189 جامع الأجوبة الفقهية ص 230
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
شرح بلوغ المرام
67 عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا أخرجه مسلم
——-
مسألة : اليقين لا يزول بالشك.
♢- جواب ناصر الريسي:
♢- التعريفات:
اليقين: هو سكون النفس المستند إلى اعتقاد الشيء بأنه لا يمكن أن يكون إلا كذا. أما الاطمئنان فهو سكون النفس المستند إلى غلبة الظن، وعلى هذا فإن اليقين أقوى من الاطمئنان. انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (5/ 168).
وفي لسان العرب (13/ 457) اليقين: العلم وإزاحة الشك وتحقيق الأمر، وقد أيقن يوقن إيقانا، فهو موقن، ويقن ييقن يقنا، فهو يقن. واليقين: نقيض الشك، والعلم نقيض الجهل، تقول علمته يقينا. وفي التنزيل العزيز: وإنه لحق اليقين. انتهى
الشك هو التردد باستواء أو رجحان. وقيل: هو ما استوى طرفاه، وهو الوقوف بين الشيئين لا يميل القلب إلى أحدهما فإذا ترجح أحدهما ولم يطرح الآخر فهو ظن، وإذا طرحه الآخر فهو غالب الظن، وهو بمنزلة اليقين (القليوبي 1 / 37، والتعريفات للجرجاني) .
♢- وقد استنبط العلماء من هذا الحديث قاعدة فقهية عظيمة تدخل في معظم أبواب الفقه وهي (اليقين لا يزول بالشك) واوردوها في كتب الأصول والقواعد. انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 50)، الأشباه والنظائر لابن نجيم (ص: 56)، الأشباه والنظائر لابن السبكي (1/ 23)؛ الأشباه والنظائر للسيوطي (ص: 50)، المدخل الفقهي العام (2/961)، المدخل إلى مذهب أحمد (ص: 139)، جمع الجوامع (2/356)، أصول السرخسي (2/116، 117)، تأسيس النظر (ص: 145)، مجموعة الفوائد البهية على منظومة القواعد الفقهية (ص: 61)
وأخَذ الأصوليون من الكتاب والسنة أصولاً كثيرة، بنوا عليها أحكاماً كثيرة جداً، ونفعوا وانتفعوا بها فمنها (اليقين لا يزول بالشك)، أدخلوا فيه من العبادات والمعاملات والحقوق شيئاً كثيراً. فمن حصل له الشك في شيء منها رجع إلى الأصل المتيقن. انتهى انظر: رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة (ص: 101)
♢- القواعد: جمع قاعدة، والقاعدة الفقهية هي: حكم أكثري لا كلي، ينطبق على أكثر جزئياته لتعرف أحكامها منه. يُنظر: غمز عيون البصائر (1/ 51)؛ الوجيز في إيضاح قواعد الفقه الكلية (ص: 16).
قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه على مسلم (4/ 49):
” معناه يعلم وجود أحدهما ولا يشترط السماع والشم بإجماع المسلمين، وهذا الحديث أصل من أصول الإسلام وقاعدة عظيمة من قواعد الفقه وهي أن الأشياء يحكم ببقائها على أصولها حتى يتيقن خلاف ذلك ولا يضر الشك الطارئ عليها فمن ذلك مسألة الباب التي ورد فيها الحديث وهي أن من تيقن الطهارة وشك في الحدث حكم ببقائه على الطهارة ولا فرق بين حصول هذا الشك في نفس الصلاة وحصوله خارج الصلاة هذا مذهبنا ومذهب جماهير العلماء من السلف والخلف وحكي عن مالك رحمه الله تعالى روايتان إحداهما أنه يلزمه الوضوء إن كان شكه خارج الصلاة ولا يلزمه إن كان في الصلاة والثانية يلزمه بكل حال وحكيت الرواية الأولى عن الحسن البصري وهو وجه شاذ محكي عن بعض اصحابنا وليس بشيء”. انتهى
وسيأتي استعمال هذه القاعدة في كتاب النكاح : قال الإمام الشافعي في «الأم» (٨/٢٩٩):
«من استيقن نكاحًا ثم شك في الطلاق لم يَزُل اليقين إلا باليقين» اهـ
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية (43/ 398):
“وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الشك في بقاء الوضوء أو عدمه ليس من نواقض الوضوء، فمن أيقن أنه كان متوضئا، وشك في حدوث ناقض للوضوء، وعكسه: وهو من أيقن أنه كان محدثا وشك في طروء الوضوء. . عمل بيقينه في كلتا الحالتين وهو السابق منهما، قال في فتح القدير كما نقل ابن عابدين: إلا إن تأيد اللاحق؛ لأن اليقين لا يزول بالشك، فمن ظن الضد – أي ضد اليقين – لا يعمل بظنه؛ لأن استصحاب اليقين أقوى منه، فعلم بذلك أن المراد باليقين استصحابه، وإلا فاليقين لا يجامعه شك، ولخبر مسلم: ” إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا “. انتهى
♢- معنى القاعدة:
معنى هذه القاعدة أن ما ثبت بيقين لا يرتفع بالشك ، وما ثبت بيقين لا يرتفع إلا بيقين ، ودليلها قوله صلى الله عليه وسلم : إذا وجد أحدكم في بطنه شيئا فأشكل عليه ، أخرج منه شيء أم لا ؟ فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. انظر: الموسوعة الفقهية الكويتية (45/ 289)
قال في شرح المشكاة (3/ 758):
“وفيه دليل علي أن اليقين لا يزول بالشك في شيء من أمر الشرع، وهو قول عامة أهل العلم”. انتهى
قال الشيخ ابن عثيمين في فتح ذي الجلال (1/ 256):
هذا الحديث يدل على أن الإنسان إذا شك في الحدث وهو على طهارة فإنه لا يلزمه الوضوء؛ لأن الطهارة متيقنة والوضوء باق والحدث مشكوك فيه، ولا يترك اليقين بالشك. هذه قاعدة، يعني: أخذ العلماء من هذا الحديث قواعد:
منها: أن اليقين لا يزول بالشك.
ومنها: أن الأصل بقاء ما كان على ما كان.
ومنها: أن اليقين يزول باليقين الطارئ عليه؛ لقوله: “حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا”.
ومن فوائد هذا الحديث: أن الدين الإسلامي يريد من أهله أن لا يبقوا في قلق وارتباك وريب؛ لأن الإنسان إذا مشى على هذه القاعدة استراح لكن إذا صدع للأوهام والوساوس تعب فنحن نقول: استرح لو شككت وأشكل عليك فالأصل بقاء الطهارة.
ومن فوائد الحديث: أنه لو غلب على ظنه أنه أحدث فإنه لا يلزمه الوضوء؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم علق وجوب الوضوء بأمر متيقن وهو سماع الصوت، أو الرائحة، أما ما سوى ذلك فلا، وعلى هذا فلا يعمل هنا بغلبة الظن، يعني: لو أشكل على الإنسان أخرج منه شيء، سواء ريح أو بلل في رأس ذكره، أو بلل في حلقة الدبر، أو ما أشبه ذلك، وأشكل عليه وغلب على ظنه أنه خارج فلا يلتفت إليه حتى يتيقن”. انتهى
قال الشيخ البسام في توضيح الأحكام (1/ 293):
هذا الحديث أحد أدَّلة القاعدة الكلية الكبرى، وهي: “اليقين لا يزول بالشك”؛ فاليقين: هو طمأنينةُ القلب على حقيقة الشيء. فلذا: فإنَّ الأمر المتيقَّن ثبوته لا يرتفع إلاَّ بدليلٍ قاطع، ولا يحكم بزواله بمجرَّد الشك، كذلك الأمر المتيقن عدم ثبوته، لا يحكم بثبوته بمجرَّد الشك؛ لأنَّ الشكَّ لا يقاوِمُ اليقينَ، فلا يعارضه ثبوتًا ولا عدمًا. انتهى
توى لابن تيمية :
إذا تَوَضَّأ وقامَ يُصَلِّي أحَسَّ بِالنُّقْطَةِ فِي صَلاتِهِ، فَهَلْ تَبْطُلُ صَلاتُهُ أمْ لا؟ وهَلْ إذا أصابَ النُّقْطَةَ يَغْسِلُ الثَّوْبَ؟
مُجَرَّدُ الإحْساسِ لا يَنْقُضُ الوُضُوءَ؛ ولا يَجُوزُ لَهُ الخُرُوجُ مِن الصَّلاةِ الواجِبَةِ بِمُجَرَّدِ الشَّكِّ؛ فَإنَّهُ قَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ ﴿أنَّهُ سُئِلَ عَنْ الرَّجُلِ يَجِدْ الشَّيْءَ فِي الصَّلاةِ؟ فَقالَ: لا يَنْصَرِفُ حَتّى يَسْمَعَ صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا﴾. وأمّا إذا تَيَقَّنَ خُرُوجَ البَوْلِ إلى ظاهِرِ الذَّكَرِ فَقَدْ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وعَلَيْهِ الِاسْتِنْجاءُ إلّا أنْ يَكُونَ بِهِ سَلَسُ البَوْلِ فَلا تَبْطُلُ الصَّلاةُ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ إذا فَعَلَ ما أُمِرَ بِهِ. واَللَّهُ أعْلَمُ
مجموع الفتاوى ٢١/٢٢٠
ابن القيم يذكر الخلاف :
فصل
وأما ما أفتى به الحسن وإبراهيم النخعى ومالك، فى إحدى الروايتين عنه: أن من شك هل انتقض وضوءه أم لا؟ وجب عليه أن يتوضأ احتياطًا، ولا يدخل فى الصلاة بطهارة مشكوك فيها فهذه مسألة نزاع بين الفقهاء.
وقد قال الجمهور، منهم الشافعى، وأحمد، وأبو حنيفة، وأصحابهم، ومالك فى الرواية الأخرى عنه: إنه لا يجب عليه الوضوء، وله أن يصلى بذلك الوضوء الذى تيقنه وشك فى انتقاضه.
واحتجوا بما رواه مسلم فى صحيحه عن أبى هريرة رضى الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم:
«إذا وجَدَ أحَدُكُمْ فى بَطْنِهِ شَيْئًا فَأشْكَلَ عَلَيْهِ: أخَرَجَ مِنهُ شىْ أمْ لاَ؟ فَلاَ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ حَتّى يَسْمَعَ صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا».
وهذا يعم المصلى وغيره.
وأصحاب القول الأول يقولون: الصلاة ثابته فى ذمته بيقين، وهو يشك فى براءة الذمة منها بهذا الوضوء، فإنه على تقدير بقائه هى صحيحة، وعلى تقدير انتقاضه باطلة، فلم
يتيقن براءة ذمته، ولأنه شك فى شرط الصلاة: هل هو ثابت أم لا؟ فلا يدخل فيها بالشك.
والآخرون يجيبون عن هذا بأنها صلاة مستندة إلى طهارة معلومة قد شك فى بطلانها فلا يلتفت إلى الشك، ولا يزيل اليقين به، كما لو شك: هل أصاب ثوبه أو بدنه نجاسة؟ فإنه لا يجب عليه غسله، وقد دخل فى الصلاة بالشك.
ففرقوا بينهما بفرقين.
أحدهما: أن اجتناب النجاسة ليس بشرط. ولهذا لا يجب نيته، وإنما هو مانع، والأصل عدمه، بخلاف الوضوء، فإنه شرط، وقد شك فى ثبوته، فأين هذا من هذا؟
الثانى: أنه قد كان قبل الوضوء محدثًا، وهو الأصل فيه. فإذا شك فى بقائه كان ذلك رجوعًا إلى الأصل. وليس الأصل فيه النجاسة، حتى نقول: إذا شك فى حصولها رجعنا إلى أصل النجاسة، فهنا يرجع إلى أصل الطهارة، وهناك يرجع إلى أصل الحدث.
إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان ١/١٧٥ — ابن القيم (ت ٧٥١)
وقال ابن القيم أيضا وهو يعدد أمثلة على استصحاب الوصف المثبت للحكم :
…. ولَمّا كانَ الأصْلُ بَقاءَ المُتَطَهِّرِ عَلى طَهارَتِهِ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالوُضُوءِ مَعَ الشَّكِّ فِي الحَدَثِ، بَلْ قالَ: «لا يَنْصَرِفُ حَتّى يَسْمَعَ صَوْتًا أوْ يَجِدَ رِيحًا» …..
مِثالُهُ أنَّ مالِكًا مَنَعَ الرَّجُلَ إذا شَكَّ هَلْ أحْدَثَ أمْ لا مِن الصَّلاةِ حَتّى يَتَوَضَّأ؛ لِأنَّهُ وإنْ كانَ الأصْلُ بَقاءَ الطَّهارَةِ فَإنَّ الأصْلَ بَقاءُ الصَّلاةِ فِي ذِمَّتِهِ، فَإنْ قُلْتُمْ: لا نُخْرِجُهُ مِن الطَّهارَةِ بِالشَّكِّ، قالَ مالِكٌ: ولا نُدْخِلُهُ فِي الصَّلاةِ بِالشَّكِّ، فَيَكُونُ قَدْ خَرَجَ مِنها الشَّكُّ، فَإنْ قُلْتُمْ: يَقِينُ الحَدَثِ قَدْ ارْتَفَعَ بِالوُضُوءِ فَلا يَعُودُ بِالشَّكِّ، قالَ مُنازِعُهُمْ: ويَقِينُ البَراءَةِ الأصْلِيَّةِ قَدْ ارْتَفَعَ بِالوُجُوبِ فَلا يَعُودُ بِالشَّكِّ، قالُوا: والحَدِيثُ الَّذِي تَحْتَجُّونَ بِهِ مِن أكْبَرِ حُجَجِنا، فَإنَّهُ مَنَعَ المُصَلِّيَ بَعْدَ دُخُولِهِ فِي الصَّلاةِ بِالطَّهارَةِ المُتَيَقَّنَةِ أنْ يَخْرُجَ مِنها بِالشَّكِّ، فَأيْنَ هَذا مِن تَجْوِيزِ الدُّخُولِ فِيها بِالشَّكِّ؟
إعلام الموقعين عن رب العالمين ١/٢٥٦ — ابن القيم (ت ٧٥١)
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: الإنسان في معدته تنفس كثير ربما غازات ولكن وضوءه لم يتممه إلا بمشقة، مثلًا يصل إلى الوجه فيحس حسًا رقيقة ويخاف في نقص الوضوء ثم يبدأ الوضوء من جديد وكذلك في الصلاة عندما يصلي فيحس كذا بدون أن يشم رائحة ما الحل لهذا؟
فأجابوا: «هذه الوسوسة من الشيطان ليفسد بها على المسلم عبادته، والواجب تركها وألا يخرج المسلم من صلاته أو يعيد وضوءه إلا إذا سمع صوتًا أو وجد ريحًا؛ لما روى الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: (إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا)، والمقصود أن يتحقق خروج الحدث ومتى بقي معه أدنى شك فطهارته صحيحة» انتهى. ( اللجنة الدائمة في السعودية )
تنبيه :
مما ورد أيضا في الباب : حديث عبد الله بن زيد قال: شُكِيَ إلى النبي ﷺ الرجل يُخَيّل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة، قال: لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا. متفق عليه