20 نفح الطيب في شرح أحاديث صحيح الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح الترغيب
(20) – ((20)) [صحيح] وعن أبي هريرة ?؛ أن رسول الله – ? – قال:
“قال رجل لأتَصَدَّقَنَّ بصدقةٍ، فخرج بِصدقَتِه فوضعها في يَدِ سارق ((1)).
فأصبحوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ ((2)) اللَّيلة على سارقِ! فقال: اللهم لك الحمْدُ على سارق ((3))! لأتصدقَنَّ بصدقةٍ، فخرج بِصَدَقَتِهِ فَوَضَعَها فِي يَدِ زانِيَةٍ، فَأصْبَحُوا يَتَحَدَّثُونَ: تُصُدِّقَ اللَّيْلَةَ عَلى زانِيَةٍ! فَقالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلى زانِيَةٍ! لأتَصَدَّقَنَّ بصدَقَة، فخرجَ بِصدقَتِه فوضعها في يَدِ غَنِىٍّ، فأصبحوا
يَتَحَدَّثُون: تُصُدِّقَ اللَّيلَةَ عَلى غَنِيٍّ! فَقالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الحَمْدُ عَلى سارِقٍ وزانِيَةٍ وغَنِىٍّ! فَأُتِىَ، فَقِيلَ لَهُ: أمّا صَدَقَتُكَ عَلى سارِقٍ، فَلَعَلَّهُ أنْ يَسْتَعِفَّ عَنْ سَرِقَتِهِ، وأمّا الزّانِيَةُ فَلَعَلَّها أنْ تَسْتَعِفَّ عَنْ زِناها، وأمّا الغَنِىُّ فَلَعَلَّهُ أنْ يَعْتَبِرُ فَيُنْفِقُ مِمّا أعْطاهُ اللَّهُ».
رواه البخاري -واللفظ له-، ومسلم والنسائي، وقالا فيه:
«فقيل له أمّا صدقتك فقد تُقُبِّلَتْ» ثم ذكر الحديث.
__________
الشرح:
قال النووي (بابُ ثُبُوتِ أجْرِ المُتَصَدِّقِ وإنْ وقَعَتِ الصَّدَقَةُ فِي يَدِ فاسِقٍ ونَحْوِهِ)
فِيهِ حَدِيثُ المُتَصَدِّقُ عَلى سارِقٍ وزانِيَةٍ وغَنِيٍّ وفِيهِ ثُبُوتُ الثَّوابِ فِي الصَّدَقَةِ وإنْ كانَ الآخِذُ فاسِقًا وغَنِيًّا فَفِي كُلِّ كَبِدٍ حَرِيٍّ أجْرٌ وهَذا فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وأمّا الزَّكاةُ فَلا يُجْزِي دَفْعُها إلى غنى. أهـ (ص 110 – جـ 7).
قلت: سيأتي الكلام حول إذا وقعت الصدقة في يد غني فهل تجزئ؟
قال القاضي عياض: وفى الحديث أن الأعمال بالنيات، وأنَّ هذا قد أجِرَ فى اجتهاده ونيّتهِ، وقبلت صدقته. ” إكمال المعلم بفوائد مسلم” (3/ 548).
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: وقول المتصدّق: “اللهم لك الحمد على زانية” إشعار بألم قلبه؛ إذ ظنّ أن صدقته لم توافق محلّها، وأن ذلك لم ينفعه، ولذلك كرّر الصدقة، فلما علم الله صحّة نيّته تقبّلها منه، وأعلمه بفوائد صدقاته. استفدته من ” البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج”.
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: فهذا الرجل نيته طيبة، ولحسن نيته وقعت صدقته في محلها، وصارت مفيدة مقبولة عند الله، ونافعة لمن تصدق عليهم، فيؤخذ منه أنه إذا تصدق على فقير فبان غنيًا أنها تجزئه.
” الشرح الممتع ” (6/ 264 – 266).
و قال العلامة الأتيوبي رحمه الله: (فَقِيلَ لَهُ: أمَّا صَدَقَتُكَ فَقَدْ قُبِلَتْ) بالبناء للمفعول، وفي رواية الطبرانيّ: “إن الله قد قَبِلَ صدقتك” (أمَّا الزَّانِيَةُ فَلَعَلَّهَا تَسْتَعِفُّ) أي تمتنع، يقال: عفّ عن الشيء يَعِفُّ، من باب ضَرَبَ عِفَّة بالكسر وعَفًّا بالفتح: امتَنَعَ عنه، فهو عَفِيفٌ، واستَعَفَّ عن المسألة مثلُ عَفَّ، ورجل عَفّ، وامرأةٌ عَفّة بفتح العين فيهما، وتعفّف كذلك، ويتعدّى بالألف، فيقال: أعفّه الله إعفافًا، وجمعُ العفيف أَعِفة، وأَعِفاءُ، قاله الفيّوميّ.
(بِهَا) أي بسبب صدقتك (عَنْ زِنَاهَا) بالقصر، ويجوز مدّه عند بعضهم، قال الفيّوميّ -رحمه الله-: زَنَى يَزْنِي زِنًا، مقصورٌ، فهو زانٍ، والجمع زُناةٌ، مثل قاضٍ وقضاةٍ، وزاناها مُزاناةً، وزِناءً، مثلُ قاتل مُقاتلةً، وقتالًا، ومنهم من يَجعل المقصور والممدود لغتين في الثلاثيّ، ويقول: المقصور لغة الحجاز، والممدود لغة نجد. انتهى.
(وَلَعَلَّ الْغَنيَّ يَعْتَبِرُ) أي يتّعِظ، ويتذكّر (فَيُنْفِقُ مِمَّا أَعْطَاهُ اللهُ) فيه أن بعض الناس يترك فعل الخير غفلةً، وذُهُولًا، فينبغي أن يُذَكَّر بذلك، كي يتنبّه، ويفعله.
(وَلَعَل السَّارِقَ يَسْتَعِفُّ) أي يمتنع (بِهَا) أي بسبب صدقتك (عَنْ سَرِقَتِهِ) فيه إيماء إلى أنّ الغالب في السارق، ومثله الزانية أنهما يرتكبان المعصية للحاجة، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان. ” البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج”
مسألة:
هل تجزئ الصدقة اذا وقعت في يد غني؟
و قال العلامة ابن باز رحمه الله: يعطى الفقير من الزكاة قدر كفايته لسنة كاملة، وإذا تبين لدافع الزكاة أن المعطى ليس فقيرا لم يلزمه القضاء إذا كان المعطى ظاهره الفقر للحديث الصحيح الوارد في ذلك وهو «أن رجلا ممن كان قبلنا أعطى إنسانا صدقة يظنه فقيرا، فرأى في النوم أنه غني، فقال: اللهم لك الحمد، على غني». فأقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وأخبر أن صدقته قد قبلت.
مجموع الفتاوى لابن باز (14/ 268).
و قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله: وذهب بعض أهل العلم: إلى أنه إذا دفعها إلى من يظن أنه أهل بعد التحري، فبان أنه غير أهل فإنها تجزئه؛ حتى في غير مسألة الغني؛ أي: عمومًا؛ لأنه اتقى الله ما استطاع لقوله تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَها} [البقرة (286)] والعبرة في العبادات بما في ظن المكلف بخلاف المعاملات فالعبرة بما في نفس الأمر، ويصعب أن نقول له: إن زكاتك لم تقبل مع أنه اجتهد، والمجتهد إن أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران.
وهذا القول أقرب إلى الصواب أنه إذا دفع إلى من يظنه أهلًا مع الاجتهاد والتحري فتبين أنه غير أهل فزكاته مجزئة؛ لأنه لما ثبت أنها مجزئة إذا أعطاها لغني ظنه فقيرًا، فيقاس عليه بقية الأصناف.
” الشرح الممتع ” (6/ 264 – 266).
و قال العلامة الأتيوبي رحمه الله: وقال في “الفتح”: ولا دلالة في الحديث على الإجزاء، ولا على المنع، ومن ثمّ ترجم البخاريّ على هذا الحديث بلفظ الاستفهام، فقال: “باب إذا تصدّق على غنيّ، وهو لا يعلم”، ولم يجزم بالحكم. انتهى.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: فيما قاله نظر من وجهين:
(الأول): أن قوله: “بلفظ الاستفهام” غير صحيح، بل إنما هو بلفظ الشكّ، ولم يذكر جوابه اتكالًا على كونه معلومًا من نصّ الحديث، حيث قال: “أما صدقتك، فقد تقبّلت”، كما في رواية مسلم، وغيره.
(الثاني): قد تقدّم أن وجه الاستدلال به على الإجزاء في الصدقة الواجبة أن قوله: “لأتصدّقنّ” من باب الالتزام، كالنذر، فصارت الصدقة واجبة عليه، وقد قرّر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رؤيا المتصدّق في قبول صدقته، فصحّ الاستدلال به في إجزاء زكاة الفرض، والله تعالى أعلم. ” البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج”
و قال في نفس المصدر: قال الجامع عفا الله تعالى عنه: القول الأول من قولي الإمام أحمد -رحمه الله- هو الأرجح عندي؛ لظهور أدلته التي تقدمت آنفًا.
والحاصل أن من دفع زكاته إلى غنيّ، أو نحوه ممن لا يستحقّها، ظانًّا أنه مستحقّها، ثم ظهر بخلافه، سقطت عنه، ولا يلزمه إعادتها، ولكن لو أعادها، كما أعاد الرجل المذكور في حديث الباب، كان حسنًا، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب. ” البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج” (19/ 476).
مسألة: إذا جاءك سائل يسأل الزكاة، ورأيته جلدًا قويًا، فهل تعطيه أم لا؟
الجواب: نقول: عظه أولًا، وقل: إن شئت أعطيتك ولا حظ فيها لغني ولا قوي مكتسب، كما فعل النبي ? في الرجلين اللذين أتيا إليه يسألانه من الصدقة فرآهما جلدين، وقال: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب».” البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج” (19/ 474).
فإن قال قائل: أحوال الناس اليوم فسدت، فإنك لو وعظته بهذا الكلام لم يتعظ فما الجواب؟
الجواب: أن لنا في رسول الله ? أسوة حسنة فنعظه بما وعظه النبي ?، فإذا أصر ونحن لا نعلم خلاف ما يدعي، فإننا نعطيه، أما إذا أصر على السؤال، ونحن نعلم خلاف ما يدعي فإننا لا نعطيه.
” الشرح الممتع ” (6/ 264 – 266).