(2) بيان الوسيلة في آيات القرآن الكريمة
جمع سيف بن دورة الكعبي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف الشيخ د. سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
بيان الوسيلة من كتب التفسير في قوله تعالى:
(الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ? الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ)
[سورة آل عمران 16 – 17]
قال الطبري:
ومعنى قوله:”الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا”: الذين يقولون: إننا صدّقنا بك وبنبيك وما جاء به من عندك “فاغفر لنا ذنوبنا”، يقول: فاستر علينا ذنوبنا، بعفوك عنها، وتركك عقوبتنا عليها “وقنا عذاب النار”، ادفع عنا عذابك إيانا بالنار أن تعذبنا بها. وإنما معنى ذلك: لا تعذبنا يا ربنا بالنار.
وإنما خصّوا المسألةَ بأن يقيهم عذاب النار، لأن من زُحزح يومئذ عن النار فقد فاز بالنجاة من عذاب الله وحسن مآبه.
القول في تأويل قوله: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ}
قال أبو جعفر: يعني بقوله:”الصابرين”، الذين صبروا في البأساء والضراء وحين البأس.
ويعني بـ”الصادقين”، الذين صدقوا الله في قولهم بتحقيقهم الإقرارَ به وبرسوله وما جاء به من عنده، بالعمل بما أمره به والانتهاء عما نهاه عنه.
ويعني بـ”القانتين”، المطيعين له
قال ابن تيمية:
(2) – {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ}
كانوا يحيون الليل صلاة، ثم يقعدون في السحر يستغفرون؛ فيختمون قيام الليل بالاستغفار. [تفسير ابن تيمية: (2) / (39)]
قال ابن كثير:
يَصِفُ تَعَالَى عِبَادَهُ الْمُتَّقِينَ الَّذِينَ وَعَدَهُمُ الثَّوَابَ الْجَزِيلَ، فَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} أَيْ: بِكَ وَبِكِتَابِكَ وَبِرَسُولِكَ {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} أَيْ بِإِيمَانِنَا بِكَ وَبِمَا شَرَعْتَهُ لَنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَتَقْصِيرَنَا مِنْ أَمْرِنَا بِفَضْلِكَ وَرَحْمَتِكَ {وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}
ثُمَّ قَالَ: {الصَّابِرِين} أَيْ: فِي قِيَامِهِمْ بِالطَّاعَاتِ وَتَرْكِهِمُ الْمُحَرَّمَاتِ {وَالصَّادِقِينَ} فِيمَا أَخْبَرُوا بِهِ مِنْ إِيمَانِهِمْ بِمَا يَلْتَزِمُونَهُ مِنَ الْأَعْمَالِ الشَّاقَّةِ {وَالقَانِتِينَ} وَالْقُنُوتُ: الطَّاعَةُ وَالْخُضُوعُ {والْمُنفِقِينَ} أَيْ: مِنْ أَمْوَالِهِمْ فِي جَمِيعِ مَا أُمِرُوا بِهِ مِنَ الطَّاعَاتِ، وصلة الأرحام والقرابات، وَسَدِّ الخَلات، وَمُوَاسَاةِ ذَوِي الْحَاجَاتِ {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحَارِ} دَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ الِاسْتِغْفَارِ وَقْتَ الْأَسْحَارِ ….. ثم ذكر نماذج من حرص الصحابة على الاستغفار في الأسحار
قال البقاعي:
{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران (16)]
ولَمّا أخْبَرَ سُبْحانَهُ وتَعالى بِأنَّهُ بَصِيرٌ بِمَن يَسْتَحِقُّ ما أعَدَّ مِنَ الفَوْزِ أتْبَعَهُ ما اسْتَحَقُّوا ذَلِكَ بِهِ مِنَ الأوْصافِ تَفَضُّلًا مِنهُ عَلَيْهِمْ بِها وبِإيجابِ ذَلِكَ عَلى نَفْسِهِ حَثًّا لَهم عَلى التَّخَلُّقِ بِتِلْكَ الأوْصافِ فَقالَ: – وقالَ الحَرالِّيُّ: لَمّا وصَفَ تَعالى قُلُوبَهم بِالتَّقْوى وبَرَّأهم مِنَ الاسْتِغْناءِ بِشَيْءٍ مِن دُونِهِ وصَفَ أدَبَهم في المَقالِ فَقالَ؛ انْتَهى – {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا} أيْ يا مَن رَبّانا بِإحْسانِهِ وعادَ عَلَيْنا بِفَضْلِهِ، وأسْقَطَ أداةَ النِّداءِ إشْعارًا بِما لَهم مِنَ القُرْبِ لِأنَّهم في حَضْرَةِ المُراقَبَةِ؛ ولَمّا كانَتْ أحْوالُهم في تَقْصِيرِها عَنْ أنْ يُقَدَّرَ اللَّهُ حَقَّ قَدْرِهِ كَأنَّها أحْوالُ مَن لَمْ يُؤْمِنِ اقْتَضى المَقامُ التَّاكِيدَ فَقالُوا: {إنَّنا} فَأثْبَتُوا النُّونَ إبْلاغًا فِيهِ {آمَنّا} أيْ بِما دَعَوْتَنا إلَيْهِ، وأظْهَرُوا هَذا المَعْنى بِقَوْلِهِمْ: {فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا} أيْ فَإنَّنا عاجِزُونَ عَنْ دَفْعِها ورَفْعِ الهِمَمِ عَنْ مُواقَعَتِها وإنِ اجْتَهَدْنا لِما جُبِلْنا عَلَيْهِ مِنَ الضَّعْفِ والنَّقْصِ، تَنْبِيهًا مِنهُ تَعالى عَلى أنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لا يَقْدَحُ في التَّقْوى إذا هُدِمَ بِالتَّوْبَةِ لِأنَّهُ ما أصَرَّ مَنِ اسْتَغْفَرَ، والتَّوْبَةُ تَجُبُّ ما قَبْلَها.
قال البيضاوي:
{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إنَّنا آمَنّا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وقِنا عَذابَ النّارِ} صِفَةٌ لِلْمُتَّقِينَ، أوْ لِلْعِبادِ، أوْ مَدْحٌ مَنصُوبٌ أوْ مَرْفُوعٌ. وفي تَرْتِيبِ السُّؤالِ عَلى مُجَرَّدِ الإيمانِ دَلِيلٌ عَلى أنَّهُ كافٍ في اسْتِحْقاقِ المَغْفِرَةِ أوِ الِاسْتِعْدادِ لَها.
ومثل ذلك نقله ابوالسعود و الآلوسي:
قال القاسمي:
{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنا إنَّنا آمَنّا فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وقِنا عَذابَ النّارِ} قالَ الحاكِمُ: في الآيَةِ دِلالَةٌ عَلى أنَّهُ يَجُوزُ لِلدّاعِي أنْ يَذْكُرَ طاعاتِهِ وما تَقَرَّبَ بِهِ إلى اللَّهِ، ثُمَّ يَدْعُو. ويُؤَيِّدُهُ ما في الصَّحِيحَيْنِ مِن حَدِيثِ أصْحابِ الغارِ، وتَوَسُّلِ كُلٍّ مِنهم بِصالِحِ عَمَلِهِ، ثُمَّ تَفْرِيجِ البارِي تَعالى عَنْهم …..
{وبِالأسْحارِ هم يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: (18)]
وقالَ الرّازِيُّ: واعْلَمْ أنَّ المُرادَ مِنهُ مَن يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثُمَّ يُتْبِعُهُ بِالِاسْتِغْفارِ والدُّعاءِ، لِأنَّ الإنْسانَ لا يَشْتَغِلُ بِالدُّعاءِ والِاسْتِغْفارِ إلّا أنْ يَكُونَ قَدْ صَلّى قَبْلَ ذَلِكَ. فَقَوْلُهُ: {والمُسْتَغْفِرِينَ بِالأسْحارِ} يَدُلُّ عَلى أنَّهم كانُوا قَدْ صَلَّوْا بِاللَّيْلِ – انْتَهى –
تفسير السعدي:
توسلوا بمنة الله عليهم بتوفيقهم للإيمان أن يغفر لهم ذنوبهم ويقيهم شر آثارها وهو عذاب النار، ثم فصل أوصاف التقوى
قال ابن عاشور:
وقَوْلُهُ: {الَّذِينَ يَقُولُونَ} عَطْفُ بَيانٍ {لِلَّذِينَ اتَّقَوْا} وصَفَهم بِالتَّقْوى وبِالتَّوَجُّهِ إلى اللَّهِ تَعالى بِطَلَبِ المَغْفِرَةِ. ومَعْنى القَوْلِ هُنا الكَلامُ المُطابِقُ لِلْواقِعِ في الخَبَرِ، والجارِي عَلى فَرْطِ الرَّغْبَةِ في الدُّعاءِ، في قَوْلِهِمْ: {فاغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا} إلَخْ، وإنَّما يَجْرِي كَذَلِكَ إذا سَعى الدّاعِي في وسائِلِ الإجابَةِ وتَرَقَّبَها بِأسْبابِها الَّتِي تُرْشِدُ إلَيْها التَّقْوى، فَلا يُجازى هَذا الجَزاءَ مَن قالَ ذَلِكَ بِفَمِهِ ولَمْ يَعْمَلْ لَهُ.
وفي التفسير الميسر: هؤلاء العباد المتقون يقولون: إننا آمنا بك، واتبعنا رسولك محمدًا صلى الله عليه وسلم، فامْحُ عنا ما اقترفناه من ذنوب، ونجنا من عذاب النار
قال ابن عثيمين:
وقوله: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا} توسلوا إلى الله بربوبيته للإخبار بحالهم في الإيمان به، كأنهم يقولون: ربنا آمنا ولكننا لم نصل إلى الإيمان إلا بربوبيتك لنا، تلك الربوبية الخاصة المقتضية للعناية التامة، يقولون: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا} قال: (الذين يقولون: آمنا) استقام الكلام بلاشك، لكن إذا قالوا: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا}، فهذا كالإشعار بأنهم لم يصلوا إلى الإيمان إلا بمقتضى هذه الربوبية الخاصة المقتضية للعناية التامة.
{الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} [آل عمران (16)] الفاء هنا للسببية، أي: فبسبب إيماننا اغفر لنا؛ لأن الإيمان لا شك أنه وسيلة للمغفرة، وكلما قوي الإيمان قويت أسباب المغفرة، حتى إنه إذا أخلص الإنسان إيمانه صارت حسناته تُذهب سيئاته، طيب، ولهذا قال: {فَاغْفِرْ لَنَا} أي: بسبب الإيمان اغفر لنا، وهذا من باب التوسل بالطاعة لقبول الدعاء.
وقال: {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}، {اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا}، (اغفر) فعل دعاء وليس فعل أمر
—
في بيان الوسيلة في قوله تعالى:
قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38). سورة آل عمران
التوسل بالربوبية. وطلب الذرية الطيبة التي تدعو لآبائها. والتوسل بصفة السمع. ومعنى ذلك أنك تسمع الدعاء وتجيب من دعاك
قال أبو جعفر: فتأويل الآية، فعند ذلك دعا زكريا ربه فقال: رب هب لي من عندك ولدًا مباركًا، إنك ذو سَمعٍ دُعاءَ من دَعاك.
قال البغوي: {إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} أَيْ سَامِعُهُ، وَقِيلَ مُجِيبُهُ.
قال البقاعي: {قالَ رَبِّ} أيِ الَّذِي عَوَّدَنِي بِإحْسانِهِ …. {ذُرِّيَّةً} فِيهِ إشْعارٌ بِكَثْرَةٍ ونَسْلٍ باقٍ، فَأُجِيبَ بِوَلَدٍ فَرْدٍ لَمّا كانَ زَمانَ انْتِهاءٍ في ظُهُورِ كَلِمَةِ الرُّوحِ وبِأنَّهُ لا يُنْسِلُ فَكانَ يَحْيِى حَصُورًا لِغَلَبَةِ الرُّوحانِيَّةِ عَلى إنْسانِيَّتِهِ. انْتَهى.
{طَيِّبَةً} أيْ مُطِيعَةً لَكَ لِأنَّ ذَلِكَ طِلْبَةُ أهْلِ الخُصُوصِ، ثُمَّ عَلَّلَ إدْلالَهُ عَلى المَقامِ الأعْظَمِ بِالسُّؤالِ بِقَوْلِهِ: {إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ} أيْ مُرِيدُهُ ومُجِيبُهُ لِأنَّ مِن شَانِ مَن يَسْمَعُ – ولَمْ يَمْنَعْ – أنْ يُجِيبَ إذا كانَ قادِرًا كامِلًا، وقَدْ ثَبَتَتِ القُدْرَةُ بِرُّبُوبِيَّةِ الكامِلَةِ الَّتِي لا تَحْصُلُ إلّا مِنَ الحَيِّ القَيُّومِ
تنبيه على قولهم: أن معنى (حصور) هو الذي لا يشتهي النساء بل بعضهم أورد أنه ليس معه إلا هدبة وهو حديث أعله بعض أهل العلم:
قال ابن كثير (حصور): َالْمَقْصُودُ أَنَّهُ مَدَحَ يَحْيَى بِأَنَّهُ حَصُورٌ لَيْسَ أَنَّهُ لَا يَاتِي النِّسَاءَ، بَلْ مَعْنَاهُ كَمَا قَالَهُ هُوَ وَغَيْرُهُ: أَنَّهُ مَعْصُومٌ عَنِ الْفَوَاحِشِ وَالْقَاذُورَاتِ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ تَزْوِيجِهِ بِالنِّسَاءِ الْحَلَالِ وَغَشَيَانِهِنَّ وَإِيلَادِهِنَّ، بَلْ قَدْ يُفْهَمُ وُجُودُ النَّسْلِ لَهُ مِنْ دُعَاءِ زَكَرِيَّا الْمُتَقَدِّمِ حَيْثُ قَالَ: {هَبْ ((21)) لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً} كَأَنَّهُ قَالَ: وَلَدًا لَهُ ذُرِّيَّةٌ وَنَسْلٌ وعَقِب.
قال أبوالسعود:
{هُنالِكَ} هُنا” ظَرْفُ مَكانٍ و “اللّامُ” لِلدِّلالَةِ عَلى البُعْدِ و “الكافُ” لِلْخِطابِ، أيْ: في ذَلِكَ المَكانِ حَيْثُ هو قاعِدٌ عِنْدَ مَرْيَمَ في المِحْرابِ أوْ في ذَلِكَ الوَقْتِ إذْ يُسْتَعارُ “هُنا” و “ثَمَّةَ” و “حَيْثُ” لِلزَّمانِ.
{دَعا زَكَرِيّا رَبَّهُ} لَمّا رَأى كَرامَةَ مَرْيَمَ عَلى اللَّهِ ومَنزِلَتَها مِنهُ تَعالى رَغِبَ في أنْ يَكُونَ لَهُ مِن إيشاعَ ولَدٌ مِثْلُ ولَدِ حَنَّةَ في النَّجابَةِ والكَرامَةِ عَلى اللَّهِ تَعالى و إنْ كانَتْ عاقِرًَا عَجُوزًَا فَقَدْ كانَتْ حَنَّةُ كَذَلِكَ. وقِيلَ: لَمّا رَأى الفَواكِهَ في غَيْرِ إبّانِها تَنَبَّهَ لِجَوازِ وِلادَةِ العَجُوزِ العاقِرِ مِنَ الشَّيْخِ الفانِي
فَأقْبَلَ عَلى الدُّعاءِ مِن غَيْرِ تَاخِيرٍ، كَما يُنْبِئُ عَنْهُ تَقْدِيمُ الظَّرْفِ عَلى الفِعْلِ لا عَلى مَعْنى أنَّ ذَلِكَ كانَ هو المُوجِبَ لِلْإقْبالِ عَلى الدُّعاءِ فَقَطْ بَلْ كانَ جُزْءًَا أخِيرًَا مِنَ العِلَّةِ التّامَّةِ الَّتِي مِن جُمْلَتِها كِبَرُ سِنِّهِ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ و ضَعْفُ قُواهُ وخَوْفُ مَوالِيهِ حَسْبَما فُصِّلَ في سُورَةِ مَرْيَمَ ….
{رَبِّ هَبْ لِي مِن لَدُنْكَ} كِلا الجارَّيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِهَبْ لِاخْتِلافِ مَعْنَيَيْهِما، فَـ”اللّامُ” صِلَةٌ لَهُ و “مِن” لِابْتِداءِ الغايَةِ مَجازًَا، أيْ: أعْطِنِي مِن مَحْضِ قُدْرَتِكَ مِن غَيْرِ وسَطٍ مُعْتادٍ …. {إنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ} أيْ: مُجِيبُهُ، و هو تَعْلِيلٌ لِما قَبْلَهُ وتَحْرِيكٌ لِسِلْسِلَةِ الإجابَةِ
قال الألوسي:
وجاء الطلب بلفظ الهبة؛ لأن الهبة إحسان محض ليس في مقابلة شيء، وهو يناسب ما لا دخل فيه للوالد لكبر سنه، ولا للوالدة لكونها عاقرة لا تلد. [الألوسي: (3) / (144)]
قال ابن عاشور:
وسَألَ الذُّرِّيَّةَ الطَّيِّبَةَ لِأنَّها الَّتِي يُرْجى مِنها خَيْرُ الدُّنْيا والآخِرَةِ بِحُصُولِ الآثارِ الصّالِحَةِ النّافِعَةِ. ومُشاهَدَةُ خَوارِقِ … العاداتِ خَوَّلَتْ لِزَكَرِيّاءَ الدُّعاءَ بِما هو مِنَ الخَوارِقِ، أوْ مِنَ المُسْتَبْعَداتِ، لِأنَّهُ رَأى نَفْسَهُ غَيْرَ بَعِيدٍ عَنْ عِنايَةِ اللَّهِ تَعالى، لا سِيَّما في زَمَنِ الفَيْضِ أوْ مَكانِهِ، فَلا يُعَدُّ دُعاؤُهُ بِذَلِكَ تَجاوُزًا لِحُدُودِ الأدَبِ مَعَ اللَّهِ عَلى نَحْوِ ما قَرَّرَهُ القَرافِيُّ في الفَرْقِ بَيْنَ ما يَجُوزُ مِنَ الدُّعاءِ وما لا يَجُوزُ. وسَمِيعٌ هُنا بِمَعْنى مُجِيبٍ.
قال ابن عثيمين:
(قَالَ رَبِّ هَبْ لِي} أي: أعطني عطاء بلا ثمن.
{مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}، {مِنْ لَدُنْكَ}: من عندك، وأضافه إلى عندية الله عز وجل ليكون أبلغ وأعظم؛ لأن هدية الكريم أكرم.
=====
=====
=====
قال تعالى
رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53).سورة آل عمران
التوسل بالإيمان واتباع الرسول ثم طلبوا أن يكونوا مع الشاهدين وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
قال الألوسي:
{رَبَّنا آمَنّا بِما أنْزَلْتَ} عَرْضٌ لِحالِهِمْ عَلَيْهِ تَعالى بَعْدَ عَرْضِها عَلى رَسُولِهِ اِسْتِمْطارًا لِسَحائِبِ إجابَةِ دُعائِهِمُ الآتِي، وقِيلَ: مُبالَغَةٌ في إظْهارِ أمْرِهِمْ {واتَّبَعْنا الرَّسُولَ} أيِ اِمْتَثَلْنا ما أتى بِهِ مِنكَ إلَيْنا {فاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ} [53] أيْ مُحَمَّدٍ ? وأُمَّتِهِ، لِأنَّهم يَشْهَدُونَ لِلرُّسُلِ بِالتَّبْلِيغِ ومُحَمَّدٌ ? يَشْهَدُ لَهم بِالصِّدْقِ، رَواهُ عِكْرِمَةُ عَنِ اِبْنِ عَبّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعالى عَنْهُما ورَوى أبُو صالِحٍ عَنْهُ أنَّهم مَن آمَنَ مِنَ الأُمَمِ قَبْلَهُمْ، وقِيلَ: المُرادُ مِن {الشّاهِدِينَ} الأنْبِياءُ لِأنَّ كُلَّ نَبِيٍّ شاهِدٌ لِأُمَّتِهِ وعَلَيْها، وقالَ مُقاتِلٌ: هُمُ الصّادِقُونَ، وقالَ الزَّجّاجُ: هُمُ الشّاهِدُونَ لِلْأنْبِياءِ بِالتَّصْدِيقِ، وقِيلَ: أرادُوا مَعَ المُسْتَغْرِقِينَ في شُهُودِ جَلالِكَ بِحَيْثُ لا نُبالِي بِما يَصِلُ إلَيْنا مِنَ المَشاقِّ والآلامِ فَيَسْهُلُ عَلَيْنا الوَفاءُ بِما اِلْتَزَمْنا مِن نُصْرَةِ رَسُولِكَ، وقِيلَ: أرادُوا اُكْتُبْ ذِكْرَنا في زُمْرَةِ مَن شَهِدَ حَضْرَتَكَ مِنَ المَلائِكَةِ المُقَرَّبِينَ كَقَوْلِهِ تَعالى: {إنَّ كِتابَ الأبْرارِ لَفي عِلِّيِّينَ} ولا يَخْفى ما في هَذا الأخِيرِ مِنَ التَّكَلُّفِ، والمَعْنى عَلى ما عَداهُ أدْخِلْنا في عِدادِ أُولَئِكَ، أوْ في عِدادِ أتْباعِهِمْ،
إنتهى من تفسير الآلوسي.
قال البقاعي:
{رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ} [آل عمران (53)]
ثُمَّ لَمّا خاطَبُوا الرَّسُولَ أدَبًا تَرَقَّوْا إلى المُرْسِلِ في خِطابِهِمْ إعْظامًا لِلْأمْرِ وزِيادَةً في التَّاكِيدِ فَقالُوا مُسْقِطِينَ لِأداةِ النِّداءِ اسْتِحْضارًا لِعَظَمَتِهِ بِالقُرْبِ لِمَزِيدِ القُدْرَةِ وتَرَجِّي مَنزِلَةِ أهْلِ الحُبِّ: {رَبَّنا آمَنّا بِما أنْزَلْتَ} أيْ عَلى ألْسِنَةِ رُسُلِكَ كُلِّهِمْ {واتَّبَعْنا الرَّسُولَ} الآتِيَ إلَيْنا بِذَلِكَ مُعْتَقِدِينَ رِسالَتَهُ مِنكَ وعُبُودِيَّتَهُ لَكَ {فاكْتُبْنا} لِتَقَبُّلِكَ شَهادَتَنا واعْتِدادِكَ بِها {مَعَ الشّاهِدِينَ} أيِ الَّذِينَ قَدَّمْتَ أنَّهم شَهِدُوا لَكَ بِالوَحْدانِيَّةِ مَعَ المَلائِكَةِ،
قال ابن عاشور:
وقَوْلُهُ رَبَّنا آمَنّا مِن كَلامِ الحَوارِيِّينَ بَقِيَّةُ قَوْلِهِمْ، وفَرَّعُوا عَلى ذَلِكَ الدُّعاءِ دُعاءً بِأنْ يَجْعَلَهُمُ اللَّهُ مَعَ الشّاهِدِينَ أيْ مَعَ الَّذِينَ شَهِدُوا لِرُسُلِ اللَّهِ بِالتَّبْلِيغِ، وبِالصِّدْقِ، وهَذا مُؤْذِنٌ بِأنَّهم تَلَقَّوْا مِن عِيسى – فِيما عَلَّمَهم إيّاهُ – فَضائِلَ مَن يَشْهَدُ لِلرُّسُلِ بِالصِّدْقِ. (التحرير والتنوير)
قال أبو السعود:
{رَبَّنا آمَنّا بِما أنْزَلْتَ} تَضَرُّعٌ إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ و عَرْضٌ لِحالِهِمْ عَلَيْهِ تَعالى بَعْدَ عَرْضِها عَلى الرَّسُولِ مُبالَغَةً في إظْهارِ أمْرِهِمْ.
{واتَّبَعْنا الرَّسُولَ} أيْ: في كُلِّ ما يَاتِي و يَذَرُ مِن أُمُورِ الدِّينِ، فَيَدْخُلُ فِيهِ الِاتِّباعُ في النُّصْرَةِ دُخُولًَا أوَّلِيًَّا.
{فاكْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِينَ} أيْ: مَعَ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ بِوَحْدانِيَّتِكَ أوْ مَعَ الأنْبِياءِ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ لِأتْباعِهِمْ أوْ مَعَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ فَإنَّهم شُهَداءُ عَلى النّاسِ قاطِبَةً، وهو حالٌ مِن مَفْعُولِ “اكْتُبْنا”. (إرشاد العقل السليم)
قال ابن عثيمين:
: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ}.
* من فوائد هذه الآية: فضيلة الحواريين في لجوئهم إلى الله عز وجل، حيث قالوا: {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ}، فإنه بعد أن أشهدوا نبيهم لجؤوا إلى ربهم عز وجل.
* ومن فوائد الآية: التوسل إلى الله تعالى بربوبيته؛ لأن الربوبية تدور على ثلاثة أشياء وهي: الخلق والملك والتدبير، وإجابة الدعاء داخل في هذه الثلاثة؛ فلذلك كان كثيرًا ما يتوسل الدعاة -دعاة الله- بالربوبية كما جاء في الحديث الصحيح: «يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ: يَا رَبِّ يَا رَبِّ» ((8)).
* ومن فوائد الآية الكريمة: أنه يجب أن يكون الإيمان شاملًا لكل ما أنزل الله {رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ}. (تفسير ابن عثيمين)
=====
=====
=====
بيان الوسيلة في آيات القرآن الكريمة
سورة آل عمران الآية 147
قال تعالى:
رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147).سورة آل عمران
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله:”وما كان قولهم”، وما كان قول الرِّبِّيين – و”الهاء والميم” من ذكر أسماء الربيين -“إلا أن قالوا”، يعني: ما كان لهم قولٌ سوى هذا القول، إذ قتل نبيهم وقوله:”ربنا اغفر لنا ذنوبنا”، يقول: لم يعتصموا، إذ قتل نبيهم، إلا بالصبر على ما أصابهم، ومجاهدة عدوهم، وبمسألة ربهم المغفرة والنصر على عدوهم. ومعنى الكلام: وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا.
وأما”الإسراف”، فإنه الإفراط في الشيء: يقال منه:”أسرف فلانٌ في هذا الأمر”، إذا تجاوز مقداره فأفرط.
ومعناه هاهنا: اغفر لنا ذنوبنا: الصغارَ منها، وما أسرفنا فيه منها فتخطينا إلى العظام. وكان معنى الكلام: اغفر لنا ذنوبنا، الصغائر منها والكبائر
تفسير الطبري
في تفسير الوسيط: والمتأمل في هذه الدعوات الثلاث يراها قد جمعت أسمى ألوان الأدب وحسن الترتيب، فهم قد صدروا دعاءهم بالتوسل بوصف الربوبية فقالوا رَبَّنا أى يا خالقنا ويا منشئنا ويا مربينا ويا مميتنا، وفي ذلك إشعار أنهم يلجئون إلى من بيده وحده النفع والضر، والنصر والهزيمة. ثم افتتحوا دعاءهم بطلب الصبر عند المخاوف لأنه هو عدة القتال الأولى، وركنه الأعلى، إذ به يكون ضبط النفس فلا تفزع، وبه يسكن القلب فلا يجزع. ثم التمسوا منه- سبحانه- أن يثبت أقدامهم عند اللقاء لأن هذا الثبات هو مظهر الصبر، ووسيلة النصر، وعنوان القوة.
ثم ختموا دعاءهم بما هو ثمرة ونتيجة للصبر والثبات وهو النصر على الأعداء.
قال ابن عطية في الآية:
واسْتِغْفارُ هَؤُلاءِ القَوْمِ المَمْدُوحِينَ في هَذا المَوْطِنِ يَنْحُو إلى أنَّهم رَأوا ما نَزَلَ مِن مَصائِبِ الدُنْيا إنَّما هو بِذُنُوبٍ مِنَ البَشَرِ …
وبعد الاستغفار دعو الله على هذا النحو اجْعَلْنا دائِبِينَ عَلى طاعَتِكَ والإيمانِ بِكَ، وتَثْبِيتُ القَدَمِ عَلى هَذا اسْتِعارَةٌ، ويُحْتَمَلُ أنْ يَكُونَ في مَعْنى ما بَعْدَهُ مِن قَوْلِهِ: {وانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ} فَيُرادَ ثُبُوتُ القَدَمِ حَقِيقَةً في مَواقِفِ الحَرْبِ؛ قالَ ابْنُ فُورَكٍ: في هَذا الدُعاءِ رَدٌّ عَلى القَدَرِيَّةِ، لِقَوْلِهِمْ: إنَّ اللهَ لا يَخْلُقُ أفْعالَ العَبْدِ، ولَوْ كانَ ذَلِكَ لَمْ يَسُغْ أنْ يُدَّعى فِيما لا يَفْعَلُهُ ..
تفسير المحرر الوجيز
قال ابن تيمية:
فجمعوا بين الصبر والاستغفار، وهذا هو المأمور به في المصائب: الصبر عليها والاستغفار من الذنوب التي كانت سببها. [ابن تيمية: (2) / (156)]
قال البقاعي:
ولَمّا أثْنى – سُبْحانَهُ وتَعالى – عَلى فِعْلِهِمْ؛ أتْبَعَهُ قَوْلَهُمْ؛ فَقالَ: {وما كانَ}؛ أيْ: شَيْءٌ مِنَ القَوْلِ؛ {قَوْلَهُمْ}؛ أيْ: بِسَبَبِ ذَلِكَ الأمْرِ الَّذِي دَهَمَهُمْ؛ {إلا أنْ قالُوا}؛ أيْ: وهم يَجْتَهِدُونَ في نَصْرِ دِينِ اللَّهِ؛ ناسِبِينَ الخِذْلانَ إلى أنْفُسِهِمْ؛ بِتَعاطِي أسْبابِهِ {رَبَّنا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا}؛ أيْ: الَّتِي اسْتَوْجَبْنا بِها الخِذْلانَ؛ {وإسْرافَنا في أمْرِنا}؛ هَضْمًا لِأنْفُسِهِمْ؛ فَمَعَ كَوْنِهِمْ رَبّانِيِّينَ؛ مُجْتَهِدِينَ؛ نَسَبُوا ما أصابَهم إلى ذُنُوبِهِمْ؛ فافْعَلُوا أنْتُمْ فِعْلَهُمْ؛ لِتَنالُوا مِنَ الكَرامَةِ ما نالُوا؛ كَما أشارَ لَكم – سُبْحانَهُ وتَعالى – إلى ذَلِكَ؛ قَبْلَ الأخْذِ في قَصِّ القِصَّةِ؛ عِنْدَما وصَفَ بِهِ المُتَّقِينَ؛ مِن قَوْلِهِ: {أوْ ظَلَمُوا أنْفُسَهم ذَكَرُوا اللَّهَ فاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: (135)]
ولَمّا دَعَوْا بِمَحْوِ ما أوْجَبَ الخِذْلانَ؛ دَعَوْا بِثَمَرَةِ المَحْوِ؛ فَقالُوا: {وثَبِّتْ أقْدامَنا}؛ إشارَةً إلى أنَّ الرُّعْبَ مِن نَتائِجِ الذَّنْبِ؛ والثَّباتَ مِن ثَمَراتِ الطّاعَةِ – «إنَّما تُقاتِلُونَ النّاسَ بِأعْمالِكُمْ» – ثُمَّ أشارُوا إلى أنَّ قِتالَهم لَهم إنَّما هو لِلَّهِ؛ لا لِحَظٍّ مِن حُظُوظِ النَّفْسِ أصْلًا؛ بِقَوْلِهِ: {وانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ}
قال النسفي:
وما كانَ قَوْلَهم إلّا هَذا القَوْلُ، وهو إضافَةُ الذُنُوبِ إلى أنْفُسِهِمْ، مَعَ كَوْنِهِمْ رَبّانِيِّينَ، هَضْمًا لَها {وَإسْرافَنا في أمْرِنا} تَجاوُزَنا حَدَّ العُبُودِيَّةِ،
{وَثَبِّتْ أقْدامَنا} في القِتالِ.
{وانْصُرْنا عَلى القَوْمِ الكافِرِينَ} بِالغَلَبَةِ، وقَدَّمَ الدُعاءَ بِالِاسْتِغْفارِ مِنَ الذُنُوبِ عَلى طَلَبِ تَثْبِيتِ الأقْدامِ في مَواطِنِ الحَرْبِ والنُصْرَةِ عَلى الأعْداءِ، لِأنَّهُ أقْرَبُ إلى الإجابَةِ، لِما فِيهِ مِنَ الخُضُوعِ والِاسْتِكانَةِ.
قال البيضاوي:
أيْ وما كانَ قَوْلُهم مَعَ ثَباتِهِمْ وقُوَّتِهِمْ في الدِّينِ وكَوْنِهِمْ رَبّانِيِّينَ إلّا هَذا القَوْلَ، وهو إضافَةُ الذُّنُوبِ والإسْرافِ إلى أنْفُسِهِمْ هَضْمًا لَها وإضافَةً لِما أصابَهم إلى سُوءِ أعْمالِهِمْ والِاسْتِغْفارِ عَنْها، ثُمَّ طَلَبَ التَّثْبِيتَ في مُواطِنِ الحَرْبِ والنَّصْرِ عَلى العَدُوِّ لِيَكُونَ عَنْ خُضُوعٍ وطَهارَةٍ، فَيَكُونُ أقْرَبَ إلى الإجابَةِ، وإنَّما جَعَلَ قَوْلَهم خَبَرًا لِأنَّ “أنْ قالُوا” أعْرَفُ لِدَلالَتِهِ عَلى جِهَةِ النِّسْبَةِ وزَمانِ الحَدَثِ.
قال القنوجي:
(وانصرنا على القوم الكافرين) تقريباً له إلى حين القبول فإن الدعاء المقرون بالخضوع الصادر عن زكاء وطهارة أقرب إلى الاستجابة، والمعنى لم يزالوا مواظبين على هذا الدعاء من غير أن يصدر عنهم قول يوهم شائبة الجزع والتزلزل في مواقف الحرب، ومراصد الدين، وفيه من التعريض بالمنهزمين ما لا يخفى.
قال السعدي
علموا أن الذنوب والإسراف من أعظم أسباب الخذلان، وأن التخلي منها من أسباب النصر، فسألوا ربهم مغفرتها. [تفسير السعدي: (151)]
قال الألوسي:
طلبوا الغفران أولاً ليستحقوا طلب النصر على الكافرين بترجحهم بطهارتهم عن الذنوب عليهم وهم محاطون بالذنوب. وفي طلبهم النصر- مع كثرتهم المفرطة التي دل عليها ما سبق- إيذان بأنهم لا ينظرون إلى كثرتهم، ولا يعولون عليها، بل يسندون ثبات أقدامهم إلى الله تعالى، ويعتقدون أن النصر منه سبحانه وتعالى. [الألوسي: (4) / (85)]
====
====
====
بيان الوسيلة في آيات القرآن الكريمة
سورة آل عمران الآية 191
قال تعالى
رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191).سورة آل عمران
الوسيلة في وصف أهل الإيمان أنهم يتفكرون في خلق السماوات والأرض
قال ابن عطية:
وقَوْلُهُ تَعالى: “رَبَّنا” مَعْناهُ: يَقُولُونَ: رَبَّنا عَلى النِداءِ، {ما خَلَقْتَ هَذا باطِلا}، يُرِيدُ لِغَيْرِ غايَةٍ مَنصُوبَةٍ بَلْ خَلَقْتَهُ وخَلَقْتَ البَشَرَ لِيُنْظَرَ فِيهِ فَتُوَحَّدَ وتُعْبَدَ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ نَعَّمْتَهُ ومَن ضَلَّ عن ذَلِكَ عَذَّبْتَهُ لِكُفْرِهِ وقَوْلِهِ عَلَيْكَ ما لا يَلِيقُ بِكَ. ولِهَذا المَعْنى الَّذِي تُعْطِيهِ قُوَّةُ اللَفْظِ حَسُنَ قَوْلُهُمْ: “سُبْحانَكَ”، أيْ تَنْزِيهًا لَكَ عَمّا يَقُولُ المُبْطِلُونَ. وحَسُنَ قَوْلُهُمْ: “فَقِنا عَذابَ النارِ” إذْ نَحْنُ المُسَبِّحُونَ المُنَزِّهُونَ لَكَ المُوَحِّدُونَ.
وقَوْلُهُمْ: {رَبَّنا إنَّكَ مَن تُدْخِلِ النارَ فَقَدْ أخْزَيْتَهُ}، اسْتِجارَةٌ واسْتِعاذَةٌ، أيْ: فَلا تَفْعَلْ بِنا ذَلِكَ، ولا تَجْعَلْنا مِمَّنْ يَعْمَلُ عَمَلَها. والخِزْيُ: الفَضِيحَةُ المُخْجِلَةُ الهادِمَةُ لِقَدْرِ المَرْءِ، خَزِيَ الرَجُلُ يَخْزى خِزْيًا إذا افْتُضِحَ، وخَزايَةً إذا اسْتَحْيى، الفِعْلُ واحِدٌ والمَصْدَرُ مُخْتَلِفٌ.
وقالَ أنَسُ بْنُ مالِكٍ والحَسَنُ بْنُ أبِي الحَسَنِ وابْنُ جُرَيْجٍ وغَيْرُهُمْ: هَذِهِ إشارَةٌ إلى مَن يَخْلُدُ في النارِ، ومَن يَخْرُجُ مِنها بِالشَفاعَةِ والإيمانِ فَلَيْسَ بِمَخْزِيٍّ. وقالَ جابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ وغَيْرُهُ: كُلُّ مَن دَخَلَ النارَ فَهو مَخْزِيٌّ وإنْ خَرَجَ مِنها، وإنَّ في دُونِ ذَلِكَ لَخِزْيًا.
قالَ القاضِي أبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللهُ:
أما إنَّهُ خِزْيٌ دُونَ خِزْيٍ، ولَيْسَ خِزْيَ مَن يَخْرُجُ مِنها بِفَضِيحَةٍ هادِمَةٍ لِقَدْرِهِ، وإنَّما الخِزْيُ التامُّ لِلْكُفّارِ.
وقَوْلُهُ تَعالى: {وَما لِلظّالِمِينَ مِن أنْصارٍ} هو مِن قَوْلِ الداعِينَ، وبِذَلِكَ يَتَّسِقُ وصْفُ الآيَةِ.
قال ألآلوسي:
وبَعْضُهم قالَ: بِهَذا التَّاكِيدِ ولَمْ يَقُلْ بِالِاعْتِراضِ وجَعَلَ ما بَعْدَ الفاءِ مُتَرَتِّبًا عَلى التَّنْزِيهِ المَدْلُولِ عَلَيْهِ بِسُبْحانِكَ، وادَّعى أنَّهُ الأظْهَرُ لِانْدِراجِ تَنَزُّهِهِ تَعالى عَنْ رَدِّ سُؤالِ الخاضِعِينَ المُلْتَجِئِينَ إلَيْهِ فِيهِ، ولا يَخْفى تَفَرُّعُ المَسْألَةِ عَلى التَّنْزِيهِ عَنْ خَيْبَةِ رَجاءِ الرّاجِينَ
قال السعدي:
فإذا تفكروا بها، عرفوا أن الله لم يخلقها عبثا، فيقولون: {ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك} عن كل ما لا يليق بجلالك، بل خلقتها بالحق وللحق، مشتملة على الحق. {فقنا عذاب النار} بأن تعصمنا من السيئات، وتوفقنا للأعمال الصالحات، لننال بذلك النجاة من النار. ويتضمن ذلك سؤال الجنة، لأنهم إذا وقاهم الله عذاب النار حصلت لهم الجنة، ولكن لما قام الخوف بقلوبهم، دعوا الله بأهم الأمور عندهم،
قال القنوجي:
ويقولون (ربّنا ما خلقت هذا) الخلق الذي نراه (باطلاً) أي عبثاً ولهواً بل خلقته دليلاً على حكمتك ووحدانيتك وقدرتك. والباطل الزائل الذاهب، وخلق بمعنى جعل والإشارة بقوله ” هذا ” إلى السموات والأرض أو إلى الخلق على أنه بمعنى المخلوق.
(سبحانك) تنزيهاً لك عما لا يليق بك من الأمور التي من جملتها أن يكون خلقك لهذه المخلوقات باطلاً وهزلاً وعبثاً، والفاء في (فقنا) لترتيب هذا الدعاء على ما قبله (عذاب النار) علم عباده كيفية الدعاء، فمن أراد أن يدعو فليقدم الثناء على الله أولاً ثم يأتي بالدعاء. انتهى من تفسير القنوجي
قال البقاعي:
ولَمّا كانَتْ آياتُ المَعْرِفَةِ؛ إمّا في الآفاقِ؛ وإمّا في الأنْفُسِ؛ وكانَتْ آياتُ الآفاقِ أعْظَمَ – {لَخَلْقُ السَّماواتِ والأرْضِ أكْبَرُ مِن خَلْقِ النّاسِ} [غافر: (57)]-؛ قالَ: {فِي خَلْقِ السَّماواتِ والأرْضِ}؛ عَلى كِبَرِهِما؛ واتِّساعِهِما؛ وقُوَّةِ ما فِيهِما مِنَ المَنافِعِ؛ لِحَصْرِ الخَلائِقِ؛ فَيَعْلَمُونَ – بِما في ذَلِكَ مِنَ الأحْكامِ؛ مَعَ جَرْيِ ما فِيهِما مِنَ الحَيَوانِ؛ الَّذِي خُلِقا لِأجْلِهِ؛ عَلى غَيْرِ انْتِظامٍ – أنَّ وراءَ هَذِهِ الدّارِ دارًا؛ يُثْبَتُ فِيها الحَقُّ؛ ويُنْفى الباطِلُ ويُظْهَرُ العَدْلُ؛ ويَضْمَحِلُّ الجَوْرُ؛ فَيَقُولُونَ – تَضَرُّعًا إلَيْهِ؛ وإقْبالًا عَلَيْهِ -: {رَبَّنا}؛ أيْ: أيُّها المُحْسِنُ إلَيْنا؛ {ما خَلَقْتَ هَذا}؛ أيْ: الخَلْقَ العَظِيمَ؛ المُحْكَمَ؛ {باطِلا}؛ أيْ: لِأجْلِ هَذِهِ الدّارِ الَّتِي لا تُفْصَلُ فِيها عَلى ما شَرَعْتَ القَضايا؛ ولا تَنْصِفُ فِيها الرُّعاةُ الرَّعايا؛ بَلْ إنَّما خَلَقْتَهُ لِأجْلِ دارٍ أُخْرى؛ يَكُونُ فِيها مَحْضُ العَدْلِ؛ ويَظْهَرُ فِيها الفَصْلُ.
ولَمّا كانَ الِاقْتِصارُ عَلى هَذِهِ الدّارِ؛ مَعَ ما يُشاهِدُهُ مِن ظُهُورِ الأشْرارِ؛ نَقْصًا ظاهِرًا؛ وخَلَلًا بَيِّنًا؛ نَزَّهُوهُ عَنْهُ؛ فَقالُوا: {سُبْحانَكَ}؛ وفي ذَلِكَ تَعْلِيمُ العِبادِ أدَبَ الدُّعاءِ؛ بِتَقْدِيمِ الثَّناءِ قَبْلَهُ؛ وتَنْبِيهٌ عَلى أنَّ العَبْدَ كُلَّما غَزُرَتْ مَعْرِفَتُهُ؛ زادَ خَوْفُهُ؛ فَزادَ تَضَرُّعُهُ؛ فَإنَّهُ يَحْسُنُ مِنهُ كُلُّ شَيْءٍ؛ مِن تَعْذِيبِ الطّائِعِ؛ وغَيْرِهِ؛ ولَوْلا أنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ؛ لَكانَ الدُّعاءُ بِدَفْعِهِ عَبَثًا؛ وما أحْسَنَ خَتْمَها! حِينَ تَسَبَّبَ عَمّا مَضى تَيَقُّنُهم أنَّ أمامَنا دارًا يَظْهَرُ فِيها العَدْلُ؛ مِمّا هو شَانُ كُلِّ أحَدٍ في عَبِيدِهِ؛ فَيُعَذِّبُ فِيها العاصِيَ؛ ويُنَعِّمُ فِيها الطّائِعَ؛ كَما هو دَابُ كُلِّ مَلِكٍ في رَعِيَّتِهِ؛ بِقَوْلِهِمْ – رَغْبَةً في الخَلاصِ في تِلْكَ الدّارِ -: {فَقِنا عَذابَ النّارِ}؛ عَلى وجْهٍ جَمَعَ بَيْنَ ذِكْرِ العَذابِ المُخْتَتَمِ بِهِ آيَةُ مُحِبِّي المَحْمَدَةِ بِالباطِلِ؛ والنّارِ المُحَذَّرِ مِنها فِي: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النّارِ} [آل عمران: (185)] انتهى من تفسير الدرر للبقاعي
قال ابن عاشور:
وقَوْلُهُ {رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلًا} وما بَعْدَهُ جُمْلَةٌ واقِعَةٌ مَوْقِعَ الحالِ عَلى تَقْدِيرِ قَوْلٍ: أيْ يَتَفَكَّرُونَ قائِلِينَ: رَبَّنا إلَخْ لِأنَّ هَذا الكَلامَ أُرِيدَ بِهِ حِكايَةُ قَوْلِهِمْ بِدَلِيلِ ما بَعْدَهُ مِنَ الدُّعاءِ.
فَإنْ قُلْتَ: كَيْفَ تَواطَأ الجَمِيعُ مِن أُولِي الألْبابِ عَلى قَوْلِ هَذا التَّنْزِيهِ والدُّعاءِ عِنْدَ التَّفْكِيرِ مَعَ اخْتِلافِ تَفْكِيرِهِمْ وتَأثُّرِهِمْ ومَقاصِدِهِمْ. قُلْتُ: يُحْتَمَلُ أنَّهم تَلَقَّوْهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ ? فَكانُوا يُلازِمُونَهُ عِنْدَ التَّفَكُّرِ وعَقِبِهِ، ويُحْتَمَلُ أنَّ اللَّهَ ألْهَمَهم إيّاهُ فَصارَ هَجِّيراهم مِثْلَ قَوْلِهِ تَعالى {وقالُوا سَمِعْنا وأطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا} [البقرة: (285)] الآياتِ. ويَدُلُّ لِذَلِكَ حَدِيثُ ابْنُ عَبّاسٍ في الصَّحِيحِ قالَ: بِتُّ عِنْدَ خالَتِي مَيْمُونَةَ «فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ ? فَمَسَحَ النَّوْمَ عَنْ وجْهِهِ ثُمَّ قَرَأ العَشْرَ الآياتِ مِن سُورَةِ آلِ عِمْرانَ» إلى آخِرِ الحَدِيثِ.
ويَجُوزُ عِنْدِي أنْ يَكُونَ قَوْلُهُ {رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلًا} حِكايَةً لِتَفَكُّرِهِمْ في نُفُوسِهِمْ، فَهو كَلامُ النَّفْسِ يَشْتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ المُتَفَكِّرِينَ لِاسْتِوائِهِمْ في صِحَّةِ التَّفَكُّرِ لِأنَّهُ تَنَقَّلَ مِن مَعْنًى إلى مُتَفَرِّعٍ عَنْهُ، وقَدِ اسْتَوى أُولُو الألْبابِ المُتَحَدَّثِ عَنْهم هُنا في إدْراكِ هَذِهِ المَعانِي، فَأوَّلُ التَّفْكِيرِ أنْتَجَ لَهم أنَّ المَخْلُوقاتِ لَمْ تُخْلَقْ باطِلًا، ثُمَّ تَفَرَّعَ عَنْهُ تَنْزِيهُ اللَّهِ وسُؤالِهِ أنْ يَقِيَهم عَذابَ النّارِ، لِأنَّهم رَأوْا في المَخْلُوقاتِ طائِعًا وعاصِيًا، فَعَلِمُوا أنَّ وراءَ هَذا العالَمِ ثَوابًا وعِقابًا، فاسْتَعاذُوا أنْ يَكُونُوا مِمَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ كَلِمَةُ العَذابِ. وتَوَسَّلُوا إلى ذَلِكَ بِأنَّهم بَذَلُوا غايَةَ مَقْدُورِهِمْ في طَلَبِ النَّجاةِ إذِ اسْتَجابُوا لِمُنادِي الإيمانِ وهو الرَّسُولُ – عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ -، وسَألُوا غُفْرانَ الذُّنُوبِ، وتَكْفِيرَ السَّيِّئاتِ، والمَوْتَ عَلى البِرِّ إلى آخِرِهِ. فَلا يَكادُ أحَدٌ مِن أُولِي الألْبابِ يَخْلُو مِن هَذِهِ التَّفَكُّراتِ ورُبَّما زادَ عَلَيْها، ولَمّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ وشاعَتْ بَيْنَهُمُ، اهْتَدى لِهَذا التَّفْكِيرِ مَن لَمْ يَكُنِ انْتَبَهَ لَهُ مِن قَبْلُ فَصارَ شائِعًا بَيْنَ المُسْلِمِينَ بِمَعانِيهِ وألْفاظِهِ. …… وفصل في بقية الآيات
قال ابن عثيمين:
جواز التوسل في الدعاء بالأعمال الصالحة؛ لقولهم: {فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا} عطفًا على قولهم: {رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا}، والتوسل بالأعمال الصالحة مما ثبت بالسنة أيضًا، في قصة الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار بصخرة عظيمة.
======
بيان الوسيلة في آيات القرآن الكريمة
سورة النساء الآية 75:
قال تعالى
رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75).سورة النساء
قال ابن الجوزي:
قَوْلُهُ تَعالى: {واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ ولِيًّا} قالَ أبُو سُلَيْمانَ: سَألُوا اللَّهَ ولِيًّا مِن عِنْدِهِ يَلِي إخْراجَهم مِنها
قال ألآلوسي:
قال تعالى {واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ ولِيًّا} يَلِي أمْرَنا حَتّى يُخَلِّصَنا مِن أيْدِي الظَّلَمَةِ، وكِلا الجارَّيْنِ مُتَعَلِّقٌ بِـ (اجْعَلْ) لِاخْتِلافِ مَعْنَيْهِما، وتَقْدِيمُهُما عَلى المَفْعُولِ الصَّرِيحِ لِإظْهارِ الِاعْتِناءِ بِهِما، وإبْرازِ الرَّغْبَةِ في المُؤَخَّرِ بِتَقْدِيمِ أحْوالِهِ، وتَقْدِيمُ اللّامِ عَلى (مِن) لِلْمُسارَعَةِ إلى إبْرازِ كَوْنِ المَسْؤُولِ نافِعًا لَهم مَرْغُوبًا فِيهِ لَدَيْهِمْ، وجُوِّزَ أنْ يَكُونَ (مِن لَدُنْكَ) مُتَعَلِّقًا بِمَحْذُوفٍ وقَعَ حالًا مِن (ولِيًّا) وكَذا الكَلامُ في قَوْلِهِ تَعالى:
{واجْعَلْ لَنا مِن لَدُنْكَ نَصِيرًا}.
في التفسير الميسر: وما الذي يمنعكم -أيها المؤمنون- عن الجهاد في سبيل نصرة دين الله، ونصرة عباده المستضعفين من الرجال والنساء والصغار الذين اعتُدي عليهم، ولا حيلة لهم ولا وسيلة لديهم إلا الاستغاثة بربهم، يدعونه قائلين: ربنا أخرجنا من هذه القرية -يعني “مكة “- التي ظَلَم أهلها أنفسهم بالكفر والمؤمنين بالأذى، واجعل لنا من عندك وليّاً يتولى أمورنا، ونصيرًا ينصرنا على الظالمين؟