(2) / (3) / (2022) (4): (39) م – سيف بن دورة الكعبي: 2726 _2728 فتح ذي النعم بالبدر الأتم شرح صحيح مسلم
شارك محمد البلوشي، وطارق أبو تيسير وعبدالملك وعبدالله المشجري وأحمد بن علي وعبدالحميد البلوشي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
(19) – بابُ: التَّسْبِيحِ أوَّلَ النَّهارِ وعِنْدَ النَّوْمِ
(79) – ((2726)) حَدَّثَنا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، وعَمْرٌو النّاقِدُ، وابْنُ أبِي عُمَرَ – واللَّفْظُ لِابْنِ أبِي عُمَرَ – قالُوا: حَدَّثَنا سُفْيانُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، مَوْلى آلِ طَلْحَةَ، عَنْ كُرَيْبٍ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، أنَّ النَّبِيَّ ? خَرَجَ مِن عِنْدِها بُكْرَةً حِينَ صَلّى الصُّبْحَ، وهِيَ فِي مَسْجِدِها، ثُمَّ رَجَعَ بَعْدَ أنْ أضْحى، وهِيَ جالِسَةٌ، فَقالَ: «ما زِلْتِ عَلى الحالِ الَّتِي فارَقْتُكِ عَلَيْها؟» قالَتْ: نَعَمْ، قالَ النَّبِيُّ ?: «لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أرْبَعَ كَلِماتٍ، ثَلاثَ مَرّاتٍ، لَوْ وُزِنَتْ بِما قُلْتِ مُنْذُ اليَوْمِ لَوَزَنَتْهُنَّ: سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ، عَدَدَ خَلْقِهِ ورِضا نَفْسِهِ وزِنَةَ عَرْشِهِ ومِدادَ كَلِماتِهِ»،
(79) – حَدَّثَنا أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، وأبُو كُرَيْبٍ، وإسْحاقُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ مِسْعَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أبِي رِشْدِينَ، عَنِ ابْنِ عَبّاسٍ، عَنْ جُوَيْرِيَةَ، قالَتْ: مَرَّ بِها رَسُولُ اللهِ ? حِينَ صَلّى صَلاةَ الغَداةِ، أوْ بَعْدَما صَلّى الغَداةَ، فَذَكَرَ نَحْوَهُ، غَيْرَ أنَّهُ قالَ: «سُبْحانَ اللهِ عَدَدَ خَلْقِهِ، سُبْحانَ اللهِ رِضا نَفْسِهِ، سُبْحانَ اللهِ زِنَةَ عَرْشِهِ، سُبْحانَ اللهِ مِدادَ كَلِماتِهِ»
(80) – ((2727)) حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ المُثَنّى، ومُحَمَّدُ بْنُ بَشّارٍ – واللَّفْظُ لِابْنِ المُثَنّى – قالا: حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنا شُعْبَةُ، عَنِ الحَكَمِ، قالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أبِي لَيْلى، حَدَّثَنا عَلِيٌّ، أنَّ فاطِمَةَ، اشْتَكَتْ ما تَلْقى مِنَ الرَّحى فِي يَدِها، وأتى النَّبِيَّ ? سَبْيٌ، فانْطَلَقَتْ، فَلَمْ تَجِدْهُ ولَقِيَتْ عائِشَةَ، فَأخْبَرَتْها فَلَمّا جاءَ النَّبِيُّ ?، أخْبَرَتْهُ عائِشَةُ بِمَجِيءِ فاطِمَةَ إلَيْها، فَجاءَ النَّبِيُّ ? إلَيْنا، وقَدْ أخَذْنا مَضاجِعَنا، فَذَهَبْنا نَقُومُ فَقالَ النَّبِيُّ ?: «عَلى مَكانِكُما» فَقَعَدَ بَيْنَنا حَتّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلى صَدْرِي، ثُمَّ قالَ: «ألا أُعَلِّمُكُما خَيْرًا مِمّا سَألْتُما، إذا أخَذْتُما مَضاجِعَكُما، أنْ تُكَبِّرا اللهَ أرْبَعًا وثَلاثِينَ، وتُسَبِّحاهُ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وتَحْمَداهُ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ لَكُما مِن خادِمٍ»،
(80) – وحَدَّثَناهُ أبُو بَكْرِ بْنُ أبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنا وكِيعٌ، ح وحَدَّثَنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُعاذٍ، حَدَّثَنا أبِي، ح وحَدَّثَنا ابْنُ المُثَنّى، حَدَّثَنا ابْنُ أبِي عَدِيٍّ، كُلُّهُمْ عَنْ شُعْبَةَ، بِهَذا الإسْنادِ، وفِي حَدِيثِ مُعاذٍ: «أخَذْتُما مَضْجَعَكُما مِنَ اللَّيْلِ»،
(80) – وحَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنا سُفْيانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبِي يَزِيدَ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أبِي لَيْلى، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أبِي طالِبٍ، ح وحَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وعُبَيْدُ بْنُ يَعِيشَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ نُمَيْرٍ، حَدَّثَنا عَبْدُ المَلِكِ، عَنْ عَطاءِ بْنِ أبِي رَباحٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أبِي لَيْلى، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ النَّبِيِّ ? بِنَحْوِ حَدِيثِ الحَكَمِ، عَنِ ابْنِ أبِي لَيْلى، وزادَ فِي الحَدِيثِ قالَ عَلِيٌّ: ما تَرَكْتُهُ مُنْذُ سَمِعْتُهُ مِنَ النَّبِيِّ ?، قِيلَ لَهُ: ولا لَيْلَةَ صِفِّينَ؟ قالَ: ولا لَيْلَةَ صِفِّينَ. وفِي حَدِيثِ عَطاءٍ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أبِي لَيْلى، قالَ: قُلْتُ لَهُ: ولا لَيْلَةَ صِفِّينَ.
(81) – ((2728)) حَدَّثَنِي أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطامَ العَيْشِيُّ، حَدَّثَنا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنا رَوْحٌ وهُوَ ابْنُ القاسِمِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ، أنَّ فاطِمَةَ، أتَتِ النَّبِيَّ ? تَسْألُهُ خادِمًا وشَكَتِ العَمَلَ، فَقالَ: «ما ألْفَيْتِيهِ عِنْدَنا» قالَ: «ألا أدُلُّكِ عَلى ما هُوَ خَيْرٌ لَكِ مِن خادِمٍ؟ تُسَبِّحِينَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وتَحْمَدِينَ ثَلاثًا وثَلاثِينَ، وتُكَبِّرِينَ أرْبَعًا وثَلاثِينَ، حِينَ تَاخُذِينَ مَضْجَعَكِ»،
(81) – وحَدَّثَنِيهِ أحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدّارِمِيُّ، حَدَّثَنا حَبّانُ، حَدَّثَنا وُهَيْبٌ، حَدَّثَنا سُهَيْلٌ، بِهَذا الإسْنادِ.
==========
في علل الدارقطني:
(406) – وسُئِلَ عَنْ حَدِيثِ ابْنِ أبِي لَيْلى، عَنْ عَلِيٍّ أمَرْتُ فاطِمَةَ أنْ تَسْألَ النَّبِيَّ ? خادِمًا الحَدِيثَ.
فَقالَ حَدَّثَ بِهِ مُجاهِدٌ والحَكَمُ بْنُ عُتَيْبَةَ وعَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أبِي لَيْلى
فَأمّا مُجاهِدٌ فرواه عنه عطاء بن أبي رباح وعبيدا لله بْنُ أبِي يَزِيدَ وعَمْرُو بْنُ دِينارٍ وحَبِيبُ بْنُ أبِي ثابِتٍ وحَبِيبُ بْنُ حَسّانَ وحُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وغَيْرُهُمْ قالُوا عَنْ مُجاهِدٍ عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن عَلِيٍّ.
ورَواهُ الأعْمَشُ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنْ عَلِيٍّ مُرْسَلًا
ورَواهُ مَنصُورٌ عَنْ مُجاهِدٍ قالَ حَدَّثْتُ أنَّ فاطِمَةَ مُرْسَلًا.
لَمْ يُجاوَزْ بِهِ.
وأمّا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ فَرَواهُ عَنْهُ العَوّامُ بْنُ حَوْشَبٍ.
وأمّا الحَكَمُ فَرَوى حَدِيثَهُ عَنْهُ شُعْبَةُ وزَيْدُ بْنُ أبِي أُنَيْسَةَ، ومُحَمَّدُ بْنُ جُحادَةَ وأشْعَثُ بْنُ سَوّارٍ.
وهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِن رِوايَةِ عَطاءٍ، وعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أبِي يَزِيدَ، عَنْ مُجاهِدٍ، عَنِ ابْنِ أبِي لَيْلى.
ومِن رِوايَةِ الحَكَمِ وعَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ أبِي لَيْلى أخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والبُخارِيُّ
وقَدْ حَدَّثَ بِهِ أيْضًا، عَنْ عَلِيٍّ جَماعَةٌ غَيْرَ ابْنِ أبِي لَيْلى مِنهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَعْلى النَّهْدِيُّ والحارِثُ الأعْوَرُ.
ورَوى هَذا الحَدِيثَ عطاء بن السائب، عن أبيه، عن علي.
ورَواهُ عِيسى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَعْلى النَّهْدِيِّ، عَنْ عَلِيٍّ ولَمْ يُخْتَلَفْ عَلَيْهِما.
التمهيد:
أولاً: شرح الحديث، وبيان مفرداته:
قال الحافظ النووي رحمه الله:
((19)) – (بابُ التَّسْبِيحِ أوَّلَ النَّهارِ، وعِنْدَ النَّوْمِ)
قال الإمام مسلم رحمه الله:
[(6889)] ((2726)) – شرح الحديث:
(عَنْ جُويرِيَةَ) تصغير جارية، وهي جويرية بنت الحارث بن أبي ضِرار الخُزاعية، من بني المصطلِق، أم المؤمنين رضي الله عنها، كان اسمها برّة، فغيَّره النبيّ – ? – إلى جُويرية، فصارت عَلَمًا لها، فلهذا لا ينصرف، سَباها رسول الله – ? – يوم المُرَيسِيع، وهي غزوة بني المصطلِق، في سنة خمس، أو ست، وكانت تحت مُسافع بن صفوان المصطلقيّ، وقد قُتل في هذه الغزوة، وكانت قد وقعت في سهم ثابت بن قيس بن شَمّاس، أو ابن عمّ له، فكاتَبَته على نفسها، فأتت رسول الله – ? – تستعينه على كتابتها، فقالت: يا رسول الله!
أنا جويرية بنت الحارث سيّد قومه، وقد أصابني من الأمر ما لم يَخْفَ عليك، فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس، أو لابن عمّ له، فكاتَبْته على نفسي، وجئتك
أستعينك، فقال لها: «هل لك في خير من ذلك؟» قالت: وما هو يا رسول الله؟
قال: «أقضي كتابتك، وأتزوجك»، قالت: نعم، قال: «قد فعلتُ»، فبلغ الناس أنه قد تزوجها، فقالوا: أصهار رسول الله – ? -، فأرسلوا ما كان في أيديهم من بني المصطلِق، فلقد أعتق الله بها مائة أهل بيت من بني المصطلق، قالت عائشة رضي الله عنها: فما أعلم امرأة أعظم بركة منها على قومها.
وأخرج ابن سعد في «الطبقات» عن أبي قلابة؛ أن النبيّ – ? – سبى جويرية، فجاء أبوها، فقال: إن ابنتي لا يُسبى مثلها، فخلّ سبيلها، فقال: أرأيت إن خيَّرتها، أليس قد أحسنت؟ قال: بلى، فأتاها أبوها، فذكر لها ذلك، فقالت: قد اخترت رسول الله – -.
قال الحافظ: هذا مرسل صحيح الإسناد، وماتت سنة خمسين على الصحيح، قال الخزرجيّ: لها أحاديث انفرد البخاريّ بحديثين، ومسلم بمثلهما. انتهى [«مرعاة المفاتيح» (7) / (915)].
[تنبيه]: كون جُويرية بنت الحارث الخزاعيّة هي أم المؤمنين رضي الله عنها هو الصواب، وقد أخطأ ابن حيّان حيث قال في «صحيحه» بعد إخراج الحديث ما نصّه: جويرية هي بنت الحارث بن عبد المطّلب عمّ النبي – ? -. انتهى.
وقد ردّ ذلك عليه العلماء، فقالوا: هذا خطأ من ابن حيّان، والصواب أنها جويرية بنت الحارث الخزاعيّة المصطلِقيّة، أم المؤمنين رضي الله عنها، فراجع «الإصابة» [«الإصابة في تمييز الصحابة» (7) / (570) – (571)] وغيرها، والله تعالى أعلم.
(أنَّ النَّبِيّ – ? – خَرَجَ مِن عِنْدِها بُكْرَةً) بضمّ الموحّدة، وسكون الكاف: أول النهار، قال الفيّوميّ: رحمه الله: البُكْرة من الغداة: جمعها بُكَر، مثلُ غُرْفة وغُرَف، وأبكار جمع الجمع، مثلُ رُطَب وأرطاب، وإذا أريد بُكرة يوم بعينه مُنعت الصرف؛ للتأنيث والعلميّة. انتهى [» المصباح المنير «(1) / (58)].
(حِينَ صَلّى الصُّبْحَ) متعلّق بـ «خَرَجَ»، وقال في «المرعاة»: قوله: «حين صلى الصبح»؛ أي: أراد صلاة الصبح؛ يعني: أراد أن يصلي فرض الصبح. انتهى [» مرعاة المفاتيح «(7) / (915)].
وقوله: (وهِيَ فِي مَسْجِدِها) بفتح الجيم، وتُكسر؛ أي: موضع صلاتها، والجملة حالية. (ثُمَّ رَجَعَ) – ? – إليها (بَعْدَ أنْ أضْحى)؛ أي: دخل في الضحوة، وهي ارتفاع النهار، انتهى [» المصباح المنير” (2) / (358)].
(وهِيَ جالِسَةٌ) وفي رواية أحمد، والترمذيّ، والنسائيّ: «أن النبيّ – ? – مَرّ عليها بُكرةً، وهي في المسجد تَذْكُر، ثم مَرّ بها قريبًا من نصف النهار»، ولابن ماجه: «مَرّ بها رسول الله – ? – حين صلى الغداة، أو بعدما صلى الغداة، وهي تذكر الله، فرجع حين ارتفع النهار، أو قال: انتصف، وهي كذلك»، وفي «الأدب المفرد»: «ثم رجع إليها بعدما تعالى النهار، وهي في مجلسها».
(قالَ النَّبِيُّ – ? -:» لَقَدْ قُلْتُ بَعْدَكِ أرْبَعَ كَلِماتٍ) بنصب «أربع» على المصدر؛ أي: تكلمت بعد مفارقتك أربع كلمات، وقال الطيبيّ: قوله: «أربع كلمات» يقتضي تقدير الناصب في كلّ من المنصوبات؛ إذ الكلمات خمس، كأنه قيل: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، وسبحان الله وبحمده رضا نفسه، وهلمّ جرّا.
[فإن قلت]: كيف صرّح في القرينة الأولى بالعدد، وفي الثالثة بالزِّنَة، وعزل الثانية والرابعة عنهما؟
[قلت]: ليؤذِن بأنهما لا يدخلان في جنس المعدود، والموزون، ولا يحصرهما المقدار، لا حقيقةً، ولا مجازًا، فيحصل الترقّي حينئذ من عدد الخلق إلى رضا الله، ومن زنة العرش إلى مداد الكلمات. انتهى [» الكاشف عن حقائق السنن” (6) / (1823)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: «لوزنتهنّ»؛ أي: لَرَجَحت عليهنّ في الثواب، وهو دليلٌ على أن الدعوات، والأذكار الجوامع يحصل عليهنّ من الثواب، أضعاف ما يحصل على ما ليست كذلك، ولذلك كان – ? – يحب الدعوات الجوامع. انتهى [«المفهم» (7) / (52)].
وقال الطيبيّ نقلًا عن التوربشتيّ [سيأتي تعقب السيوطيّ عليه قريبًا]: «لوزنتهنّ»؛ أي: ساوتهنّ، ويَحْتَمِل أن يراد الرجحان؛ أي: رجحت عليهنّ في الوزن، كما تقول: حاججته، فحَجَجته؛ انتهى [«الكاشف عن حقائق السنن» (6) / (1822)].
(سُبْحانَ اللهِ وبِحَمْدِهِ) قال القرطبيّ رحمه الله: هذا الكلام على اختصاره جملتان:
إحداهما: جملة «سبحان الله»، فإنّها واقعة موقع المصدر، والمصدر يدلّ على صدره، فكأنه قال: سبّحت الله التسبيح الكثير، أو التسبيح كلَّه، على قول من قال: إن «سبحان الله»: اسم عَلَمٌ للتسبيح، «وبحمده» متعلِّق بمحذوف تقديره: وأُثني عليه بحمده؛ أي: بذكر صفات كماله، وجلاله، فهذه جملة ثانية، غير الجملة الأولى. انتهى [«المفهم» (7) / (52)].
وقال القرطبيّ رحمه الله: «ورضا نفسه»: يعني: أن رضاه عمن رضي عنه من النبيين والصالحين لا ينقطع، ولا ينقضي، وإنما ذكر النبيّ – ? – هذه الأمور على جهة الإغياء، والكثرة التي لا تنحصر، منبّهًا على أن الذاكر بهذه الكلمات ينبغي له أن يكون بحيث لو تمكّن من تسبيح الله، وتحميده، وتعظيمه عددًا لا يتناهى، ولا ينحصر لفعل ذلك، فحصل له من الثواب ما لا يدخل في حساب. انتهى [» المفهم «(7) / (53)].
(وزِنَةَ عَرْشِهِ)؛ أي: قَدْر وزْن عرشه، ولا يعلم وزنه إلا الله تعالى.
(ومِدادَ كَلِماتِهِ «) بكسر الميم، قيل: معناه: مثلها في العدد، وقيل: مثلها في عدم النفاد، وقيل: مثلها في الكثرة، وقيل: في الثواب، والمداد مصدر مثل المدد، وهو ما كثّرت به الشيء، قاله النوويّ [» شرح النوويّ «(17) / (44)، و» مرعاة المفاتيح” (7) / (918)].
وقد سُئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله: معنى (رضا نفسه) و (زنة عرشه)
فأجاب رحمه الله بقوله: (رضا نفسه): يعني حمدًا أبلغ به رضا الله، (زنة عرشه): يعني لعظمته يزن العرش، وزنة العرش ما يعلمها إلا الله، لأنها عظيمة، و (مداد كلماته) -أيضًا- مداد الكلمات يقول الله عز وجل: {قُلْ لَوْ كانَ البَحْرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي} [الكهف: (109)] وعلى هذا فيكون المعنى أنه واسع كثير جدًا. [دروس للشيخ العثيمين، الفتاوى الثلاثية- تراث].
[تنبيه]
قال القرطبيّ: قوله: «مداد كلماته» هو بكسر الميم، وبألِف بين الدالَيْن، ويعني به: كلامه القديم المنَزَّه عن الحروف، والأصوات، وعن الانقطاع، والتغييرات، كما قال تعالى: {قُلْ لَوْ كانَ البَحْرُ مِدادًا لِكَلِماتِ رَبِّي لَنَفِدَ البَحْرُ قَبْلَ أنْ تَنْفَدَ كَلِماتُ رَبِّي ولَوْ جِئْنا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ((109))} [الكهف (109)]. انتهى.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ من نفي الحروف والأصوات، في كلام الله تعالى مخالف لمذهب المحقّقين من السلف، ومَن بعدهم من أن الله تعالى يتكلم بحرف وصوت، ويُسمعه من يشاء، ويكلّم من شاء إذا شاء متى شاء، وإنما دعا القرطبي إلى هذا اعتقادُه كما هو مذهب الأشاعرة أن كلام الله عبارة عن الكلام النفسيّ الذاتيّ، وأن ما أنزل من القرآن، وغيره من كلامه تعالى عبارة عن ذلك الكلام النفسيّ، وهذا غير صحيح، بل هو مذهب باطل مخالف لمذهب السلف، كما استوفيت البحث في ذلك في «المنحة الرضية شرح التحفة المرضيّة» في الأصول، فراجعه [راجع: «المنحة» (1) / (295) – (311)] تستفد علمًا جمًّا، وبالله تعالى التوفيق.
وقال في «النهاية»: أي: مثل عددها، وقيل: قدر ما يوازيها في الكثرة عِيارَ كيل، أو وزن، أو عدد، أو ما أشبهه من وجوه الحصر والتقدير، وهذا تمثيل يراد به التقريب؛ لأن الكلام لا يدخل في الكيل والوزن، وإنما يدخل في العدد، والمداد مصدر كالمدد، يقال: مددت الشيءَ مدًا، ومدادًا، وهو ما يكثر به، ويزاد. انتهى [«النهاية في غريب الأثر» ص (861)].
وقال النوويّ: قال العلماء: واستعماله هنا مجاز؛ لأن كلمات الله تعالى لا تُحْصَر بعدّ، ولا غيره، والمراد: المبالغة به في الكثرة؛ لأنه ذَكَر أوّلًا ما يحصره العدد الكثير، من عدد الخلق، ثم ارتقى إلى ما هو أعظم من ذلك، وعبَّر عنه بهذا؛ أي: ما لا يحصيه عدد كما لا تحصى كلمات الله تعالى. انتهى [«شرح النوويّ» (17) / (44)].
وقال في «اللمعات»: وهذا ادّعاء، ومبالغة في تكثيرها، كأنه تكلم بهذا المقدار، فلا يتجه أن يقال: إنه ما معنى أسبّحه بهذا المقدار، سواء كان خبرًا، أو إنشاء، وهو لم يسبّح إلا واحدًا. انتهى.
وقال السنديّ: [فإن قلت]: كيف يصحّ تقييد التسبيح بالعدد المذكور، مع أن التسبيح هو التنزيه عن جميع ما لا يليق بجنابه الأقدس، وهو أمر واحد في ذاته، لا يقبل التعدد، وباعتبار صدوره عن المتكلم لا يمكن اعتبارُ هذا العدد فيه؛ لأن المتكلم لا يقدر عليه، ولو فُرض قدرته عليه أيضًا لَما صحّ تعلق هذا العدد بالتسبيح، إلا بعد أن صدر منه بهذا العدد، أو عزم على ذلك، وأما بمجرد وإنه قال مرةً: سبحان الله لا يحصل منه هذا العدد؟
[قلت]: لعل التقييد بملاحظة استحقاق ذاته الأقدس. انتهى [«مرعاة المفاتيح» (7) / (919)]، والله تعالى أعلم.
وحديث جُويرية رضي الله عنها هذا من أفراد المصنّف رحمه الله.
فوائد الحديث:
(1) – (منها): بيان استحباب الذكر بهذه الأذكار؛ لكثرة ثوابها.
(2) – (ومنها): بيان أن بعض الأذكار مع وجازة ألفاظه يكون أكثر من كثير من الألفاظ، وذلك فضل الله تعالى يؤتيه من يشاء، {واللَّهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ}
[الحديد (21)].
(3) – (ومنها): ما قاله بعضهم: هذه الفضائل التي جاءت عن النبيّ – ? -:
«من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له … »، وما شاكلها إنما هي لأهل الشرف في الدين، والكمال، والطهارة من الجرائم العظام، ولا يُظَنّ أن مَن فَعَل هذا، وأصرّ على ما شاء من شهواته، وانتهك دِين الله، وحرماته، أنه يُلحق بالسابقين المطهرين، وينال منزلتهم في ذلك بحكاية أحرف ليس معها تُقًى، ولا إخلاص، ولا عمل، ما أظلمه لنفسه، من يتأول دين الله على هواه. انتهى.
قال الإتيوبي عفا الله عنه: لقد أجاد هذا القائل، وأفاد،؛ {إنَّما يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ} [المائدة (27)]، {أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أنْ نَجْعَلَهُمْ كالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ ومَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ ((21))} [الجاثية (21)]، {أمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ كالمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أمْ نَجْعَلُ المُتَّقِينَ كالفُجّارِ ((28))} [ص (28)]، اللَّهُمَّ اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولّنا فيمن تولّيت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شرّ ما قضيت، آمين.
قال الإتيوبي (فصل):
رسالة للحافظ العلامة السيوطيّ رحمه الله كتبها في إعراب الكلمات الماضية: «عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته» قد أجاد البحث فيها، وأفاد، وتعقّب بعض ما تقدّم من إعراب بعض الناس، فأحببت كتابتها بنصّها هنا تكميلًا للفائدة، ونشرًا للعائدة، فأقول: قال رحمه الله:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا تأخذه سِنَة، ولا يُقَدَّر لعرشه زِنَة. والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي نَزَّل عليه أفصحَ الحديث، وأحسنه.
[وبعد]: فقد سئلت عن وجه النصب في قوله – ? -: «سبحان الله وبحمده،
زنة عرشه، ورضا نفسه، وعدد خلقه، ومداد كلماته».
والجواب عندي: أن هذه الكلمات الأربع منصوبات على تقدير الظرف، والتقدير: قدرَ زنة عرشه، وكذا البواقي، فلما حُذف الظرف قام المضاف إليه مقامه في إعرابه، فهذا الإعراب هو المتجه المطَّرد السالم من الانتقاض، وقد ذَكَر السائل: أنه هل يصحّ أن يكون منصوبًا على المصدر، أو على الحال، أو على حذف الخافض؟
وأقول: ….. … ثم طول في تعقب الأقوال [«رفع السُّنَّة في نصب الزنة» للسيوطيّ –رحمه الله-، من مجموع كتابه «الحاوي للفتاوي» (2) / (284) – (288)]، وهو بحث مفيد جدًّا، والله تعالى أعلم.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في (شرح رياض الصالحين، رقم الحديث ((1433)): “هذه الأحاديث من الأحاديث التي فيها بيان فضيلة نوع من أنواع الذكر
أما سبحان الله وبحمده عدد خلقه فمعناه أنك تسبح الله عز وجل وتحمده عدد مخلوقاته ومخلوقات الله عز وجل لا يحصيها إلا الله كما قال الله تعالى وما يعلم جنود ربك إلا هو.
وأما سبحان الله وبحمده زنة عرشه وزنة عرشه لا يعلم ثقلها إلا الله سبحانه وتعالى لأن العرش أكبر المخلوقات التي نعلمها فإن النبي ? يروى عنه أنه قال إن السماوات السبع والأرضين السبع في الكرسي كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على هذه الحلقة إذا فهو مخلوق عظيم لا يعلم قدره إلا الله عز وجل.
وأما سبحان الله وبحمده رضا نفسه فيعني أنك تسبح الله وتحمده حمدا يرضى به الله عز وجل وأي حمد يرضى به الله إلا وهو أفضل الحمد وأكمله.
وأما سبحان الله وبحمده مداد كلماته والمداد ما يكتب به الشيء وكلمات الله تعالى لا يقارن بها شيء قال الله تعالى {ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم} وقال تعالى {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا} فكلمات الله تعالى لا نهاية لها
فالمهم أنه ينبغي لنا أن نحافظ على هذا الذكر.
سبحان الله وبحمده عدد خلقه (ثلاث مرات) سبحان الله وبحمده رضا نفسه (ثلاث مرات) سبحان الله وبحمده زنة عرشه (ثلاث مرات) سبحان الله وبحمده مداد كلماته (ثلاث مرات) فيكون الجميع اثنتي عشرة مرة.
(1434) – وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي ? قال مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت رواه البخاري.
ورواه مسلم فقال مثل البيت الذي يذكر الله فيه والبيت الذي لا يذكر الله فيه مثل الحي والميت”. انتهى.
___
حديث رقم: [(6891)] ((2727)) –
شرح الحديث:
(عَنِ الحَكَمِ) هو ابن عُتيبة بمثناة، وموحّدة، مصغّرًا، فقيه أهل الكوفة؛ أنه (قالَ: سَمِعْتُ ابْنَ أبِي لَيْلى) هو عبد الرحمن، (مِنَ الرَّحى) قال الفيّوميّ: الرَّحى مقصورًا: الطاحون، انتهى [» المصباح المنير «(1) / (223)].
(فِي يَدِها) زاد بَدَلُ بن المُحَبَّر في روايته: «مما تَطْحَن»، وفي رواية القاسم مولى معاوية عن عليّ عند الطبرانيّ: «وأرَتْه أثرًا في يدها من الرحى».
وفي زوائد عبد الله بن أحمد في مسند أبيه، وصححه ابن حبان، من طريق محمد بن سيرين، عن عَبِيدة بن عمرو، عن عليّ: «اشتكت فاطمة مَجْل يدها»، وهو بفتح الميم، وسكون الجيم، بعدها لام، معناه: التقطيع.
وقال الطبريّ: المراد به: غِلَظ اليد، وكلّ مَن عَمِل عملًا بكفه، فغَلُظ جلدها قيل: مَجِلت [مجل من بابي نصر، وفَرِح. اهـ.» “] كفه.
وعند أحمد من رواية هُبيرة بن يَرِيم عن عليّ: «قلت لفاطمة: لو أتيت النَّبيّ – ? -، فسألتيه خادمًا، فقد أجهدك الطحن، والعمل»، وعنده وعند ابن سعد، من رواية عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عليّ: «أن رسول الله – ? – لما زوَّجه فاطمة … » فذكر الحديث، وفيه: «فقال عليّ لفاطمة ذات يوم: والله لقد
سَنَوْت حتى اشتكيت صدري، فقالت: وأنا والله لقد طحنت حتى مَجِلت يداي».
وقوله: «سنوت» بفتح السين المهملة، والنون؛ أي: استقيت من البئر،
فكنت مكان السانية، وهي الناقة.
وعند أبي داود من طريق أبي الورد بن ثُمامة، عن عليّ بن عبد، عن عليّ: «قال: كانت عندي فاطمة بنت النَّبيّ – ? -، فجَرَّت بالرحى حتى أثَّرت بيدها، واستقت بالقِربة حتى أثّرت في عنقها، وقَمَّت البيتَ حتى اغبرت ثيابها»، وفي رواية له: «وخبزت حتى تغيَّر وجهها».
وفي رواية البخاريّ: «قوله: فأتت النَّبيّ – ? – تسأله خادمًا»؛ أي: جارية تخدمها، ويُطلق أيضًا على الذكر، وفي رواية السائب: «وقد جاء الله أباك بسبي، فاذهبي إليه، فاستخدميه»؛ أي: اسأليه خادمًا، وزاد في رواية يحيى القطان، عن شعبة: «وبلَغها أنه جاءه رقيق» [«الفتح» (14) / (315)، «كتاب الدعوات» رقم ((6318))].
(فانْطَلَقَتْ)؛ أي: ذهبت فاطمة – رضي لله عنها – إلى رسول الله – ? – (فَلَمْ تَجِدْهُ) – ? -، وفي رواية: «فأتته، فوجدت عنده حُدّاثًا- بضم الحاء المهملة، وتشديد الدال، وبعد الألف مثلثة؛ أي: جماعة يتحدثون- فاستحْيَتْ، فرجَعَت»، فيُحْمَل على أن المراد: أنها لم تجده في المنزل، بل في مكان آخر كالمسجد، وعنده من يتحدث معه [«الفتح» (14) / (315)، «كتاب الدعوات» رقم ((6318))].
(ولَقِيَتْ) بكسر القاف، (عائِشَةَ) أم المؤمنين – رضي الله عنها – وفي رواية مجاهد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عند جعفر الفِرْيابيّ في
«الذكر»، والدارقطني في «العلل»: «حتى أتت منزل النَّبيّ – ? -، فلم توافقه،
فذكرت ذلك له أم سلمة، بعد أن رجعت فاطمة».
ويُجمع بأن فاطمة التمسته في بيتَيْ أمَّي المؤمنين.
وقد وردت القصة من حديث أم سلمة نفسها، أخرجها الطبريّ في «تهذيبه» من طريق شهر بن حوشب عنها، قالت: «جاءت فاطمة إلى رسول الله – ? – تشكو إليه الخدمة … » فذكرت الحديث مختصرًا.
وفي رواية السائب: «فأتت النَّبيّ – ? -، فقال: ما جاء بك يابنية؟ قالت:
جئت لأسلّم عليك، واستحْيَت أن تسأله، ورجعت، فقلت: ما فعلتِ؟ قالت: استحييت».
قال الحافظ: وهذا مخالف لِما في «الصحيح»، ويمكن الجمع بأن تكون لم تَذْكر حاجتها أوّلًا على ما في هذه الرواية، ثم ذكرتها ثانيًا لعائشة لمّا لم تجده، ثم جاءت هي وعليّ على ما في رواية السائب، فذكر بعض الرواة ما لم يذكر بعض.
وقد اختصره بعضهم، ففي رواية مجاهد عند البخاريّ: «أن فاطمة أتت
النَّبيّ – ? – تسأله خادمًا، فقال: ألا أخبرك ما هو خير لك منه؟».
وفي رواية هُبيرة: «فقالت: انطَلِقْ معي، فانطلقتُ معها، فسألناه، فقال:
ألا أدلكما … » الحديث.
ووقع عند مسلم من حديث أبي هريرة الآتي بعد هذا: «أن فاطمة أتت النَّبيّ – ? – تسأله خادمًا، وشَكَت العمل، فقال: ما ألْفَيته عندنا»، وهو بالفاء؛ أي: ما وجدته،
ويُحْمَل على أن المراد: ما وجدته عندنا فاضلًا عن حاجتنا إليه؛ لِما ذَكَر من إنفاق أثمان السبي على أهل الصُّفّة، ففي رواية السائب:
«فأتيناه جميعًا، فقلت: بأبي يا رسول الله، والله لقد سَنَوت حتى اشتكيت صدري، وقالت فاطمة: لقد طحنت حتى مَجَلت يداي، وقد جاءك الله بسَبْي وسَعة، فأخْدِمنا، فقال: والله لا أعطيكما، وأدَعُ أهل الصفة تُطْوى بطونهم، لا أجد ما أنفق عليهم، ولكني أبيعهم، وأنفق عليهم أثمانهم» [«الفتح» (14) / (316)، «كتاب الدعوات» رقم ((6318))].
قال عليّ – رضي الله عنه -: (فَجاءَ النَّبِيُّ – ? – إلَيْنا)؛ أي: إلى عليّ وفاطمة – رضي الله عنهما -،
(وقَدْ أخَذْنا مَضاجِعَنا)، ووقع في رواية عَبيدة بن عمرو، عن عليّ – رضي الله عنه – عند ابن حبان من الزيادة: «فأتانا، وعلينا قطيفة، إذا لَبِسناها طولًا خرجت منها جنوبنا، وإذا لبسناها عرضًا خرجت منها رؤوسنا وأقدامنا»، وفي رواية السائب:
«فرجعا، فأتاهما النَّبيّ – ? -، وقد دخلا في قطيفة لهما، إذا غَطَّيا رءوسهما، تكشفت أقدامهما، وإذا غطيا أقدامهما، تكشفت رؤوسهما».
(فَذَهَبْنا)؛ أي: شَرَعنا (نَقُومُ) تعظيمًا للنبيّ – ? -، (فَقَعَدَ بَيْنَنا) وفي رواية عند النسائيّ: «أتى رسول الله – ? – حتى وضع قدمه بيني وبين فاطمة».
وقال القرطبيّ – رحمه الله -: قوله: «على مكانكما»؛ أي: اثبتا على مكانكما،
والزماه، وقعوده – ? – بينهما دليل على جواز مثل ذلك، وأنّه لا يعاب على من
فعله إذا لم يؤدّ ذلك إلى اطلاع على عورة، أو إلى شيء ممنوع شرعًا. انتهى [«المفهم» (7) / (55)].
(حَتّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمِهِ عَلى صَدْرِي) قال النووي – رحمه الله -: كذا هو في نُسخ مسلم: «قدمه» مفردةً، وفي رواية البخاريّ: «قدميه» بالتثنية، وهي زيادة ثقة لا تخالف الأُولى. انتهى.
لأن المفرد المضاف يعمّ، فيتناول القدمين، والله تعالى أعلم.
وفي رواية عطاء، عن مجاهد، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عند جعفر الفريابيّ في «الذكر» من الزيادة: «فخرج، حتى أتى منزل فاطمة، وقد دخلت
هي وعليّ في اللحاف، فلما استأذن هَمّا أن يلبسا، فقال: كما أنتما، إني
أُخبرتُ أنكِ جئت تطلبين، فما حاجتك؟ قالت: بلغني أنه قَدِم عليك خَدَم،
فأحببت أن تعطيني خادمًا يكفيني الخبز والعجن، فإنه قد شقّ عليّ، قال: فما
جئت تطلبين أحب إليك، أو ما هو خير منه؟ قال عليّ: فغمزتها، فقلت قولي:
ما هو خير منه أحب إليّ، قال: فإذا كنتما على مثل حالكما الذي أنتما
عليه … »، فذكر التسبيح.
وفي رواية: «فجلس عند رأسها، فأدخلت رأسها في اللفاع حياءً من
أبيها».
قال الحافظ – رحمه الله-: ويُحمل على أنه فعل ذلك أوّلًا، فلما تأنست به دخل
معهما في الفراش مبالغةً منه في التأنيس.
وزاد في رواية: «فقال: ما كان حاجتك أمس، فسكتت مرتين، فقلت: أنا والله أحدثك يا رسول الله، فذكرته له».
وُيجمع بين الروايتين بأنها أوّلًا استحيت، فتكلم عليّ عنها، فأنشطت للكلام، فأكملت القصة.
واتَّفَق غالب الرواة على أنه – ? – جاء إليهما، ووقع في رواية شَبَث- وهو
بفتح المعجمة، والموحدة، بعدها مثلثة- ابن ربعيّ، عن عليّ، عند أبي داود،
وجعفر في «الذكر»، والسياق له: «قَدِم على النَّبيّ – ? – سبي، فانطلق عليّ
وفاطمة، حتى أتيا رسول الله – ? -، فقال: ما أتى بكما؟ قال عليّ: شقّ علينا
العمل، فقال: ألا أدلكما». وفي لفظ جعفر: “فقال عليّ لفاطمة: ائت أباك،
فاسأليه أن يُخدمك، فأتت أباها حين أمست، فقال: ما جاء بك يا بنيّة؟
قالت: جئت أسلم عليك، واستحيت، حتى إذا كانت القابلة، قال: أئت أباك
– فذكر مثله- حتى إذا كانت الليلة الثالثة، قال لها عليّ: امشي، فخرجا
معًا … » الحديث، وفيه: ألا أدلكما على خير لكما من حُمْر النَّعَم؟ «.
وفي مرسل عليّ بن الحسين عند جعفر أيضًا:» إن فاطمة أتت النبيّ – ? –
تسأله خادمًا، وبيدها أثر الطحن من قطب الرحى، فقال: إذا أويت إلى
فراشك … «الحديث.
فيَحْتَمِل أن تكون قصة أخرى، فقد أخرج أبو داود من طريق أم الحكم، أو ضُباعة بنت الزبير؛ أي: ابن عبد المطلب:» قالت: أصاب رسول الله – ? –
سبيًا، فذهبت أنا وأختي فاطمة بنت رسول الله – ? – نشكو إليه ما نحن فيه،
وسألناه أن يأمر لنا بشيء من السبي، فقال: سبقكنّ يتامى بدر … «، فذكر
قصة التسبيح إثر كل صلاة، ولم يذكر قصة التسبيح عند النوم، فلعله عَلَّم
فاطمة في كل مرة أحد الذكرين.
وقد وقع في» تهذيب الطبريّ «من طريق أبي أمامة، عن عليّ في قصة فاطمة من الزيادة:» فقال: اصبري يا فاطمة، إن خير النساء التي نفعت أهلها «،
ذكر هذا كلّه في» الفتح «[«الفتح» (14) / (317) – (318)، «كتاب الدعوات» رقم ((6318))].
تنبيه: حديث ضباعة:
رواه عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وهْبٍ حَدَّثَنِى عَيّاشُ بْنُ عُقْبَةَ الحَضْرَمِىُّ عَنِ الفَضْلِ بْنِ الحَسَنِ الضَّمْرِىِّ أنَّ أُمَّ الحَكَمِ أوْ ضُباعَةَ ابْنَتىِ الزُّبَيْرِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ حَدَّثَتْهُ عَنْ إحْداهُما أنَّها قالَتْ أصابَ رَسُولُ اللَّهِ – ? – سَبْيًا فَذَهَبْتُ أنا وأُخْتِى وفاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ – ? – فَشَكَوْنا إلَيْهِ ما نَحْنُ فِيهِ وسَألْناهُ أنْ يَامُرَ لَنا بِشىْءٍ مِنَ السَّبْىِ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ – ? – «سَبَقَكُنَّ يَتامى بَدْرٍ لَكِنْ سَأدُلُّكُنَّ عَلى ما هُوَ خَيْرٌ لَكُنَّ مِن ذَلِكَ تُكَبِّرْنَ اللَّهَ عَلى أثَرِ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وثَلاَثِينَ تَكْبِيرَةً وثَلاَثًا وثَلاَثِينَ تَسْبِيحَةً وثَلاَثًا وثَلاَثِينَ تَحْمِيدَةً ولاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ولَهُ الحَمْدُ وهُوَ عَلى كُلِّ شىْءٍ قَدِيرٌ».
قالَ عَيّاشٌ وهُما ابْنَتا عَمِّ النَّبِىِّ – ?. أخرجه أبو داود ((2987)) و ((5066))
الفضل بن الحسن الضمري، ترجم له البخاري وابن أبي حاتم وسكتا عنه، وفيه جهالة ما وثقه غير ابن حبان، وهو تابعي، ومثله يمشون حديثه. التاريخ الكبير ((505)) والجرح والتعديل ((346)) والثقات لابن حبان ((4920))
لكن الحديث فيه علة.
فقد رواه: زَيْدُ بْنُ الحُبابِ، حَدَّثَنا عَيّاشُ بْنُ عُقْبَةَ، حَدَّثَنِي الفَضْلُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، حَدَّثَنِي ابْنُ أُمِّ الحَكَمِ، حَدَّثَتْنِي أُمِّي أُمُّ الحَكَمِ: أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ? قَدِمَ مِن بَعْضِ غَزَواتِهِ وقَدْ أصابَ رَقِيقًا، فَذَهَبَتْ هِيَ وأُخْتُها حَتّى دَخَلَتا عَلى فاطِمَةَ ?، فَذَهَبُوا إلى رَسُولِ اللَّهِ ?، فَسَألَتْهُ أنْ يُحَدِّثَهُنَّ ويَشَكَيْنَ إلَيْهِ الحاجَةَ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ?: سَبَقَكُنَّ يَتامى أهْلِ بَدْرٍ. ابن أبي شيبة كما في المطالب العالية ((2077)) والطبراني في الكبير ((333))
فزاد فيه (ابْنُ أُمِّ الحَكَمِ)
والحديث صححه الألباني في الصحيحة ((4) / (504)) ولم يذكر الطريق الثانية، فكأنه لم يقف عليها.
وابْنُ أُمِّ الحَكَمِ: مجهول.
وقد يقال أن رواية ابن وهب مقدمة على رواية زيد فيكون إسناد زيد من المزيد في متصل الأسانيد.
وفي هذا نظر، وإنما يستقيم هذا لو كان الفضل بن الحسن ممن يعتمد.
وبالجملة فالحديث مُعَلٌّ، والله اعلم.
والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة ((1882))
ثم ضعيف: ضعيف أبي داود» الكتاب الكبير «طبعة غراس ((520) \م)
قال الناشر طبعة غراس حاشية ضعيف أبي داود (520) في حديث أم الحكم أو ضباعة ابنتي الزبير: هذا الحديث وجدناه في الصحيح معلقا عليه من إملاء الشيخ رحمه الله: نقل إلى الضعيف، وفي الصحيحة 1882 إشارة إلى ذلك فنقلناه هنا. الناشر.
يقصد نقله إلى ضعيف أبي داود بحسب ما وجدوا من خط الشيخ
لكني لم أجد في الصحيحة (1882) في المطبوع الإشارة لذلك إلا اذا قصدوا بخط الشيخ.
[تنبيه]: قال في «الفتح»: زاد في رواية السائب: «تسبّحان دُبُر كل صلاة عشرًا، وتحمدان عشرًا، وتكبّران عشرًا». قال الحافظ: هذه الزيادة ثابتة في رواية عطاء بن السائب، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما -، عند أصحاب السنن الأربعة في حديثٍ، أوله: «خصلتان لا يُحصيهما عبد إلا دخل
الجنة»، وصححه التِّرمذيّ، وابن حبان، وفيه ذِكر ما يقال عند النوم أيضًا.
قال: ويحْتَمِل إن كان حديث السائب عن عليّ محفوظًا أن يكون عليّ
ذكر القصتين اللتين أشرت إليهما قريبًا معًا، قال: ثم وجدت الحديث في
«تهذيب الآثار» للطبريّ، فساقه من رواية حماد بن سلمة، عن عطاء، كما
ذكرتُ، ثم ساقه من طريق شعبة، عن عطاء، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو؛
أن النَّبيّ – ? – أمر عليًّا وفاطمة إذا أخذا مضاجعهما بالتسبيح، والتحميد،
والتكبير … فساق الحديث، فظهر أن الحديث في قصة عليّ وفاطمة، وأن من
لم يذكرهما من الرواة اختصر الحديث، وأن رواية السائب إنما هي عن عبد الله بن عمرو، وأن قول من قال فيه عن عليّ لم يُرِد الرواية عن عليّ، وإنما معناه عن قصة عليّ، وفاطمة، كما في نظائره. انتهى [«الفتح» (14) / (317) – (318)، «كتاب الدعوات» رقم ((6318))].
(أنْ تُكَبِّرا اللهَ أرْبَعًا وثَلاِثينَ، وتُسَبحاهُ ثَلاثًا وثَلاِثينَ، وتَحْمَداهُ ثَلاثًا وثَلاِثينَ)
ولفظ البخاريّ: «فكبّرا أربعًا وثلاثين، وسبّحا ثلاثًا وثلاثين، واحمدا ثلاثًا
وثلاثين»، قال في «الفتح»: كذا هنا بصيغة الأمر، والجزم بأربع في التَّكبير ….
[» الفتح «(14) / (319)]. وذكر اختلاف الروايات في أيها اربعا وثلاثين
وحديث عليّ – رضي الله عه – هذا متّفق عليه.
فوائد الحديث:
(1) – (منها): بيان استحباب الذكر عند النوم بهذه الأذكار، ويُستفاد من تقييده بالليل في الرواية التالية حيث قال: «إذا أخذتما مضاجعكما من الليل» أن هذا الذكر خاصّ بنوم الليل، لا في القيلولة، والله تعالى أعلم.
(2) – (ومنها): ما قاله ابن بطال – رحمه الله -: هذا نوع من الذكر عند النوم، ويمكن أن يكون – ? – كان يقول جميع ذلك عند النوم، وأشار لأمته بالاكتفاء
ببعضها إعلامًا منه أن معناه الحضّ والندب، لا الوجوب.
وقال عياض –رحمه الله-: جاءت عن النَّبيّ – ? – أذكار عند النوم مختلفة، بحسب الأحوال، والأشخاص، والأوقات، وفي كلّ فضل.
(3) – (ومنها): ما قاله ابن بطال –رحمه الله-: وفي هذا الحديث حجة لمن فضَّل الفقر على الغني؛ لقوله: «ألا أدلكما على ما هو خير لكما من خادم» فعلَّمهما
الذكر، فلو كان الغني أفضل من الفقر لأعطاهما الخادم، وعلمهما الذكر، فلما منعهما الخادم، وقَصَرَهما على الذكر عُلم أنه إنما اختار لهما الأفضل عند الله.
قال الحافظ: وهذا إنما يتم أن لو كان عنده – ? – من الخدّام فضلة، وقد صَرَّح في الخبر أنه كان محتاجًا إلى بيع ذلك الرقيق؛ لنفقته على أهل الصفّة، ومن ثَمّ قال عياض: لا وجه لمن استدَلّ به على أن الفقير أفضل من الغني. انتهى، وهو تعقّب جيّد، والله تعالى أعلم.
(4) – (ومنها): أنه قد اختُلف في معنى الخيرية في الخبر، فقال عياض: ظاهره أنه أراد أن يُعَلِّمهما أن عمل الآخرة أفضل من أمور الدنيا على كل حال، وإنما اقتصر على ذلك لَمّا لم يمكنه إعطاء الخادم، ثم علّمهما إذ فاتهما ما طلباه ذكرًا يُحَصِّل لهما أجرًا أفضل مما سألاه.
وقال القرطبيّ: إنما أحالهما على الذكر؛ ليكون عوضًا عن الدعاء عند الحاجة، أو لكونه أحب لابنته ما أحب لنفسه من إيثار الفقر، وتَحَمّل شدته بالصبر عليه؛ تعظيمًا لأجرها.
وقال المهَلب: عَلّم – ? – ابنته من الذكر ما هو أكثر نفعًا لها في الآخرة، وآثر أهل الصفّة؛ لأنهم كانوا وقفوا أنفسهم لسماع العلم، وضبط السُّنَة على شِبَع بطونهم، لا يرغبون في كسب مال، ولا في عيال، ولكنهم اشتروا أنفسهم من الله بالقوت. انتهى.
(5) – (ومنها): أنه يؤخذ منه تقديم طلبة العلم على غيرهم في الخُمس.
(6) – (ومنها): بيان ما كان عليه السلف الصالح من شَظف العيش، وقلة الشيء، وشدّة الحال، وأن الله تعالى حماهم من الدنيا مع إمكان ذلك صيانةَ لهم من تبعاتها، وتلك سُنَّة أكثر الأنبياء، والأولياء.
(7) – (ومنها): بيان مشروعية خدمة المرأة بيت زوجها، والقيام بالطبخ، والخبز، والغسل ونحو ذلك، وهو على الوجوب على القول الراجح، وقد قدمنا البحث في هذا مستوفى في غير هذا المحلّ، ولله الحمد والمنّة.
(8) – (ومنها): ما قاله إسماعيل القاضي – رحمه الله -: في هذا الحديث أن للإمام أن يقسم الخمس حيث رأى؛ لأن السبي لا يكون إلا من الخمس، وأما الأربعة الأخماس فهو حقّ الغانمين. انتهى. وهو قول مالك، وجماعة، وذهب الشافعيّ، وجماعة إلى أن لآل البيت سهمًا من الخمس.
قال الحافظ: ثم وجدت في «تهذيب الطبريّ» من وجه آخر ما لعله يعكر على ذلك، فساق من طريق أبي أمامه الباهليّ، عن عليّ – رضي الله عنه – قال: أُهدي
لرسول الله – ? – رقيق، أهداهم له بعض ملوك الأعاجم، فقلت لفاطمة: ائت
أباك، فاستخدميه، فلو صحّ هذا لأزال الإشكال من أصله؛ لأنه حينئذ لا يكون
للغانمين فيه شيء، وإنما هو من مال المصالح، يصرفه الإمام حيث يراه.
(9) – (ومنها): أن فيه حملَ الإنسان أهله على ما يَحمل عليه نفسه، من إيثار الآخرة على الدنيا، إذا كانت لهم قدرة على ذلك.
(10) – (ومنها): جواز دخول الرجل على ابنته، وزوجها بغير استئذان، وجلوسه بينهما في فراشهما، ومباشرة قدميه بعض جسدهما، قاله المهلّب.
وتعقّبه الحافظ في قوله: «بغير استئذان»، فقال: فيه نظر؛ لأنه ثبت في بعض طرقه أنه استأذن فقد ورد من رواية عطاء، عن مجاهد في «الذكر» لجعفر، وأصله عند مسلم، وهو في «العلل» للدارقطنيّ أيضًا بطوله.
وأخرج الطبريّ في «تهذيبه» من طريق أبي مريم: سمعت عليًّا يقول: «إن فاطمة كانت تدقّ الدَّرْمَك [«الدرْمَكُ» كجعفر: دقيق الحُوارى. اهـ «ق»] بين حجرين، حتى مَجَلت يداها … » فذكر الحديث، وفيه: «فأتانا وقد دخلنا فراشنا، فلما استأذن علينا تخششنا لنلبس علينا ثيابنا، فلما سمع ذلك قال: كما أنتما في لحافكما».
ودفع بعضهم الاستدلال المذكور؛ لعصمته – ? -، فلا يلحق به غيره، ممن ليس بمعصوم [«الفتح» (14) / (321)، «كتاب الدعوات» رقم ((6318))].
(11) – (ومنها): أن في الحديث منقبةَ ظاهرةَ لعليّ وفاطمة – رضي الله عنها -.
(12) – (ومنها): أن فيه بيانَ إظهار غاية التعطف والشفقة على البنت والصهر، ونهاية الاتحاد رفع الحِشْمة [«الحَشْمة» بكسر، فسكون: الحياء، والانقباض. اهـ «ق»] والحجاب حيث لم يزعجهما عن مكانهما، فتركهما على حالة اضطجاعهما، وبالغ حتى أدخل رجله بينهما، ومكث بينهما حتى علّمهما ما هو الأولى بحالهما من الذِّكر عوضًا عما طلباه من الخادم، فهو من باب تلقي المخاطب بغير ما يطلب؛ إيذانًا بأن الأهمّ من المطلوب هو التزود للمعاد، والصبر على مشاقّ الدنيا، والتجافي عن دار الغرور.
(13) – (ومنها): ما قاله الطيبيّ – رحمه الله -: فيه دلالة على مكانة أم المؤمنين
عائشة – رضي الله عنها – من النَّبيّ – ? – حيث خصَّتها فاطمة بالسِّفارة بينها وبين أبيها، دون سائر الأزواج.
قال الحافظ: ويَحْتَمِل أنها لم تُرِد التخصيص، بل الظاهر أنها قصدت أباها في يوم عائشة في بيتها، فلمّا لم تجده ذكرت حاجتها لعائشة، ولو اتَفق أنه كان يوم غيرها من الأزواج لذكرت لها ذلك، وقد تقدم أن في بعض طرقه أن أم سلمة ذكرت للنبيّ – ? – ذلك أيضًا، فيَحْتَمِل أن فاطمة لمّا لم تجده في بيت عائشة مرّت على بيت أم سلمة، فذكرت لها ذلك، ويحْتَمِل أن يكون تخصيص هاتين من الأزواج؛ لكون باقيهن كنّ حزبين، كل حزب يتبع واحدة من هاتين، كما تقدَّم ذلك صريحًا. انتهى.
(14) – (ومنها): أن من واظب على هذا الذكر عند النوم لم يصبه إعياء؛ لأن فاطمة شكت التعب من العمل، فأحالها – ? – على ذلك، كذا أفاده ابن تيمية.
قال الحافظ: وفيه نظر، ولا يتعيَّن رَفْع التعب، بل يَحْتَمِل أن يكون من واظب عليه لا يتضرر بكثرة العمل، ولا يشقّ عليه، ولو حصل له التعب. انتهى [«الفتح» (14) / (321) – (323)، «كتاب الدعوات» رقم ((6318))].
قال الإتيوبي عفا الله عنه: عندي أن ما قاله ابن تيميّة أولى، وأقرب، فتأمله بالإمعان، والله تعالى أعلم.
في رواية عليّ بن أعبد: «ما تركتهنّ منذ سمعتهنّ إلا ليله صفين، فإنِّي ذكرتها من آخر الليل، فقلتها».
وفي رواية له، وهي عند جعفر أيضًا في «الذكر»: «إلا ليلة صفين، فإنِّي أُنسيتها، حتى ذكرتها من آخر الليل».
وفي رواية شَبَث بن رِبْعيّ مثله، وزاد: «فقلتها».
ولا اختلاف، فإنه نفى أن يكون قالها أول الليل، وأثبت أنه قالها في آخره.
وأما الاختلاف في تسمية السائل، فلا يؤثّر؛ لأنه محمول على التعدد بدليل قوله في الرواية الأخرى: «فقالوا». انتهى [«الفتح» (14) / (320)].
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(6894)] ((2728)) – (حَدَّثَنى أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطامَ العَيْشِي، حَدَّثنا يَزِيدُ- يَعْني: ابْنَ زُريع- حَدَّثنا رَوْحٌ، وهُوَ ابْنُ القاسِمِ، عَنْ سُهَيْلٍ، عَنْ أبِيهِ، عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ؛ أنَّ فاطِمَة أتتِ النَّبِيُّ – ? – تَسْألهُ خادِمًا، وشَكَتِ العَمَلَ، فَقالَ: «ما ألفيْتِيهِ عِنْدَنا»، قالَ: «ألا أدُلُّكِ عَلى ما هُوَ خَيْر لَكِ مِن خادِم، تُسَبِّحِينَ ثَلاثًا وثَلاِثينَ، وتَحْمَدِينَ ثَلاثًا وثَلاِثينَ، وتكبِّرِينَ أرْبَعًا وثَلاثِينَ، حِينَ تَأخذِينَ مَضْجَعَكِ»).
شرح الحديث:
(عَنْ أبِى هُرَيْرَةَ) – رضي الله عنه -؛
وقال القرطبي – رحمه الله -: قوله: «ما ألفيتيه عندنا»؛ أي: ما وجدت الخادم عندنا، ثم إنه أحالهما على التسبيح، والتهليل، والتكبير؛ ليكون ذلك عوضًا
من الدعاء عند الكرب والحاجة، كما كانت عادته عند الكرب على ما يأتي في
الحديث المذكور بعد هذا، ويمكن أن يكون من جهة أنه أحبّ لابنته ما يحبّ
لنفسه، إذ كانت بضعة منه، من إيثار الفقر، وتحمّل شدّته، والصبر عليه؛
ترفيعًا لمنازلهم، وتعظيمًا لأجورهم، وبهذين المعنيين، أو أحدهما تكون تلك
الأذكار خيرًا لهما من خادم؛ أي: من التصريح بسؤال خادم، والله تعالى أعلم [» المفهم” (7) / (55) – (56)].
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – هذا من أفراد المصنّف -رحمه الله-.
(المسألة الثانية): في تخريجه:
أخرجه (المصنّف) هنا [(19) / (6894) و (6895)] ((2728))، و (الطبرانيّ) في
«الأوسط» ((3) / (160))، والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): قال في «الفتح»: زاد أبو هريرة – ? – في هذه القصة مع
الذكر المأثور دعاء آخر، ولفظه عند الطبريّ في «تهذيبه» من طريق الأعمش،
عن أبي صالح عنه: «جاءت فاطمة إلى النَّبيّ – ? -، تسأله خادمًا، فقال: ألا
أدلك على ما هو خير من خادم؟، تسبّحين … » فذكره، وزاد: «وتقولين:
اللَّهُمَّ رب السماوات السبع، ورب العرش العظيم، ربنا، ورب كل شيء، منزل
التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، أعوذ بك من شرّ كل ذي شرّ، ومن
شرّ كل دابة أنت آخذ بناصيتها، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر
فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك
شيء، اقض عني الدَّين، وأغنني من الفقر»، وقد أخرجه مسلم من طريق سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، لكن فرّقه حديثين، وأخرجه التِّرمذيّ من طريق
الأعمش، لكن اقتصر على الذكر الثاني، ولم يذكر التسبيح وما معه. انتهى [«الفتح» (14) / (320) – (321)].
وقال الإمام مسلم رحمه الله:
[(6895)] ( … ) – (وحَدَّثَنِيهِ أحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ الدارِمِي، حَدَّثَنا حَبانُ، حَدَّثَنا
وُهَيْبٌ، حَدَّثنا سُهَيْل، بِهَذا الإسْنادِ). [البحر المحيط الثجاج، بتصرف يسير]
قال القرطبي:
و (قوله: ما ألفيتيه عندنا) أي: ما وجدت الخادم عندنا، ثم إنه أحالهما على التسبيح والتهليل والتكبير؛ ليكون ذلك عوضا من الدعاء عند الكرب والحاجة، كما كانت عادته عند الكرب على ما يأتي في الحديث المذكور بعد هذا. ويمكن أن يكون من جهة أنه أحب لابنته ما يحب لنفسه، إذ كانت بضعة منه، من إيثار الفقر، وتحمل شدته والصبر عليه، ترفيعا لمنازلهم وتعظيما لأجورهم، وبهذين المعنيين، أو أحدهما تكون تلك الأذكار خيرا لهما من خادم؛ أي من التصريح بسؤال خادم، والله تعالى أعلم
المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم (7/ 55)
قال الإتيوبي:
وقال القرطبي: قوله: “مداد كلماته” هو بكسر الميم، وبألف بين
الدالين، ويعني به: كلامه القديم المنزه عن الحروف، والأصوات، وعن
الانقطاع، والتغييرات، كما قال تعالى: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا (109)} [الكهف: 109]. انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله القرطبي من نفي الحروف
والأصوات، في كلام الله تعالى مخالف لمذهب المحققين من السلف، ومن
بعدهم من أن الله تعالى يتكلم بحرف وصوت، ويسمعه من يشاء، ويكلم من
شاء إذا شاء متى شاء، وإنما دعا القرطبي إلى هذا اعتقاده كما هو مذهب
الأشاعرة أن كلام الله عبارة عن الكلام النفسي الذاتي، وأن ما أنزل من
القرآن، وغيره من كلامه تعالى عبارة عن ذلك الكلام النفسي، وهذا غير
صحيح، بل هو مذهب باطل مخالف لمذهب السلف، كما استوفيت البحث في
ذلك في “المنحة الرضية شرح التحفة المرضية” في الأصول، فراجعه تستفد
علما جما، وبالله تعالى التوفيق
(المسألة الثالثة): في فوائده:
1 – (منها): بيان استحباب الذكر بهذه الأذكار؛ لكثرة ثوابها.
2 – (ومنها): بيان أن بعض الأذكار مع وجازة ألفاظه يكون أكثر من كثير
من الألفاظ، وذلك فضل الله سبحانه وتعالى يؤتيه من يشاء، {والله ذو الفضل العظيم}
[الحديد: 21].
3 – (ومنها): ما قاله بعضهم: هذه الفضائل التي جاءت عن النبي – صلى الله عليه وسلم -:
“من قال: سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له … “، وما شاكلها إنما هي
لأهل الشرف في الدين، والكمال، والطهارة من الجرائم العظام، ولا يظن أن
من فعل هذا، وأصر على ما شاء من شهواته، وانتهك دين الله، وحرماته، أنه
يلحق بالسابقين المطهرين، وينال منزلتهم في ذلك بحكاية أحرف ليس معها
تقى، ولا إخلاص، ولا عمل، ما أظلمه لنفسه، من يتأول دين الله على هواه.
انتهى.
قال الجامع عفا الله عنه: لقد أجاد هذا القائل، وأفاد، فإنه لا ينبغي
الاغترار بفضائل هذه الأذكار ونحوها من الأعمال الصالحات، بل لا بد أن
يكون صاحبها متخليا عن الأخلاق الرذيلة، ومتحليا بالأخلاق الجميلة، كي
ينال بهذه الأذكار والدعوات أجرا عظيما، وفضلا جسيما، فليتق الله في نفسه،
ويلزم السنة، ويجتنب البدع والمخالفات، وإلا فلا يطمع في نيل ما أعد من
الفضائل فيها؛ {إنما يتقبل الله من المتقين} [المائدة: 27]، {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21)} [الجاثية: 21]، {أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار (28)} [ص: 28]، اللهم اهدنا فيمن هديت،
وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا شر ما
قضيت، آمين
البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الإمام مسلم بن الحجاج (42/ 388)
(4) ومنها مشروعية قول سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته في الركوع.
قال ابن العثيمين:
قوله: «ثم يركع طويلا» أي: من غير تقدير، المهم أن يكون طويلا.
وقال بعض العلماء: يكون بقدر نصف قراءته أي: الركوع يكون نصف القيام، ولكن الصحيح: أنه بدون تقدير، فيطيل بقدر الإمكان.
فإن قال قائل: طول القيام فهمنا ما يفعل فيه وهو القراءة، لكن إذا أطال الركوع فماذا يصنع؟
فالجواب: يكرر التسبيح «سبحان ربي العظيم»، «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي»، «سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»، «سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته»، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الركوع فعظموا فيه الرب» (4)، فكل ما حصل من تعظيم في الركوع فهذا هو المشروع
الشرح الممتع على زاد المستقنع (5/ 184)
5 – (ومنها) وقال ابن عثيمين رحمه الله في إثبات صفة النفس:
الصفة الثالثة: ” النفس “.
النفس ثابتة لله تعالى بالكتاب، والسنة، وإجماع السلف. قال الله تعالى: {كتب ربكم على نفسه الرحمة}. وقال عن عيسى: {تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك}.
وقال النبي، صلى الله عليه وسلم: «سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته». رواه مسلم.
وأجمع السلف على ثبوتها على الوجه اللائق به، فيجب إثباتها لله من غير تحريف، ولا تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل
مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (5/ 28)
وقال أيضا:
معنى (رضا نفسه) و (زنة عرشه)
السؤال
قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته) السؤال: ما معنى (رضا نفسه، وزنة عرشه)؟
الجواب
(رضا نفسه): يعني حمدا أبلغ به رضا الله، (زنة عرشه): يعني لعظمته يزن العرش، وزنة العرش ما يعلمها إلا الله، لأنها عظيمة، و (مداد كلماته) -أيضا- مداد الكلمات يقول الله عز وجل: {قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي} [الكهف:109] وعلى هذا فيكون المعنى أنه واسع كثير جدا
دروس للشيخ العثيمين (11/ 22 بترقيم الشاملة آليا)
قال ابن تيمية:
وقد ثبت في صحيح مسلم {عن جويرية بنت الحارث: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وكانت تسبح بالحصى من صلاة الصبح إلى وقت الضحى فقال: لقد قلت بعدك أربع كلمات لو وزنت بما قلتيه لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه سبحان الله زنة عرشه سبحان الله رضى نفسه سبحان الله مداد كلماته}. فهذا يبين أن زنة العرش أثقل الأوزان
مجموع الفتاوى (6/ 553)
6 – (ومنها) هل يشرع التسبيح بالمسبحة
قال الألباني:
فإن قيل: قد جاء في بعض الأحاديث التسبيح بالحصى وأنه صلى الله عليه وسلم أقره، فلا فرق حينئذ بينه وبين التسبيح بالسبحة كما قال الشوكاني؟ قلت: هذا قد يسلم لو أن الأحاديث في ذلك صحيحة، وليس كذلك، فغاية ما روي في ذلك حديثان أوردهما السيوطي في رسالته المشار إليها، فلابد من ذكرهما، وبيان علتهما:
الأول: عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة وبين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا أو أفضل؟ فقال: ” سبحان الله عدد ما خلق في السماء .. ” …
الآخر: عن صفية قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين يدي أربعة آلاف نواة أسبح بهن، فقال: ” يا بنت حيي، ما هذا؟ “، قلت: أسبح بهن، قال: ” قد سبحت منذ قمت على رأسك أكثر من هذا “، قلت: علمني يا رسول الله،
قال: ” قولي: سبحان الله عدد ما خلق الله من شيء .. ” …
ومما يدل على ضعف هذين الحديثين أن القصة وردت عن ابن عباس بدون ذكر الحصى ولفظه قال: عن جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها، ثم رجع بعد أن أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ” لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لووزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه ومداد كلماته “، أخرجه مسلم (8/ 83 – 84) والترمذي (4/ 274) وصححه والنسائي في ” عمل اليوم والليلة ” (161 – 165) وابن ماجه (1/ 23) وأحمد (6/ 325 و429 – 430)، فدل هذا الحديث الصحيح على أمرين:
الأول: أن صاحبة القصة هي جويرية، لا صفية كما في الحديث الثاني؟.
الآخر: أن ذكر الحصى في القصة منكر، ويؤيد هذا إنكار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على الذين رآهم يعدون بالحصى، وقد جاء ذلك عنه من طرق سبق أحدها ولوكان ذلك مما أقره صلى الله عليه وسلم لما خفي على ابن مسعود إن شاء الله وقد تلقى هذا الإنكار منه بعض من تخرج من مدرسته ألا وهو إبراهيم بن يزيد النخعي الفقيه الكوفي، فكان ينهى ابنته أن تعين النساء على فتل خيوط التسبيح التي يسبح بها! رواه ابن أبي شيبة في ” المصنف ” (2/ 89 / 2) بسند جيد.
سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة (1/ 188)
7 – (ومنها) الحرص على جوامع الدعاء
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
الحرص على جوامع الذكر:
49 – المراد بجوامع الذكر ما يقيد فيه الذاكر لفظ الذكر بعدد كبير أو مقدار عظيم.
وقد ورد في الإرشاد إلى ذلك أحاديث كثيرة منها حديث سعد بن أبي وقاص المتقدم، ومنها حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة حين صلى الصبح وهي في مسجدها ثم رجع بعدما أضحى وهي جالسة، فقال: ما زلت على الحال التي فارقتك عليها؟ قالت: نعم، قال: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته.
ونحو ما ورد ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك. والحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى
قال الأبي: يدل الحديث على أن الذكر الجامع يحصل به من الثواب ما ليس كذلك. وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب الجوامع من الدعاء، ويدع ما سوى ذلك. ثم قال: والأظهر أن ذلك كناية عن الكثرة لا أنها مثل كلمات الله تعالى في العدد؛ لأن كلماته تعالى غير متناهية.
وقال الشوكاني: في الحديث دليل على أن من قال: عدد كذا، وزنة كذا كتب له ذلك القدر، وفضل الله يمن به على من يشاء من عباده. قال: ولا يتجه هنا أن يقال إن مشقة من قال هذا أخف من مشقة من كرر اللفظ كثيرا، فإن هذا باب منحه رسول الله صلى الله عليه وسلم لعباد الله وأرشدهم إليه، ودلهم عليه، تخفيفا عليهم، وتكثيرا لأجورهم دون تعب ولا نصب فلله الحمد.
ونقل ابن علان عن الشيخ أحمد بن عبد العزيز النويري قوله: قد يكون العمل القليل أفضل من العمل الكثير كقصر الصلاة في السفر أفضل من الإتمام، لكن لو نذر إنسان أن يقول: سبحان الله وبحمده عشر مرات، فقال سبحان الله عدد خلقه مرة واحدة فإنه لا يخرج عن عهدة نذره لأن العدد هنا مقصود. وجعل إمام الحرمين نظير ذلك من نذر أن يصلي ألف صلاة فصلى في المسجد الحرام صلاة واحدة، أو نذر أن يقرأ ثلث القرآن فقرأ سورة الإخلاص
الموسوعة الفقهية الكويتية (21/ 259)
8 – (ومنها) لا يجوز تخصيص أذكار معينه في أوقات إلا بتوقيف من الشرع
جاء في بعض الفتاوى:
الاشتغال بذكر معين بعدد معين في وقت معين
[السؤال]
ـ[جزاكم الله خيرا لدي سؤال حول الأذكار بعد الصلاة حيث إني أؤدي بعض الأذكار وأخشى أن أكون مبتدعا فمثلا بعد التسبيح أصلي على رسول الله عشرا ثم أقرأ سورة الصمد عشرا ثم سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم عشرا ثم لا حول ولا قوة إلا بالله عشرا ثم أستغفر الله عشرا ثم سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر عشرا ثم لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين عشرا ثم أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته عشرا بعد كل صلاه فريضة، فهل أنا مبتدع، وإلا فما ثواب ما أؤديه؟]ـ
[الفتوى]
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد ورد في السنة بعض الأذكار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بها بعد الصلاة.
أما الأذكار التي ذكرها الأخ السائل فإنه لا يشرع التزامها في هذا الوقت بهذا العدد، لأن تخصيص ذكر معين بوقت معين وبعدد معين يحتاج إلى دليل، فما لم يدل الدليل عليه منه فلا يفعل، لأنه يعتبر بدعة إضافية، والخير كله في اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم يقول: من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد. رواه مسلم …
وينبغي للمسلم الاشتغال بذكر الله تعالى في كل وقت بما شاء من الأذكار المشروعة ومن الذكر الأذكار المذكورة في السؤال، وللفائدة راجع الفتوى رقم: 59782.
والله أعلم.
9 – (ومنها)
قال ابن بطال:
هذا الحديث شاهد أن الإمام يقسم الخمس حيث رأى على الاجتهاد؛ لأن السبى الذى أتى النبى لا يكون والله أعلم إلا من الخمس؛ إذ كانت الأربعة الأخماس تدفع إلى من حضر الوقعة، ثم منع الرسول أقربيه وصرفه إلى غيرهم، وبهذا قال مالك والطحاوى …
وذهب قوم أن لذوى قرابة رسول الله سهم من الخمس مفروض …
وذهب قوم إلى أن قرابة رسول الله لا سهم لهم من الخمس معلوما ولا حظ لهم خلاف حظ غيرهم … انتهى
بوب البخاري – باب: الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله صلى الله عليه وسلم والمساكين، وإيثار النبي صلى الله عليه وسلم أهل الصفة والأرامل، حن سألته فاطمة وشكت إليه الطحن والرحى: أن يخدمها من السبي، فوكلها إلى الله
وأورد حديث الباب
10 – (ومنها) حمل الأهل على التقلل من الدنيا
قال ابن بطال قال المهلب: وفيه من النفقه حمل الإنسان أهله على ما يحمل عليه نفسه من التقلل فى الدنيا، وتسليهم عنها بما أعد الله للصابرين فى الآخرة.
11 – ومنها مؤانسة الأهل:
قال ابن بطال:
وفيه: دخول الرجل على ابنته، وهى راقدة مع زوجها.
وفيه: جواز جلوسه بينهما، وهما راقدان ومباشرة قدميه وبعض جسده جسم ابنته، وجواز مباشرة ذوى المحارم، وهو خلاف قول مالك، وقول من أجاز ذلك أولى لموافقة الحديث له.
شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 270)
قال القرطبي:
و (قوله: على مكانكما) أي: اثبتا على مكانكما والزماه. وقعود النبي صلى الله عليه وسلم بين ابنته وبين علي دليل على جواز مثل ذلك، وأنه لا يعاب على من فعله إذا لم يؤد ذلك إلى اطلاع على عورة، أو إلى شيء ممنوع شرعا. المفهم
12 – (ومنها)
أن أقل الأعمال الصالحة خير مكافأة فى الآخرة من عظيم من أمور الدنيا، أن يكون التسبيح وهو قول: خير أجرا فى الآخرة من خادم فى الدنيا، وعنائها بالخدمة والسعاية عن مالكها، فكيف بالصلاة والحج وسائر الأعمال التى تستعمل فيها الأعضاء والبدن كله
شرح صحيح البخارى لابن بطال (5/ 270)
13 – (ومنها) قال فيصل آل مبارك:
قال بعض العلماء: بلغنا أنه من حافظ على هذه الكلمات لم يأخذه إعياء فيما يعانيه، من شغل ونحوه.
قلت: ويشهد لهذا سبب هذا الحديث، وهو أن فاطمة سألت النبي – صلى الله عليه وسلم – خادما، فذكر لها هذا الذكر، وقال: «إنه خير لكما من خادم»
تطريز رياض الصالحين (ص800)
14 – (ومنها) بوب البخاري:
باب عمل المرأة فى بيت زوجها
وأورد حديث الباب
وقال ابن بطال:
وقال الطبرى: فى حديث فاطمة الإبانة عن أن كل من كانت به طاقة من النساء على خدمة نفسها فى خبز أو طحين وغير ذلك مما تعانيه المرأة فى بيتها أو لا يحتاج فيه إلى الخروج أن ذلك موضوع عن زوجها إذا كان معروفا لها أن مثلها تلى ذلك بنفسها، وأن زوجها غير مأخوذ بأن يكفيها ذلك، كما هو مأخوذ فى حال عجزها عنه إما بمرض أو زمانة، وذلك أن فاطمة إذ شكت ما تلقى فى يدها من الطحن والعجين إلى أبيها، وسألته خادما لعونها على ذلك، لم يأمر زوجها عليا بأن يكفيها ذلك، ولا ألزمه وضع مئونة ذلك عنها إما بإخدامها أو باستئجار من يقوم بذلك، بل قد روى عنه، عليه السلام، أنه قال لها: (يا بنية اصبرى، فإن خير النساء التى نفعت أهلها). وفى هذا القول من النبى، عليه السلام، دليل بين أن فاطمة مع قيامها بخدمة نفسها كانت تكفى عليا بعض مؤنه من الخدمة، ولو كانت كفاية ذلك على على، لكان قد تقدم عليه السلام إلى على فى كفايتها ذلك، كما تقدم إليه إذ أراد الابتناء بها أن يسوق إليها صداقها حين قال له: (أين درعك الحطمية؟). وغير جائز أن يعلم النبى (صلى الله عليه وسلم) أمته الجميل من محاسن الأخلاق ويترك تعليمهم الفروض التى ألزمهم الله، ولا شك أن سوق الصداق إلى المرأة فى حال إرادته الابتناء بها غير فرض إذا رضيت بتأخيره عن زوجها. فإن قيل: فإنك تلزم الرجل إذا كان ذا سعة كفاية زوجته الخدمة إذا كانت المرأة ممن لا يخدم مثلها.
قيل: حكم من كان كذلك من النساء حكم ذوات الزمانة والعاهة منهن اللواتى لا يقدرن على خدمة، ولا خلاف بين أهل العلم أن على الرجل كفاية من كان منهن كذلك، فلذلك ألزمنا الرجل كفاية التى لا تخدم نفسها مئونة الخدمة التى لا تصلح لها، وألزمناه مئونة خادم إذا كان فى سعة، وبنحو الذى قلنا نزل القرآن، وذلك قوله: (لينفق ذو سعة) [الطلاق: 7] الآية، وعليه علماء الأمة مجمعة. وقال غيره: وشذ أهل الظاهر عن الجماعة، فقالوا: ليس عليه أن يخدمها إن كان موسرا أو كانت ممن لا يخدم مثلها، وحجة الجماعة قوله: (وعاشروهن بالمعروف) [النساء: 19]، وإذا احتاجت إلى من يخدمها فلم يفعل لم يعاشرها بالمعروف. وقال مالك، والليث، ومحمد بن الحسن: يفرض لها ولخادمين إذا كانت خطيرة. وقال الكوفيون والشافعى: يفرض لها ولخادمها النفقة
شرح صحيح البخارى لابن بطال (7/ 539)
قال الإتيوبي في تعداد الفوائد:
(ومنها): أن فيه مشروعية خدمة المرأة زوجها، ومن كان منه بسبيل، من ولد، وأخ، وعائلة، وأنه لا حرج على الرجل في قصده ذلك من امرأته، وإن كان ذلك لا يجب عليها، لكن يؤخذ منه أن العادة جارية بذلك، فلذلك لم ينكره النبي – صلى الله عليه وسلم -. هكذا قال في “الفتح”
قال الجامع – عفا الله تعالى عنه -: في قوله: “وإن كان ذلك لا يجب عليها” نظر لا يخفى، ومن أي دليل استنبط هذا؟، والله سبحانه وتعالى يقول: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228] الآية، فأوجب الله -عز وجل- على النساء مثل ما أوجب لهن على الرجال مما جرى العرف به، وقد جرى العرف بأن الزوجة تخدم زوجها، وتقوم على بيته، وأولاده، فالحق أن خدمة الزوجة لزوجها، وقيامها بمهمات بيته مما أوجبه الشرع الشريف. وقد عقد الإمام ابن القيم -رحمه الله تعالى- في كتابه النافع “زاد المعاد في هدي خير العباد” فصلا مفيدا جدا …
ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (27/ 54)
قال الراجحي:
جواز استخدام الزوجة للغسل والطبخ والخبز وغيره برضاها، ولو كانت شريفة، وعلى هذا تظاهرت دلائل السنة وأئمة السلف وإجماع الأمة، وأما بغير رضاها فلا يجوز؛ لأن الواجب عليها تمكين الزوجة من نفسها فقط، وهذا هو المقصود من عقد النكاح، وما زال المسلمون يستخدمون زوجاتهم، وعلى هذا جرت الأعراف، وكانت بنت النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة رضي الله عنها تخدم زوجها عليا رضي الله عنه، وكانت تطحن، فشكت ما تلقى من أثر الرحا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي فانطلقت، فلم تجده، فوجدت عائشة، فأخبرتها، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبت لأقوم، فقال: ((على مكانكما))، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدميه على صدري، وقال: ((ألا أعلمكما خيرا مما سألتماني؟ إذا أخذتما مضاجعكما تكبرا أربعا وثلاثين، وتسبحا ثلاثا وثلاثين، وتحمدا ثلاثا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم)) (4).
وكذلك زوجة الزبير أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت: تزوجني الزبير، وما له في الأرض من مال، ولا مملوك، ولا شيء، غير ناضح، وغير فرسه، فكنت أعلف فرسه، وأستقي الماء، وأخرز غربه وأعجن، ولم أكن أحسن أخبز، وكان يخبز جارات لي من الأنصار، وكن نسوة صدق، وكنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي، وهي مني على ثلثي فرسخ، فجئت يوما والنوى على رأسي، فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه نفر من الأنصار، فدعاني، ثم قال: ((إخ إخ))، ليحملني خلفه، فاستحييت أن أسير مع الرجال، وذكرت الزبير وغيرته، وكان أغير الناس، فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أني قد استحييت، فمضى، فجئت الزبير، فقلت: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى رأسي النوى ومعه نفر من أصحابه، فأناخ لأركب فاستحييت منه وعرفت غيرتك، فقال: والله لحملك النوى كان أشد علي من ركوبك معه، قالت: حتى أرسل إلي أبو بكر بعد ذلك بخادم يكفيني سياسة الفرس، فكأنما أعتقني. أخرجه البخاري (5224)، ومسلم (2182)
توفيق الرب المنعم بشرح صحيح الإمام مسلم (1/ 531)
قال ابن القيم:
فصل
في حكم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في خدمة المرأة لزوجها
قال ابن حبيب في «الواضحة»: «حكم النبي – صلى الله عليه وسلم – بين علي بن أبي طالب وبين زوجته فاطمة حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة خدمة البيت، وحكم على علي بالخدمة الظاهرة»، ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العجين والطبيخ والفرش وكنس البيت واستقاء الماء، وعمل البيت كله.
وفي «الصحيحين»: أن فاطمة أتت النبي – صلى الله عليه وسلم – تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى وتسأله خادما، فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة، فلما جاء رسول الله – صلى الله عليه وسلم – أخبرته. قال علي: فجاءنا وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقوم، فقال: مكانكما، فجاء فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على بطني، فقال: «ألا أدلكما على ما هو خير لكما مما سألتما؟ إذا أخذتما مضاجعكما فسبحا الله ثلاثا وثلاثين، واحمدا ثلاثا وثلاثين، وكبرا أربعا وثلاثين، فهو خير لكما من خادم». قال علي: فما تركتها بعد، قيل: ولا ليلة صفين؟ قال: ولا ليلة صفين.
وصح عن أسماء أنها قالت: كنت أخدم الزبير خدمة البيت كله، وكان له فرس وكنت أسوسه، كنت أحش له وأقوم عليه.
وصح عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجن، وتنقل النوى على رأسها من أرض له على ثلثي فرسخ.
فاختلف الفقهاء في ذلك، فأوجب طائفة من السلف والخلف خدمتها له في مصالح البيت، وقال أبو ثور: عليها أن تخدم زوجها في كل شيء.
ومنعت طائفة وجوب خدمته عليها في شيء، وممن ذهب إلى ذلك الشافعي وأبو حنيفة وأهل الظاهر، قالوا: لأن عقد النكاح إنما اقتضى الاستمتاع لا الاستخدام وبذل المنافع، قالوا: والأحاديث المذكورة إنما تدل على التطوع ومكارم الأخلاق، فأين الوجوب منها؟
واحتج من أوجب الخدمة بأن هذا هو المعروف عند من خاطبهم الله سبحانه بكلامه، وأما ترفيه المرأة وخدمة الزوج وكنسه وطبخه وعجنه وغسيله وفرشه وقيامه بخدمة البيت فمن المنكر، والله تعالى يقول: {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف} [البقرة: 228]، وقال: {الرجال قوامون على النساء} [النساء: 34]، وإذا لم تخدمه المرأة بل يكون هو الخادم لها فهي القوامة عليه.
وأيضا: فإن المهر في مقابلة البضع، وكل من الزوجين يقضي وطره من صاحبه، فإنما أوجب الله سبحانه نفقتها وكسوتها ومسكنها في مقابلة انتفاعه في الاستمتاع بها وخدمتها، وما جرت به عادة الأزواج.
وأيضا فإن العقود المطلقة إنما تنزل على العرف، والعرف خدمة المرأة وقيامها بمصالح البيت الداخلة. وقولهم: إن خدمة فاطمة وأسماء كانت تبرعا وإحسانا يرده أن فاطمة كانت تشتكي ما تلقى من الخدمة، فلم يقل لعلي: لا خدمة عليها، وإنما هي عليك، وهو – صلى الله عليه وسلم – لا يحابي في الحكم أحدا، ولما رأى أسماء والعلف على رأسها والزبير معه، لم يقل له: لا خدمة عليها، وأن هذا ظلم لها، بل أقره على استخدامها، وأقر سائر أصحابه على استخدام أزواجهم، مع علمه بأن منهن الكارهة والراضية، هذا أمر لا ريب فيه.
ولا يصح التفريق بين شريفة ودنيئة وفقيرة وغنية، فهذه أشرف نساء العالمين كانت تخدم زوجها، وجاءته – صلى الله عليه وسلم – تشكو إليه الخدمة، فلم يشكها، وقد سمى النبي – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الصحيح المرأة عانية، فقال: «اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم».
والعاني: الأسير، ومرتبة الأسير خدمة من هو تحت يده، ولا ريب أن النكاح نوع من الرق، كما قال بعض السلف: النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته.
ولا يخفى على المنصف الراجح من المذهبين والأقوى من الدليلين، والله أعلم.
زاد المعاد في هدي خير العباد – ط عطاءات العلم (5/ 262)
تنبيه: قوله (النكاح رق فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته).
نسب إلى عائشة وأسماء وعمر – رضي الله عنه -، قال العراقي في «المغني عن حمل الأسفار» (ص 479): «رواه أبو عمر التوقاني في «معاشرة الأهلين» موقوفا على عائشة وأسماء ابنتي أبي بكر، قال البيهقي: وروي ذلك مرفوعا، والموقوف أصح». وحديث أسماء رواه سعيد بن منصور (591) من طريق عروة بن الزبير قال: قالت لنا أسماء بنت أبي بكر: «يا بني وبني بني، إن هذا النكاح رق، فلينظر أحدكم عند من يرق كريمته»، وفي سنده ابن لهيعة، وهو ضعيف. وقد عزاه شيخ الإسلام في «الفتاوى»: (29/ 184 و 32/ 184) إلى عمر
ومن الفتاوى:
الحمد لله.
اختلف الفقهاء في وجوب خدمة الزوجة لزوجها، فذهب الجمهور إلى أنه لا يجب عليها ذلك، وذهب بعض أهل العلم إلى الوجوب.
جاء في “الموسوعة الفقهية الكويتية” (19/ 44): ” لا خلاف بين الفقهاء في أن الزوجة يجوز لها أن تخدم زوجها في البيت، سواء أكانت ممن تخدم نفسها أو ممن لا تخدم نفسها.
إلا أنهم اختلفوا في وجوب هذه الخدمة:
فذهب الجمهور (الشافعية والحنابلة وبعض المالكية) إلى أن خدمة الزوج لا تجب عليها لكن الأولى لها فعل ما جرت العادة به.
وذهب الحنفية إلى وجوب خدمة المرأة لزوجها ديانةً لا قضاءً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قَسَّم الأعمال بين علي وفاطمة رضي الله عنهما، فجعل عمل الداخل على فاطمة، وعمل الخارج على علي، ولهذا فلا يجوز للزوجة – عندهم – أن تأخذ من زوجها أجرا من أجل خدمتها له.
وذهب جمهور المالكية وأبو ثور، وأبو بكر بن أبي شيبة وأبو إسحاق الجوزجاني، إلى أن على المرأة خدمة زوجها في الأعمال الباطنة التي جرت العادة بقيام الزوجة بمثلها؛ لقصة علي وفاطمة رضي الله عنها، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم قضى على ابنته فاطمة بخدمة البيت، وعلى علي بما كان خارج البيت من الأعمال، ولحديث: (لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها، ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نولها [حقها] أن تفعل). قال الجوزجاني: فهذه طاعته فيما لا منفعة فيه فكيف بمؤنة معاشه.
ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر نساءه بخدمته فيقول: يا عائشة أطعمينا، يا عائشة هلمي المدية واشحذيها بحجر.
وقال الطبري: إن كل من كانت لها طاقة من النساء على خدمة بيتها في خبز، أو طحن، أو غير ذلك أن ذلك لا يلزم الزوج، إذا كان معروفا أن مثلها يلي ذلك بنفسه ” انتهى.
وجاء فيها (30/ 126) أيضاً في بيان مذهب المالكية السابق: ” … إلا أن تكون من أشراف الناس فلا تجب عليها الخدمة، إلا أن يكون زوجها فقير الحال ” انتهى.
ويتأكد القول بلزوم الخدمة على المرأة إذا جرت العادة به، وتزوجت دون أن تشترط ترك الخدمة، لأن زواجها كذلك يعني قبولها الخدمة؛ لأن المعروف عرفا كالمشروط شرطا.
وقد رجح جماعة من أهل العلم القول بوجوب خدمة الزوجة لزوجها وذكروا أدلة ذلك.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة. وقاله الجوزجاني من أصحابنا وأبو بكر بن أبي شيبة” انتهى.
“الاختيارات” ص 352.
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: ” أما خدمتها لزوجها فهذا يرجع إلى العرف، فما جرى العرف بأنها تخدم زوجها فيه وجب عليها خدمته فيه، وما لم يجرِ به العرف لم يجب عليها، ولا يجوز للزوج أن يلزم زوجته بخدمة أمه أو أبيه أو أن يغضب عليها إذا لم تقم بذلك، وعليه أن يتقي الله ولا يستعمل قوته، فإن الله تعالى فوقه، وهو العلي الكبير عز وجل، قال الله تعالى: (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً) ” انتهى من “فتاوى نور على الدرب”.
وقال في “الشرح الممتع” (12/ 441): ” والصحيح أنه يلزمها أن تخدم زوجها بالمعروف ” انتهى.