192 عون الصمد شرح الذيل على الصحيح المسند
جمع نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
————-
مسند أحمد
20279 – حدثنا إسماعيل، عن يونس، حدثني أبو العلاء بن الشخير، حدثني أحد بني سليم، ولا أحسبه إلا قد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ” أن الله يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله له، بارك الله له فيه، ووسعه، ومن لم يرض لم يبارك له ”
قلت سيف: على شرط الذيل على الصحيح المسند
ووقع عند الحاكم أحمد بن سليم؛ قال البيهقي: احسبه تصحيف والصواب أحد بني سليم؛ وبين أنه قد يكون؛ هو الصحابي أحمد بن سليم
——–
إن الله يبتلي العبد بما أعطاه من النعم ليمتحن شكره، و البركة لكي ينالها العبد أن يرضى بما أعطي كما جاء في الحديث عن عبد الله بن عمرو – رضي الله عَنْهُمَا – قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
قال العلامة السعدي معلقا على الحديث: وذلك أن هذه الثلاث جمعت خير الدين والدنيا، فإن العبد إذا هدي للإسلام الذي هو دين الله الذي لا يقبل دينا سواه، وهو مدار الفوز بالثواب والنجاة من العقاب، وحصل له الرزق الذي يكفيه ويكف وجهه عن سؤال الخلق، ثم تمم الله عليه النعمة، بأن قنعه بما آتاه، وحصل له الرضى بما أوتي من الرزق والكفاف، ولم تطمح نفسه لما وراء ذلك، فقد حصل له حسنة الدنيا والآخرة. ” بهجة قلوب الأبرار وقرة عيون الاخيار ” اه.
فمن لم يرض بما أعطاه الله بقي فقير القلب، والغنى أن يرضى ويقتنع بما أتاه الله، والله أعلم
[الشرح]
قوله (يَبْتَلِي عَبْدَهُ) على بناء الفاعل، أي: يظهر حاله للناس (وَوَسَّعَهُ) بكسر السين مخفف، أي: وسعه ذلك المقسوم بالبركة الإلهية. اهـ. [حاشية السندي على مسند الامام أحمد].
قال الصنعاني: (إن الله تعالى يبتلي العبد فيما أعطاه) من مال وجاه وغيرهما (فإن رضي بما قسم الله له بورك له فيه) ووسعه فيه بسبب الرضا (وإن لم يرض لم يبارك له ولم يزد على ما كتب له) وهو في بطن أمه كما سلف أنه يكتب رزقه وهو فيه. ” التنوير في شرح الجامع الصغير”
قال ابن تيمية: بين سبحانه أنه ليس كل من ابتلاه في الدنيا يكون قد أهانه بل هو يبتلي عبده بالسراء والضراء فالمؤمن يكون صبارا شكورا فيكون هذا وهذا خيرا له كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له}. ” المجموع” (8/ 75).
و قال أيضا: أنه ليس كل من حصل له نعم دنيوية تعد كرامة يكون الله عز وجل مكرما له بها ولا كل من قدر عليه ذلك يكون مهينا له بذلك؛ بل هو سبحانه يبتلي عبده بالسراء والضراء فقد يعطي النعم الدنيوية لمن لا يحبه. ولا هو كريم عنده ليستدرجه بذلك. وقد يحمي منها من يحبه ويواليه لئلا تنقص بذلك مرتبته عنده أو يقع بسببها فيما يكرهه منه. ” المجموع” (11/ 301).
قال ابن القيم: ثم ذكر حال الموسع عليهم في الدنيا والمقتر عليهم وأخبر أن توسعته على من وسع عليه وإن كان إكراماً له في الدنيا فليس ذلك إكراماً على الحقيقة ولا يدل على أنه كريم عنده من أهل كرامته ومحبته وأن تقتيره على من قتر عليه لا يدل على إهانته له وسقوط منزلته عنده بل يوسع ابتلاء وامتحاناً ويقتر ابتلاء وامتحاناً فيبتلى بالنعم كما يبتلى بالمصائب وسبحانه هو يبتلى عبده
بنعمة تجلب له نقمة وبنعمة تجلب له نعمة أخرى وبنقمة تجلب له نقمة أخرى وبنقمة تجلب له نعمة فهذا شأن نعمه ونقمه سبحانه. ” التبيان في أقسام القرآن” (ص 33).
[ابتلاء الله للعبد ليمتحن شكره و يبتليه بالشر ليمتحن صبره]
قال أبو الهيثم: البلاء يكون حسنًا ويكون سيئًا. وأصله المحنة، والله تعالى يبتلي عبده بالصنع الجميل ليمتحن شكره ويبلوه بالبلوى التي يكرهها ليمتحن صبره. ” عمدة الحفاظ في تفسير أشرف الألفاظ”
قال العلامة ابن عثيمين: فيُبتلى الإنسان بالخير ليبلوه الله عز وجل أيشكر أم يكفر، ويبتلى بالشر ليبلوه أيصبر أم يفجر، وأحوال الإنسان دائرة بين خير وشر، بين خير يلائمه ويسره، وبين شر لا يلائمه ولا يسره، وكله ابتلاء من الله، والإنسان بطبيعته الإنسانية المبنية على الظلم والجهل إذا ابتلاه ربه فأكرمه ونعمه يقول {رب أكرمن} يعني أنني أهل للإكرام ولا يعترف بفضل الله عز وجل، وهذا كقوله تعالى: {قال إنما أوتيته على علم عندي} [القصص: 78].
لما ذكر بنعمة الله عليه قال: {إنما أوتيته على علم عندي} ولم يعترف بفضل الله، وما أكثر الناس الذين هذه حالهم إذا أكرمهم الله عز وجل ونعمهم، قالوا: هذا إكرام من الله لنا؛ لأننا أهل لذلك، ولو أن الإنسان قال: إن الله أكرمني بكذا اعترافاً بفضله وتحدثاً بنعمته لم يكن عليه في ذلك بأس، {وأما إذا ما ابتلاه فقدر عليه رزقه} يعني ضيق عليه الرزق {فيقول ربي أهانن} يعني يقول إن الله تعالى ظلمني فأهانني ولم يرزقني كما رزق فلاناً، ولم يكرمني كما أكرم فلاناً، فصار عند الرخاء لا يشكر، يعجب بنفسه ويقول هذا حق لي، وعند الشدة لا يصبر بل يعترض على ربه ويقول {ربي أهانن} وهذا حال الإنسان باعتباره إنساناً، أما المؤمن فليس كذلك، المؤمن إذا أكرمه الله ونعّمه شكر ربه على ذلك، ورأى أن هذا فضل من الله عز وجل وإحسان، وليس من باب الإكرام الذي يقدم لصاحبه على أنه مستحق، وإذا ابتلاه الله عز وجل وقدر عليه رزقه صبر واحتسب، وقال هذا بذنبي، والرب عز وجل لم يهني ولم يظلمني، فيكون صابراً عند البلاء، شاكراً عند الرخاء، وفي الآيتين إشارة إلى أنه يجب على الإنسان أن يتبصر فيقول مثلاً: لماذا أعطاني الله المال؟ ماذا يريد مني؟ يريد مني أن أشكر. لماذا ابتلاني الله بالفقر، بالمرض وما أشبه ذلك؟ يريد مني أن أصبر. فليكن محاسباً لنفسه حتى لا يكون مثل حال الإنسان المبنية على الجهل والظلم ولهذا قال تعالى: {كلا} يعني لم يعطك ما أعطاك إكراماً لك لأنك مستحق ولكنه تفضل منه، ولم يهنك حين قدر عليك رزقه، بل هذا مقتضى حكمته وعدله. ” تفسير جزء عم “