20 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند؛؛؛
شرح نورس الهاشمي
الذيل على الصحيح المسند؛
مسند أحمد
12530 عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم في نخل لنا لأبي طلحة يتبرز لحاجته، قال وبلال يمشي وراءه يكرم نبي الله صلى الله عليه وسلم أن يمشي إلى جنبه فمر نبي الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه وسلم بقبر فقام حتى تمَّ إليه بلال، فقال ويحك يا بلال هل تسمع ما أسمع؟ فقال ما أسمع شيئا، قال صاحب القبر يعذب، قال فسئل عنه فوجد يهوديا.
________
عذاب القبر؛
قوله (فِي نَخْلٍ لَنَا) نخل لأبي طلحة: بدل من الأول (يُكَرِّمُ) من الإكرام (حَتَّى تَمَّ إِلَيْهِ) من التمام، أي: وصل وانتهى إليه (وَيْحَكَ) كلمة ترحم (فوجد) على بناء الفاعل بتقدير وجده يهوديًا أو بناء المفعول والأول أقرب إلى السوق.
حاشية السندي على مسند الامام احمد
قلت: بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث إثبات عذاب القبر، و جاءت الأدلة من الكتاب و السنة متواترة في إثباته، و هو متقرر في كتب اهل السنة و بينوا ذلك بيانا شافيا، و يجب الإيمان بعذاب القبر، و هو من الأمور الغيبية و لا مجال للعقل فيها.
الدليل من الكتاب و السنة:
قال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَاب، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب} (غافر:45، 46).
وقال في الكفار (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق) أي: ويقولون لهم هذا تعريفا إياهم أنهم يقدمون على عذاب الحريق، وقال: (ولو ترى إذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطو أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن آياته تستكبرون) فدلت الآيتان على أن الكفار يعنف عليهم في نزع أرواحهم، وأنهم يخبرون بما هم قادمون عليه من العذاب الهون خلاف المؤمنين الذين يؤمنون ويبشرون بالجنة التي كانوا يوعدون. الاعتقاد للبيهقي
و قال قتادة و غيره: قوله: {و ممن حولكم من الأعراب منافقون ـ إلى قوله سنعذبهم مرتين} [التوبة: 101] قالوا: في الدنيا القتل و في البرزخ عذاب القبر.
وفي صحيح البخارى برقم (6376) عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ خَالَتِهِ أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَعَوَّذُ «اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ النَّارِ وَمِنْ عَذَابِ النَّارِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْغِنَى، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَقْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ»
قوله صلى الله عليه وسلم: ” تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه ” صحيح. (الارواء / 1/ 310).
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في قوله جل وعلا: {فإن له معيشة ضنكا} [طه: 124] قال: (عذاب القبر) [تعليق الشيخ الألباني] حسن ـ ((صحيح الموارد)) (1751).
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِنْدِيَ امْرَأَةٌ مِنَ الْيَهُودِ وَهِيَ تَقُولُ أَشَعَرْتِ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ فَارْتَاعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ:
“إِنَّمَا تُفْتَنُ الْيَهُودُ” قَالَتْ عَائِشَةُ فَلَبِثْنَا لَيَالِيَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “هَلْ شَعَرْتِ أَنَّهُ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّكُمْ تُفْتَنُونَ فِي الْقُبُورِ” وَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستعيد من عذاب القبر. السنة لابن أبي عاصم، فال الألباني إسناده جيد برقم (873).
عن جابر عن أم مبشر قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا في حائط من حوائط بني النجار فيه قبور منهم وهو يقول:
(استعيذوا بالله من عذاب القبر) فقلت: يا رسول الله وللقبر عذاب؟ قال: (نعم وإنهم ليعذبون في قبورهم تسمعه البهائم)
[تعليق الشيخ الألباني] صحيح ((الصحيحة)) (1445).
عن أم خالد بنت خالد بن سعيد بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم (استجيروا بالله من عذاب القبر فإن عذاب القبر حق.
قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 932 في صحيح الجامع
عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم سورة تبارك هي المانعة من عذاب القبر. قال الشيخ الألباني: (صحيح) انظر حديث رقم: 3643 في صحيح الجامع
سؤال الملكين منكر و نكير
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذا قُبر الميت، أتاه ملكان أسودان أزرقان، يقال لأحدهما المنكر والآخر النكير فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: ما كان يقول، هو عبده ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول هذا، ثم يفسح له في قبره سبعون ذراعاً في سبعين، ثم ينور له فيه، ثم يقال له: نم، فيقول: أرجع إلى أهلي فأخبرهم، فيقولان: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك، وإن كان منافقاً قال سمعت الناس يقولون فقلت مثله لا أدري، فيقولان: قد كنا نعلم أنك تقول ذلك، فيقال للأرض ألتئمي عليه، فتلتئم عليه فتختلف فيها أضلاعه، فلايزال فيها معذباً حتى يبعثه الله من مضجعه ذلك. سنن الترمذي رقم 1071 صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة رقم 1391.
[الاجماع]:
قال العلامة أبو الحسن علي سيف الدين الآمدي الأشعري في كتابه ” أبكار الأفكار ” ما عبارته:
الفصل الثالث في عذاب القبر ومسألة منكر ونكير:
وقد اتفق سلف الأمة قبل ظهور الخلاف وأكثرهم بعد ظهوره على إثبات إحياء الموتى في قبورهم ومساءلة الملكين لهم وتسمية أحدهما منكرا والآخر نكيرا وعلى إثبات عذاب القبر للمجرمين والكافرين وذهب أبو الهذيل وبشر بن المعتمر إلى أن من ليس بمؤمن فإنه لا يسأل ويعذب فيما بعد النفختين أيضا وذهب الصالحي من المعتزلة وابن جرير الطبري وطائفة من الكرامية إلى تجويز ذلك على الموتى في قبورهم .. الآيات البينات للالباني (88).
و قال أيضا: وجحدوا عذاب القبر، وأن الكفار في قبورهم يعذبون، وقد أجمع على ذلك الصحابة والتابعون رضي الله عنهم أجمعين. الإبانة في أصول الديانة (15).
الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في كتابه اعتقاد أئمة أهل الحديث ص (69) حيث قال:
“ويقولون إن عذاب القبر حق يعذب الله من استحقه إن شاء وإن شاء عفا عنه لقوله تعالى: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46]، فأثبت لهم ما بقيت الدنيا بالغدو والعشي دون ما بينهما، حتى إذا قامت القيامة عذبوا أشدّ العذاب بلا تخفيف عنهم كما كان في الدنيا، وقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} [طه: 124]، يعني قبل فناء الدنيا، وقال تعالى: بعد ذلك: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه: 124]، بين أن المعيشة الضنك قبل يوم القيامة وفي معاينتنا اليهود والنصارى والمشركين في العيش الرغد والرفاهية في المعيشة ما يعلم أنه لم يرد به ضيق الرزق في الحياة الدنيا لوجود مشركين في سعة من أرزاقهم، وإنما أراد به بعد الموت قبل الحشر”.
قال الألباني:
عذاب القبر” (ثابت) كتاباً وسنة وبإجماع أهل السنة والجماعة والسلف الصالح.
“الصحيحة” (7/ 2/884).
أقوال أهل السنة:
قال محمد: وأهل السنة يؤمنون بعذاب القبر أعاذنا الله وإياك من ذلك قال عز وجل: فإن له معيشة ضنكا وقال: سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم. أصول السنة لابن ابي الزمنين (154).
قال عبد الغني المقدسي في عقيدته (172): والإيمان بعذاب القبر حق واجب، وفرض لازم. رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب، وأبو أيوب، وزيد بن ثابت، وأنس بن مالك، وأبو هريرة، وأبو بكرة، وأبو رافع، وعثمان بن أبي العاص، وعبد الله بن عباس، وجابر بن عبد الله، وعائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأختها أسماء، وغيرهم.
قال ابن تيمية: فأما أحاديث عذاب القبر ومسألة منكر ونكير فكثيرة متواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل ما في الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما {أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله ثم دعا بجريدة رطبة فشقها نصفين ثم غرز في كل قبر واحدة. فقالوا يا رسول الله لم فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا}. المجموع (4/ 285).
يقول الإمام ابن أبي العز الحنفي ـ رحمه الله ـ: وقد تواترت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثبوت عذاب القبر ونعيمه لمن كان لذلك أهلاً، وسؤال الملكين، فيجب اعتقاد ثبوت ذلك والإيمان به، ولا نتكلم في كيفيته، إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، لكونه لا عهد له به في هذه الدار، والشرع لا يأتي بما يحيله المعقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فإن عود الروح إلى الجسد ليس على الوجه المعهود في الدنيا، بل تعاد الروح إليه إعادة غير الإعادة المألوفة في الدنيا.
شرح الطحاوية 2/ 578.
قال الالباني:
إثبات عذاب القبر، والأحاديث في ذلك متواترة، فلا مجال للشك فيه بزعم أنها آحاد! ولو سلمنا أنها آحاد فيجب الأخذ بها لأن القرآن يشهد لها، قال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَاب، النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَاب} (غافر:45، 46).
ولو سلمنا أنه لا يوجد في القرآن ما يشهد لها، فهي وحدها كافية لإثبات هذه العقيدة، والزعم بأن العقيدة لا تثبت بما صح من أحاديث الآحاد زعم باطل دخيل في الإسلام، لم يقل به أحد من الأئمة الأعلام كالأربعة وغيرهم، بل هو مما جاء به بعض علماء الكلام، بدون برهان من الله ولا سلطان، وقد كتبنا فصلاً خاصا في هذا الموضوع الخطير في كتاب لنا، أرجو أن أوفق لتبييضه ونشره على الناس.
إن سؤال الملكين في القبر حق ثابت، فيجب اعتقاده أيضاً، والأحاديث فيه أيضاً متواترة. “الصحيحة” (1/ 1/294 297).
[العذاب يقع على الكفار و الفساق]
[علق الإمام على قول صاحب الطحاوية: “ونؤمن … بعذاب القبر لمن كان له أهلاً” قائلاً]:
يعني من الكفار وفساق المسلمين، والأول مقطوع به منصوص عليه في القرآن، والآخر كذلك، وهو منصوص عليه في أحاديث كثيرة بلغت حد التواتر، كما ذكر الشارح وغيره.
فيجب الاعتقاد به ولكن لا يجوز الخوض في تكييفه؛ إذ ليس للعقل وقوف على كيفيته، والشرع لا يأتي بما تحيله العقول، ولكنه قد يأتي بما تحار فيه العقول، فيجب التسليم به، وتجد بعض الأحاديث المشار إليها في ” الشرح ” وفي ” السنة ” لابن أبي عاصم (رقم 863 877 بتحقيقي وتخريجي). “التعليق على متن الطحاوية” (ص84 85).
أسباب عذاب القبر
قال العلاَّمة السَّفاريني: الأسبابُ التي يُعذَّب بها أصحابُ القبور على قسمين: مجمَل ومفصَّل:
أما المُجمَل، فإنهم يُعذَّبون على جهلِهم بالله، وعدمِ إطاعتهم لأمره، وارتكابهم معاصيَه، فلا يعذِّب اللهُ رُوحًا عرفته وأحبته، وامتثلت أَمْرَه، واجتنبت نهيَه، ولا بدنًا كانت فيه أبدًا؛ فإن عذابَ القبر وعذاب الآخرة أثرُ غضبِ الله وسَخَطِه على عبده؛ فمن أغضَب اللهَ وأسخطه في هذه الدار؛ بارتكابِ مناهيه، ولم يتُبْ، ومات على ذلك كان له مِن عذاب البرزخ بقدرِ غضبِ الله وسَخَطِه عليه؛ فمستقلٌّ ومستكثرٌ، ومصدِّقٌ ومكذِّبٌ.
وأما المفصَّل، فقد أخبَر رسولُ الله صلى الله عليه وسلم عن الرَّجُلينِ اللذين رآهما يعذَّبان في قبورهما: أن أحدَهما كان يمشي بالنميمةِ بين الناس، والآخر كان لا يستترُ من البول، ثم ذكَر مَن يُعذَّب لكونِه صلى بغير طهور، ومن مر على مظلوم فلم ينصُرْه، ومن يقرأ القرآن ثم ينام عنه بالليل ولا يعمل به في النهار، وتعذيب الزُّناة والزَّوَاني، وأَكَلة الربا، والذين تتثاقلُ رؤوسهم عن صلاةِ الفجر، وتعذيب الذين يمنَعون الزكاة، والذين يوقِدون الفتنة بين الناس، والجبَّارين، والمتكبِّرين، والمرائين، والهمَّازين، واللمَّازين.
وقد أنكر الملاحدةُ والزنادقة عذابَ القبر ونعيمه؛ اعتمادًا على عقولهم وحواسِّهم؛ لأنهم لا يشاهدون شيئًا من ذلك؛ انتهى. [لوامع الانوار البهية، 2/ 19]
[الرد على من انكر عذاب القبر]:
قال العثيمين: وأنكر الملاحدة عذاب القبر متعللين بأننا لو نبشنا القبر لوجدناه كما هو.
نرد عليهم بأمرين:
1 دلالة الكتاب، والسنة، وإجماع السلف على ذلك.
2 أن أحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا فليس العذاب أو النعيم في القبر المحسوس في الدنيا. لمعة الاعتقاد.
قال العلامة الفوزان: ونرد عليهم بأن عذاب القبر من علم الغيب الذي يعتمد فيه على النصوص الصحيحة، وليس للعقل ولا الفكر دخل فيه، وأحوال الآخرة لا تقاس بأحوال الدنيا، وعدم إدراك الإنسان للشيء لا يدل على عدم وجوده. والله أعلم. الارشاد الى صحيح الاعتقاد (265).