19 – نفح الطيب في شرح أحاديث صحيح الترغيب والترهيب
نورس الهاشمي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
صحيح الترغيب
(19) – ((19)) [صحيح] وعن مَعن بن يزيد رضي الله عنه قال:
كان أبي يزيدُ أخرجَ دنانير يَتَصَّدقُ بها، فوضَعها عندَ رجلٍ في المسجد، فجئتُ فأخذتُها فأتيتُه بها، فقال: واللهِ ما إيّاك أردتُ، فخاصمتُه إلى رسولِ اللهِ – ? – فقال:
«لَكَ ما نويتَ يا يَزيدُ! ولك ما أخذت يا مَعْنُ!».
رواه البخاري.
——
لفظ الحديث كاملا:
أَنَّ مَعْنَ بْنَ يَزِيدَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حَدَّثَهُ قَالَ:
بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا وَأَبِي وَجَدِّي، وخطب علي فأنكحني، وخاصمت إليه: كان أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا، فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ، فَجِئْتُ فَأَخَذْتُهَا، فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا إِيَّاكَ أَرَدْتُ، فَخَاصَمْتُهُ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: (لَكَ مَا نَوَيْتَ يَا يَزِيدُ، وَلَكَ ما أخذت يا معن). رواه البخاري
بوب الإمام البخاري في صحيحه: باب إِذَا تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ وَهُوَ لا يَشْعُرُ
فقوله عليه الصلاة والسلام: ((لك يا يزيد ما نويت)) يدل على أن الأعمال بالنيات، وأن الإنسان إذا نوي الخير حصل له، وإن كان يزيد لم ينو أن يأخذ هذه الدراهم ابنه، لكنه أخذها؛ وابنه من المستحقين فصارت له، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم: ((لك يا معن ما أخذت)).
ففي هذا الحديث: دليل لما ساقه المؤلف من أجله أن الأعمال بالنيات، وأن الإنسان يكتب له أجر ما نوى؛ وإن وقع الأمر على خلاف ما نوى.
” شرح رياض الصالحين لابن عثيمين ” (1/ 40).
من الفوائد:
قال المهلب: وفيه أن للابن أن يخاصم أباه، وليس بعقوق إذا كان ذلك فى حق، على أن مالكًا قد كره ذلك، ولم يجعله من باب البر.
وفيه: أن ما خرج إلى الابن من مال الأب على وجه الصدقة، أو الصلة أو الهبة لله، وحازه الابن أنه لا رجوع للأب فيه.
” شرح صحيح البخاري لابن بطال” (3/ 424).
قال ابن حجر في الفتح (3/ 292): وفيه جواز الافتخار بالمواهب الربانية والتحدث بنعم الله وفيه جواز التحاكم بين الأب والابن وأن ذلك بمجرده لا يكون عقوقا وجواز الاستخلاف في الصدقة ولا سيما صدقة التطوع؛ لأن فيه نوع إسرار وفيه أن للمتصدق أجر ما نواه سواء صادف المستحق أو لا وأن الأب لا رجوع له في الصدقة على ولده بخلاف الهبة والله أعلم.
فيه: التصدق في المسجد على السائل، وهو جائز، وقد كان الإمام أحمد يفعله، ونص على جوازه، وإن كان السؤال في المسجد مكروها. ” فتح الباري لابن رجب” (3/ 156).
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله بعد أن ذكر قاعدة:
وهذه القاعدة لها فروع كثيرة:
منها: ما ذكره العلماء رحمهم الله أن الرجل لو أعطي زكاته شخصاً يظن أنه من أهل الزكاة، فتبين أنه غني وليس من أهل الزكاة فإن زكاته تجزئ، وتكون مقبولة تبرأ به ذمته؛ لأنه نوى أن يعطيها من هو أهل لها، فإذا نوى فله نيته.
ومنها: أن الإنسان لو أراد أن يوقف – مثلاً- بيتاً صغيراً، فقال: وقفت بيتي الفلاني، وأشار إلى الكبير، لكنه، لكنه خلاف ما نواه بقلبه، فإنه على ما نوى وليس على ما سبق به لسانه.
ومنها: لو ان إنساناً جاهلاً لا يعرف الفرق بين العمرة والحج، فحج مع الناس، فقال لبيك حجاً، وهو يريد عمرة يتمتع بها إلى الحج؛ فإنه له ما نوى، مادام أن قصده يريد العمرة، لكن قال لبيك حجاً مع هؤلاء الناس، فله ما نوى، ولا يضر سبق لسانه بشيء.
ومنها أيضاً: لو قال الإنسان لزوجته: أنت طالق؛ ويريد أنت طالق من قيد لا من نكاح، فله ما نوى، ولا تطلق بذلك زوجته.
فهذا الحديث له فوائد كثيرة وفروع منتشرة.
ومن فوائد هذا الحديث: أنه يجوز للإنسان أن يتصدق على ابنه، والدليل على هذا أن النبي صلي الله عليه وسلم أمر بالصدقة وحث عليها، فأرادت زينب – زوجة عبد الله بن مسعود – رضي الله عنها – أن تتصدق بشيء من مالها، فقال لها زوجها أنا وولدك أحق من تصدقت عليه – لأنه كان فقيراً- رضي الله عنه – فقالت: لا حتى أسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((صدق ابن مسعود زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم)).
” شرح رياض الصالحين” (1/ 40).
قال ابن تيمية: يجوز أن يعطي الإنسان ولده من الزكاة، بشرط أن لا يكون في ذلك إسقاط لواجب عليه. ” مجموع الفتاوى” 25/ 92.
ومن فوائد هذا الحديث: أن فيه دليل على أن من نوى الصدقة على محتاج، حصل له ثوابها، ولو كان الآخذ ممن تلزمه نفقته، أو غير أهل لها، كما في قصة الذي تصدَّق على ثلاثة. ” تطريز رياض الصالحين” (5/ 13).
مسألة: هل يجوز أخراج الزكاة للأب أو الأبناء؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (25/ 90): وَأَمَّا دَفْعُهَا إلَى الْوَالِدَيْنِ: إذَا كَانُوا غَارِمِينَ أَوْ مُكَاتَبِينَ: فَفِيهَا وَجْهَانِ. وَالْأَظْهَرُ جَوَازُ ذَلِكَ. وَأَمَّا إنْ كَانُوا فُقَرَاءَ وَهُوَ عَاجِزٌ عَنْ نَفَقَتِهِمْ فَالْأَقْوَى جَوَازُ دَفْعِهَا إلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْحَالِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَضِيَ مَوْجُودٌ وَالْمَانِعَ مَفْقُودٌ فَوَجَبَ الْعَمَلُ بِالْمُقْتَضِي السَّالِمِ عَنْ الْمُعَارِضِ الْمُقَاوِمِ.
و قال: وَأَمَّا إنْ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى النَّفَقَةِ وَلَيْسَ لِأَبِيهِ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ فَفِيهِ نِزَاعٌ: وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ زَكَاةِ أَبِيهِ. وَأَمَّا إنْ كَانَ مُسْتَغْنِيًا بِنَفَقَةِ أَبِيهِ فَلَا حَاجَةَ بِهِ إلَى زَكَاتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. انتهى
و قال ابن عثيمين رحمه الله: يعني مثلاً: لو كان الإنسان عنده زكاة وأراد أن يعطيها ابنه، من أجل أن لا يطالبه بالنفقة؛ فهذا لا يجزي؛ لأنه أراد بإعطائه أن يسقط واجب نفقته.
أما لو أعطاه ليقضي ديناً عليه؛ مثل أن يكون على الابن حادث، ويعطيه أبوه من الزكاة ما يسدد به هذه الغرامة؛ فإن ذلك لا بأس به، وتجزئه من الزكاة، لأن ولده أقرب الناس إليه؛ وهو الآن لم يقصد بهذا إسقاط واجب عليه، إنما قصد بذلك إبراء ذمة ولده؛ لا الإنفاق عليه، فإذا كان هذا قصده فإن الزكاة تحل له. والله الموفق أ. هـ
” شرح رياض الصالحين” (1/ 40).
مسألة: حُكْمُ مَنْ أَخَذَ الزَّكَاةَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا:
188 – لَا يَحِل لِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْل الزَّكَاةِ أَخْذُهَا وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهَا زَكَاةٌ، إِجْمَاعًا. فَإِنْ أَخَذَهَا فَلَمْ تُسْتَرَدَّ مِنْهُ فَلَا تَطِيبُ لَهُ، بَل يَرُدُّهَا أَوْ يَتَصَدَّقُ بِهَا؛ لأَِنَّهَا عَلَيْهِ حَرَامٌ. انظر “الموسوعة الفقهية الكويتية” (23/ 333).
مسألة: هل يجوز دفع الزكاة الى أهل البدع و المعاصي
قال شيخ الإسلام، كما في الفتاوى (25/ 87):
«فينبغي للإنسان أن يتحرى بزكاته المستحقين من الفقراء والمساكين والغارمين وغيرهم من أهل الدين المتبعين للشريعة.
ومن أظهر بدعة أو فجورًا فإنه يستحق العقوبة بالهجر وغيره، والاستتابة، فكيف يعان على ذلك؟ انتهى