190 و 191 عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
23 – باب الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر
190 – الثَّاني: عن ابنِ مسْعُودٍ رضي اللَّه عنه أَنَّ رسولَ اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “مَا مِنَ نَبِيٍّ بعَثَهُ اللَّه في أُمَّةٍ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ لَه مِن أُمَّتِهِ حواريُّون وأَصْحَابٌ يَاخذون بِسُنَّتِهِ ويقْتدُون بأَمْرِه، ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بعْدِهمْ خُلُوفٌ يقُولُون مَالاَ يفْعلُونَ، ويفْعَلُون مَالاَ يُؤْمَرون، فَمَنْ جاهدهُم بِيَدهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بقَلْبِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، ومَنْ جَاهَدهُمْ بِلِسانِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وَلَيسَ وراءَ ذلِك مِن الإِيمانِ حبَّةُ خرْدلٍ” رواه مسلم.
قال النووي:” قال أبو علي الجياني: عن أحمد بن حنبل رحمه الله قال: هذا الحديث غير محفوظ. قال: وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود. وابن مسعود يقول: اصبروا حتى تلقوني. هذا كلام القاضي – رحمه الله – وقال الشيخ أبو عمرو: وهذا الحديث قد أنكره أحمد بن حنبل رحمه الله. وقد روى عن الحارث هذا جماعة من الثقات، ولم نجد له ذكرا في كتب الضعفاء. وفي كتاب ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين أنه ثقة. ثم إن الحارث لم ينفرد به، بل توبع عليه على ما أشعر به كلام صالح بن كيسان المذكور. وذكر الإمام الدارقطني رحمه الله في كتاب ” العلل ” أن هذا الحديث قد روي من وجوه أخر: منها عن أبي واقد الليثي عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأما قوله: ” اصبروا حتى تلقوني ” فذلك حيث يلزم من ذلك سفك الدماء أو إثارة الفتن أو نحو ذلك. وما ورد في هذا الحديث من الحث على جهاد المبطلين باليد واللسان، فذلك حيث لا يلزم منه إثارة فتنة. على أن هذا الحديث مسوق فيمن سبق من الأمم، وليس في لفظه ذكر لهذه الأمة. هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو، وهو ظاهر كما قال. وقدح الإمام أحمد رحمه الله في هذا بهذا عجب. والله أعلم” (شرح مسلم)
وسيأتي في آخر البحث أوجه تضعيف من ضعفه
قال ابن الصلاح في توجيهه: بعد أن بين من ضعف الحديث ومن صححه
فذلك حيث يلزم من ذلك إثارة الفتنة وسفك الدماء ونحو ذلك وما ورد في هذا الحديث من الحث على جهاد المبطلين باليد واللسان فذلك حيث لا يلزم منه إثارة فتنة على أن لفظ هذا الحديث مسوق فيمن سبق من الأمم وليس في لفظه ذكر هذه الأمة والله أعلم.
صيانة صحيح مسلم ((209))
قال ابن رجب:” (يخلف من بعدهم خُلوفٌ، فمن جاهدَهم بيدِه، فهو مؤمنٌ)) … الحديث، وهذا يدلُّ على جهاد الأمراءِ باليد. وقد استنكر الإمامُ أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود، وقال: هو خلافُ الأحاديث التي أمر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فيها بالصَّبر على جَوْرِ الأئمة. وقد يجاب عن ذلك: بأنَّ التَّغييرَ باليدِ لا يستلزمُ القتالَ. وقد نصَّ على ذلك أحمدُ أيضاً في رواية صالحٍ، فقال: التَّغييرُ باليد ليسَ بالسَّيف والسِّلاح، وحينئذٍ فجهادُ الأمراءِ باليد أنْ يُزيلَ بيده ما فعلوه مِنَ المنكرات، مثل أنْ يُريق خمورَهم أو يكسِرَ آلات الملاهي التي لهم، ونحو ذلك، أو يُبطل بيده ما أمروا به مِنَ الظُّلم إن كان له قُدرةٌ على ذلك، وكلُّ هذا جائزٌ، وليس هو من باب قتالهم، ولا مِنَ الخروج عليهم الذي ورد النَّهيُ عنه، فإنَّ هذا أكثرُ ما يخشى منه أن يقتل الآمر وحده. وأما الخروج عليهم بالسَّيف، فيخشى منه الفتنُ التي تؤدِّي إلى سفك دماءِ المسلمين.” (جامع العلوم والحكم) وطول في النقول فليراجع
قال الحليمي: ينبغي أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مميزا برفق في موضع الرفق ويعنف في موضع العنف ويكلم كل طبقة من الناس بما يعلم يليق بهم وأنجع فيهم وأن يكون غير محابي ولا مداهن وأن يصلح نفسه أولا ويقومها ثم يقبل على إصلاح غيره وتقويمه قال الله عزوجل [أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم]
شعب الإيمان ((6) / (87))
(أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “ما من نبي) قال القرطبي رحمه الله تعالى: أي ما من رسول من الرسل المتقدمة، ويعني بذلك غالب الرسل، لا كلهم، بدليل قوله – صلى الله عليه وسلم – في الحديث الآخر الذي أخبر فيه عن مجيء الأنبياء في أممهم يوم القيامة، فإنه قال فيه: “يأتي النبي، ومعه الرجل والرجلان، ويأتي النبي، وليس معه أحد … ” الحديث فهذا العموم، وإن كان مؤكدا من بعد النفي، فهو مخصص بما ذكرناه. (المفهم 1/ 223)
(قوله حواريون) قال النووي” فاختلف فيهم، فقال الأزهري وغيره: هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم. والخلصان الذين نقوا من كل عيب. وقال غيرهم. أنصارهم. وقيل: المجاهدون. وقيل: الذين يصلحون للخلافة بعدهم.”
قال الطيبي:”الحواري”: الناصر، وأصله أن أصحاب عيسى عليه السلام كانوا قصارين يبيضون الثياب، فلما صاروا أنصاره قيل لكل ناصر: حواري، وهو الوجه المستقيم؛ لأنهم خلصان الأنبياء؛ ولأن حواري الرجل صفوته، وخالصته الذي أخلص، ونقي من كل عيب” (الكاشف عن حقائق السنن” 2/ 624.)
الخلوف) قال النووي: ” فبضم الخاء وهو جمع خلف – بإسكان اللام – وهو الخالف بشر. وأما بفتح اللام فهو الخالف بخير. هذا هو الأشهر. وقال جماعة وجماعات من أهل اللغة منهم أبو زيد: يقال: كل واحد منهما بالفتح والإسكان. ومنهم من جوز الفتح في الشر ولم يجوز الإسكان في الخير. والله أعلم.
قال الطيبي: “الخلف” بالتحريك والتسكين، وخص الأول بالخلف الصدق، والثاني بالسوء، ويجمع خلف على أخلاف، كسلف وأسلاف، وخلف على خلوف، كعدل وعدول، والمعنى أنه يجيء من بعد أولئك السلف الصالح أناس لا خير فيهم، ولا خلاق لهم في أمور الديانات. (“الكاشف عن حقائق السنن” 2/ 624.)
(يقولون ما لا يفعلون) قال الطيبي رحمه الله تعالى: وصف الخلوف بوصفين مقابلين لما وصف الأصحاب بهما، فهم تصلفوا، حيث قالوا: فعلنا ما أمرنا من واجبات الدين، وفضائل الأعمال، ولم يفعلوا شيئا من ذلك، بل فعلوا ما نهوا عنه، وهو المعني بقوله (ويفعلون ما لا يؤمرون) إذ فعل ما لم يؤمر به شرعا من البدع المنهي عنها، وهو إيماء إلى قوله تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} والآية [آل عمران: 188]، وقوله عز وجل: {ياأيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون (2) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون (3)} [الصف: 2 – 3]، بخلاف السلف الصالح، فإنهم لما اقتدوا بهدي نبي الله انخرطوا في سلك الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون. (المصدر نفسه)
قوله (وَلَيسَ وراءَ ذلِك مِن الإِيمانِ حبَّةُ خرْدلٍ) قال ابن تيمية:” أضعف الإيمان الإنكار بالقلب فمن لم يكن في قلبه بغض المنكر الذي يبغضه الله ورسوله لم يكن معه من الإيمان شيء” (مجموع الفتاوى 8/ 367)
فيه أنه كلما ابتعد الناس من عهد النبوات كثرت فيهم المخالفات وتركوا الأوامر وفعلوا النواهي وفيه أنه يحرم على الانسان أن يقول ما لا يفعل أو يفعل ما لا يؤمر، يقول ما لا يفعل صفة المنافقين و يفعل ما لا يؤمر صفة أهل البدع.
قال فيصل آل مبارك:” وفي الحديث: دليل على تفاوت مراتب الإيمان، وأنَّ عدم إنكار القلب دليل على ذهاب الإيمان منه، ولهذا قال ابن مسعود: هلكت إنْ لم يعرف قلبك المعروف، وينكر المنكر. وفي سنن أبي داود: عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إذا عُملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها، كمن غاب عنها، ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها».” (تطريز رياض الصالحين ص 148) حسنه الألباني في المشكاة (5141)
فيه وجوب مجاهدة المخالفين للرسل ولأوامرهم وهديهم.
فيه أن أقرب الناس للرسل من يأخذ بسنتهم ويقتدي بأمرهم لأنه يسير على طريق الحواريين للرسل الذين هم أقرب الناس للرسل.
قال ابن باز:” ثبت عن الصديق رضي الله عنه أبو بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((إن للناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك الله أن يعُمَهم الله بعقابه)). فجيب الحذر من هذه العقوبات ويجب التواصي والتعاون في إنكار المنكر، والأمر بالمعروف في كل قرية وفي كل مدينة وفي كل قبيلة ومتى تواصى الناس بهذا الخير وتعاونوا عليه قل الشر في بلادهم وانتشر الخير وصلح المجتمع وصار ذلك من أعظم الأسباب في السلامة من عقوبة الله عزوجل.” (شرح رياض الصالحين لابن باز (1/ 390)
191 – الثالثُ: عن أَبي الوليدِ عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ رضي اللَّه عنه قَالَ: “بَايَعْنَا رَسُول اللَّه صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم عَلَى السَّمعِ والطَّاعَةِ في العُسْرِ وَاليُسْرِ والمَنْشَطِ والمَكْرَهِ، وَعلى أَثَرَةٍ عَليْنَا، وعَلَى أَنْ لاَ نُنَازِعَ الأَمْرَ أَهْلَهُ إِلاَّ أَنْ تَرَوْا كُفْراً بَوَاحاً عِنْدكُمْ مِنَ اللَّه تعالَى فِيهِ بُرهانٌ، وَعَلَى أنْ نَقُولَ بالحقِّ أينَما كُنَّا لاَ نخافُ في اللَّه لَوْمةَ لائمٍ”متفقٌ عَلَيهِ.
هذا الحديث كالشرح للحديث السابق.
“المنْشَط والمَكْره”بِفَتْحِ مِيميهما: أَيْ: في السَّهْلِ والصَّعْبِ.”والأَثَرةُ: الاخْتِصاصُ بالمُشْتَرك، وقَدْ سبقَ بيَانُها.”بوَاحاً”بفَتْح الْبَاءِ المُوَحَّدة بعْدَهَا وَاوثُمَّ أَلِفٌ ثُمَّ حاءٌ مُهْمَلَةٌ أَيْ ظَاهِراً لاَ يَحْتَمِلُ تَاوِيلاً.
قال النووي:” قال النووي:” قوله: (بايعنا على السمع) المراد بالمبايعة: المعاهدة، وهي مأخوذة من البيع؛ لأن كل واحد من المتبايعين كان يمد يده إلى صاحبه، وكذا هذه البيعة تكون بأخذ الكف، وقيل: سميت مبايعة لما فيها من المعاوضة لما وعدهم الله تعالى عظيم الجزاء، قال الله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة … } الآية. ” (شرح مسلم للنووي)
قال الباجي:” وقوله على السمع والطاعة السمع ههنا يرجع إلى معنى الطاعة ولعله أن يكون أصله الإصغاء إلى قوله والتفهم له يريد أن الذي شرط علينا السمع والطاعة لأوامره ونواهيه على كل حال في حال اليسر وحال العسر ويحتمل أن يريد به يسر المال وعسره والتمكن من جيد الراحلة ووافر الزاد والاقتصار على أقل ما يمكن منهما.” (المنتقى شرح الموطأ)
قال ابن عثيمين:” يقول: بايعناه على السمع والطاعة، ويستثنى من هذا معصية الله عزّ وجلّ فلا يبايع عليها أحد؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، ولهذا قال أبو بكر- رضي الله عنه-حين تولى الخلافة: ” أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإذا عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم” (شرح رياض الصالحين (2/ 421)
قوله (والمَنْشَطِ والمَكْرَهِ) قال الباجي:” والمنشط والمكره يريد وقت النشاط إلى امتثال أوامره ووقت الكراهية لذلك ولعله أن يريد بالمنشط وجود السبيل إلى ذلك والتفرغ له وطيب الوقت وضعف العدو ويريد بالمكره تعذر السبيل وشغل المانع وشدة الهواء بالحر والبرد وصعوبة السفر وقوة العدو.” (شرح الموطأ)
قال الطيبي – رحمه الله -: “المنشط”، و”المكره” مفعلان من النشاط، والكراهة للمحل؛ أي: فيما فيه نشاطهم، وكراهتهم، أو الزمان؛ أي: في زماني انشراح صدورهم، وطيب قلوبهم، وما يضاد ذلك.
قال ابن حجر:” أي: في حالة نشاطنا، وفي الحالة التي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به، ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد: الأشياء التي يكرهونها، قال ابن التين: والظاهر أنه أراد: في وقت الكسل والمشقة في الخروج “. (فتح الباري)
قوله: (وأثرة علينا) والمراد: أن طواعيتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم، بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم. قوله: (وأن لا ننازع الأمر أهله) أي: الملك والإمارة، زاد أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة: ” وإن رأيت أن لك – أي: وإن اعتقدت أن لك – في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الظن، بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة “، (فتح الباري)
قال ابن تيمية:” فطاعة الله ورسوله واجبة على كل أحد، وطاعة ولاة الأمور واجبة لأمر الله بطاعتهم، فمن أطاع الله ورسوله بطاعة ولاة الأمر لله فأجره على الله، ومن كان لا يطيعهم إلا لما يأخذه من الولاية فإن اعطوه أطاعهم، وإن منعوه عصاهم، فما له في الآخرة من خلاق.” (قاعدة مختصرة في وجوب طاعة الله ورسوله وولاة الأمور ص 48)
قال ابن عثيمين:” يعني لا ننازع وُلاة الأمور ما ولاهم الله علينا، لنأخذ الإمرة منهم، فإن هذه المنازعة توجب شراً كثيراً، وفتناً عظيمة وتفرقا بين المسلمين، ولم يدمر الأمة الإسلامية إلا منازعة الأمر أهله، من عهد عثمان- رضي الله عنه- إلى يومنا هذا، ما أفسد الناس إلا منازعة الأمر أهله.” (شرح الرياض 2/ 422)
قوله: (إلا أن تروا كفرا بواحا) قال النووي:” هكذا هو لمعظم الرواة وفي معظم النسخ ” بواحا ” بالواو، وفي بعضها ” براحا ” والباء مفتوحة فيهما، ومعناهما: كفرا ظاهرا، والمراد بالكفر هنا المعاصي،” (شرح النووي)
قال ابن حجر:” – بموحدة ومهملة -: قال الخطابي: معنى قوله: ” بواحا ” يريد: ظاهرا باديا من قولهم: باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا: إذا أذاعه وأظهره. وأنكر ثابت في الدلائل ” بواحا “، وقال: إنما يجوز بوحا – بسكون الواو – وبؤاحا – بضم أوله ثم همزة ممدودة – وقال الخطابي: من رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى، وأصل البراح: الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء. وقيل: البراح: البيان، يقال: برح الخفاء: إذا ظهر، (فتح الباري)
قال الشوكاني:” قد تواترت الأحاديث في النهي عن الخروج على الأئمة ما لم يظهر منهم الكفر البواح أو يتركوا الصلاة فإذا لم يظهر من الإمام الأول أحد الأمرين لم يجز الخروج عليه وإن بلغ في الظلم أي مبلغ لكنه يجب أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بحسب الإستطاعة وتجب طاعته إلا في معصية الله سبحانه” (السيل الجرار 1/ 940)
قوله: (عندكم من الله فيه برهان) قال النووي:” معنى ” عندكم من الله فيه برهان ” أي: تعلمونه من دين الله تعالى. ومعنى الحديث: لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم، ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام، فإذا رأيتم ذلك فأنكروه عليهم، وقولوا بالحق حيث ما كنتم، وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين، وإن كانوا فسقة ظالمين. وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل، وحكي عن المعتزلة أيضا، فغلط من قائله، مخالف للإجماع. قال العلماء: وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن، وإراقة الدماء، وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه.” (شرح مسلم للنووي)
وقال غيره: المراد بالإثم هنا: المعصية والكفر، فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر، والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق، ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادرا، والله أعلم. ونقل ابن التين عن الداودي قال: الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر. وعن بعضهم: لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء، فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح: المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه.” (فتح الباري)
قال ابن عثيمين:” قال: ” إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم فيه من الله برهان” ثلاثة شروط، إذا رأينا هذا وتمت الشروط الثلاثة فحينئذ ننازع الأمر أهله، ونحاول إزالتهم عن ولاية الأمر، لكن بشروط:
الأول: أن تروا، فلابد من علم، أما مجرد الظن، فلا يجوز الخروج على الأئمة.
الثاني: أن نعلم كفراً لا فسقاً. الفسوق، مهما فسق وُلاة الأمور لا يجوز الخروج عليهم؛ لو شربوا الخمر، لو زنوا، لو ظلموا الناس، لا يجوز الخروج عليهم، لكن إذا رأينا كفراً صريحاً يكون بواحاً.
الثالث: الكفر البواح: وهذا معناه الكفر الصريح، البواح الشيء البين الظاهر، فأما ما يحتمل التأويل فلا يجوز الخروج عليهم، يعني لو قدرنا أنهم فعلوا شيئاً نرى أنه كفر، لكن فيه احتمال أنه ليس بكفر، فإنه لا يجوز أن ننازعهم أو نخرج عليهم، ونولهم ما تولوا.
لكن إذا كان بواحاً صريحاً، مثل: لو أن ولياً من وُلاة الأمور قال لشعبه: إن الخمر حلال. اشربوا ما شئتم، وإن اللواط حلال، تلوطوا بمن شئتم، وإن الزنى حلال ازنوا بمن شئتم، فهذا كفر بواح ليس فيه إشكال، هذا يجب على الرعية أن يزيلوه بكل وسيلة ولو بالقتل؛ لأن هذا كفر بواح.
الشرط الرابع: عندكم فيه من الله برهان، يعني عندنا دليل قاطع على أن هذا كفر، فإن كان الدليل ضعيفاً في ثبوته، أو ضعيفاً في دلالته، فإنه لا يجوز الخروج عليهم؛ لأن الخروج فيه شر كثير جداً ومفاسد عظيمة.
وإذا رأينا هذا مثلاً فلا تجوز المنازعة حتى يكون لدينا قدرة على إزاحته، فإن لم يكن لدينا قدرة فلا تجوز المنازعة؛ لأنه ربما إذا نازعنا وليس عندنا قدرة يقضي على البقية الصالحة، وتتم سيطرته.
فهذه الشروط شروط للجواز أو للوجوب – وجوب الخروج على ولي الأمر- لكن بشرط أن يكون لدينا قدرة، فإن لم يكن لدينا قدرة، فلا يجوز الخروج؛ لأن هذا من إلقاء النفس في التهلكة. أي فائدة إذا خرجنا على هذا الولي الذي رأينا عنده كفراً بواحاً عندنا فيه من الله برهان، ونحن لا نخرج إليه إلا بسكين المطبخ، وهو معه الدبابات والرشاشات أي فائدة؟ ” (شرح رياض الصالحين 2/ 423)
قوله: (وعلى أن نقول بالحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم) هذا هو الشاهد من هذا الباب، قال النووي:” معناه: تأمر بالمعروف وننهى عن المنكر في كل زمان ومكان، الكبار والصغار، لا نداهن فيه أحدا، ولا نخافه هو، ولا نلتفت إلى الأئمة، ففيه: القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وأجمع العلماء على أنه فرض كفاية فإن خاف من ذلك على نفسه أو ماله أو على غيره، سقط الإنكار بيده ولسانه، ووجبت كراهته بقلبه، هذا مذهبنا ومذهب الجماهير، وحكى القاضي هنا عن بعضهم أنه ذهب إلى الإنكار مطلقا في هذه الحالة وغيرها ” (شرح مسلم)
وقد مر تفصيله في الحديث السابق
قال فيصل آل مبارك:” في هذا الحديث: دليل عل وجوب السمع والطاعة لولاة الأمر وإنْ جاروا، وأنه لا يجوز الخروج عليهم ما لم يظهروا كفرًا واضحًا لا يحتمل التأويل.” (تطريز رياض الصالحين)
—-
قلت سيف بن دورة:
بيان حجة من ضعف حديث:
(ثُمَّ إِنَّها تَخْلُفُ مِنْ بعْدِهمْ خُلُوفٌ يقُولُون مَالاَ يفْعلُونَ، ويفْعَلُون مَالاَ يُؤْمَرون، فَمَنْ جاهدهُم بِيَدهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بقَلْبِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، ومَنْ جَاهَدهُمْ بِلِسانِهِ فَهُو مُؤْمِنٌ، وَلَيسَ وراءَ ذلِك مِن الإِيمانِ حبَّةُ خرْدلٍ) رواه مسلم
ورواه أحمد بلفظ قريب من هذا
: عن أبي رافع قال أخبرني بن مسعود أن رسول الله قال إنه لم يكن نبي قط إلا وله من أصحابه حواري وأصحاب يتبعون أثره ويقتدون بهديه ثم يأتي من بعد ذلك خوالف أمراء يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون.
قال أحمد بن حنبل: جعفر هذا هو أبو عبد الحميد بن جعفر والحارث بن فضيل ليس بمحمود الحديث وهذا الكلام لايشبه كلام ابن مسعود، ابن مسعود يقول قال رسول الله: اصبروا حتى تلقوني (مسائل الإمام أحمد)
قال الباحث:
وهذا من الأمثلة التي اختلف فيها أحمد ويحيى بن معين فأحمد يضعف الحارث بن فضيل الخطمي الأنصاري
ويحيى يوثقه وتابعه النسائي وابن حبان وقال من خيار أهل المدينة
وجل المتأخرين على توثيقه وهو كذلك
وشيخه جعفر بن عبدال له الأنصاري ثقة له أكثر من حديث في الصحيح
وعبد الرحمن بن المسور ثقة أيضًا ليس له في مسلم سوى هذا الحديث.
قال ابن مندة: هذا حديث صحيح أخرجه مسلم من حديث يعقوب وابن أبي مريم وتركه البخاري ولا علة له
ورواه عبدالله بن الحارث الجمحي عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة نحو معناه
قال الباحث:
ويروى هذا الحديث من طريق آخر عن معاوية بن إسحق عن عطاء بن يسار قال سمعت ابن مسعود يقول قال رسول الله (سيكون بعدي أمراء يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم) الحديث
أخرجه أحمد في المسند ((1) / (456)) والبخاري في التاريخ الكبير ((1) / (346)) والبزار في مسنده ((5) / (281)) وابن حبان. ((1) / (403))
ولفظه عند ابن حبان
عن عامر بن السمط عن معاوية بن إسحاق بن طلحة قال حدثني ثم استكتمني أن أحدث به ما عاش معاوية فذكر عامر قال سمعته وهو يقول حدثني عطاء بن يسار وهو قاضي المدينة قال سمعت ابن مسعود وهو يقول قال رسول الله سيكون أمراء من بعدي يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن لا إيمان بعده قال عطاء فحين سمعت الحديث منه انطلقت إلى عبد الله بن عمر فأخبرته فقال ائت ابن مسعود يقول هكذا كالمدخل عليه في حديثه قال عطاء فقلت هو مريض فما يمنعك أن تعوده قال فانطلق بنا إليه قال فانطلق
صحيح ابن حبان ((1) / (403))
ومعاوية هو معاوية بن إسحاق بن طلحة بن عبيد الله القرشي التيمي يكنى أبا الأزهر
وثقه أحمد ويحيى بن معين وابن سعد والنسائي والعجلي وابن حبان وابن شاهين
وقال أبو حاتم لا بأس به وكذا قال الفسوي وأخرج له البخاري في الصحيح حديثًاواحدًا عن عمته عائشة بنت طلحة
وتوثيق يحيى بن معين لم يذكره ابن حجر وقبله المزي والذهبي فيستدرك عليهم
وقال أبو زرعة شيخ واه
عباس بن محمد قال سمعت يحيى بن معين يقول يقولون إن عطاء بن يسار قد دخل على ابن مسعود
محمد بن إسماعيل قال عطاء بن يسار أبو محمد مولى ميمونة زوج النبي سمع أبا سعيد وأبا هريرة ويقال ابن مسعود وابن عمر روى عنه محمد بن عمرو بن عطاء. تاريخ مدينة دمشق ((40) / (442))
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديث رواه عبدال واحد بن زياد عن عاصم ابن محمد قال حدثني معاوية بن إسحق عن عطاء بن يسار قال سمعت ابن مسعود يقول قال رسول الله سيكون بعدي أمراء يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم الحديث قال أبي هذا خطأ قوله (سمعت ابن مسعود يقول)
فإن عطاء لم يسمع من عبدالله بن مسعود وكذا هو عندي لم يسمع من ابن مسعود.
المراسيل لابن أبي حاتم ((156)) وتاريخ مدينة دمشق ((40) / (442))
قال ابن عساكر:
عطاء بن يسار أبو محمد ويقال أبو عبدال له ويقال أبو يسار المدني القاص
مولى ميمونة أم المؤمنين
حدث عن مولاته ميمونة وأبي سعيد الخدري وابن عباس وأبي هريرة وابن عمر وزيد بن ثابت وزيد بن خالد وعبدال له بن سلام وعبدال له بن عمرو بن العاص وأبي أيوب الأنصاري وأبي واقد الليثي وأبي مالك الأشجعي وعائشة أم المؤمنين
ورأى ابن مسعود وأبي بن كعب
تاريخ مدينة دمشق ((40) / (438))
بينما لفظ أبي واقد الليثي:
قال الدار قطني: وسئل عن حديث أبي واقد الليثي عن بن مسعود عن النبي قال كان في بني إسرائيل أنبياء ثم كان بعد الأنبياء خلفاء يهدون هديهم ويسيرون سيرهم الحديث … وذكر أبي واقد أصح
العلل الواردة في الأحاديث النبوية ((5) / (341))
قال ابن حجر: قال البخاري وابن سعد سمع عطاء من بن مسعود وقال أبو حاتم لم يسمع منه
قال العلائي:
عطاء بن يسار قال أبو زرعة لم يسمع من عمر شيئا
وقال أبو حاتم لم يسمع من بن مسعود وخطأ من قال عنه سمعت بن مسعود وخالفه البخاري فأثبت له السماع من بن مسعود والله أعلم
قال باحث: البخاري إنما قال: يقال.
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ عن عبد الله إلا بهذا الإسناد ولا نعلم روى عطاء بن يسار عن عبد الله غير هذا الحديث ولا نعلمه سمع منه وإن كان قديما ولا نعلم أسند الحسن بن عمرو عن معاوية بن إسحاق إلا هذا الحديث.