2 . فتح المنان في جمع مسائل أصول الإيمان (مصحح)
جمع نورس الهاشمي
مع بعض الإضافات لسيف بن دورة الكعبي
وشارك أبو صالح حازم وأحمد بن علي وابوعيسى عبدالله البلوشي و حسين البلوشي ورامي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ووالديهم ووالدينا)
“””””””””””-“””””””””-
الربوبية:
الربّ يُطْلقُ في اللُّغة على المالِك والسيد والمُدَبِّر والمُرَبِّي والقَيِّم والمُنْعِم ولا يُطلَقُ غيرَ مُضاف إلاَّ عَلَى اللّه تعالى وإذا أُطلِقَ على غَيره أُضِيف فيقال رَبُّ كذا. النهاية في غريب الحديث (2/ 450).
قال ابن منظور: الرَّبُّ: هُوَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، هُوَ رَبُّ كلِّ شيءٍ أَي مالكُه، وَلَهُ الرُّبوبيَّة عَلَى جَمِيعِ الخَلْق، لَا شَرِيكَ لَهُ، وَهُوَ رَبُّ الأَرْبابِ، ومالِكُ المُلوكِ والأَمْلاكِ. وَلَا يُقَالُ الربُّ فِي غَيرِ اللهِ، إِلّا بالإِضافةِ. لسان العرب (1/ 399).
أما في الاصطلاح: فإن توحيد الربوبية هو إفراد الله بأفعاله.
قال الشيخ صالح آل الشيخ: يعني أنَّ توحيد الربوبية راجعٌ إلى أفراد الربوبية التي هي السيادة والتصرف في الملكوت.
فكل ما رَجَع إلى السيادة والتصرف في الملكوت رجع إلى توحيد الربوبية. [اتحاف السائل: 1/ 11].
“من هذا يتبين أن للفظ الرب عدة معان، وهذه المعاني كلها مما يصح أن تراد بلفظ الرب إذا أطلق على الله تعالى فهو المربي للأشياء الذي ينميها وينقلها في الأطوار المختلفة حتى يبلغ بها غاية كمالها، وهو المالك لها والسيد عليها والمدبر لمصالحها، والقائم بحفظها وكلاءتها إلخ.
لهذا كانت شؤون الربوبية كلها من الخلق والرزق والملك والتدبير والتصريف مختصة به سبحانه وتعالى لا يشاركه فيها أحد من خلقه”. ” دعوة التوحيد للهراس” (ص 26 – 27).
الأدلة من القرآن على توحيد الربوبية كثيرة منها:
قوله تعالى
(أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُوْنَ (35) أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لَا يُوْقِنُوْنَ (36) أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُصَيْطِرُوْنَ (37) أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُوْنَ فِيْهِ فَلْيَاتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِيْنٍ (38) أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمُ الْبَنُوْنَ (39) أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُوْنَ (40) أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُوْنَ (41) أَمْ يُرِيْدُوْنَ كَيْدًا فَالَّذِيْنَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيْدُوْنَ (42) أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُوْنَ (43)) سورة الطور
قال تعالى:
(وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَد ا سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَ ا تِ وَالْأَرْضِ كُلّ لَّهُ قَانِتُونَ بَدِيعُ السَّمَاوَ ا تِ وَالْأَرْضِ وَإِذَا قَضَى أَمْر ا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ)
[سورة البقرة 116 – 117]
وقال تعالى:
(إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَ ا تِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ الَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَا ءِ مِن مَّا ء فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَا بَّة وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَا ءِ وَالْأَرْضِ لَآيَات لِّقَوْم يَعْقِلُونَ)
[سورة البقرة 164]
تنبيه: توحيد الربوبية لا يكفي في حصول الإسلام.
فتوحيد الربوبية: هو الإقرار بأن اللّه تعالى رب كل شيء ومالكه وخالقه ورازقه، وأنه المحيي المميت النافع الضار المتفرد بإجابة الدعاء عند الاضطرار، الذي له الأمر كله، وبيده الخير كله، القادر على ما يشاء، ليس له في ذلك شريك، ويدخل في ذلك الإيمان بالقدر، وهذا التوحيد لا يكفي العبد في حصول الإسلام، بل لا بد أن يأتي مع ذلك بلازمه من توحيد الإلهية، لأن اللّه تعالى حكى عن المشركين أنهم مقرون بهذا التوحيد للّه وحده. [تيسير العزيز الحميد: ص 33]
الأدلة:
من الكتاب: قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ} [العنكبوت 61] وقوله تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [العنكبوت63] وقال {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَذَكَّرُونَ، قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلا تَتَّقُونَ، قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ، سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون84 – 89] وقال تعالى: {أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزاً أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ} [النمل60 – 64].
، وقال تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ}. يونس 31
فهذه الآيات وغيرها كثير تقرر أن المشركين الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يقرون بربوبية الله تعالى ولكنهم يكفرون بالألوهية.
قال تعالى {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} إشَارَةٌ إلَى مَا اقْتَضَتْهُ الرُّبُوبِيَّةُ مِنْ التَّوَكُّلِ وَالتَّفْوِيضِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَنَّ الرَّبَّ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – هُوَ الْمَالِكُ وَفِيهِ أَيْضًا مَعْنَى الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِصْلَاحِ. وَالْمَالِكُ: الَّذِي يَتَصَرَّفُ فِي مُلْكِهِ كَمَا يَشَاءُ. فَإِذَا ظَهَرَ لِلْعَبْدِ مِنْ سِرِّ الرُّبُوبِيَّةِ أَنَّ الْمُلْكَ وَالتَّدْبِيرَ كُلَّهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فَلَا يَرَى نَفْعًا وَلَا ضَرًّا وَلَا حَرَكَةً وَلَا سُكُونًا وَلَا قَبْضًا وَلَا بَسْطًا وَلَا خَفْضًا وَلَا رَفْعًا إلَّا وَاَللَّهُ – سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى – فَاعِلُهُ وَخَالِقُهُ وَقَابِضُهُ وَبَاسِطُهُ وَرَافِعُهُ وَخَافِضُهُ فَهَذَا الشُّهُودُ هُوَ سِرُّ الْكَلِمَاتِ الْكَوْنِيَّاتِ. وَهُوَ عِلْمُ صِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ. (مجموع الفتاوى:1/ 89)
ومن السنة: «واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» سنن الترمذي (2516)، ومسند أحمد (1/ 307)، وقد حسن الحديث الترمذي وصححه، وصححه الحاكم.
دليل الفطرة:
الفطرة لغة: هي الخلقة. [اللسان]
والمراد بدليل الفطرة أن الله تعالى خلق العباد مفطورين على الإقرار به، واعتقاد أنه خالقهم وربهم.
قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف172].
و جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كمثل البهيمة تنتج البهيمة هل ترى فيها جدعاء” رواه البخاري
نقل ابن تيمية الإجماع، قال: أَهْلَ الْفِطَرِ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى الْإِقْرَارِ بِالصَّانِعِ. الفتاوى الكبرى (6/ 368).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: ولما كان الإقرار بالصانع فطريّاً كما قال “: كل مولود يولد على الفطرة الحديث فإن الفطرة تتضمن الإقرار بالله، والإنابة إليه، وهو معنى لا إله إلا الله، فإن الإله هو الذي يُعْرَفُ ويُعْبَدُ. مجموع الفتاوى (2/ 6).
قال السعدي رحمه الله: ” والمقصود أن الفطرة شاملة لجميع الشريعة باطنها وظاهرها؛ لأنها تنقي الباطن من الأخلاق الرذيلة وتحليه بالأخلاق الجليلة التي ترجع إلى عقائد الإيمان وتطهره الطهارة الحسية والطهارة المعنوية” بهجة قلوب الأبرار ص 70، 71.
قال ابن تيمية: وذكرت دعوة الأنبياء؛ عليهم السلام أنه جاء بالطريق الفطرية كقولهم: {أفي الله شك فاطر السماوات والأرض}؟ وقول موسى: {رب السماوات والأرض} وقوله في القرآن: {اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون} {الذي جعل لكم الأرض فراشا} بين أن نفس هذه الذوات آية لله؛ كما أشرنا إليه أولا من غير حاجة إلى ذينك المقامين؛ ولما وبخهم بين حاجتهم إلى الخالق بنفوسهم؛ من غير أن تحتاج إلى مقدمة كلية: هم فيها وسائر أفرادها سواء؛ بل هم أوضح. المجموع (2/ 12).
دلالة العقل على أن الخالق للعالم واحد:
الإسلام لم يغال في العقل ولم يلغه:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: “العقل شرط في معرفة العلوم، وكمال وصلاح الأعمال، وبه يكمل العلم والعمل، لكنه ليس مستقلاً بذلك”. [مجموع الفتاوى: 3/ 339].
إن العقل مع الوحي كالعامي المقلد مع المفتي العالم بل ودون ذلك بمراتب كثيرة لا تحصى فإن المقلد يمكنه أن يصير عالما ولا يمكن للعالم أن يصير نبيا رسولا فإذا عرف المقلد عالما فدل عليه مقلدا آخر ثم اختلف المفتي والدال فإن المستفتي يجب عليه قبول قول المفتي دون المقلد الذي دله وعرفه بالمفتي
فلوا قال له الدال الصواب معي دون المفتي لأني أنا الأصل في علمك بأنه مفت فإذا قدمت قوله على قولي قدحت في الأصل الذي به عرفت أنه مفت فلزم القدح في فرعه
فيقول له المستفتي أنت لما شهدت بأنه مفت ودللت على ذلك شهدت بوجوب تقليده دون تقليدك كما شهد به دليلك وموافقتي لك في هذا العلم المعين لا تستلزم موافقتك في كل مسألة وخطؤك فيما خالفت فيه المفتي الذي هو أعلم منك لا يستلزم خطأك في علمك بأنه مفت وأنت إذا علمت أنه مفت باجتهاد واستدلال ثم خالفته باجتهاد واستدلال كنت مخطئا الاجتهاد والاستدلال الذي خالفت به من يجب عليك تقليده واتباع قوله وإن أصبت في الاجتهاد والاستدلال الذي به علمت أنه مفت مجتهد يجب عليك تقليده هذا مع علمه بأن المفتي يجوز عليه الخطأ والعقل يعلم أن الرسول معصوم في خبره عن الله ولا يجوز عليه الخطأ
(الصواعق المرسلة لابن القيم:1/ 88]
وعزى المحقق هذا الكلام لابن تيمية في درء تعارض العقل والنقل. وهو قريب منه
((1) / (38)) وفي نسخة اخرى ((1) / (168))
أما الذين اعتمدوا على العقل طريقاً لمعرفة الحق واليقين مع الإعراض عن الوحي، كما هي حال الفلاسفة، فلم يَصِلُوا إلى شيء، وإنما وصلوا إلى التَّيه والضَّلال والحيرة
وفي المقابل:
ذم الله الذين قلدوا آبائهم وألغوا عقولهم فقال: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلا يَهْتَدُونَ) [البقرة:170].
وتأتي دلالة العقل على أن الخالق للعالم واحد من عدة وجوه:
قال الله تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)
[سورة المؤمنون 91]
إذ لو أثبتنا للعالم خالقين؛ لكان كل خالق يريد أن ينفرد بما خلق ويستقل به كعادة الملوك؛ إذ لا يرضى أن يشاركه أحد، وإذا استقل به؛ فإنه يريد أيضاً أمراً آخر، وهو أن يكون السلطان له لا يشاركه فيه أحد.
وحينئذ إذا أرادا السلطان؛ فإما أن يعجز كل واحد منهما عن الآخر، أو يسيطر أحدهما على الآخر؛ فإن سيطر أحدهما على الآخر ثبتت الربوبية له، وإن عجز كل منهما عن الآخر زالت الربوبية منهما جميعاً؛ لأن العاجز لا يصلح أن يكون ربّاً. [القول المفيد للعلامة ابن عثيمين: ص 4].
وذكَر اللهُ تعالى أصحاب العقول، وجمَع لهم النظر في ملكوته، والتفكر في آلائه مع دوام ذكره ومراقبته وعبادته كما قال عز وجل: (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران: 190 – 191].
وكذلك النظر في خلق أنفسهم
قال تعالى: (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)
[سورة الذاريات 21]
والرسل جاؤوا بمحارات العقول ولم يأتوا بمحالات العقول، ولذلك لما قيل لأعرابي كيف عرفت أنَّه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وأنَّه نبيٌ؟ قال: “لم يأمر بشيء فقال العقل ليته نهى عنه، ولم ينه عن شيء فقال العقل ليته أمر به” [مفتاح دار السعادة: 2/ 117].
و يقول ابن تيمية:
(الأنبياء جاؤوا بما تعجز العقول عن معرفته، ولم يجيئوا بما تعلم العقول بطلانه، فهم يخبرون بمحارات العقول لا بمحالات العقول)
الفتاوى ابن تيمية
“الرسول” يخبر بما تعجز العقول عن معرفته فيخبر بمحارات العقول لا بمحالات العقول
درء تعارض العقل والنقل (297) / (5)
الناشر جامعة الإمام من الشاملة
[تربية الله لخلقه نوعان]
قال ابن سعدي في بيان هذين النوعين: “وتربيته تعالى لخلقه نوعان: عامة، وخاصة.
فالعامة: هي خلقه للمخلوقين ورزقهم وهدايتهم لما فيه مصالحهم التي فيها بقاؤهم في الدنيا.
والخاصة: تربيته لأوليائه فيربيهم بالإيمان ويوفقهم له ويكملهم ويدفع عنهم الصوارف والعوائق الحائلة بينهم وبينه.
وحقيقتها: تربية التوفيق لكل خير، والعصمة من كل شر.
ولعل هذا المعنى هو السر في كون أكثر أدعية الأنبياء بلفظ الرب فإن مطالبهم كلها داخلة تحت ربوبيته الخاصة”التفسير 1/ 34
مناظرة أبي حنيفة للملاحدة في إنكارهم الخالق ونقده لطريقة المتكلمين في تقرير الربوبية.
1 – مناظرة الإمام أبي حنيفة للملاحدة في إنكارهم الخالق
أن قوما منهم أرادوا البحث معه في تقرير توحيد الربوبية فقال لهم:
“أخبروني قبل أن نتكلم في هذه المسألة عن سفينة في دجلة تذهب فتمتلئ من الطعام وغيره بنفسها، وتعود بنفسها فترسو بنفسها وترجع، كل ذلك من غير أن يديرها أحد؟
فقالوا: هذا محال لا يمكن أبدا، فقال لهم: إذا كان هذا محالا في سفينة، فكيف في هذا العالم كله علوه وسفله؟ … ” شرح العقيدة الطحاوية لابن ابي العز ص25، 26
ولما سأل الشافعي عن وجود الصانع، قال: هذا ورق التُّوت، طعمه واحد، تأكله الدُّود فيخرج الإبريسم الذي يسمى الحرير، وتأكله النحل فيخرج منه العسل، تأكله الشاة والبقر فتلقيه بعراً وروثاً، وتأكله الظباء فيخرج منه المسك. [معارج القبول: 1/ 111].