186 – عبق الياسمين شرح رياض الصالحين
سلطان الحمادي
بالتعاون مع مجموعات السلام 1، 2، 3 والاستفادة والمدارسة
بإشراف سيف بن محمد بن دورة الكعبي
(بحوث شرعية يبحثها طلاب علم إمارتيون بالتعاون مع إخوانهم من بلاد شتى، نسأل الله أن تكون في ميزان حسنات مؤسس دولة الإمارات زايد الخير آل نهيان صاحب الأيادي البيضاء رحمه الله ورفع درجته في عليين ووالديهم ووالدينا وذرياتهم وذرياتنا)
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
——-‘——-‘——–‘
22 – باب النصيحة
قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [الحجرات:10] وَقالَ تَعَالَى إخباراً عن نوحٍ صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} [الأعراف: 62] وعن هود صلى الله عليه وسلم: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [لأعراف: 68].
——–
قوله (باب النصيحة) قال ابن الأثير رحمه الله تعالى: “النصيحة”: كلمة يعبر بها عن جملة، هي إرادة الخير للمنصوح له، وليس يمكن أن يعبر هذا المعنى بكلمة واحدة تجمع معناه غيرها، وأصل النصح في اللغة: الخلوص، يقال: نصحته، ونصحت له” (النهاية لابن الاثير)
قال النووي:” قال الإمام أبو سليمان الخطابي رحمه الله: النصيحة كلمة جامعة معناها حيازة الحظ للمنصوح له. قال: ويقال: هو من وجيز الأسماء، ومختصر الكلام، وليس في كلام العرب كلمة مفردة يستوفى بها العبارة عن معنى هذه الكلمة. كما قالوا في الفلاح: ليس في كلام العرب كلمة أجمع لخير الدنيا والآخرة منه. قال: وقيل: النصيحة مأخوذة من نصح الرجل ثوبه إذا خاطه. فشبهوا فعل الناصح فيما يتحراه من صلاح المنصوح له بما يسده من خلل الثوب. قال: وقيل: إنها مأخوذة من نصحت العسل إذا صفيته من الشمع، شبهوا تخليص القول من الغش بتخليص العسل من الخلط” (شرح مسلم)
ونقل ابن علان عن الفاكهاني في شرح الأربعين الحديث التي جمعها المصنف: في معنى النصيحة نحو ما سبق.” (دليل الفالحين)
وكذلك المازري رحمه الله تعالى: راجع (فتح الباري)
قال ابن باز:” فهذه الآيات الكريمات والأحايث الثلاثة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها تدل على وجوب النصيحة لله ولعباده، وأن ذلك من أسباب صلاح المجتمع وسعادته وحسن عاقبته وقد قام الرسل عليهم الصلاة والسلام بهذا الأمر العظيم أكمل قيام، وكانت الرسل عليهم الصلاة أنصح الناس وأنفع الناس للناس وأقومهم بحق الله من أولهم إلى آخرهم محمد عليه الصلاة والسلام.” (شرح الرياض)
والنصح من أفضل الأعمال، سئل ابن المبارك أيُّ الأعمال أفضل؟ قال: (النصح لله) (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لابن أبي الدنيا)
الآية الأولى: قوله تَعَالَى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} قال ابن كثير:” أي: الجميع إخوة في الدين، كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ” المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه “. وفي الصحيح: ” والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه “. وفي الصحيح أيضا: ” إذا دعا المسلم لأخيه بظهر الغيب قال الملك: آمين، ولك بمثله “. والأحاديث في هذا كثيرة، وفي الصحيح: ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر “. وفي الصحيح أيضا: ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ” وشبك بين أصابعه.
وقال أحمد: حدثنا أحمد بن الحجاج، حدثنا عبد الله، أخبرنا مصعب بن ثابت، حدثني أبو حازم قال: سمعت سهل بن سعد الساعدي يحدث عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: ” إن المؤمن من أهل الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، يألم المؤمن لأهل الإيمان، كما يألم الجسد لما في الرأس “. تفرد به ولا بأس بإسناده.” (تفسير ابن كثير)
قال القرطبي:” إنما المؤمنون إخوة أي في الدين والحرمة لا في النسب، ولهذا قيل: أخوة الدين أثبت من أخوة النسب، فإن أخوة النسب تنقطع بمخالفة الدين، وأخوة الدين لا تنقطع بمخالفة النسب” (تفسير القرطبي)
في هذه الآية رد على الخوارج قال ابن تيمية:” من ليس بأخ في الدين فهو كافر لأن المؤمنين اخوة مع قيام الكبائر بهم بدليل قوله في آية المقتتلين ((إنما المؤمنون اخوة)) مع أنه قد سمى قتال المؤمن كفرا” (شرح عمدة الفقه)
قال ابن علان:” ففي التعبير بالأخوة المقتضية للنظر في مصالحه وما ينفعه إيماء إلى نصحه.” (دليل الفالحين 1/ 337)
قال ابن باز:” ينبغي لأهل الإيمان التناصح والتعاون فيما بينهم في أمر الدين والدنيا جميعا.” (شرح الرياض)
قال ابن عثيمين:” إذا تحقق فيهم الأخوة واتصفوا بها، فإنه لابد أن تكون هذه الأخوة مثمرة للنصيحة.
والواجب على المؤمنين أن يكونوا كما قال الله عزّ وجلّ:: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةَ) وهم إخوة في الدين، والأخوة في الدين أقوى من الأخوة في النسب، بل إن الأخوة في النسب مع عدم الدين ليست بشيء، ولهذا قال الله – عزّ وجلّ – لنوح لما قال: (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ) قال تعالى: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) (هود: 45، 46).
أما المؤمنون فإنهم وإن تباعدت أقطارهم وتباينت لغاتهم، فإنهم إخوة مهما كان، والأخ لابد أن يكون ناصحاً لأخيه، مبدياً له الخير، مبيناً ذلك له، داعياً له.” (شرح الرياض 2/ 382)
الآية الثانية: وَقالَ تَعَالَى إخباراً عن نوحٍ صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْصَحُ لَكُمْ} [الأعراف: 62]
قال الطبري:” وأنصح لكم في تحذيري إياكم عقابَ الله على كفركم به، وتكذيبكم إياي، وردّكم نصيحتي” (تفسير الطبري)
قال البغوي:” (وأنصح لكم) يقال نصحته ونصحت له، والنصح أن يريد لغيره من الخير ما يريد لنفسه” (تفسير البغوي)
قال القرطبي:” وأنصح لكم، النصح: إخلاص النية من شوائب الفساد في المعاملة، بخلاف الغش ” (تفسير القرطبي)
قال ابن علان:” قال شاه الكرماني: علامة النصيحة ثلاثة: اغتمام القلب بمصائب المسلمين، وبذل النصح لهم، وإرشادهم إلى مصالحهم وإن جهلوا وكرهوه.” (دليل الفالحين)
الآية الثالثة: وعن هود صلى الله عليه وسلم: {وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ} [لأعراف: 68].
قال الطبري:” ” وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ”، يقول: وأنا لكم في أمري إياكم بعبادة الله دون ما سواه من الأنداد والآلهة، ودعائكم إلى تصديقي فيما جئتكم به من عند الله، ناصحٌ، فاقبلوا نصيحتي، فإني أمين على وحي الله، وعلى ما ائتمنني الله عليه من الرسالة، لا أكذب فيه ولا أزيد ولا أبدِّل، بل أبلغ ما أمرت كما أمرت.” (تفسير الطبري)
قال ابن كثير:” (أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين) وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغ والنصح والأمانة.” (تفسير ابن كثير)
قال ابن علان:” في الآية جواز مدح النفس والثناء عليها في مواضع الضرورة إلى مدحها.” (دليل الفالحين)
186 – فَالأَوَّلُ: عن أَبِي رُقيَّةَ تَميمِ بنِ أَوْس الدَّارِيِّ رضي اللَّه عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: “الدِّينُ النَّصِيحَةُ”قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ”للَّه وَلِكِتَابِهِ ولِرسُولِهِ وَلأَئمَّةِ المُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ “رواه مُسْلم.
جاء في رواية أبي داود: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إن الدِّينَ النَّصيحةُ، إن الدينَ النَّصيحة، إنَّ الدِّين النصيحة” وفي رواية النسائي ” إنما الدين النصيحة”
قال النووي:” هذا حديث عظيم الشأن وعليه مدار الإسلام … ، وأما ما قاله جماعات من العلماء أنه أحد أرباع الإسلام أي أحد الأحاديث الأربعة التي تجمع أمور الإسلام فليس كما قالوه، بل المدار على هذا وحده. وهذا الحديث من أفراد مسلم، وليس لتميم الداري في صحيح البخاري عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء، ولا له في مسلم عنه غير هذا الحديث” (شرح مسلم)
قوله (الدين النصيحة) قال أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله تعالى:” هذا لفظ يفيد الحصر، فكأنه قال: ليس الدين إلا النصيحة لله، ولكتابه، وسائر ما ذكر، أي لا يكمل الدين إلا بذلك، كما سبق بيانه في أمثال ذلك، وفيه إشعار بعظم موقع النصيحة من الدين، وهكذا مثله في أمثال ذلك”. (صيانة صحيح مسلم)
قال ابن رجب:” هذا يدلُّ على أنَّ النصيحة تَشْمَلُ خصالَ الإسلام والإيمانِ والإحسانِ التي ذكرت في حديث جبريل، وسمَّى ذلك كُلَّه ديناً. (جامع العلوم والحكم)
قال ابن حجر:” الدين النصيحة يحتمل أن يحمل على المبالغة أي معظم الدين النصيحة كما قيل في حديث الحج عرفة ويحتمل أن يحمل على ظاهره لأن كل عمل لم يرد به عامله الإخلاص فليس من الدين” (فتح الباري)
قوله (لله) أي النصيحة كائنة لله سبحانه وتعالى، ومعناها منصرف إلى الإيمان به، ونفي الشريك عنه، وترك الإلحاد في صفاته، ووصفه بصفات الكمال، والجلال كلها التي وصف بها نفسه، أو وصفه بها رسوله – صلى الله عليه وسلم – في أحاديثه الصحيحة من غير تكييف، ولا تمثيل ومن غير تعطيل ولا تأويل، وتنزيهه سبحانه وتعالى من جميع النقائص، والقيام بطاعته، واجتناب معصيته، والحب فيه والبغض فيه، وموالاة من أطاعه ومعاداة من عصاه، وجهاد من كفر به، والاعتراف بنعمه وشكره عليها، والإخلاص له في جميع الأمور، ودعاء جميع الناس أو من أمكن منهم إلى جميع الأوصاف المذكورة، والحث عليها والتلطف في ذلك. قال الخطابي رحمه الله تعالى: وحقيقة هذه الإضافة راجعة إلى العبد، في نصحه نفسه، فالله تعالى غني عن نصح الناصح. (انظر شرح مسلم للنووي، البحر المحيط الثجاج)
قال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وقد حكى الإمام أبو عبد الله محمد بن نصر المروزي رحمه الله تعالى في كتابه “تعظيم قدر الصلاة” عن بعض أهل العلم هذا الحديث بما لا مزيد على حسنه، ونحن نحكيه ها هنا بلفظه – إن شاء الله تعالى – قال محمد بن نصر: قال بعض أهل العلم: جماع تفسير النصيحة هي: عناية القلب للمنصوح له كائنا من كان، وهي على وجهين:
[أحدهما]: فرض، والآخر نافلة، فالنصيحة المفترضة لله هي شدة العناية من الناصح باتباع محبة الله في أداء ما افترض، ومجانبة ما حرم، وأما النصيحة التي هي نافلة، فهي إيثار محبته على محبة نفسه، وذلك أن يعرض له أمران: أحدهما لنفسه، والآخر لربه، فيبدأ بما كان لربه، ويؤخر ما كان لنفسه، فهذه جملة تفسير النصيحة لله الفرض منه، وكذلك تفسير النافلة، وسنذكر بعضه ليفهم بالتفسير من لا يفهم بالجملة.
فالفرض منها مجانبة نهيه، وإقامة فرضه، بجميع جوارحه، ما كان مطيقا له، فإن عجز عن الإقامة بفرضه لآفة حلت به، من مرض، أو حبس، أو غير ذلك عزم على أداء ما افترض عليه متى زالت عنه العلة المانعة له، قال الله عز وجل: {ليس على الضعفاء ولا على المرضى} [التوبة: 91] فسماهم محسنين؛ لنصيحتهم لله بقلوبهم لما منعوا من الجهاد بأنفسهم، وقد ترفع الأعمال كلها عن العبد في بعض الحالات، ولا يرفع عنهم النصح لله، فلو كان من مرض بحال لا يمكنه عمل شيء من جوارحه بلسان ولا غيره، غير أن عقله ثابت لم يسقط عنه النصح لله بقلبه، وهو أن يندم على ذنوبه، وينوي إن صح أن يقوم بما افترض الله عليه، ويجتنب ما نهاه عنه، وإلا كان غير ناصح لله بقلبه، وكذلك النصح لرسوله – صلى الله عليه وسلم – فيما أوجبه على الناس، عن أمر ربه، ومن النصح الواجب لله أن لا يرضى بمعصية العاصي، ويحب طاعة من أطاع الله تعالى ورسوله – صلى الله عليه وسلم -.
وأما النصيحة التي هي نافلة لا فرض، فبذل المجهود بإيثار الله تعالى على كل محبوب بالقلب، وسائر الجوارح، حتى لا يكون في الناصح فضل عن غيره؛ لأن الناصح إذا اجتهد لم يؤثر نفسه عليه، وقام بكل ما كان في القيام به سروره ومحبته، فكذلك الناصح لربه، ومن تنفل لله بدون الاجتهاد فهو ناصح على قدر عمله، غير مستحق للنصح بكماله. (جامع العلوم و الحكم)
(ولكتابه) معنى النصيحة لكتابه سبحانه وتعالى الإيمان بأنه كلام الله تعالى، وتنزيله، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله أحد من الخلق، ثم تعظيمه، وتلاوته حق تلاوته، وتحسينها، والخشوع عندها، وإقامة حروفه في التلاوة، والذب عنه لتأويل المحرفين، وتعرض الطاعنين، والتصديق بما فيه، والوقوف مع أحكامه، وتفهم علومه وأمثاله، والاعتبار بمواعظه، والتفكر في عجائبه، والعمل بمحكمه، والتسليم لمتشابهه، والبحث عن عمومه وخصوصه، وناسخه ومنسوخه، ونشر علومه، والدعاء إليه، وإلى ما ذكرناه من نصيحته”. (شرح مسلم)
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى:” وأما النصيحة لكتابه: فشدة حبه، وتعظيم قدره؛ إذ هو كلام الخالق، وشدة الرغبة في فهمه، وشدة العناية في تدبره، والوقوف عند تلاوته لطلب معاني ما أحب مولاه أن يفهمه عنه، ويقوم به له بعدما يفهمه، وكذلك الناصح من العباد يفهم وصية من ينصحه، وإن ورد عليه كتاب منه عني بفهمه؛ ليقوم عليه بما كتب فيه إليه، فكذلك الناصح لكتاب ربه، يعنى بفهمه؛ ليقوم لله بما أمره به كما يحب ربنا ويرضى، ثم ينشر ما فهم في العباد، ويديم دراسته بالمحبة له، والتخلق بأخلاقه، والتأدب بآدابه.” (جامع العلوم والحكم)
(ولرسوله) معنى النصيحة له – صلى الله عليه وسلم – تصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حيا وميتا، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، واستثارة علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها، وإعظامها وإجلالها، والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته، أو تعرض لأحد من أصحابه، ونحو ذلك. (شرح مسلم للنووي)
قال ابن رجب:” وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وأما النصيحة للرسول – صلى الله عليه وسلم – في حياته، فبذل المجهود في طاعته ونصرته ومعاونته، وبذل المال إذا أراده، والمسارعة إلى محبته، وأما بعد وفاته فالعناية بطلب سنته، والبحث عن أخلاقه وآدابه، وتعظيم أمره، ولزوم القيام به، وشدة الغضب له، والإعراض عمن يدين بخلاف سنته، والغضب على من ضيعها لأثرة دنيا، وإن كان متدينا بها، وحب من كان منه بسبيل، من قرابة، أو صهر، أو هجرة، أو نصرة، أو صحبة ساعة من ليل أو نهار على الإسلام، والتشبه به في زيه ولباسه” (جامع العلوم والحكم)
قال ابن عثيمين:” من النصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم احترام أصحابه وتعظيمهم ومحبتهم؛ لأن صحب الإنسان لا شك أنهم خاصته من الناس وأخص الناس به، ولهذا كان الصحابة- رضي الله عنهم- خير القرون؛ لأنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمن سبّ الصحابة أو أبغضهم، أو لمزهم، أو أشار إلى شي يبهتهم فيه، فإنه لم ينصح للرسول صلى الله عليه وسلم، وإن زعم أنه ناصح للرسول فهو كاذب” (شرح الرياض)
(ولأئمة المسلمين) معنى النصيحة لهم معاونتهم على الحق، وطاعتهم فيه، وأمرهم به، وتنبيههم وتذكيرهم برفق ولطف، وإعلامهم بما غفلوا عنه، ولم يبلغهم من حقوق المسلمين، وترك الخروج عليهم، وتأليف قلوب الناس لطاعتهم، قال الخطابي رحمه الله تعالى: ومن النصيحة لهم الصلاة خلفهم، والجهاد معهم، وأداء الصدقات إليهم، وترك الخروج بالسيف عليهم إذا ظهر منهم حيف، أو سوء عشرة، وأن لا يغروا بالثناء الكاذب عليهم، وأن يدعى لهم بالصلاح.
وهذا كله على أن المراد بأئمة المسلمين الخلفاء وغيرهم ممن يقوم بأمور المسلمين، من أصحاب الولايات، وهذا هو المشهور، وحكاه أيضا الخطابي، ثم قال: وقد يتأول ذلك على الأئمة الذين هم علماء الدين، وأن من نصيحتهم قبول ما رووه، وتقليدهم في الأحكام، وإحسان الظن بهم. (شرح مسلم)
قال ابن رجب:” وأما النصيحة لأئمة المسلمين: فحب صلاحهم ورشدهم وعدلهم، وحب اجتماع الأمة عليهم، وكراهة افتراق الأمة عليهم، والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل، والبغض لمن رأى الخروج عليهم، وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل” (جامع العلوم والحكم)
قال ابن عثيمين:” قدم الأئمة على العامة؛ لأن الأئمة إذا صلحوا صلحت العامة؛ فإذا صلح الأمراء صلحت العامة، وإذا صلح العلماء صلحت العامة، لذلك بدأ بهم،” (شرح الرياض)
قال ابن عثيمين:” المهم أن أئمة المسلمين تشمل النوعين، أئمة الدين وهم العلماء، وأئمة السلطان وهم الأمراء، وإن شئت فقل أئمة البيان، وأئمة السلطان، وأئمة البيان وهم العلماء الذين يبيّنون للناس، وأئمة السطان وهم الأمراء الذين ينفذون شريعة الله بقوة السلطان، إذاً أئمة المسلمين سواء أئمة العلم والبيان، أو أئمة القوة والسلطان يجب علينا أن نناصحهم، وأن نحرص على بذل النصيحة لهم، في الدفاع عنهم وستر معايبهم، وعلى أن نكون معهم إذا أخطئوا في بيان ذلك الخطأ لهم بيننا وبينهم؛ لأنه ربما نعتقد أن هذا العالم مخطئ أو أن هذا الأمير مخطئ وإذا ناقشناه تبين لنا أنه غير مخطئ، كما يقع هذا كثيراً.” (شرح الرياض)
(وعامتهم”) معنى النصيحة لهم، وهم من عدا ولاة الأمر، فإرشادهم لمصالحهم، في آخرتهم ودنياهم، وكف الأذى عنهم، فيعلمهم ما يجهلونه من دينهم، ويعينهم عليه بالقول والفعل، وستر عوراتهم، وسد خلاتهم، ودفع المضار عنهم، وجلب المنافع لهم، وأمرهم بالمعروف، ونهيهم عن المنكر برفق وإخلاص، والشفقة عليهم، وتوقير صغيرهم، وتخولهم بالموعظة الحسنة، وترك غشهم وحسدهم، وأن يحب لهم ما يجب لنفسه من الخير، ويكره لهم ما يكره لنفسه من المكروه، والذب عن أموالهم وأعراضهم، وغير ذلك من أحوالهم بالقول والفعل، وحثهم على التخلق بجميع ما ذكرناه، من أنواع النصيحة، وتنشيط هممهم إلى الطاعات، وقد كان في السلف – رضي الله عنه – من تبلغ به النصيحة إلى الإضرار بدنياه (شرح مسلم للنووي)
وقال الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: وأما النصيحة للمسلمين: فأن يحب لهم ما يحب لنفسه، ويكره لهم ما يكره لنفسه، ويشفق عليهم، ويرحم صغيرهم، ويوقر كبيرهم، ويحزن لحزنهم، ويفرح لفرحهم، وإن ضره ذلك في دنياه، كرخص أسعارهم، وإن كان في ذلك فوات ربح ما يبيع في تجارته، وكذلك جميع ما يضرهم عامة، ويحب صلاحهم، وألفتهم، ودوام النعم عليهم، ونصرهم على عدوهم، ودفع كل أذى ومكروه عنهم.
ومن أنواع نصحهم دفع الأذى والمكروه عنهم، وإيثار فقيرهم، وتعليم جاهلهم، ورد من زاغ منهم عن الحق في قول أو عمل بالتلطف في ردهم إلى الحق، والرفق بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومحبة إزالة فسادهم، ولو بحصول ضرر له في دنياه، كما قال بعض السلف: وددت أن هذا الخلق أطاعوا الله، وأن لحمي قرض بالمقاريض، وكان عمر بن عبد العزيز يقول: يا ليتني عملت فيكم بكتاب الله، وعملتم به، فكلما عملت بسنة وقع مني عضو، حتى يكون آخر شيء منها خروج نفسي. انتهى (جامع العلوم والحكم)
قال ابن عثيمين:” ليُعلم أن النصيحة هي مخاطبة الإنسان سراً بينك وبينه؛ لأنك إذا نصحته سراً بينك وبينه أثرت في نفسه، وعلم أنك ناصح، لكن إذا تكلمت أمام الناس عليه؛ فإنه قد تأخذه العزة بالإثم فلا يقبل النصيحة، وقد يظن أنك إنما تريد الانتقام منه وتوبيخه ووحطّ منزلته بين الناس فلا يقبل، لكن إذا كانت النصيحة بينك وبينه صار لها ميزانٌ كبير عنده وقيمة، وقبل ذلك” (شرح الرياض)
قال ابن بطال:” قال أبو بكر الآجرى: ولا يكون ناصحًا لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم إلا من بدأ بالنصيحة لنفسه، واجتهد فى طلب العلم والفقه، ليعرف به ما يجب عليه، ويعلم عداوة الشيطان له وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إليه النفس حتى يخالفها بعلم.” (شرح صحيح البخاري لابن بطال)