204 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
25 – باب الأمر بأداء الأمانة
قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58] وقال تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]
204 – عن أَبي هريرة، رضي اللَّه عنه، أن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: ” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإِذَا آؤْتُمِنَ خَانَ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: “وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وزعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ “.
قوله (باب الأمر بأداء الأمانة) قال ابن عثيمين:” قال المؤلف رحمه الله -: باب الأمر بأداء الأمانة،
الأمانة: تطلق على معان متعددة، منها ما ائتمنه الله على عباده من العبادات التي كلفهم بها، فإنها أمانة اتئمن الله عليها العباد.
ومنها: الأمانة المالية، وهي الودائع التي تعطى للإنسان ليحفظها لأهلها، وكذلك الأموال الأخرى التي تكون بيد الإنسان، لمصلحته أو مصلحة مالكها، وذلك أن الأمانة التي بيد الإنسان؛ إما أن تكون لمصلحة مالكها، أو لمصلحة من هي بيده، أو لمصلحتهما جميعاً.
فأما الأول: فالوديعة؛ الوديعة تجعلها عند شخص، تقول مثلاً: هذه ساعتي عندك احفظها لي، أو هذه دراهم احفظها لي وما أشبه هذا، فهذه وديعة بقيت عنده لمصلحة مالكها.
وأما التي لمصلحة من هي بيده: فالعارية يعطيك شخص شيئاً يعيرك إياه من إناء، أو فراش، أو ساعة، أو سيارة، فهذه بقيت في يدك لمصلحتك.
أما التي لمصلحة مالكها ومن هي بيده: فالعينُ المستأجرة، فهذه مصلحتها للجميع؛ استأجرت مني سيارة، وأخذتها، فأنت تنتفع بها في قضاء حاجتك، وأنا أنتفع بالأجرة. وكذلك البيت والدكان وما أشبه ذلك. كل هذه من الأمانات
ومن الأمانة أيضاً: أمانة الولاية وهي أعظمها مسؤولية، الولاية العامة والولايات الخاصة، فالسلطان مثلاً الرئيس الأعلى في الدولة، أمين على الأمة كلها، على مصالحها الدينية ومصالحها الدنيوية، على أموالها التي تكون في بيت الماس، لا يبذرها، ولا ينفقها في غير مصلحة المسلمين وما أشبه ذلك.
وهناك أمانات أخرى دونها، كأمانة الوزير مثلاً في وزارته، وأمانة الأمير في منطقته، وأمانة القاضي في عمله، وأمانة الإنسان في أهله، المهم أن الأمانة باب واسعٌ جداً وأصلها أمران:
أمانة في حقوق الله: وهى أمانة العبد في عبادات الله عزّ وجلّ.
وأمانة في حقوق البشر” وهي كثيرة جداً.” (شرح رياض الصالحين 2/ 462و463)
الآية الأولى: قَالَ الله تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} [النساء: 58]
قال أبو جعفر الطبري”: اختلف أهل التأويل فيمن عُني بهذه الآية. ” ثم ذكر الأقوال ثم قال:” وأولى هذه الأقوال بالصواب في ذلك عندي، قولُ من قال: هو خطاب من الله ولاةَ أمور المسلمين بأداء الأمانة إلى من وَلُوا أمره في فيئهم وحقوقهم، وما ائتمنوا عليه من أمورهم، بالعدل بينهم في القضية، والقَسْم بينهم بالسوية. يدل على ذلك ما وَعظ به الرعية في: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} … الأمانات”، هي الفيء الذي استأمنهم على جمعه وقَسْمه، والصدقات التي استأمنهم على جمعها وقسمها ” تفسير الطبري (8/ 492)
قال ابن كثير:” إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا بصيرا (58)،يخبر تعالى أنه يأمر بأداء الأمانات إلى أهلها. وفي حديث الحسن عن سمرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «أد الأمانة إلى من ائتمنك، ولا تخن من خانك» رواه الإمام أحمد وأهل السنن، وهذا يعم جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عز وجل على عباده من الصلوات والزكوات والصيام والكفارات والنذور وغير ذلك مما هو مؤتمن عليه ولا يطلع عليه العباد، ومن حقوق العباد بعضهم على بعض كالودائع وغير ذلك مما يأتمنون به بعضهم على بعض من غير اطلاع بينة على ذلك، فأمر الله عز وجل بأدائها، فمن لم يفعل ذلك في الدنيا أخذ منه ذلك يوم القيامة، كما ثبت في الحديث الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «لتؤدن الحقوق إلى أهلها حتى يقتص للشاة الجماء من القرناء» ” (تفسير ابن كثير 2/ 298)
قال السعدي:” الأمانات كل ما ائتمن عليه الإنسان وأمر بالقيام به. فأمر الله عباده بأدائها أي: كاملة موفرة، لا منقوصة ولا مبخوسة، ولا ممطولا بها، ويدخل في ذلك أمانات الولايات والأموال والأسرار؛ والمأمورات التي لا يطلع عليها إلا الله. وقد ذكر الفقهاء على أن من اؤتمن أمانة وجب عليه حفظها في حرز مثلها. قالوا: لأنه لا يمكن أداؤها إلا بحفظها؛ فوجب ذلك، وفي قوله: {إِلَى أَهْلِهَا} دلالة على أنها لا تدفع وتؤدى لغير المؤتمِن، ووكيلُه بمنزلته؛ فلو دفعها لغير ربها لم يكن مؤديا لها.” (تفسير السعدي ص 183)
قال ابن عثيمين:” (إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)، تأمل هذه الصيغة (إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ) صيغة قوة وسلطان لم يقل: أدوا الأمانة، ولم يقل: إني آمركم ولكن قال: (إِنَّ اللَّهَ يَامُرُكُمْ) يأمركم بألوهيته العظيمة، يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها، فأقام الخطاب مقام الغائب تعظيماً لهذا المقام ولهذا الأمر، وهذا كقول السلطان – ولله المثل الأعلى – إن الأمير يأمركم، إن الملك يأمركم، فهذا أبلغ وأقوى من قوله: إني آمركم كما قال ذلك علماء البلاغة.
(أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) ومن لازم الأمر بأداء الأمانة إلى أهلها؛ الأمر بحفظها؛ لأنه لا يمكن أداؤها إلى أهلها إلا بحفظها. وحفظها ألا يتعدى فيها ولا يفرط، بل يحفظها حفظاً تاماً ليس فيه تعدّ ولا تفريط، حتى يؤديها إلى أهلها.
وأداء الأمانة من علامات الإيمان: فكلما وجدت الإنسان أميناً فيما يؤتمن عليه، مؤدياً له على الوجه الأكمل؛ فاعلم أنه قوي الإيمان. وكلما وجدته خائناً؛ فاعلم أنه ضعيف الإيمان.
ومن الأمانات: ما يكون بين الرجل وصاحبه من الأمور الخاصة التي لا يحب أن يطلع عليها أحد، فإنه لا يجوز لصاحبه أن يخبر بها … و من ذلك أيضاً: ما يكون بين الرجل وزوجته من الأشياء الخاصة، فإن شر الناس منزلة عند الله تعالى يوم القيامة، الرجل يفضي على امرأته وتفضي إليه، ثم يتحدث بما جرى بينهما، فلا يجوز للإنسان أن يتحدث بما جرى بينه وبين زوجته.” (شرح رياض الصالحين 2/ 463)
وقال تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً} [الأحزاب:72]
نقل الطبري اختلاف أهل التأويل في المقصود بالأمانة ثم قال:” وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ما قاله الذين قالوا: إنه عُنِي بالأمانة في هذا الموضع: جميع معاني الأمانات في الدين وأمانات الناس” (تفسير الطبري)
قال القرطبي:” الأمانة تعم جميع وظائف الدين على الصحيح من الأقوال، وهو قول الجمهور” (تفسير القرطبي 14/ 253)
قال ابن جزي:” الأمانة هي التكاليف الشرعية من: التزام الطاعات وترك المعاصي، وقيل: هي الأمانة في الأموال، وقيل: غسل الجنابة، والصحيح العموم في التكاليف. ” [ابن جزي: (2) / (198)]
قال ابن عاشور:”وعطف الجبال على الأرض وهي منها؛ لأن الجبال أعظم الأجزاء المعروفة من ظاهر الأرض، وهي التي تشاهد الأبصارُ عظمتها”. [ابن عاشور: (22) / (125)]
قال ابن علان:” قال في «النهر»: الظاهر أنها كل ما يؤمن عليه من أمر ونهي وشأن من دين ودنيا، فالشرع كله أمانة والظاهر عرض الأمانة أي الأوامر والنواهي. (دليل الفالحين 1/ 363)
قوله تعالى (إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) قال ابن القيم:” الإنسان خلق فى الأصل ظلوماً جهولا، ولا ينفك عن الجهل والظلم إلا بأن يعلمه الله ما ينفعه، ويلهمه رشده، فمن أراد به الخير علمه ما ينفعه، فخرج به عن الجهل، ونفعه بما علمه، فخرج به عن الظلم، ومتى لم يرد به خيرا أبقاه على أصل الخلقة، كما فى المسند من حديث عبد الله بن عمرو عن النبى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال:
“إِنَّ اللهَ خَلَقَ خَلْقَهُ فى ظُلْمَةٍ، ثُمَّ ألْقَى عَلَيْهِمْ مِنْ نُورِهِ، فمَنْ أصَابَهُ ذلِكَ النُّورُ اُهْتَدَى، وَمَنْ أخْطأَهُ ضَلَّ”. [صححه الألباني 1076]
فالنفس تهوى ما يضرها ولا ينفعها، لجهلها بمضرته لها تارة، ولفساد قصدها تارة، ولمجموعهما تارة، وقد ذم الله تعالى فى كتابه من أجاب داعى الجهل والظلم، فقال: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهَمْ وَمَنْ أَضَلُّ مَّمِنِ اتبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِى الْقَوْمَ الظّالمِين} [القصص: 50] وقال {إِنْ يَتَّبِعُونَ إلا الظّنَّ وَمَا تهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُمْ مِنْ رَبِّهِمْ الْهُدَى} [النجم: 23].
فأصل كل خير: هو العلم والعدل، وأصل كل شر: هو الجهل والظلم.” (إغاثة اللهفان 2/ 136)
قال السعدي:” يعظم تعالى شأن الأمانة، التي ائتمن اللّه عليها المكلفين، التي هي امتثال الأوامر، واجتناب المحارم، في حال السر والخفية، كحال العلانية، وأنه تعالى عرضها على المخلوقات العظيمة، السماوات والأرض والجبال، عرض تخيير لا تحتيم، وأنك إن قمت بها وأدَّيتِهَا على وجهها، فلك الثواب، وإن لم تقومي بها، [ولم تؤديها] فعليك العقاب.
{فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} أي: خوفًا أن لا يقمن بما حُمِّلْنَ، لا عصيانًا لربهن، ولا زهدًا في ثوابه، وعرضها اللّه على الإنسان، على ذلك الشرط المذكور، فقبلها، وحملها مع ظلمه وجهله، وحمل هذا الحمل الثقيل. فانقسم الناس -بحسب قيامهم بها وعدمه- إلى ثلاثة أقسام:
منافقون، أظهروا أنهم قاموا بها ظاهرًا لا باطنًا، ومشركون، تركوها ظاهرًا وباطنًا، ومؤمنون، قائمون بها ظاهرًا وباطنًا.” (تفسير السعدي)
قال ابن عثيمين:” عرض الله الأمانة وهي التكليف والإلزام بما يجب، على السموات والأرض والجبال، ولكنها أبت أن تحملها لما فيها من المشقة، ولما تخشى هذه الثلاثة – الأرض والجبال والسموات – من إضاعتها.
فإن قال قائل: كيف يعرض الله الأمانة على السموات والأرض والجبال، وهي جماد ليس لها عقل ولا تشعر.
فالجواب: أن كلّ جماد فهو بالنسبة لله عزّ وجلّ عاقل يفهم ويمتثل. أرأيت إلى قوله تعالى فيما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: ” إن الله تعالى لما خلق القلم قال له ” اكتب”. فخاطب الله القلم وهو جماد، وردّ عليه القلم قال: ” وماذا اكتب؟ ” لأن الأمر مجمل، ولا يمكن الامتثال للأمر المجمل إلا ببيانه، قال ” اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة” فكتب القلم بأمر الله ما هو كائن إلى يوم القيامة. هذا أمر وتكليف وإلزام … وقال تعالى (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ) (فصلت: 11)
، فخاطبها بالأمر وقال: ائتيا طوعاً أو كرهاً، فقالتا: أتين طائعين. ففهمت السموات والأرض خطاب الله، وامتثلتا وقالتا: أتينا طائعين، وعصاه بني آدم يقولون: سمعنا وعصينا. (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 2/ 466)
قال ابن عثيمين:” الأمانة التي حملها الإنسان. وكيف حملها؟ حملها بأمرين: العقل و الرسل. العقل الذي أعطاه الله عزوجل، وفضله به على كثير ممن خلق تفضيلا، والرسل الذين أرسلهم الله عز وجل للإنسان. ويبينوا لهم الحق من الضلال، فلم يبق لهم عذر، ولكن مع ذلك وصف الإنسان بأنه ظلوم جهول، فاختلف العلماء هل ” الإنسان” هنا عام، أم خاصّ بالكافر، فقال بعض العلماء: إنه خاص بالكافر، فهو الظلوم الجهول. أما المؤمن فهو ذو عدل وعلم وحكمة ورشد. وقال بعض العلماء: بل هو عام والمراد الإنسان بحسب طبيعته، أما المؤمن فإن الله من عليه بالهداية، فيكون مستثنى من هذا، وأياً كان فمن قام بالأمانة انتفى عنه وصف الظلم والجهالة التي في قول الله تعالى (وَحَمَلَهَا الْأِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (الأحزاب: 72) ” (شرح رياض الصالحين 2/ 467)
-204عن أَبي هريرة، رضي اللَّه عنه، أن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: ” آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وإِذَا آؤْتُمِنَ خَانَ” متفقٌ عَلَيهِ.
وفي رواية: “وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وزعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ”
(آية المنافق) أي علامته ودلالته. قاله النووي، قال الكرماني:” أي علامته، وسميت آية القرآن آية؛ لأنها علامة انقطاع كلام من كلام، فـ “آية” مبتدأ خبره قوله: (ثلاث) أي ثلاث خصال. [فإن قيل]: “آية” مفرد، والظاهر يقتضي أن يقال: آيات المنافق ثلاث. [أجيب]: إما بأن يقال: إن كلا من الثلاث آية، حتى لو وجدت خصلة واحدة يكون صاحبها منافقا، أو أن يقال: كل من الثلاث آية حتى إذا اجتمعت تكون آية واحدة، فعلى الأول المراد منها جنس آية، وعلى الثاني معناه اجتماع هذه الثلاث،” (شرح البخاري للكرماني 1/ 147)
قال ابن حجر: العلامة، وإفراد الآية إما على إرادة الجنس، أو أن العلامة إنما تحصل باجتماع الثلاث.
قال ابن عثيمين:” الآية: يعني العلامة، كما قال تعالى: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرائيلَ) (الشعراء: 197) ” (شرح رياض الصالحين 2/ 467)
قال ابن عثيمين:” المنافق هو الذي يسرٌ الشر ويظهر الخير. ومن ذلك: أن يسر الكفر ويظهر الإسلام. وأصله مأخوذ من نافقاء اليربوع. اليربوع- الذي نسميه الجربوع- يحفر له جحراً في الأرض ويفتح له باباً ثم يحفر في أقصى الجُحر خرقاً للخروج، لكنه خرق خفي لا يعلم به، بحيث إذا حجره أحد من عند الباب، ضرب هذا الخرق الذي في الأسفل برأسه ثم هرب منه. فالمنافق يظهر الخير ويبطن الشر، يظهر الإسلام ويبطن الكفر.” (شرح رياض الصالحين 2/ 468)
قال ابن تيمية:” فسروا قول النبي صلى الله عليه وسلم {آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان} وقد ذكر ذلك الترمذي وغيره. وحكوه عن العلماء. وقال غير واحد من السلف ” كفر دون كفر ونفاق دون نفاق وشرك دون شرك “. وإذا كان النفاق جنسا تحته نوعان فالفاسق داخل في أحد نوعيه.” (مجموع الفتاوى 11/ 140)
قال ابن القيم:” النفاق نفاقان: نفاق اعتقاد ونفاق عمل, فنفاق الاعتقاد هو الذي أنكره الله على المنافقين في القرآن وأوجب لهم الدرك الأسفل من النار, ونفاق العمل كقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: “آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان”. (الصلاة وأحكام تاركها ص 60)
قال ابن حجر:” وقد رواه أبو عوانة في صحيحه بلفظ: ” علامات المنافق “، فإن قيل: ظاهره الحصر في الثلاث، فكيف جاء في الحديث الآخر بلفظ: ” أربع من كن فيه … “. الحديث؟ أجاب القرطبي باحتمال أنه استجد له صلى الله عليه وسلم من العلم بخصالهم ما لم يكن عنده. وأقول: ليس بين الحديثين تعارض؛ لأنه لا يلزم من عد الخصلة المذمومة الدالة على كمال النفاق كونها علامة على النفاق؛ لاحتمال أن تكون العلامات دالات على أصل النفاق، والخصلة الزائدة إذا أضيفت إلى ذلك كمل بها خلوص النفاق، على أن في رواية مسلم من طريق العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي هريرة ما يدل على إرادة عدم الحصر، فإن لفظه: ” من علامة المنافق ثلاث “. وكذا أخرج الطبراني في الأوسط من حديث أبي سعيد الخدري، وإذا حمل اللفظ الأول على هذا لم يرد السؤال، فيكون قد أخبر ببعض العلامات في وقت، وببعضها في وقت آخر.” (فتح الباري)
قال ابن حجر:” وقال القرطبي أيضا والنووي: حصل من مجموع الروايتين خمس خصال؛ لأنهما تواردتا على الكذب في الحديث والخيانة في الأمانة، وزاد الأول الخلف في الوعد، والثاني الغدر في المعاهدة والفجور في الخصومة. قلت: وفي رواية مسلم الثاني بدل الغدر في المعاهدة الخلف في الوعد كما في الأول، فكأن بعض الرواة تصرف في لفظه؛ لأن معناهما قد يتحد، وعلى هذا فالمزيد خصلة واحدة وهي الفجور في الخصومة، والفجور الميل عن الحق والاحتيال في رده، وهذا قد يندرج في الخصلة الأولى وهي الكذب في الحديث، ” (فتح الباري)
قال ابن حجر:” قال النووي: هذا الحديث عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المجمع على عدم الحكم بكفره. قال: وليس فيه إشكال، بل معناه صحيح. والذي قاله المحققون: إن معناه أن هذه خصال نفاق، وصاحبها شبيه بالمنافقين في هذه الخصال ومتخلق بأخلاقهم. قلت: ومحصل هذا الجواب الحمل في التسمية على المجاز، أي: صاحب هذه الخصال كالمنافق، وهو بناء على أن المراد بالنفاق نفاق الكفر، وقد قيل في الجواب عنه: إن المراد بالنفاق نفاق العمل كما قدمناه. وهذا ارتضاه القرطبي … وقيل: المراد بإطلاق النفاق الإنذار والتحذير عن ارتكاب هذه الخصال، وإن الظاهر غير مراد. وهذا ارتضاه الخطابي، وذكر أيضا أنه يحتمل أن المتصف بذلك هو من اعتاد ذلك وصار له ديدنا. قال: ويدل عليه التعبير بإذا، فإنها تدل على تكرر الفعل. كذا قال. … إلى أن قال أحسن الأجوبة ما ارتضاه القرطبي. والله أعلم.
قوله (إذا حدث كذب) هذه الخصلة أقبح الثلاثة. وفي الصحيح من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وإن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا) (دليل الفالحين 1/ 363)
قوله (إذا وعد أخلف) قال ابن القيم:” إخلاف الوعد مما فطر الله العباد على ذمه واستقباحه” (إغاثة اللهفان 2/ 47)
قوله (” إذا اؤتمن خان”) قال ابن عثيمين:”وهذا الشاهد من هذا الحديث للباب. فالمنافق إذا ائتمنته على مال خانك، وإذا ائتمنته على سر بينك وبينه خانك، وإذا ائتمنته على أهلك خانك، وإذا ائتمنته على بيع أو شراء خانك. كلما ائتمنته على شيء يخونك والعياذ بالله، يدلّ ذلك على أن في قلبه شعبة من النفاق.” (شرح رياض الصالحين 2/ 469)
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الخبر لأمرين:
الأمر الأول: أن نحذر من هذه الصفات الذميمة؛ لأنها من علامات النفاق، ويخشى أن يكون هذا النفاق العملي مؤدياً إلى نفاق في الاعتقاد والعياذ بالله، فيكون الإنسان منافقاً نفاقاً اعتقادياً فيخرج من الإسلام وهو لا يشعر فأخبرنا الرسول عليه الصلاة والسلام لنحذر من ذلك.
الأمر الثاني: لنحذر من يتصف بهذه الصفات، ونعلم أنه منافق يخدعنا ويلعب بنا، ويغرنا بحلاوة لفظه وحسن قوله، فلا نثق به ولا نعتمد عليه في شيء؛ لأنه منافق والعياذ بالله، (شرح رياض الصالحين (2/ 470)
وفي رواية: “وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وزعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ ” هذه الرواية عند مسلم.
قال ابن باز:” هذا من باب الوعيد، يعني: يحصل له هذا الوعيد، فيكون مُتوعَّدًا بالنار وإن صام وصلَّى” (موقع الشيخ)