204 جامع الأجوبة الفقهية ص240
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
مسألة 3 : الرعاف
♢- جواب ناصر الريسي:
الرعاف لغة: اسم من رعف رعفا، وهو خروج الدم من الأنف، وقيل: الرعاف الدم نفسه، وأصله السبق والتقدم، وفرس راعف أي سابق، وسمي الرعاف بذلك؛ لأنه يسبق علم الشخص الراعف. انظر: المصباح المنير مادة (رعف) ، والحطاب (1/470،471)
ولا يخرج استعمال الفقهاء لهذا اللفظ عن المعنى اللغوي. انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (22/262)
♢- اختلف الفقهاء في هذه المسألة على ثلاثة أقوال:
الأول: أنه ناقض للوضوء، وهذا مذهب الحنفية وبه قال الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق، قال الخطابي: وهو قول أكثر الفقهاء، وحكاه غيره عن عمر بن الخطاب وعلي رضي الله عنهما، وعن عطاء، وابن سيرين، وابن أبي ليلى.
الثاني: أنه لا ينقض الوضوء وهذا مذهب المالكية والشافعية وبه قال عمر، وابن عباس وابن أبي أوفى، وجابر وأبو هريرة، وعائشة وسعيد بن المسيب وسالم بن عبد الله بن عمر، والقاسم بن محمد، وطاوس، وعطاء، ومكحول وربيعة، وأبو ثور. قال البغوي: وهو قول أكثر الصحابة ورجحه ابن المنذر وابن حزم والشيخ الألباني وابن عثيمين.
الثالث: وهو أن لا وضوء في قليله وإذا كان كثيرا توضأ، هذا قول الحنابلة، ورجحه الشيخ ابن باز رحمه الل
انظر: البناية (1/200)، المغني (2/184)، الاستذكار(1/ 229)، الدراري المضية (1/51)، المحلى بالآثار (1/235)، الأوسط (1/167)، مجموع الفتاوى لشيخ الاسلام (21/228).
♢- قال ابن المنذر في الأوسط (1/167):
واختلفوا فيما يجب على الراعف فأوجبت طائفة عليه الوضوء، فممن روينا عنه أنه رأى عليه الوضوء عمر وعلي وسلمان وكان ابن عمر إذا رعف انصرف فتوضأ ثم رجع وبنى، وكذلك فعل ابن المسيب وعلقمة بن قيس وهو مذهب إبراهيم وقتادة وعطاء ومكحول وهذا مذهب الثوري في الجرح لا يرقأ أن عليه الوضوء وهو قول أحمد في الرعاف وبه قال أصحاب الرأي. انتهى
♢- قال الإمام الشوكاني في الدراري المضية (1/51):
وأما الرعاف فقد ذهب إلى أنه ناقض أبو حنيفة وأبو يوسف، ومحمد والقاسمية وأحمد بن حنبل واسحاق وقيدوه بالسيلان وذهب ابن عباس والناصر ومالك والشافعي وروى عن ابن أبي أوفى وأبي هريرة وجابر بن زيد وابن المسيب ومكحول وربيعة إلى أنه غير ناقض.
♢- ادلة القول الأول:
عن سلمان -رضي الله عنه-، قال: “رآني النبي -صلى الله عليه وسلم- وقد سال من أنفي دم، فقال: “أحدث وضوءا”. الدارقطني كتاب الطهارة، باب في الوضوء من الخارج من البدن كالرعاف والقيء والحجامة ونحوه، (ح 23)، (1/ 156)، وضعفه ابن حجر في الدراية (1/ 32).
حديث: ” الوضوء من كل دم سائل ” أخرجه الدارقطني (1/157) من حديث تميم الداري، وأعله الدارقطني بالانقطاع في سنده، وبجهالة راويين فيه.
ووجه الاستدلال أن مثل هذا التركيب يفهم منه الوجوب. انظر: البناية (1/200)
وفي ذخيرة الحفاظ : ٦٥٢٦ – حَدِيث: يُعاد الوضُوء من الرعاف السّائِل. رَواهُ يغنم بن سالم: عَن أنس. ويغنم لَيْسَ بِشَيْء.
عن عائشة – رضي الله تعالى عنها – عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ” من أصابه قيء، أو رعاف، أو قلس، أو مذي فلينصرف فليتوضأ ثم ليبن على صلاته وهو في ذلك لا يتكلم ” أخرجه ابن ماجه (1 /385- 389)، وقال البوصيري في ” مصباح الزجاجة ” (1/223) : ” هذا إسناد ضعيف “.
ونقل العيني أن وجه الاستدلال بالحديث من وجوه:
الأول: أنه أمر بالبناء وأدنى درجات الأمر الإباحة والجواز، ولا جواز للبناء إلا بعد الانتقاض، فدل بعبارته على البناء وعلى الانتقاض بمقتضاه.
والثاني: أنه أمر بالوضوء ومطلق الأمر للوجوب.
والثالث: أنه أباح الانصراف، وهو لا يباح بعد الشروع إلا به. انتهى
وفي مسائل حرب الكرماني :
باب: الرُّعاف
- سألت أحمَد، قلت: رَجلٌ به رُعافٌ شَديدٌ لا يَرقَأ؟ قال: «يتوضَّأ ويُصَلِّي»، واحتَجَّ بِحَديث عُمَر، قال: «وكذلك الجراحَة تكون بِالإنسان».
- وسألت إسحاق، قلت: رَجلٌ بِه رُعافٌ لا يَرقَأ، ألَيسَ يتوضَّأ لِكُلِّ صَلاةٍ مَرَّةً واحِدَة؟ قال: «نَعم».
♢- ادلة القول الثاني بعدم النقض:
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ” احتجم فصلى ولم يتوضأ، ولم يزد على غسل محاجمه ” أخرجه الدارقطني (1/151- 152)، والبيهقي (1/141)، وضعفه.
قال عبدالكريم الخضير في شرح الموطأ
يقول: «حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا رعَف -أو رعُف- انصرف من صلاته» يعني إذا رعف وهو في الصلاة أنصرف منها فتوضأ، والأصل أن الوضوء يحمل على حقيقته الشرعية، لكن سيأتي ما يدل على أن الإمام مالك يريد به الوضوء اللغوي، يعني مجرد غسل الدم
يقول: «وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يرعف ويخرج فيغسل الدم عنه»
يقول: «وحدثني عن مالك يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي أنه رأي سعيد بن المسيب رعف وهو يصلي فأتى حجرة أم سلمة» لأنها أقرب موضع إلى المسجد؛ ليقل المشي في أثناء الصلاة «زوج النبي -ﷺ- فأتي بوضوء فتوضأ» أي غسل الدم، وهذا هو رأي الإمام مالك، أن الوضوء المذكور في هذه الأخبار كله وضوء لغوي وليس بشرعي، يعني توضأ وضوءًا لغويًا يعني بمجرد غسل الدم . انتهى
وبوب كذلك الإمام مالك في الموطأ :
باب: العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعب دمًا.
عن مالك عن يحيى بن سيعد أن سعيد بن المسيب قال: ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه؟ قال مالك: قال يحيى بن سيعد: ثم قال سعيد بن المسيب: أرى أن يومئ برأسه إيماء.
قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.
قال عبدالكريم الخضير في شرح الموطأ :
والحديث الخبر أصل فيمن لا يرقى دمه ولا ينقطع، أنه لا بد أن يصلي على حسب حاله، كمن به سلس واستحاضة، يصلي ولو كان الحدث جاريًا، إذا كان لا ينقطع ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
♢- ادلة الحنابلة ومن وافقهم في التفريق بين الكثير والقليل:
أما كون الكثير ينقض الوضوء، فلقوله عليه الصلاة والسلام في حديث عائشة لفاطمة بنت أبي حبيش عن دم الاستحاضة: إنما ذلك عرق، وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وفي رواية: توضئي لكل صلاة. ولأنه نجاسة خارجة من البدن أشبهت الخارج من السبيل.
وأما كون القليل لا ينقض فلمفهوم قول ابن عباس في الدم إذا كان فاحشا فعليه الإعادة. قال أحمد: عدة من الصحابة تكلموا فيه، وابن عمر عصر بثرة فخرج الدم فصلى ولم يتوضأ، وابن أبي أوفى عصر دملا، وذكر أحمد غيرهما، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة فكان إجماعا. انظر: كشاف القناع (1/124)، والمغني (2/184).
♢- القائلين بعدم نقض الوضوء من الرعاف:
1- جاء في الإقناع في مسائل الإجماع (1/72)
ولا يوجب (الرعاف) ولا الحجامة وضوءًا، ويغسل أثر المحاجم؛ لأني لا أعلم مع من أوجب الوضوء من ذلك حجة. انتهى
2- سئل شيخ الإسلام رحمه الله في الفتاوى (21/ 228) عن الرعاف هل ينقض الوضوء أم لا؟ فأجاب: إذا توضأ منه فهو أفضل. ولا يجب عليه في أظهر قولي العلماء. انتهى
3- قال ابن حزم في المحلى بالآثار (1/ 235):
لا ينقض الوضوء شيء غير ما ذكرنا، لا رعاف ولا دم سائل من شيء من الجسد أو من الحلق أو من الأسنان أو من الإحليل… قال أبو محمد: برهان إسقاطنا الوضوء من كل ما ذكرنا، هو أنه لم يأت قرآن ولا سنة ولا إجماع بإيجاب وضوء في شيء من ذلك، ولا شرع الله تعالى على أحد من الإنس والجن إلا من أحد هذه الوجوه، وما عداها فباطل، ولا شرع إلا ما أوجبه الله تبارك وتعالى وأتانا به رسوله – صلى الله عليه وسلم -. انتهى
4- جاء في جامع تراث العلامة الألباني في الفقه (1/ 267)
السؤال
روى مالك في الموطأ بإسناد صحيح إلى ابن عمر [ أنه أصابه رعاف في الصلاة، ثم خرج فتوضأ فعاد وبنى على صلاته ]. فهل يعني من هذا أن ابن عمر يرى بطلان الصلاة بسبب الرعاف؟
الجواب
هذا يفهم، ولكن لا يتم الاستدلال إلا إذا كان هناك دليل على أن ابن عمر يرى أن الرعاف ناقض للوضوء، حينئذٍ يكون هذا نص معنا في الموضوع، لكن يمكن أن يكون هذا ليس دليلاً قاطعاً إذا كان ابن عمر لا يرى أن الرعاف ينقض الوضوء، وإذا كان هناك نص يرى فيه ابن عمر أن الرعاف ناقض فهذا يكون شاهد للحديث المذكور آنفاً. انتهى
5- وسؤل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى نور على الدرب (7/2):
يقول السائل إذا كنت أؤدي الصلاة ونزل من أنفي رعاف أثناء الصلاة فوقع على ثوبي فهل تبطل الصلاة أم لا وهل الرعاف ناقض للوضوء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الرعاف ليس بناقض للوضوء سواء كان كثيراً أم قليلاً وكذلك جميع ما يخرج من البدن من غير السبيلين فإنه لا ينقض الوضوء مثل القيء والمادة التي تكون في الجروح فإنه لا ينقض الوضوء سواء كان قليلاً أم كثيراً لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والأصل بقاء الطهارة فإن هذه الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن أن يرتفع إلا بمقتضى دليل شرعي وليس هناك دليل على أن الخارج من غير السبيلين من البدن ينقض الوضوء وعلى هذا فلا ينتقض الوضوء بالرعاف ولا بالقيء سواء كان قليلاً أم كثيراً ولكن إذا كان يزعجك في صلاتك ولم تتمكن من إتمامها بخشوع فلا حرج عليك أن تخرج من الصلاة حينئذٍ وكذلك لو خشيت أن تلوث المسجد إذا كنت تصلى في المسجد فإنه يجب عليك الانصراف لئلا تلوث المسجد بهذا الدم الذي يخرج منك أما ما وقع على الثياب من هذا الدم وهو يسير فإنه لا بأس به ولا ينجس الثوب. انتهى
♢- الذي يفرقون بين بين قليل الرعاف وكثيره:
1- قال ابن عبد البر في الاستذكار(1/ 229) : “فإن كان الدم يسيرا، غير سائل ولا خارج، فإنه لا ينقض الوضوء عند جميعهم، ولا أعلم أحدا أوجب الوضوء من يسير الدم إلا مجاهدا وحده، والله أعلم”.
وقال أيضا في موضع أخر من الكتاب: “ولا أعلم أحدا من العلماء أوجب الوضوء للصلاة من قليل الدم يخرج من الجسد، رعافا كان أو غيره؛ إلا ما قدمت لك عن مجاهد”. انتهى
2- وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة – 2 (4/ 112): السؤال الثاني من الفتوى رقم (18799)
س 2: هل الرعاف يبطل الوضوء والصلاة أم لا؟
ج 2: النجاسات الخارجة من سائر البدن من غير السبيلين، إن لم تكن بولا ولا غائطا، كالرعاف والقيء ودم الجروح ونحو ذلك، لا ينتقض بها الوضوء إلا الكثير منها، وهو ما فحش في النفس؛ لما روى أبو الدرداء «أن النبي صلى الله عليه وسلم قاء فتوضأ ». وقال ابن عباس رضي الله عنهما: (إذا كان فاحشا فعليه الإعادة). وأما القليل من ذلك فلا ينتقض الوضوء به، وقد قال بذلك جماعة من الصحابة، كابن عباس وأبي هريرة وابن عمر رضي الله عنهم، ولم يعرف لهم مخالف من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، وبه قال جماعة من التابعين. وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه عصر بثرة فخرج دم فصلى ولم يتوضأ وهذا محمول على اليسير. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو … عضو … نائب الرئيس … الرئيس
بكر أبو زيد … صالح الفوزان … عبد العزيز آل الشيخ … عبد العزيز بن عبد الله بن باز
تنبيه : الإمام أحمد يصحح حديث الوضوء من القيء : حديث أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه -ﷺ- قاء فأفطر فتوضأ .
قيل للإمام أحمد: قد اضطربوا في هذا الحديث.
فقال: حسين المعلم جوده . جامع علوم الإمام أحمد ( العلل )
3- قال ابنُ باز رحمه الله في مجموع الفتاوى (10/159): (مَن انتقض وضوءُه في الصلاة بريحٍ، أو رُعافٍ كثيرٍ، أو غيرهما، فإنَّ صلاته تَبطُل في أصحِّ قولي العلماء.. أمَّا الحديث الذي فيه البناء على ما مضى من الصَّلاة، فهو حديثٌ ضعيف). انتهى
4- قال الشيخ الراجحي في شرح عمدة الفقه (4/ 4) وهو يتكلم عن أنواع الدم الخارج من غير السبيلين:
أن يكون غير بول وغائط كالدم الرعاف والقيح، فهذا مختلف فيه بين أهل العلم: فبعض العلماء يرى أنه ينقض إذا فحش وهو قول كثير من العلماء كالحنابلة وغيرهم، قالوا: إذا فحش مثل: الحجامة أو دم كثير أو رعاف كثير، أما الشيء القليل فلا ينقض الوضوء، ولهذا قال بعض السلف: عصر ابن عمر بثرة وصلى ولم يتوضأ.
والله أعلم.