189 ( أ) عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
23 – باب الأمر بالمعروف والنهي عَن المنكر
قَالَ الله تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104] وَقالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110] وَقالَ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199] وَقالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [التوبة:71] وَقالَ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
قال الطبري:” وأصل {المعروف} كل ما كان معروفاً فعله، جميلاً مستحسناً، غير مستقبح في أهل الإيمان بالله، وإنما سميت طاعة الله معروفا لأنه مما يعرفه أهل الإيمان، ولا يستنكرون فعله. وأصل {المنكر} ما أنكره الله، ورأوه قبيحا فعله؛ ولذلك سميت معصية الله منكرا؛ لأن أهل الإيمان بالله يستنكرون فعلها، ويستعظمون ركوبها. ” [الطبري: (7) / (105)]
قال الأصفهاني:” الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر ركنان وثيقان من أركان الدين يجب على المرء أن لا يهملهما.” (المحجة في بيان المحجة (2/ 547)
قال ابن تيمية:” الامر بالمعروف والنهي عن المنكر هو من أوجب الأعمال وأفضلها وأحسنها” (الاستقامة 2/ 226)
وقال أيضا:” لا بد من العلم بالمعروف والمنكر والتمييز بينهما ولا بد من العلم بحال المأمور وحال المنهي ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي على الصراط المستقيم وهو أقرب الطرق الى حصول المقصود ولا بد في ذلك من الرفق كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا كان العنف في شيء إلا شانه وقال صلى الله عليه وسلم إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وقال إن الله رفيق يحب الرفق ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف ولا بد أيضا أن يكون حليما صبورا على الأذى فلا بد أن يحصل له أذى فإن لم يحلم ويصبر كان ما يفسد أكثر مما يصلح”
(الاستقامة 2/ 321)
وقال أيضا:” العالم تارة يأمر وتارة ينهى وتارة يبيح وتارة يسكت عن الأمر أو النهي أو الإباحة … فربما كان الأصلح الكف والإمساك عن أمره ونهيه كما قيل: إن من المسائل مسائل جوابها السكوت كما سكت الشارع في أول الأمر عن الأمر بأشياء والنهي عن أشياء حتى علا الإسلام وظهر. فالعالم في البيان والبلاغ كذلك؛ قد يؤخر البيان والبلاغ لأشياء إلى وقت التمكن كما أخر الله سبحانه إنزال آيات وبيان أحكام إلى وقت تمكن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسليما إلى بيانها.” (انظر مجموع الفتاوى (20/ 58)
قال ابن القيم:”النبي – صلى الله عليه وسلم – شرع لأمته إيجاب إنكار المنكر ليحصل بإنكاره من المعروف ما يحبه الله ورسوله، فإذا كان إنكار المنكر يستلزم ما هو أنكر منه وأبغض إلى الله ورسوله فإنه لا يسوغ إنكاره، وإن كان الله يبغضه ويمقت أهله، وهذا كالإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم؛ فإنه أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر ” (إعلام الموقعين 2/ 12)
وقال أيضا:” فإنكار المنكر أربع درجات؛ الأولى: أن يزول ويخلفه ضده، الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته، الثالثة: أن يخلفه ما هو مثله، الرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه؛ فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة” (إلاعلام الموقعين 2/ 12)
ومر معنا شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في باب الدلالة على خير والدعاء إلى هدى أو ضلالة
قال ابن علان:” (باب الأمر بالمعروف) من الفرائض والسنن والآداب ومحاسن الأخلاق المحمودة شرعاً، فالأمر بالمعروف أمر بكل فعل يعرف بالشرع والعقل حسنه، وهذا الشطر من الترجمة تقدمت الترجمة في معناه بباب الدلالة على الخير. (والنهي عن المنكر) ضد المعروف كترك واجبٍ أو فعل حرامٍ صغيرةً كان أو كبيرةً.” (دليل الفالحين (1/ 340)
قال ابن باز بعد أن ذكر آيات الباب وأحاديثه:” هذا الواجب به صلاح الأمة وسلامتها وبعدها عن أسباب الخطر، فإن الناس إذا استقاموا على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صلح مجتمعهم وساد فيهم الحق واختفى فيهم الباطل واستحقوا من الله الخير الكثير والعافية الحميدة فضلا من الله وإحسانا، ومتى ضاع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجتمع و عُطل ظهرت المنكرات والشرور وانتشرت الرذائل واختفت الفضائل وصار ذلك من أعظم الأسباب في حلول العقوبات والنقمات ” (شرح رياض الصالحين لابن باز (1/ 387)
قال ابن عثيمين:” قال المؤلف رحمه الله تعالى-: ” باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” فالمعروف كل ما عرفه الشرع وأقره من العبادات القولية والفعلية، الظاهرة، والباطنة، والمنكر: كل ما أنكره الشرع ومنعه من أنواع المعاصي؛ من الكفر، والفسوق، والعصيان، والكذب، والغيبة، والنميمة، وغير ذلك.
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، واجب وفرض كفاية، إذا قام به من يكفي حصل المقصود، وإذا لم يقم به من يكفي؛ وجب على جميع المسلمين، كما قال الله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) فبدأ بالدعوة إلى الخير، ثم ثّنى بالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وذلك لأن الدعوة إلى الخير قبل الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدعوة إلى الخير هي بيان الخير للناس، بأن يدعوهم إلى الصلاة وإلى الزكاة، وإلى الحج، وإلى الصيام، وإلى بر الوالدين، وإلى صلة الأرحام، وما أشبه ذلك، ثم بعد هذا يأتي دور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فيأمر ويقول: صّل، إما على سبيل العموم، أو على سبيل الخصوص، بأن يمسك برجل متهاون بالصلاة فيقول له: صلِّ.
وهناك مرحلة ثالثة وهي التغيير الذي قال فيه الرسول عليه الصلاة والسلام: ” من رأى منكم منكراً فليغيره بيده” ولم يقل فلينه عنه؛ لأن هذه مرحلة فوق النهي، ” فإن لم يستطع فبلسانه” وإن لم يستطع فبقلبه” اللسان هو مرحلة النهي عن المنكر الثانية، فإذا كان الإنسان لا يستطيع أن يتكلم فإنه ينكر بقلبه، بكراهته وبغضه لهذا المنكر.” (شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (2/ 402)
وقال أيضا:” ينبغي للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يقصد بذلك إصلاح الخلق وإقامة شرع الله، لا أن يقصد الانتقام من العاصي، أو الانتصار لنفسه، فإنه إذا نوى هذه النية لم ينزل الله البركة في أمره ولا نهيه؛ بل يكون كالطبيب يريد معالجة الناس ودفع البلاء عنهم، فينوى بأمره ونهيه أولاً: إقامة شرع الله، وثانياً: إصلاح عباد الله، حتى يكون مصلحاً وصالحاً” (شرح الرياض لابن عثيمين 2/ 408)
الآية الأولى: قَالَ الله تَعَالَى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران:104]
قال الطبري:” يعني بذلك جل ثناؤه:”ولتكن منكم” أيها المؤمنون “أمة”، يقول: جماعة “يدعون” الناس “إلى الخير”، يعني إلى الإسلام وشرائعه التي شرعها الله لعباده “ويأمرون بالمعروف”، يقول: يأمرون الناس باتباع محمد صلى الله عليه وسلم ودينه الذي جاء به من عند الله “وينهون عن المنكر”،: يعني وينهون عن الكفر بالله والتكذيب بمحمد وبما جاء به من عند الله، بجهادهم بالأيدي والجوارح، حتى ينقادوا لكم بالطاعة. وقوله:”وأولئك هم المفلحون”، يعني: المنجحون عند الله الباقون في جناته ونعيمه.” (تفسير الطبري (7/ 91)
قال ابن كثير:” يَقُولُ تَعَالَى: وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ مُنْتَصِبَةٌ لِلْقِيَامِ بِأَمْرِ اللَّهِ فِي الدَّعْوَةِ إِلَى الْخَيْرِ وَالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، قَالَ الضَّحَّاكُ: هُمْ خَاصَّةُ الصَّحَابَةِ وَخَاصَّةُ الرُّوَاةِ، يَعْنِي الْمُجَاهِدِينَ وَالْعُلَمَاءَ. وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الْبَاقِرُ: قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ثُمَّ قَالَ «الْخَيْرُ اتِّبَاعُ الْقُرْآنِ وَسُنَّتِي» رَوَاهُ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ.
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ، أن تكون فرقة من هذه الْأُمَّةِ مُتَصَدِّيَةٌ لِهَذَا الشَّانِ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَى كُلِّ فَرْدٍ مِنَ الْأُمَّةِ بِحَسْبِهِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ» وَفِي رِوَايَةٍ: وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الْإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ».
وقال الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الْهَاشِمِيُّ، أَنْبَأَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ أَبِي عَمْرٍو، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَشْهَلِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَتَامُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ، أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ لَتَدْعُنَّهُ فَلَا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ» وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ،” (تفسير ابن كثير 2/ 78) الحديث الذي ذكره ابن كثير الصحيح أنه من رواية أبي موسى وليس من رواية أبي هريرة.
قال السعدي:” أي: وليكن منكم أيها المؤمنون الذين مَنَّ الله عليهم بالإيمان والاعتصام بحبله {أمة} أي: جماعة {يدعون إلى الخير} وهو اسم جامع لكل ما يقرب إلى الله ويبعد من سخطه {ويأمرون بالمعروف} وهو ما عرف بالعقل والشرع حسنه {وينهون عن المنكر} وهو ما عرف بالشرع والعقل قبحه، وهذا إرشاد من الله للمؤمنين أن يكون منهم جماعة متصدية للدعوة إلى سبيله وإرشاد الخلق إلى دينه، ويدخل في ذلك العلماء المعلمون للدين، والوعاظ الذين يدعون أهل الأديان إلى الدخول في دين الإسلام، ويدعون المنحرفين إلى الاستقامة، والمجاهدون في سبيل الله، والمتصدون لتفقد أحوال الناس وإلزامهم بالشرع كالصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وغير ذلك من شرائع الإسلام، وكتفقد المكاييل والموازين وتفقد أهل الأسواق ومنعهم من الغش والمعاملات الباطلة، وكل هذه الأمور من فروض الكفايات كما تدل عليه الآية الكريمة في قوله {ولتكن منكم أمة} إلخ أي: لتكن منكم جماعة يحصل المقصود بهم في هذه الأشياء المذكورة، ومن المعلوم المتقرر أن الأمر بالشيء أمر به وبما لا يتم إلا به فكل ما تتوقف هذه الأشياء عليه فهو مأمور به، كالاستعداد للجهاد بأنواع العدد التي يحصل بها نكاية الأعداء وعز الإسلام، وتعلم العلم الذي يحصل به الدعوة إلى الخير وسائلها ومقاصدها، وبناء المدارس للإرشاد والعلم، ومساعدة النواب ومعاونتهم على تنفيذ الشرع في الناس بالقول والفعل والمال، وغير ذلك مما تتوقف هذه الأمور عليه، وهذه الطائفة المستعدة للدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم خواص المؤمنين، ولهذا قال تعالى عنهم: {وأولئك هم المفلحون} الفائزون بالمطلوب، الناجون من المرهوب” (تفسير السعدي (1/ 142)
قال ابن باز:” يقول الله عز وجل في كتابه العظيم: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} يعني: من قام بهذا الواجب هو المفلح حق بالدعوة إلى الخير، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قام بهذا الواجب فقد أفلح لما فيه من صلاح الأمة صلاح المجتمع وإقامة أمر الله ومحاربة ما يغضب الله عزوجل.” (شرح رياض الصالحين لابن باز (1/ 388)
قال ابن عثيمين:” وقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} {مِنْكُمْ} (من) يحتمل أن تكون للتبعيض، ويحتمل أن تكون لبيان الجنس، فعلى الأول يكون المعنى: وليكن بعضكم يدعو إلى الخير، وعلى الثاني: ولتكونوا جميعًا دعاة إلى الخير؛ لأن إذا جعلناها لبيان الجنس صار المعنى أن كل الأمة يجب أن تكون من هذا الطراز؛ يعني وتكون أمة تدعون إلى الخير، وإذا جعلناها للتبعيض صار المعنى: وليكن بعضكم يدعو إلى الخير” (تفسير ابن عثيمين)
الآية الثانية: وَقالَ تَعَالَى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:110]
قال الطبري:” اختلف أهل التأويل في تأويل قوله:”كنتم خير أمة أخرجت للناس”.فقال بعضهم: هم الذين هاجروا مع رسول الله من مكة إلى المدينة وخاصة، من أصحاب رسول الله .
وقال آخرون: معنى ذلك: كنتم خير أمة أخرجت للناس، إذا كنتم بهذه الشروط التي وصفهم جل ثناؤه بها. فكان تأويل ذلك عندهم: كنتم خير أمة تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله، أخرجوا للناس في زمانكم.
وقال آخرون: إنما قيل:”كنتم خير أمة أخرجت للناس”، لأنهم أكثر الأمم استجابة للإسلام.
وقال بعضهم: عنى بذلك أنهم كانوا خير أمة أخرجت للناس.
حدثني محمد بن سنان قال، حدثنا أبو بكر الحنفي، عن عباد، عن الحسن في قوله:”كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر”، قال: قد كان ما تسمعُ من الخير في هذه الأمة.
(7620) – حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد عن قتادة قال: كان الحسن يقول: نحن آخرُها وأكرمُها على الله، قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بتأويل الآية ما قال الحسن” (تفسير الطبري (7/ 104)
قال ابن تيمية:” فالجهاد للْكفَّار أصلح من هلاكهم بِعَذَاب سَمَاء من وُجُوه: أَحدهَا: أَن ذَلِك أعظم فِي ثَوَاب الْمُؤمنِينَ وأجرهم وعلو درجاتهم؛ لما يَفْعَلُونَهُ من الْجِهَاد فِي سَبِيل الله لأن تكون كلمة الله هِيَ الْعليا، وَيكون الدِّين كُله لله. الثَّانِي: أَن ذَلِك أَنْفَع للْكفَّار أَيْضاً؛ فَإِنَّهُم قد يُؤمنُونَ من الْخَوْف، وَمن أسر مِنْهُم وسيم من الصغار يسلم أَيْضا، وَهَذَا من معنى قَوْله تَعَالَى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}؛ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: «وكنتم خير النَّاس للنَّاس؛ تأتون بهم فِي الأقياد والسلاسل حَتَّى تدخلوهم الْجنَّة»، فَصَارَت الأمة بذلك خير أمة أخرجت للنَّاس. ” [ابن تيمية: (2) / (122)]
قال ابن كثير:” وَالصَّحِيحُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ عامةٌ فِي جَمِيعِ الْأُمَّةِ، كُلُّ قَرْن بِحَسْبِهِ، وَخَيْرُ قُرُونِهِمُ الَّذِينَ بُعثَ فِيهِمْ ((8)) رَسُولُ اللَّهِ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلونهم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، كَمَا قَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} أَيْ: خِيَارًا {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ [وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا]} الْآيَةَ. [ابن كثير: (1) / (374)]
وقال أيضا:” من سره أن يكون من هذه الأمة فليؤَدِّ شرط الله فيها … ومن لم يتصف بذلك أشبه أهل الكتاب الذين ذمهم الله بقوله: {كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه} [المائدة: (79)]. [ابن كثير: (1) / (374)]
قال فيصل آل مبارك:” كنتم يَا أمة محمد خير أمة أنفع الناس للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، فمن تحقق فيه هذا الوصف فهو من أفضل الأمة.” (1/ 144)
قال ابن باز:” قال عزوجل: ((ُكنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ)) يخاطب أمة محمد عليه الصلاة والسلام المستجيبة المستقيمة ((ُكنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وتؤمنون بالله)) فدل ذلك على أن صفاتها ومن أسباب خيرتها أنها تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.” شرح رياض الصالحين لابن (1/ 388)
قال ابن عثيمين:” {كُنْتُمْ} قيل: في علم الله، وذلك لأن (كان) للمضيّ، ومعلوم أن هذه الأمة آخر الأمم، فلا يمكن أن يُتحدث عنها على أنها أمة بائدة، فمن ثَمّ قال بعض العلماء: إن فعل المضيّ هنا باعتبار لعلم الله، يعني: كنتم في علم الله، وعلم الله سابق على وجود الأمم، {خَيْرَ أُمَّةٍ}، وقيل وهو الصحيح: إن (كان) هنا مبينة لاتصاف المبتدأ بالخبر وتحقق وجوده فيه، وليست دالة على زمان، وهذا هو الأصح، ولهذا أمثلة منها قوله تعالى: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [النساء (96)]، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء (158)]، هل نقول: إن (كان) هنا تدل على المضي وأن هذه صفة زالت عن الله؟ لا، لكنها مسلوبة الزمان تدل على تحقق اتصاف اسمها بما دل عليه خبرها” (تفسير ابن عثيمين)
الآية الثالثة: وَقالَ تَعَالَى: {خُذِ الْعَفْوَ وَامُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} [الأعراف:199]
قال الطبري:” اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك: فقال بعضهم: تأويله: خذ العفو من أخلاق الناس, وهو الفضل وما لا يجهدهم … وقال آخرون: بل معنى ذلك: خذ العفو من أموال الناس, وهو الفضل. قالوا: وأمر بذلك قبل نزول الزكاة, فلما نزلت الزكاة نُسِخ … وقال آخرون: بل ذلك أمرٌ من الله نبيَّه صلى الله عليه وسلم بالعفو عن المشركين، وترك الغلظة عليهم قبل أن يفرض قتالهم عليه، قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال بالصواب قول من قال: معناه: خذ العفو من أخلاق الناس, واترك الغلظة عليهم وقال: أُمر بذلك نبيّ الله صلى الله عليه وسلم في المشركين.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصواب, لأن الله جل ثناؤه أتبع ذلك تعليمَه نبيَّه صلى الله عليه وسلم محاجَّته المشركين في الكلام, وذلك قوله: قُلِ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ كِيدُونِ فَلا تُنْظِرُونِ، وعقَّبه بقوله: وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الْغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ * وَإِذَا لَمْ تَاتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلا اجْتَبَيْتَهَا، فما بين ذلك بأن يكون من تأديبه نبيَّه صلى الله عليه وسلم في عشرتهم به، أشبهُ وأولى من الاعتراض بأمره بأخذ الصدقة من المسلمين.” (تفسير الطبري)
قال ابن القيم:” قد جمع الله له مكارم الأخلاق في قوله تعالى: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199] قال جعفر بن محمد: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بمكارم الأخلاق. وليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية. وقد ذكر: أنه لما نزلت هذه الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: «ما هذا؟ قال: لا أدري حتى أسأل، فسأل. ثم رجع إليه. فقال: إن الله يأمرك أن تصل من قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك».
ولا ريب أن للمطاع مع الناس ثلاثة أحوال.
أحدها: أمرهم ونهيهم بما فيه مصلحتهم.
الثاني: أخذه منهم ما يبذلونه مما عليهم من الطاعة.
الثالث: أن الناس معه قسمان: موافق له موال، ومعاد له معارض. وعليه في كل واحد من هذه واجب.
فواجبه في أمرهم ونهيهم: أن يأمر بالمعروف. وهو المعروف الذي به صلاحهم وصلاح شأنهم. وينهاهم عن ضده.
وواجبه فيما يبذلونه له من الطاعة: أن يأخذ منهم ما سهل عليهم، وطوعت له به أنفسهم، سماحة واختيارا. ولا يحملهم على العنت والمشقة فيفسدهم.
وواجبه عند جهل الجاهلين عليه: الإعراض عنهم. وعدم مقابلتهم بالمثل والانتقام منهم لنفسه. فقد قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} (مدارج السالكين لابن القيم 2/ 289)
قال ابن كثير:” قال بعض العلماء: الناس رجلان: فرجل محسن، فخذ ما عفا لك من إحسانه، ولا تكلفه فوق طاقته ولا ما يحرجه. وإما مسيء، فمره بالمعروف، فإن تمادى على ضلاله، واستعصى عليك، واستمر في جهله، فأعرض عنه، فلعل ذلك أن يرد كيده، كما قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون * وقل رب أعوذ بك من همزات الشياطين * وأعوذ بك رب أن يحضرون} [المؤمنون:96 – 98] ” (3/ 532)
قال السعدي:” هذه الآية جامعة لحسن الخلق مع الناس، وما ينبغي في معاملتهم،” (تفسير السعدي)
قال فيصل آل مبارك:” خذ العفو من أخلاق الناس كقبول أعذارهم، والمساهلة معهم، والصبر عليهم، {وَامُرْ بِالْعُرْفِ}، المعروف {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}. لا تقابل السفه بالسفه.” (تطريز رياض الصالحين 146ص)
الآية الرابعة: وَقالَ تَعَالَى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَامُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ}
قال ابن جرير:” وأما المؤمنون والمؤمنات وهم المصدقون بالله ورسوله وآيات كتابه, فإن صفتهم: أن بعضهم أنصارُ بعض وأعوانهم يأمرون بالمعروف، يقول: يأمرون الناس بالإيمان بالله ورسوله, وبما جاء به من عند الله.” (تفسير ابن جرير14/ 347)
قال القرطبي” قوله تعالى بعضهم أولياء بعض أي قلوبهم متحدة في التواد والتحاب والتعاطف. وقال في المنافقين بعضهم من بعض لأن قلوبهم مختلفة ولكن يضم بعضهم إلى بعض في الحكم ” (8/ 203)
قال ابن كثير:” (بعضهم أولياء بعض) أي: يتناصرون ويتعاضدون، كما جاء في الصحيح: المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه وفي الصحيح أيضا: مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم، كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.
وقوله: (يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) كما قال تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون ” (تفسير ابن كثير 4/ 153)
قال ابن عاشور:” وعبّر في جانب المؤمنين والمؤمنات بأنّهم أولياء بعضٍ للإشارة إلى أنّ اللحمة الجامعة بينهم هي وَلاية الإسلام؛ فهم فيها على السواء، ليس واحد منهم مقلّداً للآخر، ولا تابعاً له على غير بصيرة؛ لما في معنى الولاية من الإشعار بالإخلاص، والتناصر، بخلاف المنافقين، فكأنّ بَعضَهم ناشئ من بعض في مذامّهم. [ابن عاشور: (10) / (262)]
قال ابن عثيمين:” في هذه الآية دليلٌ على أن وظيفة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليست خاصة بالرجال، بل حتى النساء عليهن أن يأمرن بالمعروف وينهين عن المنكر، ولكن في حقول النساء، ليس في مجامع الرجال وفي أسواق الرجال، لكن في حقول النساء ومجتمعات النساء؛ في أيام العرس، وفي أيام الدراسة، وما أشبه ذلك” (شرح الرياض 2/ 411)
الآية الخامسة، وَقالَ تَعَالَى: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ، كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ}
قال ابن جرير:” يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل لهؤلاء النصارى الذين وصفَ تعالى ذكره صفتهم: لا تغلوا فتقولوا في المسيح غير الحق، ولا تقولوا فيه ما قالت اليهود الذين قد لعنهم الله على لسان أنبيائه ورسله، داود وعيسى ابن مريم” (تفسير الطبري 10/ 489)
وقال أيضا في قوله ((تعالى كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ)):” فتأويل الكلام: كانوا لا ينتهون عن منكر أتوه لبئس ما كانوا يفعلون “. وهذا قسم من الله تعالى ذكره يقول: أقسم: لبئس الفعل كانوا يفعلون، في تركهم الانتهاء عن معاصي الله تعالى ذكره، وركوب محارمه، وقتل أنبياء الله ورسله” (المصدر نفسه)
قال البغوي:” (لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود) يعني: أهل أيلة لما اعتدوا في السبت، وقال داود عليه السلام: اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا قردة (وعيسى ابن مريم) أي: على لسان عيسى عليه السلام، يعني: كفار أصحاب المائدة، لما لم يؤمنوا، قال عيسى: اللهم العنهم واجعلهم آية فمسخوا خنازير (ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون) ” (تفسير البغوي 2/ 72)
ونقل القرطبي بسنده عن ابن عباس قوله: ” لعن الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ” قال: لعنوا بكل لسان: لعنوا على عهد موسى في التوراة، ولعنوا على عهد داود في الزبور، ولعنوا على عهد عيسى في الإنجيل، ولعنوا على عهد محمد صلى الله عليه وسلم في القرآن. (تفسير القرطبي)
قال ابن كثير:” قال العوفي، عن ابن عباس: لعنوا في التوراة و [في] الإنجيل وفي الزبور، وفي الفرقان.” (تفسير ابن كثير 3/ 145)
قال البقاعي:” لم ينفعهم -مع نسبتهم إلى واحدة من الشريعتين- نسبتهم إلى إسرائيل عليه السلام؛ فإنه لا نسب لأحد عند الله دون التقوى، لا سيما في يوم الفصل؛ إذ الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين. [البقاعي: (2) / (518)]
قال القرطبي في قوله تعالى كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ قال حذاق أهل العلم: ليس من شرط الناهي أن يكون سليماً عن معصية، بل ينهى العصاة بعضهم بعضاً. [القرطبي: (8) / (106)]
قال السعدي:” {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} أي: كانوا يفعلون المنكر، ولا ينهى بعضهم بعضا، فيشترك بذلك المباشر، وغيره الذي سكت عن النهي عن المنكر مع قدرته على ذلك. وذلك يدل على تهاونهم بأمر الله، وأن معصيته خفيفة عليهم، فلو كان لديهم تعظيم لربهم لغاروا لمحارمه، ولغضبوا لغضبه، وإنما كان السكوت عن المنكر -مع القدرة- موجبا للعقوبة، لما فيه من المفاسد العظيمة: منها: أن مجرد السكوت، فعل معصية، وإن لم يباشرها الساكت. فإنه -كما يجب اجتناب المعصية- فإنه يجب الإنكار على من فعل المعصية. ومنها: ما تقدم أنه يدل على التهاون بالمعاصي، وقلة الاكتراث بها. ومنها: أن ذلك يجرئ العصاة والفسقة على الإكثار من المعاصي إذا لم يردعوا عنها، فيزداد الشر، وتعظم المصيبة الدينية والدنيوية، ويكون لهم الشوكة والظهور، ثم بعد ذلك يضعف أهل الخير عن مقاومة أهل الشر، حتى لا يقدرون على ما كانوا يقدرون عليه أوَّلًا. ومنها: أن – في ترك الإنكار للمنكر- يندرس العلم، ويكثر الجهل، فإن المعصية- مع تكررها وصدورها من كثير من الأشخاص، وعدم إنكار أهل الدين والعلم لها – يظن أنها ليست بمعصية، وربما ظن الجاهل أنها عبادة مستحسنة، وأي مفسدة أعظم من اعتقاد ما حرَّم الله حلالا؟ وانقلاب الحقائق على النفوس ورؤية الباطل حقا؟ ” ومنها: أن السكوت على معصية العاصين، ربما تزينت المعصية في صدور الناس، واقتدى بعضهم ببعض، فالإنسان مولع بالاقتداء بأضرابه وبني جنسه، ومنها ومنها.
فلما كان السكوت عن الإنكار بهذه المثابة، نص الله تعالى أن بني إسرائيل الكفار منهم لعنهم بمعاصيهم واعتدائهم، وخص من ذلك هذا المنكر العظيم.” (تفسير السعدي)
قال ابن باز:” فأخبر أنه لعنهم على هذا المنكر على هذه الإضاعة ضيعوا أمر الله عزوجل ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (79) يعني: تساكتوا وأعرض بعضهم عن بعض حتى زاد المنكر واتضح المنكر وانتشر واختفى الحق بسبب التساكت والإعراض والغفلة وعدم الأمر والنهي حتى استحقوا اللعنة، نعوذ بالله من ذلك.” (شرح ابن باز 1/ 388)
قال ابن عثيمين:” فهذا النبيان لعنا الذين لا يتناهون عن منكر فعلوه، وقد حكى الله ذلك عنهما مقرا ذلك، فصار من لا يتناهى عن المنكر من المعلونين، والعياذ بالله. وفي ذلك دليل على وجوب النهي عن المنكر، وعلى أن تركه سبب للعن والطرد عن رحمة الله” (شرح الرياض2/ 413)