيان منزلة سعدبن معاذ رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم حين خصه بهذه الفضيلة أن يمرض في مسجده حتى يعوده من قريب.
7 – ومن فوائد هذا الحديث: حسن خلق النبي صلى الله عليه وسلم ومعاملته لأمته, حيث كان يعود مرضاهم, ويزور أصحاءهم, ويتواضع حتى للعجوز والطفل الصغير – عليه الصلاة والسلام -.
8 – ومن فوائد هذا الحديث: مشروعية عيادة المريض, وضابط المريض الذي يعاد: أنه هو الذي ينقطع من الخروج من بيته, أما المريض الذي يخرج فهذا لا يعاد؛ لأنه لا حاجة إلى عيادته.
9 – ومن فوائد هذا: أن قرب مكان العيادة سبب لوجودها وهذا هو الواقع؛ يعني: لو كان هناك مسلم مريضًا وهو قريب منك سهل عليك أن تعوده, فإذا كان بعيدًا شق عليك وربما لا تعوده في الأسبوع إلا مرة.
” فتح ذي الجلال والاكرام شرح بلوغ المرام ” (1/ 641)