208 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
26 – باب تحريم الظلم والأمر بردِّ المظالم
قَالَ الله تَعَالَى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ} [غافر: 18] {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [الحج: 71].
وأمّا الأحاديث فمنها حديث أبي ذر رضي الله عنه المتقدم في آخر باب المجاهدة.
قوله (باب تحريم الظلم والأمر بردِّ المظالم) قال الراغب الأصفهاني:” قال الراغب الأصفهاني – رحمه الله -: الظلم عند أهل اللغة، وكثير من العلماء: وضع الشيء في غير موضعه المختص به؛ إما بنقصان، أو بزيادة؛ وإما بعدول
عن وقته، أو مكانه … قال بعض الحكماء: الظلم ثلاثة:
الأول: ظلم بين الإنسان وبين الله تعالى، وأعظمه: الكفر والشرك
والنفاق، ولذلك قال: {إن الشرك لظلم عظيم (13)} [لقمان: 13]، وإياه قصد
بقوله: {ألا لعنة الله على الظالمين (18)} [هود: 18]، {أعد لهم عذابا أليما (31)} [الإنسان: 31]، في آي كثيرة.
والثاني: ظلم بينه وبين الناس، وإياه قصد بقوله: {وجزاء سيئة سيئة} [الشورى: 40] إلى قوله:
{إنه لا يحب الظالمين (40)} الآية [الشورى: 40].
والثالث: ظلم بينه وبين نفسه، وإياه قصد بقوله: {فمنهم ظالم لنفسه} [فاطر: 32]، وقوله: {ظلمت نفسي} [النمل: 44]، {إذ ظلموا أنفسهم} [النساء: 64]، وغيرها من الآيات.
وكل هذه الثلاثة في الحقيقة ظلم للنفس؛ فإن الإنسان في أول ما يهم
بالظلم فقد ظلم نفسه، فإذا الظالم أبدا مبتدئ في الظلم، ولهذا قال تعالى في
غير موضع: {وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (33)} [النحل: 33]
{وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (57)} ” (“مفردات ألفاظ القرآن الكريم” 21/ 87.)
قال ابن علان” هو لغة: وضع الشيء في غير محله. وشرعاً: التصرف في حق الغير بغير حق، أو مجاوزة الحد (والأمر برد المظالم) بأعيانها إن بقيت فإن تلفت فيبدلها من مثل في المثلى والقيمة في المقوم (إلى أصحابها) إن بقوا وإلا فللوارث، فإن فقد المستحق ولو بانقطاع خبره بحيث أيس من حياته أرسلها لقاض أمين ولو غير قاضي بلده فيما يظهر، فإن تعذر تصدق بها على الفقراء بنية الغرم إذا وجده كما في الوديعة أو تركها عنده.” (دليل الفالحين)
قال ابن عثيمين:” قال المؤلف رحمه الله تعالى-: “باب تحريم الظلم والأمر برد المظالم” يعني إلى أهلها. هذا الباب يشتمل على أمرين:
الأمر الأول: تحريم الظلم
والأمر الثاني: وجوب ردّ المظالم.
واعلم أن الظلم هو النقص، قال الله تعالى (كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً) (الكهف: 33)، يعني لم تنقص منه شيئاً، والنقص إما أن يكون بالتجرؤ على ما لا يجوز للإنسان، وإما بالتفريط فيما يجب عليه. وحينئذٍ يدور الظلم على هذين الأمرين، إما ترك واجب، وإما فعل محرم.
والظلم نوعان: ظلم يتعلق بحق الله عز وجلّ، وظلم يتعلق بحق العباد، فاعظم الظلم هو المتعلق بحق الله تعالى والإشراك به، فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الذنب أعظم؟ فقال: ” أن تجعل لله نداً وهو خلقك ويليه الظلم في الكبائر، ثم الظلم في الصغائر.
أما في حقوق عباد الله فالظلم يدور على ثلاثة أشياء، بينها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع، فقال: ” إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا” الظلم في النفس هو الظلم في الدماء، بأن يعتدي الإنسان على غيره، بسفك الدماء أو الجروح أو ما أشبه ذلك، والظلم في الأموال بأن يعتدي الإنسان ويظلم غيره في الأموال، إما بعدم بذل الواجب، وإما بإتيان محرم، وإما بان يمتنع من واجب عليه، وإما بأن يفعل شيئاً محرماً في مال غيره.
وأما الظلم في الأعراض فيشمل الاعتداء على الغير بالزنا، واللواط، والقذف، وما أشبه ذلك.” (شرح رياض الصالحين لان عثيمين 2/ 485)
قَالَ الله تَعَالَى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ} [غافر: 18]
قال الطبري:” وقوله: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ) يقول جلّ ثناؤه: ما للكافرين بالله يومئذ من حميم يحم لهم, فيدفع عنهم عظيم ما نزل بهم من عذاب الله, ولا شفيع يشفع لهم عند ربهم فيطاع فيما شفع, ويُجاب فيما سأل.” (تفسير الطبري)
في معنى يحم: جاء في تحقيق احمد شاكر:” في اللسان: حمنى: الأمر وأحمني: أهمني. وقال الأزهري: أحمني هذا الأمر واحتممت له، كأنه اهتمام بحميم قريب.”
قال ابن كثير:” أي: ليس للذين ظلموا أنفسهم بالشرك بالله من قريب منهم ينفعهم، ولا شفيع يشفع فيهم، بل قد تقطعت بهم الأسباب من كل خير.” (تفسير ابن كثير)
قال ابن علان:” ({ما للظالمين من حميم}) قريب مشفق ({ولا شفيع يطاع}) ولا شفيع يشفع ووضع الظالمين موضع «هم» للدلالة على اختصاص هذا الأمر بهم وأنه لظلمهم.” (دليل الفالحين 1/ 380)
قال السعدي:” {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ} أي: قريب ولا صاحب، {وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ} لأن الشفعاء لا يشفعون في الظالم نفسه بالشرك، ولو قدرت شفاعتهم، فالله تعالى لا يرضى شفاعتهم، فلا يقبلها.” (تفسير السعدي)
الآية الثانية: قال تعالى: {وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ} [الحج: 71] قال الطبري: وما للكافرين بالله الذين يعبدون هذه الأوثان من ناصر ينصرهم يوم القيامة, فينقذهم من عذاب الله ويدفع عنهم عقابه إذا أراد عقابهم.” (تفسير الطبري)
وقال ابن كثير:” أي: من ناصر ينصرهم من الله، فيما يحل بهم من العذاب والنكال.” (تفسير ابن كثير)
قال ابن علان:” (وقال تعالى): {وما للظالمين من ولي ولا نصير}) كذا فيما وقفت عليه من نسخ الرياض والتلاوة {والظالمون ما لهم من ولي ولا نصير} أي يدعهم الله بغير وليّ ولا نصير في عذابه، وفي سورة الحج {وما للظالمين من نصير} فلعل زيادة «من وليّ» من قلم الناسخ وتحريف النقلة.” (دليل الفالحين 1/ 380
وأمّا الأحاديث فمنها: حديث أبي ذر – رضي الله عنه – المتقدم في آخر باب المجاهدة. والشاهد منه: قوله تعالى: «يا عبادي، إني حرَّمتُ الظلم على نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا».
208 – وعن جابر رضي اللَّه عنه أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، واتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ منْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حملَهُمْ عَلَى أَنْ سفَكَوا دِماءَهُمْ واسْتَحلُّوا مَحارِمَهُمْ “رواه مسلم.
جاء في رواية عند الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ؛ فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، أَمَرَهُمْ بِالظُّلْمِ فَظَلَمُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا، وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا، وَإِيَّاكُمْ وَالظُّلْمَ؛ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَإِيَّاكُمْ وَالْفُحْشَ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفُحْش وَلَا التَّفَحُّشَ “.
قوله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة)
قال المناوي – رحمه الله -: “الظلم هو مجاوزة الحد والتعدي على الخلق، قال: وذلك لأن الشرائع تطابقت على قبحه، واتفقت جميع الملل على رعاية حفظ الأنفس، فالأنساب، فالأعراض، فالعقول، فالأموال. والظلم يقع في هذه، أو في بعضها، وأعلاه الشرك: {إن الشرك لظلم عظيم (13)} [لقمان: 13]، وهو المراد بالظلم في أكثر الآيات، {والكافرون هم الظالمون (254)} [البقرة: 254]، ويدخل فيه ظلم الإنسان لنفسه بارتكاب المعاصي؛ إذ العصاة ظلام أنفسهم، وأقبح أنواعه ظلم من ليس له ناصر إلا الله تعالى، قال ابن عبد العزيز: إياك إياك أن تظلم من لا ينتصر عليك إلا بالله، فإنه تعالى إذا علم التجاء عبده إليه بصدق واضطرار، انتصر له فورا، من {أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء} ” (فيض القدير 1/ 134
قال النووي:” قال القاضي: قيل: هو على ظاهره، فيكون ظلمات على صاحبه لا يهتدي يوم القيامة سبيلا حين يسعى نور المؤمنين بين أيديهم وبأيمانهم، ويحتمل أن الظلمات هنا الشدائد، وبه فسروا قوله تعالى: {قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر} أي: شدائدهما، ويحتمل أنها عبارة عن الأنكال والعقوبات.” (شرح النووي)
قال الأتيوبي:” قال الجامع عفا الله عنه: لا يخفى أن الأرجح حمل الحديث على ظاهره، كما استظهره القرطبي؛ لأن حمل النصوص على ظاهرها هو الصواب، إلا لدليل يصرفها عن ظاهرها، ولا دليل هنا، فيكون الظلم ظلمات على أصحابه يوم القيامة، ولا ينافي هذا إرادة الاحتمال الثاني معه، فتنبه” (البحر المحيط الثجاج)
قال ابن عثيمين:” ” فإن الظلم ظلمات يوم القيامة” ويوم القيامة ليس هناك نور إلا من أنار الله تعالى له، وأما من لم يجعل الله له نواراً فما له من نور، والإنسان إن كان مسلماً فله نور بقدر إسلامه، ولكن إن كان ظالماً فقد من هذا النور بمقدار ما حصل من الظلم، لقوله صلى الله عليه وسلم: ” اتقوا الظلم، فإن الظلم ظلماتٌ يوم القيامة”، ومن الظلم: مطل الغني يعني أن لا يوفي الإنسان ما عليه وهو غني به، لقوله صلى الله عليه وسلم: ” مطل الغني ظُلم ” (شرح رياض الصالحين 2/ 486)
قوله صلى الله عليه وسلم: (واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم)
قال القرطبي:” الشح: الحرص على تحصيل ما ليس عندك، والبخل: الامتناع من إخراج ما حصل عندك. وقيل: إن الشح هو البخل مع حرص ” (المفهم)
وقال أيضا:” هذا هو الهلاك الذي حمل عليه الشح؛ لأنهم لما فعلوا ذلك أتلفوا دنياهم وأخراهم، وهذا كما قال في الحديث الآخر: “إياكم والشح، فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا”؛ أي: حملهم على ذلك ” (المفهم 6/ 557)
قال النووي:” قال القاضي: يحتمل أن هذا الهلاك هو الهلاك الذي أخبر عنهم به في الدنيا بأنهم سفكوا دماءهم، ويحتمل أنه هلاك الآخرة، وهذا الثاني أظهر، ويحتمل أنه أهلكهم في الدنيا والآخرة، قال جماعة: الشح أشد البخل، وأبلغ في المنع من البخل، وقيل: هو البخل مع الحرص، وقيل: البخل في أفراد الأمور، والشح عام، وقيل: البخل في أفراد الأمور، والشح بالمال والمعروف، وقيل: الشح الحرص على ما ليس عنده، والبخل بما عنده.” (شرح النووي)
قال ابن القيم:” الفرق بين الشح والبخل أن الشح هو شدة الحرص على الشيء والاحفاء في طلبه والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه، والبخل منع إنفاقه بعد حصوله وحبه وإمساكه، فهو شحيح قبل حصوله بخيل بعد حصوله، فالبخل ثمرة الشح والشح يدعو إلى البخل والشح كامن في النفس، فمن بخل فقد أطاع شحه ومن لم يبخل فقد عصي شحه ووقي شره، وذلك هو المفلح {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.” (الوابل الصيب 52)
ومن أشراط الساعة ظهور الشح ففي الصحيحين فعن أبي هريرة عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ، وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ.
قال النووي يلقى الشح: يوضع في القلوب، وقال ابن حجر:” فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير وليس المراد وجود أصل الشح لأنه لم يزل موجودا” (فتح الباري
قال فيصل آل مبارك:” الشحّ: البخل مع الحرص على طلب المال من غير وجهه المأذون فيه، كما في الحديث الآخر: «إنَّ الله حرَّم عليكم عقوق الأمَّهات، ووأد البنات، ومنعًا، وهات».” (تطريز رياض الصالحين ص 163)
قال ابن عثيمين:” ” وأتقوا الشحَّ” الحرص على المال” فإنه أهلك من كان قبلكم” لأن الحرص على المال- نسأل الله السلامة- يوجب للإنسان أن يكسب المال من أي وجه كان، من حلال أو حرام؛ بل قال النبي عليه الصلاة والسلام: ” حملهم” إي حمل من كان قبلنا” على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم” يسفك الشحيح الدماء إذا لم يتوصل إلى طمعه إلا بالدماء” (شرح رياض الصالحين 2/ 487)
قال ابن باز:” ففي هذا الحذر من جشع النفس وحرصها على المال، فإنه قد يؤدي بصاحبه إلى السرقات والخيانات والظلم في الدماء والأموال والأعراض بسبب حال المال، والحرص على المال بكل طريق، ولا حول ولا قوة إلا بالله.” (شرح رياض الصالحين لاباز 1/ 432)