195 و 196 و 197 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
وشارك عاطف وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
باب في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
195 – السَّابعُ: عنْ أَبِي سَعيد الْخُدْرِيِّ رضي اللَّه عنه عن النَّبِيِّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “إِيَّاكُم وَالْجُلُوسَ في الطرُقاتِ”فقَالُوا: يَا رسَولَ اللَّه مَالَنَا مِنْ مَجالِسنَا بُدٌّ، نَتحدَّثُ فِيهَا، فَقَالَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلاَّ الْمَجْلِس فَأَعْطُوا الطَّريقَ حَقَّهُ”قالوا: ومَا حَقُّ الطَّرِيقِ يَا رسولَ اللَّه؟ قَالَ:”غَضُّ الْبَصَر، وكَفُّ الأَذَى، ورَدُّ السَّلامِ، وَالأَمْرُ بالْمعْروفِ، والنَّهْيُ عنِ الْمُنْكَرَ” متفقٌ عَلَيهِ.
قال النووي:” هذا الحديث كثير الفوائد، وهو من الأحاديث الجامعة، وأحكامه ظاهرة، وينبغي أن يجتنب الجلوس في الطرقات لهذا الحديث، ويدخل في كف الأذى اجتناب الغيبة، وظن السوء، وإحقار بعض المارين، وتضييق الطريق، وكذا إذا كان القاعدون ممن يهابهم المارون، أو يخافون منهم، ويمتنعون من المرور في أشغالهم بسبب ذلك؛ لكونهم لا يجدون طريقا إلا ذلك الموضع (شرح النووي)
(إياكم) للتحذير. قال ابن عثيمين:” هذه الصيغة صيغة تحذير، يعني أحذركم من الجلوس على الطرقات، وذلك لأن الجلوس على الطرقات يؤدي إلى كشف عورات الناس؛ الذاهب والراجع، وإلى النظر فيما معهم من الأغراض التي قد تكون خاصة مما لا يحبون أن يطلع عليها أحد، وبما يفضي أيضاً إلى الكلام والغيبة فيمن يمر، إذا مرَّ من عندهم أحد أخذوا يتكلمون في عرضه.” (شرح الرياض)
(الطرقات) قال ابن علان:”يلحق بالطريق ما في معناها من الجلوس في الحوانيت، وفي الشبابيك المشرفة على المارة حيث يكون في غير العلوّ.” (دليل الفالحين 2/ 477)
قوله: (قالوا ما لنا من مجالسنا بد) القائل ذلك هو أبو طلحة وهو بين من روايته عند مسلم. (فتح الباري)
قال الفيومي -رحمه الله-: لا بد من كذا؛ أي: لا محيد عنه، ولا يعرف استعماله إلا مقرونا بالنفي (المصباح المنير)
قال ابن حجر:” تبين من سياق الحديث أن النهي عن ذلك للتنزيه لئلا يضعف الجالس عن أداء الحق الذي عليه، وأشار بغض البصر إلى السلامة من التعرض للفتنة بمن يمر من النساء وغيرهن، وبكف الأذى إلى السلامة من الاحتقار والغيبة ونحوها، وبرد السلام إلى إكرام المار، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى استعمال جميع ما يشرع وترك جميع ما لا يشرع، وفيه حجة لمن يقول بأن سد الذرائع بطريق الأولى لا على الحتم لأنه نهى أولا عن الجلوس حسما للمادة، فلما قالوا: ” ما لنا منها بد ” ذكر لهم المقاصد الأصلية للمنع. فعرف أن النهي الأول للإرشاد إلى الأصلح، ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة، لندبه أولا إلى ترك الجلوس مع ما فيه من الأجر لمن عمل بحق الطريق، وذلك أن الاحتياط لطلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة. (فتح الباري)
قوله: (فقالوا: يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها)، قال عياض: فيه دليل على أن أمره لهم لم يكن للوجوب وإنما كان على طريق الترغيب والأولى إذ لو فهموا الوجوب لم يراجعوه هذه المراجعة وقد يحتج به من لا يرى الأوامر على الوجوب. قلت: ويحتمل أن يكونوا رجوا وقوع النسخ تخفيفا لما شكوا من الحاجة إلى ذلك. (فتح الباري)
قوله: (غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) ذكر ابن حجر روايات أخرى فيها زيادات ثم قال بعد ذلك:”ومجموع ما في هذه الأحاديث أربعة عشر أدبا وقد نظمتها في ثلاثة أبيات وهي:
جمعت آداب من رام الجلوس على الطـ … ر يق من قول خير الخلق إنسانا
أفش السلام وأحسن في الكلام وشمـ … مت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن وأغث … لهفان أهد سبيلا وأهد حيرانا
بالعرف مر وانه عن نكر وكف أذى … وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا ” (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” خمسة أشياء:
أولاً: غض البصر: أن تغضوا أبصاركم عمن يمر، سواء كان رجلاً أو امرأة، لأن المرأة يجب أن يغض الإنسان من بصره عنها. والرجل كذلك، تغض المرأة البصر عنه، لا تُحد البصر فيه حتى تعرف ما معه.
ثانياً: كف الأذى: أي كفّ الأذى القولي والفعلي.
أما الأذى القولي فبأن يتكلموا على الإنسان إذ مرّ، أو يتحدثوا فيه بعد ذلك بالغيبة والنميمة.
والأذى الفعلي: بان يضايقوه في الطريق، بحيث يملؤون الطريق حتى يؤذوا المارة، ولا يحصل المرور إلا بتعب ومشقة.
ثالثاً: ردُ السلام: إذا سلم أحد فردوا عليه السلام، هذا من حق الطريق؛ لأن السنة أن المار يسلم على الجالس، فإذا كانت السنة أن يسلم المار على الجالس فإذا سلم فردوا السلام.
رابعاً: الأمر المعروف: فالمعروف هو كلّ ما أمر الله تعالى به أو أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك تأمر به، فإذا رأيتم أحداً مقصراً سواء كان من المارين أو من غيرهم فأمروه بالمعروف، وحثوه على الخير ورغبوه فيه.
خامساً: النهي عن المنكر: فإذا رأيتم أحداً مرّ وهو يفعل المنكر، مثل أن يمرّ وهو يشرب الدخان أو ما أشبه ذلك من المنكرات، فأنهوه عن ذلك، فهذا حق الطريق. (شرح الرياض 2/ 442)
وقال النووي:” والمقصود منه أنه يكره الجلوس على الطرقات للحديث ونحوه، وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى علة النهي من التعرض للفتن والإثم بمرور النساء وغيرهن، وقد يمتد نظر إليهن أو فكر فيهن، أو ظن سوء فيهن أو في غيرهن من المارين، ومن أذى الناس باحتقار من يمر، أو غيبة أو غيرها، أو إهمال رد السلام في بعض الأوقات، أو إهمال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحو ذلك من الأسباب التي لو خلا في بيته سلم منها، ويدخل في الأذى أن يضيق الطريق على المارين، أو يمتنع النساء ونحوهن من الخروج في أشغالهن بسبب قعود القاعدين في الطريق، أو يجلس بقرب باب دار إنسان يتأذى بذلك، أو حيث يكشف من أحوال الناس شيئا يكرهونه. وأما حسن الكلام فيدخل فيه حسن كلامهم في حديثهم بعضهم لبعض، فلا يكون فيه غيبة، ولا نميمة، ولا كذب، ولا كلام ينقص المروءة، ونحو ذلك من الكلام المذموم، ويدخل فيه كلامهم للمار من رد السلام، ولطف جوابهم له، وهدايته للطريق، وإرشاده لمصلحته، ونحو ذلك.” (شرح النووي)
قال ابن حجر:” وقد اشتملت على معنى علة النهي عن الجلوس في الطرق من التعرض للفتن بخطور النساء الشواب وخوف ما يلحق من النظر إليهن من ذلك إذ لم يمنع النساء من المرور في الشوارع لحوائجهن ومن التعرض لحقوق الله وللمسلمين مما لا يلزم الإنسان إذا كان في بيته وحيث لا ينفرد أو يشتغل بما يلزمه ومن رؤية المناكير وتعطيل المعارف فيجب على المسلم الأمر والنهي عند ذلك. فإن ترك ذلك فقد تعرض للمعصية وكذا يتعرض لمن يمر عليه ويسلم عليه فإنه ربما كثر ذلك فيعجز عن الرد على كل مار ورده فرض فيأثم والمرء مأمور بأن لا يتعرض للفتن وإلزام نفسه ما لعله لا يقوى عليه فندبهم الشارع إلى ترك الجلوس حسما للمادة فلما ذكروا له ضرورتهم إلى ذلك لما فيه من المصالح من تعاهد بعضهم بعضا ومذاكرتهم في أمور الدين ومصالح الدنيا وترويح النفوس بالمحادثة في المباح دلهم على ما يزيل المفسدة من الأمور المذكورة” (فتح الباري)
قال فيصل آل مبارك:” في هذ الحديث: استحباب ترك الجلوس في الطريق، وأنَّ مَنْ جلس فعليه القيام، بما ذكر من غض البصر عما لا يحل، وكف الأذى بفعل أو قول، وإذا رأى ما يعجبه فليقل: ما شاء الله، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.” (تطريز رياض الصالحين)
196 – الثَّامنْ: عن ابنِ عباسٍ رضي اللَّه عنهما أَن رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم رأى خَاتماً مِنْ ذَهَبٍ في يَد رَجُلٍ، فَنَزعَهُ فطَرحَهُ وقَال: “يَعْمَدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيجْعلهَا في يَدِهِ، “فَقِيل لِلرَّجُل بَعْدَ مَا ذَهَبَ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم: خُذْ خَاتمَكَ، انتَفعْ بِهِ. قَالَ: لا واللَّه لا آخُذُهُ أَبَداً وقَدْ طَرحهُ رسولُ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم. رواه مسلم.
قوله (خاتما) فيها لغات، نظمها الحافظ العراقي -رحمه الله-، بقوله:
خذ عد نظم لغات الخاتم انتظمت … ثمانيا ما حواها قبل نظام
خاتام خاتم ختم خاتم وختا … م خاتيام وخيتوم وخيتام
وهمز مفتوح تاء تاسع وإذا … ساغ القياس أتم العشر خأتام
قوله: (رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فطرحه) قال النووي:” فيه إزالة المنكر باليد لمن قدر عليها ” (شرح مسلم)
قال القاري:” هذا أبلغ في بيان الإنكار، ولذا قدمه – صلى الله عليه وسلم – في قوله: “من رأى منكم منكرا فليغيره بيده. .” الحديث (المرقاة في شرح المشكاة 8/ 180)
قال الأتيوبي:” قال في “التنبيه” نقلا عن الدمياطي: إنه طلحة بن عبيد الله – رضي الله عنه -.” (البحر المحيط الثجاج 34/ 270)
وقال أيضا:” فطرحه لكونه محرما، ولعل الرجل لم يبلغه التحريم. (المصدر نفسه)
قال ابن علان:” (فيجعلها في يده) أي: في أصبعه مجاز مرسل من إطلاق الكل وإرادة الجزء كقوله تعالى: {يجعلون أصابعهم في آذانهم} (البقرة: 19) والمجعول الأنملة لا الأصبع كله. ولما كانت زينتها زينة لليد عبر به” (دليل الفالحين 1/ 353)
وأما قوله صلى الله عليه وسلم حين نزعه من يد الرجل: (يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده) قال النووي:” ففيه تصريح بأن النهي عن خاتم الذهب للتحريم.
قال القرطبي:” هذا يدل على تغليظ التحريم، وأن لباس خاتم الذهب من المنكر الذي يجب
تغييره ” (المفهم 5/ 409)
قال الطيبي رحمه الله: قوله: “يعمد أحدكم” فيه من التأكيد أنه أخرج الإنكاري مخرج الإخباري، وعمم الخطاب بعد نزع الخاتم من يده، وطرحه، فدل على غضب عظيم، وتهديد شديد، ومن ثم لما قيل لصاحبه: خذ خاتمك، وانتفع به، قال: لا، والله.” (الكاشف عن حقائق السنن” 9/ 2913)
وأما قول صاحب هذا الخاتم حين قالوا له: خذه: ” لا آخذه وقد طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم “، قال القرطبي رحمه الله: قولهم هذا للرجل يدل على أنهم علموا أن المحرم إنما هو لبسه، لا اتخاذه، ولا الانتفاع به، وهذا لا يختلف فيه في الخاتم، فإن لبسه للنساء جائز، بخلاف سائر أواني الذهب والفضة، فإن اتخاذها غير جائز؛ لأنه لا يجوز استعمالها لأحد، وقد تقدم الخلاف في ذلك” (المفهم 5/ 409)
قال أيضا: “قول الرجل هذا مبالغة في طاعة رسول الله – صلى الله عليه وسلم -فيكون الرجل قد نوى أن يدفع لمن يستحقه من المساكين، لا أنه أضاعه، فإنه – صلى الله عليه وسلم – قد نهى عن إضاعة المال.” (المفهم 5/ 409)
قال النووي:” ففيه المبالغة في امتثال أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم واجتناب نهيه، وعدم الترخص فيه بالتأويلات الضعيفة، ثم إن هذا الرجل إنما ترك الخاتم على سبيل الإباحة لمن أراد أخذه من الفقراء وغيرهم، وحينئذ يجوز أخذه لمن شاء، فإذا أخذه جاز تصرفه فيه، ولو كان صاحبه أخذه لم يحرم عليه الأخذ والتصرف فيه بالبيع وغيره، ولكن تورع عن أخذه وأراد الصدقة به على من يحتاج إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينهه عن التصرف فيه بكل وجه، وإنما نهاه عن لبسه، وبقي ما سواه من تصرفه على الإباحة.” (شرح مسلم)
فيه تعظيم الصحابة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم و حرصهم على امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم والآثار في ذلك كثير و مضى منها في باب المحافظة على السنة وآدابها، روى ابن ماجه أن أبا هريرة، قالَ لِرَجلٍ: يا ابنَ أخي، إذا حدَّثتُكَ عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ حديثًا، فلا تَضرِبْ لَهُ الأمثالَ. (صححه الألباني)
وفي البخاري ومسلم عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ، أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ” وجاء في رواية أبي داود قَالَ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَلْزَقُ مَنْكِبَهُ بِمَنْكِبِ صَاحِبِهِ، وَرُكْبَتَهُ بِرُكْبَةِ صَاحِبِهِ، وَكَعْبَهُ بِكَعْبِهِ.
وأخرج أبوداد والترمذي عن أَبِي جُرَيٍّ جَابِرِ بْنِ سُلَيْمٍ قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم اعْهَدْ إِلَيَّ. قَالَ: ” لَا تَسُبَّنَّ أَحَدًا “. قَالَ: فَمَا سَبَبْتُ بَعْدَهُ حُرًّا وَلَا عَبْدًا، وَلَا بَعِيرًا وَلَا شَاةً.
وفي سنن أبي داود عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنَ الْمَسْجِدِ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ: ” اسْتَاخِرْنَ؛ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ، عَلَيْكُنَّ بِحَافَاتِ الطَّرِيقِ “. فَكَانَتِ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ، حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ.
قال ابن باز:” تركه من شدة امتثالهم لأمر الله وحرصهم على طاعة الله ورسوله كره الخاتم بالكلية وتركه في الأرض من شدة كراهته للشيء الذي كرهه الرسول عليه الصلاة والسلام ” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 400)
قال ابن عثيمين:” في هذا الحديث دليلٌ على استعمال الشدة في تغيير المنكر إذا دعت الحاجة إلى ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل له: إن الذهب حرام فلا تلبسه، أو فاخلعه؛ بل هو بنفسه خلعه وطرحه في الأرض.” (2/ 445و 446)
قال الأتيوبي:” (لا والله، لا آخذه) “لا” الثانية مؤكدة للأولى، (أبدا)؛ أي: فيما يستقبل من الزمان” (البحر المحيط الثجاج 34/ 720)
قال ابن عثيمين:” الشيء الذي تحصل به المعصية أو ترك الواجب، لا حرج على الإنسان أن يتلفه انتقاماً من نفسه بنفسه، كما فعل نبي الله سليمان عليه الصلاة والسلام، حين عُرضت عليه الخيل الجياد، ولهى بها حتى غربت الشمس فاشتغل بها عن صلاة العصر ففاتته، ثم دعا بها عليه الصلاة والسلام وجعل يضربها، يعقرها ويقطع أعناقها، كما قال تعالى: (فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ) (صّ: 33)، أتلفها انتقاماً من نفسه، لرضا الله عزّ وجلّ.
فإذا رأى الإنسان أن شيئاً من ماله ألهاه عن طاعة الله، وأراد أن يتلفه أنتقاماً من نفسه وتعزيزاً لها، فإن ذلك لا بأس به.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 2/ 447)
قال ابن جرير: وقال آخرون: بل جعل يمسح أعرافها وعراقيبها بيده حُبًّا لها.
* ذكر من قال ذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله (فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالأعْنَاقِ) يقول: جعل يمسح أعراف الخيل وعراقيبها: حبا لها.
وهذا القول الذي ذكرناه عن ابن عباس أشبه بتأويل الآية، لأن نبيّ الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم لم يكن إن شاء الله ليعذب حيوانًا بالعرقبة، ويهلك مالا من ماله بغير سبب، سوى أنه اشتغل عن صلاته بالنطر إليها، ولا ذنب لها باشتغاله بالنظر إليها.
«تفسير الطبري = جامع البيان ط دار التربية والتراث» (21/ 196)
قال البغوي … :
وقال بعضهم: إنه ذبحها ذبحا وتصدق بلحومها، وكان الذبح على ذلك الوجه مباحا في شريعته. تفسير البغوي
قال ابن عطية: واختلف الناس في قصص هذه الخيل المعروضة، فقال الجمهور: إن سليمان عليه السلام عرضت عليه آلاف من الخيل تركها أبوه له، وقيل: ألف واحد فأجريت بين يديه عشاء، فتشاغل بحسنها وجريها ومحبتها حتى فاته وقت صلاة العشاء. قال قتادة: صلاة العصر ونحوه عن علي بن أبي طالب، فأسف لذلك، وقال: ردوا علي الخيل. قال الحسن: فطفق يضرب أعناقها وعراقيبها بالسيف عقرا لما كانت سبب فوت الصلاة، فأبدله الله أسرع منها: الريح. وقال قوم منهم الثعلبي: كانت بالناس مجاعة ولحوم الخيل لهم حلال، فإنما عقرها لتؤكل على وجه القربة لها ونحو الهدي عندنا، ونحو هذا ما فعله أبو طلحة الأنصاري بحائطه إذ تصدق به لما دخل عليه الدبسي في الصلاة فشغله.
«تفسير ابن عطية = المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز» (4/ 503)
قال ابن باز:” هذا معنى إنكار المنكر يقام عليه وإزالته باليد إن قدر فإن عجز فاللسان فإن عجز فالقلب وبهذا تقل المنكرات في الأسواق والمتاجر والبيوت وغير هذا أما إذا سكت هذا وسكت هذا وسكت هذا وكل واحد يقول: أنا غير مسؤول معناه ظهور المنكرات وحلول العقوبات.” (شرح رياض الصالحين لابن باز 1/ 400)
وقال أيضا:” إذا كان الإنسان في مكان ما فيه إلا هو رأى المنكر وجب عليه هو بعينه إذا كان في حارة مر رأى منكرا فيها ما عنده إلا هو وجب عليه، إما إذا كانوا جماعة فرأى واحد منهم فأزاله حصل المقصود لكن إذا ما كان فيه إلا هو يتعين عليه حسب طاقته” (المصدر نفسه)
قال ابن عثيمين:” معلوم أن هناك فرقاً بين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبين تغيير المنكر؛ لأن تغيير المنكر يكون من ذي سلطة قادر، مثل الأمير من جعل له تغييره، ومثل الرجل في أهل بيته، والمرأة في بيتها وما شابه ذلك. فهذا له السلطة أن يغير بيده، فإذا لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه.
أما الأمر فهو واجب بكلّ حال، الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر واجب بكل حال؛ لأنه ليس فيه تغيير، بل فيه أمر بالخير ونهي عن الشر، وفيه أيضاً دعوة إلى الخير والمعروف وإلى ترك المنكر، فهذه ثلاث مراتب: دعوة، وأمر ونهي، وتغيير ..
أما الدعوة: فمثل أن يقوم الرجل خطيبا في الناس، يعظهم ويذكرهم ويدعوهم إلى الهدى.
وأما الأمر: فإن يأمر أمراً موجهاً إلى شخص معين، أو إلى طائفة معينة. يا فلان احرص على الصلاة، واترك الكذب، اترك الغيبة، وما أشبه ذلك.
أما التغيير: فإن يغير هذا الشيء، يزيله من المنكر إلى المعروف، كما صنع النبي صلى الله عليه وسلم حين نزع الخاتم من صاحبه نزعاً، وطرحه على الأرض طرحاً.” (شرح رياض الصالحين 2/ 446)
من فوائد الحديث قال الأتيوبي:” بيان تحريم خاتم الذهب، قال ابن عبد البر رحمه الله: وهذا إنما هو للرجال دون النساء، في اللباس، دون التملك، وهو أمر لا خلاف فيه،
والله أعلم، وقال النووي: أجمع المسلمون على إباحة خاتم الذهب للنساء، وأجمعوا على تحريمه على الرجال، إلا ما حكي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه أباحه، وعن بعضهم: أنه مكروه، لا حرام، وهذان النقلان باطلان، فقائلهما محجوج بهذه الأحاديث التي ذكرها مسلم، مع إجماع من قبله على تحريمه له، مع قوله – صلى الله عليه وسلم – في الذهب والحرير: “إن هذين حرام على ذكور أمتي، حل لإناثها” قال: قال أصحابنا: ويحرم سن الخاتم إذا كان ذهبا، وإن كان باقيه فضة، وكذا لو موه خاتم الفضة بالذهب، فهو حرام. ” (البحر المحيط الثجاج 34/ 720)
من أفضل المؤلفات في أحكام الخواتيم، أحكام الخواتيم وما يتعلق بها لابن رجب الحنبلي.
قال ابن عثيمين:” لا يجوز للرجل أن يلبس خاتماً من ذهب، ولا أن يلبس قلادة من ذهب، ولا أن يلبس ثياباً فيها أزرّةٌ من ذهب، ولا غير ذلك، يجب أن يتجنب الذهب كله، وذلك أن الذهب إنما يلبسه من يحتاج إلى الزينة والتجمل، كالمرأة تتجمل لزوجها حتى يرغب فيها. قال الله عزّ وجلّ: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف: 18)، يعني النساء. فالنساء ينشأن في الحلية ويرُبين عليها (فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) أي عييّة لا تفُصح … أما لباس الفضة فلا بأس به، فيجوز أن يلبس الرجل خاتماً من فضة، ولكن بشرط أن لا يكون هناك عقيدة في ذلك … ليس التختم من الأمور المستحبة؛ بل هو من الأمور التي إذا دعت الحاجة إليها فعلت وإلا فلا تفعل، بدليل أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان لا يلبس الخاتم لكنه لما قيل له: إن الملوك والرؤساء لا يقبلون الكتاب إلا بختم، اتخذ خاتماً نقش في فصِّه: ” محمد رسول الله ” حتى إذا انتهى من الكتاب ختمه بهذا الخاتم. ” (شرح رياض الصالحين 2/ 444)
قال ابن عثيمين:” ومن فوائد هذا الحديث أيضاً: بيان كمال صدق الصحابة رضي الله عنهم في إيمانهم، فإن هذا الرجل لما قيل له: خذ خاتمك انتفع به. قال: لا آخذ خاتماً طرحه النبي عليه الصلاة والسلام، وذلك من كمال إيمانه رضي الله عنه. ولو كان ضعيف الإيمان، لأخذه وانتفع به؛ ببيعٍ أو بإعطائه أهله أو ما أشبه ذلك.
ومن فوائد هذا الحديث أيضاً: أن الإنسان يستعمل الحكمة في تغيير المنكر، فهذا الرجل استعمل معه النبي صلى الله عليه الصلاة والسلام شيئاً من الشدة. لكن الأعرابي الذي بال في المسجد لم يستعلم معه النبي عليه الصلاة والسلام الشدة، ولعل ذلك لأن هذا الذي لبس خاتم الذهب علم النبي عليه الصلاة والسلام أنه كان عالماً بالحكم ولكنه متساهل، بخلاف الأعرابي، فإنه كان جاهلاً لا يعرف، جاء ووجد هذه الفسحة في المسجد، فجعل يبول، يحسب نفسه أنه في البر!! ولما قال إليه الناس يزجرونه نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.
وكذلك استعمل النبي صلى الله عليه وسلم اللين مع معاوية بن الحكم السلمي- رضي الله عنه – حين تكلم في الصلاة، وكذلك مع الرجل الذي جامع زوجته في نهار رمضان، فلكلّ مقام مقال.
فعليك- يا أخي المسلم – أن تستعمل الحكمة في كل ما تفعل وكل ما تقول، فإن الله تعالى يقول في كتابه: (يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) (البقرة: 269) (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين 2/ 448 و 449)
197 – التَّاسِعُ: عَنْ أَبِي سعيدٍ الْحسنِ البصْرِي أَنَّ عَائِذَ بن عمْروٍ رضي اللَّه عنه دخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ زيَادٍ فَقَالَ: أَيْ بنيَّ، إِنِّي سمِعتُ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم يَقولُ: “إِنَّ شَرَّ الرِّعاءِ الْحُطَمَةُ “فَإِيَّاكَ أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ. فَقَالَ لَهُ: اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنت مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم، فَقَالَ: وهَلْ كَانَتْ لَهُمْ نُخَالَةٌ إِنَّمَا كَانَتِ النُّخالَةُ بَعْدَهُمْ وَفي غَيرِهِمْ، رواه مسلم.
الصحابي عَائِذَ بن عمْروٍ رضي اللَّه عنه دخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بنِ زيَادٍ أمير العراق، قال الذهبي عن عبيد بن زياد:” كان جميل الصورة، قبيح السريرة” سير أعلام النبلاء (3/ 545)
قوله: (أَيْ بنيَّ) – بفتح، فسكون – حرف لنداء القريب، أو البعيد، أو المتوسط، على خلاف في ذلك. (انظر: مغني اللبيب 1/ 159.)
قوله صلى الله عليه وسلم: (إن شر الرعاء الحطمة) قال القرطبي: “الحطمة” هنا هو الذي يشق على رعيته، ويلقي بعضها على بعض، ومنه سميت جهنم الحطمة، وأصلها من الحطم، وهو كسر الحطام، وقيل: هو الأكول، يقال: رجل حطمة: إذا كان كثير الأكل. (المفهم 4/ 25)
قال النووي:” قالوا: هو العنيف في رعيته لا يرفق بها في سوقها ومرعاها، بل يَحْطِمُها في ذلك وفي سقيها وغيره، ويزحم بعضها ببعض بحيث يؤذيها ويحطمها” (شرح النووي)
قال ابن باز:” الحطمة مثل الهمزة يعني الذي يحكم الرعية ولا يبالي بها، ولا يرفق بها، ولو كانت إبلا أو بقرا أو غنما؛ يعني: يسير بها للطرق الوعرة الطرق التي لا توصلها إلى الخصب والمرعى الطيب، أو يسلك لها مسالك ليس فيها ماء حتى يعرضها للظمأ والهلاك، هذا الراعي يسمى الحطمة يعني يحطمها صيغة مبالغة من الحطم وهو إيذاؤها وكسرها وظلمها والسير بها في الطرق الهلكة، كما أن الراعي للغنم أو البقر أو الابل يلزمه أن يرفق بها وأن يعتني بها ويتحرى مواضع الخصب ومواضع الماء والطرق السهلة اللينة هذا واجب عليه حتى يؤدي الأمانة، فإذا كان هذا في الغنم والإبل والبقر في البهائم فكيف بالذي يرعى الناس المكلفين الواجب علي أن يكون فوق ذلك؛ وأعظم من ذلك؛ لأن المكلفين مسلمون يلزمه أن يرعاهم رعاية كاملة من جهة الرحمة والعطف والإحسان والنصح وردع الظالم وإنصاف المظلموم وإيصال الحقوق إلى أهلها … ” (شرح رياض الصالحين لابن باز ص 402)
فيه دخول العالم على الأمير لنصحه.
قوله: (إنَّمَا أَنت مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ محمد) قال القاضي عياض – رحمه الله -: قوله: “إنما أنت من نخالة أصحاب محمد – صلى الله عليه وسلم -“: أراد تنقيصه، وذمه، وتصغيره، والنخالة: ما بقي من قشور الطعام بعد غربلته” (مشارق الأنور للقاضي عياض 2/ 6)
قال ابن الجوزي:” أنت من نخالة أصحاب محمد، أي من رذالتهم. وهذه جرأة قبيحة من ذلك الفاسق على أقوام قد عمهم الله بالشهادة لهم بالخير” (كشف المشكل 2/ 31)
قال النووي يعني: لست من فضلائهم وعلمائهم وأهل المراتب منهم، بل من سقطهم، والنخالة هنا استعارة من نخالة الدقيق، وهي قشوره، والنخالة والحقالة والحثالة بمعنى واحد. (شرح النووي)
قال ابن باز:” عبيدالله بن زياد كان رجلا جاهلا ظالما وسفيها؛ فهذا أجاب عائذا بجواب غير طيب (اجْلِسْ فَإِنَّمَا أَنت مِنْ نُخَالَةِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم) هذا جوابه لما نصحه، هذا يدل على السفه والجهل وقلة البصيرة وقلة الحياء” (شرح رياض الصالحين لاباز (1/ 403)
قوله: (وهل كانت لهم نخالة؟ إنما كانت النخالة بعدهم وفي غيرهم) قال القرطبي – رحمه الله -: وهذا الكلام من عائذ بن عمرو – رضي الله عنه -، وعظ، ونصيحة، وذكرى، لو صادفت من تنفعه الذكرى، لكنها صادفت غليظ الطبع، والفهم، ومن إذا قيل له: اتق الله أخذته العزة بالإثم، فلقد غلب عليه الجفاء، والجهالة حتى جعل فيمن اختاره الله لصحبة نبيه – صلى الله عليه وسلم – الحثالة، ونسبهم إلى النخالة، والرذالة، فهو معهم على الكلمة التي طارت وحلت: رمتني بدائها وانسلت، ولقد أحسن عائذ في الرد عليه، حيث أسمعه من الحق ما ملأ قلبه، وأصم أذنيه، فقال – ولم يبال بهجرهم -: وهل كانت النخالة إلا بعدهم، وفي غيرهم؟ وحثالة الشيء ورذالته، وسقطه: شراره” (المفهم 4/ 25)
قال النووي:” هذا من جزل الكلام وفصيحه وصدقه الذي ينقاد له كل مسلم، فإن الصحابة رضي الله عنهم كلهم هم صفوة الناس وسادات الأمة، وأفضل ممن بعدهم، وكلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم، وإنما جاء التخليط ممن بعدهم، وفيمن بعدهم كانت النخالة. (شرح النووي)
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: أمر الأمراء بالمعروف، ونهيهم عن المنكر برفق.” (تطريز رياض الصالحين ص 152)
قال الأتيوبي:” ينبغي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإن كان المأمور رئيس القوم، وأميرهم، يخاف بأسه؛ لأن هذا من الجهاد في سبيل الله – عز وجل -، وهذه صفة المؤمنين المخلصين الذين لا يخافون في الله لومة لائم، كما وصفهم الله – عز وجل – في محكم كتابه، ومدحهم، وأثنى عليهم بها، حيث قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [المائدة: 54].” (البحر المحيط الثجاج 31/ 743)