(19) – 10 – نفح الطيب في شرح أحاديث الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
10 – إنما الأعمال بالنية – وفي رواية بالنيات – وإنما لكل أمراء ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله و رسوله فهجرته إلى الله و رسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
————
الأعمال بالنيات
قال النووي: قالَ جَماهِيرُ العُلَماءِ مِن أهْلِ العَرَبِيَّةِ والأُصُولِ وغَيْرُهُمْ لَفْظَةُ إنَّما مَوْضُوعَةٌ لِلْحَصْرِ تُثْبِتُ المَذْكُورَ وتَنْفِي ما سِواهُ فَتَقْدِيرُ هَذا الحَدِيثِ إنَّ الأعمال تحسب بنية ولاتحسب إذا كانَتْ بِلا نِيَّةٍ. شرح النووي على مسلم ((13) / (53)).
النيات: جمع نية وهي: القصد. وشرعًا: العزم على فعل العبادة تقرّبًا إلى الله تعالى، ومحلها القلب، فهي عمل قلبي ولاتعلق للجوارح بها. شرح الاربعين النووية للعلامة العثيمين.
قال النووي:
(هذا حديث متفق على صحته مجمع على عظم موقعه وجلالته وهو أحد قواعد الإيمان وأول دعائمه وأشد الأركان وهو حديث فرد غريب باعتبار، مشهور باعتبار آخر، ومداره على يحيى بن سعيد الأنصاري: قال الحافظ لا يصح هذا الحديث عن النبي إلا من جهة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا عن عمر إلا من جهة علقمة، ولا عن علقمة إلا من جهة إبراهيم بن محمد التيمي، ولا عن إبراهيم بن محمد التيمي إلا من جهة يحيى بن سعيد، وعن يحيى انتشرت روايته عن أكثر من مائتي إنسان أكثرهم أئمة ورواه الإمام أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري رحمه الله في صحيحه في سبعة مواضع فرواه في أول كتابه في الإيمان ثم في النكاح ثم في العتق ثم في الهجرة ثم في ترك الحيل ثم في النذر، ثم أن هذا الحديث روي في الصحيح بألفاظ: إنما الأعمال بالنيات، إنما الأعمال بالنية، وأما الذي وقع في أول كتاب الشهاب، الأعمال بالنيات وحذف إنما، فقال الحافظ أبو موسى الأصبهاني لا يصح إسناد هذا.
وأما معنى النية فهو القصد وهو عزم القلب، ومن قصد بهجرته رضاء الله تعالى، ومن قصد بها الدنيا فهي حظه ليس له غيرها،
وفي هذا الحديث اشتراط النية في الوضوء وغيره والغسل والتيمم والصلاة والزكاة والصوم والاعتكاف والحج وغيرها، قال أمامنا أبو عبد الله محمد بن ادريس الشافعي رضي الله تعالى عنه يدخل هذا الحديث في سبعين بابا من الفقه. وقال أيضا يدخل في هذا الحديث ثلث العلم.
وقال أبو عبد الله أحمد بن حنبل رضي الله تعالى عنه يدخل فيه ثلث العلم وكذا ذكره أيضا غيرهما قال الإمام الحافظ أبو بكر البيهقي في أول كتابه مختصر السنن معنى قول الشافعي رضي الله تعالى عنه يدخل فيه ثلث العلم أن كسب العبد إنما يكون بقلبه ولسانه ونياته.
والنية أحد أقسام كسبه وهي أرجحها لأنها تكون عبادة بانفرادها بخلاف القسمين الآخرين لأن القول والعمل يدخلهما الفساد بالرياء ولا يدخل النية.
[استحباب العلماء أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث اقتداء بالسلف]
واستحب العلماء رضي الله تعالى عنه عنهم أن تستفتح المصنفات بهذا الحديث وممن ابتدأ به في أول كتابه الإمام أبو عبد الله البخاري رحمه الله في أول حديثه في صحيحه الذي هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالى. وروينا عن الإمام أبي سعيد عبد الرحمن بن مهدي رحمه الله قال لو صنفت كتابا بدأت في أول كل باب منه بهذا الحديث. وروينا عنه أيضا قال من أراد أن يصنف كتابا فليبدأ بهذا الحديث. وروينا عن الإمام أبي سليمان أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابي رحمه الله فيما قرأته في أول كتابه الاعلام في شرح صحيح البخاري قال كان المتقدمون من شيوخنا يستحبون تقديم حديث الأعمال بالنية أمام كل شيء ينشأ ويبتدأ من أمور الدين لعموم الحاجة إليه في جميع أنواعها. [بستان العارفين].
[الأعمال بالنيات]
قال الصنعاني في التنوير: و (الأعمال) تتناول أفعال الجوارح ومنها اللسان فتدخل الأقوال، قال ابن دقيق العيد في شرح العمدة: وأخرج بعضهم الأقوال وهو بعيد، يريد أنه قال بعض العلماء أن الأقوال خارجة من الحديث، وهو قول بعيد، بل الأقرب دخولها فيه، فإنّها من الأعمال، قال الحافظ ابن حجر: التحقيق أن القول لا يدخل في العمل حقيقة ويدخل فيها مجازًا، وأما التروك فلا يتناولها العمل، وأما عمل القلب كالنية فلا يشملها العمل لئلا يلزم التسلسل وقد أطال الشيخ إبراهيم القول في التروك وأراد إدخالها، وقد نقلنا كلامه وتعقبناه في (حواشي شرح العمدة) ((1) / (179)).
[مَن نَوى شَيْئًا حصل لَهُ]
قال العلامة ابن دقيق العيد: السّادِسُ: قَوْلُهُ – – «وإنَّما لِكُلِّ امْرِئٍ ما نَوى» يَقْتَضِي أنَّ مَن نَوى شَيْئًا يَحْصُلُ لَهُ، وكُلُّ ما لَمْ يَنْوِهِ لَمْ يَحْصُلْ لَهُ فَيَدْخُلَ تَحْتَ ذَلِكَ ما لا يَنْحَصِرُ مِن المَسائِلِ. إحكام الأحكام ((1) / (61)).
و قال الصنعاني في التنوير ((1) / (180)): (وإنما لكل امرئ ما نوى) جملة تفيد أن كل عامل لا يحصل له إلا ما نواه، والأولى أفادت أن العمل تبع للنية وهما غيران، وقال ابن عبد السَّلام: والجملة الأولى: لبيان ما يعتبر من الأعمال، والثانية: لبيان ما يترتب عليها من الثواب.
و قال العلامة النووي رحمه الله: (وانما لامراء ما نَوى) قالُوا فائِدَةُ ذِكْرِهِ بَعْدَ إنَّما الأعْمالُ بِالنِّيَّةِ بَيانُ أنَّ تَعْيِينَ المَنَوِيِّ شَرْطٌ فلو كان على انسان صلوة مقضية لايكفيه أن ينوى الصلوة الفائِتَةَ بَلْ يُشْتَرَطُ أنْ يَنْوِيَ كَوْنَها ظُهْرًا أوْ غَيْرَها ولَوْلا اللَّفْظُ الثّانِي لاقْتَضى الأوَّلُ صِحَّةَ النِّيَّةِ بِلا تَعْيِينٍ أوْ أوْهَمَ ذَلِكَ. [شرح النووي لمسلم ((13) / (54))].
وقولُهُ – -: «فَمَن كانَتْ هِجْرَتُهُ إلىَ اللهِ ورَسُولِهِ، فَهِجْرَتُهُ إلىَ اللهِ ورَسُولِهِ».
القاعدة عند أهل العربية المتقررة أنَّ الشَّرْطَ والجزاء والمبتدأ والخبر لا بُدَّ أنْ يتغايَرا، وها هنا وقع الاتحاد في قوله: «فمن كانت هجرته» إلى آخره، فلا بُدَّ أن يقدر له شيء، وهو: فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله نيّةً وقصدًا، فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا وشرعًا.
ووقعت الهجرة في الإسلام على أوجه:
أحدها: إلى الحبشة عندما آذى الكفار الصَّحابة.
الثّانية: من مكّة إلى المدينة.
الثّالثة: هجرة القبائل إلى رسول الله – -.
الرّابعة: هجرة من أسلم من أهل مكّة ليأتي إلى النبيّ – -، ثمَّ يرجع إليها.
الخامسة: هجرة ما نهى الله عنه.
ومعنى الحديث وحكمُه يتناول الجميع، غيرَ أنَّ الحديث ورد على سببٍ، على ما سيأتي، والعبرة بعموم اللفظ.
العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار ((1) / (44)).
مسألة: هل يجب التلفظ بالنية؟
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:
والنِّيَّةُ: هِيَ قَصْدُ القَلْبِ، ولا يَجِبُ التَّلَفُّظَ بِما فِي القَلْبِ فِي شَيْءٍ مِنَ العِباداتِ، وخَرَّجَ بَعْضُ أصْحابِ الشّافِعِيِّ لَهُ قَوْلًا بِاشْتِراطِ التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ لِلصَّلاةِ، وغَلَّطَهُ المُحَقِّقُونَ مِنهُمْ، واخْتَلَفَ المُتَأخِّرُونَ مِنَ الفُقَهاءِ فِي التَّلَفُّظِ بِالنِّيَّةِ فِي الصَّلاةِ وغَيْرِها، فَمِنهُمْ مَنِ اسْتَحَبَّهُ، ومِنهُمْ مَن كَرِهَهُ. ولا يُعْلَمُ فِي هَذِهِ المَسائِلِ نَقْلٌ خاصٌّ عَنِ السَّلَفِ، ولا عَنِ الأئِمَّةِ إلّا فِي الحَجِّ وحْدَهُ، فَإنَّ مُجاهِدًا قالَ: إذا أرادَ الحَجَّ، يُسَمِّي ما يُهِلُّ بِهِ، ورُوِيَ عَنْهُ أنَّهُ قالَ: يُسَمِّيهِ فِي التَّلْبِيَةِ، وهَذا لَيْسَ مِمّا نَحْنُ فِيهِ فَإنَّ «النَّبِيَّ كانَ يَذْكُرُ نُسُكَهُ فِي تَلْبِيَتِهِ، فَيَقُولُ: لَبَّيْكَ عُمْرَةً وحَجًّا»، وإنَّما كَلامُنا فِي أنَّهُ يَقُولُ عِنْدَ إرادَةِ عَقْدِ الإحْرامِ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الحَجَّ أوِ العُمْرَةَ، كَما اسْتَحَبَّ ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنَ الفُقَهاءِ، وكَلامُ مُجاهِدٍ لَيْسَ صَرِيحًا فِي ذَلِكَ. وقالَ أكْثَرُ السَّلَفِ، مِنهُمْ عَطاءٌ وطاوُسٌ والقاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ والنَّخَعِيُّ: تُجْزِئُهُ النِّيَّةُ عِنْدَ الإهْلالِ، وصَحَّ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا عِنْدَ إحْرامِهِ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إنِّي أُرِيدُ الحَجَّ أوِ العُمْرَةَ، فَقالَ لَهُ: أتُعْلِمُ النّاسَ؟ أوَ لَيْسَ اللَّهُ يَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ؟ ونَصَّ مالِكٌ عَلى مِثْلِ هَذا، وأنَّهُ لا يُسْتَحَبُّ لَهُ أنْ يُسَمِّيَ ما أحْرَمَ بِهِ. حَكاهُ صاحِبُ كِتابِ «تَهْذِيبِ المُدَوَّنَةِ» مِن أصْحابِهِ. وقالَ أبُو داوُدَ: قُلْتُ لِأحْمَدَ: أتَقُولُ قَبْلَ التَّكْبِيرِ – يَعْنِي فِي الصَّلاةِ – شَيْئًا؟ قالَ: لا.
وهَذا قَدْ يَدْخُلُ فِيهِ أنَّهُ لا يَتَلَفَّظُ بِالنِّيَّةِ. واللَّهُ أعْلَمُ. جامع العلوم و الحكم ((1) / (92)).
مسالة: النية عند الفقهاء
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: وأمّا النِّيَّةُ بِالمَعْنى الَّذِي يَذْكُرُهُ الفُقَهاءُ، وهُوَ أنَّ تَمْيِيزَ العِباداتِ مِنَ العاداتِ، وتَمْيِيزَ العاداتِ بَعْضِها مِن بَعْضٍ، فَإنَّ الإمْساكَ عَنِ الأكْلِ والشُّرْبِ يَقَعُ تارَةً حَمِيَّةً، وتارَةً لِعَدَمِ القُدْرَةِ عَلى الأكْلِ، وتارَةً تَرْكًا لِلشَّهَواتِ لِلَّهِ عز وجل، فَيَحْتاجُ فِي الصِّيامِ إلى نِيَّةٍ لِيَتَمَيَّزَ بِذَلِكَ عَنْ تَرْكِ الطَّعامِ عَلى غَيْرِ هَذا الوَجْهِ. وكَذَلِكَ العِباداتُ، كالصَّلاةِ والصِّيامِ مِنها فَرْضٌ، ومِنها نَفْلٌ. والفَرْضُ يَتَنَوَّعُ أنْواعًا، فَإنَّ الصَّلَواتِ المَفْرُوضاتِ خَمْسُ صَلَواتٍ كُلَّ يَوْمٍ ولَيْلَةٍ، والصَّوْمُ الواجِبُ تارَةً يَكُونُ صِيامَ رَمَضانَ، وتارَةً صِيامَ كَفّارَةٍ، أوْ عَنْ نَذْرٍ، ولا يَتَمَيَّزُ هَذا كُلُّهُ إلّا بِالنِّيَّةِ، وكَذَلِكَ الصَّدَقَةُ، تَكُونُ نَفْلًا وتَكُونُ فَرْضًا، والفَرْضُ مِنهُ زَكاةٌ، ومِنهُ كَفّارَةٌ، ولا يَتَمَيَّزُ ذَلِكَ إلّا بِالنِّيَّةِ. [جامع العلوم و الحكم ((1) / (85)).
أقوال السلف في الاخلاص
وعَنْ يَحْيى بْنِ أبِي كَثِيرٍ، قالَ: تَعَلَّمُوا النِّيَّةَ، فَإنَّها أبْلَغُ مِنَ العَمَلِ.
وعَنْ زُبَيْدٍ اليامِيِّ، قالَ: إنّى لَأُحِبُّ أنْ تَكُونَ لِي نِيَّةٌ فِي كُلِّ شَيْءٍ، حَتّى فِي الطَّعامِ والشَّرابِ،
وعَنْهُ أنَّهُ قالَ: انْوِ فِي كُلِّ شَيْءٍ تُرِيدُهُ الخَيْرَ، حَتّى خُرُوجِكَ إلى الكُناسَةِ.
وعَنْ داوُدَ الطّائِيِّ، قالَ: رَأيْتُ الخَيْرَ كُلَّهُ إنَّما يَجْمَعُهُ حُسْنُ النِّيَّةِ، وكَفاكَ بِها خَيْرًا وإنْ لَمْ تَنْصَبْ.
قالَ داوُدُ: والبِرُّ هِمَّةُ التَّقِيِّ، ولَوْ تَعَلَّقَتْ جَمِيعُ جَوارِحِهِ بِحُبِّ الدُّنْيا، لَرَدَّتْهُ يَوْمًا نِيَّتُهُ إلى أصْلِهِ.
وعَنْ سُفْيانَ الثَّوْرِيِّ، قالَ: ما عالَجْتُ شَيْئًا أشَدَّ عَلَيَّ مِن نِيَّتِي؛ لِأنَّها تَنْقَلِبُ عَلَيَّ. وعَنْ يُوسُفَ بْنِ أسْباطٍ،
قالَ: تَخْلِيصُ النِّيَّةِ مِن فَسادِها أشَدُّ عَلى العامِلِينَ مِن طُولِ الِاجْتِهادِ.
وقِيلَ لِنافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ: ألا تَشْهَدُ الجَنازَةَ؟ قالَ: كَما أنْتَ حَتّى أنْوِيَ، قالَ فَفَكَّرَ هُنَيَّةً، ثُمَّ قالَ: امْضِ.
وعَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قالَ: صَلاحُ القَلْبِ بِصَلاحِ العَمَلِ، وصَلاحُ العَمَلِ بِصَلاحِ النِّيَّةِ.
وعَنْ بَعْضِ السَّلَفِ قالَ: مَن سَرَّهُ أنْ يَكْمُلَ لَهُ عَمَلُهُ، فَلْيُحْسِنْ نِيَّتَهُ، فَإنَّ اللَّهَ عز وجل يَاجُرُ العَبْدَ إذا حَسُنَتْ نِيَّتُهُ حَتّى بِاللُّقْمَةِ.
وعَنِ ابْنِ المُبارَكِ، قالَ: رُبَّ عَمَلٍ صَغِيرٍ تُعَظِّمُهُ النِّيَّةُ، ورُبَّ عَمَلٍ كَبِيرٍ تُصَغِّرُهُ النِّيَّةُ.
وقالَ ابْنُ عَجْلانَ: لا يَصْلُحُ العَمَلُ إلّا بِثَلاثٍ: التَّقْوى لِلَّهِ، والنِّيَّةِ الحَسَنَةِ، والإصابَةِ. وقالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِياضٍ: إنَّما يُرِيدُ اللَّهُ عز وجل مِنكَ نِيَّتَكَ وإرادَتَكَ. وعَنْ يُوسُفَ بْنِ أسْباطٍ، قالَ: إيثارُ اللَّهِ عز وجل أفْضَلُ مِنَ القَتْلِ فِي سَبِيلِهِ. خَرَّجَ ذَلِكَ كُلَّهُ ابْنُ أبِي الدُّنْيا فِي كِتابِ «الإخْلاصِ والنِّيَّةِ». جامع العلوم و الحكم ((1) / (70) – (71))
[الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة]
قال الجنيد: الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة والمرائي يثبت على حالة واحدة أربعين سنة
قلت (النووي): معناه أن الصادق يدور مع الحق كيف كان فإذا رأى الفضل الشرعي في أمر عمل به وإن خالف ما كان عليه عادته وإذا عرض أهم منه في الشرع ولا يمكن الجمع بينهما انتقل إلى الأفضل ولا يزال هكذا وربما كان في اليوم الواحد على مائة حال أو ألف وأكثر على حسب تمكنه في المعارف وظهور الدقائق له واللطائف
وأما المرائي فيلزم حالة واحدة بحيث لو عرض له مهم يرجحه الشرع عليه في بعض الأحوال لم يأت بهذا المهم بل يحافظ على حالته لأنه يرائي بعبادته وحاله المخلوقين فيخاف من التغير ذهاب محبتهم إياه فيحافظ على بقائها والصادق يريد بعبادته وجه الله تعالى فحيث رجح الشرع حالا صار إليه ولا يعرج على المخلوقين. [بستان العارفين ((28) / (29))].
مسائل متعلقة:
اختلف أئمَّة الحديث هل يجوز تغيير «قال النبيّ» إلى: «قال رسول الله – -»، أو عكسه؟
فقال أبو عمرو بن الصَّلاح: الظّاهر أنّه لا يجوز، وإن جازت الرِّواية بالمعنى؛ لاختلاف معنى النبوَّة والرِّسالة، قال: والصَّواب -والله أعلم- جوازه؛ لأنّه لا يختلف به هنا معنًى، وهذا مذهب أحمد بن حنبل، وحمّاد بن سلمة، والخطيب ((3)). العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار ((1) / (42)).
مسألة:
والضّابط لحصول النِّيَّة والثواب [عليها]: أنّه متى قصد بالعمل امتثالَ أمر الشَّرع، وبتركه: الانتهاءَ بنهي الشَّرع، كانت حاصلةً مثابًا عليها، وإلا فلا، وإن لم يقصد ذلك، كان عملًا بهيميًّا، ولهذا قال السَّلف: الأعمال البهيمية: ما عُملت بغير نيَّة، والله أعلم.
واعلم أن سؤالَ الله تعالى ومحاسبته إنما يقع يوم القيامة على مخالفة الوسائل والمقاصد الشَّرعية، وإنعامَهُ وإفضالَهُ إنما يقع على موافقتها، والنيَّة وسيلةٌ للشَّرع ومقصودة، والأعمالُ قد تكونُ وسيلة، وقد تكون مقصودةً، وقد يكون هذا وهذا، وكل وسيلةٍ مقصودةٍ إلى ما دونها، وسيلةٌ بالنسبة إلى ما فوقها، والله أعلم.
ودخول الجنة لا يقع إلّا برحمة الله تعالى، والدرجاتُ فيها بالأعمال، والخلودُ بالنيّات، والكلُّ مبدؤه وانتهاؤه وتعلقه راجع إلى فضل الله الإلهِ الخالقِ والآمرِ -تبارك الله ربُّ العالمين-.
العدة في شرح العمدة في أحاديث الأحكام لابن العطار ((50)).
قال ابن ملقن في التوضيح ((10) / (265)): من ابتغى وجه الله سلم من الرياء، وابتغاء غير وجه الله هو عين الرياء.
مسألة:
ثلاث من علامات الاخلاص
استواء المدح والذم من العامة
ونسيان رؤية الأعمال في الأعمال
واقتضاء ثواب العمل في الآخرة. (بستان العارفين / (27)).