188 جامع الأجوبة الفقهية ص 227
مجموعة ناصر الريسي وسعيد الجابري
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
وشارك عبدالله البلوشي أبو عيسى وعلي الكربي
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وأن يبارك في ذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
باب نواقض الوضوء
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قبَّل بعض نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. أخرجه أحمد وضعفه البخاري
مسألة : تقبيل المرأة ولمسها
♢- جواب ناصر الريسي:
درجة حديث عائشة رضي الله عنها، قال الشيخ البسام رحمه الله كما في توضيح الأحكام (1/ 290)
الحديث ضعيف، ومنهم من قوَّاهُ وصحَّحه.
قال ابن حجر في التلخيص: الحديث معلول، ذكر علَّته أبو داود، والتِّرمذي، والنِّسائي، والدَّارقطني، والبيهقيُّ، وابن حزم، وقال: لا يصح في هذا الباب شيءٌ. قال الترمذي: سمعت البخاري يضعِّف هذا الحديث، وأبو داود أخرجه من طريق إبراهيم التيمي عن عائشة، ولم يسمع منها شيئًا؛ فهو مرسل.
وقال المصنف يعني ابن حجر : رُوِيَ من عشرة أوجه عن عائشة أوردها البيهقي في الخلافيات وضعَّفها. وقوَّى الحديثَ جماعةٌ من الأئمة؛ منهم: عبد الحق وقال: لا أعلم له علَّة، وقال الزيلعي: سنده جيد، وصحَّحه أحمد شاكر والألباني.
قلت سيف بن دوره : سبق في بحث ترجيح أن عروة ليس هو بن الزبير وأن نسبته وهم . ثم اتفق الأئمة على أن حبيب بن أبي ثابت لم يسمع من عروة بن الزبير .
وممن ضعف حديث عائشة أبوحاتم وابن معين وابن عبدالهادي إنما المحفوظ أنه كان يقبل وهو صائم .
♢- تقبيل المرأة ولمسها هل ينقض الوضوء أم لا؟ للعلماء فيه ثلاثة أقوال:
الأول: أنه لا ينقض الوضوء مطلقاً، وهذا مذهب الحنفية، وهو رواية عن أحمد وهو ترجيح ابن جرير وابن المنذر وابن كثير والشوكاني والصنعاني والألباني و ابن عثيمين ومقبل رحمهم الله تعالى .
قال في شرح فتح القدير (1/ 54): يجب الوضوء من المباشرة الفاحشة: وهي أن يتجردا معاً متعانقين متماسي الفرجين، وعن محمد: لا إلا أن يتيقن خروج شيء. انتهى
الثاني: انه ينقض الوضوء مطلقاً، وهذا مذهب الشافعية.
الثالث: وسط بين القولين، فقالوا ينقض إذا كان بشهوة ولا ينقض إذا كان بغير شهوة، وهذا قول المالكية والحنابلة.
انظر البحر الرائق (1/ 47)، بدائع الصنائع (1/ 30)، المجموع (2/ 29)، مغني المحتاج (1/ 34)، حاشية الدسوقي (1/ 119)، الاستذكار (1/ 320)، الإنصاف (1/ 211)، الكافي (1/ 46).
♢- أدلة القول الأول وهو عدم انتقاض وضوء من قبل أو لامس:
الدليل الأول:
البراءة الأصلية وذلك بأن من توضئ فالأصل بقاء وضوئه حتى يدل الدليل على انتقاضه، قالوا: ولا يوجد دليل صحيح صريح في نقض الوضوء من مس المرأة، والأدلة الواردة إما أدلة غير صحيحة، أو ليست صريحة، ولا ينقض الوضوء إلا دليل صحيح صريح.
الدليل الثاني:
عن عائشة زوج النبي – صلى الله عليه وسلم – أنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما، قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح. متفق عليه، البخاري (382)، ومسلم (512).
وجه الاستدلال:
لو كان مس المرأة ناقضاً للوضوء لما مس الرسول – صلى الله عليه وسلم – عائشة، وهو في الصلاة، فهذا دليل على أن مس المرأة ليس حدثاً.
وأجاب عنه المخالفون بحسب أقوالهم، فمن يرى أن مس المرأة إنما ينقض إذا كان بشهوة، قال: إن هذا الغمز لا يمكن أن يكون بشهوة، خاصة وأن هذا كان من النبي – صلى الله عليه وسلم – وهو في الصلاة، ومن يرى أن مس المرأة ناقض مطلقاً يقول: ربما كان غمزه للمرأة بحائل، وإنما ينقض إذا مس المرأة بلا حائل، وليس في الحديث ما يشير إلى أن الغمز كان بحائل، والأصل عدمه.
الدليل الثالث:
عن عائشة قالت: فقدت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه، وهو في المسجد، وهما منصوبتان وهو يقول: اللهم أعوذ برضاك من سخطك، وبمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. صحيح مسلم (486).
الدليل الرابع:
عموم البلوى، فإن هذا ما يقع كثيراً في البيوت وعليه فإن مس بدن المرأة لا يمكن أن يكون حدثاً، ولو تصور أن يكون حدثاً لرفع الحكم لعموم البلوى، ولرفع الحرج عن هذه الأمة، قال سبحانه: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}.
♢- دليل من قال: مس المرأة ينقض الوضوء مطلقاً.
الدليل الأول:
قوله تعالى: {أو لا مستم النساء} المائدة: 6.
وحقيقة اللمس: ملاقاة البشرتين، واللمس يطلق على الجس باليد، قال تعالى: {فلمسوه بأيديهم} الأنعام: 7. فدل على أن اللمس يكون باليد وبغير اليد، والمطلق يجب أخذه على إطلاقه، فقوله تعالى: {أو لامستم النساء} ،يشمل لمس اليد وغيره بمقتضى اللغة، والسنة الصحيحة.
وأجيب:
على التسليم بأن اللمس يطلق على اللمس باليد ويطلق على الجماع، فإن في الآية قرينة تدل على أن المراد من الآية الجماع لا غير، ووجهه:
أن الله سبحانه وتعالى ذكر طهارتين: الماء والتيمم، وذكر في وجوب طهارة الماء سببين: الحدث الأصغر والأكبر، فالأصغر بقوله تعالى: {إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم …} الآية.
والحدث الأكبر بقوله تعالى: {وإن كنتم جنباً فاطهروا}. وفي طهارة التيمم كذلك ذكر حدثين الأصغر والأكبر، فالأصغر بقوله تعالى: {أو جاء أحد منكم من الغائط} والأكبر بقوله: {أو لا مستم النساء} أي جامعتم النساء، ولو حمل على اللمس باليد لكان معنى هذا أن الآية كررت ذكر حدثين أصغرين، وأهملت الحدث الأكبر في طهارة التيمم، وهذا مناف للبلاغة المعهودة من كتاب الله سبحانه وتعالى، فكان مقتضى التقسيم في طهارة الماء من ذكر الحدث الأكبر والأصغر أن يعاد التقسيم نفسه في طهارة التيمم، لا أن يكرر الحدث الأصغر ويهمل الحدث الأكبر.
الدليل الثاني:
عن ابن عمر، أنه كان يقول: قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء. رواه مالك في الموطأ (1/ 43)، ومن طريق مالك أخرجه الشافعي في الأم (1/ 15)،وابن المنذر في الأوسط (1/ 117)، والدارقطني (1/ 144).
وأجيب:
أولاً: أن هذا القول من ابن عمر معارض بقول ابن عباس
فقد روى ابن أبي شيبة في المصنف (1/ 153): قال: حدثنا وكيع، عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: هو الجماع.
ثانياً: أن القرآن أطلق المس وأراد به الجماع في آيات من كتاب الله، قال تعالى: {لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن}، وقال: {إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن}، {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم}.
♢- دليل من قال: مس المرأة ينقض الوضوء إن كان بشهوة.
هذا القول ذهب إلى الجمع بين الآية والأخبار، فالآية الكريمة بقوله سبحانه وتعالى {أو لا مستم النساء} يقتضي أن يكون مس المرأة ناقضاً للوضوء مطلقاً بشهوة أو بغير شهوة، وجاءت الأخبار دالة على أن المس بدون شهوة لا ينقض الوضوء، كحديث عائشة في مسلم: قالت: فقدت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ليلة من الفراش، فالتمسته، فوقعت يدي على بطن قدميه وتقدم تخريجه بتمامه.
وحديث عائشة في الصحيحين: (كنت أنام بين يدي رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني فقبضت رجلي فإذا قام بسطتهما ..) الحديث، وسبق تخريجه بتمامه.
وقال ابن المنذر في الأوسط (1/ 131): “وما زال الناس في القديم والحديث يتعارفون أن يعانق الرجل أمه وجدته ويقبل ابنته في حال الصغر قبلة الرحمة، ولا يرون ذلك ينقض الطهارة ولا يوجب الوضوء عندهم، ولو كان ذلك حدثاً ينقض الطهارة ويوجب الوضوء لتكلم فيه أهل العلم، كما تكلموا في ملامسة الرجل امرأته وقبلته إياها”. انتهى
♢- وسئل: شيخ الاسلام كما في مجموع الفتاوى (21/ 235): عن مس النساء: هل ينقض الوضوء أم لا؟
فأجاب رحمه الله تعالى:
فيه ثلاثة أقوال للفقهاء: أحدها: أنه لا ينقض بحال. كقول أبي حنيفة وغيره.
والثاني: أنه إن كان له شهوة نقض وإلا فلا. وهو قول مالك وغيره من أهل المدينة. والثالث: ينقض في الجملة وإن لم يكن بشهوة. وهو قول الشافعي وغيره. وعن أحمد بن حنبل ثلاث روايات كالأقوال الثلاثة لكن المشهور عنه قول مالك. والصحيح في المسألة أحد قولين؛ إما الأول وهو عدم النقض مطلقا؛ وإما القول الثاني وهو النقض إذا كان بشهوة. وأما وجوب الوضوء من مجرد مس المرأة لغير شهوة فهو أضعف الأقوال ولا يعرف هذا القول عن أحد من الصحابة ولا روى أحد عن النبي أنه أمر المسلمين أن يتوضئوا من ذلك؛ مع أن هذا الأمر غالب لا يكاد يسلم فيه أحد في عموم الأحوال؛ فإن الرجل لا يزال يناول امرأته شيئا وتأخذه بيدها وأمثال ذلك مما يكثر ابتلاء الناس به فلو كان الوضوء من ذلك واجبا لكان النبي يأمر بذلك مرة بعد مرة ويشيع ذلك ولو فعل لنقل ذلك عنه ولو بأخبار الآحاد فلما لم ينقل عنه أحد من المسلمين أنه أمر أحدا من المسلمين بشيء من ذلك – مع عموم البلوى به – علم أن ذلك غير واجب. انتهى
♢- مجموع فتاوى ورسائل العثيمين (11/ 201)
وسُئل ـ حفظه الله ـ: هل مس المرأة ينقض الوضوء؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، إلا إذا خرج منه شيء، ودليل هذا ما صح عن النبي، صلى الله عليه وسلم، أنه قبل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ. ولأن الأصل عدم النقض حتى يقوم دليل صريح صحيح على النقض، ولأن الرجل أتم طهارته بمقتضى دليل شرعي، وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن رفعه إلا بدليل شرعي.
فإن قيل: قد قال الله عز وجل في كتابه: (أو لامستم النساء) .
فالجواب: أن المراد بالملامسة في الآية الجماع، كما صح ذلك عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ ثم إن هناك دليلا من تقسيم الآية الكريمة إلى أصلية، وبدلية، وتقسيم للطهارة إلى كبرى، وصغرى. وتقسيم لأسباب الطهارة الكبرى، والصغرى. قال الله تعالى: (أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُم وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ). فهذه طهارة بالماء أصلية صغرى. ثم قال: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) . فقوله: (فتيمموا) هذا البدل. وقوله (أو جاء أحد منكم من الغائط) . هذا بيان سبب الصغرى. وقوله: (أو لامستم النساء) . هذا بيان سبب الكبرى. ولو حملناه على المس الذي هو الجس باليد، لكانت الآية الكريمة ذكر الله فيها سببين للطهارة الصغرى، وسكت عن سبب الطهارة الكبرى، مع أنه قال: (وإن كنتم جنبا فاطهروا) . وهذا خلاف البلاغة القرآنية، وعليه فتكون الآية دالة على أن المراد بقوله: (أو لامستم النساء) أي جامعتم النساء، لتكون الآية مشتملة على السببين الموجبين للطهارة، السبب الأكبر والسبب الأصغر، والطهارتين الصغرى في الأعضاء الأربعة، والكبرى في جميع البدن، والبدل الذي هو طهارة التيمم في عضوين فقط لأنه يتساوى فيها الصغرى والكبرى.
وعلى هذا فالقول الراجح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، سواء بشهوة أو بغير شهوة إلا أن يخرج منه شيء، فإن خرج منه شيء وجب عليه الغسل إن كان الخارج منيا، ووجب عليه غسل الذكر والأنثيين مع الوضوء إن كان مذيا. انتهى
وقد سبق إلى هذا الاستنباط من الآية ابن المنذر في الأوسط 1/128