189 – فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إماراتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل:
189 – قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج 2 ص 1418): حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ الرَّمْلِيُّ حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ عَلْقَمَةَ بْنِ خَدِيجٍ الْمَعَافِرِيُّ عَنْ أَرْطَاةَ بْنِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَبِي عَامِرٍ الْأَلْهَانِيِّ عَنْ ثَوْبَانَ: عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «لَأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِي يَاتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا» قَالَ ثَوْبَانُ يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لَا نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ قَالَ «أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَاخُذُونَ مِنْ اللَّيْلِ كَمَا تَاخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللهِ انْتَهَكُوهَا».
[ص: 160] هذا حديث حسنٌ. وأبو عامر هو عبد الله بن غابر.
—–
الحديث صححه الألباني في الصحيحة
بوب عليه الشيخ مقبل في الجامع:
الإيمان بالبعث
انتهاك محارم الله
سورة الفرقان
260 – قوله تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا}
وذنوب الخلوات هي المعاصي التي يرتكبها المرء في حال غيبته عن النّاس واختلائه بنفسه، ولا يدخل بها حديث النّفس الذي يطرأ أحياناً على خاطر الإنسان، ولكن إذا استرسل بها، أو استجلبها فإنّها تُعدّ من ذنوب الخلوات القلبيّة، ولا تدخلُ بها كذلك صغائر الذنوب التي لا يسلم منها أحد من العباد، دون استرسال بارتكابها
لا يعني بالضرورة خلوتهم في بيوتهم وحدهم، بل قد يكونون مع مَن هم على شاكلتهم، ويدخل في معنى انتهاك حرمات الله مَن إذا سمحت لهم الفرصة وقعوا في محارم الله، وشأن المنتهكين لمحارم الله -تعالى- أنّهم إمّا يستحلّون فعل ذلك لأنفسهم بعيداً عن مرأى النّاس، أو يبالغون فيها بالخلوات ويستمرؤونها وكأنّهم قد أمنوا مكر الله وعقوبته لهم، ومن هنا جاء النّص بالوعيد بحبوط أعمالهم، باعتبار أنّ ارتكابهم للذنوب في الخلوات يدلّ على عدم استشعارهم مراقبة الله -تعالى- واطّلاعه عليهم
قال الأثيوبي الهرري:
(لأعلمن) أنا
(أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة) أرض المحشر، حالة كونهم ملتبسين
(بحسنات) أي: بأعمال حسنة
(أمثال) وأشباه
(جبال تهامة) في العظم والكثرة.
والتهامة: خلاف نجد؛ وهي ما انخفض إلى جهة البحر من أرض الحجاز.
حالة كون تلك الحسنات (بيضا) أي: بيضاء نيرة، جمع أبيض، سوغ مجيء الحال من النكرة وصفها بما بعدها
(فيجعلها الله عز وجل) أي: يصير تلك الحسنات
(هباء منثورا) أي: هباء منتثرا معدوما لا يرى له أثر؛ والهباء: غبار يظهر في ضوء الشمس عندما تدخل الشمس في البيت بالطاقة.
(قال ثوبان) رضي الله تعالى عنه:
(يا رسول الله؛ صفهم لنا) أي: اذكر لنا يا رسول الله أوصاف أولئك القوم الذين يجعل الله حسناتهم هباء منثورا (جلهم لنا) أمر من جلى؛ من باب زكى؛ من التجلية؛ أي: اكشف لنا عن أوصافهم، وبينها لنا لنعرفهم بأوصافهم لـ
(ألا نكون منهم ونحن لا نعلم) أي ونحن لا نعلم كوننا منهم، فـ (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالهم عن بيان أوصاف أولئك القوم: (أما) – بتخفيف الميم – أي: انتبهوا واستمعوا ما أقول لكم
(إنهم) أي: إن أولئك القوم
(إخوانكم) من المسلمين في ظاهر حالهم
(من جلدتكم) أي: من جنسكم من بني آدم، لا من الجن ولا من الملائكة
(ويأخذون من الليل) أي: يأخذون نصيبهم من الأعمال الصالحة في الليل؛ يعني: يصلون صلاة الليل (كما) أنتم (تأخذون) من أعماله (ولكنهم) أي: لكن أولئك
(أقوام إذا خلوا) وتجردوا من الناس وغيرهم
(بمحارم الله) متعلق بخلوا ..
(انتهكوها) أي: استخفوا تحريم ما حرم الله عليهم من محرماته بارتكابها وعملها؛ كأنه تعالى لا يراهم
شرح سنن ابن ماجه للهرري. مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (26/ 102)
مما جاء في خشية الله في السر:
قال ابن الجوزي:
عن القاسم بن محمد قال: كنا نسافر مع ابن المبارك فكثيرا ما كان يخطر ببالي فأقول في نفسي: بأي شيء فضل هذا الرجل علينا حتى اشتهر في الناس هذه الشهرة؟ إن كان يصلي إنا نصلي، ولئن يصوم إنا لنصوم، وإن كان يغزو فإنا لنغزو، وإن كان يحج إنا لنحج.
قال: فكنا في بعض مسيرتنا في طريق الشام ليلة نتعشى في بيت إذ طفئ السراج فقام بعضنا فأخذ السراج وخرج يستصبح فمكث هينهة ثم جاء بالسراج فنظرت إلى وجه ابن المبارك ولحيته قد ابتلت من الدموع، فقلت في نفسي: بهذه الخشية فضل هذا الرجل علينا، ولعله حين فقد السراج فصار إلى الظلمة ذكر القيامة.
قال المروزي: وسمعت أبا عبد الله بن حنبل قال: ما رفع الله ابن المبارك إلا بخبيئة كانت له.
قال المروزي: وأخبرت عن داود بن رشيد قال: كان ابن المبارك عند أبي الأحوص فجاء رسول فلان الهاشمي بعض الولاة فقال: يقرئك السلام ويقول: يا أبا الأحوص هذا شهر رمضان وقد وسعنا على عيالنا وهذه ألف درهم توسع بها عليهم في هذا الشهر. قال أبو الأحوص: فعل الله به وفعل به. وقال: قل له يدعها عنده حتى إذا احتجنا إليها بعثنا فأخذناها.
قال: وانسل ابن المبارك إلى منزله فجاء بألف فقال: يا أبا الأحوص هذه الألف تنفقها فإني لا آمن أن يكون قد بلغ أهلك فيخاصمونك، وهذه من وجه أرجو أن تكون أطيب فقبلها
صفة الصفوة (2/ 330)
قال ابن الجوزي أيضا:
133 – فصل: الحذر من المعاصي
634 – الحذر الحذر من المعاصي؛ فإن عواقبها سيئة. وكم من معصية لا يزال صاحبها في هبوط أبدا، مع تعثير أقدامه، وشدة فقره، وحسراته على ما يفوته من الدنيا، وا حسرة لمن نالها، فلو قارب زمان جزائه على قبيحه لذي ارتكبه، كان اعتراضه على القدر في فوات أغراضه يعيد العذاب جديدا!
635 – فوا أسفا لمعاقب لا يحس بعقوبته! وآه من عقاب يتأخر حتى ينسى سببه. أو ليس ابن سيرين يقول: عيرت رجلا بالفقر، فافتقرت بعد أربعين سنة؟! وابن الجلاء يقول: نظرت إلى شاب مستحسن، فنسيت القرآن بعد أربعين سنة.
فوا حسرة لمعاقب لا يدري أن أعظم العقوبة عدم الإحساس بها!
636 – فالله الله في تجويد التوبة، عساها تكف كف الجزاء.
والحذر الحذر من الذنوب، خصوصا ذنوب الخلوات، فإن المبارزة لله تعالى تسقط العبد من عينه. وأصلح ما بينك وبينه في السر، وقد أصلح لك أحوال العلانية، ولا تغتر بستره -أيها العاصي- فربما يجذب من عورت، ولا بحلمه فربما بغت العقاب.
637 – وعليك بالقلق واللجإ إليه والتضرع؛ فإن نفع شيء، فذلك، وتقوت بالحزن، وتمرز كأس الدمع، واحفر بمعول الأسى قليب قلب الهوى، لعلك تنبط من الماء ما يغسل جرم جرمك.
تمزز: مص، تنبط الماء: تستخرج الماء
صيد الخاطر (ص207)
قال ابن الجوزي أيضا:
بيان ما يصير هباء منثورا من الأعمال
النوع الأول:
ويشتمل على ما هو أعم من ذلك وهو أن يكون له أعمال يرجو بها الخير فتصير هباء منثورا وتبدل سيئات. وقد قال تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة} [النور: 39]. وقال تعالى: {وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا} [الفرقان: 23].
قال الفضيل في هذه الآية: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} [الزمر: 47] قال: عملوا أعمالا وحسبوا أنها حسنات فإذا هي سيئات.
النوع الثاني:
وقريب من هذا أن يعمل الإنسان ذنبا يحتقره، ويستهون به فيكون هو سبب هلاكه، كما قال تعالى: {وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم} [النور: 15].
وقال بعض الصحابة: إنكم تعملون أعمالا هي أدق في أعينكم من الشعر، كنا نعدها على عهد رسول الله – صلى الله عليه وسلم – من الموبقات.
النوع الثالث:
وأصعب من هذا من زين له سوء عمله فرآه حسنا قال تعالى: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا (103) الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا} [الكهف: 103 – 104].
قال ابن عيينة: لما حضرت محمد بن المنكدر الوفاة جزع فدعوا له أبا حازم فجاء، فقال له ابن المنكدر: إن الله يقول: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا {يحتسبون} [الزمر: 47]، فأخاف أن يبدو لي من الله ما لم أكن أحتسب. فجعلا يبكيان جميعا. خرجه ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم.
وزاد ابن أبي الدنيا: فقال له أهله: دعوناك لتخفف عليه فزدته فأخبرهم بما قال.
وقال الفضيل بن عياض: أخبرت عن سليمان التيمي أنه قيل له: أنت أنت ومن مثلك؟
فقال: مه، لا تقولوا هذا، لا أدري ما يبدو لي من الله، سمعت الله يقول: {وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون} [الزمر: 47].
قلت سيف: قال ابن أبي مليكة -وهو تابعي ثقة جليل-:أدركت ثلاثين من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – كلهم يخاف النفاق على نفسه. (البخاري معلقا).
النوع الرابع:
وكان سفيان الثوري يقول عند هذه الآية: ويل لأهل الرياء من هذه الآية.
وهذا كما في حديث الثلاثة الذين هم أول من تسعر بهم النار، العالم، والمتصدق والمجاهد.
النوع الخامس
وكذلك من عمل أعمالا صالحة وكانت عليه مظالم فهو يظن أن أعماله تنجيه فيبدو له من الله ما لم يكن يحتسب، فيقتسم الغرماء أعماله كلها ثم يفضل لهم فضل فيطرح من سيئاتهم عليه ثم يطرح في النار.
النوع السادس
وقد يناقش الحساب فيطلب منه شكر النعم، فأصغرها تستوعب أعماله كلها، وتبقى بقية النعم، فيطالب شكرها فيعذب، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: “من نوقش الحساب عذب أو هلك”
النوع السابع
وقد يكون له سيئات تحبط بعض أعماله وأعمال جوارحه سوى التوحيد فيدخل النار.
وفي “سنن ابن ماجه” من رواية ثوبان مرفوعا: “إن من أمتي من يجيء بأعمال أمثال الجبال فيجعلها الله هباء منثورا”.
وفيه: “هم قوم من جلدتكم (ويتكلمون بألسنتكم) ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها”.
وخرج يعقوب بن شيبة وابن أبي الدنيا من حديث سالم مولى أبي حذيفة مرفوعا: “ليجيء يوم القيامة أقوام معهم من الحسنات مثل جبال تهامة، حتى إذا جيء بهم جعل الله أعمالهم هباء ثم أكبهم في النار”.
قال سالم: خشيت أن أكون منهم.
قال: “أما إنهم كانوا يصومون ويصلون ويأخذون هنيهة من الليل، لعلهم كانوا إذا عرض لهم شيء من الحرام أخذوه، فأدحض الله أعمالهم”.
وقد يحبط العمل بآفة من رياء خفي وعجب به ونحو ذلك ولا يشعر به صاحبه
المحجة في سير الدلجة (4/ 437)
قال تعالى {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا}:
[سُورَةُ النِّسَاءِ: (108)]
قال السعدي:
ثم ذكر عن هؤلاء الخائنين أنهم {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} وهذا من ضعف الإيمان، ونقصان اليقين، أن تكون مخافة الخلق عندهم أعظم من مخافة الله، فيحرصون بالطرق المباحة والمحرمة على عدم الفضيحة عند الناس، وهم مع ذلك قد بارزوا الله بالعظائم، ولم يبالوا بنظره واطلاعه عليهم. وهو معهم بالعلم في جميع أحوالهم، خصوصًا في حال تبييتهم ما لا يرضيه من القول، من تبرئة الجاني، ورمي البريء بالجناية، والسعي في ذلك للرسول – صلى الله عليه وسلم – ليفعل ما بيتوه. فقد جمعوا بين عدة جنايات، ولم يراقبوا رب الأرض والسماوات، المطلع على سرائرهم وضمائرهم، ولهذا توعدهم تعالى بقوله: {وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا} أي: قد أحاط بذلك علما، ومع هذا لم يعاجلهم بالعقوبة بل استأنى بهم، وعرض عليهم التوبة وحذرهم من الإصرار على ذنبهم الموجب للعقوبة البليغة
قال ابن حجر الهيتمي:
[الكبيرة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة إظهار زي الصالحين في الملأ وانتهاك المحارم]
(الكبيرة السادسة والخمسون بعد الثلاثمائة: إظهار زي الصالحين في الملأ وانتهاك المحارم ولو صغائر في الخلوة) أخرج ابن ماجه بسند رواته ثقات عن ثوبان – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – أنه قال: «لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بأعمال أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله هباء منثورا. قال ثوبان صفهم لنا يا رسول الله أو جلهم لنا لئلا نكون منهم ونحن لا نعلم قال: أما إنهم إخوانكم ومن جلدتكم ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها». والبزار والبيهقي واللفظ له: «الطابع معلق بقائمة عرش الله عز وجل فإذا انتهكت الحرمة وعمل بالمعاصي واجترئ على الله سبحانه وتعالى بعث الله الطابع فيطبع على قلبه فلا يعقل بعد ذلك شيئا».
والترمذي وحسنه: «إن الله ضرب مثلا صراطا مستقيما على كتفي الصراط – أي جانبيه – داران لهما أبواب مفتحة على الأبواب ستور وداع يدعو فوقه {والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [يونس: 25] والأبواب التي على كتفي الصراط حدود الله فلا يقع أحد في حدود الله حتى يكشف الستر، والذي يدعو من فوقه واعظ ربه عز وجل». ورزين: «ضرب الله مثلا صراطا مستقيما وعن جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة، وعلى الأبواب ستور مرخاة وعند رأس الصراط داع يقول استقيموا على الصراط ولا تعوجوا، وفوق ذلك داع يدعو كلما هم عبد أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال ويحك لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه». ثم فسره فأخبر أن الصراط هو الإسلام، وأن الأبواب المفتحة محارم الله جل وعلا، وأن الستور المرخاة حدود الله، والداعي على رأس الصراط هو القرآن، والداعي من فوقه هو واعظ الله في قلب كل مؤمن. ورواه أحمد والبزار مختصرا بغير هذا اللفظ بإسناد حسن، والترمذي وأعله.
وابن ماجه والبيهقي وغيرهما: «من يأخذ مني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يعلم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة قلت أنا يا رسول الله فأخذ بيدي وعد خمسا قال: اتق المحارم تكن أعبد الناس، وارض بما قسم الله لك تكن أغنى الناس، وأحسن إلى جارك تكن مؤمنا، وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مسلما، ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب».
والبزار: «أنا آخذ بحجزكم أقول إياكم وجهنم إياكم والحدود إياكم وجهنم إياكم والحدود ثلاث مرات، فإذا أنا مت تركتكم وأنا فرطكم على الحوض فمن ورد أفلح» الحديث
والشيخان: «إن الله يغار وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله عليه». تنبيه: عد هذا هو ظاهر الحديث الأول وليس ببعيد وإن لم أر من ذكره؛ لأن من كان دأبه إظهار الحسن وإسرار القبيح يعظم ضرره وإغواؤه للمسلمين؛ لانحلال ربقة التقوى والخوف من عنقه
الزواجر عن اقتراف الكبائر (2/ 209)
جاء في موسوعة شرح أسماء الله الحسنى:
الأثر الثالث: مراقبة الله تعالى، والحياء منه:
إن لهذا الاسم مقتضياته من الذل والخضوع ودوام المراقبة، والإحسان والإخلاص في العبادة، والبعد عن الذنوب.
فمن علم أن ربه مطلع على سائر عمله، واستدام هذا العلم في قلبه؛ استحى أن يراه على معصية أو على ما لا يحب، وصار أكثر مراقبة لله تعالى، فاستقام سلوكه وسمت روحه، وراقب الله في سره وعلانيته …
إبصار الله تعالى لما يحصل في خفايا الليل والنهار …..
وعليه فمن استشعر كمال إبصار الله له واطلاعه على أعماله؛ سلم حتى من معاصي الخلوات، التي حذر منها النبي -صلى الله عليه وسلم- أصحابه، فعن ثوبان -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: «لأعلمن أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضا، فيجعلها الله -عز وجل- هباء منثورا، قال ثوبان: يا رسول الله صفهم لنا، جلهم لنا، أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم، قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون، ولكنهم أقوام إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها».
وكلما استيقن العبد رؤية البصير سبحانه لعمله ظاهره وباطنه، أورثه ذلك مزيد عناية في عبادته حتى يصل لمرتبة الإحسان، التي قال عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- في تعريفها: «أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
موسوعة شرح أسماء الله الحسنى (1/ 76)
قال باحث:
مساوئ ذنوب الخلوات لذنوب الخلوات العديد من الآثار على فاعلها في الدنيا والآخرة، منها: عدم كمال العبوديّة لله تعالى. نفور المؤمنين من العبد الذي يخالف أمر الله -تعالى- في خلواته، فما أسرّ عبد سريرةً إلّا أظهرها الله -تعالى- على قسَمات وجهه، وفلتات لسانه خيرها وشرّها. الخلوة هي اختبار شديد تظهر نتائجه في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: (يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ).والتقوى لا تكتمل دون صلاح السريرة، وهذا مُنعدِم في مُنتهك محارم الله -تعالى- في خلواته، لأنّ تقوى الله ومخافته في السرّ أصعب منها في العلن، لكنّها أعظم أجراً؛ فالدافع إليها خشية الله وحده. سيّئات الخلوات تُبطِل حسنات العلن. سوء الخاتمة؛ فهي عقوبة إلهيّة على عدم صدق العبد، قال ابن رجب: (خاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة بين العبد وربه). ذنوب الخلوات تدلّ على ضعف تعظيم الله وأوامره في قلب العبد كما يليق بجلال الله تعالى، فخشية الناس في قلوب الهاتكين أعظم من خشية الله. أخطر ما في ذنوب الخلوات أنّ اعتيادها يبثّ اليأس في قلوب العُصاة، فينقطعون عن التوبة.
كيف يتخلص الإنسان من ذنوب الخلوات:
1 – الالتجاء إلى الله تعالى بالدعاء , والتضرع إليه، أن يصرف عنه الذنوب والمعاصي، قال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) البقرة/ 186.
2 – مجاهدة النفس، ودفع وسوستها، ومحاولة تزكيتها بطاعة الله، قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا) الشمس/7 – 10، وقال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت/69.
3 – تأمل الوعيد الشديد الوارد في حديث ثَوْبَانَ السابق ذِكره، وخشية انطباقه على فاعل تلك الذنوب في خلواته.
4 – استشعار مراقبة الله تعالى، وأنه رقيب، ومطلع على المسلم في كل حال.
قال ابن كثير رحمه الله:
وقد ذُكر عن الإمام أحمد رحمه الله أنه كان ينشد هذين البيتين، إما له، أو لغيره:
إذَا مَا خَلَوتَ الدهْرَ يَومًا فَلا تَقُل … خَلَوتُ وَلكن قُل عَليّ رَقيب
وَلا تَحْسَبَن الله يَغْفُل ساعةً … وَلا أن مَا يَخْفى عَلَيْه يَغيب
“تفسير ابن كثير” (6/ 219).
5 – أن يتخيل المسلم من يجلهم، ويحترمهم، ينظرون إليه وهو يفعل ذلك الذنب!
ويستشعر استحياءه من الله أكثر من استحيائه من الخلق , وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: (واستحي من الله استحياءك رجلاً مِنْ أهلكَ) صححه الألباني رحمه الله في “السلسلة الصحيحة” (3559)، وعزاه للبزار، والمروزي في “الإيمان”.
6 – تذكر الموت لو أنه جاءه وهو في حال فعل المعصية، وارتكاب الذنب , فكيف يقابل ربه وهو في تلك الحال؟!.
7 – تذكر ما أعده الله لعباده الصالحين من جنة عرضها السموات والأرض , والتفكر في عذاب الله تعالى، قال تعالى: (أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَمْ مَنْ يَاتِي آمِنًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فصلت/40.
8 – الإقلال من الخلوات بالنفس، فبعض الناس يكون مدخل الشيطان إليه وسيطرته عليه خلال خلواته.
9 – تذكّر ستر الله -تعالى- على العبد، وأنّ ستر الله لمنتهك الحرمات دليل على أنّ الله -سبحانه وتعالى- ما يزال يمنح العبد فرصةً للتوبة والإنابة.
10 – استذكار أنّ الخلوة في حياة المؤمن يجب أنّ تكون صلةً بالله تعالى، ودموعَ خشيةٍ بين يديه.
11 – استحضار العبد عداوة الشيطان له، وأنّ فرحة التائب هي الانتصار على الشيطان، والخلاص من سلطانه.
جاء في بعض المجلات الشرعية:
علامات المخلصين:
للمخلصين علامات عدة؛ من أبرزها:
1 – إرادتهم وجه الله: سمة المخلصين العظمى أنهم يريدون بعملهم وجه الله،
فلا يريدون به مغنما ولا جاها ولا ثناء ولا عرضا من عروض الدنيا الزائلة ..
2 – حبهم لعمل الخلوة: المخلصون أحرص على إخفاء صالح أعمالهم من
غيرهم على كتمان ذنوبهم؛ رجاء أن ينالهم الخير الوارد في الحديث: «إن الله
يحب العبد التقي الغني الخفي»، وقد كان ذلك هديا بينا للسلف الصالح،
وسمتا ظاهرا لهم ..
3 – أن سريرتهم أحسن من علانيتهم: فالمخلص ليس من يظهر التنسك
أمام الناس ثم يسيء فيما بينه وبين الله، بل هو قوام على نفسه يحاسبها؛ كأنه أبدا
يرى الله، فهو مراقب له سبحانه في سره وعلانيته، لا روغان في استقامته، وهذه
من أعظم قرباته، قال ابن عطاء: «أفضل الطاعات مراقبة الحق على دوام
الأوقات»، فصفته كما ذكر الله: [والذين يبيتون لربهم سجدا وقياما] (الفرقان: 64)، قال الحسن: «هذا ليلهم إذا خلوا بينهم وبين ربهم تبارك
وتعالى»، فهو أبعد ما يكون عن خلال أولئك الذين ضعف إخلاصهم،
وقلت مراقبتهم، ممن حكى النبي صلى الله عليه وسلم لنا حالهم، فقال: «لأعلمن
أقواما من أمتي يأتون يوم القيامة بحسنات أمثال جبال تهامة بيضاء فيجعلها الله
هباء منثورا. قال ثوبان: صفهم لنا يا رسول الله! أن لا نكون منهم ونحن لا نعلم.
قال: أما إنهم إخوانكم، ومن جلدتكم، ويأخذون من الليل كما تأخذون؛ ولكنهم أقوام
إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها».
فإتيان المعاصي وانتهاك الحرمات في السر عمل مشين، وليس من أخلاق
المخلصين، ولذا قال الربيع بن خثيم: «السرائر السرائر .. اللاتي تخفين من
الناس وهن لله تعالى بواد، التمسوا دواءهن ثم يقول: وما دواؤهن إلا أن تتوب ثم
لا تعود»، وقال حميد الطويل: «لئن كنت إذا عصيت الله خاليا ظننت أنه
يراك لقد اجترأت على أمر عظيم، ولئن كنت تظن أنه لا يراك فلقد كفرت»،
وقال ابن الأعرابي: «أخسر الخاسرين من أبدى للناس صالح أعماله، وبارز
بالقبيح من هو أقرب إليه من حبل الوريد».
4 – أنهم يخافون من رد أعمالهم ..
5 – لا ينتظرون ثناء الناس: ولذا تراهم لا يعاتبون من أساء إليهم، ولا
يحقدون على من منعهم، ولا يرجون من الخلق جزاء ولا شكورا
مجلة البيان (182/ 26 بترقيم الشاملة آليا)
– برهان المنة وبرهان البلاء:
فكون الله عزوجل يمن عليك بالتوبة ويختارك مع أهل الصلاح ويفتح عليك أبواب الفلاح والطاعات فهذا برهان منِّه اجعله نصب عينيك.
وكونك تعصي الله في الخفاء فيصيبك نصب عذاب من الابتلاء فهذا برهان ابتلاء وتخويف من الله؛ اجعله نصب عينك.
– لا تغتر باستقامتك:
أخبرني أخ طالب علم منذ ثلاثين سنة، دخل عليه الشيطان مدخل بذنوب الخلوات فغرره الشيطان بالعزلة والابتعاد عن أعين الناس تماما ليبحث البحوث الشرعية عبر الشبكة فبدأت الإعلانات تظهر له صور فاضحة فكان ينظر ويلعن ثم بدأ ينظر ويتلذذ. ثم تاب وقطع الوسائل التي أوصلته لهذه الحالة.