206 رياح المسك العطرة من رياض صحيح البخاري المزهرة
مجموعة أبي صالح حازم وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
مراجعة سيف بن غدير النعيمي
وعبدالله البلوشي أبي عيسى
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الإمام البخاري في كتاب الوضوء من صحيحه:
49 – باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان
206 – حدثنا أبو نعيم قال حدثنا زكرياء عن عامر عن عروة بن المغيرة عن أبيه قال كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فأهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما
فوائد الباب:
1 – قوله (باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان) أي يشرع المسح على الخفين. ثم البخاري أورد حديث على شرطه في الصحة فيه بعض شروط صحة المسح على الخفين.
2 – ذكر البيان بأن الماسح على الخفين إنما أبيح له الصلاة بذلك المسح إذا كان لبسه الخفين على طهر قاله ابن حبان في صحيحه.
3 – حديث المغيرة سبق شرحه في الباب 35 باب الرجل يوضئ صاحبه.
4 – قوله (فقال) وعند أبي داود ” فقال لي” أي رسول الله صلى الله عليه وسلم.
5 – قوله (دعهما) وعند أبي داود 151 من طريق يونس ” دع الخفين”
6 – قوله (أدخلتهما طاهرتين) وعند أبي داود 151 ” أدخلت القدمين الخفين وهما طاهرتان” وكذا عند الإمام أحمد في مسنده 18141 من طريق مجالد وفيه زيادة ” إني أدخلتهما وهما طاهرتان، ثم لم أمش حافيا بعد” قال الهيثمي في المجمع رجاله رجال الصحيح انتهى ومجالد ضعيف. وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى 1349 من طريق موسَى بن أعين عن إِسماعيلَ هو ابنُ أبي خالِدٍ، عن عامِر به وفيه ” أَدخَلتُهُما طاهِرَتَينِ، لم أَحْتَفِ بَعد” وفي نسخة ” لم أجنب بعد” فيه عيسى بن غيلان هو السوسي روى عنه جمع. وهل يفهم من هذه الزيادة اشتراط عدم خلعهما؟ لم أجد من فهم ذلك لكنه قول الجمهور.
7 – سبق أن علق البخاري أثر الحسن البصري ووصله ابن أبي شيبة في المصنف 1979 حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، وَمَنْصُورٌ، عَنِ الْحَسَن، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: إِذَا مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ بَعْدَ الْحَدَثِ ثُمَّ خَلَعَهُمَا، إِنَّهُ عَلَى طَهَارَةٍ فَلْيُصَلّ إسناده صحيح وكأنه قاسه على من مسح رأسه ثم حلقه وفيه بحث.
8 – عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن صفوان بن عسال، قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرنا إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن، إلا من جنابة، ولكن من غائط وبول ونوم» أخرجه الترمذي 96 والنسائي 126 و 127 وابن ماجه 478 وأورده الشيخ مقبل في الصحيح المسند 505 وقال حديث حسن
وزاد معمر عن عاصم ” وليلة إذا اقمنا”. أخرجه عبد الرزاق في المصنف 793 ومن طريقه الإمام أحمد في مسنده 18093 وابن خزيمة في صحيحه 193 وابن حبان في صحيحه 1319 والطبراني في المعجم الكبير 7352 والدارقطني في سننه 15 وقال الألباني حسن صحيح
قال الترمذي:” حسن صحيح ….. قال محمد – أي البخاري-: أحسن شيء في هذا الباب حديث صفوان بن عسال، وهو قول العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والتابعين، ومن بعدهم من الفقهاء مثل سفيان الثوري، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، قالوا: يمسح المقيم يوما وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، وقد روي عن بعض أهل العلم أنهم لم يوقتوا في المسح على الخفين، وهو قول مالك بن أنس، والتوقيت أصح، وقد روي هذا الحديث، عن صفوان بن عسال أيضا من غير حديث عاصم” انتهى.
9 – حديث صفوان فيه دليل أن الجنابة لا يكفيها المسح على الخفين بل توجب الغسل، قال الحافظ ابن حجر في الفتح ” المسح على الخفين خاص بالوضوء لا مدخل للغسل فيه بإجماع”.
10 – … عن شريح بن هانئ قال * أتيت عائشة أسألها عن المسح على الخفين فقالت عليك بابن أبي طالب فسله فإنه كان يسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه فقال جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر ويوما وليلة للمقيم اخرجه مسلم 276 والنسائي 128 و 129 وابن ماجه 552
11 – قال ابن المنذر كما في الأوسط: ” أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن الرجل إذا تطهر فأكمل طهوره ثم لبس الخفين ثم أحدث فتوضأ أن له أن يمسح على خفيه وأجمعوا على أنه إذا توضأ وبقي عليه غسل إحدى رجليه فأدخل الرجل المغسولة في الخف ثم غسل الأخرى وأدخلهما الخف أنه طاهر وله أن يصلي ما لم يحدث”.
12 – قال ابن المنذر في الأوسط:” واختلفوا فيه إن أحدث وهذه حالته فقالت طائفه ليس له أن يمسح لأنه أدخل إحدي رجليه الخف قبل أن يكمل الطهارة ويحل له الصلاة هذا قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقال مالك إنما يمسح على الخفين من أدخلهما وهما طاهرتان وفيه قول ثان وهو أن لمن هذه حالته أن يمسح على الخفين هذا قول يحيي بن آدم وبه قال أبو ثور وأصحاب الرأي والمزني وبعض أصحابنا وقد احتج بعض أصحابنا القائلين بهذا القول بأن الرجل إذا غسل وجهه ويديه ومس برأسه وغسل إحدي رجليه فقد طهرت رجله التي غسلها فاذا أدخلها الخف فقد أدخلها وهي طاهرة ثم إذا غسل الأخرى من ساعته وأدخلها الخف فقد أدخلها وهي طاهرة فقد أدخل من هذه صفته رجليه الخف وهما طاهرتان فله أن يمسح عليهما بظاهر الخبر لأنه قد أدخل قدميه وهما طاهرتان قال والقائل بخلاف هذا القول قائل بخلاف الحديث وليس يخلع هذا خفيه ثم يلبسهما.
13 – قال ابن المنذر في الأوسط: ” اختلف أهل العلم في الوقت الذي يحتسب به من مسح على خفيه فقالت طائفه يحتسب به من وقت مسحه على خفيه تمام يوم وليلة للمقيم وإلى تمام ثلاثة أيام ولياليهن من وقت مسحه في السفر هذا قول أحمد بن حنبل ومن حجة من قال هذا القول ظاهر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح المسافر على خفيه ثلاثة أيام ولياليهن والمقيم يوما وليلة فظاهر هذا الحديث يدل على أن الوقت في ذلك وقت المسح لا وقت الحدث ثم ليس للحدث ذكر في شيء من الأخبار فلا يجوز أن يعدل عن ظاهر قول رسول الله صلي الله عليه وسلم إلى غير قوله إلا بخبر عن الرسول أو إجماع يدل على خصوص ومما يزيد ذلك القول وضوحا وبيانا قول عمر بن الخطاب في المسح على الخفين قال يمسح إلى الساعة التي توضأ فيها حدثنا يحيي بن محمد ثنا أبو بكر ثنا أبو عوانه عن خالد الحذاء عن أبي عثمان النهدي عن عمر فذكره ولا شك أن عمر أعلم بمعني قول رسول الله صلي الله عليه وسلم ممن بعده وهو احد من روى عن النبي صلي الله عليه وسلم المسح على الخفين وموضعه من الدين موضعه وقد قال النبي صلي الله عليه وسلم عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين بعدي وروي عنه أنه قال اقتدوا باللذين من بعدي أبو بكر وعمر وفيه قول ثان وهو أن وقت المسح من الحدث إلى الحدث هذا قول سفيان الثوري والشافعي وأصحاب الرأي.
14 – قال الترمذي كما في العلل الكبير:” سَأَلْتُ مُحَمَّدًا فَقُلْتُ: أَيُّ الْحَدِيثِ عِنْدَكَ أَصَحُّ فِي التَّوْقِيتِ فِي الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ؟ قَالَ: حَدِيثُ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ.
15 – قوله (حدثنا زكرياء) تابعه يونس بن أبي إسحق كما عند أبي داود 151 تابعه مجالد بن سعيد كما عند الإمام أحمد في مسنده 18141
16 – قوله (عن عامر) قال الحافظ ابن حجر في الفتح “وزكريا مدلس ولم أره من حديثه الا بالعنعنة لكن أخرجه أحمد عن يحيى القطان عن زكريا والقطان لا يحمل من حديث شيوخه المدلسين الا ما كان مسموعا لهم صرح بذلك الإسماعيلي”، وعند أبي عوانة في مستخرجه 770 من طريق أبي نعيم وغيره ” حدّثنا زكريا بن أبي زائدة، حدّثنا عامر” فصرح بالتحديث. فصدّق ظن الحافظ رحمه الله تعالى ومن قبله الإسماعيلي.
– مسائل في المسح على الخفين:
17 – يجوز المسح على الجوارب، وهي ما يلبس على الرجْل من غير الجلد كالخِرَق ونحوها:
قال ابن عمر: المسح على الجوربين كالمسح على الخفين. رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة
وقال الأزرق بن قيس: رأيت أنس بن مالك أحدث فغسل وجهه ويديه، ومسح على جوربين من صوف، فقلت: أتمسح عليهما؟ فقال: إنهما خُفّان، ولكنهما من صوف.
قال أحمد شاكر رحمه الله: رواه الدولابي، بإسناد صحيح.
– من شروط المسح على الخفين
إدخالهما طاهرتين وسبق
وأيضا سترهما لمحل الفرض: أي: المفروض غسله من الرجل، فلو ظهر من محل الفرض شيء، لم يصح المسح.
قال ابن عثيمين:
ج: هذا الشرط ليس بصحيح؛ لأنه لا دليل عليه، فإن اسم الخف أو الجوارب ما دام باقياً فإنه يجوز المسح عليه؛ لأن السنة جاءت بالمسح على الخف على وجه مطلق وما أطلقه الشارع فإنه لا يصح لأحد أن يقيده .. وبناءً على ذلك فإنه يجوز المسح على الخف المخرق، ويجوز المسح على الخف الخفيف.
18 – مسألة: مبطلات المسح:
ويبطل المسح بما يأتي:
1 – إذا حصل ما يوجب الغسل بطل المسح، لحديث صفوان بن عسال قال: «كان النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يأمرنا إذا كنا سفراً ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة».
2 – إذا ظهر بعض محل الفرض، أي: ظهور بعض القدم، بطل المسح.
3 – نزع الخفين يبطل المسح، ونزع أحد الخفين كنزعهما في قول أكثر أهل العلم.
وقال طاوس في الرجل يمسح ثم خلع: هو على طهارة.
وعن كثير بن شنظير قال: سألت الحسن وعطاء عن رجل توضأ ومسح على خفيه ثم خلعهما. قالا: يصلي ولا يغسل قدميه.
وعن الحسن أنه كان يقول: إذا مسح على خفيه بعد الحدث، ثم خلعهما أنه على طهارة فليصل.
وعن فضيل بن عمرو عن إبراهيم أنه رأى إبراهيم فعل ذلك، ثم خلع خفيه. قال: ثم صلى ولم يتوضأ. أخرج هذه الآثار ابن أبي شيبة في المصنف.
– انقضاء مدة المسح مبطل له؛ لأن المسح مؤقت بزمن معين من قبل الشارع، فلا تجوز الزيادة على المدة المقررة لمفهوم أحاديث التوقيت.
19 – مسألة: المسح على الجبيرة والعمامة وخمر النساء:
الجبيرة: هي أعواد ونحوها كالجبس مما يربط على الكسر ليجبر ويلتئم، ويمسح عليها. وكذلك يمسح على اللصوق واللفائف التي توضع على الجروح، فكل هذه الأشياء يمسح عليها بشرط أن تكون على قدر الحاجة، فإن تجاوزت قدر الحاجة لزمه نَزْعُ ما زاد على الحاجة.
ويجوز المسح عليها في الحدث الأكبر والأصغر، وليس للمسح عليها وقت محدد بل يمسح عليها إلى نزعها أو شفاء ما تحتها. والدليل على ذلك: أن المسح على الجبيرة ضرورة والضرورة تقدر بقدرها ولا فرق فيها بين الحدثين.
وكذلك يجوز المسح على العمامة، وهي ما يعمم به الرأس، ويكور عليه، والدليل على ذلك: حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على عمامته وعلى الناصية والخفين».
وحديث: «أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مسح على الخفين والخمار». يعني العمامة.
والمسح عليها ليس له وقت محدد،
وقال بعض العلماء: لو سلك سبيل الاحتياط فلم يمسحها إلا إذا لبسها على طهارة وفي المدة المحددة للمسح على الخفين، لكان حسناً.
أما خمار المرأة وهو ما تغطي به رأسها، فالأولى ألا تمسح عليه، إلا إذا كان هناك مشقة في نزعه، أو لمرض في الرأس أو نحو ذلك. ولو كان الرأس ملبداً بحناء أو غيره فيجوز المسح عليه؛ لفعل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وعموماً طهارة الرأس فيها شيء من التسهيل والتيسير على هذه الأمة.
المقصود بفعل النبي صلى الله عليه وسلم لما لبد رأسه في الحج.
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب علامة الشام محمد جمال الدين القاسمي ” المسح على الجوربين “، وطُبع معه ” تمام النصح في أحكام المسح ” للشيخ الألباني رحم الله الجميع.
20 – قال الألباني في تمام النُّصْح في أحكام المسْح:
لما فرغت من التعليق على هذه الرسالة المباركة النافعة، رأيت أن من تمام النفع بها، أن أحذو حذو مؤلفها رحمه الله تعالى في تحقيق القول في مسائل يكثر الابتلاء بها، والسؤال عنها، ولها صلة وثقى بموضوعها، ألا وهي:
1 – المسح على النعلين.
2 – المسح على الخف أو الجورب المخرق.
3 – خلع الممسوح عليه هل ينقض الوضوء.
4 – متى تبدأ مدة المسح؟
5 – انتهاء مدة المسح هل ينقض الوضوء؟
فأقول مستعيناً بالله وحده، متوكلاً عليه:
1 – المسح على النعلين
أما المسح على النعلين، فقد اشتهر بين العلماء المتأخرين أنه لا يجوز المسح عليهما، ولا نعلم لهم دليلاً على ذلك إلا ما قاله البيهقي في (سننه) (1/ 288):
كذا قال، ولا يخفى ما فيه – مع الأسف – من تجاهل للأحاديث المتقدمة في الرسالة في إثبات المسح على الجوربين والنعلين، وأسانيد بعضها صحيحة كما سبق بيانه، ولذلك تعقبه التركماني الحنفي في (الجوهر النقي) فقال (1/ 288): (قلت: هذا ممنوع، فقد تقدم أن الترمذي صحح المسح على الجوربين والنعلين وحسنه من حديث هزيل عن المغيرة، وحسنه أيضاً من حديث الضحاك عن أبي موسى. وصحح ابن حبان المسح على النعلين من حديث أوس، وصحح ابن خزيمة [1] حديث ابن عمر في المسح على النعال السبتية، وما ذكره البيهقي من حديث زيد بن الحباب عن الثوري (يعني بإسناده عن ابن عباس وقد مضى) في المسح على النعلين حديث جيد، وصححه ابن القطان عن ابن عمر.
قلت: وإذا عرفت هذا، فلا يجوز التردد في قبول هذه الرخصة بعد ثبوت الحديث بها، لأنه كما قال المؤلف فيما سبق: (وقد صح الحديث فليس إلا السمع والطاعة). لا سيما بعد جريان عمل الصحابة بها، وفي مقدمتهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، كما تقدم وهو مما ذهب إليه بعض الأئمة من السلف الصالح رضي الله عنهم أجمعين. فقد قال ابن حزم رحمه الله تعالى في (المحلى) (2/ 103): (مسألة: فإن كان الخفان مقطوعين تحت الكعبين، فالمسح جائز عليهما، وهو قول الأوزاعي، وروي عنه أنه قال: يمسح المحرم على الخفين المقطوعين تحت الكعبين … وقال غيره: لا يمسح عليهما إلا أن يكونا فوق الكعبين).
قلنا: بعض الأحاديث وردت التي وردت بلفظ المسح على النعلين لا تصح. وما صح يحمل على تخفيف الوضوء. … وراجع مباحث جامع الأجوبة الفقهية
2 – المسح على الخف أو الجورب المخرق
وأما المسح على الخف أو الجورب المخرق، فقد اختلفوا فيه اختلافاً كثيراً، فأكثرهم يمنع منه على خلاف طويل بينهم، تراه في مبسوطات الكتب الفقهية، و (المحلى). وذهب غيرهم إلى الجواز، وهو الذي نختاره. وحجتنا في ذلك أن الأصل الإباحة، فمن منع واشترط السلامة من الخرق أو وضع له حداً، فهو مردود لقوله صلى الله عليه وسلم: (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل) متفق عليه. وأيضاً فقد صح عن الثوري أنه قال: (امسح عليها ما تعلقت به رجلك، وهل كانت خفاف المهاجرين والأنصار إلا مخرقة، مشققة، مرقعة؟). أخرجه عبد الرزاق في (المصنف) (753) ومن طريقه البيهقي (1/ 283).
وقال ابن حزم (2/ 100): (فإن كان في الخفين أو فيما لبس على الرجلين خرق صغير أو كبير طولاً أو عرضاً فظهر منه شيء من القدم، أقل القدم أو أكثرهما أو كلاهما، فكل ذلك سواء، والمسح على كل ذلك جائز، ما دام يتعلق بالرجلين منهما شيء، وهو قول سفيان الثوري، وداود، وأبي ثور، وإسحاق ابن راهويه، ويزيد بن هارون).
ثم حكى أقوال العلماء المانعين منه على ما بينها من اختلاف وتعارض ثم رد عليها، وبين أنها مما لا دليل عليها سوى الرأي وختم ذلك بقوله: (لكن الحق في ذلك ما جاءت به السنة المبينة للقرآن من أن حكم القدمين اللتين ليس عليهما شيء ملبوس يمسح عليه أن يغسلا، وحكمهما إذا كان عليهما شيء ملبوس أن يمسح على ذلك الشيء. بهذا جاءت السنة (وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً) (مريم: من الآية64)، وقد علم رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ أمر بالمسح على الخفين وما يلبس في الرجلين، ومُسِحَ على الجوربين – أن من الخفاف والجوارب وغير ذلك مما يلبس على الرجلين المخرق خرقاً فاحشاً أو غير فاحش، وغير المخرق، والأحمر والأسود والأبيض، والجديد والبالي، فما خص عليه السلام بعض ذلك دون بعض، ولو كان حكم ذلك في الدين يختلف لما أغفله الله تعالى أن يوحي به، ولا أهمله رسول الله صلى الله عليه وسلم المفترض عليه البيان، حاشا له من ذلك، فصح أن حكم ذلك المسح على كل حال، والمسح لا يقتضي الاستيعاب في اللغة التي بها خوطبنا).
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (اختياراته) (ص13): (ويجوز المسح على اللفائف في أحد الوجهين، وحكاه ابن تميم وغيره، وعلى الخف المخرق ما دام اسمه باقياً، والمشي فيه ممكناً، وهو قديم قولي الشافعي واختيار أبي البركات وغيره من العلماء).
قلت: ونسبه الرافعي في (شرح الوجيز) (2/ 370) للأكثرية واحتج له بأن القول بامتناع المسح يضيق باب الرخصة، فوجب أن يمسح. ولقد أصاب رحمه الله.
3 – خلع الممسوح عليه هل ينقض الوضوء؟
اختلف العلماء أيضاً فيمن خلع الخف ونحوه بعد أن توضأ ومسح عليه، على أقوال ثلاثة:
الأول: أن وضوءه صحيح ولا شيء عليه.
الثاني: أن عليه غسل رجليه فقط.
الثالث: أن عليه إعادة الوضوء.
وبكل من هذه الأقوال قد قال به طائفة من السلف، وقد أخرج الآثار عنهم بذلك عبد الرزاق في (المصنف) (1/ 210/809 – 813) وابن أبي شيبة (1/ 187 – 188) والبيهقي (1/ 289 – 290).
ولا شك أن القول الأول هو الأرجح، لأنه المناسب لكون المسح رخصة وتيسيراً من الله، والقول بغيره ينافي ذلك، كما قال الرافعي في المسألة التي قبلها كما تقدم، ويترجح على القولين الآخرين بمرجح آخر بل بمرجحين:
الأول: أنه موافق لعمل الخليفة الراشد علي بن أبي طالب، فقد قدمنا بالسند الصحيح عنه رضي الله عنه أنه أحدث ثم توضأ ومسح على نعليه ثم خلعهما ثم صلى.
والآخر: موافقته للنظر الصحيح، فإنه لو مسح على رأسه ثم حلق، لم يجب عليه أن يعيد المسح بله الوضوء، وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، فقال في (اختياراته) (ص15):
(ولا ينتقض وضوء الماسح على الخف والعمامة بنزعهما، ولا بانقضاء المدة، ولا يجب عليه مسح رأسه، ولا غسل قدميه، وهو مذهب الحسن البصري، كإزالة الشعر الممسوح على الصحيح من مذهب أحمد، وقول الجمهور). وهو مذهب ابن حزم أيضاً، فراجع كلامه في ذلك ومناقشته لمن خالف، فإنه نفيس. (المحلى) (2/ 105 – 109): وأما ما رواه ابن أبي شيبة (1/ 187) والبيهقي (1/ 289) عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل يمسح على خفيه ثم يبدو له أن ينزع خفيه، قال: يغسل قدميه.
ففيه يزيد بن عبد الرحمن الدالاني قال الحافظ: صدوق يخطاء كثيراً، وكان يدلس.
وروى البيهقي عن أبي بكرة نحوه.
ورجاله ثقات غير علي بن محمد القرشي، فلم أعرفه.
ثم روي عن المغيرة بن شعبة مرفوعاً: (المسح على الخفين ثلاثة أيام ولياليها للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم ما لم يخلع). وقال: (تفرد به عمر بن رُدَيْح، وليس بالقوي).
قلت: هذه الزيادة (ما لم يخلع) منكرة لتفرد هذا الضعيف بها، وعدم وجود الشاهد لها.
4 – متى تبدأ مدة المسح؟
الأول: أنها تبدأ من الحدث بعد اللبس.
والآخر: من المسح بعد الحدث.
وقد ذهب إلى الأول أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم، ولا نعلم لهم دليلاً يستحق الذكر إلا مجرد الرأي، ولذلك خالفهم بعض أصحابهم كما يأتي، ولا علمت لهم سلفاً من الصحابة بخلاف القول الثاني، فإمامهم الأحاديث الصحيحة، وفتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
أما السنة، فالأحاديث الصحيحة التي رواها جمع من الصحابة في صحيح مسلم والسنن الأربعة والمسانيد وغيرها ففيها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح، وفي بعضها رخص في المسح، وفي غيرها: جعل المسح للمقيم يوماً وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن، ومن الواضح جداً أن الحديث كالنص على ابتداء مدة المسح من مباشرة المسح، وهو كالنص أيضاً على رد القول الأول لأن مقتضاه كما نصوا عليه في الفروع أن من صلى الفجر قبيل طلوع الشمس، ثم أحدث عند الفجر من اليوم الثاني، فتوضأ ومسح لأول مرة لصلاة الفجر، فليس له المسح بعدها! فهل يصدق على مثل هذا أنه مسح يوماً وليلة؟! أما على القول الثاني الراجح فله أن يمسح إلى قبيل الفجر من اليوم الثالث. بل لقد قالوا أغرب مما ذكرنا: فلو أحدث ولم يمسح حتى مضى من بعد الحدث يوم وليلة أو ثلاثة إن كان مسافراً انقضت المدة ولم يجز المسح بعد ذلك حتى يستأنف لبساً على طهارة.
فحرموه من الانتفاع بهذه الرخصة، بناء على هذا الرأي المخالف للسنة! ولذلك لم يسع الإمام النووي إلا أن يخالف مذهبه – وهو الحريص على أن لا يخالفه ما وجد إلى ذلك سبيلا- لقوة الدليل، فقال رحمه الله تعالى بعد أن حكى القول الأول ومن قال به (1/ 478): (وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار والراجح دليلاً، واختاره ابن المنذر، وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وحكى الماوردي والشاشي عن الحسن البصري أن ابتداءها من اللبس، واحتج القائلون من حين المسح بقوله صلى الله عليه وسلم: (يمسح المسافر ثلاثة أيام). وهي أحاديث صحاح كما سبق، وهذا تصريح بأنه يمسح ثلاثة، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت المدة من المسح، ولأن الشافعي رضي الله عنه قال: إذا أحدث في الحضر ومسح في السفر أتم مسح مسافر فعلق الحكم بالمسح.
واحتج أصحابنا برواية رواها الحافظ القاسم بن زكريا المطرزي في حديث صفوان: (من الحدث إلى الحدث) وهي زيادة غريبة ليست ثابتة، وبالقياس … ).
قلت: إن القياس المشار إليه، لو كان مسلماً بصحته في نفسه، فشرط قبوله والاحتجاج به إنما هو إذا لم يخالف السنة، أما وهو مخالف لها كما رأيت فلا يجوز الالتفات إليه ولذلك قيل: إذا ورد الأثر بطل النظر، وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. فكيف وهو مخالف أيضاً لقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وعهدي بالمقلدين أن يدعوا الأخذ بالسنة الصحيحة حين تخالف قوله رضي الله عنه، كما فعلوا في الطلاق الثلاث، فكيف لا يأخذون به حين وافق السنة؟! فقد روى عبد الرزاق في (المصنف) (1/ 209/807) عن أبي عثمان النهدي قال: (حضرت سعداً وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين، فقال عمر: يمسح عليهما إلى مثل ساعته من يومه وليلته).
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو صريح في أن المسح يبتدئ من ساعة إجرائه على الخف إلى مثلها من اليوم والليلة. وهو ظاهر كل الآثار المروية عن الصحابة في مدة المسح فيما علمنا، مما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في (المصنف). وعلى سبيل المثال، أذكر ما رواه ابن أبي شيبة (1/ 180) عن عمرو ابن الحارث قال: (خرجت مع عبد الله إلى المدائن فمسح على الخفين ثلاثاً لا ينزعهما). وإسناده صحيح على شرط الشيخين.
فقد اتفقت الآثار السلفية، مع السنة المحمدية على ما ذكرنا، فتمسك بها تكن بإذن الله مهدياً.
5 – انتهاء مدة المسح هل ينقض الوضوء؟
للعلماء في ذلك أقوال أشهرها قولان في مذهب الشافعي:
الأول: يجب استئناف الوضوء.
الثاني: يكفيه غسل القدمين.
والثالث: لا شيء عليه، بل طهارته صحيحة يصلي بها ما لم يحدث. قال النووي رحمه الله. قلت: وهذا القول الثالث أقواها، وهو الذي اختاره النووي خلافاً لمذهبه أيضاً فقال رحمه الله (1/ 527): (وهذا المذهب حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري وقتادة وسليمان بن حرب، واختاره ابن المنذر، وهو المختار الأقوى، وحكاه أصحابنا عن داود).
قلت: وحكاه الشعراني في (الميزان) (1/ 150) عن الإمام مالك وحكى النووي عنه غيره فليحقق. وهو الذي ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية كما تراه في كلامه السابق في المسألة الثالثة (ص92) تبعاً لابن حزم، وذكر هذا في القائلين به إبراهيم النخعي وابن أبي ليلى، ثم قال (2/ 94): (وهذا هو القول الذي لا يجوز غيره، لأنه ليس في شيء من الأخبار أن الطهارة تنتقض عن أعضاء الوضوء ولا عن بعضها بانقضاء وقت المسح، وإنما نهى عليه السلام عن أن يمسح أحد أكثر من ثلاث للمسافر أو يوم وليلة للمقيم. فمن قال غير هذا فقد أقحم في الخبر ما ليس فيه، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقل. فمن فعل ذلك واهماً فلا شيء عليه، ومن فعل ذلك عامداً بعد قيام الحجة عليه فقد أتى كبيرة من الكبائر، والطهارة لا ينقضها إلا الحدث، وهذا قد صحت طهارته، ولم يحدث فهو طاهر، والطاهر يصلي ما لم يحدث أو ما لم يأت نص جلي في أن طهارته انتقضت وإن لم يحدث. وهذا الذي انقضى وقت مسحه لم يحدث ولا جاء نص في أن طهارته انتقضت لا عن بعض أعضائه ولا عن جميعها، فهو طاهر يصلي حتى يحدث، فيخلع خفيه حينئذٍ وما على قدميه ويتوضأ ثم يستأنف المسح توقيتاً آخر، وهكذا أبداً.
=======