207 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
الصحيح المسند
(207) – قال أبو داود (ج (9) ص (280)): حدثنا ابن أبي خلف أخبرنا محمد بن سابق عن إبراهيم بن طهمان عن أبي الزبير عن جابر أنه قال: لما أفاء الله على رسوله خيبر فأقرهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما كانوا وجعلها بينه وبينهم فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم.
حدثنا أحمد بن حنبل أخبرنا عبد الرزاق ومحمد بن بكر قالا أنبأنا ابن جريج أخبرني أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله يقول: خرصها ابن [ص (174)] رواحة أربعين ألف وسق وزعم أن اليهود لما خيرهم ابن رواحة أخذوا الثمر وعليهم عشرون ألف وسق.
هذا حديث حسنٌ.
ــــــــــــــــــــــــــــ
*أولاً: دراسة الحديث رواية:*
* قال ابن الملقن في تحفة المحتاج إلى أدلة المنهاج (2) / (56): “رَواهُ أبُو داوُد فِي كتاب البيُوع ورِجال إسْناده ثِقات”
* صححه لغيره الألباني في سنن أبي داود (3414).
* قال محققو سنن أبي داود ((289) / (5)): “حديث صحيح، وهذا إسناد قوي من أجل محمد بن سابق، فهو صدوق لا بأس به، ولكنه متابع وقد صرح أبو الزبير -وهو محمد بن مسلم بن تدرس المكي- بسماعه من جابر في الإسناد الآتي بعده، ابن أبي خلف: هو محمد بن أحمد بن أبي خلف.
وهو في «مشيخه ابن طهمان» ((37)) مطولًا يتضمن نحو الحديث الآتي بعده.
وأخرجه أحمد ((14953))، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3) / (247) و (4) / (113) والدارقطي ((2050))، والبيهقي (4) / (123)، وابن عبد البر في «التمهيد» (6) / (461) و (9) / (143) من طريق محمد بن سابق، والطحاوي (2) / (38) – (39) و (3) / (247) و (4) / (113) من طريق أبي عون محمد بن عون الزيادي، كلاهما عن إبراهيم بن طهمان، به. ومحمد ابن عون ثقة. وعندهم زيادة بنحو الحديث الآتي بعده.”
* قال محققو المسند عن حديث (14953) – حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ سابِقٍ، حَدَّثَنا إبْراهِيمُ بْنُ طَهْمانَ، عَنْ أبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ، أنَّهُ قالَ: «أفاءَ اللهُ خَيْبَرَ عَلى رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -، فَأقَرَّهُمْ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – كَما كانُوا، وجَعَلَها بَيْنَهُ وبَيْنَهُمْ، فَبَعَثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ رَواحَةَ، فَخَرَصَها عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قالَ لَهُمْ: يا مَعْشَرَ اليَهُودِ، أنْتُمْ أبْغَضُ الخَلْقِ إلَيَّ، قَتَلْتُمْ أنْبِياءَ اللهِ، وكَذَبْتُمْ عَلى اللهِ، ولَيْسَ يَحْمِلُنِي بُغْضِي إيّاكُمْ عَلى أنْ أحِيفَ عَلَيْكُمْ، قَدْ خَرَصْتُ عِشْرِينَ ألْفَ وسْقٍ مِن تَمْرٍ، فَإنْ شِئْتُمْ فَلَكُمْ، وإنْ أبَيْتُمْ فَلِي، فَقالَوا: بِهَذا قامَتِ السَّماواتُ والأرْضُ، قَدْ أخَذْنا، فاخْرُجُوا عَنّا» إسناده قوي على شرط مسلم، محمد بن سابق صدوق لا بأس به، وأبو الزبير قد صرح بسماعه من جابر فيما سلف برقم ((14161)).
وأخرجه أبو داود ((3414))، والطحاوي في «شرح معاني الآثار» (3) / (247)، والدارقطني (2) / (133) – (134)، والبيهقي (4) / (123) من طريق محمد بن سابق، بهذا الإسناد- ورواية الطحاوي مختصرة.
وأخرجه الطحاوي (2) / (38) – (39) و (3) / (247) من طريق أبي عون الزيادي، عن إبراهيم بن طهمان، به. والموضع الثاني مختصر ليس فيه قول ابن رواحة.
* ينظر الإرواء ((805)) – (حديث عائشة: «أن النبى – صلى الله عليه وسلم – كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود فيخرص عليهم النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه» رواه أبو داود.
– خرص عليهم عبد الله بن رواحة عاماً واحداً، ثم أصيب بمؤتة يرحمه الله، فكان جبار بن صخر بن أمية بن خنساء أخو بني سلمة هو الذي يخرص عليهم بعد عبد الله بن رواحة. ابن هشام 2/ 354.
*ثانيًا: دراسة الحديث دراية:*
* جاء في بذل المجهود في حل سنن أبي داود (11) / (117) لخليل أحمد السهارنفوري (ت (1346)) 17 – أول كتاب البيوع 36 – باب في الخرص: ” (وجعلها) أي: خيبر (بينه وبينهم) بأن ما يخرج من أرضها فالنصف لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – والنصف الآخر لهم (فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم) “.
* جاء في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام (1) / (26): ” (459) – (صحيح)
بعث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عبد الله بن رواحة إلى اليهود ليقدر ما يجب عليهم في نخيلهم من خراج فعرضوا عليه شيئا من المال يبذلونه له فقال لهم: فأما ما عرضتم من الرشوة فإنها سحت وإنا لا نأكلها أخرجه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن سليمان بن يسار أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كان يبعث عبد الله بن رواحة إلى خيبر فيخرص بينه وبين يهود خيبر قال: فجمعوا له حليا من حلي نسائهم فقالوا له: هذا لك وخفف عنا وتجاوز في القسم فقال عبد الله بن رواحة: يا معشر اليهود والله إنكم لمن أبغض خلق الله إلي وما ذاك بحاملي على أن أحيف عليكم فأما ما عرضتم … . الخ وزاد فقالوا بهذا قامت السماوات والأرض وهذا إسناده مرسل صحيح وفي رواية أتم منه ولفظه أفاء الله خيبر على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأقرهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كما كانوا وجعلها بينه وبينهم فبعث عبد الله بن رواحة فخرصها عليهم ثم قال لهم: يا معشر اليهود أنتم أبغض الخلق إلي قتلتم أنبياء الله وكذبتم على الله وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم قد خرصت عشرين ألف وسق من تمر فإن شئتم فلكم وإن أبيتم فلي فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض قد أخذنا فاخرجوا عنا أخرجه أحمد وأبو داود إلى قوله فخرصها عليهم واسنادهما صحيح ”
* ينظر: شرح مشكل الآثار (7) / (103) للطحاوي، بابُ بَيانِ مُشْكِلِ ما رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – فِي المُساقاةِ عَلى النَّخْلِ بِجُزْءٍ مِن أجْزاءِ ثَمَرِها وفِي المُعامَلَةِ عَلى الأرْضِ بِجُزْءٍ مِمّا يَخْرُجُ مِنها.
* قال بدر الدين العيني (ت (855)) في نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (12) / (346): ” قوله: «أفاء الله خيبر» أي جعلها غنيمة لرسوله وللمؤمنين.
قوله: «فخرصها عليهم» أي حزر ما عليها من الزرع والتمر، وهو من الخرص وهو الظن؛ لأن الحزر إنما هو تقدير بظن، والاسم الخِرْص -بالكسر- يقال: كم خِرْص أرضك؟ “.
* قال الشيخ عبدالمحسن العباد في شرح سنن أبي داود (390) / (23): ” شرح حديث (كان النبي يبعث ابن رواحة فيخرص النخل)
قال المصنف تعالى: [باب في الخرص.
حدثنا يحيى بن معين حدثنا حجاج عن ابن جريج قال: أخبرت عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: (كان النبي – صلى الله عليه وعلى آله وسلم – يبعث عبد الله بن رواحة – رضي الله عنه – فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه، ثم يخير اليهود يأخذونه بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق)].
الخرص هو الحزر والتقدير، فيقول عبد الله بن رواحة: هذه النخلة فيها كذا، وهذه فيها كذا، وهذه فيها كذا، فيجمع المجموع ويقول: النخل إذا جذ ويبس يبلغ كله كذا صاعًا، هذا هو الخرص أو الحزر، وقد مر ذكره في الأحاديث السابقة.
وفي هذا الحديث أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – كان يرسل عبد الله بن رواحة ليخرص نخل خيبر، وفيه بيان أن الخرص من أجل معرفة مقدار الزكاة، بل وهو أيضًا من أجل معرفة حق صاحب النخل إذا كان النخل عند رجل يسقيه لصاحبه.
إذًا: الخرص يكون من أجل معرفة قدر الزكاة، ومن أجل معرفة حصة الشريك.
قوله: [(كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يبعث عبد الله بن رواحة فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه)].
يعني: إذا صلح الثمر، ولا يخرص قبل ذلك؛ لأنه قد تصيبه الآفة، ولكنه يخرص بعد أن يطيب، ويتمكن الناس من استعماله.
قوله: [(ثم يخير يهود يأخذونه بذلك الخرص أو يدفعونه إليهم بذلك الخرص)].
وهذا مثل ما مر أن عبد الله قال لهم: ألي الجذاذ وأعطيكم النصف، يعني: إذا ادعيتم أني أكثرت عليكم.
قوله: [(لكي تحصى الزكاة قبل أن تؤكل الثمار وتفرق)].
هذا هو بيان الحكمة من الخرص؛ لأنها إذا أكلت الثمار لا يعرف مقدار الزكاة، ولا يعرف مقدار حصة المشارك “.
* بوب الشيخ مقبل على هذا الحديث في الجامع الصحيح:
– ما جاء في الخرص
– اقتناء الأرض للزراعة
– غزوة خيبر
* أخرج الحديث ابن زنجويه (ت (251)) في الأموال (3) / (1066) كتاب الصدقة وأحكامها وسننها، خرص الثمار للصدقة والعرايا , والسنة في ذلك
* قال ابن رسلان في شرح سنن أبي داود: ” (فيخرص) بضم الراء وكسرها، وأما بمعنى الكذب فبالضم لا غير (النخل) فيه ردٌّ على الشعبي حيث يقول: إن الخرص بدعة.
وقال أهل الرأي: الخرص ظن وتخمين لا يلزم به حكم، وإنما كان الخرص تخويفًا للأكارين لئلا يخونوا، فأما أن يلزم به حكم فلا، وهذا الحديث حجة عليهم، وقولهم: ظن، قلنا: بل هو اجتهاد في معرفة قدر الثمرة، وإدراكه بالخرص الذي هو نوع من المقادير والمعايير، فهو كتقويم المتلفات (حين يطيب) أكل ثمره، فيه بيان وقت الخرص المسنون، وهو حين يبدو صلاحه على مالكه (قبل أن يؤكل منه) شيء (ثم يخير) بضم الياء الأولى وتشديد الثانية بعد الخاء المعجمة (يهود) بفتح الدال؛ لأنه لا ينصرف ولا ينون، إما (يأخذونه بذلك الخرص) الخرص بكسر الخاء الشيء المقدر، وبالفتح اسم الفعل، وقيل: هما لغتان في الشيء المخروص، وأما المصدر فبالفتح لا غير (أم يدفعونه إليهم بذلك الخرص) رواية الطبراني مرسلًا عن ابن شهاب في فتح خيبر قال: وبعث رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عبد الله بن رواحة ليقاسم اليهود ثمرها، فلما قدم عليهم جعلوا يهدون له من الطعام ويكلمونه، وجعلوا له حليًّا من حلي نسائهم فقالوا: هذا [لك] وتخفف [عنا] وتجاوز. قال ابن رواحة: يا معشر يهود، إنكم والله لأبغض الناس إليّ، وإنما بعثني رسول الله – صلى الله عليه وسلم – عدلًا بينكم وبينه، ولا أرب لي في دنياكم، ولن أحيف عليكم، وإنما عرضتم علي السحت، وإنا لا نأكله، فخرص عليهم النخل، فلما أقام الخرص خيرهم فقال: إن شئتم ضمنت لكم نصيبكم، وإن شئتم ضمنتم لنا نصيبًا وقمتم عليه، فاختاروا أن يضمنوا ويقيموا عليه. قالوا: يا ابن رواحة، هذا الذي تعملون به تقوم به السماوات والأرض، وإنما يقومان بالحق. ورجاله رجال الصحيح.
(لكي) اللام متعلقة بيخرص، أي: إنما يخرص النخل لكي (تحصى) بضم أوله وفتح الصاد (الزكاة) وهذا ظاهر في الخرص علته المشروعة له ليعلم قدر الزكاة الواجبة في الثمرة؛ ليتمكن أرباب الثمار في التصرف فيها، ويثبت حق الفقراء في ذمتهم (قبل أن تؤكل الثمار وتفرق) على جيران أصحاب الثمار وأقاربهم وأصدقائهم من الثمار إذا طاب أكلها.”
* قال الشيخ محمد علي آدم الإتيوبي في ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (22) / (214): ” (المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في الخرص:
ذهب أكثر أهل العلم إلى مشروعيّة الخرص في العنب والنخل، منهم عمر بن – الخطّاب، وسهل بن أبي حثمة، ومروان، والقاسم بن محمد، وعطاء، والزهريّ، وعمرو بن دينار، ومالك، والشافعيّ، وأحمد، وأبو عبيد، وأبو ثور.
ثم اختلفوا، هل هو واجبٌ، أو مستحبٌ؟ فقال الشافعيّ في أحد قوليه بوجوبه، مستدلا بما في حديث عتّاب بن أسيد: أمر رسول اللَّه – صلى الله عليه وسلم – أن يُخرص العنب، كما يُخرص النخل، ويؤخذ زكاته زبيبًا». رواه أحمد، وأصحاب السنن. قال الصنعانيّ – رحمه الله تعالى -: والحديث دليلٌ على وجوب خرص التمر والعنب؛ لأن قول الراوي: «أمر» يُفهم منه أنه أتى – صلى الله عليه وسلم – بصيغة تفيد الأمر، والأصل فيه الوجوب انتهى.
وقال الجمهور: هو مستحبّ، وهي رواية عن الشافعيّ، إلا إن تعلّق به حقٌّ لمحجور مثلًا، أو كان شُركاؤه غير مؤتمنين، فيجب لحفظ مال الغير. وروي عن الشافعيّ أنه جائز فقط.
وقال الشعبيّ، والثوريّ، وأبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد: الخرص مكروه.
وقال الشعبيّ: الخرص بدعة. وقال الثوريّ: خرص الثمار لا يجوز. وقال ابن رُشد: قال أبو حنيفة، وصاحباه: الخرص باطلٌ، وعلى ربّ المال أن يؤدّي عشر ما تحصّل بيده، زاد على الخرص، أو نقص منه.
واستدلّ الجمهور لمشروعيّة الخرص بالأحاديث المتقدّمة في المسألة الأولى.
وأجاب الحنفيّة عنها بوجوه:
(الأول): الكلام في أسانيدها. قال ابن العربيّ: ليس في الخرص حديث صحيح، إلا حديث أبي حميد الساعديّ عند الشيخين، ويليه ما روي في خرص ابن رواحة على أهل خيبر.
وتُعقّب بأن حديث سهل بن أبي حثمة صحيح، وحديث عتّاب حسنٌ، كما تقدّم البحث عنهما مستوفىً.
(الثاني): أنه منسوخ بنسخ الربا. قال الخطابيّ: قال بعض أصحاب الرأي إنما كان جوازه قبل تحريم الربا والقمار.
وتعقبه في «المعالم» ((2) / (44)) بأن تحريم الربا والقمار والميسر متقدّم، والخرص عُمل به في حياة النبيّ – صلى الله عليه وسلم – حتى مات، ثم أبو بكر، وعمر، فمن بعدهم، ولم يُنقل عن أحد منهم، ولا عن التابعين خلاف فيه، إلا عن الشعبيّ انتهى.
وقال الإمام ابن القيّم في «إعلام الموقّعين»: «المثال التاسع والعشرون» ردّ السنّة الصحيحة الصريحة المحكمة في خرص الثمار في الزكاة، والعرايا، وغيرها، إذا بدا صلاحها، ثم ذكر أحاديث الخرص، ثم قال: فردّت هذه السنن كلها بقوله تعالى: {إنَّما
الخَمْرُ والمَيْسِرُ والأنْصابُ والأزْلامُ رِجْسٌ مِن عَمَلِ الشَّيْطانِ فاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} الآية [المائدة (90)]، قالوا: والخرص من القمار والميسر، فيكون تحريمه ناسخًا لهذه الآثار.
وهذا من أبطل الباطل، فإن الفرق بين القمار والميسر، والخرص المشروع كالفرق بين البيع والربا، والميتة والمذكّى، وقد نزّه اللَّه رسوله – صلى الله عليه وسلم -، وأصحابه عن تعاطي القمار، وعن شرعه، وإدخاله في الدين، ويا للَّه العجب أكان المسلمون يُقامرون إلى زمن خيبر، ثم استمرّوا على ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين، ثم انقضى عصر الصحابة، وعصر التابعين على القمار، ولا يعرفون أنّ الخرص قمار حتى بيّنه بعض فقهاء الكوفة، هذا واللَّه الباطل حقًّا. انتهى كلام ابن القيم.
وقد ذكر صاحب «المرعاة» ما تعلّق به الحنفيّة في ردّ أدلّة الخرص كلها وناقشها كلّها، فأجاد، وأفاد، فراجعه في جـ (6) ص (151) – (154). تستفد. وباللَّه تعالى التوفيق.
[تنبيهان]:
(الأول): اختلف القائلون بالخَرْص، هل يختصّ بالنخل، أو يُلحق به العنب، أو يعمّ كلّ ما ينتفع به رطبًا وجافًّا؟ وبالأول قال شُريح القاضي، وبعض أهل الظاهر. وبالثاني قال الجمهور. وإلى الثالث نحا البخاريّ.
قال الجامع: مذهب الجمهور عندي أرجح، لصحة الأدلّة به. واللَّه تعالى أعلم.
وهل يمضي قول الخارص، أو يرجع إلى ما آل إليه الحال بعد الجفاف؟ الأول قول مالك، وطائفة. والثاني قول الشافعيّ، ومن تبعه.
قال الجامع: قول مالك عندي أظهر. واللَّه تعالى أعلم.
وهل يكفي خارصٌ واحد عارف ثقةٌ، أو لابدّ من اثنين؟ وهما قولان للشافعيّ، والجمهور على الأول.
قال الجامع: قول الجمهور هو الموافق ظاهر أحاديث الخرص. واللَّه تعالى أعلم.
واختُلف أيضًا، هل هو اعتبار، أو تضمينٌ؟ وهما قولان للشافعيّ، أظهرهما الثاني.
وفائدته جواز التصرّف في جميع الثمرة، ولو أتلف المالك الثمرة بعد الخرص أُخذت منه الزكاة بحساب ما خُرص. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
تنبيه:
وقد نقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن الوسق ستون صاعا كما جاء في المجموع للنووي جـ[5] ص [447] أي النصاب ثلاثمائة صاع وهي تساوي بالكيل المصري خمسين كيلة، وأما مقدار الخمسة أوسق بالكيلوجرامات فهو ما يساوي [653] كيلوجراما.
المبادئ:-
1 – يشترط جمهور الفقهاء النصاب في زكاة الزروع.
2 – نقل الإجماع على أن الوسق ستون صاعا أي النصاب ثلاثمائة صاع وهي تساوي بالكيل المصري خمسين كيلة، وأما مقدار الخمسة أوسق بالكيلوجرامات فهو ما يساوي 653 كيلوجراما.
بتاريخ: 24/ 12/1987
دار الإفتاء المصرية
رقم الفتوى: 51 – 1 س: 121 تاريخ النشر في الموقع: 12/ 12/2017
تنبيه:.هَلْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ عَنْوَةً أَمْ صُلْحًا وَالْأَحْكَامُ الْمُتَرَتّبَةُ عَلَى ذَلِكَ؟
وَاخْتُلِفَ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ: هَلْ كَانَ عَنْوَةً أَوْ كَانَ بَعْضُهَا صُلْحًا وَبَعْضُهَا عَنْوَةً؟ فَرَوَى أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ غَزَا خَيْبَرَ فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً فَجُمِعَ السّبْيُ وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: سَأَلْتُ ابْنَ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ: بَلَغَنِي أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ افْتَتَحَ خَيْبَرَ عَنْوَةً بَعْدَ الْقِتَالِ وَنَزَلَ مَنْ نَزَلَ مَنْ أَهْلِهَا عَلَى الْجَلَاءِ بَعْدَ الْقِتَالِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرّ: هَذَا هُوَ الصّحِيحُ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ أَنّهَا كَانَتْ عَنْوَةً كُلّهَا مَغْلُوبًا عَلَيْهَا بِخِلَافِ فَدَكٍ فَإِنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَسَمَ جَمِيعَ أَرْضِهَا عَلَى الْغَانِمِينَ لَهَا الْمُوجِفِينَ عَلَيْهَا بِالْخَيْلِ وَالرّكَابِ وَهُمْ أَهْلُ الْحُدَيْبِيَةِ وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنّ أَرْضَ خَيْبَرَ مَقْسُومَةٌ وَإِنّمَا اخْتَلَفُوا: هَلْ تُقْسَمُ الْأَرْضُ إذَا غُنِمَتْ الْبِلَادُ أَوْ تُوقَفُ؟ فَقَالَ الْكُوفِيّونَ: الْإِمَامُ مُخَيّرٌ بَيْنَ قِسْمَتِهَا كَمَا فَعَلَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ بِأَرْضِ خَيْبَرَ وَمِنْ إيقَافِهَا كَمَا فَعَلَ عُمَرُ بِسَوَادِ الْعِرَاقِ. وَقَالَ الشّافِعِيّ: تُقْسَمُ الْأَرْضُ كُلّهَا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَيْبَرَ لِأَنّ الْأَرْضَ غَنِيمَةٌ كَسَائِرِ أَمْوَالِ الْكُفّارِ.
وَذَهَبَ مَالِكٌ إلَى إيقَافِهَا اتّبَاعًا لِعُمَرَ لِأَنّ الْأَرْضَ مَخْصُوصَةٌ مِنْ سَائِرِ الْغَنِيمَةِ بِمَا فَعَلَ عُمَرُ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الصّحَابَةِ مِنْ إيقَافِهَا لِمَنْ يَاتِي بَعْدَهُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَرَوَى مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ يَقُولُ لَوْلَا أَنْ يُتْرَكَ آخِرُ النّاسِ لَا شَيْءَ لَهُمْ مَا افْتَتَحَ الْمُسْلِمُونَ قَرْيَةً إلّا قَسَمْتُهَا سُهْمَانًا كَمَا قَسَمَ رَسُولُ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خيبر سهمانا وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنّ أَرْضَ خَيْبَرَ قُسِمَتْ كُلّهَا سُهْمَانًا كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ. وَأَمّا مَنْ قَالَ إنّ خَيْبَرَ كَانَ بَعْضُهَا صُلْحًا وَبَعْضُهَا عَنْوَةً فَقَدْ وَهِمَ وَغَلِطَ وَإِنّمَا دَخَلَتْ عَلَيْهِمْ الشّبْهَةُ بِالْحِصْنَيْنِ اللّذَيْنِ أَسْلَمَهُمَا أَهْلُهُمَا فِي حَقْنِ دِمَائِهِمْ فَلَمّا لَمْ يَكُنْ أَهْلٌ ذَيْنِكَ الْحِصْنَيْنِ مِنْ الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَالذّرّيّةِ وَلَعَمْرِي إنّ ذَلِكَ فِي الرّجَالِ وَالنّسَاءِ وَالذّرّيّةِ كَضَرْبٍ مِنْ الصّلْحِ وَلَكِنّهُمْ لَمْ يَتْرُكُوا أَرْضَهُمْ إلّا بِالْحِصَارِ وَالْقِتَالِ فَكَانَ حُكْمُ أَرْضِهِمَا حُكْمَ سَائِرِ أَرْضِ خَيْبَرَ كُلّهَا عَنْوَةً غَنِيمَةً مَقْسُومَةً بَيْنَ أَهْلِهَا.
وَرُبّمَا شُبّهَ عَلَى مَنْ قَالَ إنّ نِصْفَ خَيْبَرَ صُلْحٌ وَنِصْفَهَا عَنْوَةٌ بِحَدِيثِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ يَسَارٍ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ قَسَمَ خَيْبَرَ نِصْفَيْنِ: نِصْفًا لَهُ وَنِصْفًا لِلْمُسْلِمِينَ قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَلَوْ صَحّ هَذَا لَكَانَ مَعْنَاهُ أَنّ النّصْفَ لَهُ مَعَ سَائِرِ مَنْ وَقَعَ فِي ذَلِكَ النّصْفِ مَعَهُ لِأَنّهَا قُسِمَتْ عَلَى سِتّةٍ وَثَلَاثِينَ سَهْمًا فَوَقَعَ السّهْمُ لِلنّبِيّ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَطَائِفَةٍ مَعَهُ فِي ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا وَوَقَعَ سَائِرُ النّاسِ فِي بَاقِيهَا وَكُلّهُمْ مِمّنْ شَهِدَ الْحُدَيْبِيَةَ ثُمّ خَيْبَرَ وَلَيْسَتْ الْحُصُونُ الّتِي أَسْلَمَهَا أَهْلُهَا بَعْدَ الْحِصَارِ وَالْقِتَالِ صُلْحًا وَلَوْ كَانَتْ صُلْحًا لَمَلَكَهَا أَهْلُهَا كَمَا يَمْلِكُ أَهْلُ الصّلْحِ أَرْضَهُمْ وَسَائِرَ أَمْوَالِهِمْ فَالْحَقّ فِي هَذَا مَا قَالَهُ ابْنُ إسْحَاقَ دُونَ مَا قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ أَبِي عُمَرَ. قُلْت: ذَكَرَ مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنّ خَيْبَرَ كَانَ بَعْضُهَا عَنْوَةً وَبَعْضُهَا صُلْحًا وَالْكُتَيْبَةُ أَكْثَرُهَا عَنْوَةً وَفِيهَا صُلْحٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْكُتَيْبَةُ أَرْضُ خَيْبَرَ وَهُوَ أَرْبَعُونَ أَلْفَ عَذْقٍ. وَقَالَ مَالِكٌ: عَنْ الزّهْرِيّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيّبِ: أَنّ رَسُولَ اللّهِ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ افْتَتَحَ بَعْضَ خَيْبَرَ عَنْوَةً
أخرج أبو داودَ في سُنَنِه عن سَهلِ بنِ أبي حَثْمةَ الأنصاريُّ رضِيَ اللهُ عنه، أنَّه قال: “قَسَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خيبَرَ نِصْفين، نِصْفًا لِنَوائبِه وحاجتِه ونِصْفًا بينَ المُسلِمين، قَسَمَها بينَهم على ثَمانيةَ عشَرَ سهمًا”؛ يدل أن بَعضُها فُتِحَ صُلحًا وبَعضُها عَنوةً، وبعضُها أُجلِيَ عنها أهلُها رُعبًا،؛ وبيانُ ذلك: أنَّ خَيبرَ كان لها قُرًى وضِياعٌ خارجةٌ عنها؛ فكان بعضُها مغنومًا، وهي ما غَلَب عليه رَسُولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم والمسلِمون، وكان سبيلُها القَسْمَ بين المقاتِلين الغانِمين وأهلِ الحُديبيَّة، وكان بَعضُها ممَّا لم يُوجَفْ عليه بخيلٍ ولا رِكابٍ، فكان خالصًا لرسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم يَضعُه حيثُ أراه اللهُ مِن حاجتِه ونوائبِه، ومصالِح المسلِمينَ، فنَظرُوا إلى مبلغِ ذلك فاستوتِ القسمةُ فيها على النِّصف؛ فالنِّصفُ المقسومُ مِن خَيبرَ مأخوذٌ عَنوةً، والنِّصفُ الذي لم يُقسَمْ مأخوذٌ صلحًا، أو أُجلِيَ عنها أهلُها
مختلف الحديث: لا يعارض معاملت اليهود بالمزارعة أحاديث لا يجتمع في الجزيرة دينان لأن استعمالهم مؤقت خاصة أن خيبر كبيرة وبعيدة عن المدينة فيصعب على الصحابة زراعتها ثم عمر بن الخطاب أخرجهم لما غدروا وفدعوا ابنه.