210 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
قال الشيخ مقبل:
210 – قال أبو داود (ج (10) ص (314)): حدثنا عثمان بن أبي شيبة أخبرنا عبد الأعلى وإسماعيل عن برد بن سنان عن عطاء عن جابر قال: كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها فلا يعيب ذلك عليهم.
هذا حديث صحيحٌ، رجاله رجال الصحيح، إلا برد بن سنان، وقد وثَّقه ابن معين وغيره.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أولاً: دراسة الحديث رواية:*
* أخرجه أبو داود في سننه ((3838))، وقال الشيخ الألباني في «الثمر المستطاب» (1) / (8): إسناده جيد.
* صححه الألباني في سنن أبي داود (3838).
* جاء في أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري) (6) / (4044): “قال الحافظ: أخرجه أبو داود والبزار، وهذا لفظ أبي داود، وفي رواية البزار «فنغسلها ونأكل فيها» ((2))
صحيح
وله عن جابر طريقان:
الأول: يرويه عطاء بن أبي رباح عن جابر.
أخرجه أحمد ((3) / (379)) وأبو داود ((3838)) والطبراني في «مسند الشاميين» ((374) و (375)) والبيهقي ((1) / (32) و (10) / (11)) من طرق عن أبي العلاء بُرْد بن سنان الدمشقي عن عطاء عن جابر قال: كنا نغزو مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها فلا يعاب علينا.
وفي لفظ «فلا نمتنع أن نأكل في أوعيتهم، ونشرب في أسقيتهم».
وإسناده حسن، برد صدوق، وعطاء ثقة مشهور.
ولم ينفرد برد به بل تابعه سليمان بن موسى الأشدق عن عطاء عن جابر قال: كنا نصيب مع النبي – صلى الله عليه وسلم – في مغانمنا من المشركين الأسقية والأوعية فنقتسمها وكلها ميتة.
أخرجه أحمد ((3) / (327) و (343) و (389)) والطحاوي في «شرح المعانى» ((1) / (473)) والطبراني في «مسند الشاميين» ((747)) والسهمي في «تاريخ جرجان» (ص (396)) من طرق عن محمد بن راشد المكحولي عن سليمان بن موسى به.
وإسناده حسن، محمد بن راشد وسليمان بن موسى صدوقان.
الثاني: يرويه مكحول عن جابر.
أخرجه الطبراني في «مسند الشاميين» ((3474)) عن أحمد بن الجعد الوشاء ثنا محمد بن بكار ثنا محمد بن الفضل عن سالم الأفطس عن مكحول عن جابر قال: كنا نغزو مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فنصيب السمن والعسل في أوعية المشركين فنأكله فلا ينهانا عنه ولا يحرمه علينا.
ومحمد بن الفضل هو ابن عطية كذبه ابن معين والفلاس والجوزجاني وغيرهم. ”
قال الأرنؤوط:
إسناده قوي من أجل بُرْد بن سنان، فهو صدوق لا باس به. عبد الأعلى: هو ابن عبد الأعلى السَّامي، وإسماعيل: هو ابن عُلَيَّه
سنن أبي داود (5/ 648 ت الأرنؤوط)
*ثانيًا: دراسة الحديث درايةً:*
بوب عليه الشيخ مقبل:
2 – طهارة آنية المشركين
3 – استعمال آنية المشركين
77 – الغزو في سبيل الله
* جاء في شرح السير الكبير (1) / (145) — السرخسي (ت (483)): ” [بابُ آنِيَةِ المُشْرِكِينَ وذَبائِحِهِمْ وطَعامِهِمْ]
(144) – قالَ: لا بَاسَ بِأنْ يُؤْكَلَ ويُشْرَبَ فِي آنِيَةِ المُشْرِكِينَ، ولَكِنْ لِتُغْسَلْ بِالماءِ قَبْلَ أنْ يُؤْكَلَ فِيها. لِأنَّ الأوانِيَ لا يَلْحَقُها نَجاسَةُ الكُفْرِ، وإنَّما يَلْحَقُها النَّجاسَةُ العَيْنِيَّةُ وذَلِكَ يَزُولُ بِالغَسْلِ، فَيَسْتَوِي فِي هَذا الحُكْمِ أوانِي المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، إلّا أنَّ المُشْرِكِينَ لا يُنْعِمُونَ غَسْلَ الأوانِي. فَيَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أنْ يُعِيدَ الغَسْلَ، ولا يُؤْتَمَنُ المُشْرِكُ عَلى ذَلِكَ. وإنْ لَمْ يَفْعَلْ وأخَذَ بِالظّاهِرِ فَلا بَاسَ بِهِ، لِأنَّ الأصْلَ فِي الأوانِي الطَّهارَةُ.
ولَكِنَّ الغَسْلَ أقْرَبُ إلى الِاحْتِياطِ لِما رُوِيَ عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ – رضي الله عنه أنَّهُ قالَ: «يا رَسُولَ اللَّهِ، وإنّا نَاتِي أرْضَ المُشْرِكِينَ، أفَنَاكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قالَ: فَإنْ لَمْ تَجِدُوا مِنها بُدًّا فاغْسِلُوها ثُمَّ كُلُوا فِيها» وباقِي الحَدِيثُ قَدْ بَيَّنّاهُ فِي كِتابِ الصَّيْدِ.
وسُئِلَ الحَسَنُ – رحمه الله- عَنْ آنِيَةِ المَجُوسِ وصِحافِهِمْ وبُرَمِهِمْ هَلْ يُطْبَخُ فِيها ويُؤْتَدَمُ فِيها؟ فَقالَ لِلسّائِلِ: انْقِها غَسْلًا ثُمَّ اُطْبُخْ فِيها وائْتَدِمْ.
وعَنْ ابْنِ سِيرِينَ – – أنَّ أصْحابَ رَسُولِ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – كانُوا يَظْهَرُونَ عَلى المُشْرِكِينَ فَيَاكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمْ ويَشْرَبُونَ.
وعَنْ حُذَيْفَةَ – رضي الله عنه- أنَّهُ أُتِيَ بِباطِيَةٍ قَدْ شُرِبَ فِيها خَمْرٌ، فَأمَرَ بِها فَغُسِلَتْ، ثُمَّ شَرِبَ فِيها، فَهَذِهِ الآثارُ تَدُلُّ عَلى صِحَّةِ ما ذَكَرْنا “.
جاء في لسان العرب:
والباطِيَةُ: إناء قيل هو معرَّب، وهو النَّاجُوذُ؛ قال الشاعر
قَرَّبُوا عُوداً وباطِيةً … فَبِذا أَدْرَكْتُ حاجَتِيَه
وقال ابن سيده: الباطِيَةُ النَّاجُودُ؛ قال: وأَنشد أَبو حنيفة
إنما لِقْحَتُنا باطية … جَوْنَةٌ يَتْبَعُها بِرْزِينُه
التهذيب: الباطِيةُ من الزجاج عظيمة تُمْلأ من الشراب وتوضع بي الشَّرْبِ يَغْرِفُونَ منها ويَشرَبون، إذا وُضِعَ فيها القَدَحُ سَحَّتْ ب ورَقَصَتْ من عِظَمِها وكثرة ما فيها من الشراب؛ وإياها أَراد حَسَّا بقوله:
بزُجاجةٍ رَقَصَتْ بما في قَعْرِها … رَقْص القَلُوصِ براكبٍ مُسْتَعْجِل.
* قال ابن المنذر في الإشراف على مذاهب العلماء لابن المنذر (8) / (169): ” – باب غسل آنية المشركين
(5342) – وقد اختلف فيما يفعل بآنيتهم.
فسئل مالك وقيل له: أفرأيت إن علمت أنهم يأكلون الخترير، فاستعرت منهم قدرًا قد نصبوا فيها مرارًا وتداخلها الودك، هل يجزئ الغسل من ذلك شيئًا؟
قال: لتغلى على النار بالماء حتى يخرج ودكها أحب إلي في الاحتياط.
قال أحمد بن حنبل، وإسحاق: يؤكل في أوعية المشركين إذا غسلت.
قال أبو بكر: والآنية على مذهب الشافعي على الطهارة [(2) / (323) /ب] حتى يوقن بنجس قد مسّ الإناء. إذا علم ذلك لم يجز الطبخ فيه، ولا استعماله حتى يغسل بالماء فيطهر.
وهذا قياس قول أبو ثور، ويشبه هذا مذهب أصحاب الرأي”.
* جاء في شرح سنن أبي داود لابن رسلان (15) / (495): ” [(3838)] (حدثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا عبد الأعلى وإسماعيل) ابن علية (عن بُرْد) بضم الموحدة وسكون الراء، وهو (ابن سنان) الدمشقي، نزيل البصرة، وثقه ابن معين والنسائي.
(عن عطاء، عن جابر) بن عبد اللَّه رضي الله عنه (قال: كنا نغزو مع رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – فنصيب من آنية المشركين) أهل الكتاب وغيرهم (وأسقيتهم) جمع سقاء، يكون وعاءً للبن وللماء. (فنستمتع بها) أي: بالأكل والشرب منها والطبخ في قدورها ما لم تكن ذهبًا أو فضةً أو جلد خنزير. وإباحة الأكل فيها في هذا الحديث مقيدة بالشرط الآتي في حديث أبي ثعلبة، وهو الغسل بالماء كما سيأتي.
(فلا يعيب ذلك) الاستمتاع (عليهم) أي: على من فعله، وهذا يدل على أنهم جميعهم لم يستمتعوا بالأواني التي غنموها، بل استمتع بعضهم وبعضهم توقف حتى يسأل، وهذا يدل على أن قوله: (فنستمتع). أي فيستمتع بعضنا فلا يعيب عليه، واستدل جابر بتركه العيب عليهم بالإنكار على الجواز، فإنه لا يقر على باطل رآه.”
* قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود (433) / (22): “قال أبو داود رحمه الله تعالى: [باب الأكل في آنية أهل الكتاب]، والمقصود من ذلك استعمال آنية الكفار، وسواء كانوا أهل الكتاب أو غيرهم، والحكم فيها أنه إذا وجد ما يغني عنها فإنه يستعمل غيرها، وإن لم يوجد غيرها فإنها تغسل وتستعمل، وهذا في الشيء الذي استعملوه، وأما الشيء الذي لم يستعمل كالأواني التي ترد منهم وهي جديدة، فإنه لا يلزم غسلها، وإنما الذي يلزم غسله من الأواني هو ما عرف أنهم قد استعملوها؛ لأنهم لا يتنزهون من النجاسات، فإذا غسلت حصل الاطمئنان بكونها استعملت وهي نظيفة وطيبة، وليس فيها شيء من النجاسات التي كانوا يستعملونها.
أورد أبو داود حديث جابر رضي الله عنه أنهم كانوا يغزون مع النبي – صلى الله عليه وسلم – فيصيبون من آنية المشركين، فلا يعيب ذلك عليهم.
قوله: [(فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم)] الأسقية جمع سقاء، وكانوا يستمتعون بها ولا يعيب النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليهم.
وهذا الإطلاق مقيد بما جاء في الحديث الذي بعد هذا من أنهم إن وجدوا غيرها فإنهم يستعملون ذلك الذي وجدوه مما لم يكن من آنيتهم، وإن لم يجدوا إلا هي فإنهم يغسلونها ويستعملونها.”
قال البيهقي في السنن الصغرى:
(3134) – والَّذِي رُوِّينا، عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ الخُشَنِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ – صلى الله عليه وسلم -: «إنْ وجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلا تَاكُلُوا فِيها، فَإنْ لَمْ تَجِدُوا فاغْسِلُوها، ثُمَّ كُلُوا فِيها» مَحْمُولٌ عِنْدَ أكْثَرِ أهْلِ الفِقْهِ عَلى الِاحْتِياطِ أوْ عَلى آنِيَتِهِمُ الَّتِي طَبَخُوا فِيها لَحْمَ الخِنْزِيرِ، أوْ شَرِبُوا فِيها الخَمْرَ. فَقَدْ رُوِيَ عَنْ أبِي ثَعْلَبَةَ أنَّهُ قالَ فِي السُّؤالِ، وإنّا فِي أرْضِ أهْلِ الكِتابِ وهُمْ يَاكُلُونَ فِي آنِيَتِهِمُ الخِنْزِيرَ ويَشْرَبُونَ فِيها الخَمْرَ، فَيُحْتَمَلَ أنْ يَكُونَ الأمْرُ بِالغُسْلِ وقَعَ لِأجْلِ ذَلِكَ، واللَّهُ أعْلَمُ
وبوب في الكبرى؛ التطهر في أواني المشركين إذا لم يعلم نجاسة وأورد في حديث جابر وحديث مزادة المشركة.
قال الخطابي:
ظاهر هذا يبيح استعمال آنية المشركين على الاطلاق من غير غسل لها وتنظيف، وهذه الإباحة مقيدة بالشرط الذي هو مذكور في الحديث الذي يليه في هذا الباب.
عَن أبي ثعلبة الخُشني رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إنا نجاور أهل الكتاب وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن وجدتم غيرها فكلوا فيها واشربوا وإن لم تجدوا غيرها فارحضوها بالماء وكلوا واشربوا.
قال الشيخ: والأصل في هذا أنه إذا كان معلوماً من حال المشركين أنهم يطبخون في قدورهم لحم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمور فإنه لا يجوز استعمالها إلاّ بعد الغسل والتنظيف، فأما مياههم وثيابهم فإنها على الطهارة كمياه المسلمين وثبابهم إلاّ أن يكونوا من قوم لا يتحاشون النجاسات أو كان من عادتهم استعمال الأبوال في طهورهم فإن استعمال ثيابهم غير جائز إلاّ أن لا يعلم أنه لم يصبها شيء من النجاسات والله أعلم.
والرحض الغسل
معالم السنن (4/ 256)
قال البغوي:
الْأَمر بِغسْل إِنَاء الْكفَّار فِيمَا إِذا علم نَجَاسَته يَقِينا.
فقدْ رُوِي عنْ مُسْلِم بْن مِشْكمٍ، عنْ أبِي ثَعْلَبه، أنّهُ سَأَلَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: إِنَّا نجاور أهل الْكتاب وهُمْ يطبخون فِي قدورهم الْخَنَازِير، وَيَشْرَبُونَ فِي آنيتهم الْخمر، فَقَالَ رسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ لمْ تجِدُوا غيْرها فأرْحضُوها بِالْماءِ»، يعْنِي: اغسلوها، فَأَما إِذا لمْ يتَيَقَّن نَجَاسَته، فَالْأَصْل طَهَارَته، وكذلِك مِيَاههمْ وثيابهم على الطَّهَارَة، فقدْ رُوِي أَن النّبيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «تَوَضَّأ مِنْ مزادةِ مُشْرِكةٍ»، وتوضّأ عُمرُ مِنْ ماءٍ فِي جرّةِ نصْرانِيّةٍ.
ورُوِي عنْ جابِر، قَالَ: «كُنّا نغْزُو مَعَ رسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فنُصِيبُ مِنْ آنِيةِ المُشْرِكِين وأسْقِيتِهِمْ، فنسْتمْتِعُ بِها، وَلَا يعِيبُ ذلِك عليْهِمْ».
وَقَالَ عُمرُ بْنُ الخطّابِ: كلوا الْجُبْن مِمَّا يصنعُ أهل الْكتاب، وقالتْ أم سَلمَة فِي الْجُبْن: كلوا واذْكُرُوا اسْم الله.
وَكَانَ الْحسن يكره طَعَام الْمَجُوس كلّه إِلَّا الْفَاكِهَة.
شرح السنة للبغوي (11/ 200)
قال ابن تيمية:
مسألة: (ويجوز استعمال أواني أهل الكتاب وثيابهم، ما لم تُعلَم نجاستُها).
أما الأواني التي استعملوها، ففيها ثلاث روايات:
إحداها: يباح مطلقًا، لما روى جابر بن عبد الله قال: كنا نغزو مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، فنصيب آنية المشركين وأسقِيتَهم، فنستمتع بها فلا يعيب ذلك علينا. رواه أحمد وأبو داود.
وفي “الصحيحين” عن عمران بن حصين أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه توضؤوا من مَزادةِ مشركةٍ وروى أنس أنَّ يهوديًّا دعا النبيَّ- صلى الله عليه وسلم – إلى خبزِ شعيرٍ وإهالةٍ سَنِخةٍ، فأجابه. رواه أحمد.
والثانية: تكره لِمَا روى أبو ثعلبة الخُشَني قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض قومٍ أهلِ كتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ قال: “إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا” متفق عليه. ولأنهم لا يجتنبون النجاسة لا سيَّما الخمر لاستحلالهم إياها، فالظاهر أنَّ أوانيهم لا تسلم من ذلك. وقد قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: “دع ما يَريبك إلى ما لا يَريبك”، قال الترمذي: حديث حسن صحيح
والرواية الثالثة: أنّ من لا تباح ذبيحته كالمجوس والمشركين أو من يُكثر استعمال النجاسة كالنصارى المتظاهرين بالخمر والخنزير لا تباح أوانيهم. وتباح آنية من سواهم، لكن في كراهتها الخلاف المتقدِّم. والصحيح: أنها لا تكره، وهذا اختيار القاضي.
وأكثر أصحابنا من يجعل هذا التفصيل هو المذهب قولًا واحدًا لحديث أبي ثعلبة المتقدِّم حملًا له على من يُكثِر استعمال النجاسة، وحملًا لغيره على غير ذلك؛ كما جاء مفسَّرًا فيما رواه أبو داود عن أبي ثعلبة قال: قلت: يا رسول الله إنَّ أرضنا أرض أهل كتاب، وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر، فكيف نصنع بآنيتهم وقدورهم؟ قال: “إن لم تجدوا غيرها فارحَضوها بالماء، واطبخوا فيها واشربوا”.
قال آدم بن الزبرقان: سمعت الشعبي قال: غزوت مع ناس من أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، فكنَّا إذا انتهينا إلى أهل قرية، فإن كانوا أهل كتاب أكلنا من طعامهم وشربنا من شرابهم، وإن كانوا غير أهل كتاب انتفعنا بآنيتهم وغسلناها
وعلى هذه الرواية لا يؤكل من طعام هؤلاء إلا الفاكهة ونحوها مما لم يصنعوه في آنيتهم، نصَّ عليه. وتكون أسآرهم نجسة، ذكرها القاضي وغيره. وذلك لأن من تكون ذبيحته نجسةً أو من هو مشهور باستعمال النجاسة لا تسلم آنيته المستعملة من ذلك، إلا على احتمال نادر لا يلتفت إليه. وما لم يستعملوه أو شكَّ في استعماله فهو على أصل الطهارة.
وأما الثياب فما لم يُعلَم أنهم استعملوه لا تكره قولًا واحدًا، سواء نسجوه أو حملوه كالآنية؛ لأن عامة الثياب والآنية التي كانت على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه كانت من نسج الكفار وصنعتهم. وما لبسوه ففي كراهته روايتان، إلا أن يكون مما يلي العورة كالسراويل والأزُر ففي جواز استعماله روايتان.
فأما ثياب المجوس ونحوهم فكآنيتهم، كما تقدَّم في أحد الوجهين. وفي الآخر: هي كثياب غيرهم من أهل الكتاب
شرح عمدة الفقه – ابن تيمية – ط عطاءات العلم (1/ 78)
قال الصنعاني:
[آنِيَة أَهْل الْكتاب واستعمالها]
وَعَنْ ” أَبِي ثَعْلَبَةَ ” بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ بَعْدَهَا عَيْنٌ مُهْمَلَةٌ سَاكِنَةٌ فَلَامٌ مَفْتُوحَةٌ فَمُوَحَّدَةٌ ” الْخُشَنِيُّ ” – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ – بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ فَشِينٌ مُعْجَمَةٌ مَفْتُوحَةٌ فَنُونٌ نِسْبَةٌ إلَى ” خُشَيْنِ بْنِ النَّمِرِ ” مِنْ قُضَاعَةَ؛ حُذِفَتْ يَاؤُهُ عِنْدَ النِّسْبَةِ؛ وَاسْمُهُ ” جُرْهُمٌ ” بِضَمِّ الْجِيمِ بَعْدَهَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ فَهَاءٌ مَضْمُومَةٌ، ” ابْنُ نَاشِبٍ ” بِالنُّونِ، وَبَعْدَ الْأَلِفِ شِينٌ مُعْجَمَةٌ آخِرُهُ مُوَحَّدَةٌ، اُشْتُهِرَ بِلَقَبِهِ، بَايَعَ النَّبِيَّ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بَيْعَةَ الرَّضْوَانِ، وَضُرِبَ لَهُ بِسَهْمٍ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَأَرْسَلَهُ إلَى قَوْمِهِ فَأَسْلَمُوا، نَزَلَ الشَّامَ، وَمَاتَ بِهَا سَنَةَ خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ. قَالَ: «قُلْت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ أَهْلِ كِتَابٍ أَفَنَاكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ؟ قَالَ: لَا تَاكُلُوا إلَّا أَنْ لَا تَجِدُوا غَيْرَهَا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا» [مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ] بَيْنَ الشَّيْخَيْنِ.
اسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى نَجَاسَةِ آنِيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَهَلْ هُوَ لِنَجَاسَةِ رُطُوبَتِهِمْ؛ أَوْ لِجَوَازِ أَكْلِهِمْ الْخِنْزِيرَ وَشُرْبِهِمْ الْخَمْرَ وَلِلْكَرَاهَةِ؟ ذَهَبَ إلَى الْأَوَّلِ الْقَائِلُونَ بِنَجَاسَةِ رُطُوبَةِ الْكُفَّارِ، وَهُمْ الْهَادَوِيَّةُ وَالْقَاسِمِيَّةُ، وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: 28] وَالْكِتَابِيُّ يُسَمَّى مُشْرِكًا، إذْ قَدْ قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ، وَعُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ.
وَذَهَبَ غَيْرُهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ كَالْمُؤَيَّدِ بِاَللَّهِ وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ إلَى طَهَارَةِ رُطُوبَتِهِمْ وَهُوَ الْحَقُّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5]. «وَلِأَنَّهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – تَوَضَّأَ مِنْ مَزَادَةِ مُشْرِكَةٍ»، وَلِحَدِيثِ جَابِرٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد «وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَنُصِيبُ مِنْ آنِيَةِ الْمُشْرِكِينَ وَأَسْقِيَتِهِمْ وَلَا يَعِيبُ ذَلِكَ عَلَيْنَا».
وَأُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا كَانَ بَعْدَ الِاسْتِيلَاءِ وَلَا كَلَامَ فِيهِ.
قُلْنَا: فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَدِلَّةِ غُنْيَةً عَنْهُ، فَمِنْهَا: مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّهُ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – دَعَاهُ يَهُودِيٌّ إلَى خُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةِ سَنَخَةٍ فَأَكَلَ مِنْهَا» بِفَتْحِ السِّينِ وَفَتْحِ النُّونِ الْمُعْجَمَةِ فَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ أَيْ مُتَغَيِّرَةٍ.
قَالَ فِي الْبَحْرِ: لَوْ حَرُمَتْ رُطُوبَتُهُمْ لَاسْتَفَاضَ بَيْنَ الصَّحَابَةِ نَقْلُ تَوَقِّيهِمْ لَهَا لِقِلَّةِ الْمُسْلِمِينَ حِينَئِذٍ مَعَ كَثْرَةِ اسْتِعْمَالَاتهمْ الَّتِي لَا يَخْلُو مِنْهَا مَلْبُوسٌ وَمَطْعُومٌ، وَالْعَادَةُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ تَقْضِي بِالِاسْتِفَاضَةِ قَالَ: وَحَدِيثُ ” أَبِي ثَعْلَبَةَ ” إمَّا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الْأَكْلِ فِي آنِيَتِهِمْ لِلِاسْتِقْذَارِ، لَا لِكَوْنِهَا نَجِسَةً، إذْ لَوْ كَانَتْ نَجِسَةً لَمْ يَجْعَلْهُ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ وِجْدَانِ غَيْرِهَا، إذْ الْإِنَاءُ الْمُتَنَجِّسُ بَعْدَ إزَالَةِ نَجَاسَتِهِ هُوَ وَمَا لَمْ يَتَنَجَّسْ عَلَى سَوَاءٍ، أَوْ لِسَدِّ ذَرِيعَةِ الْمُحَرَّمِ، أَوْ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ لِمَا يُطْبَخُ فِيهَا لَا لِرُطُوبَتِهِمْ كَمَا تُفِيدُ رِوَايَةُ أَبِي دَاوُد وَأَحْمَدَ بِلَفْظِ: «إنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمْ الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمْ الْخَمْرَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا» الْحَدِيثَ.
وَحَدِيثُهُ الْأَوَّلُ مُطْلَقٌ، وَهَذَا مُقَيَّدٌ بِآنِيَةٍ يُطْبَخُ فِيهَا مَا ذُكِرَ وَيُشْرَبُ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَالنَّجَسُ لُغَةً: الْمُسْتَقْذَرُ، فَهُوَ أَعَمُّ مِنْ الْمَعْنَى الشَّرْعِيِّ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: ذُو نَجَسٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَعَهُمْ الشِّرْكُ الَّذِي هُوَ بِمَنْزِلَةِ النَّجَسِ، وَلِأَنَّهُمْ لَا يَتَطَهَّرُونَ وَلَا يَغْتَسِلُونَ وَلَا يَتَجَنَّبُونَ النَّجَاسَاتِ، فَهِيَ مُلَابِسَةٌ لَهُمْ، وَبِهَذَا يَتِمُّ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ آيَةِ الْمَائِدَةِ وَالْأَحَادِيثِ الْمُوَافِقَةِ لِحُكْمِهَا؛ وَآيَةُ الْمَائِدَةِ أَصْرَحُ فِي الْمُرَادِ.
سبل السلام (1/ 44)
قال الشوكاني:
قوله: “ولا يطهر باستيلاء إلا ما ينجس بتذكيتهم أو رطوبتهم”.
أقول: وجه هذا ما أخرجه احمد وأبود اود من حديث جابر بن عبد الله قال كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها ولايعيب ذلك عليهم فالمصنف رحمه الله لما اعتقد نجاسة رطوبة الكفار ووقف على مثل هذا الحديث ظن أن الاستيلاء بمجرده يوجب الطهارة وليس الأمر كذلك وقد تقدم أنه لا وجه للقول بنجاسة الرطوبة وكذلك ما ينجس بالتذكية لا نفس المذكي فقد تقدم الكلام عليه في الذبائح.
فإن قلت: حديث أبي ثعلبة الثابت في الصحيحين [البخاري “5496”، مسلم “1930”، وغيرهما قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل من آنيتهم؟ قال: “إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها”، يدل على وجوب غسلها قلت قد ثبت في رواية أحمد وأبي داود أنه قال في السؤال وأنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فالأمر بالغسل هو لهذا لا لمجرد الرطوبة وقد صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه توضأ في مزادة مشركة [البخاري “1/ 447، 448″، مسلم “682”، كما تقدم وأكل من الشاة التي أهدتها له يهودية من خيبر وأجاب دعوة يهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة [مسلم “8/ 1641″].
السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار (ص960)
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة:
السؤال الثالث من الفتوى رقم (9522)
س3: كما رأينا في الحديث في الرجل جاء إلى الرسول – صلى الله عليه وسلم – قال: إن في الأرض أهل الكتاب، فهل نستطيع أن نأكل في إنائهم؟ قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: «كلوا فيه كما قال الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}»، ما معنى: أهل الكتاب؟ ومن هم أهل الكتاب؟
ج3: أولا: نص الحديث عن جابر بن عبد الله قال: «كنا نغزو مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم، فنستمتع بها ولا يعيب ذلك عليهم» رواه أحمد وأبو داود. وعن أبي ثعلبة قال: «قلت: يا رسول الله: إننا بأرض قوم أهل كتاب، أنأكل في آنيتهم؟ قال: إن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها» رواه البخاري ومسلم.
ثانيا: أهل الكتاب هنا هم: اليهود والنصارى، وذبائحهم حلال لنا ما لم يذكروا اسم غير الله عليها، لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ}
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … نائب الرئيس … الرئيس
عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى (22/ 348)
وجاء فيها أيضا:
السؤال الثالث من الفتوى رقم (2340)
س 3: نحن في بلاد حكامها نصارى، وقد نزور بعضهم من المسئولين أو غيرهم، ويقدمون لنا بعض الأطعمة مما هو حلال في ديننا لكنها في أوانيهم، وكذلك أهل المطاعم الشعبية هم يطبخون فيها، فما حكم الأكل من ذلك؟
ج 3: يجوز الأكل من ذبائح أهل الكتاب اليهود والنصارى إذا ذكروا اسم الله عليها أو لم يعلم أذكروا اسم الله عليها أو لا، وكانت تلك الذبائح من الحيوانات التي أحلها الله لنا، أما أكل طعامهم أو طعامنا في أوانيهم فالصحيح جوازه؛ لقول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: «كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم ولا يعيب ذلك علينا».
ولقول عبد الله بن مغفل رضي الله عنه: «دلي جراب من شحم يوم خيبر فالتزمته وقلت: والله لا أعطي أحدا منه شيئا والتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه سلم يبتسم» رواه البخاري ومسلم، ولأن «يهوديا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى خبز وإهالة سنخة فأكل منها» رواه أحمد وأبو داود، ويؤيد ذلك كله قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ولكن الأحوط ترك الأكل في أوانيهم عند عدم الحاجة والدواعي إلى ذلك؛ «لقول أبي ثعلبة رضي الله عنه: قلت: يا رسول الله، إنا بأرض قوم أهل كتاب أفنأكل في آنيتهم؟ قال: لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها» كما رواه البخاري ومسلم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس
عبد الله بن قعود … عبد الله بن غديان … عبد الرزاق عفيفي … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
فتاوى اللجنة الدائمة – المجموعة الأولى (22/ 395)
* جاء في كتاب موسوعة أحكام الطهارة (1) / (488): ” الفصل الرابع
في آنية الكفار
اختلف الفقهاء في حكم آنية الكفار ومثلها ثيابهم، هل يحكم بطهارتها بناء على أن أصلها الطهارة، أو يحكم بنجاستها بناء على أن الظاهر منهم عدم توقيهم النجاسة، اختلف الفقهاء في ذلك:
فقيل: يكره استعمال أواني المشركين وثيابهم قبل غسلها، وهو مذهب الحنفية.
وقيل: يجب غسل ما استعملوه من الآنية والثياب، ولا يجب غسل ما صنعوه ولم يستعملوه، وهو مذهب مالك.
وقيل: إن تيقن طهارتها لم يكره له استعمالها، وإن لم يتيقن طهارتها كره له استعمالها مطلقًا حتى يغسلها، سواء كان الكافر كتابيًا أو غيره، وسواء كان يتدين باستعمال النجاسة أم لا، وهو مذهب الشافعية.
وقيل: يباح استعمالها حتى يعلم نجاستها، وهو المشهور من مذهب الحنابلة.
وقيل: يجب غسل أواني من لا تحل ذبيحته من المشركين كالمجوس والوثنيين، ونحوهم، بخلاف أهل الكتاب وهو قول في مذهب الحنابلة.
دليل من قال بالكراهة.
((123)) استدل بما رواه البخاري، قال: حدثنا عبد الله بن يزيد، حدثنا حيوة، قال: أخبرني ربيعة بن يزيد الدمشقي، عن أبي إدريس،
عن أبي ثعلبة الخشني، قال: قلت يا نبي الله إنا بأرض قوم من أهل الكتاب، أفنأكل في آنيتهم؟ وبأرض صيد أصيد بقوسي، وبكلبي الذي ليس بمعلم، وبكلبي المعلم فما يصلح لي؟ قال: أما ما ذكرت من أهل الكتاب فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها، وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها، وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله فكل، وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل وما صدت بكلبك غير معلم فأدركت ذكاته فكل.
وجه الاستدلال من الحديث:
قالوا: نهى عن استعمالها مع وجود غيرها، وهذا مطلق سواء تيقنا طهارتها، أم لا، والأصل في النهي أنه للمنع، لكن لما قال سبحانه وتعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم}، ومعلوم أن طعامهم مصنوع بأيديهم ومياههم، وفي أوانيهم، فدل ذلك على طهارة ذلك كله، وأكل النبي – صلى الله عليه وسلم – طعام أهل الكتاب، في أحاديث صحيحة، فدل على أن النهي ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة، والله أعلم.
دليل المالكية على التفريق بين ما استعملوه وبين ما نسجوه.
استدلو بحديث أبي ثعلبة المتقدم على وجوب غسل ما استعملوه، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بغسلها، والأصل في الأمر الوجوب.
ولأن الغالب على آنية الكفار وثيابهم النجاسة، لأنهم يطبخون فيها لحوم الخنزير ويأكلون فيها الميتة، وإذا تعارض الأصل (وهي كونها طاهرة) مع الغالب وهو استعمال النجاسة فيها، قدم الغالب على الأصل، فكل ما غلب على ظننا نجاسته حكمنا بنجاسته.
ووجه التفريق عند المالكية بين ما استعلموه وبين ما نسجوه، أن ما نسجوا يتقون فيه بعض التوقي، لئلا يفسد عليهم، بخلاف ما لبسوه.
وأجاب ابن العربي على ما ورد عن الصحابة – رضي الله عنهم أجمهعين – أنهم كانوا يصيبون من آنية المشركين وأسقيتهم، فلا يعيب ذلك عليهم، قال: إن صح فمحمول على أنهم كانوا يستعملون ذلك بشرطه، وهو الغسل، أو يكون محمولًا على استعمال الأواني التي لا يطبخ فيها. اهـ.
دليل المالكية على التفريق بين ما استعملوه وبين ما نسجوه.
استدلو بحديث أبي ثعلبة المتقدم على وجوب غسل ما استعملوه، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – أمر بغسلها، والأصل في الأمر الوجوب.
ولأن الغالب على آنية الكفار وثيابهم النجاسة، لأنهم يطبخون فيها لحوم الخنزير ويأكلون فيها الميتة، وإذا تعارض الأصل (وهي كونها طاهرة) مع الغالب وهو استعمال النجاسة فيها، قدم الغالب على الأصل، فكل ما غلب على ظننا نجاسته حكمنا بنجاسته.
ووجه التفريق عند المالكية بين ما استعلموه وبين ما نسجوه، أن ما نسجوا يتقون فيه بعض التوقي، لئلا يفسد عليهم، بخلاف ما لبسوه.
وأجاب ابن العربي على ما ورد عن الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين – أنهم كانوا يصيبون من آنية المشركين وأسقيتهم، فلا يعيب ذلك عليهم، قال: إن صح فمحمول على أنهم كانوا يستعملون ذلك بشرطه، وهو الغسل، أو يكون محمولًا على استعمال الأواني التي لا يطبخ فيها. اهـ.
دليل من قال: يباح استعمال آنية المشركين.
الدليل الأول:
((124)) ما رواه مسلم، قال: حدثنا شيبان بن فروخ، حدثنا سليمان- يعني: ابن المغيرة- حدثنا حميد بن هلال،
عن عبد الله بن مغفل قال: أصبت جرابًا من شحم يوم خيبر قال: فالتزمته. فقلت: لا أعطي اليوم أحدًا من هذا شيئًا. قال: فالتفت فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – متبسمًا. ورواه البخاري وهذا اللفظ لمسلم.
فالجراب آنية من آنياتهم، ولو كان غسل الإناء واجبًا لنجاسته لتنجس الظرف وما فيه.
الدليل الثاني:
((125)) ما أخرجه البخاري بسنده من حديث أبي هريرة، في قصة وضع اليهود السم للرسول – صلى الله عليه وسلم -، وفيه: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: هل أنتم صادقي عن شيء إن سألتكم؟ قالوا: نعم. قال: هل وضعتم في هذه الشاة سمًا؟ قالوا: نعم. قال: ما حملكم على ذلك؟ قالوا: أردنا إن كنت كاذبًا نستريح منك، وإن كنت نبيًا لم يضرك.
وجه الاستدلال:
أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يأكل من طعامهم في آنيتهم.
الدليل الثالث:
((126)) ما رواه أحمد، قال: حدثنا عبد الأعلى، عن برد، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا نغزو مع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم، فنستمتع بها، فلا يعاب علينا.
[إسناده حسن والحديث صحيح لغيره]
الدليل الثالث:
((127)) ما أخرجه البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل، وقد جاء فيه أن النبي وأصحابه شربوا من مزادة امرأة مشركة، وأن أحد الصحابة كان مجنبًا فاغتسل من ذلك الماء. والحديث في صحيح مسلم دون قصة اغتسال الجنب.
الدليل الرابع:
((128)) ما رواه الشافعي في الأم، قال: أخبرنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن أبيه،
أن عمر بن الخطاب توضأ من ماء نصرانية في جرة نصرانية.
[رجاله ثقات إلا أن ابن عيينة لم يسمعه من زيد بن أسلم].
الدليل الخامس:
قالوا: الأصل في أواني المشركين الطهارة والحل حتى يقوم دليل على المنع أو على النجاسة، ولم يقم دليل على ذلك، ولا يحكم بنجاستها بمجرد الشك، والشك لا يقضي على اليقين.
لكن يشكل على هذا القول حديث أبي ثعلبة الخشني – رضي الله عنه – حيث نهاهم عنها مع وجود غيرها، فإن لم يوجد إلا هي أذن لهم باستعمالها بعد غسلها.
وأجابوا عن ذلك بوجهين:
الأول: أن الغسل هو من باب الاحتياط والاستحباب.
الثاني: أن حديث أبي ثعلبة الخشني في قوم كانوا يأكلون في آنيتهم الميتة والخنزير، ويشربون فيها الخمر، ولذا أمر بغسلها إن لم يوجد غيرها، أما من يعلم أنهم لا يأكلون فيها الميتة ولا يشربون فيها الخمر فآنيتهم كآنية المسلمين، ويدل على هذا ما رواه أبو داود الطيالسي، قال: ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة،
أن أبا ثعلبة الخشني قال: يا رسول الله إنى بأرضٍ أهلها أهل الكتاب، يأكلون لحم الخنزير، ويشربون الخمر، فكيف بآنيتهم وقدورهم؟ فقال: دعوها ما وجدتم منها بدًا، فإذا لم تجدوا منها بدًا فارحضوها بالماء، أو قال: اغسلوها ثم اطبخوا فيها وكلوا. قال: وأحسبنه قال: واشربوا.
[أبو قلابة لم يسمع من أبي ثعلبة الخشني، واختلف في ذكر زيادة لحم الخنزير وشرب الخمر، والحديث في الصحيحين وليس فيه هذه الزيادة].
دليل من فرق بين أهل الكتاب وغيرهم.
قالوا: إن غير أهل الكتاب ذبيحتهم ميتة، فهم يطبخونها في آنيتهم، فتتنجس، بخلاف أهل الكتاب فإن ذبيحتهم طاهرة إذا كانت مما يحل أكله.
وهذا القول ضعيف أيضًا، فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – وأصحابه شربوا من آنية مزادة امرأة مشركة كما سبق تخريجه من حديث عمران بن حصين، وكانوا يساكنون المشركين الوثنيين في مكة كثيرًا، وربما كان المسلم يعيش بين أبوين كافرين، وكان يدعو بعضهم بعضًا إلى الطعام، ولم ينقل أنهم كانوا يدعون ذلك، ويتحاشونه، ولو وجد لنقل، والله أعلم.
الراجح من الخلاف:
الذي ظهر لي من الأدلة أن حديث أبي ثعلبة الخشني فيه النهي عن استعمالها، والأمر بغسلها إذا لم يوجد غيرها، وكان من الممكن حمل النهي على ظاهره، وأنه للتحريم لولا الأحاديث الكثيرة من فعله – صلى الله عليه وسلم – وفعل أصحابه من أكلهم في آنية أهل الكتاب، وتطهرهم منها، مما يجعل النهي ليس على ظاهره، وإنما يحمل على الكراهة، وأن الأمر بغسلها لم يكن للوجوب، وهذا يجري على القاعدة الفقهية النافعة: بأن النبي – صلى الله عليه وسلم – إذا أمر بشي، ثم تركه، ولم يأت دليل يدل على الخصوصية، دل ذلك على أن الأمر لم يكن للوجوب، وإنما هو للندب، وإذا نهى عن شيء ثم فعله، ولم يكن فيه دليل يدل على الخصوصية، دل ذلك على أن النهي ليس للتحريم، وإنما هو للكراهة، والله أعلم.