187 فتح الاحد الصمد شرح الصحيح المسند
مشاركة عبدالله المشجري وعبدالملك وأحمد بن علي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى ، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا )
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
قال الشيخ مقبل:
مسند ثعلبة بن الحكم رضي الله عنه
187 – قال الإمام أبو عبد الله بن ماجه رحمه الله (ج 2 ص 1299): حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ ثَعْلَبَةَ بْنِ الْحَكَمِ قَالَ: أَصَبْنَا غَنَمًا لِلْعَدُوِّ فَانْتَهَبْنَاهَا فَنَصَبْنَا قُدُورَنَا فَمَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ بِالْقُدُورِ فَأَمَرَ بِهَا فَأُكْفِئَتْ ثُمَّ قَالَ «إِنَّ النُّهْبَةَ لَا تَحِلُّ».
هذا حديث حسنٌ.
وقد رواه الحاكم (ج 2 ص 134) من طريق شعبة عن سماك بن حرب به.
والحديث من الأحاديث التي ألزم الدارقطني البخاري ومسلمًا أن يخرجاها.
————–
الحديث في الصحيحة 1673
ورد في البخاري من حديث عبدالله بن يزيد الأنصاري 2294 ) نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النهبة والمثله وبوب عليه البخاري باب النهي عن النهبه بغير إذن صاحبه .
وكذلك أورد حديثا معلقا وصله في وفود الأنصار من حديث عباده : بايعنا النبي صلى الله عليه وسلم أن ننتهب .
بوب عليه الشيخ مقبل في الجامع:
لا تنتهب الغنيمة
يكفأ الطعام الحرام
العقوبة بالمال
وبوب الهيثمي في المجمع على حديث ثعلبة باب النهي عن النهبة وعليه شرح صاحب المغني فقال بعد أن ذكر الحديث : أن الغنم تكثر قيمتها ويمكن حملها لدار الإسلام بخلاف الطير والطعام لكن إن أذن الأمير فيها جاز لما روى عطية بن قيس فذكر الأثر . وكذلك إن قسمها لما روى معاذ قال : غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر …..
بوب الطحاوي في مشكل الآثار: باب انتهاب ما ينثر على القوم مما يفعله الناس في النكاح
ثم أورد بسنده جملة من الآثار:
عن عبادة بن الصامت قال: «بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن لا ننتهب»
عن عمران بن حصين قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من انتهب فليس منا»
عن أنس قال: إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النهبة وقال: «من انتهب فليس منا»
عن عبد الرحمن بن زيد بن خالد الجهني ، عن أبيه ، «أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الخليسة والنهبة»
عن ثعلبة بن الحكم ، أخو بني ليث أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مر بقدور فيها لحم غنم انتهبوها فأمر بها فأكفئت فقال: «إن النهبة لا تحل»
عن ثعلبة بن الحكم قال: أصاب الناس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم غنما ، فانتهبوها ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تصلح النهبة ثم أمر بالقدور فأكفئت»
ثم قال:
قال أبو جعفر: فذهب قوم إلى أن الرجل إذا نثر على قوم شيئا وأباحهم أخذه أن أخذه مكروه لهم وحرام عليهم وذهبوا في ذلك إلى أنه من النهبة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار. وخالفهم في ذلك آخرون ، فقالوا: النهبة التي نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الآثار هي نهبة ما لم يؤذن في انتهابه. فأما ما نثره رجل على قوم وأباحهم انتهابه وأخذه ، فليس كذلك ، لأنه مأذون فيه والأول ممنوع منه. وقد وجدنا مثل ذلك ، قد أباحه رسول الله صلى الله عليه وسلم
4448 – حدثنا أبو بكرة ، وابن مرزوق ، قالا: ثنا أبو عاصم قال: ثنا ثور بن يزيد ، عن راشد بن سعد ، عن عبد الله بن لحي ، عن عبد الله بن قرط قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أحب الأيام إلى الله يوم النحر ، ثم يوم عرفة» . فقربت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدنات خمسا أو ستا ، فطفقن يزدلفن إليه ، بأيتهن يبدأ فلما وجبت أي سقطت جنوبها قال كلمة خفيفة لم أفهمها. فقلت للذي كان إلى جنبي ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: قال: «من شاء اقتطع» فلما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث من شاء اقتطع وأباح ذلك ، دل هذا أن ما أباحه ربه للناس من طعام ، أو غيره ، فلهم أن يأخذوا من ذلك ، وهذا خلاف النهبة التي نهى عنها في الآثار الأول. فثبت بما ذكرنا أن النهبة التي في الآثار الأول ، هي نهبة ما لم يؤذن فيه ، وأن ما أبيح من ذلك وأذن فيه ، فعلى ما في هذا الأثر الثاني. وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث منقطع قد فسر حكم النهبة المنهي عنها والنهبة المباحة ، وإنما أردنا بذكره هاهنا تفسيره لمعنى هذا المتصل
شرح معاني الآثار (3/ 50)
قال القاضي عياض:
عن عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج، عن جده، قال: قلنا: يا رسول الله، إنا لاقو العدو غدا، وليس معنا مدى، فنذكى بالليط؟ وذكر الحديث بقصته. وقال: فند علينا بعير منها، فرميناه بالنبل حتى وهصناه …
عن رافع بن خديج؛ أنه قال: يا رسول الله، إنا لاقو العدو غدا، وليس معنا مدى. وساق الحديث. ولم يذكر: فعجل القوم، فأغلوا بها القدور، فأمر بها فكفئت. وذكر سائر القصة
وقوله: ” أصبنا غنما وإبلا فعجل القوم، فأغلوا بها القدور، فأمر بها فكفئت ” الحديث، قال القاضى: أى قلبت، وقد تقدم.
قال القاضى: يمكن أن يكون أمره بإكفاء القدور لأنهم استباحوا منها على القرب ما كانوا يعرفون فيما بعد عن بلاد الإسلام، وموضع الأمر مطاع مما هو مضطرون إليه، وفى هذه الغنيمة كانوا بذى الحليفة – كما جاء فى الحديث – قريبا من المدينة ومن منازلهم، فلم يكونوا مضطرين إليها، فمنعهم من ذلك إلا بإذنه، وأراهم أن ما فعلوه فلا يجوز لهم، وأنه من باب الغلول. قال: ولو قيل إن ذلك كان من قبل أنهم بادروا قبل القسم لكان داخلا فى المعنى، وقال غيره: إنما أبيح أكل الطعام والحيوان فى بلاد العدو، وقيل: تخليص الغنيمة إلى أرض الإسلام، وأما فى أرض الإسلام فلا يأخذوا منها إلا ما قسم لهم لأنها غنيمة خالصة، وقد يكون عندى من باب أنهم إن نهبوها ولم يأخذوها باعتدال وقدر الحاجة، وكذلك وقع فى غير مسلم فى غير هذا الحديث: فانتهبناها، فأمرهم النبى صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور بما فيها، وقال: ” إنها لا تحل النهبة ” الأثر . كيف قال فى هذا الحديث: ” فأصبنا نهب إبل وغنم “، وأنه عدل بينهم فيما بقى بعد ذلك، فقد عدل عشرا من الغنم بجزور. ولم يذكر هنا قرعة، ولا خلاف أن ما اختلف أجناسه ولم يدخله قرعة أنه جائز، تفاضلوا فيه أو تساووا لأنها مراضاة، ولا يجوز القرعة إلا فى التساوى والجنس الواحد، والتعديل فى عدل النبى صلى الله عليه وسلم جزورا الأصل عندنا المذهب، والأظهر والأكثر جوازه وفيه حجة لنقوص ذلك فى الهدايا على ما تقدم فى الحج.
قال المهلب: إنما أمرهم بإكفاء القدور وطرح ما فيها عقوبة لهم؛ لاستعجالهم وتركهم النبى صلى الله عليه وسلم فى أخريات القوم، ولما يخشى من مكيدة، كما جاء فى الحديث: والنبى فى أخريات القوم فعجلوا ويقدم مسرعا والناس، فنصبوا القدور فحرمهم ما تعجلوا له عقابا لهم؛ كما منع القاتل الميراث وشبهه
إكمال المعلم بفوائد مسلم (6/ 420)
قال ابن قدامة:
1671 – مسألة؛ قال: (ولا يعقر شاة، ولا دابة، إلا لأكل لا بد لهم منه)
أما عقر دوابهم في غير حال الحرب، لمغايظتهم، والإفساد عليهم، فلا يجوز، سواء خفنا أخذهم لها أو لم نخف. وبهذا قال الأوزاعى، والليث، والشافعى، وأبو ثور. وقال أبو حنيفة، ومالك: يجوز، لأن فيه غيظا لهم، وإضعافا لقوتهم، فأشبه قتلها حال قتالهم…
فصل: فأما عقرها للأكل، فإن كانت الحاجة داعية إليه، ولابد منه، فمباح، بغير خلاف، لأن الحاجة تبيح مال المعصوم، فمال الكافر أولى. وإن لم تكن الحاجة داعية إليه ، نظرنا؛ فإن كان الحيوان لا يراد إلا للأكل، كالدجاج والحمام وسائر الطير والصيد، فحكمه حكم الطعام. فى قول الجميع، لأنه لا يراد لغير الأكل، وتقل قيمته، فأشبه الطعام. وإن كان مما يحتاج إليه فى القتال، كالخيل، لم يبح ذبحه للأكل، فى قولهم جميعا. وإن كان غير ذلك، كالغنم والبقر، لم يبح. فى قول الخرقى. وقال القاضى: ظاهر كلام أحمد إباحته، لأن هذا الحيوان مثل الطعام فى باب الأكل والقوت، فكان مثله فى إباحته. وإذا ذبح الحيوان، أكل لحمه، وليس له الانتفاع بجلده؛ لأنه إنما أبيح له ما يأكله دون غيره. قال عبد الرحمن بن معاذ بن جبل: كلوا لحم الشاة، وردوا إهابها إلى المغنم. ولأن هذا حيوان مأكول، فأبيح أكله، كالطير. ووجه قول الخرقى، ما روى سعيد : ثنا أبو الأحوص، عن سماك بن حرب، عن ثعلبة بن الحكم، قال: أصبنا غنما للعدو، فانتهبناها ، فنصبنا قدورنا، فمر النبى -صلى الله عليه وسلم- بالقدور وهى تغلى، فأمر بها فأكفئت، ثم قال لهم: “إن النهبة لا تحل”. ولأن هذه الحيوانات تكثر قيمتها، وتشح أنفس الغانمين بها، ويمكن حملها إلى دار الإسلام، بخلاف الطير والطعام، لكن إن أذن الأمير فيها جاز؛ لما روى عطية بن قيس، قال: كنا إذا خرجنا فى سرية، فأصبنا غنما، نادى منادى الإمام: ألا من أراد أن يتناول شيئا من هذه الغنم فليتناول، إنا لا نستطيع سياقها . رواه سعيد . وكذلك إن قسمها؛ لما روى معاذ، قال: غزونا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- خيبر، فأصبنا غنما، فقسم بيننا النبى -صلى الله عليه وسلم- طائفة، وجعل بقيتها فى المغنم. رواه أبو داود . وقال سعيد : حدثنا إسماعيل بن عياش، عن عبيد الله بن عبيد ، أن رجلا نحر جزورا بأرض الروم، فلما بردت، قال: يا أيها الناس، خذوا من لحم هذه الجزور، فقد أذنا لكم. فقال مكحول: يا غسانى، ألا تأتينا من لحم هذه الجزور؟ فقال الغسانى: يا أبا عبد الله، أما ترى ما عليها من النهبى؟ قال مكحول: لا نهبى فى المأذون فيه
المغني لابن قدامة (13/ 143 ت التركي)
قال السيوطي:
قوله
[3938] ان النهبة لا تحل ليس المراد ان النهبة من الكفار لا تحل بل لأن المال غير مقسوم مشاع ملك الغانمين
شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره (ص282)
قال الإثيوبي الهرري:
(قال) ثعلبة: (أصبنا) أي: وجدنا معاشر الصحابة (غنما) كثيرا (للعدو) والكفار (فانتهبناها) أي: أخذناها نهبة وقهرا بلا قتال (فنصبنا) أي: فأقمنا (قدورنا) جمع قدر؛ اسم لآلة الطبخ، وأوقدنا نارا تحتها لطبخ لحوم الغنم التي انتهبناها من الكفار (فمر النبي صلى الله عليه وسلم بالقدور) المطبوخة من لحم تلك الغنم (فأمر) النبي صلى الله عليه وسلم (بها) أي: بالقدور؛ أي: بإكفائها وكبها على الأرض (فأكفئت) القدور وكبت مع ما فيها على الأرض (ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن النهبة) أي: المال المنهوب من صاحبه قهرا وغلبة بلا قتال ولا غنيمة (لا تحل) لآخذها ولا لغيره؛ لأنها مال أخذ من صاحبه على الوجه الحرام.
قوله: (فأكفئت) بالبناء للمفعول؛ أي: قلبت القدور وأريق ما فيها من المرق، وفي “الزوائد”: إسناده صحيح، رجاله ثقات، ولم يخرج له أحد من بقية الكتب الخمسة شيئا، والله أعلم. انتهى “سندي”.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده
شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه (23/ 291)
مسألة في التعزير بالمال:
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
تعزير
التعريف:
1 – التعزير لغة: مصدر عزر من العزر، وهو الرد والمنع، ويقال: عزر أخاه بمعنى: نصره، لأنه منع عدوه من أن يؤذيه، ويقال: عزرته بمعنى: وقرته، وأيضا: أدبته، فهو من أسماء الأضداد. وسميت العقوبة تعزيرا، لأن من شأنها أن تدفع الجاني وترده عن ارتكاب الجرائم، أو العودة إليها
وفي الاصطلاح: هو عقوبة غير مقدرة شرعا، تجب حقا لله، أو لآدمي، في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة غالبا
الحكم التكليفي:
6 – جمهور الفقهاء: على أن الأصل في التعزير أنه مشروع في كل معصية لا حد فيها، ولا كفارة.
ويختلف حكمه باختلاف حاله وحال فاعله.
حكمة التشريع:
7 – التعزير مشروع لردع الجاني وزجره، وإصلاحه وتهذيبه. قال الزيلعي: إن الغرض من التعزير الزجر. وسمى التعزيرات: بالزواجر غير المقدرة. (4)
والزجر معناه: منع الجاني من معاودة الجريمة، ومنع غيره من ارتكابها، ومن ترك الواجبات، كترك الصلاة والمماطلة في أداء حقوق الناس
التعزير عقوبة مفوضة:
المراد بالتفوض وأحكامه:
11 – ذهب المالكية والشافعية والحنابلة، وهو الراجح عن الحنفية: أن التعزير عقوبة مفوضة إلى رأي الحاكم، وهذا التفويض في التعزير من أهم أوجه الخلاف بينه وبين الحد الذي هو عقوبة مقدرة من الشارع. وعلى الحاكم في تقدير عقوبة التعزير مراعاة حال الجريمة والمجرم. أما مراعاة حال الجريمة فللفقهاء فيه نصوص كثيرة، منه قول الأسروشني: ينبغي أن ينظر القاضي إلى سببه، فإن كان من جنس ما يجب به الحد ولم يجب لمانع وعارض، يبلغ التعزير أقصى غاياته. وإن كان من جنس ما لا يجب الحد لا يبلغ أقصى غاياته، ولكنه مفوض إلى رأي الإمام . ” وأما مراعاة حال المجرم فيقول الزيلعي: إنه في تقدير التعزير ينظر إلى أحوال الجانين، فإن من الناس من ينزجر باليسير. ومنهم من لا ينزجر إلا بالكثير. يقول ابن عابدين: إن التعزير يختلف باختلاف الأشخاص، فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه، فيكون مفوضا إلى رأي القاضي، يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه
الأنواع الجائزة في عقوبة التعزير:
12 – يجوز في مجال التعزير: إيقاع عقوبات مختلفة، يختار منها الحاكم في كل حالة ما يراه مناسبا محققا لأغراض التعزير.
وهذه العقوبات قد تنصب على البدن، وقد تكون مقيدة للحرية، وقد تصيب المال، وقد تكون غير ذلك …
هـ - التعزير بالمال:
مشروعية التعزير بالمال:
20 – الأصل في مذهب أبي حنيفة: أن التعزير بأخذ المال غير جائز، فأبو حنيفة ومحمد لا يجيزانه ، بل إن محمدا لم يذكره في كتاب من كتبه . أما أبو يوسف فقد روي عنه: أن التعزير بأخذ المال من الجاني جائز إن رئيت فيه مصلحة .
وقال الشبراملسي: ولا يجوز على الجديد بأخذ المال. يعني لا يجوز التعزير بأخذ المال في مذهب الشافعي الجديد ، وفي المذهب القديم: يجوز.
أما في مذهب مالك في المشهور عنه، فقد قال ابن فرحون: التعزير بأخذ المال قال به المالكية . وقد ذكر مواضع مخصوصة يعزر فيها بالمال، وذلك في قوله: سئل مالك عن اللبن المغشوش أيراق؟ قال: لا، ولكن أرى أن يتصدق به، إذا كان هو الذي غشه. وقال في الزعفران والمسك المغشوش مثل ذلك، سواء كان ذلك قليلا أو كثيرا، وخالفه ابن القاسم في الكثير، وقال: يباع المسك والزعفران على ما يغش به، ويتصدق بالثمن أدبا للغاش.
وأفتى ابن القطان الأندلسي في الملاحف الرديئة النسج بأن تحرق. وأفتى ابن عتاب: بتقطيعها والصدقة بها خرقا.
وعند الحنابلة يحرم التعزير بأخذ المال أو إتلافه؛ لأن الشرع لم يرد بشيء من ذلك عمن يقتدى به.
وخالف ابن تيمية وابن القيم، فقالا: إن التعزير بالمال سائغ إتلافا وأخذا .
واستدلا لذلك بأقضية للرسول صلى الله عليه وسلم كإباحته سلب من يصطاد في حرم المدينة لمن يجده، وأمره بكسر دنان الخمر، وشق ظروفها، وأمره عبد الله بن عمر رضي الله عنهما بحرق الثوبين المعصفرين، وتضعيفه الغرامة على من سرق من غير حرز، وسارق ما لا قطع فيه من الثمر والكثر ، وكاتم الضالة.
ومنها أقضية الخلفاء الراشدين، مثل أمر عمر وعلي رضي الله عنهما بتحريق المكان الذي يباع فيه الخمر، وأخذ شطر مال مانع الزكاة، وأمر عمر بتحريق قصر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه الذي بناه حتى يحتجب فيه عن الناس. وقد نفذ هذا الأمر محمد بن مسلمة رضي الله عنه
أنواع التعزير بالمال
التعزير بالمال يكون بحبسه أو بإتلافه، أو بتغيير صورته، أو بتمليكه للغير.
أ - حبس المال عن صاحبه:
21 – وهو أن يمسك القاضي شيئا من مال الجاني مدة زجرا له، ثم يعيده له عندما تظهر توبته، وليس معناه أخذه لبيت المال؛ لأنه لا يجوز أخذ مال إنسان بغير سبب شرعي يقتضي ذلك . وفسره على هذا الوجه أبو يحيى الخوارزمي. ونظيره ما يفعل في خيول البغاة وسلاحهم، فإنها تحبس عنهم مدة وتعاد إليهم إذا تابوا. وصوب هذا الرأي الإمام ظهير الدين التمرتاشي الخوارزمي.
أما إذا صار ميئوسا من توبته، فإن للحاكم أن يصرف هذا المال فيما يرى فيه المصلحة .
ب - الإتلاف:
22 – قال ابن تيمية: إن المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلاف محلها تبعا لها، فالأصنام صورها منكرة، فيجوز إتلاف مادتها، وآلات اللهو يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء، وبذلك أخذ مالك، وهو أشهر الروايتين عن أحمد. ومن هذا القبيل أيضا أوعية الخمر، يجوز تكسيرها وتحريقها، والمحل الذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه، واستدل لذلك بفعل عمر رضي الله عنه في تحريق محل يباع فيه الخمر، وقضاء علي رضي الله عنه تحريق القرية التي كان يباع فيها الخمر، ولأن مكان البيع كالأوعية. وقال: إن هذا هو المشهور في مذهب أحمد، ومالك، وغيرهما . ومن هذا القبيل أيضا: إراقة عمر اللبن المخلوط بالماء للبيع. ومنه ما يراه بعض الفقهاء من جواز إتلاف المغشوشات في الصناعات، كالثياب رديئة النسج، بتمزيقها وإحراقها، وتحريق عبد الله بن عمر رضي الله عنهما لثوبه المعصفر بأمر النبي صلى الله عليه وسلم .
وقال ابن تيمية: إن هذا الإتلاف للمحل الذي قامت به المعصية نظيره إتلاف المحل من الجسم الذي وقعت به المعصية، كقطع يد السارق. وهذا الإتلاف ليس واجبا في كل حالة، فإذا لم يكن في المحل مفسد فإن إبقاءه جائز، إما له أو يتصدق به. وبناء على ذلك أفتى فريق من العلماء: بأن يتصدق بالطعام المغشوش. وفي هذا إتلاف له.
وكره فريق الإتلاف، وقالوا بالتصدق به، ومنهم مالك في رواية ابن القاسم، وهي المشهورة في المذهب. وقد استحسن مالك التصدق باللبن المغشوش؛ لأن في ذلك عقابا للجاني بإتلافه عليه، ونفعا للمساكين بالإعطاء لهم. وقال مالك في الزعفران والمسك بمثل قوله في اللبن إذا غشهما الجاني. وقال ابن القاسم بذلك في القليل من تلك الأموال؛ لأن التصدق بالمغشوش في الكثير من هذه الأموال الثمينة تضيع به أموال عظيمة على أصحابها، فيعزرون في مثل تلك الأحوال بعقوبات أخرى. وعند البعض: أن مذهب مالك التسوية بين القليل والكثير.
وروى أشهب عن مالك منع العقوبات المالية، وأخذ بهذه الرواية كل من مطرف وابن الماجشون من فقهاء المذهب، وعندهما: أن من غش أو نقص من الوزن يعاقب بالضرب، والحبس، والإخراج من السوق، وأن ما غش من الخبز واللبن، أو غش من المسك والزعفران لا يفرق ولا ينهب .
ج - التغيير:
23 – من التعزير بالتغيير نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن كسر سكة المسلمين الجائزة بين المسلمين، كالدراهم والدنانير، إلا إذا كان بها بأس، فإذا كانت كذلك كسرت، وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم في التمثال الذي كان في بيته ، والستر الذي به تماثيل ، إذ قطع رأس التمثال فصار كالشجرة، وقطع الستر إلى وسادتين منتبذتين يوطآن.
ومن ذلك: تفكيك آلات اللهو، وتغيير الصور المصورة.
د - التمليك:
24 – من التعزير بالتمليك: قضاء الرسول صلى الله عليه وسلم فيمن سرق من الثمر المعلق قبل أن يؤخذ إلى الجرين بجلدات نكال، وغرم ما أخذ مرتين ، وفيمن سرق من الماشية قبل أن تؤوى إلى المراح بجلدات نكال، وغرم ذلك مرتين ، وقضاء عمر رضي الله عنه بتضعيف الغرم على كاتم الضالة، وقد قال بذلك طائفة من العلماء، منهم: أحمد، وغيره، ومن ذلك إضعاف عمر وغيره الغرم في ناقة أعرابي أخذها مماليك جياع، إذ أضعف الغرم على سيدهم، ودرأ القطع .
الموسوعة الفقهية الكويتية (12/ 254)