191 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل:
191 – الإمام الدارمي رحمه الله (ج 1 ص 474): أخبرنا محمد بن عبد الله الرقاشي ثنا يزيد هو ابن زريع ثنا سعيد عن قتادة عن سالم بن أبي الجعد عن معدان بن أبي طلحة عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: «من سأل الناس مسألة وهو عنها غني كانت شينًا في وجهه».
هذا حديث صحيحٌ.
وقد أخرجه الإمام أحمد (ج 5 ص 281).
———
بوب عليه الشيخ مقبل في الجامع:
تحريم السؤال لغير حاجة
قال البغوي في شرح السنة:
بَابُ تَحْرِيمِ السُّؤَالِ إِلا مِنْ ضَرُورَةٍ وَوَعِيدِ السَّائِلِ
ثم أورد أحاديث بسنده نوردها مختصرة:
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَاتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةَ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ»، وَقَالَ: «إِنَّ الشَّمْسَ تَدْنُو يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَبْلُغَ الْعَرَقُ نِصْفَ الْأُذُنِ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ اسْتَغَاثُوا بِآدَمَ، ثُمَّ بِمُوسَى، ثُمَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ».
هَذَا حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنْ أَبِي الطَّاهِرِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ، عَنِ اللَّيْثِ
قَوْلُهُ: «مُزْعَةُ لَحْمٍ»، أَيْ: قِطْعَةُ لَحْمٍ، يُقَالُ: مَزَعْتُ اللَّحْمَ: إِذَا قَطَعْتُهُ، وَهَذَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا، مِنْهَا: أَنَّهُ يَاتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاقِطًا ذَلِيلا لَا جَاهَ لَهُ وَلا قَدْرَ، مِنْ قَوْلِهِمْ: لِفُلانٍ وَجْهٌ فِي النَّاسِ، أَيْ: قَدْرٌ وَمَنْزِلَةٌ.
وَمِنْهَا: أَنْ يَكُونَ وَجْهُ الَّذِي يُلْقَى بِهِ عَظْمًا لَا لَحْمَ عَلَيْهِ، إِمَّا أَنْ تَكُونَ الْعُقُوبَةُ نَالَتْ مَوْضِعَ الْجِنَايَةِ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ عَلامَةً وَشِعَارًا يُعْرَفُ بِهِ، لَا مِنْ عُقُوبَةٍ مَسَّتْهُ فِي وَجْهِهِ.
ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ
عَنْ حُبْشِيِّ بْنِ جُنَادَةَ السَّلُولِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهُوَ وَاقِفٌ بِعَرَفَةَ، أَتَاهُ أَعْرَابِيٌّ، فَأَخَذَ بِطَرَفِ رِدَائِهِ، فَسَأَلَهُ إِيَّاهُ، فَأَعْطَاهُ وَذَهَبَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ حَرُمَتِ الْمَسْأَلَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ، وَلا لِذِي مِرَّةٍ سَوِيٍّ إِلا لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ غُرْمٍ مُفْظِعٍ، وَمَنْ سَأَلَ النَّاسَ لِيُثْرِيَ بِهِ مَالَهُ، كَانَ خُمُوشًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَرَضْفًا يَاكُلهُ مِنْ جَهَنَّمَ، فَمَنْ شَاءَ فَلْيُقِلَّ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيُكْثِرْ»
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ
قَوْلُهُ: «لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ»، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: الدَّقَعُ: الْخُضُوعُ فِي طَلَبِ الْحَاجَةِ مَاخُوذٌ مِنَ الدَّقْعَاءِ، وَهُوَ التُّرَابُ، يَعْنِي الْفَقْرَ الَّذِي يُفْضِي بِهِ إِلَى التُّرَابِ، لَا يَكُونُ عِنْدَهُ مَا يَقِي بِهِ التُّرَابُ.
وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الدَّقَعُ: سُوءُ احْتِمَالِ الْفَقْرِ، وَالْخُمُوشُ: الْخُدُوشُ، وَالرَّضَفُ: الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ.
وَقَدْ صَحَّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ أَمْوَالَهُمْ تَكَثُّرًا، فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا، فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ فَلْيَسْتَكْثِرْ»
عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدُّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ إِلا أَنْ يَسأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا، أَوْ فِي أَمْرٍ لَا بُدَّ مِنْهُ».
قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ
عَنْ كِنَانَةَ الْعَدَوِيِّ، قَالَ: كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ، إِذْ جَاءَهُ نَفَرٌ مِنْ قَوْمِهِ يَسْتَعِينُونَهُ فِي نِكَاحِ رَجُلٍ مِنْهُمْ، فَأَبَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ شَيْئًا، فَانْطَلَقُوا مِنْ عِنْدِهِ، قَالَ كِنَانَةُ: فَقُلْتُ لَهُ: أَنْتَ سَيِّدُ قَوْمِكَ، وَأَتَوْكَ يَسْأَلُونَكَ، فَلَمْ تُعْطِهِمْ شَيْئًا؟! قَالَ: أَمَّا فِي مِثْلِ هَذَا، فَلا أُعْطِي شَيْئًا، وَلَوْ عَصَبَهُ بِقِدٍّ حَتَّى يَقْحَلَ، لَكَانَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَسْأَلَ فِي مِثْلِ هَذَا، وَسَأُخْبِرُكَ عَنْ ذَلِكَ، إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فِي قَوْمِي، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي تَحَمَّلْتُ بِحَمَالَةٍ فِي قَوْمِي، أَتَيْتُكَ لِتُعِينَنِي فِيهَا، قَالَ: «بَلْ نَحْمِلُهَا عَنْكَ يَا قَبِيصَةُ، وَنُؤَدِّيهَا إِلَيْهِمْ مِنَ الصَّدَقَةِ»، ثُمَّ قَالَ: ” يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ حَرُمَتْ إِلا فِي إِحْدَى ثَلاثٍ: فِي رَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشِهِ، ثُمَّ يُمْسِكُ، وَفِي رَجُلٍ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ ثَلاثَةُ نَفَرٍ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ قَدْ حَلَّتْ لَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ الْقِوَامَ مِنَ الْعَيْشِ ثُمَّ يُمْسِكُ، وَفِي رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ، فَيَسْأَلُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَمْسَكَ، وَمَا كَانَ
غَيْرُ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ سُحْتٌ يَاكُلُهُ صَاحِبُهُ سُحْتًا”.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
الْقَحْلُ: الْتِزَاقُ الْجِلْدِ بِالْعَظْمِ مِنَ الْهُزَالِ.
قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ: مَعْنَاهُ لَوْ عَصَبَهُ بِقِدٍّ، أَيْ لَوْ شَدَّهُ بِقِدٍّ حَتَّى يُهْزَلَ، فَلَصَقَ جِلْدُهُ بِعَظْمِهِ
عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلا لِثَلاثَةٍ: رَجُلٍ تَحَمَّلَ بِحَمَالَةٍ بَيْنَ قَوْمٍ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ، فَاجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَيَسْأَلُ حَتَّى يُصِيبَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، أوْ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٍ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَشْهَدَ لَهُ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ أَنْ قَدْ أَصَابَتْهُ حَاجَةٌ، وأَنْ قَدْ حَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَسَائِلِ سُحْتٌ “.
هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ، أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ
قَوْلُهُ: «تَحَمَّلَ حَمَالَةً»، أَيْ: تَكَفَّلَ كَفَالَةً، وَالْحَمِيلُ: الْكَفِيلُ وَالسِّدَادُ، بِكَسْرِ السِّينِ: كُلُّ شَيْءٍ سَدَدْتَ بِهِ خَلَلا، وَمِنْهُ: سِدَادُ الْقَارُورَةِ، وَهُوَ صِمَامُهَا، وَالسَّدَادُ بِفَتْحِ السِّينِ: الإِصَابَةُ فِي الْمَنْطِقِ وَالتَّدْبِيرِ، وَكَذَلِكَ فِي الرَّمْيِ وَنَحْوِهِ.
وَالسُّحْتُ: الْحَرَامُ.
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [الْمَائِدَة: 42]، أَيْ: لِلْحَرَامِ، يَعْنِي الرِّشَا فِي الْحُكْمِ، سُمِّيَ سُحْتًا، لِأَنَّهُ يُسْحِتُ الْبَرَكَةَ، فَيَذْهَبُ بِهَا، يُقَالُ: سَحَتَهُ وَأَسْحَتَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} [طه: 61]، وَقِيلَ: سُمِّيَ سُحْتًا لِأَنَّهُ مُهْلِكٌ، يُقَالُ: سَحَتَهُ اللَّهُ، أَيْ: أَهْلَكَهُ وَأَبْطَلَهُ.
وَفِقْهُ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ مَنْ يَحِلُّ لَهُ الْمَسْأَلَةَ مِنَ النَّاسِ ثَلاثَةً: غَنِيًّا، وَفَقِيرَيْنِ، فَالْغَنِيُّ صَاحِبُ الْحَمَالَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْقَوْمِ تَشَاحُنٌ فِي دَمٍ أَوْ مَالٍ، فَسَعَى رَجُلٌ فِي إِصْلاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ ….
عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا بَيْنَنَا؟ فَقَالَ: «نَعَمْ، يَسْأَلُ الرَّجُلُ فِي الْفَتْقِ يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَوْمِهِ، فَإِذَا بَلَغَ أَوْ كَرَبَ أَمْسَكَ»
أَرَادَ بِالْفَتْقِ: الْحَرْبَ تَقَعُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، فَيَكُونُ فِيهَا الْجِرَاحَاتِ
عَنْ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ رَجُلا قَالَ لَهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَوْمٌ نَتَسَاءَلُ أَمْوَالَنَا، فَقَالَ: «يَسْأَلُ الرَّجُلُ فِي الْجَائِحَةِ وَالْفَتْقِ، فَإذَا اسْتَغْنَى أوْ كَرَبَ اسْتَعَفَّ»
قَوْلُهُ: «كَرَبَ»، أَيْ: قَرُبَ وَدَنَا
شرح السنة للبغوي (6/ 119)
قال النووي:
تَحِلُّ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ لِلْأَغْنِيَاءِ بِلَا خِلَافٍ فَيَجُوزُ دَفْعُهَا إلَيْهِمْ وَيُثَابُ دَافِعُهَا عَلَيْهَا وَلَكِنَّ الْمُحْتَاجَ أَفْضَلُ
قَالَ أَصْحَابُنَا وَيُسْتَحَبُّ لِلْغَنِيِّ التَّنَزُّهُ عَنْهَا وَيُكْرَهُ التَّعَرُّضُ لِأَخْذِهَا قَالَ صَاحِبُ الْبَيَانِ وَلَا يَحِلُّ لِلْغَنِيِّ أَخْذُ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ صَحِيحٌ وَعَلَيْهِ حُمِلَ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ ” أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ مَاتَ فَوُجِدَ لَهُ دِينَارَانِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيَّتَانِ مِنْ نَارٍ ” وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (وَأَمَّا) إذَا سَأَلَ الْغَنِيُّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فَقَدْ قَطَعَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَالسَّرَخْسِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ قَالَ صَاحِبُ إذَا كَانَ غَنِيًّا عَنْ الْمَسْأَلَةِ بِمَالٍ أَوْ بِضَيْعَةٍ فَسُؤَالُهُ حَرَامٌ وَمَا يَاخُذُهُ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ هذا لفظه وقال الغزالي وغيره من اصحابنا فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ فِي تَحْرِيمِ السُّؤَالِ عَلَى الْقَادِرِ عَلَى الْكَسْبِ وَجْهَانِ قَالُوا وَظَاهِرُ الْأَخْبَارِ تَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهِ وَهُوَ كَمَا قَالُوا فَفِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ تَشْدِيدٌ أَكِيدٌ فِي النَّهْيِ عَنْ السُّؤَالِ وَظَوَاهِرُ كَثِيرَةٌ تَقْتَضِي التَّحْرِيمَ (وَأَمَّا) السُّؤَالُ لِلْمُحْتَاجِ الْعَاجِزِ عَنْ الْكَسْبِ فَلَيْسَ بِحَرَامٍ وَلَا مكروه صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ
المجموع شرح المهذب (6/ 239)
قال ابن قدامة:
فصل في بيان تحريم السؤال من غير ضرورة وآداب الفقير المضطر في السؤال
اعلم: أنه قد ورد في السؤال أحاديث في النهى عنه، وفى الترخيص فيه.
أما الترخيص: فكقوله صلى الله عليه وآله وسلم: “للسائل حق وإن جاء على فرس”: وفى بعض الأحاديث: “ردوا السائل ولو بظلف محرق”. ولو كان السؤال حراماً، لما جاز إعانة المعتدى على عدوانه، والإعطاء إعانة.
وأما أحاديث النهى عن السؤال: فروى ابن عمر رضى الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: “لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى الله عز وجل وليس في وجهه مزعة لحم” أخرجاه في “الصحيحين”.
وفيهما أيضاً: أنه صلى الله عليه وآله وسلم ذكر التعفف عن المسألة فقال: “اليد العليا خير من اليد السفلي”. واليد العليا المعطية، والسفلي السائلة.
وفى حديث ابن مسعود رضى الله عنه: أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال:” من سأل وله ما يغنيه، جاءت مسألته يوم القيامة خدوشاً أو كدوحاً في وجهه” إلى آخره.
وهو حديث حسن، وفى المعنى أحاديث كثيرة.
وكشف الغطاء في هذا أن نقول: السؤال في الأصل حرام، لأنه لا ينفك عن ثلاثة أمور:
أحدها: الشكوى.
والثاني: إذلال نفسه، وما ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه.
والثالث: إيذاء المسؤول غالباً.
وإنما يباح السؤال في حال الضرورة والحاجة المهمة القريبة من الضرورة، أما المضطر، فهو كسؤال الجائع عند خوفه على نفسه موتاً أو مرضاً، وكسؤال العاري الذي ليس له ما يواريه.
وأما المحتاج حاجة مهمة فهو كمن له جبة ولا قميص تحتها في الشتاء، فهو يتأذى بالبرد تأذيا لا ينتهي إلى حد الضرورة، فكذلك من يقدر على المشي لكن بمشقة، يجوز له أن يسأل أجرة يكترى بها للركوب، وتركه أولى، ومن وجد الخبز وهو محتاج إلى الأدم، فله أن يسأل مع الكراهة، وكذلك إذا سأل المحمل من هو قادر على الراحلة.
وينبغى في مثل هذه المسألة أن يظهر الشكر لله تعالى، ولا يسأل سؤال محتاج بل يقول: أنا مستغن بما أملكه، وإنما النفس تطالبني، فيخرج بهذا عن حد الشكوى لله تعالى.
وينبغى أن يسأل أباه أو قريبه أو صديقه الذي لا ينقص بذلك في عينه، أو السخي الذي أعد ماله للمكارم، فيخرج بذلك من الذل.
وإن أخذ ممن يعلم أنه إنما أعطاه حياءً، لم يجز له الأخذ، ويجب رده إلى صاحبه.
ولا يجوز للفقير أن يسأل إلا مقدار ما يحتاج إليه، من بيت يكنه، وثوب يستره، وطعام يقيمه.
ويراعى في هذه الأشياء ما يدفع الزمان من غير تنوق في شئ من ذلك، فإن كان يعلم أنه يجد من يسأله كل يوم، لم يجز أن يسأل أكثر من قوت يومه وليلته، وإن خاف أن لا يجد من يعطيه، أو خاف أن يعجز عن السؤال، أبيح له السؤال أكثر من ذلك.
ولا يجوز له في الجملة أن يسأل فوق ما يكفيه لسنته، وعلى هذا يتنزل الحديث المروى في تقدير الغنى بخمسين درهماً، فإنها تكفى المنفرد المقتصد لسنة، فأما ذو العائلة فلا.
مختصر منهاج القاصدين (ص321)
قال ابن تيمية:
السؤال محرَّمٌ إلاّ عند الحاجة إليه، وظاهر مذهب أحمد أنه لو وجد ميتةً عند الضرورة ويُمكِنه السؤال جاز له أكلُ الميتةِ، ولا يسأل الناس شيئًا، ولو ترك أكل الميتة وماتَ [ماتَ] عاصيًا، ولو ترك السؤالَ وماتَ لم يَمُتْ عاصيًا، والأحاديث في تحريم السؤال كثيرة جدًّا نحو بضعة عشر حديثًا في الصحاح والسنن، وفي سؤال الناس مفاسدُ: الذّلّ لهم، والشرك بهم، والإيذاء لهم، وفيها ظلم نفسه بالذل لغير الله – عزّ وجل – وظلمٌ الخلق بسؤالهم أموالهم، قال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن عباس: «إذا سالتَ فاسألِ الله، وإذا استعنتَ فاستعنْ / بالله»
المسائل والأجوبة لابن تيمية (ص197)
قال ابن القيم:
[فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ التَّوَكُّلُ مَعَ إِسْقَاطِ الطَّلَبِ]
فَصْلٌ
قَالَ: الدَّرَجَةُ الثَّانِيَةُ: التَّوَكُّلُ مَعَ إِسْقَاطِ الطَّلَبِ، وَغَضُّ الْعَيْنِ عَنِ السَّبَبِ؛ اجْتِهَادًا لِتَصْحِيحِ التَّوَكُّلِ، وَقَمْعًا لِشَرَفِ النَّفْسِ، وَتَفَرُّغًا إِلَى حِفْظِ الْوَاجِبَاتِ.
قَوْلُهُ: مَعَ إِسْقَاطِ الطَّلَبِ. أَيْ مِنَ الْخَلْقِ لَا مِنَ الْحَقِّ. فَلَا يَطْلُبُ مِنْ أَحَدٍ شَيْئًا. وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ الْكَلَامِ وَأَنْفَعِهِ لِلْمُرِيدِ. فَإِنَّ الطَّلَبَ مِنَ الْخَلْقِ فِي الْأَصْلِ مَحْظُورٌ، وَغَايَتُهُ: أَنْ يُبَاحَ لِلضَّرُورَةِ، كَإِبَاحَةِ الْمَيْتَةِ لِلْمُضْطَرِّ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ. وَكَذَلِكَ كَانَ شَيْخُنَا يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ الطَّلَبُ وَالسُّؤَالُ.
وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي السُّؤَالِ: هُوَ ظُلْمٌ فِي حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ، وَظُلْمٌ فِي حَقِّ الْخَلْقِ، وَظُلْمٌ فِي حَقِّ النَّفْسِ.
أَمَّا فِي حَقِّ الرُّبُوبِيَّةِ فَلِمَا فِيهِ مِنَ الذُّلِّ لِغَيْرِ اللَّهِ، وَإِرَاقَةِ مَاءِ الْوَجْهِ لِغَيْرِ خَالِقِهِ، وَالتَّعَوُّضِ عَنْ سُؤَالِهِ بِسُؤَالِ الْمَخْلُوقِينَ، وَالتَّعَرُّضِ لِمَقْتِهِ إِذَا سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ يَوْمَهُ.
وَأَمَّا فِي حَقِّ النَّاسِ فَبِمُنَازَعَتِهِمْ مَا فِي أَيْدِيهِمْ بِالسُّؤَالِ، وَاسْتِخْرَاجِهِ مِنْهُمْ. وَأَبْغَضُ مَا إِلَيْهِمْ مَنْ يَسْأَلُهُمْ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَأَحَبُّ مَا إِلَيْهِمْ مَنْ لَا يَسْأَلُهُمْ. فَإِنَّ أَمْوَالَهُمْ مَحْبُوبَاتُهُمْ، وَمَنْ سَأَلَكَ مَحْبُوبَكَ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِمَقْتِكَ وَبُغْضِكَ.
وَأَمَّا ظُلْمُ السَّائِلِ نَفْسَهُ فَحَيْثُ امْتَهَنَهَا، وَأَقَامَهَا فِي مَقَامِ ذُلِّ السُّؤَالِ. وَرَضِيَ لَهَا بِذُلِّ الطَّلَبِ مِمَّنْ هُوَ مِثْلُهُ، أَوْ لَعَلَّ السَّائِلَ خَيْرٌ مِنْهُ وَأَعْلَى قَدْرًا. وَتَرَكَ سُؤَالَ مِنْ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11]. فَقَدْ أَقَامَ السَّائِلُ نَفْسَهُ مَقَامَ الذُّلِّ، وَأَهَانَهَا بِذَلِكَ. وَرَضِيَ أَنْ يَكُونَ شَحَّاذًا مِنْ شَحَّاذٍ مِثْلِهِ. فَإِنَّ مَنْ تَشْحَذُهُ فَهُوَ أَيْضًا شَحَّاذٌ مِثْلُكُ. وَاللَّهُ وَحْدَهُ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ
فَسُؤَالُ الْمَخْلُوقِ لِلْمَخْلُوقِ سُؤَالُ الْفَقِيرِ لِلْفَقِيرِ، وَالرَّبُّ تَعَالَى كُلَّمَا سَأَلْتَهُ كَرُمْتَ عَلَيْهِ، وَرَضِيَ عَنْكَ، وَأَحَبَّكَ. وَالْمَخْلُوقُ كُلَّمَا سَأَلْتَهُ هُنْتَ عَلَيْهِ وَأَبْغَضَكَ وَمَقَتَكَ وَقَلَاكَ، كَمَا قِيلَ:
اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ … وَبَنِيُّ آدَمَ حِينَ يُسْأَلُ يَغْضَبُ
وَقَبِيحٌ بِالْعَبْدِ الْمُرِيدِ: أَنْ يَتَعَرَّضَ لِسُؤَالِ الْعَبِيدِ. وَهُوَ يَجِدُ عِنْدَ مَوْلَاهُ كُلَّ مَا يُرِيدُهُ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ: «كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِسْعَةً – أَوْ ثَمَانِيَةً، أَوْ سَبْعَةً – فَقَالَ: أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ وَكُنَّا حَدِيثِي عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ. فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟ فَقَالَ: أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ – وَأَسَرَّ كَلِمَةً خَفِيَّةً – وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا. قَالَ: وَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا أَنْ يُنَاوِلَهُ إِيَّاهُ».
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِأَحَدِكُمْ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ مِزْعَةُ لَحْمٍ».
وَفِيهِمَا أَيْضًا عَنْهُ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ – وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَذَكَرَ الصَّدَقَةَ وَالتَّعَفُّفَ عَنِ الْمَسْأَلَةِ – وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى. وَالْيَدُ الْعُلْيَا هِيَ الْمُنْفِقَةُ، وَالسُّفْلَى هِيَ السَّائِلَةُ»
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ تَكَثُّرًا فَإِنَّمَا يَسْأَلُ جَمْرًا. فَلْيَسْتَقِلَّ أَوْ لِيَسْتَكْثِرْ».
وَفِي التِّرْمِذِيِّ عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ كَدٌّ يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَهُ، إِلَّا أَنْ يَسْأَلَ الرَّجُلُ سُلْطَانًا، أَوْ فِي الْأَمْرِ الَّذِي لَا بُدَّ مِنْهُ». قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ صَحِيحٌ.
وَفِيهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَرْفُوعًا: «مَنْ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ، فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ. وَمَنْ أَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ».
وَفِي السُّنَنِ وَالْمُسْنَدِ عَنْ ثَوْبَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَكَفَّلَ لِي أَنْ لَا يَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا، أَتَكَفَّلُ لَهُ بِالْجَنَّةِ، فَقُلْتُ: أَنَا. فَكَانَ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا شَيْئًا».
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ قَبِيصَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ. وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ. فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ – أَوْ قَالَ: سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ – وَرَجُلُ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَى مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فَلَانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ – أَوْ قَالَ: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ – فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ فَسُحْتٌ يَاكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا»
فَالتَّوَكُّلُ مَعَ إِسْقَاطِ هَذَا الطَّلَبِ وَالسُّؤَالِ هُوَ مَحْضُ الْعُبُودِيَّةِ
مدارج السالكين (2/ 130 ط الكتاب العربي)
قال ابن مفلح:
[فَصْلٌ فِي تَحْرِيمِ السُّؤَالِ حَتَّى عَلَى مَنْ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَذَمِّهِ وَتَقْبِيحِهِ]
ِ) مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ مِنْ زَكَاةٍ وَصَدَقَةِ تَطَوُّعٍ وَكَفَّارَةٍ وَنَذْرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَهُ طَلَبُهُ وَعَنْهُ يَحْرُمُ الطَّلَبُ دُونَ الْأَخْذِ عَلَى مَنْ لَهُ غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ نَقَلَهَا الْأَثْرَمُ وَابْنُ مَنْصُورٍ، وَعَنْهُ بَلَى عَلَى مَنْ لَهُ غَدَاءٌ أَوْ عَشَاءٌ، نَقَلَهُ عَنْهُ صَالِحٌ وَجَعْفَرٌ، وَعَنْهُ يَحْرُمُ الطَّلَبُ عَلَى مَنْ لَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا وَإِنْ جَازَ لَهُ الْأَخْذُ نَقَلَهُ مُهَنَّا، وَعَنْهُ تَحْرُمُ الْمَسْأَلَةُ عَلَى مَنْ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ مُطْلَقًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، وَفِي ذَمِّ السُّؤَالِ وَالنَّهْيِ عَنْهُ وَأَنَّ الْمَسْأَلَةَ تَجِيءُ فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُدُوشٌ وَأَنَّهُ يَسْتَكْثِرُ مِنْ جَمْرِ جَهَنَّمَ وَنَحْو ذَلِكَ أَخْبَارٌ كَثِيرَةٌ مَشْهُورَةٌ.
وَقَالَ مُؤْنِسٌ:
إنَّ الْوُقُوفَ عَلَى الْأَبْوَابِ حِرْمَانٌ … وَالْعَجْزُ أَنْ يَرْجُوَ الْإِنْسَانَ إنْسَانُ
مَتَى تُؤَمِّلُ مَخْلُوقًا وَتَقْصِدُهُ … إنْ كَانَ عِنْدَكَ بِالرَّحْمَنِ إيمَانُ
ثِقْ بِاَلَّذِي هُوَ يُعْطِي ذَا وَيَمْنَعُ ذَا … فِي كُلِّ يَوْمٍ لَهُ فِي خَلْقِهِ شَانُ
وَقَالَ آخَرُ
مَنْ يَسْأَلْ النَّاسَ يَحْرِمُوهُ … وَسَائِلُ اللَّهِ لَا يَخِيبُ
قَالَ آخَرُ:
وَمَتَى تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَارْجُ الْغِنَى … وَإِلَى الَّذِي يَهَبُ الرَّغَائِبَ فَارْغَبْ
وَقَالَ آخَرُ:
لَا تَحْسَبَنَّ الْمَوْتَ مَوْتَ الْبِلَى … فَإِنَّمَا الْمَوْتُ سُؤَالُ الرِّجَالِ
كِلَاهُمَا مَوْتٌ وَلَكِنَّ ذَا … أَشَدُّ مِنْ ذَاكَ لِذُلِّ السُّؤَالِ
وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ أَنَّ سَعْدَ اللَّهِ بْنَ نَصْرِ الدَّجَاجِيَّ الْحَنْبَلِيَّ يُكَنَّى أَبَا الْحَسَنِ تُوُفِّيَ فِي سَنَةِ أَرْبَع وَسِتِّينَ وَخَمْسِمِائَةٍ تَفَقَّهَ وَنَاظَرَ وَوَعَظَ قَالَ كُنْت خَائِفًا مِنْ الْخَلِيفَةِ لِحَادِثٍ نَزَلَ فَاخْتَفَيْت فَرَأَيْت فِي الْمَنَامِ كَأَنِّي فِي غُرْفَةٍ أَكْتُبُ شَيْئًا، فَجَاءَ رَجُلٌ فَوَقَفَ بِإِزَائِي وَقَالَ اُكْتُبْ مَا أُمْلِي عَلَيْك:
ادْفَعْ بِصَبْرِكَ حَادِثَ الْأَيَّامِ … وَتَرَجَّ لُطْفَ الْوَاحِدِ الْعَلَّامِ
لَا تَيْأَسَنَّ وَإِنْ تَضَايَقَ كَرْبُهَا … وَرَمَاك رَيْبُ صُرُوفِهَا بِسِهَامِ
فَلَهُ تَعَالَى بَيْنَ ذَلِكَ فُرْجَةٌ … تَخْفَى عَلَى الْأَبْصَارِ وَالْأَفْهَامِ
كَمْ مَنْ نَجَا مِنْ بَيْنِ أَطْرَافِ الْقَنَا … وَفَرِيسَةٍ سَلِمَتْ مِنْ الضِّرْغَامِ
وَقَالَ مَحْمُودُ الْوَرَّاقُ:
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ الذُّلِّ بُدٌّ … فَالْقَ بِالذُّلِّ إنْ لَقِيت الْكِبَارَا
لَيْسَ إجْلَالُك الْكَبِير بِذُلٍّ … إنَّمَا الذُّلُّ أَنْ تُجِلَّ الصِّغَارَا
وَقَالَ أَيْضًا:
بَخِلْت وَلَيْسَ الْبُخْلُ مِنِّي سَجِيَّةً … وَلَكِنْ رَأَيْت الْفَقْرَ شَرُّ سَبِيلِ
لَمَوْتُ الْفَتَى خَيْرٌ مِنْ الْبُخْلِ لِلْفَتَى … وَلَلْبُخْلُ خَيْرٌ مِنْ سُؤَالِ بَخِيلِ
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «انْتِظَارُ الْفَرَجِ عِبَادَةٌ».
وَيُرْوَى لِأَبِي مِحْجَنٍ الثَّقَفِيِّ:
عَسَى فَرَجٌ يَاتِي مِنْ اللَّهِ إنَّهُ … لَهُ كُلُّ يَوْمٍ فِي خَلِيقَتِهِ أَمْرُ
عَسَى مَا تَرَى أَنْ لَا يَدُومَ وَأَنْ تَرَى … لَهُ فَرَجًا مِمَّا أَلَحَّ بِهِ الدَّهْرُ
إذَا اشْتَدَّ عُسْرٌ فَارْجُ يُسْرًا فَإِنَّهُ … قَضَى اللَّهُ إنَّ الْعُسْرَ يَتْبَعُهُ الْيُسْرُ
وَقَالَ آخَرُ:
لَعَمْرُكَ مَا كُلُّ التَّعَطُّلِ ضَائِرٌ … وَلَا كُلُّ شُغْلٍ فِيهِ لِلْمَرْءِ مَنْفَعَهْ
إذَا كَانَتْ الْأَرْزَاقُ فِي الْقُرْبِ وَالنَّوَى … عَلَيْك سَوَاءٌ فَاغْتَنِمْ لَذَّةَ الدَّعَهْ
وَإِنْ ضِقْت يَوْمًا يُفْرِجُ اللَّهُ مَا تَرَى … أَلَا رُبَّ ضِيقٍ فِي عَوَاقِبِهِ سَعَهْ
وَقَالَ آخَرُ:
اصْبِرْ عَلَى الدَّهْرِ إنْ أَصْبَحْت مُنْغَمِسًا … بِالضِّيقِ فِي لُجَجٍ تَهْوِي إلَى لُجَجِ
فَمَا تَجَرَّعَ كَاسَ الصَّبْرِ مُعْتَصِمٌ … بِاَللَّهِ إلَّا آتَاهُ اللَّهُ بِالْفَرَجِ
وَقَالَ آخَرُ:
هَوِّنْ عَلَيْك فَكُلُّ الْأَمْرِ مُنْقَطِعٌ … وَخَلِّ عَنْك عَنَانَ الْهَمِّ يَنْدَفِعُ
فَكُلُّ هَمٍّ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ فَرَجٌ … وَكُلُّ أَمْرٍ إذَا مَا ضَاقَ يَتَّسِعُ
إنَّ الْبَلَاءَ وَإِنْ طَالَ الزَّمَانُ بِهِ … فَالْمَوْتُ يَقْطَعُهُ أَوْ سَوْفَ يَنْقَطِعُ
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ خَرَجْت حَاجًّا فَضَاقَ صَدْرِي فَجَعَلْت أَقُولُ:
أَرَى الْمَوْتَ لِمَنْ أَمْسَى … عَلَى الذُّلِّ لَهُ أَصْلَحُ
فَإِذَا بِهَاتِفٍ مِنْ وَرَاءِي يَقُولُ:
أَلَا أَيُّهَا الْمَرْءُ الَّذِي … الْهَمُّ بِهِ بَرَّحْ
إذَا ضَاقَ بِك الصَّدْرُ … تَفَكَّرْ فِي أَلَمْ نَشْرَحْ
الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 280)
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
أَثَرُ الْغِنَى فِي تَحْرِيمِ السُّؤَال:
12 – بَيَّنَ الرَّسُول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ تَحِل لَهُ الْمَسْأَلَةُ، فَقَال لِقَبِيصَةَ بْنِ الْمُخَارِقِ: يَا قَبِيصَةُ، إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِل إِلَاّ لأَِحَدِ ثَلَاثَةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّل حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكَ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ، أَوْ قَال: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ، حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَال: سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ – يَا قَبِيصَةُ – سُحْتًا يَاكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا
قَال ابْنُ قُدَامَةَ: فَمَدَّ إِبَاحَةِ الْمَسْأَلَةِ إِلَى وُجُودِ إِصَابَةِ الْقِوَامِ أَوِ السِّدَادِ؛ وَلأَِنَّ الْحَاجَةَ هِيَ الْفَقْرُ، وَالْغِنَى ضِدُّهَا، فَمَنْ كَانَ مُحْتَاجًا فَهُوَ فَقِيرٌ يَدْخُل فِي عُمُومِ النَّصِّ، وَمَنِ اسْتَغْنَى دَخَل فِي عُمُومِ النُّصُوصِ الْمُحَرِّمَةِ لِلسُّؤَال.
وَيَتَّفِقُ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الْغَنِيَّ يَحْرُمُ عَلَيْهِ سُؤَال الصَّدَقَةِ، وَلَكِنَّهُمْ يَخْتَلِفُونَ فِي تَقْدِيرِ الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ السُّؤَال.
يَقُول الْكَاسَانِيُّ: الْغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ السُّؤَال هُوَ: أَنْ يَكُونَ لِلانْسَانِ سِدَادُ عَيْشٍ، بِأَنْ كَانَ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، لِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَال: مَنْ سَأَل وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنَ النَّارِ، فَقَالُوا: يَا رَسُول اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَال: قَدْرُ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ
وَذَكَرَ الْحَطَّابُ نَقْلاً عَنْ التَّمْهِيدِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَأَل وَلَهُ قِيمَةُ أُوقِيَّةٍ فَقَدْ أَلْحَفَ الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ السُّؤَال مَكْرُوهٌ لِمَنْ لَهُ أُوقِيَّةٌ مِنْ فِضَّةٍ.
وَفَرَّقَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ بَيْنَ الْغِنَى بِالنِّسْبَةِ إِلَى سُؤَال صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَبَيْنَ سُؤَال الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ، فَقَالُوا: غَيْرُ الْمُحْتَاجِ مَنْ عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى طَلَبِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، أَوْ قُوتُ سَنَةٍ بِالنِّسْبَةِ إِلَى سُؤَال الزَّكَاةِ الْوَاجِبَةِ، فَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ ذَلِكَ حَرُمَ عَلَيْهِ الاخْذُ مُطْلَقًا، أَيْ سَوَاءٌ كَانَ مَا يَاخُذُهُ مِنَ الْمُتَصَدِّقِ وَاجِبًا عَلَيْهِ كَالزَّكَاةِ، أَوْ كَانَ تَطَوُّعًا.
وَفِي نِهَايَةِ الْمُحْتَاجِ: يُكْرَهُ التَّعَرُّضُ لأَِخْذِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ وَإِنْ لَمْ يَكْفِهِ مَالُهُ أَوْ كَسْبُهُ إِلَاّ يَوْمًا وَلَيْلَةً، وَسُؤَال الْغَنِيِّ حَرَامٌ إِنْ وَجَدَ مَا يَكْفِيهِ هُوَ وَمَنْ يَمُونُهُ يَوْمَهُمْ وَلَيْلَتَهُمْ، وَسُتْرَتَهُ، وَآنِيَةٌ يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، وَالاوْجَهُ جَوَازُ سُؤَال مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ بَعْدَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ إِنْ كَانَ السُّؤَال عِنْدَ نَفَادِ ذَلِكَ غَيْرَ مُتَيَسِّرٍ، وَإِلَاّ امْتَنَعَ، وَقَيَّدَ بَعْضُهُمْ غَايَةَ ذَلِكَ بِسَنَةٍ، وَنَازَعَ الاذْرَعِيُّ فِي التَّحْدِيدِ بِهَا، ثُمَّ قَال فِي النِّهَايَةِ: وَمَعْلُومٌ أَنَّ سُؤَال مَا اعْتِيدَ سُؤَالُهُ – مِنْ قَلَمٍ وَسِوَاكٍ – مِنَ الاصْدِقَاءِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّا لَا يُشَكُّ فِي رِضَا بَاذِلِهِ وَإِنْ عَلِمَ غِنَى آخِذِهِ لَا حُرْمَةَ فِيهِ وَلَوْ عَلَى الْغَنِيِّ، لاِعْتِيَادِ الْمُسَامَحَةِ بِهِ، ثُمَّ قَال أَيْضًا فِي النِّهَايَةِ: وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ
وَغَيْرِهِ: مَتَى أَذَلّ نَفْسَهُ أَوْ أَلَحَّ فِي السُّؤَال أَوْ آذَى الْمَسْئُول حَرُمَ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ مُحْتَاجًا، كَمَا أَفْتَى بِهِ ابْنُ الصَّلَاحِ.
وَفِي شَرْحِ الْمِنْهَاجِ نَقْلاً عَنْ الْحَاوِي: الْغَنِيُّ بِمَالٍ أَوْ بِصَنْعَةٍ سُؤَالُهُ حَرَامٌ، وَمَا يَاخُذُهُ حَرَامٌ عَلَيْهِ.
وَفِي الْفُرُوعِ مِنْ كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ: مَنْ أُبِيحَ لَهُ أَخْذُ شَيْءٍ أُبِيحَ لَهُ سُؤَالُهُ، وَعَنِ الامَامِ أَحْمَدَ: يَحْرُمُ السُّؤَال لَا الاخْذُ عَلَى مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ غَدَاءً وَعَشَاءً، ذَكَرَ ابْنُ عَقِيلٍ أَنَّهُ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ، وَيَكُونُ هَذَا هُوَ الْغِنَى الَّذِي يَمْنَعُ السُّؤَال، وَعَنْ أَحْمَدَ: غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، وَعَنْهُ: إِذَا كَانَ عِنْدَهُ خَمْسُونَ دِرْهَمًا، ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الْخَلَاّل، وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْمِنْهَاجِ: إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ يَجِدُ مَنْ يَسْأَلُهُ كُل يَوْمٍ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَسْأَل أَكْثَر مِنْ قُوتِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَإِنْ خَافَ أَنْ لَا يَجِدَ مَنْ يُعْطِيهِ أَوْ خَافَ أَنْ يَعْجِزَ عَنِ السُّؤَال أُبِيحَ لَهُ السُّؤَال أَكْثَر مِنْ ذَلِكَ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ فِي الْجُمْلَةِ أَنْ يَسْأَل فَوْقَ مَا يَكْفِيهِ لِسَنَةٍ، وَعَلَى هَذَا يَنْزِل الْحَدِيثُ فِي الْغِنَى بِخَمْسِينَ دِرْهَمًا، فَإِنَّهَا تَكْفِي الْمُنْفَرِدَ الْمُقْتَصِدَ لِسَنَتِهِ
الموسوعة الفقهية الكويتية (31/ 284)
قال ابن عثيمين:
هذه الأحاديث في بيان الوعيد لمن سأل الناس أموالهم بغير ضرورة. ففي حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من سأل الناس أموالهم تكثراً، فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر))، يعني من سأل الناس أموالهم ليكثر بها ماله، فإنما يسأل جمراً فليستقل أو ليستكثر، إن استكثر زاد الجمر عليه، وإن استقل قلَّ الجمر عليه، وإن ترك سلم من الجمر ففي هذا دليلٌ على أن سؤال الناس بلا حاجة من كبائر الذنوب.
ثم ذكر أحاديث منها أن من أنزل حاجته بالناس، وفاقته بالناس فإنها لا تقضى حاجته؛ لأن من تعلق شيئاً وُكِل إليه، ومن وكل إلى الناس أمره، فإنه خائب لا تقضى حاجته، ويستمر دائماً يسأل ولا يشبع، ومن أنزلها بالله عز وجلَّ واعتمد على الله وتوكل عليه، وفعل الأسباب التي أمر بها؛ فإنه يوشك أن تقضى حاجته؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول: (ُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِه) (الطلاق: 3).
وذكر حديث قبيصة أنه جاء يسأل النبي صلى الله عليه وسلم في حمالة تحملها، فأمره أن يقيم عنده حتى تأتيه الصدقة فيأمر له بها، وذكر صلى الله عليه وسلم أن المسألة لا تحل إلا لواحد من ثلاثة:
رجل تحمل حمالة، يعني التزم ذمته لإصلاح ذات البين، فهذا يعطى وله أن يسأل حتى يصيبها، ثم يمسك ولا يسأل.
ورجل آخر أصابته جائحة اجتاحت ماله، كنارٍ وغرق وعدوٍ وغير ذلك، فيسأل حتى يصيب قواماً من عيش
والثالث: رجلٌ كان غنياً فافتقر بدون سبب ظاهر، وبدون جائحة معلومة، فهذا له أن يسأل، لكن لا يعطى حتى يشهد ثلاثة من أهل العقول من قومه بأنه أصابته فاقة، فيعطى بقدر ما أصابه من الفقر.
فهؤلاء الثلاثة هم الذين تحل لهم المسألة وما سوى ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((فما سواهن من المسألة يا قبيصة، سحت يأكلها صاحبها سحتاً)).
والسحت هو الحرام وسمي سحتاً؛ لأنه يسحت بركة المال، وربما يسحت المال كله، فيكون عليه آفات وغرامات تسحت ماله من أصله والله الموفق
شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (3/ 392)