207 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
25 – باب الأمر بأداء الأمانة
207 – وعن أَبِي خُبَيْبٍ بضم الخاءِ المعجمة عبد اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ، رضي اللَّه عنهما قَالَ: لَمَّا وَقَفَ الزبَيْرُ يَوْمَ الْجَمَلِ دَعانِي فَقُمْتُ إِلَى جَنْبِهِ، فَقَالَ: يَا بُنَيَّ إِنَّهُ لاَ يُقْتَلُ الْيَوْمَ إِلاَّ ظَالِمٌ أَوْ مَظْلُومٌ، وإِنِّي لاأُرَنِي إِلاَّ سَأُقْتَلُ الْيَومَ مَظْلُوماً، وَإِنَّ مِنْ أَكْبَرِ هَمِّي لَدَينْيِ أَفَتَرَى دَيْنَنَا يُبْقى مِنْ مالِنا شَيْئاً؟ ثُمَّ قَالَ: يا بني بعْ مَالَنَا واقْضِ دَيْنِي، وَأَوْصَى بالثُّلُثِ، وَثُلُثِهُ لِبَنِيهِ، يَعْنِي لبَنِي عَبْدِ اللَّه بن الزبير ثُلُثُ الثُّلُث. قَالَ: فَإِن فَضَلَ مِنْ مالِنَا بعْدَ قَضَاءِ الدَّيْنِ شَيءٌ فثُلُثُهُ لِبَنِيك، قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ بَعْضُ وَلَدُ عَبْدِ اللَّهِ قَدْ وَازى بَعْضَ بَني الزبَيْرِ خُبيبٍ وَعَبَّادٍ، وَلَهُ يَوْمَئذٍ تَسْعَةُ بَنينَ وتِسعُ بَنَاتٍ. قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَجَعَل يُوصِينِي بديْنِهِ وَيَقُول: يَا بُنَيَّ إِنْ عَجزْتَ عنْ شَيءٍ مِنْهُ فَاسْتَعِنْ عَلَيْهِ بموْلايَ. قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا دَريْتُ مَا أرادَ حَتَّى قُلْتُ يَا أَبَتِ مَنْ مَوْلاَكَ؟ قَالَ: اللَّه. قَالَ: فَواللَّهِ مَا وَقَعْتُ في كُرْبَةٍ مِنْ دَيْنِهِ إِلاَّ قُلْتُ: يَا مَوْلَى الزبَيْرِ اقْضِ عَنْهُ دَيْنَهُ، فَيَقْضِيَهُ. قَالَ: فَقُتِلَ الزُّبَيْرُ وَلَمْ يَدَعْ دِينَاراً وَلاَ دِرْهَماً إِلاَّ أَرَضِينَ، مِنْهَا الْغَابَةُ وَإِحْدَى عَشَرَةَ دَاراً بالْمَدِينَةِ. وداريْن بالْبَصْرَةِ، وَدَارَاً بالْكُوفَة وَدَاراً بِمِصْرَ. قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الذي كَانَ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ يَاتَيهِ بِالمالِ، فَيَسْتَودِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبيْرُ: لا وَلَكنْ هُوَ سَلَفٌ إِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعةَ.
وَمَا ولِي إَمَارَةً قَطُّ وَلا جِبَايةً ولا خَراجاً وَلاَ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَكُونَ في غَزْوٍ مَعَ رسولِ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، أَوْ مَعَ أَبِي بَكْر وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ رضي اللَّه عنهم، قَالَ عَبْدُ اللَّه: فَحَسَبْتُ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الدَّيْنِ فَوَجَدْتُهُ أَلْفَيْ أَلْفٍ وَمائَتَيْ أَلْفٍ، فَلَقِيَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ عَبدَ اللَّهِ بْن الزُّبَيْرِ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي كَمْ عَلَى أَخِي مِنَ الدَّيْنِ؟ فَكَتَمْتُهُ وَقُلْتُ: مِائَةُ أَلْفٍ. فَقَالَ: حَكيمٌ: وَاللَّه مَا أَرى أَمْوَالَكُمْ تَسعُ هَذِهِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: أَرَأَيْتُكَ إِنْ كَانَتْ أَلْفَي أَلْفٍ؟ وَمِائَتَيْ أَلْفٍ؟ قَالَ: مَا أَرَاكُمْ تُطِيقُونَ هَذَا، فَإِنْ عَجَزْتُمْ عَنْ شَىْء مِنْهُ فَاسْتَعِينُوا بِي. قَالَ: وكَانَ الزُّبَيْرُ قدِ اشْتَرَى الْغَابَةَ بِسَبْعِينَ ومِائَة أَلْف، فَبَاعَهَا عَبْدُ اللَّهِ بِالف ألفٍ وسِتِّمِائَةِ أَلْفَ، ثُمَّ قَامَ فَقالَ: مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ شَيْء فَلْيُوافِنَا بِالْغَابَةِ، فأَتَاهُ عبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعفر، وكَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيْرِ أَرْبعُمِائةِ أَلْفٍ، فَقَالَ لعَبْدِ اللَّه: إِنْ شِئْتُمْ تَرَكْتُهَا لَكُمْ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّه: لا، قَالَ فَإِنْ شِئْتُمْ جعَلْتُمْوهَا فِيمَا تُؤخِّرُونَ إِنْ أَخَّرْتُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّه: لا، قَالَ: فَاقْطَعُوا لِي قِطْعَةً، قَالَ عبْدُ اللَّه: لَكَ مِنْ هاهُنا إِلَى هاهُنَا. فَبَاعَ عَبْدُ اللَّهِ مِنْهَا فَقَضَى عَنْهُ دَيْنَه، وَوَفَّاهُ وَبَقِيَ منْهَا أَرْبَعةُ أَسْهُمٍ وَنِصْفٌ، فَقَدم عَلَى مُعَاوِيَةَ وَعَنْدَهُ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، وَالْمُنْذِرُ بْنُ الزُّبيْرِ، وَابْن زَمْعَةَ.
فَقَالَ لَهُ مُعَاوِيَةُ: كَمْ قَوَّمَتِ الْغَابَةُ؟ قال: كُلُّ سَهْمٍ بِمائَةِ أَلْفٍ قَالَ: كَمْ بَقِي مِنْهَا؟ قَالَ: أَرْبَعَةُ أَسْهُمٍ ونِصْفٌ، فَقَالَ الْمُنْذرُ بْنُ الزَّبَيْرِ: قَدْ أَخَذْتُ مِنْهَا سَهْماً بِمائَةِ أَلْفٍ، وقال عَمْرُو بنُ عُثْمان: قَدْ أَخَذْتُ مِنْهَا سَهْماً بِمِائَةِ أَلْفٍ. وَقالَ ابْن زمْعَةَ: قَدُ أَخَذْتُ سَهْماً بِمِائَةِ أَلْفٍ، فَقَالَ مُعَاوِيةُ: كَمْ بَقِيَ مِنْهَا؟ قَالَ: سَهْمٌ ونصْفُ سَهْمٍ، قَالَ: قَدْ أَخَذْتُهُ بِخَمسينَ ومائَةِ ألْف. قَالَ: وبَاعَ عَبْدُ اللَّه بْنُ جَعْفَرٍ نصِيبَهُ مِنْ مُعَاوِيَةَ بسِتِّمِائَةِ أَلْفٍ. فَلَمَّا فَرغَ ابنُ الزُّبَيْرِ مِنْ قَضاءِ ديْنِهِ قَالَ بَنُو الزُّبْيرِ: اقْسِمْ بَيْنَنَا مِيراثَنَا. قَالَ: وَاللَّهِ لا أَقْسِمُ بيْنَكُمْ حَتَّى أَنَادِيَ بالمَوْسم أَرْبَع سِنِين: أَلا مَنْ كَانَ لَهُ عَلَى الزُّبَيَّرِ دَيْنٌ فَلْيَاتِنَا فَلْنَقْضِهِ. فَجَعَلَ كُلُّ سَنَةٍ يُنَادِي في الْمَوسمِ، فَلَمَّا مَضى أَرْبَعُ سِنينَ قَسم بَيْنَهُمْ ودَفَعَ الثُلث وكَان للزُّبَيْرِ أَرْبَعُ نِسْوةٍ، فَأَصاب كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ ومِائَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْف أَلْفٍ ومِائَتَا أَلْف. رواه البخاري.
قوله: (لما وقف الزبير يوم الجمل) قال ابن حجر:” يريد الوقعة المشهورة التي كانت بين علي بن أبي طالب ومن معه وبين عائشة رضي الله عنها ومن معها ومن جملتهم الزبير، ونسبت الوقعة إلى الجمل لأن يعلى بن أمية الصحابي المشهور كان معهم فأركب عائشة على جمل عظيم اشتراه بمائة دينار – وقيل ثمانين، وقيل أكثر من ذلك – فوقفت به في الصف، فلم يزل الذين معها يقاتلون حول الجمل حتى عقر الجمل فوقعت عليهم الهزيمة، هذا ملخص القصة … وكان ذلك في جمادى الأولى أو الآخرة سنة ست وثلاثين. (فتح الباري)
قوله: (لا يقتل اليوم إلا ظالم أو مظلوم) قال ابن حجر:” قال ابن بطال: معناه ظالم عند خصمه مظلوم عند نفسه لأن كلا من الفريقين كان يتأول أنه على الصواب، وقال ابن التين: معناه أنهم إما صحابي متأول فهو مظلوم وإما غير صحابي قاتل لأجل الدنيا فهو ظالم، وقال الكرماني: إن قيل جميع الحروب كذلك فالجواب أنها أول حرب وقعت بين المسلمين. قلت: ويحتمل أن تكون ” أو ” للشك من الراوي، وأن الزبير إنما قال أحد اللفظين، أو للتنويع والمعنى لا يقتل اليوم إلا ظالم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل للظالم منهم العقوبة، أو لا يقتل اليوم إلا مظلوم بمعنى أنه ظن أن الله يعجل له الشهادة … ” (فتح الباري)
قوله (وإني لا أراني) بمعنى الاعتقاد، وظنه أنه سيقتل مظلوما قد تحقق لأنه قتل غدرا بعد أن ذكَّره علي فانصرف عن القتال فنام بمكان ففتك به رجل من بني تميم يسمى عمرو بن جرموز بضم الجيم والميم بينهما راء ساكنة وآخره زاي. (فتح الباري)
قوله (قد وازى) بالزاي أي ساوى، وفيه استعمال وازى بالواو خلافا للجوهري فإنه قال يقال آزى بالهمز ولا يقال وازى والمراد أنه ساواهم في السن. قال ابن بطال: يحتمل أنه ساوى بنو عبد الله في أنصبائهم من الوصية أولاد الزبير في أنصبائهم من الميراث، قال: ” وهذا أولى ” وإلا لم يكن لذكر كثرة أولاد الزبير معنى. قلت: وفيه نظر لأنه في تلك الحالة لم يظهر مقدار المال الموروث ولا الموصى به. وأما قوله: لا يكون له معنى، فليس كذلك لأن المراد أنه إنما خص أولاد عبد الله دون غيرهم لأنهم كبروا وتأهلوا حتى ساووا أعمامهم في ذلك، فجعل لهم نصيبا من المال ليتوفر على أبيهم حصته. (فتح الباري)
وقوله: (خبيب) بالمعجمة والموحدتين مصغر وهو أكبر ولد عبد الله بن الزبير وبه كان يكنيه من لا يريد تعظيمه لأنه كني في الأول بكنية جده لأمه أبي بكر (فتح الباري)
وقوله: (تسعة بنين وتسع بنات) فأما أولاد عبد الله إذ ذاك فهم خبيب وعباد وقد ذكرا، وهاشم، وثابت، وأما سائر ولده فولدوا بعد ذلك، وأما أولاد الزبير فالتسعة الذكور هم: عبد الله وعروة والمنذر أمهم أسماء بنت أبي بكر، وعمرو، وخالد أمهما أم خالد بنت خالد بن سعيد، ومصعب وحمزة أمهما الرباب بنت أنيف، وعبيدة، وجعفر أمهما زينب بنت بشر، وسائر ولد الزبير غير هؤلاء ماتوا قبله والتسع الإناث هن: خديجة الكبرى، وأم الحسن، وعائشة أمهن أسماء بنت أبي بكر، وحبيبة، وسودة، وهند أمهن أم خالد، ورملة أمها الرباب، وحفصة أمها زينب، وزينب أمها أم كلثوم بنت عقبة.
قوله: (إلا أرضين منها الغابة) أرض عظيمة شهيرة من عوالي المدينة. (فتح الباري)
قوله (وَإِنَّمَا كَانَ دَيْنُهُ الذي كَانَ عَلَيْهِ أَنَّ الرَّجُلَ يَاتَيهِ بِالمالِ، فَيَسْتَودِعُهُ إِيَّاهُ، فَيَقُولُ الزُّبيْرُ: لا وَلَكنْ هُوَ سَلَفٌ إِنِّي أَخْشَى عَلَيْهِ الضَّيْعةَ.)
قوله: (لا ولكنه سلف) أي ما كان يقبض من أحد وديعة إلا إن رضي صاحبها أن يجعلها في ذمته، وكان غرضه بذلك أنه كان يخشى على المال أن يضيع فيظن به التقصير في حفظه فرأى أن يجعله مضمونا فيكون أوثق لصاحب المال وأبقى لمروءته. زاد ابن بطال: وليطيب له ربح ذلك المال. (فتح الباري)
قال ابن باز:” ديونه هذه نشأت عن أمانات أخذها من الناس، وحريصا على أن يوفي أهلها وكان رضي الله عنه يأتيه الناس بالأمانات ويقول: أرى أن تجعلوها قرضا علي لأني أخشى عليها الضيعة، يعني: يخشى عليها إذا جعلها في أكياس أو في كذا أو في صناديق أن يأتيها شيء من أسباب الهلكة” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 427)
قوله (وما وَلِي إمارة قط … ) إلخ، أي أن كثرة ماله ما حصلت من هذه الجهات المقتضية لظن السوء بأصحابها. بل كان كسبه من الغنيمة ونحوها. (فتح الباري)
قوله: (فلقي حكيم بن حزام) بالرفع على الفاعلية، وعبد الله بالنصب على المفعولية. قال ابن بطال: إنما قال له مائة ألف وكتم الباقي لئلا يستعظم حكيم ما استدان به الزبير فيظن به عدم الحزم وبعبد الله عدم الوفاء بذلك فينظر إليه بعين الاحتياج إليه، فلما استعظم حكيم أمر مائة ألف احتاج عبد الله أن يذكر له الجميع ويعرفه أنه قادر على وفائه، وكان حكيم بن حزام ابن عم الزبير بن العوام قال ابن بطال: ليس في قوله مائة ألف وكتمانه الزائد كذب، لأنه أخبر ببعض ما عليه وهو صادق قلت: لكن من يعتبر مفهوم العدد يراه إخبارا بغير الواقع … (فتح الباري)
قال ابن باز: “فجمعوا ما حصل عليه من الأمانات فإذا هي مليونان ومئتا ألف” (شرح رياض الصالحين لاباز 1/ 427)
قوله: (وكان للزبير أربع نسوة) أي مات عنهن، وهن أم خالد والرباب وزينب المذكورات قبل، وعاتكة بنت زيد أخت سعيد بن زيد أحد العشرة، وأما أسماء وأم كلثوم فكان طلقهما، وقيل أعاد أسماء وطلق عاتكة فقتل وهي في عدتها منه فصولحت.
قال ابن باز:” أنزل الله البركة في هذه الدور في هذه الأراضي صار نصيب الأربع زوجات من هذا المال خمسة ملايين إلا خُمس مليون، يعني: أربعة ملايين وثمانمائة ألف كل واحدة جاء نصيبها مليون ومئتا ألف” (شرح الرياض 1/ 428)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: دليل على عِظَم الأمانة، وأنَّ مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، وأنَّ مَن استعان بالله أعانه.” (تطريز رياض الصالحين ص 106)
قال ابن باز هذا يدل على أن من اعتنى بالأمانات ورعاها و أدى حقها فالله يوفي عنه، وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح:” من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذ يريد إتلافها أتلفه الله” (ِشرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 428)